ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الثورة
السورية من "بابا عمرو" إلى "صلاح
الدين" 2012-07-27 12:00 AM الوطن السعودية
أذهلت مشاهد القتل
والدمار في حي "بابا عمرو" في حمص
العالم بسبب بشاعتها وقسوتها. وبرغم كل
المحاولات التي بذلها المجتمع الدولي
لإخراج الأزمة السورية من الطريق
المسدود الذي تراوح فيه منذ شهور، لا
يزال الصراع بين قوى المعارضة السورية
وقوات النظام يتصاعد بصورة سريعة،
وهناك خشية حقيقية من أن تشهد الأيام
القليلة المقبلة زيادة كبيرة في أعداد
الضحايا، خاصة في مدينة حلب، حيث حشدت
قوات النظام السوري قوات ومدرعات ضخمة
لضرب قوى المعارضة التي تتواجد بكثافة
في شوارع هذه المدينة وأحيائها
القديمة، خاصة في حي "صلاح الدين"
الذي يحوي كثافة سكانية كبيرة. إصرار المعارضة
السورية على تحقيق انتصار حاسم في حلب
يعود إلى الأهمية الكبيرة لهذه
المدينة التي تعد العاصمة الاقتصادية
لسورية، والتي يأملون في تحويلها إلى
"بنغازي" سورية. وتقول المعارضة
إنها تسيطر بالفعل على عدة أحياء
رئيسية في حلب، لكن مواقعهم تتعرض لقصف
جوي ومدفعي مكثف من قوات النظام، مما
أدى إلى نزوح عشرات الآلاف من سكان هذه
الأحياء إلى مناطق أكثر أمنا. إن
استمرار القمع الدموي الذي يقوم به
النظام ضد شعبه قد غير مواقف كثيرين من
أبناء مدينة حلب وجعلهم يميلون إلى
تأييد الثورة، تماما كما حدث مع أبناء
دمشق وبعض كبار المسؤولين. مشاهد النزوح
المؤسفة والمؤلمة للنساء والأطفال
والرجال من الأحياء الساخنة في حلب
تعيد إلى الأذهان المشاهد التي شهدها
العالم في مناطق أخرى من سورية، وخاصة
من أحياء حمص الساخنة التي كان أشهرها
حي بابا عمرو الذي سجل ملحمة في صمود
أبنائه في وجه قوات النظام وميليشياته.
وحتى لا تتكرر مشاهد القمع الدموي مرة
أخرى في شوارع حي "صلاح الدين"
وغيره من أحياء حلب، يجب على المجتمع
الدولي بذل جهود حقيقية وفعالة لمنع
النظام من ارتكاب مجازر جديدة بحق
المدنيين في هذه المدينة المنكوبة. لقد أصبح السوريون
يقابلون عبارات الاستنكار والشجب
والإدانة التي تصدر من المجتمع الدولي
ضد ممارسات النظام بالسخرية، لأنهم
يعرفون جيدا أنها لم ولن تردع النظام
ولن تؤثر على قراره بالاستمرار في تبني
الحل الأمني والعسكري لحل هذه الأزمة
مهما كلف ذلك من نزيف دماء أبناء الشعب
السوري. فهل يتحرك العالم لإيجاد حل
حقيقي ينهي معاناة السوريين بعد كل هذه
الشهور الدامية؟ الأيام القليلة
المقبلة ستكون حاسمة، وقد تشهد تطورات
تقرر مصير الثورة السورية بالكامل. ================= المصدر: صحيفة «لوس
أنجلوس تايمز» الأميركية التاريخ: 27
يوليو 2012 البيان تمثل الاضطرابات
الدامية في سوريا، التي تسيء إلى إحساس
الأميركيين بالعدالة والحرية بقدر ما
تضر بمصالحهم الوطنية، مشكلة تتحدى،
في ما يبدو، جميع الحلول. ويدعو كل من المثقفين
والسياسيين وخبراء السياسة الخارجية،
إلى تجديد التركيز على الدبلوماسية
والتخطيط للانتقال إلى الديمقراطية،
ومع ذلك فإنه بينما يخيم الدخان الأسود
على دمشق وتدير الأمم المتحدة
عجلاتها، يصعب إدراك أي النهجين يحرز
تقدما أكبر، ولعل الوقت قد حان للنظر
في خيارات أخرى. ومنذ أيام قليلة،
عارضت روسيا والصين - للمرة الثالثة ـ
مشروع قرار في مجلس الأمن، كان من شأنه
أن يؤدي إلى فرض عقوبات ضد نظام الرئيس
السوري بشار الأسد، إذا ما استمر في
انتهاك خطة السلام التي وضعتها الأمم
المتحدة، عبر المبعوث المشترك كوفي
عنان. ويمكن للعقوبات أن
تشكل أداة سياسة خارجية فعالة، ويتعين
على المجتمع الدولي الاستمرار في
محاولة فرضها. إلا أن المعركة صعبة في
سوريا، إذ ترتبط المصالح المالية
والاستراتيجية الروسية ارتباطا وثيقا
بنظام الأسد، ومن المستبعد جدا أن
تتراجع موسكو الآن. ويأتي أحدث فشل
دبلوماسي، في أعقاب أوضح دليل حتى الآن
على أن الرئيس السوري بشار الأسد يفقد
قبضته على السلطة، إذ إن التفجير الذي
شهدته العاصمة السورية دمشق مؤخرا، لم
يقتل ثلاثة من كبار مسؤولي النظام
فحسب، بل إنه أثبت بشكل قاطع أن أجهزة
الدولة الأمنية ليست منيعة، الأمر
الذي يعد انتصارا نفسيا من شأنه أن
يزيد الثوار حماسة واندفاعاً. وتشهد سوريا حرباً
أهلية تعتبر في جانب منها صراعاً من
قبل أغلبية محرومة ضد نظام استبدادي،
وفي الجانب الآخر يأخذ النزاع بعدا
طائفيا بين السنة والأقلية العلوية
التي تقود إدارة البلاد. وفي حين أن الأسد،
الذي ينتمي إلى الطائفة العلوية،
يشكل، بالطبع، موضع التركيز الرئيسي
للتوترات، فإن هذا الصراع يمكن ألا
ينتهي بسلام، حتى لو تنحى عن منصبه. فالعلويون وحلفاؤهم
لا يخشون فقدان السلطة الذي من شأنه أن
ينجم عن سيطرة السنة فحسب، ولكنهم
يخشون أيضا مواجهة تهديد لحياتهم وسبل
عيشهم، فيما يتولى شعب عانى طويلاً من
الاضطهاد زمام السيطرة. ويمثل الانتقال إلى
هذا النوع من حكم الأغلبية، بالضرورة،
هدف المجتمع الدولي. ومع ذلك، فإنه ما
لم يتم التوصل إلى طريقة ما لحماية
الأقلية العلوية وضمان عدم حرمانها من
المشاركة في الحكومة مستقبلاً، ودعمها
بقوة وضمانات دولية، فإن القتل يمكن أن
يستمر في سوريا لبعض الوقت. وهذا يعني
مزيداً من زعزعة الاستقرار في الشرق
الأوسط، وهو الاحتمال الذي يضر
بالمصالح الأميركية إلى حد كبير. ولعل هذه القضية
الطائفية تحصل على أقل مما تستحق من
الاهتمام، لأن العلويين، في نظر
الكثيرين، هم الأشرار، فلم ينبغي على
المجتمع الدولي أن يركز على حمايتهم؟ إن الإجابة تنطوي على
مزيج من العدالة والتطبيق العملي؛
فالعمليات الانتقامية العنيفة نادرا
ما تكون رداً عادلاً على اضطهاد ماض،
وفي غياب ضمانات إضافية، سيصعب تصور
وضع نهاية سلمية لهذا الصراع. ================= اغتيالات
واسعة النطاق لكن الثوار السوريين لم
ينالوا جائزتهم الكبرى روبرت فيسك () المستقبل 27-7-2012 لقد أصبحوا من الماضي
الآن. صهر الرئيس، وزير الدفاع، قنبلة
ضخمة على مقربة من أو داخل- مقر
الاستخبارات العسكرية الذي يديره شقيق
الرئيس. الاغتيالات تتطلب وقتاً
للتخطيط، لكن هذه العملية جاءت على
مستوى ضخم جداً تتناسب مع حمّامات الدم
التي تشهدها سوريا. لقد فقدت بشرى، شقيقة
الرئيس السوري بشار الأسد وإحدى ركائز
حزب البعث، زوجها في انفجار ضخم وقع في
قلب العاصمة دمشق. ليس عجيباً أن يتحدث
الروس إذاً عن "معركة حاسمة". لن تكون استعادة
لمعركة ستالينغراد، لكن مخالب الثورة
أصبحت على مقربة من القلب. وبالطبع
هناك مجازر كثيرة ستقع. وإلا فما الذي
دفع آلاف المواطنين السوريين الى
الهرب باتجاه مخيم اليرموك للاجئين
الفلسطينيين أمس طلباً للحماية من
أكثر الشعوب العربية تعرضاَ للخيانة؟ ثم هناك ما يكفي من
الكراهية للمحافظة على هذا المستوى
الشرس من الهجوم ضد الحكومة السورية.
قبل ثمانية أشهر وخلال إحدى التظاهرات
المؤيدة للنظام التي سارت في منطقة
الروضة، مررت قرب مبنى الأمن القومي
الذي استُهدف بالتفجير أمس. في ذلك اليوم، تطلع
إلي أحد أصدقائي وقال لي إن التعذيب
يجري تحت الأرض في المبنى، مضيفاً "لا
تريد حتى أن تعرف ماذا يجري هنا".
لكنّ من يخرج حياً من هناك، سيكون
سعيداً بقتل من عذّبه، ناهيك عن رؤساء
الجهاز وفريق التعذيب. إن غضب الشعب قادر
على تحمل خسارة دوق أو اثنين. كان
نموذجياً أن يسارع النظام في خطوة
يائسة لملء الفراغ الذي خلّفته عملية
الاغتيال بتعيين (العماد) فهد جاسم
الفريجي وزيراً للدفاع، وهو رجل من
حماه مركز الانتفاضة القائمة ضد حاكم
سوريا. لدينا نحن الغربيين
عادة التطلع دائماً إلى الشرق الأوسط
من خلال خارطتنا الشرق الأوسط يقع إلى
"شرقنا" أليس كذلك؟- لكن تطلّعْ في
الخارطة وسوف تدرك مدى قرب سوريا من
الشيشان المسلم. لا عجب إذاً أن تخشى
موسكو من الثورة في سوريا. وكان (الرئيس السوري
الراحل) حافظ الأسد، والد (الرئيس
الحالي) بشار، يخشى في سنواته الأخيرة
أن تنشب في سوريا حركة تمرد على شكل
الصراع الذي كان يتابعه يومياً عبر
التلفزيون: تفكيك يوغوسلافيا "العلمانية"
التي كانت تعاني من انقسامات مذهبية في
ذلك الحين شبيهة تماماً لسوريا اليوم.
وغريب أيضاً أنه على الرغم من عمليات
الذبح، فإن المجازر التي ترتكبها
الميليشيات ضد المدنيين ومذبحة
الأطفال في حرب التسعينات في الجزائر،
الدولة الحليفة لسوريا، فإن المشاهد
المقززة التي نشهدها في سوريا اليوم
بدأت تعكس البربرية التي كانت تسود
البوسنة، وكرواتيا وصربيا خلال حروبها. ماذا بإمكان بشار أن
يفعل اليوم؟ إليكم هذا السؤال المهم
الذي طرحه علي صديق سوري منذ عدة أيام.
قال، "فلنفترض أن الرئيس بشار قرر
الهروب؛ سوف يقوده إلى المطار ضابط
علوي. هل سيسمح له الضابط بالمغادرة؟
أشك بذلك". احتمالان قاتمان. نعم
سيستمر بشار متمسكاً بالسطلة إلى فترة
أطول مما نعتقد. لن يغادر؛ شقيقه ماهر
الذي يدير ما يسمّى بالفرقة الرابعة في
الجيش السوري قد يشكل حالة مختلفة. لكن
الدبابات تجول في شوارع دمشق، أقدم
مدينة مأهولة في العالم، ويمكن سماع
أصوات رصاص المعارك من القصر
الجمهوري؛ هذه أيام غير مسبوقة في دمشق.
لماذا أجبر التلفزيون السوري أمس على
قول الحقيقة عدة مرات. الحكم؟ سيرحل
بشار، لكنه لم يفعل بعد. ================= استعدادات
إسرائيلية لما بعد الأسد رندى حيدر 2012-07-27 النهار يضع تلاحق التطورات
الدراماتيكية في سوريا إسرائيل في
مواجهة عدد من المواضيع الشائكة، وفي
طليعتها كيفية التصرف إذا انتقلت
الأسلحة الكيميائية والبيولوجية التي
تملكها سوريا إلى "حزب الله"، وما
ستكون ردات فعل كل من إيران و"حزب
الله" في حال سقوط نظام بشار الأسد،
واحتمالات نشوب مواجهة جديدة بينها
وبين "حزب الله" في لبنان. تجمع التقديرات
الإسرائيلية على أن نظام بشار الأسد
يوشك على السقوط، ومن أهم المؤشرات
لذلك في رأيهم توسع حركة انشقاق كبار
الجنرالات في الجيش السوري مع فرقهم
العسكرية، وسيطرة الجيش السوري الحر
على ضواحي دمشق وحلب. وفي ظل هذا الواقع
تكاثرت التحليلات والسيناريوات
الإسرائيلية لمواجهة مرحلة ما بعد
الأسد. ويبدو واضحاً أن
النقاش الإسرائيلي الدائر حالياً في
شأن سبل التصدي لانتقال الأسلحة غير
التقليدية السورية الى "حزب الله"
أو أطراف آخرين معادين، إنما يشكل غطاء
للبحث في مسألة أخرى فائقة الأهمية هي
إمكان استغلال تدهور الأوضاع في سوريا
والسقوط الوشيك للنظام هناك، من أجل
توجيه ضربة الى كل من سوريا و"حزب
الله"، وتغيير المعادلة التي كانت
قائمة حتى الآن على حدودها الشمالية،
بذريعة منع انتقال الأسلحة الكيميائية. ويبدو أن عدداً من
السياسيين الإسرائيليين في مقدمهم
رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع
باراك ووزير الخارجية افيغدور ليبرمان
يؤيدون هذه الفكرة لأنها في يؤيدون
ستسمح لهم بالتخلص أخيراً من الترسانة
الصاروخية التي يملكها "حزب الله"
في لبنان، وستساعدهم على تنفيذ الهجوم
على المنشآت النووية الإيرانية
لاحقاً، من دون الاضطرار الى دخول
مواجهة عسكرية على الجبهة الشمالية. في مقابل هؤلاء تبرز
وجهة نظر القيادة العسكرية كما عبر
عنها رئيس الأركان اللفتنانت جنرال
بني غانتس والمعارضة لمثل هذه الخطوة
لأنها تنطوي على مخاطر نشوب حرب شاملة،
ومن شأنها تقوية موقع الأسد عوض
اضعافه، ولن تحظى بدعم دولي. بيد أن التوجه
الإسرائيلي الى استخدام القوة
العسكرية لحسم المسائل لمصلحتها، يخفي
وراءه أيضاً مخاوف كثيرة مما قد يحدث
في المرحلة المقبلة اذا قرر الأسد
مهاجمة إسرائيل كمخرج أخير ينقذ من
خلاله نظامه، أو اذا هاجم "حزب الله"
كردة فعل على سقوط الأسد، إسرائيل
بصواريخه. وما يقلق إسرائيل أيضاً موقف
إيران، فهل تسمح بذلك أم تفضل عدم
انجرار الحزب نحو المواجهة العسكرية
الآن، والاستفادة من توازن الرعب
القائم حالياً على الحدود لردع
إسرائيل عن مهاجمة منشآتها النووية؟ يظهر مما سبق أن مصير
نظام الأسد لن يحدد مستقبل سوريا
وحدها، وانما مستقبل الصراع بين "حزب
الله" وإسرائيل. ================= راجح الخوري 2012-07-27 النهار دعونا من التراشق
الدولي بالتصريحات الساخنة والسخيفة
طبعا حول الأزمة السورية التي دخلت،
بعد انفجار دمشق وبداية المعارك في
العاصمة وحلب، منعطفاً نهائياً لا
يفضي إلا الى نتيجة من اثنتين: إما
الانغماس في حرب اهلية طويلة تجعل
سوريا ساحة معركة لتصفية الحسابات
الاقليمية والدولية، وإما تنظيم
الخلافات الاقليمية والدولية حول
مستقبل سوريا على قاعدة حصول الجميع
على جائزة ترضية من الجغرافيا الجديدة
التي قد تنشأ من التقسيم. واضح تماماً ان مهمة
كوفي انان انتهت ولن ينفع كلام سيرغي
لافروف العصبي والمضحك في احيائها.
واضح ايضاً ان النظام لن يتمكن من
استعادة السيطرة، وواضح ان المعارضة
التي تمسك بقسم من الاراضي السورية لن
تتمكن من حسم المعركة في ظل الدعم
الايراني والروسي المتزايد للنظام. بإزاء كل هذا، فان
السؤال المطروح في المطابخ السياسية
الكبرى هو: أوليس التقسيم المتفاهم
عليه ضمناً (من دون مشاورات او حوارات)
افضل من دخول المنطقة جحيم الصوملة عبر
نار سورية تمتد في كل الاتجاهات؟ ليس
هناك اي رد معلن على هذا السؤال، لكن
التدقيق في الوقائع بعدما وصلت الأمور
الى حافة "الجحيم السوري" يساعد
في تظهير مجموعة من الاحتمالات لا جدال
فيها: اولاً: اذا كان
النظام يعجز عن استعادة سيطرته على
البلد وخسائره الى ازدياد، فلماذا لا
يذهب الى دولته العلوية التي يؤكد سير
المعارك في حمص وحلب وشريط القرى
السنيّة عند السهل، حيث تبدأ جبال
العلويين، انها كانت في حساباته منذ
البداية؟ ثانياً: اذا كانت
روسيا قد تيقنت من ان النظام لن يتمكن
من الاحتفاظ بسيطرته، فلماذا لا تقبل
بدولة علوية تبقي لها نفوذها ومواطئ
اقدامها؟ ثالثاً: لماذا تخسر
ايران 35 عاماً من الجهود التي بذلتها
للوصول الى شواطئ المتوسط عبر سوريا،
ولماذا تنخرط مع النظام الى النهاية في
لعبة دموية خطرة وخاسرة، وما المانع من
ان تدعمه لا بل ان تسيطر عليه اكثر في
دولته العلوية؟ رابعاً: وماذا يضير
الاميركيين من تقسيم سوريا وقيام دولة
علوية في مواجهة دولة سنية وربما ثالثة
للدروز والاقليات ورابعة كردية منضبطة
إرضاء لتركيا؟ خامساً: هل هناك من
سيكون اكثر سعادة من العدو الاسرائيلي
الذي يضاعف الآن من حركة دفن فلسطين
وقضيتها تحت ركام هذا الخواء العربي
الطويل والمرعب سواء كان خواء انظمة
الممانعة والصمود والتصدي المنهارة او
انظمة التسويات الواهمة واللاهية؟ ================= خفايا
تفجير دمشق اكبر بكثير مما رشح عنها 2012-07-26
القدس العربي بدأ الانحدار في
النظام السوري نحو الهاوية منذ هروب
العميد مناف مصطفى طلاس وما تلاه من
انشقاقات واسعة لرتب ومناصب كبيرة كان
السفير السوري في بغداد ابرزها، الا ان
تسارع الاحداث صاعد من نيران الهواجس
المرعبة في اعقاب تفجير مبنى الأمن
القومي ومقتل الرؤوس المفكرة والمدبرة
والمخططة للنظام السوري وهي المسؤولة
مباشرة عن سيل الدماء التي سالت على
الارض السورية. كان الاثر عميقا
ومربكا ومفزعا على النظام نفسه ايضا مع
مقتل وزير الداخلية محمد الشعار ومقتل
العماد داوود عبد الله راجحة وزير
الدفاع السوري ومقتل آصف شوكت صهر
الرئيس ونائب وزير الدفاع وكذلك رئيس
المكتب القومي هشام بختيار وكان على
رأسهم معاون نائب الأسد للشؤون
العسكرية ورئيس خلية الأزمة حسن
التركماني، بالاضافة الى بقية
المجموعة المؤلفة من رؤساء وقيادات
الاجهزة الامنية وقادة الفرق المشاركة
في واجب حرب الشوارع والمدن في سورية
والتي قامت بعمليات القتل الممنهج
للشعب وتحديدا المغاوير والحرس
الجمهوري والفرقة الرابعة وكافة
المؤسسات الاستخبارية خاصة المخابرات
الجوية. الا ان السلطات
السورية ما زالت تتحفظ وتمارس اعلى
درجات السرية والتكتم على عدد واسماء
وتفاصيل انفجار مبنى الامن القومي،
مما افسح المجال لتداول معلومات كثيرة
ومتداخلة عن مقتل خبراء من خارج سورية
في هذا التفجير كان يستعين بهم نظام
الممانعة كمسؤول المخابرات المصرية
السابق عمر سليمان و بن عويز شامير
قائد جهاز المعلومات الخارجية في
الشاباك الصهيوني اضافة الى مسؤولين
من المخابرات الايرانية وشخصيات اخرى
ونحو عشرين مسؤولا وشخصية قيادية
واجنبية لقوا حتفهم. ورغم ظهور الرئيس
السوري العارض والسريع مع وزير الدفاع
السوري الجديد الا انه تصاعدت الهواجس
المرعبة مع غياب الرئيس بشار الغامض عن
الساحة السورية وعدم معرفة مكان
وجوده؛ سواء لتدني معنوياته التي لا
تسمح له بالظهور، اوالاختباء
لاعتبارات امنية تكتيكية بعد تفجير
مبنى الامن القومي في دمشق ومقتل اكبر
قادته العسكريين والامنيين التي تدير
الازمة وتشكل خلية متكاملة واستمرار
المعارك يعمق من تدهور المعنويات لدى
اتباع النظام وقادته، بالمقابل يعظم
من معنويات الثوار والجيش السوري
الحر، وكل ذلك يفاقم الوضع تعقيدا
ويدخل الساحة السورية في حالة الفوضى
وعدم الاستقرار مما يسارع من حالة
الانهيار الفوضوي غير المنظم وغير
المسيطر عليه. هذا اذ لم يكن الامر
يتعلق باختفائه الى حين ترتيب اجراءات
هروبه وهو ما ترجحه مراجع استخبارية
غربية سربت هذه التحليلات، مما يعمق
ويصاعد من حجم الهواجس اكبر واعظم
والتي تتعلق اولا : بالحرب الاهلية
وتداعياتها، وثانيا : وهوالاخطر؛ سوء
استخدام اسلحة الدمار الشامل، او وقوع
هذه الاسلحة بايدي منظمات متحمسة او
مندفعة اوتجهل استخدامها، سيما ان
الملك عبدالله الثاني اشار مؤكدا الى
معلومات حول ذلك سيما القاعدة وابدى
تخوفه الواضح في هذا الاتجاه.. لقد ورد لاحقا ان
السفير الروسي في باريس قال ان الرئيس
السوري يوافق على التنحي لكن بطريقة
حضارية، وهو ما سارعت دمشق الى نفيه،
الا ان الحقيقة الواضحة ان دبلوماسي
بمرتبة سفير لا يدلي بهذا التصريح الا
اذا كان مكلفا بذلك وربما لغايات جس
النبض. ان السيناريو
المتوقع والاخطر على الاطلاق هو قيام
النظام نفسه، باسلوب او بآخر، بتسليم
هذه الاسلحة من باب الانتقام وخلق حالة
هستيرية، قد يظن انها تخدمه، من خلال
تسليم او تسريب هذه الاسلحة الى اطراف
متهورة اومتطرفة تستخدمها كما يحلو
لها، وبما يعرض سورية والمنطقة الى
ابادة او كارثة حقيقية. كل السيناريوهات
مفتوحة، والثابت الوحيد ان النظام
يحتضر في حالة غير مسيطر عليها، ولا بد
من اجراءات فاعلة لتفادي التداعيات
الخطيرة والمرعبة. والامر جد خطير ولن
يتوانى النظام المحتضر من استغلال كل
الظروف باتجاه الانتقام، حيث انه دائم
الاستحضار لمفهوم البطولة ويعتبر نفسه
ممانعا ومقاوما، ولكن هذه المرة
سيستخدم الواقع ومفاهيمه بطريقة
عشوائية انتقامية هستيرية مدمرة لشعبه
وللاخرين، سيما انه سبق وهدد وتوعد على
نظرية ' عليا وعلى اعدائي'. د. محمد جميعان ================= الموقف
الروسي من الثورة السورية.. هل تخرج
موسكو من المستنقع؟ محمد بزيان 2012-07-26 القدس العربي في حديث لنا سابق قبل
أسابيع تحت عنوان ((المعضلة السورية))
حاولنا حصر العقد أو الإشكالات التي
صعبت إلى حد كبير إنهاء الصراع في
سوريا. وذكرنا من بين العقد موقف روسيا
المساند للنظام القائم في دمشق. ذلك أن روسيا تورطت
مع نفسها في مساندة نظام بشار الأسد،
بحيث لم تعد قادرة على الخروج من
المستنقع الذي وقع فيه هذا النظام،
ومحاولتها انتشاله منه بعد هذه
المجازر المتتالية التي صار ارتكابها
نهجا متبعا يسلكه النظام الذي قرر
تدمير كل ما على التراب السوري من بشر
وشجر وحجر بما توفره له روسيا من حماية
سياسية ودبلوماسية وبما تمده من سلاح
وذخيرة. لدرجة أن تكونت قناعة لدى
البعض فاعتبر روسيا شريكا في ما يجري
من مجازر. وبالنتيجة أصبحت روسيا تبدو
في نظر هذا البعض دولة كبرى خارجة عن
المجموعة الدولية. وأن موقفها مبني
أساسا على ((المكابرة)) وليس على
العقلانية وروح المسؤولية في معالجة
المأساة الإنسانية التي يعيشها الشعب
السوري. ولعله من المفيد في
هذا السياق أن نحاول فهم الموقف الروسي
وخلفياته باعتباره بقي حتى الآن عقبـة
كأداء في طريق وضع حد للفظائع المقترفة
في حق الشعب السوري على يد نظام دخل
عالم الجنون فلم يعد يعي ما يفعل. وعليه كي نستطيع فهم
الموقف الروسي، ثم بعد ذلك نحاول
تقييمه، علينا أولا إدراك بعض
الخلفيات الأساسية. أهمها أن الموقف
الروسي هو رد فعل على الموقف الغربي.
وهو من جهة أخرى ارتداد لما تعرض له
النظام الدولي لما يشبه الزلزال في
أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي. هذا
النظام مازال يبحث له عن توازن
واستقرار أو قل هو يحاول البحث عن
قواعد يستطيع أن يقوم عليها وتحكمه على
مدى سنوات عديدة مقبلة. ولذلك كانت ((المسألة
السورية)) محـل صراع حاد بين روسيا
والغرب خاصة. فأخذ كل طرف يسعى إلى فرض
إرادته بصورة ما، واضعا مصلحته أولا.
بغية تحقيق مكاسب أو مواقع على خريطة
النفوذ التي أخذت تتضح معالم حدودها مع
بداية الربيع العربي. وظهر فيها نفوذ
روسيا ينحسر خارج جغرافية سوريا
وإيران. ومن الطبيعي والحال هذه أن
تشعر روسيا بالقلق جراء تمدد النفوذ
الغربي في المنطقة ليمتد إلى
أفغانستان التي أعلنت بشأنها الوزيرة
كلينتون أخيرا بأنها ((دولة حليفة خارج
الحلف الأطلسي)). وكما ترى فإن موقف
روسيا من الثورة السورية نابع من
نظرتها إلى أن الغرب الذي يسعى إلى
توسيع دائرة نفوذه في المنطقة على
حسابها. أما موقف الغرب فنابع
من نظرة تقوم على أساس نشر الديمقراطية
القائمة على النظام التعددي ديمقراطية
تخدم مصالحه بطبيعة الحال. وما الثورة
السورية بالنسبة له سوى حلقة في سلسلة
الثورات العربية التي توجت كلها حتى
الآن بإقامة نظم تعددية. لم يحلم في يوم
من الأيام بأن يرى عالما عربيا يحتل
قلب العالم القديم يتحول بسرعة مدهشة
وبخطوات تبدو ثابتة نحو تغيير يحدث من
الأسفل ضد الأحادية والاستبداد باتجاه
التعددية والديمقراطية بأقل كلفة
ممكنة، إذا استثنينا الحالة الليبية. إن الصراع في سوريا
لسوء حظ الشعب السوري يخفي صراعا بين
قوى الاستكبار العالمي على حد تعبير
الإيرانيين. وقد عبر المبعوث الآممي
السيد كوفي عنان بدقة حينما وصف الخلاف
بين الغرب وروسيا حول المسألة السورية
بقوله ((التنافس الهدام بين الغرب
وروسيا..)). عندما نحاول النظر
إلى مجريات الأحداث في سوريا وإلى
موقفي الطرفين الروسي والغربي منها
ومدى تماسك كل منهما، فإننا نجد
اختلالا في الموقف الروسي. حتى وإن
حاولنا النظر إلى المسألة من زاوية
النظرة الروسية. فالموقف الروسي مثلما
يبدو لنا غير متماسك بحيث نلاحظ وجود
ما يمكن اعتباره خطأ في الوسيلة وفي
الهدف. فمن حيث الوسيلة، روسيا تتمسك
وبكل إصرار بنظام فقد مبررات استمراره
بعد أن أخرج دباباته وكل أسلحته
الثقيلة لقتل شعبه وتدمير مدنه وإضرام
النار في بيوت مواطنيه وحقولهم ! إن
مساندة مثل هذا النظام سياسة تنطوي على
خطأ فادح. بعبارة أخرى هذا الموقف
يفتقر إلى كل المبررات الشرعية
والأخلاقية وبخاصة بالنسبة لدولة كبرى
تقع على عاتقها كغيرها من الدول الكبرى
الأخرى مسؤولية الحفاظ على الأمن
والسلام الدوليين. وإذا كان وزير
خارجية روسيا صرح يوما بأن بلاده تدافع
عن احترام مبادئ القانون الدولي الذي
لا يسمح بالتدخل في شؤون الدول فهذا
أمر مقبول ويستحق الثناء. لكن إذا تعلق
الأمر بأعمال القتل الذي يطال
المدنيين من الأطفال والنساء فإن مبدأ
عدم التدخل يفقد معناه لأن حق الإنسان
في الحياة مقدم على غيره من الحقوق.
فليس معقولا أن تبقى المجموعة الدولية
تتفرج على ما يقترف من مجازر على يد
طغمـة كأنها ليست من بني آدم وإنما
جاءت من كوكب آخـر فجعلت تدمر كل ما على
أديم الأرض التي يقيم عليها شعب هو جزء
من الأسرة الدولية مثلما. كان في إمكان
روسيا أن تطلب من الأسد التنحي مثلما
فعلت الولايات المتحدة مع حليفها حسني
مبارك. كان مثل هذا الطلب كفيلا بأن
يشعر بشار الأسد وزبانيته بأن سياسة
القمع مرفوضة ولن تجديه نفعا. ولن توفر
حماية لنظامه. وبذلك كان من يمكن تجنيب
الشعب السوري ما تعرض له من مجازر.. ومن الضروري الإشارة
إلى أن هناك تقصيرا فادحا من جماهير
الأمة في النهي بالكلمة عما يتعرض له
الشعب السوري من مذابح. إنه لمن المحزن
أن لا تتحرك جماهير الأمة فتخرج في
مظاهرات احتجاجا وتنديدا بما يتعرض له
الشعب السوري من ذبح كما تذبح الخرفان
أو أسوأ من ذلك. لأن الخرفان تذبح وفقا
للأوامر الشرعية، فلا تطعن ولا تنحر
بغير الحاد ولا يسفح دمها على مرأى من
أمهاتها وأخواتها من البهائم. بينما
يقتل أطفال سورية على مرأى من أمهاتهم
وإخوانهم. يحدث هذا والأمة شعوبا
وحكاما ينظرون ويأكلون حتى التخمة
وينامون ملء الجفون. لو تحركت الشعوب
في مظاهرات منــددة بالقتلة وبمن يقف
وراءهم ممن حولوا الدم السوري إلى
أوراق يساومون بها في سوق المصالــح
بدلا من لغة التأسف والتوسل وانتظار
مجلس الأمن ومبعوثه، لأحس هؤلاء أن
مواقفهم المخزية تسخط الأمة وتغضبها.
ولغيروا حينها من مواقفهم وسياساتهم
قبل أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه
الآن. ويتم تدمير أقدم مدينة وأعرقها
دمشق بالمروحيات والدبابات ويدفن
سكانها تحت أنقاضها.. أما من حيث الهدف وهو
المحافظة على استمرار العلاقة الحسنة
بينها وبين سوريا فالأمر يقتضي قيام
هذه العلاقة على أساس وجود مشاعر صداقة
لدى الشعب السوري نحو روسيا. أما
محاولة إقامة صداقة متينة بالاعتماد
على رعاية مصلحة الحكم غير الشعبي
فسياسة غير منتجة.. فالنظرة السليمة
التي نرى أنها غائبة في الموقف الروسي
من الثورة السورية فهي ظن روسيا أن
سقوط النظام القائم الآن في سوريا.
ومجيء نظام جديد يعني أنها خسرت سوريا
تماما وانقطعت العلاقة الحسنة معها.
بينما الواقع لن يكون بهذه الصورة
المتوقعة. إلا إن أرادت روسيا نفسها
ذلك مثلما تفعل الآن بسياستها المتبعة
حاليا تجاه الشعب السوري. أما غير هذا
فإن الواقع سيفرض على أي قيادة في دمشق
أن تكون علاقتها بموسكو حسنة ومتينة.
أولا بسبب عمق العلاقة بين الشعبين
والدولتين التي مرت عليها فترة زمنية
طويلة. وثانيا بسبب ((الضرورة)) كذلك. إذ
لا يمكن لسوريا أن تستغني عن إقامة
علاقة قوية مع روسيا في ظل وقوف الغرب
وانحيازه إلى إسرائيل المحتلة. وخلاصة القول إن
الدفاع على نظام دموي خطأ يرتكب وأن
السعي إلى الصداقة المتينة مع الدول
تقتضي إيجاد روابط التواصل بين الشعوب
بحيث تجد هذه الشعوب ضرورة تدفعها إلى
التقارب والتفاهم مع غيرها. ونعتقد أن
بشار الأسد ونظامه هو من يعمل اليوم
على تقويض علاقة الصداقة مع روسيا. ومن المفارقات
العجيبة التي يأتي بها التاريخ أحيانا.
أن الثورات في القرن الماضي على
الاستعمار أو الاحتلال كانت تزعج
الغرب وترضي الشرق، أما الثورات على
الاستبداد اليوم فتزعج الشرق وترضي
الغرب على الرغم من أن هدف الثورات
واحد في الحالتين وهو سعيها إلى الحرية.
وبنظرة ربما أكثر عمقا نجد أن الموقف
الروسي يتجه إلى معالجة المسألة في
الظاهر أو النتيجة وليس في اللب أو
السبب. ونحن على قناعة لو أن القيادة
الروسية أعادت النظر في تصوراتها
لغيرت موقفها. وإن كان ذلك صعبا عليها
لأسباب ذاتية لكن ليس مستحيلا. خلاصة القول إذا كان
النظام المستبد والمتعنت في دمشق قد
أوصل البلد والمنطقة إلى أبواب
المجهول. ووضع نفسه في ورطة فإن القوى
الدولية هي أيضا في موقف لا تحسد عليه
بسبب الموقف الروسي الذي تمسك إلى آخر
لحظة بنظام مجنون فجره معه إلى حافة
المجهول.. ================= د. عبدالوهاب
الأفندي 2012-07-26 القدس العربي
(1) هناك سؤال ظل يطرح
نفسه بإلحاح منذ أن قسم العرب أنفسهم
إلى 'ممانعين' من أهل الصمود والتصدي، و'معتدلين'
من أهل السلام والتعاون مع 'المجتمع
الدولي'، وهو السؤال التالي: متى يمانع
الممانعون؟ وكيف ومتى يصمد الصامدون؟
وهو سؤال ما يزال ينتظر الإجابة
المقنعة. وقد أعاد السؤال طرح نفسه في
الأيام الأخيرة في الحديث حول أسلحة
الدمار الشامل التي قيل أن سورية
تمتلكها، وذلك بصيغة: متى ستستخدم
سورية هذه الأسلحة؟ (2) في الحقبة الأولى من
المواجهة بين ما سمي وقتها بالأنظمة 'الرجعية'
وتلك التي سمت نفسها 'تقدمية' (أطلق
بعضهم على تلك الفترة تسمية 'حقبة
الحرب الباردة العربية')، كانت الأنظمة
'التقدمية' تفخر بأنها تصارع الاستعمار
والامبريالية، وتجتهد في تحرير العرب
منهما، مقابل احتماء الأنظمة الرجعية
بالدول الاستعمارية. كان 'التقدميون'
عندها في موقع الهجوم، حيث كانت
الأنظمة التقليدية تتهاوى بسرعة تحت
زحف قوى التغيير. وقد تطور الأمر بحيث
أصبحت الدول 'التقدمية' تصرف جهداً
أكبر في الصراع مع الدول التقليدية
منها مع أعداء الخارج (من أمثلة ذلك
تدخل مصر في اليمن، وصراع اليمن
الجنوبي والعراق مع جيرانهما، ناهيك
عن مغامرات ليبيا القذافي). (3) في بعض الأحيان، لم
يكن التمايز بهذا الوضوح. على سبيل
المثال، فإن دولاً مصنفة 'رجعية' (تونس،
المغرب، وليبيا) ساهمت بقدر أكبر من
غيرها في حرب تحرير الجزائر، كما أن
مساهمة الدول التقليدية في دعم نضال
فلسطين لم يكن أقل من غيره. ولكن الأمور
انقلبت رأساً على عقب بعد حرب عام 1967
الكارثية، حيث اعترفت الأنظمة 'التقدمية'
لأول مرة باعتمادها على خصومها 'الرجعيين'،
خاصة بعد مؤتمر الخرطوم الذي تعهدت فيه
الدول التقليدية برصد موارد كبيرة
لدعم 'صمود' الصامدين. وتعمق الأمر بعد
حرب أكتوبر 1973 التي لعب فيها سلاح
النفط دوراً كبيراً. (4) منذ ذلك الحين، لم
تعد ظاهرة 'الصمود والتصدي' ودعاوى 'الممانعة'
أكثر من شعارات صوتية. وحتى قبل ذلك فإن
'الممانعة' كانت دائماً بالوكالة، حيث
تقوم الأنظمة بدعم حركات 'مقاومة'،
فلسطينية في الغالب، ولبنانية أحياناً.
ولكن حتى هذا النضال بالوكالة تراجع
بسرعة، لعدة أسباب، أولها أن التنافس
والصراع الذي احتدم بين الأنظمة 'التقدمية'
ورط الحركات الفلسطينية وغيرها في
صراعات هذه الدول مع بعضها. أيضاً أدى
إخراج المقاومة من الأردن ولبنان إلى
إغلاق هذه الساحة، كما أن ظهور حركات
مقاومة إسلامية إما مستقلة أوموالية
لإيران، سحب البساط من تحت الأنظمة.
وفوق ذلك فإن تورط العراق، أكبر وأقوى
الدول 'التقدمية' في الحرب مع إيران،
نتج عنه تبعية شبه كاملة لدول الخليج
وقد تلقى ضربات قاصمة حين حاول التمرد
عليها. (5) الإشكالية الأكبر
لدول 'الممانعة' لم تكن حروبها
الجانبية الكثيرة (مع بعضها البعض أو
مع الدول الجوار)، وإنما حروبها
المستمرة مع شعوبها. فعلى الرغم من أن
هذه الأنظمة رفعت شعارات 'شعبوية' حول
المقاومة، ومقارعة الاستعمار،
والعدالة الاجتماعية، إلا أن واقع
سياساتها تعارض كثيراً مع هذه
الشعارات، كما أن ترويجها لنموذج حكم
الفرد وسطوة المخابرات قوض الثقة بها،
وجعلها تنفق معظم جهودها في قمع الشعوب.
وبالتالي لم يعد لهذه الأنظمة فائض
طاقة لمقارعة عدو الخارج، بل حتى
للدفاع عن السيادة. بل إن هذه الأنظمة
أصبحت أكثر ارتهاناً للخارج من خصومها.
فمن لم يكن تابعاً لروسيا تحول إلى قن
لإيران أو ملحق بدول الخليج. (6) ورغم ما أنفقته هذه
الدول على التسلح، وما فرضته على
شعوبها من تضحيات بالحرية والكرامة
باسم الممانعة، فإن أياً من هذه
الأنظمة لم يطور قدرات دفاعية تؤهله
للصمود في وجه هجوم خارجي من إسرائيل،
أو حتى من إيران، فضلاً عن أن تسمح له
بالتحرك لاسترداد أراض محتلة أو
استعادة حقوق مسلوبة. وعندما تعرضت هذه
الدول (أو مناطق نفوذها كما في لبنان)
لهجوم، لم تكن لها أي قدرة على التصدي،
فكانت في ممانعاتها مثل ربات الخدور
العزل، بل لعلها كانت أقل ممانعة. (7) هذا يعيد طرح السؤال
الأساسي: متى يمانعون إن كانوا أصلاً
ينوون ذلك؟ بنى العراق، على سبيل
المثال، ترسانة ضخمة من الأسلحة غير
التقليدية، ولكنه لم يستخدم أياً منها
عندما هوجم واستبيح. وشهدنا بعد ذلك
أغرب المشاهد التي وصلت حداً من
الإذلال بلغ تفتيش غرف نوم زعيم البلاد
وهو راغم بحثاً عن أسلحة مخبأة. وهكذا
تحولت المسألة من كون السلاح مرصوداً
للدفاع عن أمن الدولة، إلى تحول الدولة
إلى مدافعة عن سلاح ثبت أنه لم يكن سوى
وهم. نفس الأمر نشهده في سورية اليوم،
حيث أكد النظام رسمياً أنه لن يستخدم
ترسانته من الأسلحة غير التقليدية إلا
إذا هوجم، ثم عاد فقال إنه لن يستخدمها
أبداً، حتى إذا هوجم. فلماذا إذن كان
تضييع المال والجهد في تكديس أسلحة لن
تستخدم تحت أي ظرف؟ (8) الذي تأكد لنا بما لا
يدع مجالاً للشك هو أن قادة الأنظمة
الاستبدادية هم أجبن الخلق، وكذلك
جيوشهم، لأن هذه الجيوش تخضع لنظام
إرهابي يغرس الجبن غرساً في النفوس.
ولهذا شهدنا كيف انهارت هذه الجيوش وفر
قادتها قبل جنودها في أي مواجهة ذات
بال. بل إن ما نراه اليوم من تعامل
الجيش السوري مع جيوب المقاومة، حيث لا
يجرؤ على الدخول في مواجهة مع الثوار،
وإنما يكتفي بالتصدي للمدنيين، أو قصف
المواقع من بعد. فمن كان يخاف من حفنة
مسلحين بالأسلحة بالخفيفة، كيف يجرؤ
على مواجهة إسرائيل وترسانتها؟ (9) ما ننصح به الآن هو
تحويل المنطقة العربية برمتها إلى
منطقة منزوعة السلاح. ذلك أن أعظم
انجازات الشعوب العربية، من ثورة 1919 في
مصر إلى ثورات الربيع العربي، مروراً
بالانتفاضات الفلسطينية، ظلت حتى الآن
هي تلك التي أنجزتها الشعوب المجردة من
كل سلاح. أما الأسلحة المكدسة في مخازن
الحكام العرب فهي إما عديمة الجدوى،
وإما يستخدمها الجبناء للاستئساد على
العزل من النساء والأطفال، ثم يلقونها
ويهربون عند أول طلقة، بل أول زجرة من
عدو. النظام السوري، مثلاً، تراجع خلال
ساعات عن التهديد باستخدام سلاحه،
وذلك لمجرد صدور تصريحات زجرية ضده.
وأنا متأكد من أن الشعب السوري الأعزل
كان سيكون أكثر صموداً في وجه أي عدوان
خارجي من قادة لا يجرؤ أي منهم على
المشي في شارع عاصمته. قبح الله الجبن
والجبناء، خاصة من يحمل السلاح منهم! ================= إيران
والنظام السوري: أي منقلب ينقلبون؟ صبحي حديدي 2012-07-26 القدس العربي وزير الخارجية
الإيراني علي أكبر صالحي لم يكن
سعيداً، أغلب الظنّ، بتصريحات زميله
العميد سيد مسعود جزائري، مساعد قائد
الأركان العامة للقوات المسلحة
الايرانية؛ وليس، فحسب، لأنّ الأوّل
يتوجب أن يحتكم إلى الخطاب الدبلوماسي
حمّال الأوجه، والثاني يستطيب الخطاب
العسكري الناريّ و'الحربجي'. ثمة، إلى
هذا، ما يميط اللثام عن مقدار،
ومستويات، الارتباك الذي يطبع تصريحات
السلطات الإيرانية بصدد الانتفاضة
السورية عموماً، و'منافذ النجاة'
الكفيلة بحفظ الحدّ الأدنى من المصالح
الإيرانية في سورية ما بعد آل الأسد،
خصوصاً. وثمة، أيضاً، ذلك
الخيط (الرفيع الخفيّ تارة، الغليظ
الصريح طوراً) الذي يقود في منتهاه إلى
تضارب الرأي ـ بين الساسة والعسكر،
والحكومة المدنية والمؤسسة الدينية ـ
حول صحة أو خطل الوقوف مع النظام
السوري ضدّ الشعب؛ وكيف يتطابق هذا
الانحياز، أو يتناقض، مع أوامر
الإسلام ونواهيه، إذا وُضعت مبادىء
الأخلاق والخُلُق جانباً. صالحي، قبل أيام فقط،
في العاصمة طهران، وقف إلى يسار كوفي
أنان، مبعوث الأمم المتحدة والجامعة
العربية، ليشدد مجدداً على دعم
الحكومة الإيرانية لخطة النقاط الستّ،
رغم معرفته (أسوة بصاحب الخطة، نفسه)
أنها إذا لم تكن قد سقطت في واحدة من
سلال مهملات التاريخ، فإنها قد صارت
لتوّها محض حبر على ورق. وكان صالحي قد
بلغ أقصى الكياسة الدبلوماسية حين صاغ
مسألة تنحي الأسد على النحو التالي: 'يجب
أن يبقى في منصبه حتى الانتخابات
المقررة عام 2014، التي يختار فيها الشعب
السوري رئيسه الجديد'. ورغم أنّ الصيغة
تلتزم مساندة الأسد ضمناً، وتمنحه
أكثر من 23 شهراً إضافياً في حكم شعب
ثائر عليه وعلى نظامه، فإنّ صالحي نطق
بمفردة 'الجديد'، التي أوحت أنّ الرئيس
القادم لن يكون 'الحالي' أو 'القديم'. أمّا العسكري،
العميد جزائري، فإنه أحكم قبضته وهدّد
'أعداء' النظام السوري بـ'ضربة كبيرة'،
و'درساً لن ينسوه أبداً'، إذا ما قرّر 'حلفاء'
النظام السوري الدخول على الخطّ،
عسكرياً هذه المرّة، وليس سياسياً فقط
(كأنّ هؤلاء 'الحلفاء' كانوا حتى
الساعة، قانعين بمراقبة الموقف عن
بُعد، ليس أكثر!). وقال جزائري: 'حلفاء
سورية الكبار لم يدخلوا الساحة لصالح
سورية حتى الآن ولكن اذا ما دخلوا
فانهم سيوجهون ضربة كبيرة لأعداء
سورية، لا سيما الى الدول العربية
العميلة لأمريكا والكيان الإسرائيلي'؛
معتبراً أنّ 'الحرب ضدّ سورية لن تفلح،
وستهزم جبهة الشيطان هزيمة نكراء
يسجلها التاريخ، حيث أنهم في الوقت
الراهن لا يستطيعون القيام بفعل شيء
سوى التفجيرات وترويع الناس والحرب
النفسية ضد الشعب السوري'. دليله على 'هشاشة
القرارات الأمريكية وضعفها في الأداء'،
هو التالي: 'لو كانت تمتلك القوة
والسلطة لما سمحت بسقوط أكبر حليف لها
في المنطقة، ألا وهو الدكتاتور
المخلوع حسني مبارك'. لاحظوا أنّ الرجل،
الذي يمثّل الشريحة العليا من عساكر 'الثورة
الإسلامية'، لا يمتلك ذرّة ثقة في
الشعوب الثائرة، التي يمكن أن تنتصر
ليس على طغاتها المحليين وحدهم، بل أن
تُلحق الهزيمة بقوى عظمى صنعت أولئك
الطغاة، كما واظبت على دعمهم
وإسنادهم، ما وسعتها الوسائل. والعميد
جزائري لا يهين الشعب السوري الثائر،
حين يخلط بين سورية والنظام الحاكم
فيصبح الأخير اختزال الأولى، فحسب؛ بل
يهين شعب مصر أيضاً، لأنه لولا 'هشاشة'
الولايات المتحدة، لما قُيّض لمصر أن
تخرج ظافرة في ثورتها ضدّ نظام مبارك.
لاحظوا، كذلك، أنّ هذا الضابط الرفيع
لا يؤمن بأنّ الشعب السوري يمكن أن
يثور على الاستبداد، إلا إذا كانت
ثوّاره عملاء لجهات خارجية، أمريكية
أو إسرائيلية أو خليجية؛ متناسياً أنّ
هذه الجهات كانت من أشدّ داعمي النظام
السوري قبيل الانتفاضة السورية.
أخيراً، لاحظوا أنّ جزائري لا ينبس
ببنت شفة عن أكثر من 20 ألف شهيد سوري،
ومئات الآلاف من الجرحى والمعتقلين
والمفقودين، فضلاً عن اليتامى
والأرامل والمغتصبات، مفترضاً أنهم في
صفّ 'جبهة الشيطان'، ضدّ... جبهة الرحمن،
كما قد يوحي التداعي اللفظي! محزن، بذلك، أن تنقلب
صورة 'الثورة الإسلامية' الإيرانية إلى
هذا المنقلب في أعين الشعب السوري،
الذي كان قد هلل لها منذ ساعات
انطلاقتها الأولى، واعتبرتها قوى
المعارضة السورية بمثابة حدث تاريخي
كبير وفاصل، يبشّر بأنّ الكثير من
أوضاع المنطقة قد 'فات أوانها، وأصبحت
مخالفة للزمن، ومعادية لسير التاريخ'،
كما جاء في أدبيات الحزب الشيوعي
السوري ـ المكتب السياسي (حزب الشعب
الديمقراطي السوري، حالياً)، الذي رأى
فيها تذكرة بالثورة الفرنسية 1798،
وبثورتَيْ شباط (فبراير) وتشرين الأوّل
(أكتوبر) 1917 في روسيا. ولم يكن الحزب
يسير عكس المزاج الشعبي العريض، في
سورية والعالم العربي والإسلامي، ودول
'العالم الثالث'، من جهة؛ كما كان، من
جهة ثانية، يبدي ردّ الفعل الطبيعي
الذي تبنّته الغالبية الساحقة من
القوى الديمقراطية والوطنية الساعية
إلى التحرّر من ربقة أنظمة الاستبداد
والفساد، والمناهضة للإمبريالية
الأمريكية في آن. الآمال التي عُلّقت،
آنذاك، على الثورة الإيرانية كانت
كبيرة، وربما أكبر بكثير ممّا وعدت به
الثورة، أو كان في مقدورها إنجازه،
سواء على الصعيد الإيراني الداخلي، أم
على مستوى إقليمي ودولي. لقد جرى، في
مثال أوّل، الإفراط في تثمين 'مدرسة
الخميني' السياسية والفكرية، وامتداح
امتناعها عن طرح برنامج يقوم على أساس
ديني لصالح ما سُمّي بـ'بديل اجتماعي
وقومي، في إطار ديني ثوري'، يسند إلى
رجال الدين أدواراً اجتماعية وسياسية
وإيديولوجية عابرة للطبقات والأديان
والعقائد. كما وقعت مبالغة مماثلة في
تقييم مدى قدرة هذا البديل على الحلول
محلّ الأحزاب السياسية، وبالتالي
احتكار السياسة عملياً وتجميد
المعارضة أو تدجينها، واعتبار الشعب
جيشاً ثانياً موضوعاً بالضرورة في
خدمة جيش الثورة الإسلامية. وفي كلّ حال، وريثما
تتبدّل المعادلات جذرياً داخل هذه
الثورة، ثمة مصلحة سياسية وفكرية
وتاريخية في التوقف ملياً عند مبدأ
ولاية الفقيه، ذلك العمود الجبار
الأكبر في صرح المدرسة الخمينية، الذي
غاب تماماً عن أنظار مراقبي الثورة
والمتحمسين لها، ليس بسبب النظر
الحسير على الأرجح، بل لأنّ المبدأ
ذاته كان خافياً، عالي التمويه، أو
متخفياً. وليس غير مشروع للمرء أن يقول
اليوم، كما في الماضي وعلى امتداد
ثلاثة عقود ونيف من عمر الثورة، أنّ
الأمل لن يكون كبيراً في السير خطوات
أبعد على طريق الذي وُعدت به إيران سنة
1979، وتحقيق انفراج داخلي إيراني،
سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي، ما
لم يقف الإيرانيون موقف المراجعة
الراديكالية الشاملة لهذا المبدأ
بالذات، وتصحيح علاقته بالحياة والحقّ
والحقوق. ومن النافع أن ترسخ
في البال تلك الحقيقة التي تقول إنّ
معارك الانتخابات الرئاسية في إيران
إنما تدور بين الإصلاحيين في وجه
المحافظين، وبين التنمية السياسية ضدّ
الجمود المؤسساتي، وبين ديمقراطية
تسعى إلى تولية الشعب وأخرى تتشبث
بولاية الفقيه. ذلك، في عبارة أخرى،
يعني أنّ المعركة لا تدور حول مسائل
الإنفتاح على الغرب، وصواب أو خطل
سياسة إغلاق جميع البوّابات في وجه 'الشيطان
الأكبر'، ومواصلة الكفاح ضدّ
الإمبريالية العالمية أو 'الاستكبار
الدولي'، والإصرار على البرنامج
النووي، ومحو الدولة العبرية من
الخريطة. إنها، في الجوهر، ما تزال
تدور حول حاضر ومستقبل إيران، وحول
مسائل داخلية سياسية واقتصادية
واجتماعية وثقافية. والعودة إلى تجربة
الانتخابات الرئاسية الأولى، وإلى
مآلاتها الراهنة تحديداً، تمدّ أصحاب
هذا الرأي بالكثير من أسباب التثبّت
والترجيح. ففي عام 1997 انتخب الإيرانيون
رئيسهم الجديد محمد خاتمي بأغلبية
ساحقة (بل وفاضحة، بالنسبة إلى خصمه
علي أكبر ناطق نوري)؛ واختار خاتمي
تشكيلة وزارية هي الأكثر تعددية (والأكثر
'إعتدالاً' كما قرأنا في التقديرات
الغربية) منذ أن وطأ الإمام الخميني
أرض مطار طهران عائداً من منافيه
الطوال؛ وصوّت البرلمان الإيراني على
منح الثقة لهذه الحكومة (ليس دون
صعوبات ومقاومة ودسائس). إزاء هذه
التطورات كتب ريشارد مورفي، مساعد
وزير الخارجية الأمريكي أيام السنوات
الحافلة 1983 ـ 1989، مقالة مطوّلة في
صحيفة 'واشنطن بوست'، كشف فيها النقاب
عن حقيقة أنّ الإدارة بوغتت بانتخاب
خاتمي، وكانت تنتظر انتخاب خصمه 'المتشدد'
نوري، لأنّ فوز الأخير هو الذي يثبّت
الأسطورة، ويندرج بسهولة في المخطط
التحليلي القياسي المعتمد في واشنطن
منذ عقود. الرئيس الأمريكي
الأسبق بيل كلنتون كان، في حينه، قد
نطق بما سيستعيده بعدئذ الرئيس الحالي
باراك أوباما: 'لم أكن في أيّ يوم
سعيداً بهذه الحالة من الاغتراب بين
شعب الولايات المتحدة وشعب إيران، هذا
الشعب العظيم'. ولا ريب في أنّ أوباما
أعطى قيمة مضافة إلى تعبير 'الشعب
العظيم'، متذكراً أنّ سياسات سلفه جورج
بوش، في الغزو والغطرسة وتغطية
الهمجية الإسرائيلية وشنّ الحروب
الصليبية المعاصرة، جعلت من إيران
قوّة إقليمية كبرى لم يعد من الممكن
ضبط طموحاتها الإمبراطورية بوسيلة
أخرى غير مساومتها، أو شنّ الحرب عليها! وحين كانت أجهزة
النظام السوري، عسكره وأمنه وشبيحته،
تواصل ارتكاب المجازر وقصف المدن
والبلدات والقرى، كان الرئيس الإيراني
محمود أحمدي نجاد يستقبل فيصل
المقداد، مبعوث الأسد الخاص ، ويعرب له
عن 'سعادته الشخصية البالغة' بالطرائق
التي يعتمدها النظام في 'حُسْن إدارة
الموقف'! ولكي لا يرقى الشكّ إلى مسامع
أحد، أضاف نجاد أنّ إيران 'لن تترك
حجراً إلا وتقلبه بحثاً عن وسائل دعم
النظام'؛ مزاوداً في هذا على تصريحات
جنرالات 'الحرس الثوري'، وخاصة أولئك
الذين ذكّروا بتفعيل اتفاقية الدفاع
المشترك مع النظام السوري، أو زلّ
لسانهم فأكدوا وجود مهمات قتالية
تمارسها مجموعات من الحرس داخل سورية (أقوال
إسماعيل غاني، نائب قائد 'فيلق القدس'،
التي نشرتها وكالة 'إيسنا' الإيرانية،
ثمّ حذفتها من موقعها الرسمي). وكما أنّ سورية لا
تُختصر في طغاتها، فإنّ إيران الحقة لا
تُختصر في انحيازات خامنئي أو نجاد أو
صالحي أو جزائري؛ وثمة تقارير ملموسة
تروي تعاظم السخط الشعبي تجاه مضيّ
النظام الإيراني أبعد فأبعد في السكوت
على جرائم حليفه النظام السوري،
واستعداء الشعب السوري، وخيانة حزمة
المبادىء الأسمى التي نادى بها صنّاع
ثورة 1979. صحيح أنّ لإيران مصالح حيوية
كبرى وحاسمة في سورية، إلا أنّ فاقدي
الثقة بالشعوب وبثوراتها هم الذين
يفترضون سلفاً أنّ سورية الآتية سوف
تكون خصم إيران، أو حليفة أعداء الشعب
الإيراني. كلّنا، هم ونحن، إزاء هذه أو
تلك من مستويات الطغيان، في الهمّ شرق...
فعلى مَنْ، وأيّ منقلب، ينقلبون! ' كاتب وباحث سوري
يقيم في باريس ================= رأي القدس 2012-07-26 القدس العربي
تشهد مدينة حلب، العاصمة التجارية
لسورية، اشتباكات شرسة بين قوات
النظام والعناصر التابعة للجيش السوري
الحر مدعومة بجماعات اسلامية متشددة،
ومن المتوقع ان تقرر نتائج هذه
الاشتباكات مستقبل الصراع في سورية
بطريقة او باخرى، وربما فتح الطريق الى
معركة دمشق النهائية والحاسمة، في حال
جاءت الغلبة لصالح القوات المعادية
للنظام. مدينة حلب التي ظلت
هادئة طوال العام الماضي بالمقارنة مع
المدن الرئيسية الاخرى، مثل حمص وحماة
ودير الزور تتمتع بمكانة استراتيجية،
مهمة لكونها ملاصقة جغرافيا واقتصاديا
لتركيا، ومقر البرجوازية التجارية
السورية، وظلت موالية للنظام منذ
انطلاقة الانتفاضة الشعبية المطالبة
بالتغيير الديمقراطي. المعارضة السورية
باطيافها المتعددة، تريد ان تتحول
مدينة حلب الى 'بنغازي' سورية بمعنى ان
تتحول، في حال سقوطها، الى ملاذ آمن
للمقاتلين ضد النظام، والعناصر
العسكرية المنشقة، او التي في طريقها
للانشقاق عن النظام. الجماعات الاسلامية
المتشددة نجحت في الاستيلاء على معبر
باب الهوى الحدودي مع تركيا، وهي خطوة
تعني تسهيل مرور الاسلحة والمقاتلين
الى العمق السوري، وتوجيه ضربة معنوية
قاصمة للنظام. سقوط بنغازي في يد
المعارضة الليبية، وتحويلها الى جيب
آمن خارج سيطرة نظام العقيد القذافي
وكتائبه، ادى الى التركيز على مدينة
مصراتة وهزيمة قوات النظام فيها
بمساعدة غارات حلف الناتو، مما سهل
اقتحام مدينة طرابلس مقر القيادة
الليبية. النظام السوري يدرك
المكانة الاستراتيجية والمعنوية
لمدينة حلب والخسارة الكبيرة التي
ستلحق به في حال سقوطها، ولهذا ارسل
تعزيزات عسكرية ضخمة الى المدينة،
استعدادا لشن هجوم كبير في محاولة
لاستعادة الاحياء التي سيطر عليها
المقاتلون المعارضون التي تشهد منذ
اسبوع اشتباكات شرسة. الانباء القادمة من
حلب تفيد ان قيادة النظام التي تشرف
على سير المعارك ارسلت وربما للمرة
الاولى قوات خاصة لمساندة القوات
النظامية الموجودة في المدينة، وفي
المقابل وصل حوالي 1500 الى 2000 مقاتل
لتعزيز قوات المعارضة في المدينة. اننا على ابواب معركة
كبرى، بل المعركة الاكبر منذ بدء
الصراع المسلح، الامر الذي يعني سقوط
اعداد كبيرة من القتلى والجرحى بين
طرفي هذه المعركة، علاوة على المدنيين
الذين باتوا محشورين في الوسط. الازمة السورية
تتفاقم وسط جمود كامل في الجهود
الدبلوماسية لايجاد حلول ومخارج سلمية
بعد وصول مهمة المبعوث الدولي كوفي
عنان الى طريق مسدود، وتصاعد التوقعات
باحتمال تدخل عسكري من قبل تحالف يضم
قوات عربية وغربية. التدخل العسكري
الخارجي الذي بات احتمالا قويا حسب
تسريبات مصادر غربية في واشنطن ولندن
قد يؤدي الى انفجار حرب اقليمية في
المنطقة بعد تهديدات ايرانية صريحة
بان طهران لن تسمح بسقوط النظام السوري. فمن الواضح ان وصول
العميد مناف طلاس قائد الفرقة 105 في
الحرس الجمهوري السوري قبل انشقاقه
الى اسطنبول بعد زيارة الى المملكة
العربية السعودية التقى خلالها العاهل
السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز
هو مقدمة لتأهيله لدور قيادي في مرحلة
ما بعد سقوط النظام حسب ما يأمل تحالف
اصدقاء سورية الذي تتزعمه كل من تركيا
والولايات المتحدة. معركة حلب ستكون هي
المعركة الفاصلة وقد تؤدي السيطرة
عليها الى اعلانها منطقة محررة ومقر
حكومة الوحدة الوطنية التي يجري العمل
على تشكيلها من اطياف فصائل المعارضة
السورية. Twitter: @abdelbariatwan ================= باتريك سيل * الجمعة ٢٧
يوليو ٢٠١٢ الحياة تواجه سورية التي
كانت تعدّ إحدى أكثر الدول صلابة في
الشرق الأوسط ومحوراً أساسياً في
منظومة القوى الإقليمية، دماراً
شاملاً. ومن المرجّح أن تكون عواقب هذه
المأساة المستجدّة كارثية على وحدة
أراضي سورية وعلى سلامة شعبها وعلى
السلام الإقليمي وعلى مصالح القوى
الخارجية المعنية بعمق بهذه الأزمة.
ويكمن الخطر الفوري في أن يُطلق القتال
في سورية إلى جانب الضغوط الكبيرة التي
يتعرّض لها حليفها الإيراني حالياً،
شرارة حريق هائل لن يسلم منه أحد. كيف وصلت الأمور إلى
هذا الحدّ؟ تتحمّل كلّ جهة فاعلة في
الأزمة جزءاً من المسؤولية. تعدّ سورية
ضحية مخاوف أعدائها ورغباتهم، إلا
أنها ضحية أخطاء قادتها أيضاً. وبالنظر إلى مجرى
الأحداث الماضية، من الواضح أنّ
الرئيس بشار الأسد فوّت فرصة إصلاح
الدولة الأمنية الضيّقة التي ورثها عن
والده عام 2000. وبدلاً من أن يقرّ الأسد
بالحاجة إلى الحريات السياسية
والكرامة الشخصية والفرصة الاقتصادية
التي شكّلت رسالة «ربيع دمشق» خلال
العام الأوّل على توليه السلطة ويوسع
منها، ضيّق الخناق أكثر وأكثر. فتمّ تعزيز الرقابة
الخانقة على كلّ وجه من وجوه المجتمع
السوري وتشديدها إلى حدّ لا يطاق نتيجة
الفساد الواضح والامتيازات التي حظيت
بها قلّة من الأشخاص والمحن التي عانى
منها الكثيرون. فبات القمع الجسدي
ممارسة يومية. وبدلاً من تطهير جهازه
الأمني ووضع حدّ للعنف الذي تمارسه
الشرطة وتحسين أوضاع السجون، أدت
اعماله الى ان يصبح مكروهاً أكثر من أي
وقت مضى. فضلاً عن ذلك، وعلى
مرّ العقد الماضي، أخفق بشار الأسد
ومستشاروه المقرّبون في إدراك الطابع
الثوري لتطوّرين أساسيين هما التفجّر
السكاني في سورية وموجة الجفاف
الطويلة التي ضربت البلد من عام 2006
لغاية عام 2010 علماً أنّها الأسوأ منذ
مئات السنوات. وأدى التطوّر الأوّل الى
ان مجموعة من الشباب من أنصاف
المتعلمين كانوا عاجزين عن إيجاد
الوظائف فيما أدّى التطوّر الثاني إلى
نزوح قسري لمئات آلاف المزارعين من
حقولهم الجافة باتجاه الأحياء الفقيرة
المحيطة بالمدن الرئيسة. وخسر الرعاة
في شمال شرقي سورية 85 في المئة من
ماشيتهم. كما تشير التقديرات إلى أنّ
نحو مليونين أو ثلاثة ملايين سوري
وقعوا في فقر مدقع مع حلول عام 2011. ولا
شكّ في أنّ التغيّر المناخي كان
مسؤولاً عن ذلك، إلا أنّ إهمال الحكومة
وعدم كفايتها فاقما من هذه الكارثة. شكّل هذان العاملان،
أي بطالة الشباب والنزوح الريفي،
المحرّكين الأساسيين للانتفاضة التي
انتشرت بسرعة فائقة عقب اندلاعها
جرّاء حادث وحشي وقع في مدينة درعا في
شهر آذار (مارس) 2011. أما الذين كانوا
وراء الانتفاضة فهم شباب المدن
العاطلون من العمل ومزارعون فقراء. هل كان النظام قادراً
على القيام بشيء حيال هذا الموضوع؟
نعم، كان في وسعه ذلك. في نهاية عام 2006
وبداية عام 2007، كان في وسعه تحذير
العالم من الوضع وتخصيص كل الموارد
المتاحة لخلق فرص عمل ولإطلاق برنامج
إغاثة مكثّف لشعبه المنكوب وحشد جهود
مواطنيه لإنجاز هذه المهام. ولا شكّ في
أنّ هيئات المساعدة الدولية الأساسية
ودول الخليج الثرية كانت ستقدّم يد
العون لو تمّ وضع تلك الخطط. بدلاً من ذلك، تلهّى
النظام بالمخاطر الخارجية مثل الأزمة
اللبنانية عام 2005 التي أعقبت اغتيال
رفيق الحريري ومحاولة إسرائيل تدمير «حزب
الله» عبر اجتياحها لبنان عام 2006 فضلاً
عن الهجوم الذي شنّته إسرائيل على
منشأة سورية النووية عام 2007 ومحاولتها
تدمير حركة «حماس» عبر شنّ هجوم قاتل
على قطاع غزة في نهاية عام 2008 وبداية
عام 2009. ومنذ تسلّم بشار
الأسد زمام السلطة، واجهت سورية مساعي
مستمرة من إسرائيل وحليفها الأميركي
المتواطئ معها لإسقاط ما سمّي «محور
الممانعة» الذي يضمّ طهران ودمشق و «حزب
الله» والذي تجرأ على تحدي الهيمنة
الإقليمية لإسرائيل والولايات
المتحدّة. وأفلتت سورية من تلك
الهجمة بصعوبة في عامي 2003 و2004. إذ كان
المحافظون الجدد الموالون لإسرائيل في
إدارة جورج بوش الابن عازمين بقيادة
بول وولفوفيتز في وزارة الدفاع على
إعادة تشكيل المنطقة لخدمة مصلحة
إسرائيل وأميركا. وكان هدفهم الأول هو
الرئيس العراقي صدام حسين الذي اعتُبر
أنه يشكّل خطراً محتملاً على إسرائيل.
ولو نجحت الولايات المتحدة في العراق
لكانت سورية هي التالية. لم يتعافَ
العراق ولا الولايات المتحدّة حتى
الآن من حرب العراق الكارثية التي كان
وولفوفيتز «مهندسها» الرئيس. تواجه سورية وحليفها
الإيراني خطراً كبيراً. ولا تخفي
الولايات المتحدّة ولا إسرائيل هدفهما
إسقاط نظامي دمشق وطهران. ولا شكّ في
أنّ بعض الاستراتيجيين الإسرائيليين
يعتبرون أنّ تقطيع أوصال سورية
وإضعافها عبر إنشاء دولة علوية صغيرة
حول ميناء اللاذقية شمال غربي البلد
بالطريقة نفسها التي تمّ قطع أوصال
العراق وإضعافه من خلال إنشاء المنطقة
الكردية في الشمال وعاصمتها أربيل،
يصب في مصلحة بلدهم. وليس سهلاً أن تكون
أي دولة الى جوار دولة يهودية توسعية
وعدائية تعتبر أنّ ضمان أمنها لا يتمّ
من خلال عقد اتفاقية سلام مع الدول
المجاورة لها بل من خلال إخضاعهم
والإخلال باستقرارهم وتدميرهم
بمساعدة القوة الأميركية. ليست الولايات
المتحدّة وإسرائيل العدوتين
الوحيدتين لسورية. فقد كانت جماعة «الإخوان
المسلمين» تحلم بالثأر منذ محاولتها
منذ 30 سنة إسقاط نظام البعث العلماني
في سورية عبر حملة إرهاب قمعها الرئيس
حافظ الأسد في حينه. واليوم، تكرّر
جماعة «الإخوان المسلمين» الخطأ نفسه
الذي اقترفته حينها من خلال اللجوء إلى
الإرهاب بمساعدة تنظيمات سلفية قادمة
من الخارج، بمن فيهم مقاتلون مع تنظيم
«القاعدة» يتدفقون إلى سورية من
العراق ومن لبنان ومن تركيا ومن الأردن
ومن الدول الأخرى البعيدة عن حدودها.
ويوفر الأعضاء الليبراليون في
المعارضة السورية الموجودون في المنفى
بمن فيهم أكاديميون مرموقون ومعارضون
محنكون التغطية السياسية لهذه العناصر
الاكثر تطرفاً. ولا تزال بعض دول
الخليج العربية تنظر إلى المنطقة من
منظار مذهبي. فهي قلقة من طموحات إيران
المزعومة للهيمنة. حتى أنها غير راضية
لأنّ العراق الذي كان قوة سنية قادرة
على السيطرة على إيران بات تحت قيادة
شيعية. كما يبدو أنّ الحديث عن «الهلال
الشيعي» يهدّد الهيمنة السنية. لهذه
الأسباب، تموّل هذه الدول وتسلّح
المتمردين السوريين على أمل أن يؤدي
إسقاط النظام السوري إلى قطع روابط
إيران بالعالم العربي. غير أنّ هذه
السياسة تساهم في إطالة معاناة سورية
وفي التسبب بمقتل أبرز رجالها وبضرر
مادي كبير. وارتكبت أميركا،
القوة الخارجية المهيمنة أخطاء سياسية
فادحة. فعلى مرّ العقود القليلة
الماضية، أخفقت في إقناع حليفها
الإسرائيلي المتعنت بإبرام اتفاقية
سلام مع الفلسطينيين من شأنها أن تؤدي
إلى سلام مع العالم العربي برمته.
وخاضت حربين كارثيتين في أفغانستان
والعراق. وأخفقت في التوصّل إلى «صفقة
كبيرة» مع إيران من شأنها إبعاد شبح
الحرب في الخليج وفرض الاستقرار في
منطقة هشة. كما أنها على خلاف حالياً مع
موسكو وتعيد إحياء الحرب الباردة من
خلال تقويض خطة كوفي أنان للسلام في
سورية. لا يمكن حلّ الأزمة
السورية عسكرياً. أما الطريقة الوحيدة
للتخلّص من هذا الكابوس الحالي فيجب أن
تكون من خلال إجبار الطرفين على وقف
إطلاق النار، تلي ذلك مفاوضات وتشكيل
حكومة وطنية للإشراف على العملية
الانتقالية. وحينها فقط، يمكن سورية أن
تتفادى الدمار الشامل الذي قد يستغرق
إصلاحه جيلاً أو جيلين. * كاتب بريطاني مختص
في شؤون الشرق الاوسط ================= اكلاف
الفيتو الروسي الثالث في مجلس الامن الجمعة ٢٧
يوليو ٢٠١٢ راغدة درغام الحياة ماذا أمام كل من
موسكو وطهران بعدما دخلت القيادتان
الروسية والإيرانية عينَ العاصفة في
أعقاب الخسارة الفادحة لكل منهما عبر
البوابة السورية؟ القيادة الإيرانية
أفرطت في شروطها ومماطلتها في الملف
النووي، كما في إصرارها على حقها
بهيمنة إقليمية، فخسرت. والقيادة
الروسية هسترت في عاطفية قومية وأفرطت
في إطالة الأزمة السورية تحصيناً
لمطالبها ولتموضعها في المنطقة وفي
المفاوضات، فباتت أوراقها أضعف وبدت
سمات الخسارة الإستراتيجية على
ملامحها ومواقفها. فأيهما سيكون سبيل
استدراك الأمور لكل من موسكو وطهران:
المواجهة أم الاستدراك؟ وإن كان حقاً
لم يفت الأوان على إصلاح سياستيهما،
فهل ما زال هناك هامش جدي أمام إتمام
الصفقة الكبرى، أم أن النظام الإقليمي
الجديد انطلق الآن بوتيرة أسرع تاركاً
وراءه الدب الروسي غاضباً وملالي
طهران في حالة استنفار؟ القيادة الروسية
ارتكبت خطأ مميّزاً قبل أسبوع عندما
استخدمت الفيتو في مجلس الأمن للمرة
الثالثة لمنع الأسرة الدولية من إنذار
النظام في دمشق من أبعاد استمراره في
الممانعة الدموية. الفيتو الصيني الذي
تزاوج للمرة الثالثة مع الفيتو الروسي
ليس أقل وزناً في مجلس الأمن، إنما
الصين أقل عنفاً في مواقفها نحو سورية
مما هي روسيا. فالفيتو المزدوج يعكس
الالتزام الدائم بالحفاظ على علاقة
التحالف الاستراتيجي بين الشيوعيين (سابقاً
أو حاضراً)، لا سيما في وجه امتداد ذراع
الغرب – بالذات الولايات المتحدة –
إلى المناطق الإستراتيجية الغنية
بالنفط والغاز والمهمة تاريخياً. لكن
الفارق واضح بين الدور الروسي في سورية
وبقية منطقة الشرق الأوسط وبين ابتعاد
الصين عن دور مماثل واكتفائها بدعم
روسيا في مجلس الأمن. وللتأكيد، أن
الأذى المواكب للفيتو الصيني ليس أقل
من ذلك الملازم للفيتو الروسي. فكلاهما
عطّل قدرة مجلس الأمن على تحمل
مسؤولياته وساهم في إطالة محنة سورية
وزيادة ضحاياها بآلاف وآلاف. قد يكون الفيتو
الصيني فيتو المجاملة مع روسيا أو فيتو
التحالف الموجّه ضد الغرب، إنما الصين
ليست ضالعة في سورية وإيران – سلباً أو
إيجاباً – كما روسيا. بكين لن تتورط
أكثر، لا سيما بعدما انهارت جهود
الصفقة الكبرى على ذبذبات الهستيريا
الروسية التي انطلقت في أعقاب
الانفجار الأمني الضخم في دمشق
الأسبوع الماضي وتمثلت في قرار
استخدام الفيتو الروسية بدلاً من
التقاط الفرصة النادرة لتكون موسكو في
صدارة رعاية التحوّل في سورية وفي عمق
الشراكة في صوغ النظام الإقليمي
الجديد. كثيرون راهنوا على
حكمة القيادة الروسية واغتنامها الفرص
المواتية لمصالحها ومكانتها وموقعها
في منطقة الشرق الأوسط. كثيرون اعتقدوا
أن الإطالة كانت جزءاً من فن التفاوض
للحصول على أكثر – ثنائياً مع
الولايات المتحدة وإقليمياً مع دول
المنطقة. كثيرون افترضوا أن موسكو لن
تهدر فرصة نادرة لها لقيادة صناعة
البديل في دمشق – أو على الأقل لمشاركة
جذرية لها في صنع البديل. تحت عنوان العاطفة
القومية والعنفوان الوطني، ثارت مشاعر
الديبلوماسية الروسية وغلبت على
المنطق الذي كان أجدى بموسكو أن تلجأ
إليه مهما ثار غضبها، بحق كان أو بباطل.
ذلك الفيتو المشحون بالغضب المثقل
بالعاطفة والعنفوان قضى أيضاً على
المبعوث الأممي والعربي، كوفي أنان،
الذي كان يتصرف منذ البداية استرضاءً
لروسيا بأمل كسب تعاونها في إبرام حل
سلمي في سورية يلمّ شمل الدول الخمس
الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن.
فيتو موسكو في مجلس الأمن قضى على مهمة
كوفي أنان وعلى الرجل نفسه الذي خرج
خاسراً، اسمه مقترن بالإطالة وبالحذر
والحرص على مصالح روسيا وإيران أكثر من
مصير سورية. كوفي أنان مسؤول عن
نفسه وعما اختاره من سياسة
وإستراتيجية لتنفيذ المهمة الموكلة
اليه من الأمم المتحدة وجامعة الدول
العربية. لعله يعتقد أنه أُفشِلَ ليس
عبر الفيتو الروسي وإنما نتيجة
المواقف العربية والغربية والتركية.
لعله مقتنع بأنه لو أفلح في إقحام دور
الجمهورية الإسلامية الإيرانية
رسمياً على طاولة التفاوض حول
المستقبل في سورية، لما آلت الأمور الى
ما هي عليه. إنما، لعله بدلاً من ذلك قد
توصل إلى استنتاج بأنه أخطأ في تصوّره
لمهمته، كما في رهانه على صدق النظام
في دمشق، كما في اعتقاده بأن أسلوب
الإبحار الحذر المميز به كان ممكناً
وسط تراكم جثث السوريين آلافاً بآلاف. قد لا يكون فات
الأوان على مسار تصحيحي يُصلح السمعة
التي تلاحق كوفي أنان الآن. إنما ذلك
يتطلب نفضة جذرية في ذهن الرجل تأخذ في
الحساب انحسار الوزن الروسي في
المعادلة وانحسار الدور الإيراني في
المنطقة. فكوفي أنان أيضاً خسر فرصة
نادرة بأن يصبح لاعباً أساسياً في صوغ
النظام الإقليمي الجديد. لقد اصطف في
الخندق الخاسر – أقله حتى الآن – وفي
اصطفافه هذا، أثار النفور ليس فقط لدى
جزء كبير من الشعب السوري وإنما أثار
أيضاً نفور دول عربية ذات وزن كبير
بالذات داخل مجلس التعاون الخليجي. فالمعادلة اختلفت
بعد الفتيو الروسي – الصيني الثالث.
الولايات المتحدة خفّضت جذرياً أية
ثقة لها بصدق النيات الروسية وبحل سلمي
في سورية مبني على ضغوط روسية على
الرئيس بشار الأسد للتنحي عن السلطة
عبر عملية سياسية انتقالية. وزيرة
الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون لم
تقفل الباب أمام الرئيس الروسي
فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي
لافروف ولا في وجه بشار الأسد. تحدثت عن
«ملاذ آمن» بلغة عدم فوات الأوان،
تاركة هامشاً للاستدراك يضيق أفقه
الزمني بسرعة. كذلك الدول العربية لم
توصد الباب وإنما بادرت للمرة الأولى
إلى تقديم ممر آمن لمغادرة الرئيس
السوري وعائلته السلطة والبلاد. إنما
كل هذا يفيد بأن لا مجال أبداً لما
أرادته القيادة الروسية والإيرانية
والسورية، أي بقاء الأسد في السلطة الى
حين استكمال العملية السياسية
الانتقالية. فات الأوان. إن الكلام
الآن يصب في خانة التنحي كجزء أساسي من
عملية نقل السلطة في سورية. يلازم ذلك قرار
استراتيجي، إقليمي وغربي، بمباركة
تسليح المعارضة. الولايات المتحدة
والدول الأوروبية لن تسلّح المعارضة،
لكنها ستعزز ما تساعدها به من معلومات
استخبارية خارقة وما يشابهها. الفيتو
الروسي – الصيني أجبر واشنطن على
احتضان خيار مباركة التسليح، ذلك أن
الفيتو نسف ما تم الاتفاق عليه في
جنيف، بما في ذلك التوافق على عدم
عسكرة النزاع. سيرغي لافروف يتحدث
بلغتين ما بعد ذلك الفيتو الخاطئ. انه
يتحدث بلغة خشبية معهودة يرافقها كلام
عن أن العسكرة والتسليح يعنيان دعم
انطلاق الإرهاب الإسلامي في الساحة
السورية وعلى رأسه «القاعدة». ومن
ناحية أخرى، يترك الباب مفتوحاً على
احتمال استدراك موسكو أخطاءها لتقدم
إلى الغرب والعرب دوراً يجعل من غير
الممكن الاستغناء عنها، دور العرّاب
الحقيقي لما بعد تنحي بشار الأسد عن
السلطة ولمعالم النظام البديل في دمشق. الانشقاقات العسكرية
والديبلوماسية وفي أوساط العائلات
الموالية تقليدياً لنظام الأسد، مثل
عائلة طلاس، أطلقت بدورها خطوة نوعية
أخرى في الساحة السورية. وموسكو لا بد
أنها تراقب بقلق. تراقب انزلاق فرصتها
بأن تكون جزءاً من النظام الإقليمي
الجديد بدلاً من وقوفها خارجه مُتهمةً
بأنها خذلت الشعوب، وأطالت صراعات أدت
إلى تغذية التطرف الإسلامي ودخول
عناصر «القاعدة» إلى الساحة السورية
عبر البوابة العراقية. بل أكثر. أن ما
كانت تخشاه موسكو وكانت محقة في إبراز
معارضتها له بناءً على مصالحها
المشروعة بات وارداً بسبب المواقف
الروسية نفسها. ذلك أن عسكرة النزاع في
سورية أتت بالتأكيد نتيجة المواقف
الروسية الممانعة. إقليمياً، خسرت
روسيا خسارة كبرى وهي تشاهد تحالف
الأمر الواقع بين الدول العربية ومن
ضمنها مجلس التعاون الخليجي، ودول حلف
شمال الأطلسي (ناتو) ومن ضمنها تركيا.
مصر باتت النموذج للتوافق والاتفاق
بين هؤلاء اللاعبين على أساس نموذج
التعايش والمحاسبة المتبادلة بين
الجيش وبين الإسلاميين في السلطة.
أميركا تبدو شريكة طموحات الشعوب،
فيما من وجهة نظرها تتأقلم مع واقع
جديد يجعلها تستخدم «الإسلام المعتدل»
لمحاربة التطرف الإسلامي، فتضمن بذلك
موطئ قدم لها مع الذين في السلطة،
وتبدو متعاطفة مع الشعوب ومع التحولات
الديموقراطية، وتضمن مصالحها البعيدة
المدى في الوقت نفسه. الجمهورية الإسلامية
الإيرانية، الشريكة للنظام في سورية
ولروسيا، خاسر كبير جداً في ما آلت
إليه الأمور بعد الفيتو الروسي –
الصيني. واشنطن وافقت أخيراً على ما
كانت قاومته لفترة طويلة، وهو تبني
إستراتيجية قصم ظهر طهران في سورية
لتطويقها وسلبها طموحات إقليمية تشمل
مطلاً استراتيجياً لها على البحر
المتوسط. طهران خاسرة لأنها كانت
استثمرت غالياً، مادياً وعسكرياً، في
سورية لتكسب ذلك الموقع الاستراتيجي. فالجمهورية
الإسلامية الإيرانية باتت مطوّقة من
الداخل بمعارضتها، ومن الخارج عبر حظر
نفطي غربي مؤلم، أو في أواصر مواقع
نفوذها الإقليمي. نووياً، أنها تحت
رحمة تكنولوجيا التخريب المتفوقة التي
قد لا تضطر إسرائيل أو الولايات
المتحدة لشن عمليات قصف محددة لمواقع
نووية في إيران. انها على عتبة اندلاع
انتفاضة إيرانية بعد استكمال
الانتفاضة السورية. العراق الذي كان
يعتبر حديقتها الخلفية تبدو عليه
ملامح الواقعية واستعادة مكانته
العربية وهو يقرأ جيداً معنى تعميق
الخيار الاستراتيجي بين دول مجلس
التعاون الخليجي وحلف شمال الأطلسي
وانعكاسه على مصير إيران وتقزيمها
إقليمياً. والآن، وبعد الفيتو الروسي
– الصيني، لا دور لطهران على طاولة
المفاوضات على مستقبل سورية، كما
أرادت موسكو وسعى وراءه كوفي أنان. التهديدات الإيرانية
يجب أن تُؤخَذ بجدية، إنما ليس ضرورياً
الافتراض ان حليف طهران في لبنان، «حزب
الله»، سيتصرف تلقائياً بما يخدم
طهران ويؤذيه جذرياً في بنيته التحتية
في لبنان في حال استفزاز إسرائيل
لعملية عسكرية ضده في لبنان. إسرائيل
نفسها قد تقرر ان الفرصة مواتية لها
للتخلص من سلاح «حزب الله» في جيرتها
المباشرة في لبنان. لكن هناك من يستبعد
هذا الاحتمال ويؤكد ان هناك نوعاً من
تفاهم الأمر الواقع بأن لا «حزب الله»
ولا إسرائيل يريدان ان يخوضا حرباً في
لبنان مهما كان ذلك في مصلحة النظام في
دمشق أو طهران. روسيا أثارت الخوف من
احتمال نقل انتقامها ونقمتها في اتجاه
تقسيم في سورية أو تصدير للنزاع إلى
لبنان أو تحريض على مواجهة إيرانية –
إسرائيلية عبر حروب بالنيابة. لكن
روسيا تبقى دولة كبرى لن تتحمل مسؤولية
حروب لعلها تشهد استخدام أسلحة
كيماوية غير شرعية. لذلك انضمت روسيا
إلى الدول الغربية التي حذرت دمشق من
استخدام هذه الأسلحة. ماذا ستفعل روسيا
بعدما خسرت أوراق نفوذ ومساومة
ومقايضة قوية، بما فيها ورقة محورها مع
دمشق وطهران في مفاوضاتها الثنائية مع
الولايات المتحدة؟ الإجابة تكمن في ما
إذا كانت القيادة الروسية اعترفت أمام
نفسها بالخطأ الفادح الذي ارتكبته في
الفيتو الثالث، وبالتالي بإمكانها
الاستدراك لاستعادة بعض زمام المبادرة.
أما إذا تصلبت معتقدة أنها محقة في هذه
السياسة، فستقودنا أجواء الحرب
الباردة الجديدة الى مواجهة وتطرف
وحروب بالنيابة وحروب استنزاف ستكون
مكلفة ليس فقط للمنطقة وإنما أيضاً
لروسيا نفسها في عقر دارها، وجيرتها،
وفي مكانتها العالمية. ================= الجمعة ٢٧
يوليو ٢٠١٢ حسام عيتاني الحياة في شهادات العشرات من
المعتقلين السوريين السابقين ولقطات
الفيديو والصور، أحاديث وأدلة عن
إرغام عناصر الأجهزة الأمنية من يقع
بين أيديهم، على التلفظ بعبارات تؤلّه
الرئيس بشار الأسد وحزب البعث. قد تدخل هذه
الممارسات في إطار مبالغة جلاوزة
النظام وزبانيته في تحطيم السجين
وإذلاله عبر تحقير ما يؤمن به والحطّ
من قيمه ومُثُله وإظهارها عديمة النفع
أمام جبروتهم وسطوتهم، اللذين يطلبان
باسمهما الطاعة من الأسير أو
الُمعتقل، على جاري عادة السجانين
الساديين. وفاقمت من تفشي هذا السلوك «علمانية»
مزعومة للبعث الذي رأى في الدين أداة
يبسطها ويقبضها وفق الحاجة السياسية،
على ما فعل صدام حسين في الأعوام
الأخيرة من حكمه، وعلى النحو الذي نشر
فيه حافظ الأسد صنفاً من التدين غير
السياسي في سورية (بناء مئات المساجد،
افتتاح المدارس القرآنية، ظاهرة
القبيسيات...) بعد صدامه مع جماعة «الإخوان
المسلمين»، وهذا نهج سار بشار الأسد
عليه. ولا مفر من القول إن
إهانة معتقدات السجناء وتعريضهم إلى «التشبيح»
المعنوي والنفسي، اندرجت ضمن عدة
الهيمنة الطائفية، في حين راح التنديد
بهذه الممارسات تنديداً عنيفاً
ومادياً يكتسي شكل استعادة هيمنة
طائفية مقابلة. من جهة ثانية، كان
تأليه الزعيم الذي تراقب صوره
وتماثيله المواطنين في الساحات العامة
والذي أُدخل في ذهن السوريين أنه «باق
إلى الأبد» وأنه الأحكم والأصلح
والأنسب لحكم بلادهم هو وذريته، على
مدى أربعة عقود، يصدر (التأليه) عن
التمسك الشديد باللحظة وبالحاضر
ومحاولة تأبيدهما وإدامتهما إلى ما لا
نهاية له، لإدراك النظام ضيق قاعدته
وهشاشتها، باختراع رموز ولغة وسلوك
عام يتقمصها الموالي في حياته اليومية. وما يصح على سلطة
الأسد الأب ثم الابن، يصح بالقدر ذاته
على إلغاء السياسة وحظرها ليس كآلية
لإدارة الاختلاف في المجتمع فقط، بل
أيضاً كعلامة على تغير الزمن وما ينطوي
على التغير هذا من زوال دول وسقوط
ممالك. فيصير النظر العقلاني في أحوال
الاجتماع والسياسة والاقتصاد، موضع
شبهة لا يمحوها غير الانخراط في اللغو
الرسمي عن «المبادئ» و»الثوابت» و»الإنجازات
التاريخية» و»القيادة الحكيمة»، ما
يفاقم الفارق بين الكلمات ومعانيها،
ليصبح الدخول السوري العنيف إلى لبنان
في عام 1976، تلبية لنداءات الاستغاثة من
اللبنانيين، ولتصير حرب المخيمات في
الثمانينات جزءاً من «التصدي للمؤامرة
العرفاتية» على حقوق الشعب الفلسطيني...وتصبح
المسافة قصيرة جداً بين تصنيم الخطاب
وبين عبادته كنص مقدس. نتائج الخروج على
العقلانية وتجميد الخطاب السياسي،
ليست أقل من وثنية جديدة تشمل الصور
والعادات والأعراف الحزبية المتحكمة
في عمل إدارات الدولة وأجهزتها
ورموزها. ليس بمعنى نشوء دين جديد يكون
فيه «البعث» كائناً متعالياً ويحتل
الرئيس وعائلته مراتب طقوسية ما، بل
بوضع الحزب والرئيس وكل ما يتصل بهما
خارج الُمفكّر فيه كمواضيع قابلة
للتبدل والفناء. وليس غريباً- في هذا
السياق- أن يكون المتشبثون بحكم بشار
الأسد غير قادرين على تصور أي مستقبل
لسورية من دونه وأن يكونوا هم أصحاب
السيناريوات الكارثية عن حكم
المجموعات الإرهابية الدينية. لا
يُفسر ذلك بارتباطهم بالمصالح المادية
التي يستفيدون منها بفضل الحكم القائم
فقط، بل أيضاً بسبب رسوخ مقولات تربط
الاستقرار والمعاش اليومي والطبيعي
لملايين السوريين ببقاء الحال على ما
هي عليه. ويبدو أن موجات عبادة
الفرد التي بدأت في أواخر سبعينات
القرن الماضي، قد فعلت فعلها عند مؤيدي
النظام من جهة، لكنها أدت، من جهة
ثانية، إلى عزل أركان الحكم عن الواقع
وانفصالهم عن قوانينه ومتغيراته. ================= تحذير
سليمان وهواجس ما بعد الأسد الجمعة ٢٧
يوليو ٢٠١٢ وليد شقير الحياة دخل خطاب الرئيس
اللبناني ميشال سليمان أول من أمس على
قضايا وأسئلة ضمنية وجوهرية تهجس بها
أوساط ضيقة في بعض الدوائر الشيعية
والسنّية في لبنان، تنطلق من الحاجة
الملحة عند اللبنانيين للتهيؤ لفرضية
سقوط النظام السوري. ففي معرض حضّه
الأطراف على الإقبال على الحوار الذي
دعا إليه، حذّر الرئيس اللبناني «من
المواقف والقرارات الخاطئة المبنية
على قراءات ملتبسة أو على حسابات
ظرفية، إذ لا إمكان في منطق تاريخ
مجتمعنا التعددي لسيطرة فريق فئوي على
آخر أو طائفة على طائفة أو مذهب على
مذهب في لبنان، ولا غلبة للسلاح على
أراضيه، مهما ترسّخت أو تقلّبت موازين
القوى الداخلية والإقليمية». ومن المنطقي وصف هذا
الكلام بأنه جوهري إذا ما لاحظ المرء
أن الهواجس العميقة التي تعتمل في صفوف
الفئتين المتقابلتين في لبنان أي قوى 8
آذار وقوى 14 آذار، وتحديداً أكثر،
الشيعة والسنّة، تتلخص بالآتي: 1 – يخشى جزء من
الجمهور الشيعي من أن يُستخدم إضعاف
سورية وسقوط النظام فيها للمسّ بما
يعتقده مكتسبات حصل عليها بفعل الدعم
السوري للمقاومة وبسبب الرعاية
الكاملة للتحالف السوري – الإيراني
لمصلحة الطائفة ودورها الذي تنامى
تأثيره في المعادلة اللبنانية. ويتشدد
في التمسك بسلاح الحزب والمقاومة،
معتبراً أن الهجوم على هذا السلاح يحصل
بفعل التغيير المحتمل في سورية. ويميل
هذا الجمهور، ومعه قيادات عدة في
صفوفه، الى إنكار وجود ثورة في سورية
ويصر على نظرية المؤامرة الخارجية،
وقدرة النظام الحليف على الانتصار،
وعلى أن أوراقه الإقليمية، من إيران
الى العراق الى بعض دول الخليج، فضلاً
عن قدراته في مواجهة إسرائيل، تجعل منه
قوة إقليمية يصعب إضعافها. وفي المقابل
ترى حفنة من هذا الجمهور، وحتى داخل «حزب
الله» وحركة «أمل»، أن التغيير الآتي
في سورية، في سياق التحولات
الإقليمية، يوجب حواراً بين الحزب
وبين تيار «المستقبل» تحديداً، ولا
يستبعد حصول أخطاء في السلوك السياسي
خلال المرحلة الماضية تجاه الشريك،
وأنه لا بد من صيغة تفاهم جديدة. 2 – أن السواد الأعظم
من الجمهور السنّي يعتقد أن بلاطة
الهيمنة السورية على البلد، التي أدت
الى إضعاف دوره في المعادلة
اللبنانية، وإلى المس برموزه... بدأت
تنزاح عن صدره، وأنه لا بد للقوى التي
استفادت من تلك الهيمنة، لا سيما القوى
الشيعية، من أن تعود الى حجمها وتتراجع
قياساً الى تراجع المعادلة الإقليمية
التي أنتجت سلاحها ونفوذها في القرار
السياسي والأمني في البلاد، خصوصاً أن
هيمنة القوى المسلحة أدت الى فلتان في
الشارع، وفي مؤسسات رسمية، يجب أن
تنكفئ عنها تلك القوى... ومقابل هذا
الجمهور، تعتقد حفنة من القياديين
والمفكرين في الوسط السنّي وفي تيار «المستقبل»
نفسه أنه حان الوقت لحوار جدي مع «حزب
الله» للتفاهم معه على إنقاذ البلد من
تداعيات الأزمة السورية على أوضاعه
الداخلية أولاً، وعلى مستقبل البلد
ثانياً انطلاقاً من الحاجة الى طمأنة
الجمهور الشيعي والحزب الى أن نهاية
حقبة من التأثيرات الخارجية في
المعادلة اللبنانية لا تعني المسّ
بموقع الطائفة وقواها في المعادلة
اللبنانية، وأن معالجة السلاح يجب أن
تتم على مراحل تأخذ في الاعتبار إمكان
الإفادة منه لمصلحة الحد الأدنى من
الاستقرار اللبناني في شكل يوفر على
البلد الدخول في مواجهات جديدة لها
وظائف غير لبنانية. بين هذين المناخين قد
يكون تحذير الرئيس سليمان من القراءات
الخاطئة أو الظرفية لامس عن قصد أو عن
غير قصد ما يعتمل ضمنهما إلا أنه حكماً
طرق الهواجس الضمنية لدى الفرقاء
المعنيين. قد يقول قائل إن رسم
هذا المشهد، وموقع خطاب الرئيس سليمان
فيه، هو استعجال غير واقعي لقرب سقوط
النظام السوري والبحث في ما بعده.
وواقع الأمر أن هذا السقوط ليس سريعاً
كما يتمنى البعض، إلا إذا وقعت مفاجأة
ما، بل إن الحقيقة المرة هي أن فريقاً
لبنانياً بات يربط سياساته في لبنان
بالعمل الدؤوب بكل الوسائل على الدفاع
عن النظام. فعندما يكون قرار طهران
القيام بكل ما يحول دون التغيير في
سورية الى درجة التهديد بحرب إقليمية
تقوم بها قوى المقاومة والممانعة، فإن
لسان حال قيادة «حزب الله» يصبح أن «لا
صوت يعلو فوق صوت المعركة»، بحيث يتعطل
دور أي حفنة، في الحزب وبالتالي في
الجهة المقابلة، في فتح أبواب الحوار. ومن المؤكد أن الرئيس
سليمان لا يبني حساباته على «قراءة
ظرفية» بقرب سقوط النظام، وليس
معروفاً عنه التسرع على رغم تأكيده أن
«السلاح أصبح في صلب النقاش الوطني».
لكنه والكثير من اللبنانيين، يستشعرون
حساسية المرحلة التي بلغتها المواجهة
في سورية. فتصاعد الأدوار الإقليمية في
المجابهة مع إمعان النظام السوري في
الحل الأمني يتم في ظل حديث عن دوري
تركيا والأردن واستبعاد لبنان. إلا أن
الخوف هو من أن يستخدم ساحته الفريق
الإقليمي الآخر الذي يخوض حرب تكريس
بقاء النظام. وربما يساعد تحذير
سليمان في استباق هذا الاستخدام. ================= ما بعد
معركة دمشق: هل بدأت وليمة الذئاب؟ بكر صدقي * الجمعة ٢٧
يوليو ٢٠١٢ الحياة كان الخبر الأبرز بعد
ضرب خلية إدارة الأزمة في دمشق، هو
استيلاء ثوار الجيش السوري الحر على
عدد من المعابر الحدودية مع تركيا
والعراق. ويعني هذا واقعياً ورمزياً
انفتاح المشكلة السورية على جميع
التدخلات. هذه مفارقة غريبة: في
الوقت الذي لا تريد القوى العظمى أي
تدخل عسكري في سورية، تنفتح جميع
بوابات التدخل من كل الجهات. لا يتعلق
الأمر فقط بالبوابات الحدودية المشار
إليها، بل كذلك بثلاثة تطورات أخرى
تجعل من سورية ساحة مفتوحة للجميع. الأول هو وصف منظمة
الصليب الأحمر الدولية ما يجري في
سورية بأنه «حرب أهلية». وتقتضي هذه في
العرف الدولي تدخل طرف ثالث للفصل بين
القوات المتحاربة. الفرنسيون، كما
نستشف من تصريحات أركانهم، هم أكثر
المتحمسين لسيناريو الحرب الأهلية هذا.
ألم يكن مشروع تقسيم سورية إلى خمس
دويلات، في 1926، مشروع فرنسا المنتدبة
أممياً لحكمها؟ التطور الثاني هو «تحرير»
مقاتلي حزب العمال الكردستاني، من دون
قتال، غالبية مناطق الشمال الكردي من
الوجود الرمزي للنظام الذي سبق وسلمهم
تلك المناطق طوعاً. لا يغير من الأمر
شيئاً القول إن «مجموعات مشتركة» من
الفرع السوري للحزب التركي والمجلس
الوطني الكردي في سورية هي التي سيطرت
على الوضع بموجب اتفاق هولير بين
الطرفين الذي رعاه مسعود البارزاني.
فالواقع أن الاتفاق المذكور لم يكن غير
إعادة تموضع للمجلس الوطني الكردي
الذي يضم معظم الحركة السياسية
التقليدية الكردية في سورية، وانتقاله
إلى موقع حزب العمال الكردستاني. التطور الثالث هو
إطلاق معركة السلاح الكيميائي الذي
يملكه نظام الأسد. قبل نحو شهرين جرى
تدريب على السيطرة على مواقع هذا
السلاح في إطار مناورات عسكرية جرت في
الأردن تحت اسم «الأسد المتأهب»
بمشاركة قوات عسكرية لـ19 دولة بينها
الولايات المتحدة الأميركية. بعد ذلك
تواترت تصريحات أميركية محذرة من وقوع
تلك الأسلحة بأيدي مجموعات متشددة. ثم
جاء التهديد الإسرائيلي الصريح
بالتدخل العسكري في سورية إذا حاول
النظام نقل سلاحه الكيميائي إلى حزب
الله في لبنان. وجاء رد النظام على كل
ذلك فاجعاً في وقاحته. قال جهاد مقدسي
الناطق باسم الخارجية السورية إن
النظام لن يستخدم سلاحه الكيميائي إلا
إذا تعرض لتدخل خارجي. وقبل أن يتيح
الفرصة للتكهنات عما يعنيه بالتدخل
الخارجي (فهو جارٍ على قدم وساق – كما
يزعم النظام – منذ بداية الثورة
السورية، ومن دول عدة، بما في ذلك ما
يسميه بالتحريض الإعلامي والفبركة
الإعلامية)، هدد المقدسي صراحةً بضرب
السكان في المدن السورية بالسلاح
الكيميائي، حين قال إن «المجموعات
المسلحة» ستستخدمه لاتهام النظام
باستخدامه. نحن نعرف ما يعنيه ذلك. ففي
المجازر الطائفية التي ارتكبتها قوات
النظام وميليشياته المحلية في الحولة
والقبير والتريمسة وغيرها، اتهم
النظام المجموعات الإرهابية المسلحة
بارتكاب تلك المجازر فقط لتتهمه بها.
نتذكر بهذه المناسبة تصريحات إعلامية
لأحد أتباع النظام في لبنان، اتهم فيها
سعد الحريري باغتيال والده رفيق
الحريري، فقط ليتهم النظام السوري بدم
أبيه. توحي جميع التطورات
الأخيرة منذ بدء معركة دمشق واغتيال
خلية إدارة الأزمة، ثم إعلان أحد فصائل
الجيش الحر عن بدء معركة تحرير حلب،
بأن النظام دخل ربع الساعة الأخير قبيل
سقوطه. غير أن إسقاط النظام الذي هو هدف
الثورة السورية بجناحيها المدني
والعسكري، من المحتمل أن يتحول إلى
مادة الصراع الدولي على سورية
ومبتدأها معاً. فقد نضجت الثمرة
السورية الآن، وستبدأ معركة اقتسامها. تركيا التي اكتفت
طوال فترة حرب النظام على الشعب
السوري، بإطلاق التصريحات النارية،
وسكتت على اختراق حدودها السيادية
مرات كما على إسقاط طائرة استطلاع
تابعة لقواتها الجوية، تستعد اليوم
لخوض معركتها ضد دويلة حزب العمال
الكردستاني على طول الحدود الشمالية
لسورية. نشرت الصحف التركية في 23/7/2012
خبر تقرير استخباري مرفوع إلى أنقرة،
يحدد مواقع تخزين سلاح حزب العمال
الكردستاني في منطقتي كوباني وعفرين
في محافظة حلب، مع أسماء الأشخاص
المسؤولين عن حمايتها. كما اجتمعت
القيادة التركية مع وفد من قيادة
المجلس الوطني المعارض في أنقرة،
وأبلغته «حرص تركيا على وحدة الأراضي
السورية». ورصدت استخبارات
الولايات المتحدة تحريكاً للأسلحة
الكيميائية في الفترة الأخيرة. فإذا
أخذنا في الاعتبار أن نظام الأسد لا
يتمتع بأي حصافة إلا حين يتعلق الأمر
بحرصه على أمن إسرائيل، أمكننا توقع
الأسوأ: ضرب بعض المناطق داخل سورية
بالسلاح الكيميائي تتويجاً لمجازر
الحولة والقبير والتريمسة ذات الطابع
الطائفي المكشوف. وبعد ضرب خلية إدارة
الأزمة وانتقال المعركة إلى عاصمتي
الجنوب والشمال، لم يعد لدى النظام أي
وهم بإمكان استعادة سيطرته على الوضع
في عموم البلاد. إذاً، فالهدف من
الاستخدام المحتمل للسلاح الكيميائي
– إذا حدث – سيكون إجراء المزيد من
التغيير الديموغرافي في المناطق
المتداخلة طائفياً. وهنا تتدخل الأمم
المتحدة بقوات فصل لـ «حماية الأقلية
العلوية من الإبادة على يد السنّة».
وربما يتكفل الروس على المدى
الاستراتيجي بحماية الدويلة العلوية
المفترضة. وستكون إسرائيل «مطمئنة»
لبقاء أسلحة التدمير الشامل الأسدية
بأيد أمينة. هذه ساحة مثالية
لحركة المجموعات الجهادية المسلحة من
منظمة القاعدة ومن خارجها، وقد كثر
الحديث في الآونة الأخيرة عن تسللها
إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. ترى هل وئدت ثورة
الحرية والكرامة وتأفغنت سورياً؟ * كاتب سوري ================= لمجابهة
قوات القمع في بلاد الشام وفيق السامرائي الشرق الأوسط 27-7-2012 أظهرت معارك دمشق
وحلب أن النظام مصمم على المضي في الحل
الأمني، مما يتطلب أقصى درجات التحسب
من قبل الثوار، لأجل تقليل حجم
التضحيات وتقريب يوم الحسم. ومع أن
المعارك الأخيرة أظهرت تقدما نسبيا في
تسليح الجيش الحر، وتطور حالة التنسيق
الميداني بين الألوية والكتائب
الثورية، فإن الأيام المقبلة مرشحة
للمزيد من التصعيد القتالي، وستحاول
قوات القمع استعادة مناطق محررة، من
خلال استخدام ثقل ناري كبير. مما يجعل
تغيير أساليب القتال ضروريا، لتفويت
الفرصة عليها في تحقيق مواقف مثيرة
لمصلحتها. كما أنه من الضروري العمل
على عرقلة مناورة قوات القمع بين مناطق
العمليات، وجعل تنقلاتها على المحاور
الرئيسية مكلفة للغاية ومعقدة.
واستثمار سحب قوات السلطة من المناطق
البعيدة، لتكوين قواعد انطلاق راسخة
لحماية المدنيين. ويستنتج مما يظهر على
شاشات التلفزيون ما يشير إلى حصول
الجيش الحر على عدد من أسلحة مقاومة
الدبابات، إلا أن الزيادة المرصودة لا
تزال قليلة للغاية، مقابل زج النظام
بآلاف المدرعات لمحاولة سحق الإرادة
الشعبية. والتهديد الرئيسي يأتي من
المدرعات أكثر من أي شيء آخر. ومن دونها
لا يستطيع خريجو السجون من مرتزقة
الشبيحة مجابهة الثوار. فالمرتزقة على
الدوام يعملون في ظروف انتهازية
وظلامية. وعلى المجتمع الدولي عدم
التخوف من حصول الثوار على صواريخ
متطورة لمقاومة الدبابات، لأنها لم
تعد عنصرا مهما في حسابات صراع
استراتيجي لقوى كبرى. وهذه وصفة لا
تتعارض كثيرا مع هواجس الأمن التركي. وليس معقولا أن يدمر
بلد ويذبح شعب بهذه الطريقة السافرة،
ولا تتاح للثوار صواريخ لمجابهة
الهليكوبترات الهجومية. وإذا كان
الاستخفاف بعقول الناس ممكنا، عندما
تعتبر القدرة المزعومة للدفاع الجوي
لجيش السلطة سببا في عدم فرض منطقة حظر
طيران، فإن عدم تزويد الثوار بصواريخ
كتف مضادة للطائرات يطرح علامات
استفهام كبيرة، حيث جرى إعطاء أفضل
أنواع الصواريخ للمقاتلين القبليين
والمتطوعين العرب في حرب طرد الجيش
الأحمر من أفغانستان. ويفترض إعطاء
الثوار من الصواريخ التي استخدمت قبل
ثلاثين عاما، ليدافعوا بها عن
الأطفال، بدل إشغال العالم بالحديث عن
أسلحة كيماوية، لن يجرؤ النظام على
استخدامها. وحتى إذا ثبت ما يقال
عن وجود عشرات أو مئات المتطوعين من
دول عربية يقاتلون إلى جانب الجيش
الحر، فلا ينبغي تضخيم الأمر والتوقف
عنده كثيرا، أو إخافة جهات معينة منه.
فالثورة الشعبية عارمة، والمدد العربي
بدأ يأخذ طريقه إلى الشعب السوري، داخل
سوريا وخارجها، للسياسيين وللثوار
واللاجئين، مما يعطي الشباب حصانة
كبيرة. ولنأخذ نتائج الانتخابات
الليبية قياسا ممكن التطبيق على الوضع
السوري، الذي بقي لفترة طويلة قاعدة
انطلاق للفكر القومي. وهو ما يسوق إلى
تجاهل عبارات القلق على مستقبل سوريا،
ومن سيحكمها بعد النظام الحالي،
فالشعب السوري قادر بثقافته وعراقته
على إعادة وحدة بلاده وبناء نظام متحضر.
أما التحذير الروسي من أن بديل الأسد
قد يكون أكثر عنفا وتشددا، فلا يستحق
إلا السخرية. ومع أن الحسم يتحقق
دائما في الميدان، فإن النجاح
الميداني له شروطه. ومع أن شباب الجيش
الحر وغيرهم قدموا أرفع أمثلة
للتضحية، فإن الشخصيات العسكرية
والسياسية والأمنية التي عملت في
مؤسسات الدولة يمكن أن تقدم دعما مضافا
للثورة. وهو ما يؤيده تزايد الانشقاقات
بعد التحاق السفير نواف الفارس
بالثورة، وما أحدث من صدمة للنظام بحكم
مواقعه المعروفة. ثم تلاه العميد مناف
طلاس الذي وجه صفعة ستترك أثرا على
النظام، «إذا» ما استخدم خزينة من
المعلومات. ويفترض إبراز دورهما في
الجوانب الميدانية والسياسية
والإعلامية، لتسريع وتيرة النشاطات
الإيجابية، من دون إخلال بحق فرسان
الثورة وسياسييها. ومن الضروري جدا
تشجيع انسلاخ جنود المناطق الثائرة عن
تشكيلات القمع وتركها هياكل جامدة. ولا يزال الموقف
العربي - عدا الخليجي والأردني - دون
مستوى المشاركة الإنسانية. وحسنا فعل
العراق عندما قرر - ولو متأخرا - فتح
حدوده أمام اللاجئين السوريين.
ولمجابهة قوات القمع، فإن الدول
العربية مدعوة إلى مساندة الشعب
السوري «بكل الوسائل»، وأولاها دعم
الثوار وتعزيز قدراتهم الدفاعية،
لتعزيز حماية المدنيين، فحق الشعوب في
حريتها فوق كل شيء. وبما أن الأغلبية
الساحقة تريد التغيير واختارت طريق
الثورة فإن الحق معها، بعيدا عن
التوصيفات والمصالح الحزبية
والسلطوية والعرقية والطائفية. ================= أمير طاهري الشرق الأوسط 27-7-2012 ما هي عاقبة بشار
الأسد؟ سؤال يتردد كثيرا في المحادثات
غير الرسمية الرامية لوقف نهر الدماء
في سوريا. يزعم الوسطاء أن
الرئيس الأسد سيوافق على التنحي إذا ما
حصل هو وعائلته على ضمانات بعدم
ملاحقته قضائيا. في بداية الأسبوع
الحالي، أوشك المجلس الوطني السوري،
المظلة التي تجمع تيارات المعارضة،
على عرض مثل هذا الاتفاق عبر اقتراح «الحل
اليمني» لإنهاء أزمة حصدت ما لا يقل عن
20 ألف شخص. وقضى الاتفاق اليمني بتنحي
الرئيس علي عبد الله صالح عن الرئاسة
لنائبه عبد ربه منصور هادي، في مقابل
الحصانة من الملاحقة القضائية. النسخة
السورية من الحل اليمني ستشهد تسليم
الأسد للسلطة لأحد نوابه الذي سيضطلع
بتشكيل حكومة انتقالية وإقامة
انتخابات حرة في غضون فترة زمنية
معقولة. لم يتضح بعد المكان
الذي قد يتوجه الأسد إليه بموجب مثل
هذا الاتفاق، هل سيظل في سوريا؟ وهل
سيملك المجلس الوطني السوري السلطة
لمنح الأسد وأمه وزوجته وأخاه ماهر
الحصانة؟ لم يجب المجلس الوطني السوري
عن هذه التساؤلات. نظريا، ستتمكن
الحكومة المؤقتة التي سيشكلها أحد
نواب الأسد من منحه الحصانة. بيد أن مثل
هذا القرار لن يثني الحكومات السورية
المقبلة، ولن يثني 139 دولة وقعت على
نظام روما الأساسي الذي أنشئت بموجبه
محكمة العدل الدولية. تم التوقيع على
نظام روما الأساسي في عام 1998 بعد عقد من
المفاوضات التي شملت 70 دولة. ويعطي
النظام محكمة العدل الدولية الحق في
تحريك الدعاوى القضائية في القضايا
المتعلقة بالجرائم ضد الإنسانية،
وجرائم الحرب والإبادة العراقية
والتطهير العرقي. حتى الآن وقعت 139 دولة
على الميثاق الأساسي، وصدقت عليه 121
دولة كجزء من قانونها الوطني. المشكلة هي أن محكمة
العدل الدولية تختص فقط بالانتهاكات
التي وقعت في الدول التي وقعت على
النظام الأساسي، وسوريا لم تفعل ذلك.
يمكن للملاحقة القضائية أن تصدر
بتفويض من مجلس الأمن في الدول الواقعة
خارج نطاق محكمة العدل الدولية. وقد
يأمل الأسد في أن تستخدم روسيا التي
دعمته لفترة طويلة الفيتو في منع اتخاذ
مثل هذه الإجراء ضده. لكن هل سترغب روسيا
في إغضاب سوريا الجديدة، والعالم
الإسلامي، من أجل إرضاء بيدقها
الخاسر؟ ولحماية رهاناته أعد الأسد
دفاعه ضد التهم التي قد توجه إليه.
والمقابلات التي أجراها مع قنوات
أميركية وإيرانية وألمانية وتركية
خلال السنوات السبع الماضية تقدم
لمحات عن هذه الخطة. ويبدو دفاع الأسد
قائما على أربعة أركان: الأول أنه لم يعلم
بهذه المذابح. ففي مقابلته مع شبكة «إيه
بي سي» الأميركية، استخدم عبارات «لم
أعلم» و«لم أسمع» ما لا يقل عن 11 مرة.
ويزعم أنه لم يطلع على الوثائق التي
أرسلتها الأمم المتحدة إلى حكومته في
ديسمبر (كانون الأول) وتحوي تفاصيل
بشأن 225 قضية تعذيب واغتصاب وقتل
نفذتها قوات الأمن التابعة له. بيد أن كل الأنظمة
القضائية لا تعتبر الجهل بالقانون
عذرا، والنظام الأساسي ليس استثناء.
كان ذلك هو الخط الذي استخدمه الصربي
المخلوع سلوبودان ميلوسوفيتش
وديكتاتور ليبيريا تشارلز تايلور، دون
جدوى. كل ما كان يحتاجه الأسد لاكتشاف
ما يدور حوله مشاهدة التلفزيون
الحكومي لرؤية الشعب يقتل على يد
جلاوزته. الركن الثاني في خطة
دفاع الأسد سيكون نفي علاقته بالقوات
الأمنية السورية، ليلقي عليها
بالمسؤولية وحدها عن هذه المذابح. ففي
مقابلته مع قناة «إيه بي سي»، قال «هذه
ليست قواتي، إنهم قوات عسكرية تابعة
للحكومة وليست تابعة لي. أنا لا أملك
هذه القوات ولذا فهي ليست قواتي». وعاد
ليدندن حول هذه الفكرة في المقابلة
التي أجراها مع التلفزيون الإيراني،
حيث زعم أن «القادة فقط هم من يحددون
كيفية التعامل مع الموقف». أبدى قادة الجيش
السوري قلقا من جهود الأسد لإلقاء
اللوم على الجيش. فاستقال وزير الدفاع
السابق علي حبيب بعد مطالبته - في ما
يتعلق بإطلاق النار على المدنيين - بأن
يعطي الأسد أوامره كتابة. ويقال إن
خلفه داود راجحة طلب الأمر نفسه قبل
أيام من مقتله في التفجير الانتحاري.
وخلال الأسبوع الحالي، أعاد المتحدث
باسم وزارة الخارجية السورية جهاد
مقدسي ترديد المزاعم ذاتها للأسد
بالإشارة إلى الأسلحة الكيميائية.
وقال إن هذه الأسلحة ستستخدم فقط «بأوامر
من الجنرالات»، ويقصد بهذا تبرئة
الرئيس مسبقا. هذا النهج أيضا يصعب
ترويجه، فبموجب الدستور السوري يعتبر
الأسد القائد الأعلى للقوات المسلحة،
وهو ما يعني أنه لا يمكن تنفيذ أي من
قواعد الاشتباك من دون موافقته. استخدم نهج دفاع
مماثلا من قبل رادوفان كاراديتش في
محكمة العدل الدولية. وعلى الرغم من
ذلك فإن سيادة السلطة السياسية على
الجيش قائمة في كل نظام قضائي.
اللواءات السوريون ربما يكونون عرضة
للمقاضاة لدورهم في المذبحة، لكن ذلك
لا يعفي الأسد بوصفه السلطة السياسية
الأعلى في البلاد. الخطة الثالثة لدفاع
الأسد هي إنكار وقوع حرب في سوريا، وأن
ما يجري ليس سوى حملة تشنها عصابات
إرهابية تعمل نيابة عن القوى الغاضبة
من تحالفه مع ما يسمى «جبهة الممانعة».
هذه هي الفكرة الرئيسية التي استخدمت
في المقابلة مع القنوات الإيرانية
والتركية. مشكلة الأسد هي أنه
أضعف حجته بإعلانه أن سوريا تواجه حربا
حقيقية قبل أيام فقط من إعلان منظمة
الصليب الأحمر الدولية بلاده منطقة
حرب أهلية. وسواء أكانت تلك حربا
حقيقية أم أهلية، ما يهم هو ضرورة
تطبيق معاهدات جنيف في سوريا اليوم.
وهذا يعني إمكانية توجيه تهمة ارتكاب
جرائم حرب ضد الأسد. خطة دفاع الأسد
الرابعة ظهرت جلية في مقابلته مع
التلفزيون الألماني، وتتمثل في رفض
الأمم المتحدة وووصف محكمة العدل
الدولية - ضمنيا - بأنها عار، فقال «الأمم
المتحدة تخضع لسيطرة الولايات
المتحدة، وتفتقر إلى المصداقية».
وبعبارة أخرى فهو لا يعترف بشرعية
محكمة العدل الدولية لمحاكمته، حتى
وإن بدأ مجلس الأمن الدولي هذه الدعوى. الخط الدفاعي
استخدمه ديكتاتور ساحل العاج السابق
لوران غباغبو والرئيس السوداني عمر
البشير. والأسد يغامر بأن يجد نفسه في
موقف مشوه. ================= مشاري الذايدي الشرق الأوسط الانطباع الذي يخرج
به المرء من كلام العميد السوري
المنشق، مناف طلاس، هو أن سقوط بشار
الأسد يجب أن يكون محصورا به، وبزمرته
التي تلوثت يدها بدماء السوريين، وحتى
بجزء معين من الجيش والقوات الأمنية. في بيانه المقتضب على
شاشة «العربية»، أو في حواره الموسع
أمس مع الزميل طارق الحميد، رئيس
التحرير، هنا، كان الجنرال السوري
السني محددا، واضحا، في الحرص على «تماسك»
الدولة السورية، ونسيج المجتمع، وحصر
الأضرار في أضيق نطاق. الجنرال يستند
إلى عدة مزايا، منها أنه كان من «نخاع»
البيت الأسدي، وورث من والده العماد
مصطفى طلاس، صداقة بيت الأسد، حيث كان
الابن مناف صديقا لباسل، ولي العهد
الذي مات فجأة، ثم ولي العهد الثاني
بشار، كما كان الوالد صديقا حميما
مخلصا لأبعد قطرة دم، للوالد حافظ
الأسد، إضافة إلى كونه – ما دام الحديث
الطائفي طاغيا الآن - من أهل السنة، بل
من مدينة الرستن التي تعرضت لأبشع صور
القتل وإجرام قوات الأسد. فهو من جهة
مطمئن للطبقة الاجتماعية - وهي ليست
قليلة - التي استفادت من حقبة الأسد،
إضافة للطائفة العلوية وبقية الطوائف،
على اعتبار أن مناف كان «تقريبا» ابنا
لحافظ الأسد، فهو ليس غريبا ولا طارئا
على هذا المناخ، ومن طرف آخر هو ينتمي
إلى المكون السني التقليدي. فضلا عن
كونه ابنا للجيش والمدرسة العسكرية. جنرال سني «مودرن»
مقرب من بيت الأسد، وأخيرا منشق عن
النظام، ولكنه يؤكد كل مرة، كما حديثه
مع «الشرق الأوسط»، قضية تماسك الجيش
السوري، وأن «الجيش الحر» هو امتداد
للجيش السوري «غير الملوث»، إضافة
لتكراره الحرص على تماسك «النسيج
السوري». هذه هي المواصفات المطلوبة
دوليا للخروج من الأزمة، بل وتقطع
الطريق على «الرطانة» الروسية حول
الخوف على الأقليات. من أهم ما طرحه
العميد مناف طلاس، هو التحذير من فكرة
«الاجتثاث»، وهي بالفعل فكرة خطيرة،
ذاق العراق - وما زال - منها الويل
والثبور، وهي فكرة انتقامية غرائزية،
إضافة لكونها غير عملية. المطلوب هو
حصر الضرر في أضيق نطاق، هذا هو الوضع
المثالي، وقد كان مناف أيضا حريصا على
تبيين أنه ليس طالبا لسلطة، بل تهمه
فكرة تماسك الوطن السوري ونسيجه
الاجتماعي، وهو قال صراحة إنه لا يرى
مستقبلا لسوريا مع بشار الأسد. كل هذه أفكار جميلة
لو تحققت، وأتمنى تحققها، بمناف أو
بغيره، وتقليص آلام المرحلة
الانتقالية، ولكن الواقع يقول إن هذا
الأمر قد يكون صعبا على الأرض، هناك
جردة حساب معقدة من الدماء والمجازر،
نتوقع - ولا نتمنى - أنها لن تزول بسهولة.
فنظام الأسد جرف البلد واستثار كمية
مهولة من أحقاد التاريخ، صبغها بالدم
والأشلاء، هو الذي جلب الوحش الطائفي
الكامن في الأعماق، وليس غيره. الرهان هو على تاريخ
مشرق من التناغم الاجتماعي السوري منذ
الاستقلال السوري. بكل حال، النظام
السوري زرع الريح فحصد العاصفة،
ونتمنى أن يسلم الوطن السوري ============================ قائمة
الخاسرين في معركة الحرية السورية الوطن السعودية 26-7-2012 نهاية مايو المنصرم
كتبت مقالي "الصين الخاسر الأكبر في
اللعبة السورية"، بطبيعة الحال
فإنها أصرت على موقفها الداعم لنظام
دكتاتوري لا يختلف عن نظامها الذي يحكم
بالحديد والنار ويقتل مسلمي الصين
ويضطهدهم، وخسر تحالفاً إستراتيجياً
مع القوى العربية الصاعدة والتي تقود
اليوم منطقة ذات رؤى جديدة، فهي خسرت
عقوداً وصداقة وجسراً لعالم نشط، ولن
تكون خسائرها فقط في دول التعاون لكن
لعنة سورية ستطاردها إلى أفريقيا وما
بعد بعد أفريقيا. لكن قرار الجيش
السوري الحر الشرعي طرد الروس من قاعدة
طرطوس التي تحتلها سيجعل السفن
الروسية حبيسة موانئ بعيدة وستحرر
البحر الأبيض المتوسط من إزعاج هذه
القوات التي تبتز العالم بمناورات
دائمة وتفرض وجودها ضمن معادلة الوجود
الأميركي في أوروبا الشرقية، فهي تخسر
إضافة إلى خروج سورية من قائمة مشتري
السلاح الروسي الفاشل لتكون خارج
معادلة التحالف والعقود والمستقبل في
المنطقة. أما إيران فهي التي
لن تكون خاسرة فقط بل ستودع مع الأسد
أحلامها بإمبراطورية مذهبية عنصرية،
وتخسر مع عميلها في دمشق مليارات
الدولارات التي استثمرتها في زرع
الفتنة بدلا من أن تقدمها للشعب
الإيراني المسكين على شكل دعم لأسعار
الوقود والمواد الغذائية والتعليم
والصحة، إلا أنها أنفقته على تسليح
الغير وأدلجة المنطقة وتدريب جيوش غير
إيرانية ومحاولة فرض سلطة شخص ما في
طهران ليكون له نفوذ على شعوب أخرى، لا
ليعطيهم صوت الفكر العاقل المستنير
الداعم لمشاريع التنمية، بل ليذيقهم
سوط العذاب الذي يضرب به باسم الإمام
الغائب ليدعم مشاريع الموت والدمار
والفتنة في المنطقة، إضافة إلى دعمه
لتنظيم القاعدة الذي يجلس بضيافته
ليقدم الخراب في العالم. فيما يمكن إضافة
إسرائيل إلى هذه القائمة، لأنها
ستواجه نظاما وطنيا لن يجامل مقابل
البقاء في الحكم لأربعة عقود، ومع
المواقف المتخاذلة لأميركا وأوروبا
فإن الشعب السوري وحده من يحدد كيف
يتعامل معهم بعد أن تستتب الأمور له في
إدارة موارد هذا الركن الهام في العالم
العربي، والذي يتكون من السعودية قلب
مجلس التعاون لدول الخليج العربي،
وسورية، ومصر، والعراق. عمر الزبيدي
================= الراية 26-7-2012 تأتي حملة "كلنا
الشام"التي انطلقت في الدوحة
وتنظمها الجمعيات الخيرية القطرية
لدعم وإغاثة الشعب السوري الشقيق في
إطار الدعم القطري الرسمي والشعبي
للأشقاء في سوريا، وترجمة لأواصر
الأخوّة والعقيدة التي تربط بين
الشعبين، وتلبية للحاجات المتزايدة
للاجئين والنازحين السوريين الذين
تتزايد أعدادهم يوما بعد يوم جراء
استمرار أعمال العنف. لقد سعت الجمعيات
الخيرية القطرية ومنذ اليوم الأول
لثورة الشعب السوري المطالبة بالحرية
والتغيير والتي واجهها النظام السوري
بالقتل والعنف إلى القيام بواجبها
الديني والإنساني فسيرت العديد من
حملات الدعم والمساعدات الإنسانية
والطبية والغذائية إلى اللاجئين
السورين في مخيمات اللجوء في دول
الجوار ما كان له أكبر الأثر في
التخفيف عن معاناتهم. حيث كان الشارع
القطري سباقا في دعم جهود الجمعيات
الخيرية القطرية التي حرصت ولا زالت
على القيام بحملات إيصال مساعدات
الإغاثة للاجئين السوريين في دول
الجوار تركيا، لبنان، الأردن. الوقفة الأخويّة
التي تعكسها حملة "كلنا الشام "
تعبر عن انحياز دولة قطر رسميا وشعبيا
إلى خيار الشعب السوري وحقه في العيش
بحرية وكرامة ورفضها القاطع وإدانتها
للمجازر التي يقوم بها النظام ضد أبناء
الشعب السوري كما تعبر عن التناغم
الكبير بين الجهد الرسمي الذي تقوم به
الدولة من خلال السعي المتواصل لوقف
العنف والقتل والمجازر وإخراج سوريا
من محنتها المؤلمة والجهد الشعبي في
تقديم الدعم المساندة والإغاثة
العاجلة والمساعدات الإنسانية
الغذائية والإيوائية والطبية
للنازحين واللاجئين السوريين. الشعب السوري الذي
يعيش المحنة بسبب دموية النظام وبطشه
يحتاج منا إلى أن نمد له يد العون وأن
نقف معه وقفة الأخ لأخيه حتى تنتهي هذه
المأساة التي حصدت أرواح آلاف
الأبرياء فضلا عن الجرحى والمرضى
والمشردين. إن استمرار سياسة
البطش التي يتبعها النظام ضد الشعب
السوري الذي بات يستخدم الطائرات
العسكرية والأسلحة الثقيلة في قصف
المدن والبلدات السورية، أدت إلى
زيادة تدفق اللاجئين السوريين إلى دول
الجوار ما يؤكد الحاجة إلى تكاتف
وتعاون الجميع من منظمات خيرية وإغاثة
ودول من أجل مد يد العون لهم. وتقديم
المساعدات الإغاثية العاجلة لهم. لقد كانت ولا زالت
دولة قطر سباقة رسميا وشعبيا في دعم
ومساندة الشعوب العربية والوقوف إلى
جانبها لنيل حريتها وكرامتها، والشعب
القطري الذي وقف إلى جانب الشعوب
العربية وثوراتها في تونس ومصر وليبيا
واليمن وسوريا يجسد من خلال حملة "كلنا
الشام" كل معاني الإخوة الإسلامية
وهو يقدم أنموذجا حيا على وحدة الأمة
العربية والإسلامية التي هي كالجسد
الواحد الذي تتداعى كل أعضائه بالسهر
والحمى حتى يستعيد عافيته ويتخلص من
الظلم والطغيان. ================= ما بعد
الأسد.. الأسئلة الحائرة!! يوسف الكويليت الرياض 26-7-2012
لم تستطع القوى المتنازعة في مجلس
الأمن، روسيا والصين من جهة، وأوروبا
وأمريكا من جانب آخر، فرض رئيس على دول
الربيع العربي، أو خلق حزب موال، حتى
لو قيل إن حوارات ولقاءات جرت مع قوى
إسلامية، أفرزت تلاقي وجهات نظر على
نقاط حساسة، ومع ذلك بقي الشارع قوة
الضغط في تفويت أي اتفاقات ترسم سرياً،
مما أجبر تلك الدول التعامل بواقعية مع
الواقع الجديد، ومستجداته.. فالتيار الإسلامي
الذي حكم تونس ومصر، خالفته ليبيا
بانتخاب الجبهة الليبرالية وهي
المفاجأة التي لم ينتظرها أعضاء مجلس
الأمن، وتبقى اليمن على ذات الاتجاه،
أي أن زوال سلطة الرئيس السابق مهدت
لقيام حكومة وطنية لا تنتمي لتيار
معين، بل تحاول أن تكون توافقية لكل
اليمنيين. سوريا طرحت الأسئلة
المعقدة، ففي الوقت الذي ترى روسيا أن
التغيير يتم بإرادة الشعب السوري،
تشعر بخوف أن تتسع الثورة، ويأخذ الجيش
الحر دور الجيش النظامي، وهنا قد يكون
المتغير يتجه بغير الرياح الروسية، أي
أن اقتلاع السلطة بقوة الدفع الشعبي
يعني أن الخيارات أخذت ثقلها وقانونها
من هذه الدوافع.. الغرب على العكس،
يسأل عمن يخلف الأسد ونظامه، فهو يراوح
بين القبول برحيل الأسد، وتولي أحد
أركانه الحكم، وهو ما ترفضه المعارضة
إلا بشروط لا يقبلها الطرف الآخر،
وتخشى أن يسيطر تيار إسلامي أو قومي
متطرف يأخذ بنزعة تصفية الحسابات مع
الطائفة العلوية، مما يعني تفجير حرب
أهلية، ويأتي الإصرار على شخصية
توافقية صيغة مطروحة، لكن من يكون هذا
الشخص، ومن يتفق عليه؟! المتفائل ينزع إلى أن
حتمية الحرب الأهلية غير واردة، لأن من
بين العلويين من اضطهدتهم السلطة، وأن
إلحاق الجريمة بهم جميعاً لمجرد أن
الأسد وحزامه الأمني والعسكري من هذه
الطائفة، وهم من مارسوا القتل
والتعذيب والتشريد، يجد أن من بين
القيادات العليا عناصر سنية ساهمت
بالجريمة، ثم أن الشعب السوري أكثر
ثقافة ووعياً من بقية الدول العربية
الأخرى، وهذا سبب جوهري لتوحيد الوطن
وعدم تناثره بين القوى الأخرى، وحتى
الأكثرية السنية طرحت ميثاقا وطنيا
يحمي كل الأقليات وحقوقها.. نزاع القوى الكبرى
حول سوريا، لا يفسر بصيغته الساذجة،
وكأنه خلاف يحيي الحرب الباردة، لكنه
اختبار بمن سيفوز بالنتيجة النهائية
كأحد أهم رسم الخطط للمراحل القادمة؟ فالروس هم الأكبر في
حشد قوتهم العسكرية، وخبراؤهم يديرون
المعارك بجانب الأسد، معتقدين أنها
الورقة الأخيرة الدخول إلى منفذ على
الأرض العربية، ومقابلة لأوروبا من
خلال تواجدها في البحر الأبيض المتوسط
الذي يعتبر مياهاً أوروبية
واستراتيجية لها.. دول الأطلسي ترسم
خططها بحتمية سقوط الأسد، ومسألة
بقائه لا ترتكز على قوته العسكرية
مقابل نسبة شعبية هائلة ترفض نظامه،
ومن خلال هذا المسار يرى الأطلسيون أن
دعم الجيش الحر والمعارضة سيكون
البديل عن تدخل مباشر، إلا إذا فرض
الأسد دخولهم باستعماله الأسلحة
المحرمة، وهذا ما يعاكس أهداف روسيا
ذاتها، ثم أن أي تطور قادم بوصول حكومة
وطنية، لن يكون للروس دور وحتى تواجد
في سوريا، والرهان على المستقبل أصبح
بيد الشعب السوري الذي يقرر ما يريد،
وما يفعل.. ================= التضامن
الإسلامي .. المسؤولية والإعلام أسماء المحمد عكاظ 26-7-2012 حدثان في منتهى
الأهمية يشهدهما هذا الشهر الفضيل،
الأول توجيه خادم الحرمين الشريفين
بحملة وطنية لجمع التبرعات لنصرة
أشقائنا في سوريا اعتبارا من منتصف هذا
الأسبوع، ودعوته ــ حفظه الله ــ إلى
مؤتمر التضامن الإسلامي الاستثنائي في
مكة المكرمة يوم 26 ــ 27/9/1433هـ. الدعوة للتبرع أبلغ
رد على الزوبعة التي زايد من خلالها من
زايد على حرص المملكة دولة وشعبا على
نصرة الشعوب التي تحتاج الدعم وليست
سوريا فقط، رغم كون أبواب التبرعات
متاحة طوال العام، إلا أن التبرع من
خلال حملة وطنية تحمل رسائل معنوية
مهمة في هذا الوقت الحرج، نريد أن يكون
لدينا قنوات للتبرع الدائم، وإفصاح عن
نهاية خط الإنتاج للتبرعات حتى يشعر
المتبرع أن أمامه خيارات مختلفة
ووضوحا في الرؤية بحيث يطمئن إلى أين
تنتهي تبرعاته وكيف يجني الشعب السوري
الفائدة المرجوة منها. من جانب آخر الدعوة
إلى مؤتمر التضامن الإسلامي
الاستثنائي في مكة واستشعار ما تواجهه
الأمة الإسلامية من احتمالات التجزئة
والفتنة والمخاطر والتحديات على
أهميته، يطرح استشكالات متعلقة
بالأداء غير الحكومي البعيد عن قادة
الدول، عن الإعلام الخليجي الرسمي ــ
مثلا ــ وماذا قدم تجاه القلق الشعبي
المتصاعد وشعور الناس بحاجتهم للفهم
ومعرفة أدوارهم والمطلوب منهم في مثل
هذه الحالات، هل التبرع ودحر الفتن
الطائفية وتكريس الوحدة الوطنية
بالتماسك يكفي..! هناك مسؤوليات يجب أن
يدركها كل فرد مسلم وطني عليه دور لابد
من تقديمه وعدم انتظار وترقب
المبادرات، أو صدور القرارات، أعتقد
أن للآباء والأمهات دورا بالغ الأهمية
في توعية الأبناء وما ينتظر المنطقة من
تحديات وأن يكون للأسرة مؤتمرها
الاستثنائي.. الشبكات الاجتماعية
والمدرسة والنخب ووسائل الإعلام، خاصة
الإعلام الرسمي الذي يفترض أن يقدم
رسائل موضوعية حول الأحداث بدون ترهيب
الناس أو تركهم في حالة استرخاء بعدم
تناول الأحداث كما يجب أو مناقشتها
بأسلوب رتيب لا يوصل رسائل حان وقتها
مرتبطة بالأمن الوطني ودور المجتمع
وضرورة تحمل مسؤولياته تجاه الأحداث. ================= المصدر: صحيفة
"غارديان" البريطانية التاريخ: 26
يوليو 2012 البيان يتسارع التاريخ في
سوريا، ولكن في أي اتجاه؟ لقد شكل
اغتيال رؤساء الأجهزة الأمنية
والعسكرية أخيراً، انتكاسة خطيرة
للنظام السوري. فقد جاء في لحظة حاسمة،
بينما كان عناصر الجيش السوري الحر
يضغطون على معقل النظام في دمشق. غير أن الجيش السوري
النظامي لم يزل قوياً، وكذلك الأمر
بالنسبة للميليشيات المعروفة باسم "الشبيحة"،
والوفية لنظام الرئيس السوري بشار
الأسد. والآن، تثار تساؤلات حول المصير
النهائي لهذا الصراع، وإن كانت الأدلة
على أرض الواقع تشير إلى ان كلا
الجانبين يريد القتال حتى النهاية. فهل سيواصل الجيش
اتباع الأسد وشقيقه ماهر وأبناء خاله
حافظ ورامي مخلوف، وهم القادة
الحقيقيون لهذه المعركة، وليس أولئك
الذين قتلوا في تفجير مبنى الأمن؟ أو
هل يمكن التوصل إلى وقف لإطلاق النار،
مع أو من دون مساعدة المراقبين
الدوليين، بين الجيشين النظامي و"الحر"؟ إن ما يصعب مثل وقف
إطلاق النار هذا، هو عناصر الشبيحة
المعينون على مستويات قبلية ومجتمعية،
فضلاً عن جماعات معارضة أخرى مذهبية،
أو أيديولوجية شكلها تنظيم القاعدة
وتدعمها قوى إقليمية، إذ تبادر
المجموعة الأولى إلى إرسال عائلاتها
من المدن الكبرى إلى قراها ومعاقلها
المحلية، فيما تستغل المجموعة الثانية
حالة الفوضى العامة للقتل على أساس
طائفي. ويمكن لكلتا الجماعتين أن تقودا
سوريا إلى دوامة من العنف، تحصد من
الأرواح أكثر بكثير مما حصدته الشهور
الـ16 الماضية، ونحو تقسيم البلاد على
أساس الهيمنة المحلية. وتأتي التطورات
الأخيرة في فترة من النشاطات
الدبلوماسية المكثفة، إذ كان ينبغي
لاتفاق جنيف بشأن الانتقال السلمي
للسلطة في سوريا، أن يخفف "الصراع من
أجل سوريا" بين القوى العظمى، من
خلال وضعها القوى الإقليمية، بدلاً من
ذلك، تحت وطأة الضغط لضمان انتقال سلس. ولكن ما يدعو للدهشة
هو أن الولايات المتحدة اختارت
التصعيد، وحاولت دفع مجلس الأمن
الدولي، بعد يوم من مقتل قادة الأجهزة
الأمنية في دمشق، نحو فرض عقوبات الفصل
السابع على سوريا، الآخذة في الانهيار
أصلاً، لكن ذلك الاقتراح قوبل، في
نهاية المطاف، بمعارضة كل من روسيا
والصين. ويمكن، بالطبع، فهم موقف روسيا
على أنه يعني أنها تفضل خسارة سوريا
كحليف لها، على أن ينظر إليها
باعتبارها تخلت عنها. ولكنه قد يعني أيضاً
أنها ترى أن هذا الموقف قد يتيح لها لعب
دور مهم في قوة حفظ سلام دولية، يمكن أن
تكون ضرورية لتجنب حرب أهلية شاملة بعد
الانهيار الكامل لمؤسسات الدولة
السورية. فالروس، شأن الأميركيين
وغيرهم، يعرفون أن النظام السوري قد
"سقط" بالفعل. وأن الأسد سيذهب لا
محالة.ويدور السؤال الحقيقي هنا، حول
ما إذا كانت الولايات المتحدة تريد
سوريا مستقرة وموحدة، حتى بعد فترة
طويلة من الانتقال. وهل تملك هي
الوسائل اللازمة للتأثير على مثل هذه
النتيجة، من خلال القوى الإقليمية
الناشئة، كتركيا مثلاً؟ لقد حدث بالفعل
انفصال تام عن النظام الحالي بين أبناء
شريحة كبيرة من الشعب السوري، ويمكن
تصور أن يرحب البعض بالقصف التركي أو
الإسرائيلي، لمجرد التخلص من الأسد. ================= الحسابات
الروسية الصينية في المسألة السورية د. عمر عبد
العزيز التاريخ: 26
يوليو 2012 البيان من الطبيعي أن يتساءل
المرء حول السر الكامن وراء الموقفين
الروسي والصيني تجاه المسألة السورية،
التي تفاقمت وأصبحت تحتل مركز الصدارة
في الموقفين الإقليمي والدولي، وذلك
استتباعا للوضع الجيوبوليتيكي المعقد
من جهة، والذي أفاد النظام السوري على
مدى عقود من البراغماتية السياسية
وإدارة الحروب بالوكالة، واستنفاد
الخطاب الأيديولوجي المجير على القضية
المركزية وملحقاتها. من الطبيعي أن يتساءل
المراقب عن الموقفين الروسي والصيني،
على الرغم من الاختلاف التكتيكي
بينهما، فالموقف الصيني ما زال مكتفيا
برفع الفيتو، والإدلاء بتصريحات عامة
تنطوي على آمال وأمانٍ، تدرك الصين
أنها بعيدة كل البعد عن واقع السجال
الدموي الذي يجري على الأرض في سوريا. وفي المقابل، يتماهى
الكرملين مع الحالة السورية تماهيا
يرقى إلى مستوى التبني التام لنظام
دمشق، فالفيتو الروسي ليس إلا رأس
الحربة الدبلوماسية القاهرة لرغبات
الدول الأعضاء في المجلس. لكن روسيا لا
تكتفي بذلك، بل تدير آلة سياسية
وعسكرية ودبلوماسية متعددة الحراب
والآفاق، معتبرة أن هزيمة أعداء
النظام البعثي في دمشق، بمثابة هزيمة
مؤكدة للسياسة الأمريكية في المنطقة
والعالم، وأن انتصار النظام السوري هو
بمثابة نصر مؤزر للكرملين! وهنا يجدر بنا أن
نتوقف قليلا أمام الاعتبارات التي حدت
بروسيا والصين لتسجيل هذين الموقفين،
اللذين يعيداننا لذكريات الحرب
الباردة من جهة، كما يبينان لنا حجم
التحالف الاستراتيجي بين الصين
وروسيا، تناسبا مع حجم المصالح بين
العملاقين، واعتبارا لتشابه النظامين
في أفق ما. ونبدأ بالصين التي
وجدت نفسها في اشتباك عسير مع الولايات
المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، عطفا
على الحرب التجارية المكشوفة، التي
تنخرط فيها بكين باعتبارها الأداة
الاختراقية الحاسمة التي تتمتع بها
الصين. فلقد تمكنت الصين من إسقاط نظام
"برايتن وودز" النقدي، واتفاقية
التجارة والتعرفة الجمركية (الغات)،
منذ أن ركلت بأقدامها مفاهيم حقوق
الملكية الصناعية، وابتكرت نموذجها
الخاص في نسخ التكنولوجيا وتحويرها،
ثم تطويرها. وقد أسست الصين
مفهومها الخاص لنقل التكنولوجيا، من
خلال احتسابها الذكي لجملة الأفضليات
الاستثمارية التي تتمتع بها، بل إنها
تجاوزت التخوم الصينية لتجتذب المصانع
والاستثمارات الأوروبية والأميركية،
وتعيد تصدير منتجاتها لبلدان المنشأ،
حتى إن كبريات الشركات الصناعية
العابرة للقارات. وجدت نفسها أمام
إغراء الإنتاج المنافس في الصين، ومن
هنا بدأت الحرب التجارية المعلنة على
التنين الصيني. ويضاف إلى ذلك، تمسك
الصين المبدئي بعالم متعدد الأقطاب،
وهو الشعار الذي تبنته الصين وروسيا
وفرنسا على عهد الرئيس الأسبق (شيراك)،
معتبرين القطبية الأحادية للولايات
المتحدة أمرا غير ممكن ولا مقبول. وإذا أضفنا إلى كل
ذلك، الحرب الإعلامية الأمريكية
الدائمة ضد النموذج السياسي الصيني،
يمكننا التعرف على سر الموقف الصيني
المناوئ للمرئيات الأمريكية في
المسألة السورية. لكنني اعتقد جازما أن
الصين لن تمانع في تغيير موقفها، إذا
استشعرت جديا أن هنالك تفهما أوروبيا
أمريكيا لتحرير التجارة والاستثمار مع
الصين، لأن رهان الصين الأكبر وأداتها
الاختراقية الفاعلة، تكمن في
أفضلياتها التجارية والاستثمارية. تاليا، نتوقف مع
حسابات الكرملين، وخاصة بعد عودة "القيصر"
بوتين إلى واجهة الحكم وقد أثخنته
أمريكا بجراحات لا تندمل، ابتداء من
تأليب دول شرق أوروبا على نظامه
الإصلاحي الرافض لنموذج البريسترويكا
المتهالك وراء عقيدة "التحول
بالصدمة". ومرورا بدعم نظامي
جورجيا وأوكرانيا اللذين عادا إلى
حظيرة روسيا، بعد أن أيقنت النخب
السياسية للبلدين أنه لا مفر من
الاستجابة لروسيا المالكة للغاز
والنفط والذهب والسوق الواسعة، لأنها
مصدر الأمان من غوائل الزمان وجليد
الشتاء القارس في تلك البلدان، وأخيرا
إصرار الإدارة الأمريكية على مواصلة
نهج "الفرصة السانحة"، التي روج
لها اليمين الأمريكي منذ الانهيار
الحر للاتحاد السوفييتي. من سوء حظ السوريين
المستباحين على الأرض، أن يكونوا في
المحطة الأخيرة للموجة الأولى لما سمي
الربيع العربي، وأن تترافق هبتهم
الشعبية مع يقظة روسية تنظر للنفوذ
الأمريكي المتصاعد نظرة مليئة بالريبة
والقلق، خاصة وأن بعض المحللين
المستقبليين لا يعتقدون أن جغرافية
الربيع العربي ستظل عربية. ويرون أن ما حدث في
تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا، ليس
إلا الموجة الممهدة لأخرى أكثر عتوا
ودرامية، وأنها ستوقظ الكثير من
الملفات النائمة في بلدان الشمول
السياسي، وبالطبع لن تكون الصين
وروسيا بمنأى عن هذه الاحتمالات. قبل عام، شاركت في
ندوة دولية نظمتها جامعة "ملليا
إسلاميا" الهندية العتيدة في
نيودلهي، وبمشاركة كوكبة من العلماء
والمفكرين ورجال التاريخ والسياسة،
وقد تبين لي يومها أن العالمين الآسيوي
والأوروبي مخطوفان بظاهرة الربيع
العربي، من حيث مقدماتها ومآلاتها. لكن
الحالتين الروسية والصينية أكثر توجسا
من النتائج (السلبية) المحتملة لهذه
العاصفة التاريخية التي فاجأت الجميع،
لتجعل المستحيل ممكنا، واللامعقول
معقولا، ولتثبت أن للتاريخ زمنا خاصا،
لا علاقة له بأزمنتنا الذهنية
والبيولوجية. تلك بعض الاعتبارات
والمقاربات التي أقدمها اجتهادا،
لنقترب من سر الموقفين الروسي والصيني
مما يجري في سوريا. ================= تاريخ النشر:
الخميس 26 يوليو 2012 السير سيريل
تاونسيند الاتحاد في الثامن عشر من شهر
يوليو الجاري تعرضت خلية الأزمة
السورية التي يشرف عليها النظام
مباشرة لضربة قاصمة بعدما هز انفجار
مدوي مقر الأمن القومي في دمشق، والذي
كانت تعقد فيه الخلية اجتماعها الأمني
حول الأوضاع المتدهورة في البلاد.
ويبدو من خلال التقارير الإخبارية أن
قنبلة تم تهريبها إلى داخل قاعة
الاجتماع، وتم تفجيرها في وجوه أسماء
أمنية بارزة في البلاد مسؤولة عن
الحملة الشرسة ضد المعارضة والثوار.
وبعد هذا التفجير الذي طال أحد أشد
المباني حراسة، يحق للأسد نفسه أن
يتساءل عما إذا كانت سلامته مضمونة
وحراسته مؤمّنة في هذه الأوقات
العصيبة التي تمر بها سوريا. ومن
الطبيعي في هذه الحال أن تزعج المشاهد
الدموية لقتل القذافي في ليبيا الرئيس
السوري وتقض مضجعه بعدما انتقلت
المعركة إلى دمشق وباتت تقترب من القصر
الرئاسي. ولعل ما يزيد من احتمال هذا
السيناريو التقارير التي تتحدث عن
تهريب الأسد ملايين الدولارات إلى
روسيا. ولا أملك هنا سوى التساؤل عن كيف
يمكن لهؤلاء القادة أن ينهبوا مقدرات
بلدانهم فيما يقومون بجولات دعائية
على المستشفيات المهملة والمرافق
المتداعية التي هي بأمس الحاجة إلى
الأموال المسروقة والخيرات المنهوبة،
فكم من مدرسة تنقصها الكتب الدراسية
والمقاعد؟ وكم من وحدة عسكرية لا تملك
قطع الغيار لتشغيل آلياتها؟ في الهجوم الذي ما
زالت تفاصيله غامضة حتى اليوم، تأكدت
الحصيلة المؤلمة للنظام بمتقل كبار
القادة العسكريين والأمنيين في
البلاد، وتحمل "الجيش السوري الحر"
مسؤوليته عنها. ومن أبرز من سقطوا في
الهجوم آصف شوكت، صهر الرئيس الذي تكشف
برقيات "ويكيلكس" المسربة بأنه
كان أحد رجال النظام الأقوياء المعروف
بشراسته وكفاءته أيضاً. كما قُتل وزير
الدفاع داوود راجحة، الذي تولى منصبه
لسنة فقط وينتمي إلى الطائفة المسيحية
الأرثوذكسية. كما سقط حسن تركماني،
وزير الدفاع السابق الذي تولى قمع
الانتفاضة السورية في بدايتها. ثم وزير
الداخلية محمد الشعار، ومدير
الاستخبارات هشام باختيار، اللذان
أصيبا بجروح خطيرة ليُعلن لاحقاً عن
وفاتهما. وجاءت العملية
النوعية التي استهدفت مقر الأمن
القومي في دمشق بعد اشتداد المعارك
والمواجهات المباشرة بين الثوار وقوات
الجيش النظامي. وأمام اندفاع الثوار
نحو العاصمة استخدم النظام الطائرات
المروحية في محاولة لمنع الثوار من
السيطرة على أحياء وسط العاصمة. ومن
جهته أعلن "الجيش السوري" الحر
أنه نقل المعركة من ضواحي دمشق وريفها
إلى وسط العاصمة، مطلِقاً على هذه
العملية الجريئة اسم "البركان".
لكن رغم الإرادة الصلبة للجيش السوري
الحر في مباغتة النظام في عقر داره،
فإن الأسلحة التي يعتمد عليها حتى الآن
هي من النوع الخفيف الذي لا يقوى على
الصمود أمام أسلحة النظام الثقيلة،
لذا من المتوقع أن يقوم الثوار
بانسحابات تكتيكية من مناطق بعينها،
كما أن إقدام النظام على تحريك قواته
العسكرية من مرتفعات الجولان باتجاه
العاصمة يدل على مدى جدية المعركة. لكن القضية التي برزت
إلى السطح مؤخراً وتثير قلق المجتمع
الدولي وجيران سوريا، تتعلق بترسانة
النظام من الأسلحة الكيماوية، إذ
يُعتقد أن سوريا التي رفضت التوقيع على
معاهدة الأسلحة النووية، تمتلك
مخزوناً من غازي السارين والخردل... فما
مآل تلك الأسلحة في ظل الوضع المضطرب
الذي تعيشه البلاد؟ وفيما عدا الدينامية
الداخلية في سوريا، والتي قد ترجح كفة
طرف على الآخر مع مرور الزمن، تظل
التفاعلات الخارجية مع الأزمة السورية
على حالها باستمرار موسكو على موقفها
الرافض لتوقيع عقوبات على نظام الأسد
تحت الفصل السابع، تساندها الصين التي
استخدمت مع روسيا، الأسبوع الماضي، حق
النقض (الفيتو) لإجهاض قرار مجلس الأمن
حول سوريا، وهي المرة الثالثة التي
يلجأ فيها البلدان إلى تعطيل قرار أممي
والوقوف مع النظام السوري. ورغم
محاولات الإدارة الأميركية تليين
مواقف الرئيس الروسي بوتين، من خلال
المكالمة الهاتفية التي اجراها معه
أوباما قبل موعد التصويت، تبقى روسيا
مصممة على الانحياز لحليفها السوري.
فالكرملين منزعج من مساعي تغيير
النظام في سوريا، بسبب ما يواجهه بوتين
داخلياً من احتجاجات شعبية وانتقادات
سياسية، كما يتخوف الكرملين من فقدان
موطئ قدم له على ساحل المتوسط وخسارته
ميناء "طرطوس" الذي يوفر لروسيا
منفذاً على المياه الدافئة. وهناك
تساؤل الآن عما إذا كان هذا الميناء
الاستراتيجي سيمثل المنفذ الوحيد
للرئيس الأسد وعائلته للفرار نحو
روسيا في حال اشتداد الخناق ودنو
النهاية، لاسيما أن دعوات التفاوض
المباشر مع النظام لا تلقى تجواباً من
المعارضة التي تصر على تنحيه ومناقشة
بنود المرحلة الانتقالية. والحقيقة أنه بعد
الجرائم التي ارتكبت والعدد الكبير من
الضحايا والتعذيب الذي ما زال يمارس ضد
السوريين، يحق للمعارضة رفض التفاوض
مع نظام يده ملطخة بدماء المدنيين. وفي
تخمينات أخرى يرى البعض أن النظام
سيعزل نفسه بعيداً عن الأغلبية السنية
في المناطق الساحلية ذات الكثافة
العلوية المرتفعة، لكن مثل هذا
السيناريو لن يكتب له النجاح بالنظر
إلى الواقع الديموجرافي الذي يضع نسبة
الطائفة العلوية في 11 في المئة على
أحسن تقدير، ليبقى الخيار الأخير في
حال رفض الأسد التنحي، الاستمرار في
القتال بمساعدة خبراء إيرانيين وبدعم
الأسلحة الروسية، وهو ما يرجح جر
المعركة لأمد طويل. ================= نصري الصايغ السفير 26-7-2012 مِن وعن حنة أرندت ÷ لا تحتاج السلطة
إلى تبرير لها، كونها جزءاً عضوياً من
وجود المجموعات السياسية، إلا أنها
تحتاج إلى الشرعية. أما العنف فيمكن
تبريره أحياناً، فيما يستحيل عليه،
وفي المطلق، أن يكون شرعياً. ÷ في المجتمعات التي
يحكمها القانون، تطغى السلطة، إلا ان
الديكتاتوريات وحالات الغزو الخارجي،
تجعلان العنف يطغى، في صورة عارية،
وكوسيلة سيطرة لبعض الناس على بعضهم
الآخر. ÷ في حالات معينة،
يصبح العنف إرهاباً بحيث يستعمل
الوسائل الوحشية، ليس ضد أعداء
الطاغية وحدهم، بل أيضاً ضد أصدقائه
ومؤيديه.. هنا تبدأ الدولة البوليسية
بالتهام أبنائها. ÷ العنف في الأساس،
نقيض السلطة، وحين يتصادمان يكون
النصر للعنف. من كتاب «في العنف» I
ـ المزيد من العنف.. القليل
من الدولة الفصل ما قبل الأخير
في سوريا لن ينجز بسرعة.. هو بحاجة ماسة
إلى عنف إضافي، إلى عنف جديد، إلى
أنواع أخرى من العنف، إلى عنف أشد
فتكاً ووحشية، إلى مزيد من القتلى، إلى
ركام يرث خراباً، إلى قرى تشتعل، إلى
ريف يلتهب، إلى معابر تقطع شرايينها،
إلى مدن تسحق، إلى «دمشق الحرائق»، إلى
حلب بشهباء دمائها. الفصل ما قبل الأخير
في سوريا لم يكتمل دمه بعد.. هو بحاجة
إلى أرقام قياسية جديدة في عدد القتلى،
إلى أرقام خيالية في عدد النازحين
واللاجئين والهاربين، إلى كميات لا
تنضب من الدماء، لأطفال يتناوبون على
دمية الموت، لأمهات يرتكبن بكاء بلا
دموع، لرجال يفض الخوف رجولتهم، لشيوخ
يلفظون حكمتهم بعد النفس الأخير...
الفصل ما قبل الأخير لسوريا يحتاج إلى
المزيد من الخوف والعويل والاجتياحات. لن يكتمل المشهد ما
قبل الأخير للنظام.. هو بحاجة إلى مزيد
من التسلح، من عمليات تفجير، من
اغتيالات مفاجئة ومدروسة ومبرمجة، من
اجتياحات واستعادات تليها الأرض
المحروقة.. هو بحاجة إلى عسكرة شاملة
تقفل المعابر السياسية، إلى تصديع
زلزالي للأرض والكيان، إلى تشريع
إضافي لدول العالم لتحضر بما لديها من
نفط ونيران، أو من حبر جامد لا ينطق
بخلاص.. هو بحاجة إلى إصابات أكثر، إلى
تطييف أشد، إلى بلوغ حافة الهاوية. ليكتمل المشهد ما قبل
الأخير لسوريا، يلزم عدم التوقف عن
تصعيد العنف، حتى يصبح غير مجدٍ. عندما
يفلس العنف، تذهب سوريا إلى الفصل
الأخير. ينتصر العنف، فَتَدُول
الدولة، ويندحر المجتمع، وتغرق السلطة..
إنما، لا يزال الوقت باكراً. لم يكتمل
المشهد بعد. II
ـ سوريا ما بعد السقوط الفصل الأول بعد
السقوط كثيف وملبد. سوريا بعد سقوط
النظام المتوقع، أو بعد بقائه على خراب
المدن، لا تبدو لها ملامح واضحة...
ببقاء النظام، وهو أمر مستبعد. وبسقوطه
وهو مرجح، وجه سوريا لا يمكن رسم
قسماته. لكن، لا بد من المحاولة. فكيف
تكون سوريا؟ أو كيف لا تكون؟ أو كيف لن
تكون؟ سوريا التي كانت لم تعد موجودة،
وسوريا الراهنة، الغارقة في دمها، لن
تبقى حاضرة الموت والمجازر. النظام أصيب في قلبه.
تقطعت أطرافه. تشلّعت قواه. خارت حصونه
الأخلاقية. ليس باستطاعته لملمة شتاته...
النظام، إذا استمر، لا يملك غير تسييس
العنف، بعدما مارس إلغاء السياسة
بالعنف. هل سيكون ديكتاتوريا؟ لا
يستطيع إلا أن يكون كذلك. هل هو قادر
على توحيد المجتمع؟ الصورة مبهمة جداً.
الأرجح أن يكون العدم السياسي ملجأه
المؤقت. هل سيلد النظام الراهن، وهو
مدنف، مولوداً سلطوياً جديداً؟ يستبعد
ذلك. النظام لم يلد إلا نفسه. عاقر
وعقيم يوم كان في عافيته. لا ينتظر منه
وليداً. هل سيكون هذا النظام مؤقتا؟
بالطبع! لقد أخرج النظام من أبديته،
وقد يخرج إلى الأبد الآخر. أخطاؤه
الكبرى، قبل الاندلاع وإبانه، تقتله،
وقد تجهز عليه. لا وضوح البتة إذا
نجا النظام.. عماء مطلق.. فماذا إذا سقط
النظام؟ هنا، الخوف والقلق شرعيان. ليس
لدى أي كان، ما يدعو إلى الاطمئنان. لا بد من ترتيب
الفوضى القائمة لترسيم مشهدية لسوريا
بعد السقوط. السلاح المنتشر من يجمعه؟
«الجيش السوري الحر»، من يوحده ويلمّه
من المناطق والشوارع والأزقة؟ قوى
المعارضة المتناحرة، في عز حاجتها إلى
الوحدة، مارست الشرذمة ولم تتفق إلا
على ما دون الحد الأدنى، برغم الإلحاح
الدولي «الصديق»؟ من يضمن أن لا تتحول
سوريا إلى خنادق وميلشيات تعيش على
القتل والسلب والنهب؟ من يضمن أن لا
تندلع حروب الثأر الطائفية والمذهبية
والسياسية، وتصير سوريا ساحة لوحوش
المطاردة؟ حتى اللحظة، لم تتفتق
عبقرية المعارضة على حلول عملية،
وصياغات ملزمة. الميدانيون في الداخل،
يخوضون المواجهات، فيما المعارضون في
الخارج تخاض باسمهم المفاوضات... صلات
الوصل بين الداخل والخارج ملغومة
بالنيات والشك المتبادل والعجز
المشترك. لنسرع قليلاً: سوريا
لم تعد للسوريين... إذا تركت لقواهم،
تفتتت. إذا عهدت إليهم صياغة الحلول،
تقسّمت... إذا ركن إلى اتجاهاتهم،
تمذهبت، وإذا «احترمت» خصوصياتهم
اندلعت أقوامياً، بدءاً من الشمال.
وإذا كان لا بد من الحفاظ على وحدتها،
فهي بحاجة إلى قوة موحدة عسكرية تحميها
وتلحمها. لعل أكثر ما يثير الخوف، أن
الحرب الأهلية أسهل في مرحلة ما بعد
النظام. لبنان نموذجاً. عسكر المقاومة
ليس مدرباً على الديموقراطية، وقد
تأخذه المطامع والطموحات إلى عسكرة
جديدة... فيا لمآلات الثورة
المغدورة.. بسلاحها. III
ـ من يربح أكثر؟ الرابحون كثر. ÷ إسرائيل ليست
متروكة. العالم في خدمتها. الضمانات
ستأتيها بسرعة. «حدودها» ستكون آمنة.
الأسلحة كافة سيتم ضبطها. «الارهاب»
سيكون مشغولاً عنها، ثم سيكون هدفا.
ولا خوف من الإسلاميين. مصر دليلاً. ولا
خوف من الليبراليين، إن واقعيتهم
تضللهم. ثم ستكون إسرائيل
أكثر قوة.. سوريا لن تكون كما كانت على
الدوام، فلسطينية بالعقيدة والسياسة
والسلاح. والأخير، لم تبخل به على
المقاومة الإسلامية في لبنان، و«حماس»
في فلسطين. أرباح إسرائيل
كثيرة، بانتظار الجائزة الكبرى: تعريب
سوريا خليجياً. ÷ تركيا سترتاح من
منافسة إيران لها. ستصبح المعادل
الإقليمي للنفوذ الإيراني. قد تمسك مرة
أخرى بورقة التسوية الإقليمية، ولو
قادتها إلى وضعها في ثلاجة الأزمات
المستعصية. ÷ السعودية وقطر
وامبراطوريات الخليج العظمى سترتاح.
ستنضم سوريا إلى حضانة الاعتدال
العربي، وسترشح لتكون أحد أعمدة
المواجهة السياسية مع إيران، في لبنان.
فرنسا، سيكون لها حصة صغيرة، أما
الولايات المتحدة، فتسعى ميدانيا،
لكسب سوري كبير، كان قد فات مثيله في
العراق. لذا، رشح من مصادر كثيرة خريطة
طريق أميركية، لسوريا المأزومة. ÷ أميركا: لا تترك
سوريا للسوريين. لا بد من اقتناص
الوكالة عنهم. المعارضة السياسية في
الداخل والخارج ليست قوية ولا هي موحدة
ولا اعتماد عليها. دورها السياسي مضمون
في المستقبل، بعد تأمين مستلزمات
السلطة القوية... الاعتماد إذاً على «الجيش
السوري الحر»، فلا بد من هيكلته
وتوحيده وتنظيم صفوفه ليكون أحد
مكوّنات السلطة إلى جانب الجيش
السوري، بعد اندحار قياداته الأمنية.
جيشان الآن، لجيش واحد يمسك بالسلطة...
انفجار مجلس الأمن القومي الذي أدى إلى
قتل الممسكين بالقوى الأمنية
والعسكرية، وانشقاق عدد كبير من
القادة، ومن ثم انشقاق الحليف الأقوى
والأخلص مناف طلاس، تشكل كلها عوامل
ضعضعة الجيش وإضعافه، ليس كقوة نارية،
بل كقوة سلطوية، في خدمة سياسات النظام...
هذا الجيش السوري، تريده أميركا
موحداً ومتوحداً مع «الجيش السوري
الحر»، للإمساك بقبضة حديدية، لكل
مؤسسات الدولة، حفاظاً على وحدتها،
على أمل أن تتشكل سلطة سياسية سامحة
بمنسوب ضروري من الحريات سياسية، بشرط
أن لا تصرف نشاطها في المسائل الخارجية.
سيكون جل اهتمامها: الحياة في الداخل..
الهدف من ذلك القبض على سوريا وأخذها
إلى مربع الاعتدال العربي... فلا تكون
سوريا فلسطينية ولا عربية.. ستكون سوريا
سياسياً، في قبضة العسكر الجدد، أما
شرائحها الاجتماعية السياسية فيكون
ولاؤها للخارج. السنّة للسعودية، «الاخوان»
لقطر، السلفيون لـ... الليبراليون لـ...
الأكراد لـ.... على الطريقة اللبنانية
والعراقية. أما المستقلون فيكونون
ضحايا. هؤلاء هم الرابحون.
فمن الخاسرون؟ إذا كان هذا هو
المشهد ما بعد النهاية، فالخاسرون كثر. أولا: الثورة السورية
تكون قد خسرت معركتها. أطاحت نظاماً
عسكرياً مطلقاً، لإقامة نظام عسكري
بهامش من الحريات. ستكون وظيفة الحركات
السياسية في ظل السلطة الجديدة،
الاهتمام بقضايا المجتمع السوري
الحياتية والمعيشية. لا دور لهذه
الثورة في رسم سياسة سوريا الخارجية...
ستصبح سوريا مدجّنة، ولن يختلف سلوكها
عن سلوك أي دولة عربية داجنة. ثانيا: فلسطين ستكون
الخاسر الأكبر. مهما قيل عن تجارة
الانقلابات بفلسطين، تظل سوريا، في
تاريخها الحديث، الدولة والمجتمع
والثقافة الأكثر اهتماماً والتصاقاً
والتزاماً بفلسطين. و«النظام البعثي»
في مواجهة اسرائيل، له الفضل في جعل
فلسطين ممتنعة عن الحلول التصفوية،
إلى جانب دعمه الحاسم للمقاومة
الإسلامية في لبنان... كل هذا سينتهي. لا
فلسطين ولا مقاومة. أمر سوريا الاقليمي
والدولي سيكون بيد حلفاء أميركا في
الداخل السوري وفي المنطقة. ولا يشكل
هذا اتهاماً للنيات، بل هو واقع ستفرزه
الأحداث وتسلسلها. أميركا لا تهتم
كثيراً بالأفكار المسبقة، بل بالواقع،
والأمر الواقع، وتبني عليه. ثالثا: المقاومة
الإسلامية في لبنان تخسر حليفاً قوياً. ينجلي المشهد على
خسارتين. خسارة الحرية التي من أجلها
كانت الثورة في مواجهة نظام استبدادي
فاسد، وخسارة فلسطين التي كانت واسطة
العقد في سياسة النظام الاقليمية
والدولية. إنها لصورة سوداء
جداً تلك التي سيسفر عنها سقوط النظام
المرجح. صورة مشهد إقامة حكم عسكري
ثقيل، وتمثيل سياسي خفيف، إلى جانب
صورة لسوريا وقد أصبحت واحدة من دويلات
الخليج العربي، وواحدة من دول فضلات
الموائد الأميركية والغربية. هل بالإمكان رسم
مشهدية أفضل؟ إن سوريا بعد سنة
ونصف من النضال الدامي، تستحق
انتقالاً ناصعاً، إلى بناء نظام جديد،
ديموقراطي عن جد، حر بالتمام، وملتزم
بوحدة المجتمع والشعب، ولا يحيد عن
تراثه القومي النضالي، الذي بدأ مع
ميسلون ولما ينته بعد. ================= علي حماده 2012-07-26 النهار مع مغادرة القسم
الاكبر من المراقبين الدوليين سوريا،
يمكن القول إن المجتمع الدولي قد سلّم
بأن سوريا صارت ساحة حرب حقيقية، وان
مهمات من نوع المراقبة ما عادت تفيد.
انها علامة من علامات الحرب المفتوحة
التي يبدو ان العالم يتعايش معها من
غير صعوبة تذكر. هذا ليس فأل خير بل انه
مؤشر الى حرب قد تطول والى مزيد من
الشهداء والكثير من الآلام في سوريا.
كما انه مؤشر آخر يضاف الى سلسلة تفيد
بأن المجتمع الدولي ليس في وارد التدخل
لوقف المذبحة الجارية في سوريا، وهو اذ
يستنكر القتل و الذبح والتخريب الذي
يمارسه نظام بشار الاسد ضد شعبه، فإنه
لا يريد حتى اليوم القيام بعمل جدي على
أرض الواقع يضع حدا لما يجري. هذا
يقودنا الى خلاصة واحدة ان الشعب
السوري وحده مدعو الى المقاومة، ووحده
مدعو الى الانتصار على بشار و بطانته.
ولا يساورنا شك في ان الثورة السورية
قد أسقطت من حساباتها التدخل الدولي
وباتت تعتبر ان الثورة و الثوار في
الداخل وحدهم قادرون على صنع الانتصار.
وهذا بالتحديد ما يحدث: فتح معركتي
دمشق وحلب، أكبر تجمعين سكانيين في
سوريا، وبالتوازي يقوم على هذا المعطى
ان السوريين ينبغي ان يعتمدوا على
انفسهم. ومن هنا أهمية المعركتين، فهما
تزعزعان أركان حكم بشار الاسد،
وتحاصرانه في مناطق كان يتوهم في
الاساس انها معزولة عن بقية الحراك
الثوري، حتى ان البعض قال انها ثورة
الارياف وستبقى في الارياف. لمعركة دمشق اولا
رمزيتها لكونها العاصمة و مركز الحكم
والشرعية السياسية و التاريخية، وقد
ادى فتحها الى تخفيف الضغط عن حمص
ومنعها من السقوط، وهذا ما حصل، فضلا
عن ان عملية قتل جنرالات خلية الازمة
في مقر الامن القومي في دمشق شكلت نقلة
نوعية ومفصلية في مسار الثورة. واليوم
على رغم ان قوات بشار استعادت المبادرة
في جزء من المناطق التي شهدت قتالا مع
الجيش الحر، فإن بشار، الذي يقال ان
شقيقه ماهر قد أصيب بجروح بالغة خلال
التفجير، ما عاد يعرف طعم النوم في قصر
فوق قاسيون ورصاص الثوار يلعلع في سماء
قصره ليل نهار. والقسم الذي يسيطر عليه
في دمشق محاصر بأحزمة الاحياء و المدن
و البلدات الثائرة، وهو في وضع دفاعي. أما حلب فهي مع
محيطها أكبر التجمعات السكانية، وكان
النظام يعتبرها من المناطق التي
تواليه ولاء شبه تام بسبب تعقيداتها
الديموغرافية، وولاء طبقة التجار
ورجال الاعمال الذين استطاعوا ضبط
الوضع ماليا مدة عام ونصف تقريبا. ولكن
مفاجأة دخول "الجيش الحر" اليها
وتمكنه من السيطرة على عدد من احيائها،
مستفيدا من عمق مؤيد في ريف حلب وصولا
الى الحدود مع تركيا، غيرت المعادلة
الى حد بعيد لغير مصلحة بشار. و أهم ما
في معركة حلب انها اذا نجحت فستكون
أمنت أول منطقة عازلة في سوريا بقوى
سورية ذاتية. وهذا تحديدا تحول عظيم
الاهمية والأبعاد. ================= العاصفة
الكيميائية... الحرب الاقليمية؟! راجح الخوري 2012-07-26 النهار تراوح الازمة
السورية منذ اشهر امام احتمالات ثلاثة:
ان يتنحى الاسد وفقاً لخطة كوفي انان
عن الانتقال السياسي، او ان تذهب سوريا
الى حرب اهلية طويلة، او ان ينتقل الى
الجبال الشمالية لاعلان دولته العلوية
من اللاذقية. بعد الانفجار الذي
اطاح الرأس الامني للنظام وانتقال
القتال الى احياء دمشق العاصمة
السياسية التي قال الجيش انه
استعادها، والى احياء حلب العاصمة
الاقتصادية، وبعدما بات ظهرالنظام الى
الحائط كما قيل، برزت فجأة عاصفة
الاسلحة الكيميائية والجرثومية لتفتح
صفحة جديدة في الصراع زادت الخوف من
تحول القتال حرباً اقليمية تنجرّ
اليها دول من الاقليم ومن خارجه! المثير ان العاصفة
الكيميائية انطلقت بتعمد واضح من
النظام الذي لم يكن يقر بوجود هذه
الاسلحة لديه، وهو ما ساعد على تأجيج
كل ما قيل عن ان سقوط النظام سينسف
التوازن الاستراتيجي في المنطقة
وسيدمر اربعة عقود من الجهود
الايرانية التي اقامت "حلف الممانعة
والمقاومة". والمفارقة ان اثارة
النظام مسألة الاسلحة الكيميائية كانت
بدافع التحذير من تدخل خارجي يساعد في
انهاء الازمة وفقاً لنظرية الانتقال
السياسي، لكن هذا سرعان ما اثار زوبعة
دولية اكدت وجود استعدادات عملية
للتدخل ليس حرصاً على مستقبل سوريا بل
خوفاً من انتقال هذه الاسلحة كما قيل
الى "حزب الله" او الى عناصر
التطرف ورجال "القاعدة"! ومنذ
ثلاثة ايام لا تتحدث الانباء إلا عن
تأهب عسكري اقليمي ودولي لمنع الاسد من
استعمال هذه الاسلحة في الداخل، وكذلك
لمنع نقلها الى الخارج او انتقالها الى
مجموعات من المتطرفين في الداخل. ولم يتوقف الامر عند
حدود التحذير بل تزايدت الانباء عن
استعدادات وخطط للتدخل إما لتدمير هذه
الاسلحة في عملية جراحية اسرائيلية -
اميركية، وإما لوضع اليد عليها
والحيلولة دون وقوعها في ايدي
المتطرفين عبر عمليات دقيقة منسقة
اقليمياً ودولياً تنفذها قوات تركية
واردنية. ووفقاً لتقرير مؤسسة "مابلكروفت"
المتخصصة بتقويم المخاطر، فان اميركا
و18 دولة اخرى تشارك منذ ايار الماضي في
تدريبات عسكرية لتنفيذ خطة "الاسد
المتأهب" التي قد تستند الى دور
اساسي للقوات الاردنية الخاصة بهدف
تأمين مخزون الاسلحة المذكورة. ومع اعلان طهران انها
وحلفاءها سيوجهون ضربات حاسمة لاعداء
سوريا، وان الشعب السوري واصدقاء
سوريا لن يسمحوا بتغيير النظام و"ان
جبهة المقاومة لم تدخل الحلبة بعد واذا
دخلت فستوجه ضربات حاسمة لجبهة العدو
وخصوصاً العرب المكروهين "(هكذا
بالحرف العرب المكروهين!)، يتبين ان
النظام اصبح على الحافة وان هذه الحافة
يمكن ان تقود الى حرب اقليمية واسعة
لان الصراع بات على هوية "الشرق
الاوسط الجديد" كما اشار السيد حسن
نصرالله في خطابه الاخير! ================= البعد
الإقليمي والدولي للصراع في سورية د. موسى شتيوي الغد الاردنية 26-7-2012 بات واضحاً أن أياً
من أطراف الصراع في سورية غير قادرعلى
حسمه لصالحه في فترة زمنية قصيرة. فبعد
أكثر من عام من الصراع المسلح بين
المعارضة والنظام السوري، استطاعت
المعارضة أن تحقق إنجازات كبيرة على
الأرض؛ فهي تسيطر على مساحة مهمة في
سورية، وقامت بعمليات عسكرية نوعية،
وبخاصة التفجيرات التي أدت إلى مقتل
وزير الدفاع وأعضاء خلية الأزمة في
النظام السوري. رغم
ذلك، يبدو أن النظام استعاد قدراته
العسكرية، وازداد عنفاً وشراسة في رده
على المعارضة العسكرية، وبخاصة في
مدينتي دمشق وحلب اللتين تشكلان عصب
النظام السوري. إن البعد الإقليمي
والدولي في الأزمة السورية ليس
جديداً، فقد كان موجوداً منذ البداية؛
إذ إن النظام ما يزال يتلقى الدعم
السياسي واللوجستي من شركائه
الإقليميين والدوليين، ولاسيما روسيا
وإيران وحزب الله، بينما تتلقى
المعارضة -بشكل عام- الدعم السياسي
واللوجستي من الولايات المتحدة
وتركيا، وبعض الدول الخليجية. ولكن في
الأيام الماضية، بدأت الأزمة في سورية
تأخذ منحنى متسارعاً، قد يحوّل الصراع
فيها إلى صراع إقليمي. فقد بدأت
الولايات المتحدة تصعّد من لهجتها
واستعداداتها العسكرية، إذ أعلنت
وزيرة الخارجية الأميركية بالأمس أن
احتمال التدخل العسكري الدولي (الأميركي)
والإقليمي في ازدياد، والتحضيرات
اللوجستية والخطط العسكرية جاهزة لهذا
السيناريو. بالطبع، فإن التصعيد
الدولي والإقليمي من قبل أنصار
المعارضة يقابله تصعيد دولي وإقليمي
من قبل أنصار النظام. لذلك، يبدو أن
الأطراف كافة تقوم بالاستعدادات لكل
الاحتمالات. وتتصاعد هذه الاستعدادات
العسكرية في ضوء تراجع فرص تسوية سلمية
للصراع، يفضي إلى الخروج الأسلم من
اللعبة السياسية ولأسباب كثيرة. إن تصاعد دور
اللاعبين الدوليين الإقليميين في
الأزمة السورية، يشير إلى أن حسم
الصراع في سورية لم يعد شأناً سورياً،
وإنما سيتم حسمه من خلال الأطراف
الدولية والإقليمية. إن الصراع في
سورية يبرز فرصة تاريخية للولايات
المتحدة والدول الغربية والإقليمية
لإنهاء النفوذ الإيراني ونفوذ حزب
الله في المنطقة، واستكمال ترتيبات
الشرق الأوسط الجديد من خلال المجيء
بأنظمة موالية وقريبة من التوجهات
الغربية، وبما يحافظ على مصلحة
إسرائيل وقوتها. وفي المقابل، تُدرك
إيران وحزب الله على المستوى الإقليمي
هذه الحقيقة، وتدركان أن بقاء النظام
السوري مصلحة إيرانية بقدر ما هو
سورية، وأن انهيار النظام السوري يعني
بداية النهاية للهيمنة الإيرانية في
المنطقة، لذلك فهي لن تدخر جهداً في
دعم النظام السوري حفاظاً على مصالحها
ونفوذها وشركائها بالمنطقة. أما بالنسبة
لروسيا والصين، فإن إسقاط النظام
السوري سيشكل ضربة لمصالحهما
الاستراتيجية، لن يقل أثرها، وبخاصة
على روسيا، عن أثر إنهاء الاحتلال
العراقي للكويت العام 1990 وتدمير بنية
النظام العراقي على الاتحاد السوفيتي
سابقاً، وأنه سينتهي نفوذ روسيا في
المنطقة ويضر بمصالحها، لذلك، ستكون
لاعباً أساسياً في أي صراع إقليمي في
سورية. إن الضحية الأساسية
التي تدفع الثمن لهذا الصراع
الإقليمي، إذا حصل، ستكون الشعب
السوري وشعوب المنطقة، وذلك من خلال
استمرار المعاناة، سواء أكانت من قبل
النظام أم نتيجة النزاع على المستوى
الإقليمي. لم يعد الصراع في
سورية فقط على الديمقراطية، بل أصبح
على السيطرة على مستقبل سورية، وإعادة
رسم الإقليم. ================= ما الذي
يعنيه رحيل الأسد عن السلطة؟ * عريب
الرنتاوي الدستور 26-7-2012 سؤال حاول كثيرون
الإجابة عليه، وجاءت إجاباتهم متنوعة
قدر تنوعهم واختلاف مواقعهم ومواقفهم. البعض رأى أن بشار
الأزمة هو مفتاح الأزمة ومفتاح الحل...إن
بقي بقيت وإن رحل رحلت، لكن ماذا عن
النظام والطائفة والمؤسسة الأمنية
والعسكرية...أسئلة لا يجهد أصحاب وجهة
النظر هذه في البحث عن إجابات عليها. بعض آخر، يرى أن رحيل
الأسد لا يعني شيئاً، فما نفع أن يرحل
الرجل ويظل نظامه...صبيحة اليوم التالي
للرحيل ستكون كعشية اليوم الذي سبقه،
القتال سيستمر حتى إسقاط النظام
وتفكيكه، وهنا يفقد التركيز على دور
الأسد وشخصه أية أهمية تذكر، طالما أن
الأزمة ستظل مستمرة والحرب والقتل
سيستمران معها. بعض ثالث يرى أن
مقدمات الجواب السابق صحيحة، لكن
نتائجه ليست كذلك، بمعنى أن رحيل الأسد
سيحيلنا إلى النموذج اليمني، وها هو
اليمن يسترد عافيته تدريجياً، لكن
أصحاب هذا الجواب مطالبون بالإجابة
على سؤال: هل دفع الشعب السوري 20 ألف
قتيل نظير خروج الأسد وبقاء النظام كما
هو الحال في اليمن الذي لا تظهر عليه
هذه الأيام أية إمارات من السعادة التي
التصقت باسمه تاريخياً. بعض رابع سيقول، أن
الأسد في الشروط السورية الخاصة، هو
الدولة، فإن رحل أو تنحى، رحلت الدولة
وتفككت، ودخلت البلاد في بحر من الفوضى
والاقتتال والعنف المذهبي والتقسيم...مثل
هذا التحليل لا يصمد كثيراً أمام
سيناريوهات الانتقال التي يجري
تداولها، والتي يلحظ بعضها على الأقل
رحيل الأسد وبقاء الدولة سواء بسواء. بعض خامس يعتقد أن من
السخف والتسخيف، اختصار المسألة في
شخص الرئيس، فما هم أن ظل الأسد أو رحل،
إن كان سيفوض صلاحياته لأحد من نظامه،
لتشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية
مؤقتة، تشرف على وضع دستور جديد للبلاد
وتنظم انتخابات برلمانية ورئاسية
مبكرة...المسألة لا تستحق كل هذا العناء
والتضحيات. ثمة مروحة واسعة من
التخمينات والتقديرات، تذهب في كل صوب
واتجاه...بيد أن المهم الآن وأكثر من أي
وقت مضى، هو البحث في مصير سوريا،
والذي لا يمكن اختزاله بمصير الأسد
وعلاقته بالسلطة..هذا تفصيل ثانوي إزاء
المشهد الرئيس الذي تعيشه البلاد. نحن نأمل بالطبع، أن
تأتي المبادرة من داخل النظام، فيعيد
طرح خريطة طرق لمرحلة الانتقال، لكنه
لم يفعل ذلك بشروط مواتية، وقبل أن
تُدرج مسألة التنحي على جدول أعمال
المعارضات السورية وأطراف إقليمية
ودولية ونافذة، وليس لدينا ما يدعو
للاعتقاد بأن النظام يمكن أن يفكر من
خارج صندوقه، أو أن يأتي بغير حلوله
الأمنية والعسكرية...هذا هو الدرس
الأول للأشهر الستة عشر الأولى في أزمة
سوريا وحروبها المركبة. لم يبق سوى انتظار
مبادرة دولية توفر سلالم آمنة
للأفرقاء للهبوط عن أعلى الشجرة
وقمتها...لكن هذا الاحتمال يفترض أن
اللاعبين والعابثين بالأزمة السورية،
مهتمون بسلامة سوريا ووحدتها
ومستقبلها، في حين نجد أن لكل من هؤلاء
أجندة خاصة يخفيها خلف شعارات الدفاع
عن حقوق الشعب السوري وحيوات أبنائه
وبناته ومستقبله الزاهر الذي ينتظره...من
قوى استعمارية تتوق لمرحلة ما بعد
سايكس بيكو والاستعمار الجديد، إلى
قوى إقليمية ثأرية وانتقامية ، إلى قوى
ظلامية سار الخراب في ركابها حيثما
حلّت وارتحلت وانتهازين وأثرياء حروب
وعملاء وجواسيس لكل من يمتلك “صرر”
المال وأدوات الجاه والنفوذ والإعلام...كان
الله في عون المعارضة السورية الوطنية
المستقلة، فإنها الطرف الأضعف على ما
يبدو في حرب سوريا وحروب الآخرين عليها. لهذا نحن لسنا
متفائلين أبداً بمآلات المشهد السوري،
بقي الأسد أم ارتحل...ونحسب أن عنف
الأيام التي ستعقب رحيل الأسد أو
ترحيله، لن يقل ضراوة عن العنف الذي
شهدته سوريا في ظل “عهده الميمون”...ألم
يسقط من العراقيين بعد صدام حسين أضعاف
من سقطوا قبله؟...أما زال العراق يودع
قوافل الشهداء والجرحى يومياً ومن دون
انقطاع منذ تسع سنوات عجاف؟...ناهيكم
بالطبع عن سؤال ما الذي تغير في سوريا،
والذي توفر التجربة اليمنية جواباً
صافياً عليه لمن أراد أن يلقي السمع. حتى لو جاءهم الخبر
السار، وأعلن الأسد عن قبوله بالتنحي
عن رئاسة الجمهورية، لا أحسب أن ذلك
سيُعد إيذانا على انتصار الثورة
السورية...وأحسب أنه يتعين على الذين
سيستقبلون الخبر بإطلاق النار الغزير
في الهواء أو على أبناء الطوائف
الأخرى، أن يدركوا بأن مشوار التغيير
في سوريا سيكون طويلاً ومريراً...وهو
سيبدأ صبيحة اليوم التالي للرحيل لكن
بشرط أن تبقى سوريا التي بخريطتها التي
نعرف، ويظل السوريون أبناء شعب واحد
وهوية واحدة، وهذا ما ستأتي به الأخبار
من لم تزوّدِ. التاريخ : 26-07-2012 ================= طارق مصاروة الرأي الاردنية 26-7-2012 يخطئ النظام في دمشق
إذا اعتقد أن التهديد بالأسلحة
الكيماوية أو البيولوجية سيردع أحداً
من أعدائه: في الداخل أو في الخارج.
فالكل الآن يتدخل من روسيا وتركيا إلى
دول الخليج وإيران. والجميع يعرف أن
سوريا تملك هذا النمط من الأسلحة، لكن
ذلك لم يمنع أحداً من التدخل!. إن استرداد ذاكرة
النظام في دمشق، واستعادة قصة أسلحة
الدمار الشامل في العراق، يدلنا بوضوح
إلى أن تهديد الرئيس صدام حسين
لإسرائيل بالكيماوي المزدوج إذا
استعملت سلاحها النووي، فقامت المدبرة
العالمية على العراق، والتحشيد لغزوه
بحجة أن العالم لا يمكن أن يقبل إبادة
الشعب اليهودي مرّة أخرى. كما استغلت
طهران هذا التهديد فضربت قرية حلبجة
بغاز قاتل، والصقت الجريمة بالنظام
العراقي، ودليلنا هو عدم محاكمة أي
مسؤول عراقي بجريمة استعمال هذا
السلاح المحرم، واكتفت ماكنة الدعاية
بالصاق لقب الكيماوي لعلي المجيد!. إعلان وجود أسلحة
دمار شامل رسمياً، وعن طريق وزارة
الخارجية بدمشق لا يخيف أحداً من
المتورطين في الحدث السوري، ولكنه
سيثير عش الدبابير الصهيونية في
أميركا وأوروبا، وسيعطي للمخططات
العدوانية الإسرائيلية المبرر
بالتدخل بالشؤون اللبنانية، وعبر دور
حزب الله المفترض في تسلّم الأسلحة
الكيماوية والبيولوجية إذا انهار
النظام في دمشق. وعلى العاصمة السورية
أن تفهم أن المخطط الدولي لتقليم أظافر
النظام الإيراني يتم الآن دون الحاجة
إلى الحرب في الخليج، ودون قصف مراكز
تخصيب اليورانيوم، وهو يتم في سوريا،
ويتم في توريط حزب الله بحكم لبنان مع
حلفاء مشكوك في ثباتهم، وتمَّ في غزة..
وينهار في الجزء الشيعي المتحالف في
بغداد!!. لقد كان النظام في
سوريا أذكى كثيراً طيلة العقود
الثلاثة من حكم العائلة. كان يفهم لعبة
القوى الدولية والإقليمية، وكان
يتعامل معها دون حساب العقائد،
والقومية، والبعث.فحارب العراق إلى
جانب إيران، واصطف مع الولايات
المتحدة في تحشدات الخليج، وعرف كيف
يأخذ من أموال النفط ما لا يعرف أحد
حجمه ومصادره!. الآن ومنذ خمس سنوات
فقد النظام ذكاءه باغتيال حليفه
الحريري، وبالخروج المخزي من لبنان،
وبمحاولات التذاكي على واشنطن وأوروبا..
مما أوصله إلى الوضع الحالي. ================= سورية
قلب العروبة النابض وليس قلبها الفاسد سهيل كيوان 2012-07-25 القدس العربي
لن تنجز الثورة
العربية المعاصرة مهمتها التاريخية
إلا بعد الإطاحة بجميع الأنظمة التي
سبقت لهيب البوعزيزي، بغض النظر عن
التفاوت في مواقف هذا النظام البائد
وذاك الذي سيبيد، النظام العربي
القديم كله استنفد نفسه منذ عقود، وبات
هدمه عن بكرة أبيه ضرورياً وحتمياً،
وأي نتيجة ستتمخض عنها الثورة وإن حملت
بعض المآسي في بدايتها ستكون في
المحصّلة أفضل بكثير من المستنقع الذي
قادت هذه الأنظمة الأمة إلى أوحاله. قد يكون الخروج من
المستنقع النتن إلى الهواء الطلق
مؤلمًا، وقد يجبي ضحايا كثيرة، ولكن
مهما بلغت التضحيات فهي أفضل من البقاء
في عفن المستنقع، لأن البقاء هناك يعني
نهاية الأمة، وهذه الأمة قررت أن لا
تموت. كي تنجح الثورة كما
نحلم وكما حلم مَن قبلنا، لا بد من
مذابح فكرية، يجب أن تسفك دماء الفكر
القديم، أن نرى أشلاءه متناثرة محطمة
مهزومة يسخر الناس منها ومن أنفسهم..كيف
كنا بلهاء..كيف تداولناها بغباء لعقود
وقرون طويلة! هناك نهج تفكير
وتلقين يجب أن يُجتث من جذوره، أن
يُنظر إليه كرافد من روافد الفساد
والتخلف، وكجزء من منظومة الأسلحة
الفتاكة التي استخدمتها الأنظمة في
تخدير الشعوب والركوب عليها طيلة هذه
العقود، أفكار هي حليفة للأنظمة
البائدة، تماهت معها وكمّلتها، بقناع
الوطنية تارة وقناع الدين والمذهبية
تارة أخرى وتارة أخرى بقناع القومية،
نحن بحاجة إلى نقد شامل وعميق لكل شيء
دون تردد، لا يوجد مسلمّات، كل شيء
قابل للنقاش والنقد والتمحيص بحرّية
مطلقة. إحدى الدعائم
المعنوية للأنظمة هي مديح الحاكم من
خلال الشعر والمقالة والفن، ولهذا من
شروط نجاح الثورة العربية أن تحمل في
جعبتها بين ما ستحمل تحريم مدح الحاكم
أو المسؤول مهما بدا نظيفًا أو ثوريا
في بداية طريقه، واعتبار الفن الذي
يمدح الحاكم بمثابة رشوة لا تقل خطورة
بل تزيد عن الرشوة العينية من مال
وغيره، واعتبارها محاولة للعودة
بالتاريخ إلى أيام الأنظمة السوداء. المديح له دور كبير
في إفساد الحكام وحتى في تضليلهم
وتطويل قرونهم وآذانهم، في مثلنا
الشعبي البسيط قالوا 'مدحنا القط عملها
في الطحينات'، المديح وصل في أحيان
كثيرة إلى درجة التواطؤ وحتى المشاركة
مع الحاكم في جرائمه كلما كان هذا
الحاكم ونظامه أكثر قمعًا وفسادًا.قد
يسأل الممدوح نفسه في بداية الأمر...هل
أستحق هذا المديح! وهل هذا المادح صادق
أم منافق يريد التكسب!وهل أنا الذي
أحمل كل هذه المزايا الجميلة التي
يتشدق بها الشاعر أو الكاتب أو الفنان!قد
يقول لنفسه..ليتني أكون عند حسن ظن
الناس بي، ولكن عندما يتكرر المديح ومن
أكثر من مصدر وعلى أكثر من مستوى وقامة
ومشرب فني لا يلبث أن يقنع نفسه بأنه
يستحق هذا الكلام خصوصًا إذا جاء من من
شعراء وكتاب وفنانين كبار، سوف يصدق أن
الفقراء في بلاده يدعون له في صلواتهم،
وأنه عطاء رباني لهذا الشعب المسكين
عندما يهتف مئات الألوف في مظاهراتهم
المنظمة باسمه، سوف يؤمن أنه لا بديل
له، وأنه إذا مرض أو مات فإن البلاد سوف
تتيتم من بعده وأنه لا يوجد من يدبّر
أمرها مثله لا من قبله ولا من بعده،
وهكذا يركز الحاكم الصلاحيات كلها
بيده فلا يتحرك شيء إلا بإذنه حتى يصبح
كل مواطن بحاجة شخصية لكرمه وأريحيته. يدمن الحاكم على
المديح، لأن المديح يطمئنه، فهو
بمثابة بديل عن عطائه الحقيقي للشعب،
المديح يملأ فراغ التقصير ويحجب
الحقيقة، ويطمئن الحاكم الذي يشكك في
نفسه ونظامه بأن الأمور ماضية على ما
يرام والشعب راض حتى لو تراكمت فوقه
المزابل وقذارات النظام وأذرعه القذرة.
سوف يتناسى الحاكم حساباته وأمواله
السرية المنهوبة من عرق الشعب وجوعه
وحتى إهانته، سوف يعتبر أمواله
السريّة نشاطا مشروعًا وجزءًا من
استراتيجية الأمن القومي، دون أن يشك
للحظة بأنه يشبه العمرين في عدلهما
وتواضعهما، وطبعا سوف يصل إلى قناعة
بأن هذا الشعب خلق لأجله، كي يحكمه هو
ولا أحد سواه. المديح يعمل على شكل
هرم مقلوب، يبدأ بمديح الحاكم ثم ينزل
إلى كل مسؤول في مكانه حتى يصل أصغر
موظف، وهذا الجهاز الهرمي له آلية
تكافئ المادحين وتحرم الصامتين بسبب
صمتهم، ولن نتطرق هنا إلى المصائر
المتعثرة لمن يجرؤون على هجاء الحاكم
أو المسؤول وحتى الموظف الصغير، إلا
إذا كان هذا الهجاء يعمل عكسيا أي أنه
يهدف لتحميل صغار الموظفين وزر فساد
نظام بأكلمه كما أظهرت الدراما
السورية لسنين طويلة وتشاطرت على
الضعفاء، وكأن المشكلة هي مشكلة هذا
الموظف أو ذاك وليست مشكلة النظام
بأسره، رأيت مقابلة مع الفنان السوري (جمال
سليمان) قبل أيام على فضائية أوريانت،
وقد أعجبني جدًا في تحليله للوضع
الراهن في سورية وإدانته بلا تأتأة
للنظام الذي رفض التعامل مع المنتفضين
منذ البداية إلا بمنطق القوة ولم يعد
أمامه الآن سوى السقوط. قانون الثورة الجديد
يجب أن يعاقب ليس فقط كاتب المديح، بل
من ينقله وينشره ومتلقيه، فهذا لا يدخل
في باب حرية الرأي، لأن تقديم رشوة
لموظف أو لمسؤول ليس حرية رأي، ومديح
من ينظف الشارع ويخلّص الناس من
القاذورات أولى من مديح الحاكم الذي
يجب أن يخدم العباد والبلاد ويطوّرها
ويعمل على سعادة الناس، أول كلام يجب
أن يقال لشاعر أو كاتب أو فنان يمدح
حاكمًا..هو 'أعوذ بالله منك ومن نفاقك'،
بالمقابل يجب منع الهجاء أيضا،
والمقصود منع الهجاء لمعارضي النظام،
وعدم السماح بتشويه صورهم، كما حدث
للأسف في الثورة السورية عندما خوّن
بعض الفنانين السوريين زملاءهم بل
والآلاف المؤلفة من الجماهير المنتفضة
ضد النظام، واعتبار هجاء المعارضة
والتعامل معها بلغة غير سياسية نوعًا
من الرشوة غير المباشرة للحاكم
والنفاق له. الأنظمة التي كال لها
شعراء وكتاب مدائح كثيرة مستعدة
لتدمير البلاد وحرقها على أن تتنازل عن
السلطة، هاهو نظام الأسد مستعد أن يجعل
البلاد قاعًا صفصفاً على أن يتنازل عن
السلطة، فهو بات على قناعة راكمتها
أعوام الكذب والنفاق بأنه هو البلاد
والبلاد هو، حُجب على بصيرته ولم يعد
قادرًا على تصوّر نفسه خارج سدة الحكم،
فهو الحاكم الأبدي، ألم تكن هناك
شعارات ومظاهرات منظمة على مدى عقود
تهتف..'إلى الأبد إلى الأبد' فكيف يصير
الأبد بضع سنين أو بضعة أشهر! ها هو
مستعد للتلاعب بمصائر الملايين من
خلال الأسلحة الكيماوية التي بحوزته،
إنه يحولها إلى واحدة من أوراقه
الأخيرة للمساومة على بقائه،
واستخدامها كورقة ضغط على الخارج وعلى
الداخل بهدف إضعاف حجة المعارضين
ومعنوياتهم، والتشكيك بوطنيتهم
وانتمائهم ومحاولة دمغهم وتشويههم دون
وازع من ضمير وطني أو قومي أو أخلاقي
وكأنهم يقفون في خندق واحد مع العدو،
هذا العدو الذي بات مرتبكا بالفعل
ومتأكدًا بأن الأمور لا تمضي في صالحه
وخصوصًا في الثورة السورية التي
ستخّلص دولة إقليمية مهمة بحجم سورية
من مستنقع الفساد والضعف والتردد
والنهوض بها من جديد لتعود قلب العروبة
النابض وليس قلبها الفاسد.... ================= عبد الباري
عطوان 2012-07-25 القدس العربي
عندما يؤكد المعهد
الملكي للدراسات الأمنية والدفاعية 'روسي'
العقل المفكر والمخطط لوزارة الدفاع
البريطانية، ان حربا بالوكالة تستعر
حاليا بين ايران والمملكة العربية
السعودية على الارض السورية، وان
وحدات غربية خاصة تعمل على الارض حاليا
لتقويض النظام السوري والتمهيد لتدخل
عسكري مباشر، فإن علينا ان نأخذ خلاصة
هذا التقرير بأهمية فائقة، فمعظم، ان
لم تكن، كل الحروب الغربية في المنطقة،
السابقة منها واللاحقة، تطبخ في
بريطانيا. التقرير الذي اصدره
المركز يؤكد ان هذا التدخل العسكري
الذي بات مرجحا، لن يتم من اجل انقاذ
الشعب السوري، او وضع حد لأوضاعه
المأساوية، وانما لاحتواء الأزمة في
سورية والحرب الأهلية الطائفية التي
تندلع فيها، والحيلولة دون امتدادها
وتفتيت الدول المجاورة، وتوفير ملاذات
آمنة للجماعات الاسلامية المتشددة،
وخاصة تنظيم 'القاعدة'. لم يكن من قبيل
الصدفة ان تعلن السيدة هيلاري كلينتون
وزيرة الخارجية الامريكية ان بلادها،
وبعد استخدام روسيا والصين 'الفيتو' ضد
مشروع قرار في مجلس الأمن لمنع فرض
عقوبات على سورية، ستعمل خارج نطاق
المنظمة الدولية في سورية، فالتقرير
الذي يقع في 50 صفحة، ويضم تقديرات
عسكرية وامنية للموقف لكبار المتخصصين
الغربيين كشف ان عملاء المخابرات
الامريكية والبريطانية والغربية
الاخرى، يعملون على الارض السورية منذ
اشهر لتحديد الأهداف وتجنيد العملاء،
والاشراف على تسليح المعارضة من قبل
المملكة العربية السعودية ودولة قطر. الاستعدادات للتدخل
بدأت فعلا، فمجموعة من السفن الحربية
البريطانية، حسب ما جاء في التقرير،
تتجه الى شرق البحر المتوسط، لتحقيق
هدفين اساسيين: الاول هو المشاركة في
الاعمال العسكرية، والثاني اجلاء
الرعايا الاجانب من سورية، وربما من
لبنان. في المقابل تتوجه الى السواحل
السورية حاليا سفن حربية روسية. وربما يجادل البعض
بأن الدول الغربية التي اكتوت
اصابعها، والامريكية منها خاصة، في
حربين مدمرتين في العراق وافغانستان،
قد تتردد في الدخول في حرب ثالثة، ربما
تكون اكثر صعوبة، ولكن البروفسور
مايكل كلارك المشرف على هذا التقرير
يقول بالحرف الواحد 'ليس دائما نحن
الذين نختار الحروب التي نخوضها،
فأحيانا الحروب هي التي تختارنا'،
والحرب في السورية تندرج في الخانة
الاخيرة. ' ' ' الدخول في الحروب،
ومثلما علّمتنا تجربتا العراق
وافغانستان عملية سهلة، والانتصار
فيها ربما اكثر سهولة، عندما يكون
الخصم من دول العالم الثالث، ولكن
المعضلة الاكبر تتمثل في الحفاظ على
هذا النصر في مرحلة ما بعده. الجنرال مارتن
ديمبسي رئيس هيئة اركان الجيوش
الامريكية صرّح مؤخرا بقوله امن
الممكن تدمير القدرات العسكرية
السورية على الطريقة التي تم فيها
تدمير نظيرتها العراقية، من خلال
اسلوب الصدمة والرعب (shock
and awe)
ولكن امكانية السيطرة على الموقف بعد
ذلك لا يمكن ضمانهاب. الاراضي الأردنية
مرشحة لكي تكون نقطة الانطلاق
الرئيسية لأي تدخل عسكري غربي في سورية
تحت ذريعة الاستيلاء على مخزونها من
الاسلحة الكيماوية والبيولوجية. وهناك
انباء تشير الى ان قوات التحالف الغربي
لن تكون في الواجهة، وسيتم اللجوء الى
النموذج الكويتي، اي ان تقوم قوات
سعودية واردنية وقطرية بدخول الاراضي
السورية معززة بغارات جوية وخبراء
غربيين، تماما مثلما دخلت القوات
العربية ارض الكويت بعد تحريرها. القوات الأردنية
والقطرية الخاصة حاربت في ليبيا، وكان
لها الدور الأبرز في اقتحام طرابلس
وقاعدة باب العزيزية مقر قيادة العقيد
معمر القذافي، ونحن هنا لا نتحدث ايضا
عن المساعدات اللوجستية والعسكرية
والمالية الاخرى لدعم القوات التابعة
للمجلس الوطني الليبي المعارض، ولن
نستبعد ان يعيد التاريخ القريب نفسه في
سورية. من المؤكد ان ليبيا
ليست مثل سورية، فالمقارنة بين
البلدين والنظامين في غير محلها، وان
كانت الديكتاتورية والفساد والقمع
القاسم المشترك بينهما، ولكن ما نتحدث
عنه هنا هو الاختلافات الجوهرية.
فالنظام الليبي كان معزولا وبلا
اصدقاء، سواء من قبل دول الجوار او
غيرها، لكن النظام السوري عكس ذلك
تماما، فهو على تواصل جغرافي مع حليفه
الايراني القديم، والعراقي الجديد في
الشرق، وحزب الله في الغرب، علاوة على
قوتين عظميين تساندانه وهما روسيا
والصين. الجنرال مسعود
جزائري نائب رئيس الاركان العامة
للقوات المسلحة الايرانية حذر يوم امس
الاول من تسليح المعارضة السورية،
ووجه تهديدا شديد اللهجة ضد الاطراف
العربية المؤيدة للثوار في سورية،
واصفا هذه الاطراف بـ'العرب المنبوذين'،
واكد ان حلفاء النظام السوري لن يسمحوا
بتغيير نظام الرئيس بشار الاسد، وانهم
سيوجهون 'ضربات حاسمة' لأعداء دمشق'
وخاصة 'العرب المنبوذين'. صحيح ان النظام
السوري لا يملك الا ست طائرات متقدمة
من نوع (ميغ 29) وباقي سلاحه الجوي
طائرات قديمة انتهى عمرها الافتراضي
منذ عقود، ولكنه يملك منظومة دفاعية
جوية متقدمة للغاية، حسب ما جاء في
التقرير البريطاني المذكور، من بينها
بطاريات صواريخ 'سام 17' الروسية
المتطورة، يمكن ان توقع خسائر كبيرة في
حال حدوث اي هجوم جوي، واذا صحّت
الانباء التي تقول بأن روسيا زوّدت
النظام السوري بصواريخ 'اس 300' المضادة
للطائرات، ولا يوجد اي تأكيد رسمي
لذلك، فإن الصورة ربما تكون مختلفة. لا نعرف رد الفعل
الروسي والصيني في حال حدوث مثل هذا
التدخل العسكري لاطاحة حليفهما في
دمشق، فالغرب تدخل عسكريا في كوسوفو
وفي صربيا، منطقتي النفوذ الروسي، ولم
تحرك موسكو ساكنا، ولكن تصريحات سيرغي
لافروف وزير خارجية روسيا توحي بعكس
ذلك تماما، وتشير الى احتمالات التدخل
لحماية النظام. ' ' ' الايام او الاسابيع
المقبلة تبدو مرعبة بكل المقاييس،
وتهديد النظام السوري باستخدام
ترسانته من الاسلحة الكيماوية
والبيولوجية لمواجهة اي تدخل خارجي،
لا تؤكد قرب حدوث هذا التدخل فقط،
وانما إشعال المنطقة بأسرها في حرب قد
تمتد لسنوات، وتحرق الأخضر واليابس. لا احد يملك البلورة
السحرية ليتنبأ بالنتائج، فمن كان
يتوقع مقاومة شرسة في العراق تجبر
الامريكان على الرحيل مهزومين، ومن
توقع انهيار القوات المصرية في ساعات
اثناء حرب حزيران (يونيو) عام 1967، ومن
تنبأ بهزيمة اكثر اذلالا لأمريكا امام
حركة طالبان في افغانستان، والاهم من
ذلك من توقع ان تخرج ايران الفائز
الاكبر في العراق بفضل الغزو
الامريكي؟ ما يمكن التنبؤ به هو
ان شرق اوسط جديدا تتبلور خريطته فوق
الارض السورية، فإذا كانت الحرب
العالمية الاولى التي وقعت قبل مئة عام
تقريبا قد وضعت خطوط الخريطة الحالية،
فإن الحرب المقبلة اذا ما اندلعت قد
تنسفها توحيدا او تفتيتا، والعرب في
جميع الحالات، مثلما حدث في الماضي،
سيكونون الضحية الأبرز، بل الوحيدة،
والأيام بيننا. ================= غازي دحمان * الخميس ٢٦
يوليو ٢٠١٢ الحياة لم
تكن ثمة مظاهر مهمة تشير إلى قدرة
المعارضة على إنجاز مهمة بحجم تلك التي
أعلنت التصدي لها: «بركان دمشق وزلزال
سورية». فلا التحضيرات اللوجيستية ولا
نوعية التسليح أو حتى المستوى البشري،
كعناصر مرئية وواضحة للعيان، كانت
مطمئنة بالنسبة للجمهـــــور الذي
يـــــراقب الحالة الميدانية. لم يكن
في هذا الواقع سوى كثير من الحماسة عند
مقاتلي الميدان وأمان لا تنضب لدى
الجماهير الحاضنة للثورة. كان واضحاً وواقعاً
أن بعض الفصائل المسلحة دفعت بالمراتب
العليا لهياكل المعارضة المسلحة إلى
تبني قرار بالهجوم، لم تكن تجهيزاته
العملانية اكتملت، والدليل على ذلك
إعلان قيادة الجيش الحر أن هذا العمل
العسكري لا يشكل «ساعة الصفر» التي لم
يزل الإعداد جارياً لها، ولم يكن ذلك
من قبيل التكتيك بخاصة أن مهام سابقة
كانت لم تحقق الهدف المرجو منها، ما
دفع بالمعارضة المسلحة إلى عدم
المجازفة برفع سقف التوقعات. غير أن الدماء التي
نزفت من جسد النظام إثر تفجير هيكله
الأمني واضطراره إلى الكشف عنها، زادت
من شراسة العملية وقوتها، كما عملت على
تزحيم حركة الثورة وإعطائها دوافع
قوية للتقدم. ذلك أن الثورة وللمرة
الأولى أحست بقدرتها على الإنجاز
المباشر عبر اختراقها قلب النظام
الأمني وإخراج أهم شرايينه من ساحة
الفاعلية والتأثير، وهو الدور الذي
طالما مارسته قوى النظام بإخراج
مناوئيها من ساحة الفعل، زمن القتل
الرخيص، عبر قتلهم أو إخفائهم
وتغييبهم. لم يكن ذلك الأمر،
على أهميته، وحده المسؤول عن احتدام
صورة المشهد السوري، ذلك أن الثوار
اكتشفوا فجأة هشاشة قوة النظام
وتراجعها إلى الحد الذي لم يستطع
استعادة أحياء صغيرة في دمشق أعلنت
تحديها المباشر له، وزاد من يقينهم هذا
واقعة احتكاكهم مع عناصر جيش النظام
وأمنه واكتشافهم ذلك المقدار الهائل
من عدم الخبرة والضعف القتالي الذي
ينطوي عليه واقع هذه البنى. لقد كشفت هذه الواقعة
عن أمرين خطيرين، الأول أن النظام ضيع
وقتاً طويلاً وبذل جهداً مضنياً، في
الضرب بالفراغ، بمعنى أن كثرة عمليات
القتل والاعتقال التي كان يطمئن
لجدواها كانت تطاول النطاق الهامشي
للحراك، ولم تصل للقلب الذي كان يتطور
بأريحية. ذلك أن هذا النمط من الحراك
لديه القدرة على تكوين ردائف وبدائل
حركية من شأنها تضليل الخصم وتركيز
جهوده في أمكنة أخرى. والثاني أن الثورة من
جهتها ضيعت بدورها الوقت والجهد
والكثير من الطاقات واضـــطرت للسير
عبر طرق التفافية قبل أن تصل إلى إدراك
حقيقة أن نوعاً كهذا من الأنظمة
المتصلبة لا يمكن ضمان سقوطه وزواله
سوى ياستخدام العنف المباشر ضده، وأن
المعركة الأساسية كان يجب أن تنتقل إلى
القلب ولا تقيم في الهوامش طويلاً، لأن
الهوامش فقيرة وغــــير مؤثرة في
الأنظمة ذات الطابع الاستغلالي
والاستعلائي، والذي لا يرى فيها أكثر
من عبء اقتصادي، وفي الوضع الإيجابي
خزاناً لتوريد العسس والخدم. هل يعني ذلك أننا
نعيش مرحلة السقوط النهائي لنظام سقط
قبل هذا الموعد بكثير أخلاقياً
ووطنياً، وحتى عسكرياً، ربما؟ المؤكد
أن هذا السقوط سيجر معه سورية بأكملها
إلى أنواع وأشكال ومستويات متعددة من
السقوط وذلك بما يشبه استحقاقاً لا بد
من دفعه على كل من انتـــفع بجنسية
سورية الأسد. ================= يزيد صايغ * الخميس ٢٦
يوليو ٢٠١٢ الحياة لقد تعرّض النظام
السوري إلى سلسلة من الضربات التي تدلّ
على التراجع المستمر في سيطرته
الميدانية والمؤسسية منذ أوائل تموز (يوليو).
وجاء أولاً انشقاق العميد مناف طلاس،
قائد لواء في الحرس الجمهوري ورفيق درب
الرئيس بشار الأسد، ورافقه انشقاق
نواف الفارس، سفير سورية في العراق
وأول ديبلوماسي رفيع المستوى يلتحق
بالمعارضة. ثم وقع ما بدا أنه هجوم
منسّق على صعيد البلاد ككلّ، نفذه
الثوار المسلحون في العاصمة دمشق،
وثاني مدن سورية حلب، فيما استولوا على
معابر حدودية عدة مع تركيا والعراق.
وحصل بعد ذلك التفجير الذي أودى بعدد
من أعضاء «خلية الأزمة» التابعة
للنظام، بعضهم حلقات وصل أساسية في
الدائرة الداخلية الأولى لصنع القرار
الأمني حول الأسد. دفع تسلسل هذه
الأحداث بالكثيرين إلى إعادة النظر في
تنبؤاتهم حول سقوط النظام، ليختصروا
الزمن المتبقّي المتوقّع من شهور إلى
أسابيع عدة فقط. لكن ذلك سابق لأوانه.
وصحيح أن النظام يتكبّد استنزافاً
سياسياً واقتصادياً ومالياً وعسكرياً
لا يسعه أن يتحمّله إلى ما لا نهاية،
غير أن استعراضه المتكرّر للقدرة على
تصعيد نطاق ردّه العسكري على كل تحدٍّ
جديد يوحي بأنه لم يستنفذ بعد
احتياطاته، وبأن احتمالات اشتداد درجة
العنف لا تزال مرتفعة. سقوط النظام ليس
وشيكاً إذاً. بل النتيجة الأكثر
ترجيحاً لنمو التحدّي الذي تقدّمه
المعارضة له إنما هي ظهور أول فرصة
جدّية منذ اندلاع الأزمة السورية
للبدء بالتفاوض على المرحلة
الانتقالية. ثمة مؤشرات تدلّ على أن
بعض الأعضاء المقرّبين من النظام
باتوا يدركون أن «الحل الأمني» وصل إلى
الطريق المسدود، ما يدفعهم إلى البحث
عن سبل بديلة. وربما وصلت روسيا إلى
الاستنتاج نفسه. فصار بعض أرفع
المسؤولين في الدولة الروسية يتحدّثون
بازدراء عن الأسد إلى نظرائهم العرب،
خلف الأبواب المغلقة. ومن الواضح أن
التصريحات العلنية المتكرّرة لأحد
السفراء الروس عن إمكانية تنحّي الأسد
عن الرئاسة كجزء من اتفاقية انتقالية
– الأمر الذي نفته بشدة السلطات
السورية – إنما تمثل وسيلة للضغط على
النظام ليبدي المزيد من المرونة. ما يؤكد بقوة على
حصول بداية إعادة اصطفاف دولي باتجاه
حلّ وسط في سورية، هو ردّود الفعل
المتناقضة للمجلس الوطني السوري، الذي
رفض حتى الآونة الأخيرة عقد أي صفقة مع
النظام. فقد صرّح عضو اللجنة التنفيذية
للمجلس، جورج صبرا، في 24 تموز: «نحن
موافقون على خروج الأسد وتسليم
صلاحياته لإحدى شخصيات النظام لقيادة
مرحلة انتقالية على غرار اليمن».
وسرعان ما نفى رئيس المجلس عبد الباسط
سيدا ومسؤولة العلاقات الخارجية فيه
بسمة قضماني أن المجلس على استعداد
للانضمام إلى حكومة وحدة وطنية، ناهيك
عن حكومة انتقالية ترأسها شخصية من
النظام أو يشكّلها أحد من خارج
المعارضة. لكن ذلك كلّه يدلّ على حقيقة
أن مسألة الوصول إلى حلّ وسط باتت
مطروحة، وذلك إلى حدّ كبير بفضل تقدّم
وضع المعارضة وتآكل وضع النظام داخل
سورية خلال الشهرين المنصرمين. طبعاً، من المحتمل
جداً أن تفشل الجهود الرامية إلى
الوصول إلى حلّ وسط. وتشير المصادر إلى
أن عائلة الأسد والأقربين إليها لم
يعترفوا بأن توازن القوى يتغير
تدريجياً في غير مصلحتهم، ولم يتخلّوا
عن الحلّ الأمني لصالح خيار التفاوض
الجدّي على مرحلة انتقالية لا بد منها.
فالمعارضة تزعم بأنها تسيطر على ما بين
30 و60 في المئة من البلاد، لكن النظام لم
يخسر أي منطقة بشكل دائم حتى الآن، مع
بضعة استثناءات مثل بلدة الرستن. وفي
ما عدا ذلك، ما زال الثوار غير قادرين
على الاحتفاظ بأي موقع ثابت – من أجل
التدريب والتسليح والتجمّع تمهيداً
للعمليات القتالية الكبيرة – من دون
أن يتعرّضوا إلى المحاصرة والإبادة.
كما أن سيطرة النظام على الجيش لم
تُعطَّل بشكل قاطع بعد، وإن كان هذا
الأخير لا يزال يشهد المزيد من
الانشقاقات وخسائر متزايدة يومياً. هذا، وإن تمّ التوصّل
فعلاً إلى اتفاق، فمن المحتمل جداً
كذلك أن ينهار بسرعة. سيواصل النظام
والمعارضة التقاتل، إلا أن انقلاباً
مفاجئاً ودراماتيكياً في توازن القوى
يبقى غير محتمل بعد. وبما أنه لا توجد
آفاق لتدخّلٍ عسكري خارجي خلال العام
الجاري، على رغم الدعوات المتواصلة
إلى إقامة مناطق آمنة ومناطق حظر جوي،
فان انشقاق لواء بأكمله في الجيش يمكنه
وحده أن يُطلِق سلسلة من الانشقاقات
المماثلة تؤدّي إلى انهيار النظام في
وقت أقرب من المتوقّع. لكن الاحتمال
المرجّح أكثر هو أن تسعى الجهات
الفاعلة المحلية والخارجية إلى
استغلال أي إشارات إضافية تدلّ على ضعف
النظام أو فقدانه السيطرة، وذلك كي
تنسج اتفاقات جديدة وتتوصل إلى وقفات
للنزاع المسلح. وسواء نجحت هذه
المحاولات أم لم تنجح، سيستغرق تسلسل
الأحداث المتقلّب وقتاً سيطول حتى
أواخر العام في أقلّ تقدير. * باحث أول في مركز
كارنيغي للشرق الأوسط - بيروت ================= سورية:
تحريك «الكيماوي» إيذان باستخدامه ضد
الشعب - العدو الخميس ٢٦
يوليو ٢٠١٢ عبدالوهاب
بدرخان الحياة إنها
مرحلة كل الأخطار، كل العنف، كل
الأخطاء والخطايا. لا شك في أن الشعب
السوري يلامس أخيراً بداية تحقيق
أهدافه، لكن النظام الذي أدرك أنه ماضٍ
إلى الخسارة لا يزال قادراً على الأذى،
أقصى الأذى، للشعب ولسورية نعرفها. إذا
كانت الولايات المتحدة مسؤولة
تاريخياً عن تخريب النسيج العراقي
وتمزيقه بإقدامها على الغزو والاحتلال
غير المتبصّرَين، فإن روسيا باتت
وستستمر مسؤولة عما سيشوب النسيج
السوري من تشرذم وتفتيت على رغم
ادعائها أنها بمنعها التدخل الدولي
إنما تحول دون نشوب حرب أهلية في سورية.
إنها في الواقع تدير هذه الحرب إذ سعى
النظام إليها وهي تدعمه بمشاركة إيران
وتراهنان عليه. لم يظهر السلاح
الكيماوي في سياق الأزمة إلا عندما عمد
النظام نفسه إلى «تحريكه» من مخازنه
المعروفة. كان يطلق رسالة إلى من يهمه
الأمر بأنه يتأهب لاستخدام هذا السلاح
طالما أن الجميع يتكهن حالياً باقتراب
نهايته. حين ظهرت البنادق
والرشاشات في أيدي المعرضين اعتلى
النظام الموجة باللجوء إلى الأسلحة
الثقيلة والقصف المدفعي والصاروخي،
وحين دمّر الكثير من آلياته ودباباته
دفع بسلاح الجو وكثّف استخدام
الراجمات، ومع توقعه حصول «الجيش
السوري الحرّ» على مضادات حديثة
وصواريخ ها هو يلوّح بالسلاح الكيماوي.
ليس صحيحاً أنه يريد نقله إلى «حزب
الله» في لبنان - ليس الآن على الأقل -
ولا صحيح أيضاً أنه قد يستخدمه فقط
لردع تدخل خارجي يتمنّاه ويعلم أنه ليس
وارداً. هذا سلاح أعدّه
النظام أساساً للفتك بالشعب الذي
اعتبره دائماً أعدى أعدائه، ولديه
سابقة صدام حسين في حلبجة. هذا التهديد
بالكيماوي موجّه إلى الدول التي تسلّح
«الجيش الحرّ»، ومن قبيل «أُعذِر من
أَنذر»، فالجميع صار يعرف هذا النظام
وتصميمه الدموي على البقاء أو نحر
سورية وانتحارها قبل أن تنتحره. كان أحد القادة
الأمنيين في إدلب أطلق قبل فترة
تهديداً موثقاً بـ «أننا سنضرب
بالكيماوي ولا نهتم بمجلس الأمن».
ويتداول السوريون على نحو واسع أن هشام
بختيار (أو اختيار، رئيس الأمن القومي
ورابع القتلى الكبار بتفجير مقره) قال
في لقاء موسع «ولا بمليون قتيل يمكن أن
يسقط النظام». أما مندوب النظام في
الأمم المتحدة فقدّم في طيّات كلامه
السيناريو الأكثر ابتكاراً إذ لمّح
إلى أن «جماعات متطرفة» قد تستولي على
الكيماوي وتستخدمه «وبعدئذ ستقولون
إنه النظام من استخدمه». وأخيراً نُقل
عن الرئيس السوري نفسه قوله لأركان
غرفة التجارة أنه إذا اضطر للانسحاب «فسيسلّم
دمشق رماداً». هذه الشطحة مشابهة لما
روي عن اللقاء المختصر والأخير بين
رفيق الحريري وبشار الأسد حين أبلغه
وقوفاً أن دمشق قررت تمديد رئاسة إميل
لحود و «هذا غير قابل للنقاش» و «معك
ثمانٍ وأربعون ساعة لتصدر حكومتك
مشروع قانون للتمديد»، وأنهى المقابلة
فاستدار الحريري منصرفاً لكن الآخر
أضاف «إذا كنتَ وشيراك (الرئيس الفرنسي
آنذاك) تعتقدان أنكما سترغمانني على
الخروج من بيروت فإني سأكسّرها على
رأسك ورأسه»... هذا نظام لم تعد
تعنيه سورية وبرهن أن خطوطه الحمر تقف
عند العائلة التي صادرت طائفتها
بذريعة حمايتها لكنها أمعنت في
الإساءة إليها. هذا نظام عُهدت إليه
جوهرة البلدان وواسطة العقد العربي
ولا يأبه الآن بإعادتها إلى عهد
الدويلات المتنافرة كما كانت إبان
الحملة الصليبية، وإلى عقلية ذلك
العهد الغابر وثقافته. وكما قيل في
تبرير التشظي العراقي، يختصّ كتاب
إسرائيليون بالقول اليوم إن سورية هي
أيضاً «كيان مصطنع» لم يستطع مثله مثل
العراقي أن يصمد مئة عام، فالتشرذم
بالنسبة إليهم هو ما ستؤول إليه الأزمة.
لا ينفك النظام يتحدث عن «مؤامرة»
ويتجاهل أنه جزء منها بل أداتها. فهو
قدّم نفسه رمزاً للعروبة والمقاومة
والممانعة، وإذا به مجرد عنوان لـ «الشر
المطلق» مع طاقة إجرامية غير مسبوقة
تنافس أعتى الطغاة، حتى لم يعد ممكناً
التعامل معه بأي منطق معروف، سياسياً
كان أو أخلاقياً، عربياً أو دولياً.
القادة المحاربون يقصفون عاصمة العدو
لهزمه، وهو باسم المقاومة والممانعة
يقصف دمشق التي يفترض أنها عاصمته.
وحده نيرون أحرق عاصمته روما. منذ أيلول (سبتمبر)
الماضي، الشهر السادس لهبّة الشعب
السوري، أدرك النظام أن عليه أن يتنازل
لإنهاء الأزمة، وقرر أن لا يتنازل بل
أن يلوذ بموسكو فأرسل الرئيس إليها
مستشارته وليس وزير خارجيته لأخذ
الموافقة على الاستراتيجية التي وضعها
النظام في ضوء قراءة عميقة للغضب
الروسي بعد الاستعراض الأطلسي في
ليبيا. لم يكن النظام باحثاً عن حل
سياسي داخلي وإنما عن «حل عائلي» وعن
دعم صلب يعينه على البقاء باعتباره
منحة ربانية لا غنى لسورية والسوريين
عنها. وكان له ما أراد، وما لبثت إيران
أن مدّت أيضاً روسيا بأوراق إضافية
مكّنتها من توسيع إطار المساومة
الدولية. وهكذا جرى تكبيل تدويل الأزمة
فيما دُفع تعريبها إلى الفشل، وعندما
طلب العرب التدويل دُفع هذا بدوره إلى
متاهة. ومع «الفيتو» الروسي - الصيني
الثالث بدا المجتمع الدولي تائهاً
ومضعضعاً. انتهت مهمة كوفي أنان
عملياً، وانتهت مهمة المراقبين
الدوليين، أي لن يكون هناك شهود في حال
استخدم النظام السلاح الكيماوي في حمص
أو دمشق أو حلب. لم يبقََ سوى البديل
الذي طالبت به دول عربية، أي تسليح
المعارضة السورية. كانت واشنطن وعواصم
أخرى تتشكك وتجادل وتسوّف، لكنها باتت
تقول أن لم يعد لديها سوى هذا الخيار «الاضطراري»،
بعدما تحوّل الحل السياسي إلى سراب.
فالأسد خادع أنان، وموسكو خادعت
واشنطن والجميع بالنيابة عنه. بعض من
هذه الأدوار سبق أن لُعب أمام العالم
خلال الأزمة البوسنية وقبيل حرب
كوسوفو. نجحت روسيا في تعطيل
مجلس الأمن ولم تنجح في بلورة «الحل»
الذي يعطيها دوراً في تطبيع الوضع
السوري، بما يمكن أن يحفظ مصالحها.
تتظاهر بأنها محتاجة إلى النظام
ومستغنية عنه في آن، وبأنها يمكن أن
تُسقط الأسد لو أرادت والواقع أنها لا
تستطيع، لكن الأكيد أنها قدّمت إليه
ضمانات في حال اضطر للانكفاء إلى «دويلة
الساحل» للتمتع بحماية قاعدتها في
طرطوس. إذاً، إلى اللعب من خارج مجلس
الأمن، وبلا تدخل مباشر، أقلّه الآن،
أي عودة إلى «الحروب بالوكالة» بكامل
كلاسيكيتها. في مقابل انهيار
التدويل كان من الطبيعي أن تهتز أيضاً
استراتيجية الجامعة العربية في
التعامل مع الأزمة، فهي بدورها تشهد
انقساماً في المواقف بسبب العراق
ولبنان تحديداً، ما عزز الميل إلى
التعامل مع الأزمة خارج مظلتها. لكنها
مع ذلك حافظت على خطّها التصاعدي بعرض
«الخروج الآمن» للنظام متوقعة من
رئيسه «خطوة شجاعة» لا يمكن أن تكون
أقل من التنحي والرحيل. وفي العادة لا
يُطرح عرض كهذا إلا عشية الانهيار
الحتمي وتجنباً لكوارثه. لكن النظام لا
يبحث عن خروج آمن بل يحلم بالانتصار
على شعبه. سبقه كثيرون ولم يتعظ. ================ الخميس ٢٦
يوليو ٢٠١٢ غسان شربل الحياة طرحتُ في الاسابيع
الماضية على مسؤولين وسياسيين يعرفون
دمشق ودائرة القرار فيها سؤالاً هو
الآتي: لماذا انفجرت سورية التي كانت
تعتبر نفسها محصنة ضد رياح «الربيع
العربي»؟. تمايزت الاجابات لكنها
اشارت الى خيط يربط ما سماه احدهم «محطات
على طريق الانفجار»، وها أنا أوجزها،
علّها تساعد على فهم اسباب ما نشهد. - في 2001 جرى نقاش داخل
القيادة السورية حول طريقة التعاطي مع
«ربيع دمشق» الذي رفع المشاركون فيه
مطالب اصلاحية «بسيطة وخجولة» تتعلق
بالانفتاح والحريات واحترام القانون
من دون اي مطالبة بتغيير النظام او
اسقاطه. نجح جنرالات الامن وكرادلة
الحزب في تصوير هذا التحرك كمصدر للخطر
على النظام ملوحين باحتمال ان يستغله
الاسلاميون للعودة بعد عقدين من
النجاح في اقتلاعهم. تبنى الرئيس بشار
الاسد في النهاية وجهة النظر هذه وأضاع
فرصة لفتح النوافذ وتقليم أظافر
الجنرالات والكرادلة كانت تتيحها له
شعبيته آنذاك. - في 2003 غزت القوات
الاميركية العراق واقتلعت نظامه
البعثي. انصرفت السلطات السورية عن
ملفات الداخل وتفرغت لمواجهة الخطر
المقيم على الحدود. اندفعت سورية في
خيار افشال الغزو الاميركي بالتنسيق
مع ايران على رغم عدم التطابق الكامل
بينهما في الحسابات العراقية. فتحت
سورية حدودها للجهاديين الراغبين في
الانتقال الى العراق ولم تتقبل نصيحة
زائر عربي حذرها من ان هذه اللعبة «تشبه
المنشار اليوم يذهب الجهاديون الى
هناك وغدا يعودون الى هنا». نجحت سورية
في زعزعة الوجود الاميركي في العراق
لكن العملية السياسية التي اطلقها
استمرت وبتشجيع ضمني من طهران التي
شعرت ان العملية ستؤدي الى وصول قوى
حليفة لها. شاهد السوريون عبر شاشات
الفضائيات فصول العنف العراقي لكنهم
شاهدوا ايضا العراقيين يتوجهون الى
صناديق الاقتراع ويختارون بحرية
ممثليهم على انقاض الحزب الواحد
القائد للدولة والمجتمع. - في 2005 وبعد اغتيال
الرئيس رفيق الحريري اضطرت سورية الى
سحب قواتها من لبنان. نجحت في استيعاب
هذه الانتكاسة وحملة الاتهامات
الدولية لكن موقعها داخل التحالف
القائم بينها وبين ايران اصيب بضعف
كبير. تعمق هذا الخلل بعد حرب 2006 في
لبنان. صحيح ان معظم الصواريخ التي
سقطت على اسرائيل كانت من صنع سوري لكن
المحصلة الفعلية كانت تكريس خط التماس
الايراني-الاسرائيلي في جنوب لبنان
وضبط هذا الخط بقرار دولي وقوات دولية
وتحول «حزب الله» اللاعب الاول في
لبنان واضطرار سورية الى ممارسة دورها
اللبناني عبره. وفي نشوة النصر التي
اعقبت «حرب تموز»، اعتبرت سورية ان
الوقت حان لإحالة المثلث السوري -
السعودي - المصري الى التقاعد لمصلحة
مثلث تحل فيه الدوحة مكان الرياض
وانقرة مكان القاهرة. - في السنوات التالية
نجحت سورية في العودة الى الساحة
الدولية بفضل جهود قطرية وتركية
وفرنسية، لكنها ارتكبت خطأ في
القراءة، فبدلاً من ان تعتبر هذه
العودة تشجيعاً لها على اعادة النظر في
خياراتها المتشددة اقليمياً اعتبرتها
دليلاً على «حاجة الآخرين الى سورية».
ارتكبت الخطأ نفسه في قراءة مبادرة
المصالحة السعودية. وسيظهر ذلك بوضوح
في محطتين: الاولى تأييد دمشق لبقاء
نوري المالكي في مكتبه بعدما وعدت بغير
ذلك، وتأييدها ارغام سعد الحريري على
مغادرة مكتبه بعدما وعدت بتسهيل مهمته.
وعبر المحطتين خسرت سورية علاقات
إقليمية كانت تعتبر بعضها من قماشة
العلاقات الاستراتيجية. - في هذا الوقت، أساءت
دمشق تقدير مدى التدهور في العلاقات
السنية-الشيعية على مستوى الاقليم،
وخسرت ايضا إمكان «موازنة» صورة مع
احمدي نجاد وحسن نصرالله، بصورة مع حمد
بن خليفة ورجب طيب اردوغان. - جمدت سورية ملف
الاصلاح السياسي سنوات. وتضاعفت نقمة
الناس، بسبب افتقار حديث مكافحة
الفساد الى الجدية. وأدت عملية
الانفتاح الاقتصادي في جانب منها الى
مضاعفة المتاعب المعيشية، خصوصا في
الارياف التي تشهد زيادة سكانية
متسارعة. اندلع «الربيع
العربي»، فاعتقدت دمشق ان لغة
الممانعة المتكئة على نظام امني محكم
تحصنها ضده. لم تتنبه الى دخول اجيال
جديدة مختلفة تطالب بحياة جديدة
مختلفة، بعيداً من بيانات الحزب ووطأة
الامن. وحين انطلقت الشرارات الاولى في
درعا اضاعت السلطة فرصة اطفاء الحريق
بمعاقبة المسؤول وإحالة الحزب الى
التقاعد واطلاق حل سياسي يمنع امتداد
النار الى المدن والبلدات الاخرى.
وهكذا انتقلت الاحتجاجات من المطالبة
بالاصلاح الى المطالبة بإسقاط النظام
وامتدت النار الى معظم انحاء الخريطة.
غرقت سورية في القتل داخلياً. وغرقت في
العزلة عربياً ودولياً. المشهد ينذر
بالآم كثيرة. لقد انفجرت سورية. ================ خيارات
ما بعد موت خطة أنان في سوريا عبد العزيز بن
عثمان بن صقر الشرق الاوسط 26-7-2012 فشل خطة أنان لتسوية
الأزمة السورية لا يعد مفاجأة لكل من
يعلم محتويات هذه الخطة والمبادئ التي
قامت عليها؛ فالخطة لم تقتل عمدا من أي
طرف من الأطراف السورية المتنازعة أو
الأطراف الخارجية المتنافسة، بل ماتت
موتا طبيعيا لأنها أصلا ولدت مشوهة
وغير قابلة للحياة. من غرائب هذه الخطة
أنها تعاملت مع ثورة الشعب السوري
بأسلوب يوحي بأن الثورة مجرد حالة تمرد
واحتجاج بسيط، تحمل مطالب يمكن
التعامل معها بيسر، ولم تتعامل مع
الأزمة على أنها ثورة شعب تسعى لتغيير
النظام القائم، والأدهى أن هذه الخطة
تقوم على الاعتراف الكامل بسلطة
النظام السوري، واعتباره الشريك
الأساسي في تسوية الأزمة. وعهدت للنظام
بتنفيذ بنود الخطة، ومنها قيام النظام
بإصلاح الوضع السياسي في سوريا، أي
الطلب من النظام إصلاح نفسه، وتبني
الأسس الديمقراطية في الحكم، وغيرها
من المطالب التي لا يرغب النظام في
تطبيقها، ولن يتمكن من تطبيقها وحتى
البقاء في السلطة. جاء قرار مجلس الأمن
الدولي الأخير رقم 2059 يوم 20 يوليو (تموز)
بالتمديد لفريق المراقبين لمدة أخيرة
ونهائية أمدها شهر واحد غير قابلة
للتغيير، ليعزز القناعة بموت خطة
أنان، وربما معها موت ونهاية جميع جهود
المنظمة الدولية للتعامل مع الأزمة
السورية. وبناء على القرار الأممي
الأخير فإن يوم 20 من أغسطس (آب) المقبل
سيكون النهاية الرسمية لجهود المنظمة
الدولية في التعامل مع الأزمة السورية. جميع الأطراف توقن
أنه لن تحدث معجزة خلال هذه الأيام
القليلة؛ لذا فإن هناك حالة من
الاستسلام للحقيقة الحتمية التي تؤكد
أن تاريخ انتهاء مهمة المراقبين
الدوليين سيمثل موعد خروج الملف
السوري من سيطرة المنظمة الدولية وفتح
الأبواب واسعة للخيارات الأخرى. لذا
فإن يوم 20 أغسطس المقبل سيؤرخ لانقضاء
أربعة أشهر كاملة على محاولات تنفيذ
خطة أنان على أرض الواقع، وخلال هذه
الفترة سقط ما يقارب الألفين من
الضحايا السوريين الإضافيين، ليرتفع
إجمالي عدد الضحايا إلى عدة آلاف، بما
يفوق عدد الضحايا الذين سقطوا في ثورات
الربيع العربي. انتهاء الخيار
الأممي، وعجز وشلل مجلس الأمن الدولي
عن التدخل الفعال في تسوية الأزمة
السورية، ستعيد ثقل الحسم إلى
الاختيارات الثلاثة الأخرى المتبقية،
وهي: الاختيار الدولي خارج آلية مجلس
الأمن الدولي، والاختيار الإقليمي، ثم
الاختيار السوري الداخلي. ففي ظل الشلل وحالة
العجز التي سيطرت على آلية مجلس الأمن
نتيجة للاستخدام المتكرر للفيتو
الروسي – الصيني المزدوج، فإن الخيار
الدولي خارج إطار مجلس الأمن أمسى
يتمتع بدرجة من الشرعية والقبول لم يكن
يتمتع بها سابقا. وقد يأتي هذا التدخل
عبر منظمات إقليمية - دولية، مثل منظمة
حلف شمال الأطلسي التي لعبت سابقا دورا
محوريا في إنهاء الأزمة الليبية
والأزمة في البلقان، ولها دور أساسي في
الصراع الدائر في أفغانستان. أو قد
يأتي التدخل بشكل تحالف مجموعة من
الدول الراغبة خارج إطار أي منظمة
قائمة من أجل تطوير آلية للتدخل
العسكري، وهذا ما حدث عام 1991 بقرار
أربع دول معنية، هي الولايات المتحدة،
بريطانيا، فرنسا، وتركيا، للتدخل
العسكري في «تحالف الراغبين» لحماية
الشعب الكردي في شمال العراق من بطش
النظام العراقي آنذاك، وضمن هذا
الخيار، وفي حالة تجاوز عنصر التبرير
أو الشرعية، يكمن سؤال من شقين أساسين،
الأول: هل هناك رغبة دولية قائمة
لتكرار هذه التجربة من أجل حماية الشعب
السوري؟ والشق الثاني: هل هناك قدرة
على تنفيذ خطة عسكرية فعالة قليلة
الخسائر البشرية، والمادية،
والسياسية، ومضمونة النتائج، وقادرة
على الحسم السريع للأمر؟ الجواب
المنطق لهذا التساؤل، وبناء على
الاعتبارات القائمة في الوقت الراهن
هو بالنفي؛ فلا توجد دلائل على وجود
رغبات حقيقية، أو قدرات عسكرية لتنفيذ
هذا الهدف، ولا توجد حتى اليوم أدلة
على قيام حلف شمال الأطلسي أو نواة «لتحالف
الراغبين» بمهمة التدخل نيابة عن
المجتمع الدولي. حظوظ التدخل
الإقليمي قد تكون بالتساوي والتوازي
مخيبة للآمال، مثلها مثل احتمالات
التدخل الدولي، فلا توجد أدلة كافية
على قيام أو بلورة تحالف إقليمي يأخذ
على عاتقه مهمة توفير الدعم الفعلي
للثورة السورية> هذا على الرغم من
التأييد الكاسح والتعاطف الكبير مع
ثورة الشعب السوري على المستوى
الإقليمي؛ فإيران الداعمة والمؤيدة
للنظام السوري تقف وحيدة وفي عزلة تامة
أمام التأييد والتعاطف الرسمي والشعبي
الذي يعم العالم العربي ومنطقة الشرق
الأوسط عموما، ولكن هذا النوع من
التعاطف لم يترجم حتى اليوم إلى آلية
حقيقية تقوم بمهمة توفير الدعم الفعلي
للثورة السورية. يبقى الخيار الأخير،
وهو خيار انتصار الثورة من داخل سوريا
دون الاعتماد على وسائل الدعم
الخارجي، هذا الخيار هو الأكثر
واقعية، على الرغم من كونه الخيار
الأكثر تكلفة بالمقارنة مع جميع
الخيارات الأخرى؛ فإسقاط النظام نتيجة
المقاومة الداخلية قد يأتي بعدة
احتمالات وصيغ مختلفة ومتنوعة، قد
تتمثل بشكل جماعي أو منفرد، فقد أفرزت
الأيام القليلة الماضية حقائق مهمة،
وهذه الحقائق فتحت الأبواب واسعة على
احتمال سقوط النظام نتيجة اشتداد
العمليات العسكرية ضد قوات النظام
التي تتصف اليوم بالشمولية والانتشار
الجغرافي والتخطيط والإعداد المتطور،
بجانب استخدام أسلحة جديدة وأساليب
قتالية عالية القدرة، مما أنهك قوات
النظام ووضعها في موقف حرج عاجزة عن
التعامل مع هذه الضغوط الميدانية
المتصاعدة، وخلال الأيام القليلة
الماضية برز سلاح الاغتيال كآلية
جديدة وفعالة لزعزعة النظام وإضعاف
معنويات قيادته؛ فالعملية الأمنية
الناجحة التي تم من خلالها تصفية أربعة
من كبار القيادات الأمنية للنظام، تعد
طفرة نوعية في حرب الثوار ضد النظام.
وهذا النوع من العمليات سيؤدي إلى تفكك
النظام واضمحلال الولاءات، وسيقود إلى
الانهيار الداخلي والتدريجي للنظام.
وهناك احتمال الانقلابات العسكرية ضمن
الدائرة الداخلية للنظام، الذي يجب
عدم استبعاده من الحسابات المنطقية،
فهناك شريحة محددة ضمن النظام ستعمل
على إنقاذ نفسها قبل الغرق الكلي
لسفينة نظام الأسد، وربما ستحاول
استباق الانهيار النهائي والحتمي بأخذ
زمام المبادرة، وتغير قيادات النظام
كحل وسط لتهدئة الأزمة. وعلى الرغم من
أن هذا الخيار سيقوم على افتراض تولي
عناصر من النظام زمام السلطة، وعلى
إحداث تغيرات جذرية ولكنها غير كاملة
على تركيبة السلطة داخل سوريا، فإن رد
فعل الثوار ورد الفعل الشعبي لا يمكن
تخمينه بشكل دقيق، بجانب صعوبة التنبؤ
بردود الفعل الإقليمية والدولية تجاه
هذا النوع من التطورات. إذن السؤال القائم
اليوم الذي يستعصي على الإجابة
الدقيقة هو: كيف ستكون نهاية النظام
السوري؟ وكيف ستكون طبيعة ومسيرة
الثورة السورية؟ فالاحتمالات جميعها
واردة دون القدرة على تحديد: متى وكيف،
ولكن يبقى أهم هذه الاستنتاجات هو
الاستنتاج القائل بأن سقوط النظام
السوري أمسى قضية حتمية. * رئيس مركز الخليج
للأبحاث في دبي ================ عبدالرحمن
الراشد الشرق الاوسط 26-7-2012 قبل تفجير مبنى الأمن
القومي الذي قتل فيه عدد من أبرز
قيادات النظام السوري، الأمنية
والعسكرية، وصلت رسالة روسية تؤكد
القبول بما يسمى «الحل اليمني»، أي
تنحي بشار الأسد عن الرئاسة وإعلان
حكومة توافقية. لكن الموافقة الروسية
وردت مع ملاحظة تقول إنه حل شكلي،
لإرضاء المعارضة، ويبقى نظام الأسد في
مواقع الحكم الرئيسية. الطرف العربي
الوسيط رفض الاقتراح. ثم وقعت صدمة تفجير
مبنى الأمن القومي، ووصل الثوار إلى
دمشق، واستولوا سريعا، وبشكل مدهش،
على المنافذ الحدودية، فجأة تردد أن
النظام وحلفاءه صاروا قابلين بالحل
اليمني، لكن لا نعرف جديتهم هذه المرة.
ربما أصبح مستعدا لحزم حقائبه والرحيل
ما لم تغرّه، ما قد يعتبرها، نجاحاته
في إيقاف زحف الثوار في مناطق
المواجهات، بما فيها دمشق. إن كان مستعدا
للتنحي، فهل يستحق الأمر التفاوض عليه
أم أن العرض انتهت صلاحيته، وبالتالي
ننتظر استيلاء المقاتلين على القصر
كما حدث في ليبيا؟ من الجلي انقسام الصف
السوري حول هذه المسألة. فريق يريد
التفاوض ويقبل بمرحلة انتقالية. عبر
عنه عضو المجلس الوطني جورج صبرا الذي
قال قبل يومين صراحة: «نحن موافقون على
خروج الأسد وتسليم صلاحياته لواحد من
شخصيات النظام لقيادة مرحلة انتقالية
على غرار اليمن». وظهرت ملامحها بظهور
العميد المنشق مناف طلاس في جدة.
واستبقها رئيس الوزراء القطري، الشيخ
حمد بن جاسم، الذي قال على هامش اجتماع
لوزراء الخارجية العرب في الدوحة: «هناك
توافق على تنحي الرئيس السوري مقابل
خروج آمن». وإن الدول العربية ستطلب
للمرة الأولى من المعارضة السورية و«الجيش
الحر» تشكيل حكومة انتقالية. وهناك فريق سوري يريد
القتال حتى النهاية، لأن وقت التفاوض،
في نظرهم، فات، والمعارضة تزحف نحو
القصر، وهي مسألة وقت حتى يسقط النظام. فريق ثالث متردد،
تتنازعه خلافات حول من الشخصيات التي
يمكن أن يوكل إليها تشكيل الحكومة. ومع أن العواطف أكثر
ميلا للفريق الثاني، الداعي لمواصلة
القتال، فإن العقل والتجربة يحذران من
الانسياق وراء هذا التفكير. فإسقاط
النظام أصبح شبه مؤكد مع النجاحات
القتالية الكبيرة للثوار في الأسابيع
الماضية، لكن لا يزال الوضع صعبا بسبب
قدراته العسكرية، حيث يستخدم طائرات
ودبابات ومدافع، وقادر على ارتكاب
المزيد من المذابح ومحمي بـ«فيتو»
روسيا. وبعد ذلك سيفر الأسد إلى إيران
أو روسيا، والأخطر أن القتال حتى
النهاية وليس باتفاق، قد يتسبب في
انهيار مؤسستي الجيش والأمن تماما،
أكثر من نصف مليون عنصر، ويتحول
أفرادها إلى عصابات مسلحة منتشرة. فهل
من المصلحة الوطنية تكسير الدولة
وتوريط سوريا المحررة في فتن وحروب
داخلية تغذيها أطراف مثل روسيا وإيران
وحزب الله؟! فمن يظن أنه بنهاية بشار
تنتهي دولته الظالمة مخطئ تماما؟ بشار
انتهى منذ أن قامت سوريا كلها في العام
الماضي تتظاهر سلميا ضد نظامه، كلنا
نعرف أنه انتهى، لكن الذي نخاف منه أن
يغادرها خرابا ويزرع فيها الفتن،
وتتحول سوريا إلى أرض محروقة لسنوات
مقبلة، وقد ينجح في تقسيمها أيضا. هذه المخاوف حقيقية..
وبالتالي، المحافظة على الدولة أهم من
الانتقام من بشار، فهو سيلاقي جزاء
جرائمه مهما حاول الهرب. فإذا كان
ممكنا المحافظة على الدولة من خلال
التسليم والتسلم، كما حدث في اليمن،
والإبقاء على مؤسسات الدولة فإن هذا
سيقطع الطريق على إيران وجماعاتها.
وسيمكن الشعب السوري أن يقيم نظامه
الذي يريده ويبني مستقبلا أفضل
لأبنائه في بلد موحد ومستقر. ================ الروس
والأميركيون والإيرانيون متواطئون
على تقسيم سوريا! هدى الحسيني الشرق الاوسط 26-7-2012 مع بداية الأحداث في
سوريا، يوم 15 من شهر (مارس) 2011، (اضطرابات
درعا)، كان مسؤول عربي في زيارة لدمشق
حيث التقى رجل الاستخبارات السرية
هناك، اللواء محمد ناصيف، الذي فاجأه
لدى استفساره عما يجري بالجواب التالي:
«إما نحن وإما هم»، وكان يقصد بذلك إما
نحن العلويين أو هم السنة. ومنذ ذلك
الوقت لاحظ المسؤول العربي التدمير
المنهجي للقرى والمدن السنية. ولم
يستبعد أن تقود الأحداث إلى تقسيم
سوريا، وزاد القصف على حمص فأدرك أنها
محور هذا المخطط الجهنمي. محطة أخرى، هذه المرة
في إسطنبول، التقى مسؤول عربي آخر
مسؤولا أميركيا يعمل في البيت الأبيض،
فسأله عما إذا كان هناك من احتمال
لتقسيم سوريا، فكان الجواب: «كل
الاحتمالات واردة». بعد العملية التي
أودت بحياة كبار الضباط السوريين،
دخلت سوريا في حالة من الدمار
والتدمير، اعتقد كثيرون بأن الوقت قد
حان لتوفير «مخرج آمن» للرئيس السوري،
بشار الأسد، وعائلته إلى روسيا، والذي
زاد في تفاؤل البعض، وارتباك البعض
الآخر، تصريحات السفير الروسي في
باريس، وكثرت التوقعات بعد الاتصال
الهاتفي الذي أجراه الرئيس الأميركي،
باراك أوباما، بالرئيس الروسي،
فلاديمير بوتين، يوم 19 من يوليو (تموز)
إثر الانفجار الذي وقع في دمشق، ربما
فات البعض أن يقرأ تصريح يوري أوشاكوف،
مساعد الرئيس الروسي، ذلك اليوم، الذي
أكد أن «الرئيسين لم يناقشا مصير
الرئيس السوري، بشار الأسد، ولا حتى
الجهة التي يمكن أن يتوجه إليها» وأضاف:
«إن هذا الموضوع لم يتم التطرق إليه
أيضا خلال اللقاء الذي جمع الرئيس
بوتين ورئيس الوزراء التركي، رجب طيب
أردوغان»، (جرى يوم 18 من يوليو في موسكو). لا يستغرب مسؤول أممي
تعويل إدارة أوباما على تغيير في
الموقف الروسي ويقول: «إن في هذا
منطقا، إذ كيف ستحافظ روسيا على
مصالحها بالتمسك ببشار الأسد»، لكنه
يضيف: «إن من بين الأشياء التي نراها
ونعرفها، هو أن بشار الأسد يواجه
تهديدا وجوديا لحكم عائلته، وربما
للهيمنة العلوية، ولهذا تدعم إيران
بقوة بشار حتى النهاية». ماذا يعني هذا؟ يقول:
«حتى لو أن روسيا (أمرت) الأسد بالتنحي،
فهناك احتمال بأنه لن يصغي إليها،
وبالتالي لماذا تريد روسيا اختبار هذه
الفرضية فتثبت للعالم أن تأثيرها أقل
بكثير مما نتصور». لكن إطالة أمد هذا
الصراع، لا يبرئ بقية الأطراف، لذلك
صارت هناك قناعة لدى كثيرين، وأكثر من
أي وقت مضى، بأن الكل قد يغض الطرف عن
تقسيم سوريا إلى دويلة علوية وأخرى
سنية وربما ثالثة للأقليات. في اتصالات بين
دبلوماسيين عرب وأجانب وبعض أعضاء
المعارضة، تأكيد بأن الحسم صار حتميا،
لكن في المقابل ستشهد سوريا مزيدا من
العنف والتعقيدات قبل سقوط النظام! يقول لي مسؤول عربي: «لا
يوجد نظام في سوريا. النظام هناك كناية
عن ثلاثة أشخاص هم: بشار الأسد، وماهر
الأسد، ورامي مخلوف. المشكلة أنه بعد
مصر واتفاقية (كامب ديفيد)، كانت هناك
سوريا، الآن يجري تدميرها بالكامل». ما كان يخشاه كثيرون
من احتمالات الدخول في مواجهات طائفية
تكون الطائفة العلوية أبرز أطرافها،
لذلك تكتب على الجدران في دمشق شعارات
لتطمين العلويين بأنه لن يتم المساس
بهم بعد رحيل الأسد. لكن هذا لم يخف
المخاوف من سيناريوهات التقسيم، يدعم
هذا تزايد وتيرة التطهير في مناطق
الوسط والساحل، وشبه الاستقلال في
المناطق الكردية ونمو النزعات
المناطقية في بعض الأماكن وتشتت
المعارضة السورية والخوف من الأصوليين
والإسلاميين، وخصوصا مع إعلان جماعة
الإخوان المسلمين السورية عن عزمها
على تأسيس حزب سياسي على غرار مصر
وتركيا. في هذا الإطار (الدولة
العلوية) يدخل تدمير حمص، معظم الأحياء
السنية دمر، وكذلك المدينة القديمة،
حيث كان يعيش عشرات الآلاف من
المسيحيين. تعتبر حمص المدخل البري
السني إلى الساحل، أي الأرض العلوية،
يلي ذلك إخراج السنة من اللاذقية،
وتدمير كل القرى السنية حول جبال
العلويين، فتلك المنطقة مجاورة
للإسكندرون في تركيا، حيث يعيش فيها «النصيريون». الروس، أغرتهم فكرة
دولة علوية تدور في فلكهم، تضم طرطوس (إطلالتهم
على البحر المتوسط)، مع ما يتردد عن
وجود غاز ونفط هناك. وهنا، قد يكون
الأوروبيون أخطأوا، إذ أبلغوا بشار
الأسد، عبر موفد سوري، بأنه إذا ما
أوقف هجماته على المدنيين، يمكن أن
يبقى في الحكم لفترة سنتين، لأن الغرب
يرغب بمد أنابيب نفط وغاز من قطر
والسعودية عبر سوريا إلى المتوسط
للتخلص من تحكم روسيا بإمدادات الغاز
والنفط إلى أوروبا. بالنسبة لدولة بشار
الأسد، فإنه يفكر بربطها بالعراق، أي
أنه مستعد أن يقسم سوريا إلى ثلاثة
أقسام، ولهذا كان قصف دير الزور على
الحدود العراقية. ويبدو أن الروس
يدعمون هذا التوجه. والربط من طرطوس
إلى العراق قد يكون لإعادة إصلاح خط
أنابيب النفط من البصرة إلى المتوسط. ينكب كثير من
المراقبين والسياسيين والصحافيين على
مراجعة الاتفاقيات القديمة من «سايكس
بيكو»، إلى «سيفر»، وبالذات «سان ريمو»،
حيث أراد الجنرال غورو معاقبة
السوريين على تصديهم لفرنسا في معركة
ميسلون فأعلن عام 1920 تقسيم سوريا إلى
خمس دويلات مستقلة على أساس طائفي:
دولة دمشق، دولة حلب، دولة العلويين،
ودولة جبل الدروز، ولواء الإسكندرون،
الذي أعطي لاحقا لتركيا كمال أتاتورك. لكن، بسبب الرفض
الشعبي للتقسيم واتفاقهم على القومية
السورية قامت فرنسا بإنشاء اتحاد
فيدرالي فضفاض بين ثلاث من هذه
الدويلات؛ دمشق وحلب والعلويين، تحت
اسم «الاتحاد السوري»، لكن في نهاية
عام 1924 ألغى الفرنسيون الاتحاد وتم
توحيد دمشق وحلب في دولة سوريا، أما
دولة العلويين فقد فصلت مجددا وعادت
دولة مستقلة عاصمتها اللاذقية. الآن، والعراق غير
مستقر ومفكك، والميل في العالم العربي
إلى أنظمة أصولية يحكمها الإخوان
المسلمون، يشعر النظام السوري بأن
لديه مبررا قويا، فالأقلية العلوية (12
في المائة من الشعب السوري) لن تستطيع
على المدى المتوسط مواجهة هذه القوى،
لكن قبل أن يقسم سوريا فإنه سيدمر أهم
مدنها. الأقليات الأخرى، من
دروز ومسيحيين وإسماعيليين، يعيشون
خوفا على مصيرهم من وصول الإخوان
المسلمين إلى الحكم في سوريا، حتى
الأكراد، الذين هم من السنة ومرتبطون
أرضا بأكراد العراق، يرون في الإخوان
المسلمين خطرا على هويتهم وثقافتهم،
لأنه بالنسبة إلى الإخوان المسلمين،
لا يكفي أن تكون سنيا كي تكون مقبولا
لديهم، وهذا ما يعرفه تماما المسلمون
المعتدلون والليبراليون في كل الدول
العربية التي زارها «الربيع العربي»
أو «يهدد» بزيارتها. كانوا يتكلمون عن شرق
أوسط جديد، فإذا به شرق أوسط جديد بكل
معنى الكلمة، أي بدول جديدة قد تبرز
على السطح، بفضل الوافدين الجدد إلى
المنطقة: الروس والإيرانيون، وسبب
التواطؤ الخفي ما بين بوتين ورئيس
الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
فإذا ما تم فعلا تنفيذ المخطط القاضي
بتقسيم سوريا إلى دويلات، فإن هذا
سينعكس سلبا على لبنان بالذات، خصوصا
أن الدولة العلوية المزمع إنشاؤها
ستتجاور حدوديا مع الشريط اللبناني ذي
الغالبية الشيعية، وبالتالي ستتم
محاصرة سنة ودروز لبنان من جهة،
ومحاصرة سنة ودروز سوريا من جهة أخرى.
أما مسيحيو البلدين فعلامات أسئلة
كثيرة تحوم حول مستقبلهم، خصوصا
مسيحيي سوريا. تبقى هناك قناعة لدى
كثيرين من العرب بأن روسيا وإيران
والولايات المتحدة ضالعة في مشروع
تقسيم سوريا، بالإضافة إلى النظام
السوري برئاسة بشار الأسد. وإلا، ما
معنى ما تردد من أن مسؤولا (...) اتصل
هاتفيا بالرئيس السوري قبل حدوث
الانفجار الكبير، وطلب منه عدم مغادرة
القصر ذلك اليوم؟ ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |