ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
بقلم / جهاد
فاضل- كاتب لبناني الراية 6-8-2012 في السنوات الأخيرة
من عمر الأندلس، ازدهر في الشعر
الأندلسي نوع من الرثاء لم يعرفه الشعر
العربي من قبل، هو رثاء المدن
الأندلسية التي كانت تسقط الواحدة تلو
الأخرى، وكان آخرها مدينة غرناطة التي
وقعت بيد الملكين الكاثوليكيين
فرديناند وإيزابيك عام
١٤٩٣. كان شعراء الأندلس
يرثون مدنهم قبل سقوطها حينًا وبعد
سقوطها حينًا آخر. قبل السقوط كانوا
يرون الخطر داهمًا فيرثون وكأنهم
يُنبّهون أولي الأمر، سواء في الأندلس
أو في العالم الإسلامي، إلى هذا الخطر
المحدق لعلهم يتداركون مصيرًا قاتمًا
يلوح في الأفق، ومَن يعد منّا اليوم
إلى ما تركه الأندلسيون من شعر، يجد أن
رثاء المدن الأندلسية فن قائم بذاته،
وأنه لو جُمع لشكّل ديوانًا لا يُمكن
لمن يقرأه إلا ويجد عينيه مغرورقتين
بالدموع. تذكرتُ رثاء المدن
الأندلسية وأنا أُشاهد على الفضائيات
كل يوم، ومنذ أكثر من سنة ونصف السنة،
مدن سوريا وهي تتهاوى الواحدة وراء
الأخرى، ولا أُصدّق أن هذا يحدث في أرض
الواقع فعلاً، وأن جهة ما، دولية أو
غير دولية، لا تُسرع لنجدة هذه المدن
في محنتها، أو لتُبقي على ما بقي منها،
ويبدو أن ليل سوريا طويل، وهذا يعني أن
طول هذا الليل سينعكس أكثر مما ينعكس
على عالم العمران فيها، أي على المدن،
التي يقصفها البرابرة بالمدافع،
والصواريخ والطائرات وكأنهم يُصوّبون
قذائفهم لا على مدن وبشر، وإنّما على
قرى من النمل، أو على عدو لا حدود
لعداوتهم له. وفي الحالتين تُصاب
هذه المدن بمقتل لا يُمكن أن يُجبر أو
يُعوَّض فيما بعد، وهذا من أفدح ما
تُصاب به الأمم في تاريخها، ذلك أن
دمار هذه المدن وخرابها سيُلغي ذاكرة
الناس كما سيُلغي ذاكرة التاريخ
والحضارة فكيف يُمكن إعادة بناء حمص
مثلاً وكيف يُمكن ان تُردّ الروح إلى
مدن أخرى ومعها مساجدها وكنائسها
وأسواقها التاريخية وبقيّة معالمها
الأخرى التي بناها الآباء والأجداد،
وتجوّل فيها التاريخ وكانت مهد
الحضارة الإنسانية؟. ويزيد في فظاعة ما
يحصل أن مرتكب جريمة تدمير المدن
السورية ليس استعمارًا أجنبيًّا، أو
عدوانًا شبيهًا بما كانت ترتكبه
إسرائيل في لبنان أو في غزة، بل إن هذا
المرتكب هو حاكم سوريا نفسها ومعه جيش
لجب مؤلف من أبناء طائفته يأتمر بأمره،
ولأنه وقر في عقل هذا الجيش اللجب، وفي
ذاكرته ووجدانه، أن أبناء هذه المدن هم
"أعداء تاريخيون" له، أي أنهم
مسلمون، فإنه يتعامل معهم، ومع مدنهم،
على أنهم أعداء فعلاً، ولأنهم كذلك، فإنهم
يستخدمون كل ما يختزنونه من حقد وسلاح
أعمى في حرب الدمار هذه، إن عبارة «البرابرة
الجدد» قد لا تكون معبرّة تعبيرًا
كافيًا عن هؤلاء الذين فعلوا بهذه
المدن التي كانت حتى وقت قريب عامرة
بأهلها وبالحياة، فإذا هي اليوم عبارة
عن أطلال تستصرخ نخوة امرىء القيس
وطرفة بن العبد وبقيّة شعراء الجاهلية
للوقوف عليها وبكائها، بل إنها تستصرخ
نخوة شعراء تاريخ هذه المدن وعظمتها
وما قدّمته لأمّتها وللحضارة
الإنسانية، إن حلب لا تقل عظمة عن
غرناطة أو قرطبة أو إشبيليا أو بلنسية
أو المرية، ولا تقل حلب أهميّة أو
منزلة أو مكانة في التاريخ عن إسطنبول
أو أثينا. فإذا ذكرنا الشام، وهي سائرة
على طريق حمص والرستن وبقيّة مدن
الدمار الأخرى، فإننا نذكر واحدة من
أعظم مدن المجد والفخار في تاريخ العرب
والإسلام، فهي عاصمة الأمويين لمئة
سنة ومنها كانت جيوش الفتوح تنطلق حتى
وصلت إلى بلاد الهند. إن دمار دمشق على يد
الحاكم السوري وجيشه آتٍ لا ريب فيه،
تمامًا كتلك الساعة. والذي دمّر في
المدن السورية الأخرى مساجد تحمل
أسماء عثمان بن عفان وأبوبكر وخالد بن
الوليد، لن يعفّ إطلاقًا عن تدمير مسجد
دمشقي يحمل اسم الجامع الأموي، فهذا
الاسم كافٍ وحده لإثارة شهيّة آل الأسد
والطائفة العلوية لهدمه، ألا يكفي
كسبب موجب لذلك أنه المسجد الذي صلى
فيه معاوية بن أبي سفيان وابنه يزيد
وبقية آل أمية، الذين يعتبرهم
العلويون أول ما ينبغي الانتقام منهم؟
أليس الانتقام من أبناء المدن الأخرى
سببه بالدرجة الأولى انتماء أبناء هذه
المدن إلى الطائفة السنية؟ لو كان عمر أبوريشة
حيًّا لرثى حلب مدينته ومرتع شبابه
وأيامه الأولى، ولو كان نزار قباني
حيًّا لكتب أكثر من قصيدة رثاء عن دمشق
وأبجدية الياسمين التي اندثرت فيها
على البرابرة الجدد، بل لو كان يروي
الجبل نفسه حيًّا، وهو علوي في الأصل،
ولكنه عروبي، لما تلكّأ لحظة من رثاء
الشاعر، المدينة الأحبّ إلى نفسه،
والتي شهدت أعزّ ذكرياته الوطنية
والعاطفية المسجلة كلها في شعر، ولا شك
أن هؤلاء الشعراء لم يكونوا ليكتفوا
برثاء المدن السورية الخاصّة بكل
عنهم، بل لرثوا سوريا كلها،
فسوريا، وليس هذه المدينة منها أو تلك،
تئنّ في قبضة البرابرة وتصرخ من القبر
الذي وُضعت فيه، وتحلم بالبعث والنشور
والعودة إلى الحياة، بعد أن ذاقت
المرارات والهزائم والخيبات على
أنواعها على يد "بعثها" الذي
أذلّها نصف قرن من تاريخها الحديث. ولم أتمنّ مرةً أن
أكون شاعرًا كما تمنيت وأتمنّى الآن
لأكتب عدّة قصائد في رثاء مدن الشام
جميعًا، فأنا أحبّ الشام وعلى دين
الشاعر القروي رشيد سليم الخوري الذي
ذكر مرّة في قصيدة له: "كلُّ حيّ ٍ
إلى الشام سيمضي حين يقضي، إن السماء
الشامُ". لقد اعتبر أن الشام هي
الجنة، وأن كل مؤمن يموت، سيمضي بعد
موته إليها. وأحبُّ حمص
ونواعيرها على نهر العاصي وساحة
العاصي وأهل حمص الشرفاء، وأتذكّر
شاعرها الغريب الأطوار ديك الجن
الحمصي ونخبة شعرائها في العصر الحديث
ومنهم نسيب عريضة الشاعر الهجري رفيق
جبران ونعيمة في الرابطة القلمية
وأحبّ حماه زهرة مدن البرّ السوري
وزعيمها التاريخي أكرم الحوراني وأعتب
عليه في الوقت نفسه لأنه هو وزعماء حزب
البعث، أيام زمان، هم الذين ساعدوا على
تسلّل نيرون الأول وبقية رفاقه إلى
الجيش والسلطة فكان ما كان ولو من حُسن
نيّة منهم تجاه من لا نية حسنة عندهم
لمكوّنات الشعب السوري الأخرى وفي
الطليعة أهل السنة والجماعة. وعلى غرار أمير
الشعراء شوقي في قصيدتيه العظيمتين عن
الشام، أحبّ أن أكتب قصيدة في دمشق
وتاريخها وبني أميّة والجامع الأموي
وأن أصلي في هذا الجامع قبل أن أموت
لفرط ما يختزنه قلبي من الحب لأميّة
وتاريخها وإنجازاتها. ولعلّ قصيدتي الأعظم
ستكون في حلب وسأذكر فيها المتنبي وسيف
الدولة الحمداني وعمر أبوريشة، ولن
أنسى أبدًا أبا فراس الحمداني ومعللته
بالوصل والموت دونه، وقتيلها والقاتلة
نفسها كما ورد في قصيدته الخالدة "أراك
عصيّ الدمع" فصحيح أنني أحبّ الشام
أعظم حب، إلا إنني لا أقل حبًّا لحلب عن
حبّي للشام وأنا في ذلك على دين الأخطل
الصغير الذي يقول في مطلع قصيدة له عن
حلب: نفيت عنك العلى
والمجدَ والأدبا وإن خُلقتَ لها، إن
لم تزرْ حلبا إنني أسمع الآن هؤلاء
الشعراء الذين ذكرتهم، يئنّون في
قبورهم ويصيحون ويتعذّبون ومعهم سعد
الله الجابري وإبراهيم هنانو وكل
الأحرار والشرفاء الآخرين الذين حلموا
يومًا بسوريا حرّة ناهضة، وبدور لها في
تحرير فلسطين، على الخصوص، فإذا بها
تتحوّل على يد البرابرة الجدد إلى كتلة
الدمار والخراب لا تصلح إلا كموضوع
للرثاء، على غرار الرثاء الذي كتبه
شعراء الأندلس قبل سقوطها حينًا، وبعد
سقوطها حينًا آخر!. ================= بقلم / د. صلاح
الدين محمد- باحث
في العلاقات الدولية: الراية 6-8-2012 بعد أن شغلتنا الثورة
المصرية بما مرّت به من إرهاصات، وبعد
أن استقرّ الوضع نسبيًّا بتشكيل
الحكومة الجديدة، ومع متابعة الوضع
السوري وما وصلت إليه الأمور هناك، أرى
من الواجب التعليق على مجريات الأحداث
هناك وعزائي أن الأزمة السورية قد
تناولها العديد من الأقلام من دراسة
وتحليل وتوقع لن يُضيف الكاتب الكثير
في هذا الأمر اللهم قراءة من الواقع
لما قد يترتّب عليه المستقبل القريب في
الوضع السوري على المستوى الداخلي
والإقليمي والدولي. فمنذ أن قامت الثورة
السورية منذ أكثر من عام، أخذت الأحداث
في التصعيد الشرس الذي أدّى إلى قتل ما
يفوق العشرين ألفًا من المواطنين
الأبرياء، فضلاً على حرق الأخضر
واليابس بالآلة العسكرية للجيش
النظامي السوري وتشريد الآلاف إلى
وجهات مترامية جعلت من المستحيل عودة
الأمور إلى ما كانت عليه قبل مارس 2011. الأحوال في سوريا لا
تخفى على أحد، كما أن التنبؤ بالمستقبل
المشرق أصبح أمرًا مشكوكًا في صحّته
لعدّة عوامل نسردها كالتالي: أولاً، والأهم،
الفشل العربي إجمالاً عن احتواء أي
أزمة من أزماته على مرّ تاريخه وأذكر
في هذا الشأن ما مرّ به العراق من أزمات
بدأت بحرب شبه عالمية من طرف واحد ضدّه
وضدّ مقدّراته، وانتهت بإعدام رئيسه
على مرأى ومسمع من العرب قبل الغرب
والشرق، وكانت
هذه بمثابة صفعة للعرب أجمعين بغضّ
النظر عن شخصيّة الرجل ومهما اختلفنا
عليها، إلا أن سلسلة من الأحداث
تناولها الغرب نيابة عنّا أدّت في
النهاية إلى عراق هزيل يخدم الغرب ولا
يخدم مصالح العرب، كما استراحت
إسرائيل من شر غريم شرس واستُبدل نظامه
بنظام أقلّ ما يُوصف به هو التبعية
للغرب وتحويل خيرات العراق وعلومه
وآثاره إلى بضاعة تُعرض بثمن بخس أو
لمن يستبيحها. لم يستطع العرب منذ
بداية الأزمة في سوريا وقبل تفاقمها من
احتوائها، وهذا مؤشّر خطير على الدور
العربي ذاته في الأزمات العربية، حيث يفتقدون إلى أي
رؤية تُعالج أي أزمة بشكل فعّال،
والأسوأ أن يكون العرب أنفسهم جزءًا من
الأزمات العربية التي لا يُعالجها إلا
الغرب وبطريقته وربّما بأيدينا نحن
العرب. وهذا إن دلّ فإنما يدلّ على
طبيعة عربيّة خاصّة في جيناتها وهي
استمراء التبعيّة والعجز عن إدارة
أزماتهم بمفردهم دون اللجوء للغرب،
والأهم هو الاطمئنان للنيّات الغربية
التي ستأتي عليهم فرادى الواحد تلو
الآخر حتى لو اتبعوا ملّتهم. المشهد ذاته يتكرّر
في سوريا مع اختلاف عوامل القضاء
عليها، إلا أن المُحصّلة النهائيّة
ستصبّ في جيب الغرب النهم على ثرواتنا
وخيراتنا والساهر على القضاء على كل ما
يجعلنا في مصافّ الدول صانعة التاريخ. ثانيًا، التحوّل
الجذري في دور الجيش السوري الحر الذي
انشقّ عن نظامه لما ثأثر به من قتل
للمدنيين وتدمير للبيوت وحرق للمدن
بصورة بشعة اضطرتهم للأخذ بزمام
المبادرة والانشقاق عن الجيش النظامي
لحماية الأرواح والممتلكات إن أمكن،
والذي تطوّر صعودًا للقضاء على النظام
نفسه، وفي هذا الصدد وبعد تطوّر
الأحداث، نرى الإدارة الأمريكية، بعد
الفيتو الصيني - الروسي، تُصرّح بأنها
ستمد الجيش السوري الحر بالسلاح
للخلاص من نظام الأسد! ثالثًا، الرصيد
الصفري في العلاقات العربية - العربية
فور ظهور أزمة ما. المُتابع للدور
العربي يجد أن الدور العربي يختفي
تمامًا فور تدويل أيٍّ من قضاياه فيما
يخصّ العلاقات العربية - العربية. كما
أن هناك دائمًا بون هائل بين الآيات
القرآنية التي تدعو إلى الاعتصام بحبل
الله وعدم التفرّق والآية التي تحثّهم
على وجود طرف ثالث منهم في أي نزاع قد
ينشأ بينهم، فالآية التي تحثّ على ذلك
تدعو إلى مراحل حلّ النزاعات ، على فرض
أن العرب كانوا هم أول المسلمين الذين
نزلت عليهم الآيات وبلُغتهم، فتبدأ
مراحل الإصلاح بين الأخوين عند
الاقتتال بالإصلاح بينهما، فإن بغى
أحدهما على الآخر، فليقاتلوا- الطرف
العربي الثالث- الذي يبغي حتى يفيء إلى
أمر الله، وهذا لم يحدث حتى الآن في
التاريخ العربي الحديث والسبب
التبعيّة للغرب الذي وكلنا له أمر
الإصلاح فيما تنازعنا فيه. قد يرى البعض أن نظام
بشار الأسد يستحقّ الخلاص منه ولو
بأبشع الطرق، وعندي تفهّم لهذا الأمر
لما وصلت إليه الأمور في سوريا من
تجاوزات النظام، ولكن من المسؤول عن
مرحلة ما بعد بشار ونظامه؟ هل سيُترك
الأمر للعرب لإدارة مرحلة ما بعد بشار،
أم أن الغرب والشرق سيُديرون الأزمة ؟. ================= لماذا
يتردّد أوباما حيال التدخّل في سوريا؟ بقلم /
سمير عواد - (مراسل
الراية في
برلين): الراية 6-8-2012 صدرت تصريحات قويّة
قبل أيام من قبل وزير الدفاع الأمريكي
ليونيل بانيتا وصفها المراقبون بأنها
الأقوى على لسان مسؤول كبير في الإدارة
الأمريكية، حين قال إن الهجوم على حلب
قد يكون آخر مسمار في نعش بشار الأسد.
العالم كله توّاق إلى نهاية الحرب التي
يخوضها الأسد ضدّ شعبه منذ أكثر من عام
وكلفت عشرات الآلاف من القتلى كثير
منهم من النساء والأطفال. وتُقيم دول
الجوار مخيّمات مؤقّتة لإيواء
الهاربين من الحرب. فيما إذا تصريحات
وزير الدفاع الأمريكي علامة على أن
الإدارة الأمريكية عازمة على تغيير
النهج الذي عملت به حتى الآن تجاه
الأزمة السورية، فهذا مجرّد تكهّنات، ولكن إذا تمكّن
الثوار السوريون من السيطرة على حلب
ثاني أكبر مدينة بعد دمشق وقلب
الاقتصاد السوري، فإن نظام الأسد لن
يصمد طويلاً. لكن بالتأكيد يكون الثوار
السوريون قد قاموا بدورهم في الربيع
العربي، دون مساندة من المجتمع الدولي
خاصة الولايات المتحدة والاتحاد
الأوروبي وحلف شمال الأطلسي"ناتو".
يكون الغرب قد أخطأ في تقديراته. أول
الخاسرين دون شك هم روسيا والصين
وإيران وحزب الله اللبناني. حتى الآن تُركّز
إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما
على مراقبة التطوّرات في سوريا من
بعيد، وتتصرّف وكأنها تقوم بجهود
دبلوماسية في مجلس الأمن الدولي، وهي
تعلم أن كل مسودّة مشروع كان قويًّا أو
ناعمًا فإنه سوف يفشل بسبب الفيتو
الروسي والصيني. وقال الأمريكان منذ
البداية إن سوريا ليست ليبيا، بما
معناه أن التدخّل العسكري في هذا البلد
مسألة معقّدة للغاية لا تُريد
الولايات المتحدة والناتو هذه
المغامرة. في الأزمة الليبية
تردّدت واشنطن كثيرًا قبل أن تدخلت،
وقال روبرت غيتس وزير الدفاع الأمريكي
في ذلك الوقت أن ليبيا ليس لها أهميّة
استراتيجيّة بالنسبة للولايات
المتحدة. ثم غيّرت واشنطن
موقفها جذريًّا وعندما انضمّت إلى
التدخّل العسكري ضدّ نظام القذافي
قامت بدور الكومبارس تاركة القيادة
إلى الأوروبيين. لم يكتشف الناتو حدود
طاقاته في حرب ليبيا فحسب بل أحسّ
أوباما أن الشعب الأمريكي لا يرغب في
حرب جديدة بعد العراق وأفغانستان، وأن
المغامرات العسكرية لا تضمن له أصوات
الناخبين وإنما العكس. منذ ذلك الوقت
تتحفّظ الولايات المتحدة كلما جرت
مناقشات حول تدخّل عسكري لوقف الأسد
عند حدّه، رغم أن تردّد أوباما
يُكلّف حياة الكثير من السوريين، إلا
أن الشعب الأمريكي سئم من دعاية
التدخّل العسكري لذلك فهم يكتفون
بمناشدة موسكو وبكين من أجل التخلّي عن
دعم الأسد دون نجاح حتى اليوم. ونتيجة
لاستراتيجية موسكو وبكين أدّى ذلك إلى
تعطيل دور مجلس الأمن الدولي وتجميد
قواه وهو ما يقود إلى زيادة أمد وخطورة
الحرب الأهلية في سوريا واحتمال
انتقال شرارتها إلى دول الجوار. إلا أن
هذا الوضع الذي يشبه حقبة الحرب
الباردة، لم يمنع أطرافًا عربية من دعم
المعارضة السورية خاصة جيش سوريا
الحر، للإطاحة بنظام الأسد وبزوغ شمس
الحرية في سوريا. وإذا تحقق هذا الهدف
في القريب كما يتوقع المراقبون، فإن
الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي
والناتو سوف يعرفون أنهم هم أيضًا
بحاجة للتعرّف على الذين سيخلفون
الأسد في السلطة ولكن عليهم تبرير سبب
عدم تدخّلهم حين كان الشعب السوري بأمس
الحاجة للمساعدة. مع ازدياد قوّة
الثوار السوريين في المدّة الأخيرة
واحتمال سيطرتهم على حلب، بدأت واشنطن
تُغيّر سياستها كما دلّ على ذلك تصريح
وزير الدفاع الأمريكي. ونقلت صحيفة"نيويورك
تايمز" الأمريكية عن مسؤولٍ عالٍ
المستوى قوله إن واشنطن أصبحت مستعدّة
لمساعدة الثوّار بالمعلومات
الاستخباراتية للتعجيل بنهاية نظام
الأسد. لكن يجري في واشنطن منذ وقت
مناقشة نقاط مركزية كالآتي: ـ ماذا سيكون مصير
الأسلحة الكيماوية التي يملكها نظام
الأسد؟ ـ كيف يمكن تفادي
نشوء صدامات بين العلويين والمسيحيين
والمسلمين السنّة؟ ـ هل يُمكن توحيد
المعارضة السورية وتفادي حصول فوضى
يستغلها الموالون للأسد لإغراق سوريا
في حرب أهلية طويلة المدى تمتدّ
نيرانها إلى لبنان والأردن والعراق؟ ـ هل تحصل إسرائيل
على الأمن من النظام السوري الجديد؟ هل
يجري الضغط على المعارضة لقبول
اتفاقية صلح؟ ـ كيف يُمكن تفادي
انتشار نفوذ"القاعدة"وجماعات
إسلامية متطرّفة في الأراضي السورية؟ نادرًا ما التقت
مصالح الغرب مع غالبية الدول العربية
مثلما حصل في الأزمة الليبية، ضدّ نظام
استبدادي كالموجود حاليًا في دمشق.
لذلك فإن العالم ينتظر أن يتراجع
أوباما عن تردّده والخروج من غرفة
الانتظار إلى غرفة العمليات. لكن لماذا
تكتفي الولايات المتحدة بتزويد الثوار
بالمعلومات الاستخباراتية ولماذا لا
يُريد أوباما زيادة مساعدته للشعب
السوري في محنته المصيرية؟ من ضمن
الإجابات على ذلك: ـ لأن جيش الأسد خاصة
سلاح الجو السوري خلافًا لليبيا
يملكان أسلحة روسية تشكل خطرًا كبيرًا
على كل محاولة للتدخّل العسكري
الخارجي. ـ لأن هنا خطرًا
كبيرًا في اتساع رقعة القتال إذ انضمّت
فرق قتالية تابعة لإيران وحزب الله في
مواجهة القوات الدولية. ـ لأن روسيا والصين
ما زالتا تُساندان الأسد. ـ لأن الرأي العام
الأمريكي سئم من الحروب وإذا تسبّب
أوباما في حصول حرب ثالثة بعد العراق
أفغانستان فإنه سينتحر سياسيًّا
وسيخسر بالتأكيد انتخابات الرئاسة في
نوفمبر المقبل. وأهم سؤال كيف ستكون
هذه الحرب؟ بعض المحللين الأمريكيين
يقولون إنها ستكون أسوأ من حرب العراق
والأمريكان لا يُريدون عراق ثانية على
الإطلاق. لقد حذّر الأسد من زلزلة
الشرق الأوسط، وهو على استعداد ليكون
ذلك ثمنًا باهظًا مقابل استئثاره
بالسلطة في بلد يرفضه وشعب أدار له
ظهره منذ زمن بعيد. ================= فهد عامر
الأحمدي الرياض 6-8-2012
محنة المسلمين في بورما أو (مينمار)
ليست جديدة في قسوتها ولا في تجاهل
العالم لها.. فالمجازر التي نسمع عنها
اليوم ليست سوى حلقة من سلسلة مجازر
تكررت منذ استقلال بورما عام 1948. وفي المقابل يعود
تاريخ المسلمين هناك إلى عام 1430 حين
أقيمت أول مملكة اسلامية في ولاية
أركان أوراخين بقيادة سليمان شاه..
وكان معظم رعايا هذه المملكة من
المسلمين البنغال والهنود والتجار
العرب الذين تزاوجوا عبر القرون مع
البورميين من سكان المنطقة (وهو ما
أعطى مسلمي بورما سحنة مختلفة عن سكان
بورما الأصليين).. واستمر الحكم
الإسلامي لثلاثة قرون قبل أن تدمرها
مملكة البورميين المجاورة عام 1784. وفي
عام 1824 دخلت بورما تحت الحكم البريطاني
فزاد عدد المسلمين بفضل الجنود الذين
جلبهم البريطانيون من الهند للسيطرة
على بورما (وكان أكثر من نصفهم مسلمين). وبعد استقلال بورما
عام 1948 فشل المسلمون في انشاء دولة
مستقلة بولاية أركان (كما فعل الهنود
المسلمون في الهند الذين استقلوا
بدولة باكستان) وهكذا تحولوا الى أقلية
مضطهدة بين أكثرية بوذية وحكومات
عسكرية غير محايدة.. وزادت أعمال القمع
تجاههم بعد استيلاء الشيوعيين على
السلطة (عام 1962) وتطبيق خطط مدروسة
لتهجيرهم أو تذويبهم في المجتمع
البوذي. ومن الممارسات التي
مورست ضدهم هدم المساجد وإغلاق
المدارس ومصادرة الأراضي ومنع ذبح
الأبقار (في عيد الأضحى).. وفي عام 1982
أصدرت الحكومة الماركسية قرارا يقضي
بحرمان المسلمين (من عرقية الروهنغيا)
من حقوق المواطنة والجنسية البورمية
واعتبرتهم منذ ذلك التاريخ مهاجرين
بنغاليين غير مرغوب فيهم (رغم أن بورما
نفسها تتضمن 120 عرقية معترفا بها). وفي كل مرة يندلع
فيها الصراع كانت الحكومة (التي تعيش
في عزلة تشبة عزلة كوريا الشمالية) تقف
بجانب الأغلبية البوذية وتستغل الصراع
لتنزع من المسلمين أراضيهم وتحوّلهم
إلى مشردين أو لاجئين دوليين.. وهكذا تم
تهجير مليون ونصف المليون مسلم الى
بلدان عديدة في تواريخ مختلفة (ذهب
القسم الأكبر منهم الى بنغلاديش
المجاورة، في حين استقبل الملك فيصل
رحمة الله آلاف المهاجرين الذين
اختاروا السكن في مكة المكرمة). ورغم أن أعمال
الاضطهاد لم تتوقف يوما ضد الأقلية
المسلمة، تعرضوا أيضا لمذابح حقيقية
في عام 1982 (وكنا حينها مشغولين بغزو
اسرائيل للبنان) وعام 1997 في ماندلاي (بسبب
تدمير تمثالي بوذا في أفغانستان) وعام
2001 بسبب كتيب حكومي يحذر من ضياع
العرقية البورمية بسبب المسلمين
والمهاجرين من بنغلاديش (وكنا حينها
مشغولين بتداعيات تفجيرات نيويورك). أما أعمال العنف
الأخيرة فبدأت في مطلع يونيو الماضي
(2012) بسبب فتاة بوذية اتهمت ثلاثة
مسلمين باغتصابها.. وحين انتشر الخبر
قتل البوذيون ركاب باص مسلمين آتين
للتو من العمرة.. وهكذا اندلعت بين
الطرفين صدامات مسلحة رجحت بسرعة -
بحكم الأغلبية وموالاة الحكومة - لصالح
البوذيين الذين لم يترددوا في قتل
أصحاب البشرة السوداء (كما يطلقون
عليهم) تحت حماية الجيش والشرطة. وهذه المرة أيضا كان
العرب منشغلين عنهم (بالمسألة السورية)
في حين رفضت بنغلاديش استقبال
المضطهدين الجدد (بحجة أن المهاجرين
الأوائل مايزالون يعيشون ضمن حدودها
في ظل أوضاع انسانية بائسة)!! المحزن - والمخجل في
نفس الوقت - هو التعتيم العالمي تجاه ما
يحدث للمسلمين في بورما.. فأنا مثلا كنت
أريد الكتابة عن هذا الموضوع قبل اسبوع
ولكنني لم أعثر على معلومات موثقة تؤكد
حقيقة ما يجري هناك (رغم بحثي في مواقع
الوكالات الاخبارية والمحطات
الفضائية والصحف العالمية).. ومثل هذا
التعتيم القاسي جعلني أتساءل: إن كانت
صور المجازر - التي تأتيني عبر البريد
أو الجوال - مفبركة أو متعلقة بأحداث
قديمة مثلا..؟!! غير أن قناعتي اليوم
بما يحدث في بورما يدفعني للمناشدة
بتقديم يد العون والمساندة والضغط على
حكومتها العسكرية لإيقاف المذابح
الحالية.. وما نريده ليس فقط إيقاف
أعمال القتل والاضطهاد، بل وحل
المسألة من جذورها من خلال منح مسلمي
بورما حكما ذاتيا مستقلا في ذات
المنطقة الذي قامت فيها مملكة أركان
قبل 600 عام. ================= ما يتعرض له
مسلمو بورما من قتل وتشريد؛ يُواجه
بصمت من المجتمع الدولي، ولا يكاد يذكر
في وسائل الإعلام العالمية د. عائض الردادي الإثنين 06/08/2012 المدينة بورما سمّت نفسها
مُؤخَّرًا «ميان مار»، إحدى دول جنوب
شرق آسيا، التي تقع على امتداد خليج
البنغال، ويطلق على سكانها البورميون،
وهم يزيدون عن 55 مليون، ونسبة المسلمين
في حدود15% والأغلبية من البوذيين،
ويعرف السكان المسلمون بالروهينجا،
وهوالاسم الذي انتشر في هذه الأيام
بسبب تجدد المذابح لهم، وهي ليست
بجديدة بل تتجدد بين حين وآخر، غير أن
ما يميزها أنها مدعومة من الحكومة
وليست مواجهات بين الطوائف. ينحدر ملف حقوق
الإنسان في بورما إلى الرقم (7)، وهو أقل
تقدير في تصنيف منظمات حقوق الإنسان،
ويقال إن الملف تحسن إلى الرقم (6) خلال
عام 2012م، وذلك قبل الانتهاك الصارخ
لحقوق الإنسان الذي يمارس الآن في
بورما، وقد كوّنت الحكومة لجنة وطنية
لحقوق الإنسان من (15) عضوًا، ويبدو أنها
لا فاعليه لها في مراقبة انتهاكات حقوق
الإنسان في ضوء ما تتعرض له شريحة من
المواطنين هذه الأيام من انتهاكات
لحقوقها؛ أقلها المطالبة بإجبار
المسلمين على مغادرة البلاد، ولبورما
تاريخ في تهجير المسلمين، وذلك سبب
وجود جاليات في عدد من الدول
الإسلامية، وقد أفاد تقرير لمنظمة
الحرية في العالم عام 2011م أن الحكومة
تقمع جميع الحقوق الأساسية من خلال
المجلس العسكري الذي يشرف على جميع
السلطات: التنفيذية والتشريعية
والقضائية، وأنه هو المسؤول عن
انتهاكات حقوق الإنسان، وهذا مصدر قلق
منظمات حقوق الإنسان، وقد صدرت عدة
دعوات في العالم تدعو المجلس العسكري
إلى احترام حقوق الإنسان وحمايتها. لقد تعرض المسلمون
على مدى تاريخ هذه الدولة إلى العنف
الطائفي والتقتيل والتشريد، وفي
حزيران عام 2012م تعرض حوالى ألفي مسلم
للتشريد والاضطهاد، ومازال المسلمون
يتعرضون لفظائع الاضطهاد وانتهاك
حقوقهم الوطنية والإنسانية. ما يتعرض له مسلمو
بورما من قتل وتشريد وإجبار على
التشريد؛ يكاد أن يُوصف أنه يُواجه
بصمت من المجتمع الدولي، ولا يكاد يذكر
في وسائل الإعلام العالمية بل إن
مسؤولين زاروا هذه البلاد لم يذكروا ما
يتعرض له المسلمون من انتهاك ولو بكلمة
واحدة، مما حدا ببعض المتابعين إلى
القول: إن المنظمات الإنسانية ووسائل
الإعلام ومسؤولي الدول التي أصمّت
الآذان بالكلام عن حقوق الإنسان؛ تقيس
حقوق الإنسان بمقاييس المنافع، لا
مقاييس حقوق الإنسان ومعاييرها. حقوق المسلمين في
بورما تنتهك ممن بيده القدرة على الأخذ
على يد المنتهكين، وهي بحاجة إلى موقف
من منظمة التعاون الإسلامي يتجاوز
البيانات والاجتماعات، فهذه القضية
غائرة في التاريخ، وتتجدد بالدموية
نفسها، وبالاضطهاد نفسه، وبالتشريد
نفسه، ولا يطالب المسلمون سوى أن تكون
لهم الحقوق الوطنية والحقوق الإنسانية
على قدم المساواة مع بقية المواطنين
على اختلاف أعراقهم وأديانهم، وأن
يكون ذلك محل متابعة من هيئة حقوق
الإنسان الإسلامية، وإن كانت هذه
الهيئة وليدة فهو اختبار لها. فاكس: 012389934 ================= المصدر: صحيفة «جابان
تايمز» اليابانية التاريخ: 06
أغسطس 2012 البيان خلال الحرب العالمية
الثانية، رسم ونستون تشرشل خطا
للتمييز بين "نهاية البداية" و"بداية
النهاية". وذلك التمييز ينطبق أيضا
على الأزمة السورية المتفاقمة، إذ
تشير الأحداث الأخيرة، بما في ذلك
تزايد عدد الانشقاقات رفيعة المستوى
عن قيادة النظام، ومقتل ثلاثة من كبار
مسؤولي الرئيس السوري بشار الأسد في
انفجار، وانتشار الثورة في دمشق
نفسها، تشير كلها إلى أن نظام الأسد،
بعد فترة طويلة من الانحدار التدريجي،
يقترب الآن من الانهيار أو الانفجار
الداخلي. أخذت الأزمة السورية
في الاشتعال منذ مارس 2011، وبعد عدة
أشهر من المظاهرات الهادئة غالبا،
والقمع الوحشي، ظهر نمط محدد، حيث دعمت
المعارضة السياسية، التي كانت منقسمة
وغير فعالة، بجناح عسكري هجين وفضفاض
يعمل تحت شعار "الجيش السوري الحر". وبالمئات من
المتشددين الذين دخلوا سوريا عبر حدود
يسهل اختراقها، وراحوا يشنون عمليات
عسكرية ونشاطات متشددة على حد سواء.
فالمعارضة السياسية والعسكرية لم
تتمكن من إسقاط النظام، والنظام لم
يستطع سحق المعارضة. واستفاد النظام من
الدعم النشط من جانب الطائفة العلوية
والموقف السلبي للأقليات الأخرى، فضلا
عن الطبقة البورجوازية في دمشق وحلب،
التي خشي أبناؤها سقوط النظام
والاستعاضة عنه بجماعة متشددة. وعلى
الصعيد الخارجي، كانت روسيا مؤيدة
رئيسية للنظام، فيما قدمت الدول
الغربية وتركيا وبعض الدول العربية،
دعما لجماعات المعارضة المختلفة. ومن الناحية
العسكرية، كانت نتيجة المعركة
التعادل، ولكن النظام واصل تراجعه
سياسيا. ففي حين أن ماكينات الحكومة
المركزية بدت سليمة، والحياة في دمشق
وحلب أبقت على مظهرها الطبيعي، فقد راح
النظام يفقد سيطرته على أجزاء كبيرة من
البلاد على نحو متزايد. والآن، انتهى نمط
التآكل المطرد، مع انضمام أعداد
متزايدة من كبار المسؤولين العسكريين
وغير العسكريين إلى المعارضة. فقد
ساهمت الانشقاقات في إضعاف النظام و
تقوية المعارضة، وأشرت لانهيار لا مفر
منه. وهو ما يؤشر له أيضا
الإنجاز الكبير الذي حققته المعارضة،
حين هاجمت قلب جهاز الأمن، الأمر الذي
أسفر عن مقتل ثلاثة من أهم مساعدي
الرئيس الأسد. ومع ذلك، فإنه لا يزال من
السابق لأوانه التكهن بالانهيار
الوشيك للنظام. فعلى الرغم من أنه تلقى
ضربة قوية، فإنه لا يزال واقفا، وقد
استجاب بسرعة لاغتيال الشخصيات
الرئيسية الثلاث، من خلال المسارعة
إلى تعيين وزير دفاع جديد. ومعظم القوات التي
أبقت على النظام السوري خلال الشهور
الـ16 الماضية، لا تزال موجودة،
والمعارضة لا تزال منقسمة، والولايات
المتحدة وحلفاؤها الغربيون لا يزالون
يتجنبون ممارسة الضغط الكامل على
حكومة الأسد. غير أن النهاية
تقترب، ولا بد من التفكير بجدية في
العديد من المخاطر الكامنة في الوضع
السوري. ففي غياب معارضة فعالة ومنظمة
ومعترف بها دوليا، قد تعقب سقوط النظام
حالة من الفوضى وحرب أهلية طائفية
شاملة، وحركات انفصالية وتقسيم فعلي.
ويمكن لأعداد كبيرة من اللاجئين أن
يفروا إلى الدول المجاورة، التي يحتمل
أن تجر إلى الصراع. ================= تاريخ النشر:
الإثنين 06 أغسطس 2012 د. عبدالله
خليفة الشايجي الاتحاد في مقالة الأسبوع
الماضي في هذه المساحة تحدثنا عن
الثورة السورية وسقوط الأقنعة للدول
الكبرى وعودة أجواء الحرب الباردة عن
طريق الاصطفاف حول سوريا بمن معها وبمن
ضدها. وأتت استقالة المبعوث العربي
والدولي كوفي عنان بعد أشهر من مهمته
الفاشلة، وتلكؤ النظام السوري في
تنفيذ أي من بنود مبادرته الستة، وهذا
ما كان متوقعاً بطبيعة الحال. وكان
معبراً إحباط عنان الذي وصف مهمته
بالمستحيلة، بسبب الخلافات
والاتهامات والانقسامات بين الدول
الكبرى. وما لم يقله عنان أيضاً هو أن
سبباً أساسياً لفشل مهمته يكمن في
اقتناع النظام السوري وقوات المعارضة
والجيش الحر بأن أي وقف للمواجهة يعني
بداية النهاية لذلك الطرف في معادلة
صفرية قاتلة تهدد باستمرار النزيف
وغياب الحسم في ظل العودة لأجواء حرب
باردة إقليمية ودولية، وغياب الحسم من
الطرفين لتوجيه ضربة قاسية للطرف
الآخر. ومن مزايا الحرب
الباردة بين القطبين الكبيرين -الولايات
المتحدة الأميركية وحلفائها من جهة
والاتحاد السوفييتي السابق وحلفائه
منذ نهاية الأربعينيات إلى عام 1991 من
القرن الماضي- كانت الانقسامات وصراع
القوى وشل الأمم المتحدة وتعطيل مجلس
الأمن بسلسلة متبادلة من حق النقض "الفيتو"،
ودعم كل طرف لحلفائه، وخوض حروب
بالوكالة، في اصطفاف محموم للدول
الكبرى مع حلفائها الإقليميين من شرق
آسيا إلى الشرق الأوسط. وفي الوقت الذي
ساهمت فيه الحرب الباردة والاستقطاب
الدولي يومها في منع تفجر حرب عالمية
ثالثة بسبب توازن الرعب وشبح الهلاك
الأكيد للطرفين المتصارعين، إلا أن
هذه الحرب الباردة قادت إلى شلل منظمة
الأمم المتحدة، وفاقمت من سباق
التسلح، ونشرت ووسعت نطاق الحروب
بالوكالة في أكثر من إقليم على المستوى
الدولي. واليوم تتكرر أجواء
الحرب الباردة في المنطقة من خلال مسار
الثورة السورية التي أسقطت الأقنعة
كما أوضحنا في مقالنا السابق. وهذا
الفصل الجديد من الحرب الباردة رأينا
تجلياته في صدع الانقسام وإشهار "الفيتو"
في الأمم المتحدة حول الثورة السورية،
وتزويد النظام والمعارضة بمعدات ودعم
لوجيستي، وحتى أسلحة وتدريب. وكذلك
تمددت حالة الحرب الباردة بين الدول
العربية بقيادة دول مجلس التعاون
الخليجي من جهة وإيران من جهة أخرى على
مسرح الثورة السورية. وفي الوقت الذي يستمر
فيه الخيار العسكري والأمني في حصد
المزيد من الأرواح في سوريا ليقترب
العدد من عشرين ألفاً، ما يجعلها أكثر
الثورات العربية طولًا ودموية، يتواصل
انسداد أفق الحل، وسط عجز عربي ودولي
وانقسام في مجلس الأمن يشل المنظمة
الدولية. ومع "الفيتو"
الروسي الصيني ثلاث مرات، والتصويت ضد
مشروع قرار عربي في الجمعية العامة
للأمم المتحدة يدين جرائم النظام
السوري، يتكرس ما عبرتُ عنه في هذه
المساحة من أن روسيا والصين باتتا
وكأنهما "أعداء العرب الجدد"! ضمن
اصطفاف الدول الكبرى والإقليمية خلف
حلفائهما في الثورة السورية. ولعل أكثر ما بات
ملفتاً في الثورة السورية هو خروجها عن
سياقها الداخلي والمحلي وتحولها، كما
لمح لأول مرة أمين عام الأمم المتحدة
"بان كي مون"، إلى حرب بالوكالة
تدعم فيها الثورة القوى الإقليمية
العربية من جهة مع تركيا وبدعم وتأييد
من القوى الغربية، وفي المقابل تصطف مع
النظام السوري قوى كبرى وإقليمية أخرى
بقيادة روسيا والصين إيران، وتؤازرهم
دول الكومبارس فنزويلا وكوبا.. وهي
أطراف عارضت حتى قراراً غير ملزم من
الجمعية العامة للأمم المتحدة قدمته
المملكة العربية السعودية بدعم عربي. كما أن تشظي وانقسام
المعارضة وعجز قوات الجيش السوري الحر
عن حسم المواجهات بسبب قدرة النظام على
توظيف جميع الأسلحة وخاصة الأسلحة
الثقيلة والطيران، واقتناع طرفي
الصراع بأن أي تراجع من أي منهما يعني
نهايته في معادلة صفرية قاتلة، لذلك
لجأ الجيش الحر إلى حرب مدن وشوارع
ليتغلب على كثافة النار واستخدام
الأسلحة الثقيلة والطيران من قبل
الجيش السوري ما أجبره على تغيير
عقيدته العسكرية من حرب ومواجهة العدو
في جبهات قتال مفتوحة إلى خوض حرب ضد
منشقين عن الجيش النظامي وجماعات
مسلحة في مدن ومناطق سكنية وحرب شوارع
في المدن. وهذه ليست مهمة الجيوش
النظامية وليست من ضمن تدريبات الجيوش. وقرار الجمعية
العامة الذي صدر مساء الجمعة الماضي
واعتمد بأغلبية 133 دولة وامتناع 31 دولة
عن التصويت بينها دولتان عربيتان (لبنان
والجزائر) ومعارضة 12 دولة على رأسها
روسيا والصين مساء الجمعة الماضي،
يدين استخدام النظام السوري للأسلحة
الثقيلة في قصف المدن والمعارضة،
ويطالب بوقف استخدامها وانتقال سلمي
للسلطة. ويعبر عن "القلق البالغ"
لتصاعد العنف في سوريا، ويطالب
بانتقال سياسي في البلاد، وينتقد
قرارُ الجمعية العامة ويأسف "لفشل
مجلس الأمن في الاتفاق على إجراءات
لضمان إذعان السلطات السورية لقراراته".
وقد أوضح المندوب السعودي، رئيس
المجموعة العربية في الجمعية العامة،
أن القرار يرسل رسالة للعالم أجمع بأن
سبب تعطيل مجلس الأمن هو التصويت
السلبي للدولتين الكبريين روسيا
والصين. أما المندوب السوري فكرر
اتهامات بلاده لدول عربية وأجنبية
بدعم الجماعات "الإرهابية"، وهي
اتهامات لم تعد مقنعة في عصر الفضائيات
المفتوحة ووسائط التواصل الاجتماعي
ومشاهد الموت والدمار والمجازر
والأشلاء التي تستهدف فئة وشريحة
واحدة من المجتمع السوري! وكان ملفتاً توصيف
أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون،
لتحول الصراع في سوريا إلى "حرب
بالوكالة مع لاعبين إقليميين ودوليين
يسلحون طرفاً أو آخر"، مذكراً
بتوقعات الخبراء الذين أعربوا قبل 18
شهراً عن مخاوفهم من "التشدد
والتطرف والإرهاب"، إلى جانب "حرب
بالوكالة"، وبالتالي "تأكدت جميع
تلك التوقعات". وهكذا نرى الانقسام
في الداخل السوري، ورأينا الأقنعة
التي سقطت، ونرى المواقف المتباينة
والاصطفاف والاصطفاف المقابل في لعبة
شطرنج قاتلة للاعبين إقليميين ودوليين.
وفيما يستمر الشعب السوري في تسديد
فواتير هذا التباين والتوازنات
الداخلية والإقليمية، يغيب أي حل عملي
يضع حداً لنزيف الدم هناك، حيث تحول
الجميع إلى شهود عاجزين ورجال إطفاء
غير قادرين على احتواء النيران
المشتعلة. وهذا كله يُحمل القوى الكبرى
والمجتمع الدولي مسؤولياتهما، ويفضح
الدول المتواطئة التي تهدد مواقفها
حماية المواطنين والسلم والأمن. ================= تحذير
الثورة السورية من أخطائها الياس ورده السفير 6-8-2012 في هذه اللحظات التي
بدأ فيها «الجيش الحر» في تحرير «الشهباء»
وريفها من قبضة النظام السوري، كنت
أرغب وأفضل، العمل فقط، على ما أعتبره
المهمة الأولوية، في تعزيزه ودعمه
ومساندته، لكني وجدت أيضا أن التحذير
مما يهدد سلامة الثورة والوطن وتحديد
بعضها وتقديم الأفكار والمقترحات
لتجنبها وحلها، جزء مهم من هذا العمل
وواجب أعبّر به عن حرصي المطلق على
نجاح الثورة والوصول بالوطن إلى برّ
الأمان المنشود. كل وطني لا يقر بوجود
خروقات خطيرة لمبادئ الثورة السورية
هو مثالي حالم بثورة افتراضية. لقد
أصبحت هذه الخروقات بدرجة من الخطورة
حتى بدأت تطغى في نتائجها أحيانا على
محاسن الثورة، وجمالياتها والآمال
المعقودة على ما ستأتي به من حرية طال
انتظارها وكرامة طال زمن هدرها، وحق
مواطنة وسيادة قانون وعدالة اجتماعية
ورفاه اجتماعي. إن هذه الظواهر
الخطيرة أصبحت تهدد ليس الثورة وحدها،
بل وجود الوطن نفسه، ووحدة ترابه وشعبه
(وخاصة إذا أضفنا لها ظواهر التعصب
القومي والمذهبي وربما السياسي أيضا
لبعض فصائل من مكونات المجتمع السوري)،
وأصبح الانتباه لها وحصرها ومعالجتها
بالطرق والوسائل الناجعة قبل تفشيها
الكامل في المجتمع والوصول إلى «صوملته»،
جزءا لا يتجزأ من العمل الثوري
والنضالي، ولا يقل أهمية عن النضال
الشعبي المدني، أو القتال مع الفصائل
الوطنية الشريفة. وحرصا على الموضوعية
والوضوح في تحديد المسببات
والمسؤوليات، فإني أحمّل السلطة
الحاكمة مسؤولية ما آلت إليه البلاد من
مخاطر الصوملة نتيجة سياساتها
المافيوية والطائفية التي انتهجتها
قبل الثورة، والعنف الدموي الممنهج
والمنظم الذي مارسته بعد قيام الثورة،
مع استمرار لعبها على الورقة الطائفية. إن الخروقات
المتمثلة بالسرقات والخطف، أحيانا
وفقا لما تظهره الهوية، والقتل
والاغتصاب والسلوك المافيوي والطائفي
عند الكثير من الجماعات المنظمة والتي
يرتبط بعضها بأجهزة النظام وتنظيماته
المافيوية المستقلة، أصبح سهلا، من
قبل المجرمين التقليديين وضعاف
النفوس، ولكن أيضا من بعض الزمر
والمجموعات التي تعمل وتخدم أجندات
خارجية وداخلية، ولكل من يريد استغلال
ظروف الوطن الحرجة، لحسابات سياسية
ومصالح خاصة تتعارض كليا مع أهداف
الثورة في بناء دولة الحرية والمواطنة
وحقوق الإنسان. ان جزءاً من ظاهرة
إعطاء كتائب «الجيش الحر» تسميات
تستغل مشاعر الإيمان الدينية عند
الغالبية العظمى من شعبنا الطيب
والمؤمن، في وقت يستغل به النظام
الورقة الطائفية، عوضا عن إعطاء
تسميات تخلد شهداء الثورة والوطن
السوري، بدءاً بالبطل الوطني يوسف
العظمة ومرورا بالشهيد حمزة الخطيب،
وقائمة شهدائنا طويلة، لا يساهم في
تعزيز الوحدة الوطنية ـ شرط لازم ولكنه
غير كاف لنجاح الثورة ـ ليست غريبة عن
هذه المداخلات التي حصلت وتحصل والتي
تهدف إلى حرف الثورة عن أهدافها، وهي
بذلك تلتقي بنوع من التحالف الموضوعي
مع النظام وتخدم مصالحه. إني أرى أن تجنب هذه
المخاطر التي تهدد ثورتنا الوطنية
ووطننا يتطلب حالا ما يلي: ـ تنظيم فصائل «الجيش
الحر» وتوحيدها تحت قيادة عسكرية
وطنية. ـ تشكيل لجان أمن
داخلي محلية للقيام بمهمات الأمن
الداخلي. ـ تنظيم صفوف
المقاومة الشعبية المدنية تحت قيادة
واحدة لتنظم عملها في كل أرجاء الوطن. ـ العمل حالا لتعزيز
المجالس الشعبية ولجان السلم الأهلي
والتي سبق وشُكّلَت، وتعميمها على كل
أرجاء الوطن. ـ تعزيز النضال
المدني السلمي بإنشاء منظمات المجتمع
المدني من نقابات وتنظيمات وأحزاب. ـ عدم الاندفاع وراء
المزاودين بالثورية والوطنية، والذين
لا همّ لهم إلا ضرب الثورة أو الالتفاف
عليها. ـ وجود قيادة سياسية
واحدة للثورة تضم ممثلين عن كل كتل
المعارضة الوطنية السورية وبنسبة
الثلثين من المشاركين في الحراك
الثوري في داخل الوطن والجيش الحر
وتكون بمثابة «مجلس وطني لقيادة
الثورة» حتى إسقاط النظام والبدء
بالمرحلة الانتقالية. إن النضال من أجل
تمكين الثورة من بلوغ أهدافها يقتضي
عملا متكاملا، براغماتيا، منظما،
ومنهجيا على الجبهات الثلاث: المدنية
الشعبية، العسكرية والسياسية
والاستعداد لقيادة المرحلة
الانتقالية. إن مستقبل الثورة
السورية ونجاحها وعدم انحرافها عن
أهدافها الوطنية سيقرر ليس مصير سوريا
وحدها بل مصير المنطقة العربية
وربيـعها الثوري. دكتور دولة في العلوم
الفيزيائية، والفيزياء النووية ـ
جامعة باريس ================= التغيير
من داخل النظام... تمنٍّ لا واقع سركيس نعوم 2012-08-06 النهار لا يزال البعض القليل
من العرب والاميركيين يعتقد ان الحل
للحرب الدائرة في سوريا رسمياً بين
نظام آل الأسد وغالبية الشعب السوري،
وعملياً بين الحكم الأقلوي المحتكر
السلطة منذ اكثر من اربعة عقود
والغالبية السنّية المُبعدة عنها
والمحرومة كما معظم السوريين حقوق
المواطنة، لا يزال هذا البعض يعتقد ان
الحل لكل ذلك قد يكون بمبادرة اركان في
النظام الحاكم الى الانقلاب على
الرئيس بشار الاسد، وبايقاف الحرب،
وابداء الاستعداد للحوار مع ثوار
الداخل والخارج بغية تلافي الوقوع في
التقسيم،والبحث معاً عن نظام جديد
يحفظ حقوق السوريين، ويُبعِد عنهم شبح
ديكتاتورية الاقلية كما الغالبية". هل الاعتقاد المذكور
في محله؟ يجيب متابعون
اميركيون من قرب لأوضاع سوريا
والمنطقة ان الادارة في واشنطن دعت،
عند بدء الثورة السورية وحتى بعد اشهر
قليلة من اندلاعها الرئيس الاسد الى
المبادرة الى الاصلاح الجدي. وكانت
مقتنعة قبل عسكرة الثورة التي كانت
سلمية بأن التفاهم بين نظامه
والغالبية المطالبة بدولة ديموقراطية
حرة وبتداول السلطة وبالمساواة أمر
مكن رغم الخلافات المذهبية العميقة
التي كانت تعشش في نفوس السوريين. لكن
عدم تجاوب الاسد على نحو جدي، وقيامه
باصلاح شكلي وفي الوقت نفسه باستعمال
قوته العسكرية والامنية لاخماد
الثورة، أقنع ادارة اميركا بأن بشار
الاسد "فالج لا تعالج". ويومها
اعلنت رسمياً وللمرة الأولى منذ نشوب
الثورة ان على الاسد ان يتنحى. ثم بدأت
العمل الجدي مع حلفائها في العالم
والمنطقة العربية، كما مع خصومها او
المنافسين مثل روسيا والصين، من أجل
التفاهم على صيغة تفرض تخلِّي الاسد عن
السلطة، وتُفِسح في المجال أمام حوار
المعارضة ومن يمثلهم النظام حول سوريا
الجديدة. طبعاً تساءلت اميركا في تلك
المرحلة، جراء عناد الاسد، استمراره
في القتل والتحدي، اذا كان في الامكان
حصول تغيير في النظام السوري من داخله،
ينحي الاسد وحلقته الضيقة التي يحكم من
خلالها او تحكم من خلاله شعب سوريا
بالحديد والنار. وقد تكون جرت مشاورات
واتصالات لمعرفة ما اذا كان هذا الخيار
محتملاً وممكناً ولكن أحداً لم يتحدث
عن نتائجها. ويشكل استمرار الحرب بل
تصاعدها وتحولها اهلية - مذهبية على
نحو شبه رسمي اعلاناً غير مباشر لفشلها.
لذلك يعتقد المتابعون الاميركيون
انفسهم ان مجرد طرح هذه الفكرة من جديد
اليوم قد يكون فيه من التمني اكثر مما
فيه من الواقع. فأهل النظام، أي عسكره،
قادة وانصاراً، كما شعبه مقتنعون بأن
انتصار الثورة سيعني ابادتهم او
الانتقام منهم او في احسن الأحوال
تهميشهم. وهم ليسوا في وارد قبول هذا
الأمر، وخصوصاً ان عندهم خياراً آخر قد
يلجأون اليه دفاعاً عن النفس هو
الانكفاء الى جغرافيتهم بعد توسيعها،
اذا نجحوا ايضاً في ذلك. ومن هناك، ومع
استمرار دعم ايران لهم كما روسيا ربما،
يستطيعون الصمود ولا سيما اذا انشغل
الثوار المنتصرون (الغالبية) في اعادة
بناء الدولة على غالبية الارض السورية
وفي تنظيم انفسهم، وان استعداداً
لجولة أو جولات اخرى مع "التقسيميين". لا يمنع ذلك، يقول
المتابعون انفسهم، تعرُّض الرئيس
الاسد لمحاولة اغتيال قد تنجح أو تفشل
وقد يكون منفذها من "داخل"
غالبيته أو من خارجها. لكن هذا الأمر
يوقع سوريا، في الفوضى الكاملة ويدفع
الحرب الى الاستمرار، الا اذا غيَّر
ذلك المواقف الدولية والاقليمية
المتناقضة من وضع سوريا ودفع اصحابها
الى العمل معاً عسكرياً وسياسياً
وديبلوماسياً لوقف حربها وازالة
اسبابها، او إلا اذا دفع ذلك اميركا
وحلفاءها الى التحرك انفرادياً ورغم
رفض روسيا والصين وايران، لانهاء
الحرب السورية. ماذا يقول "الاسلاميون
العرب" على تنوعهم عن الرهان على
انقلاب على الاسد من داخل النظام؟ يقول مرجع كبير منهم
ان آل الاسد لم يتركوا أحداً في "شعبهم"
قادراً على منافستهم من داخل. فعل
الراحل حافظ ذلك وأكمل نهجه بشار.
ويقول ايضاً ان الخوف الاقلوي من
الأكثرية يجمع الصفوف. ويقول ثالثاً ان
كثيرين اعتبروا ان آصف شوكت قبل
اغتياله مؤهل لدور كهذا جراء علاقات له
مع الخارج. لكن الذين يعرفونه من داخل
يصفونه بالعقدة لأنه كان الاكثر
تشدداً في "الحلقة الضيقة" حول
بشار. ويقول تالياً ان شوكت كان
المستهدف بانفجار دمشق، ذلك ان
المعلومات المتوافرة عنه تشير الى ان
التفجير من بعد ارجئ نصف ساعة لأن شوكت
وصل متأخراً الى اجتماع خلية الأزمة. ================= الدم
مقابل المال * ماهر ابو طير الدستور 6-8-2012 هناك قوى سياسية تضغط
على الأردن من أجل سيناريوهين، الاول
اقامة منطقة عازلة في مناطق درعا وبعض
المناطق السورية في مرحلة معينة،
والثاني تدخل الجيش الاردني اذا انهار
النظام للمساعدة بتأمين الأسلحة
الكيماوية. القوى السياسية التي
تريد دوراً للاردن في السيناريوهين
معاً أو أحدهما تلمح الى ان ملف
المساعدات المالية التي لم يتم دفعها
حتى الآن قد يكون مرتبطاً بأحد
السيناريوهين وان المطلوب من الأردن
أكثر من الدور الانساني وهكذا تتبدى
القصة باعتبارها مقايضة. غير أنها مقايضة بين
المال والدم والمال متوافر وممكن،
أمّا الدم فلا أحد قادر على احتمال
كلفته ولا المساومة عليه أو بيعه أو
هدره. الأردن يدير العلاقة
مع الازمة السورية من الزاوية
الانسانية، وهناك زوايا لوجستية وفنية
ليس هنا محل ذكرها، غير أن اسوأ ما يمكن
ان يتوقعه البعض من الاردن هو الزج
بأبنائه في المستنقع السوري عبر ارسال
جنود او انتظار «كيماويات الأسد»
لتهطل علينا. السيناريوهان يأخذان
البلد الى ما هو اسوأ لأن التورط في
المستنقع السوري سيؤدي الى ارسال
جنازات وتوابيت عشرات الشباب
الأردنيين الى السلط ومعان والكرك
واربد وبقية المحافظات، وهو أمر لا
تقدر عليه الدولة ولا تحتمل كلفته
الاجتماعية ولا تقبله ايضاً. لا يمكن الزج بأبناء
البلد في هكذا محرقة قد تؤدي الى حرب
كبرى، لأن التورط في الملف السوري امر
مكلف ودموي ، والتورط ستكون كلفته
مرتفعة جدا ولن يغطيها الدعم المالي
العربي لأن دم الناس هنا أغلى من المال
وليرسل العرب جندهم الشجعان عبر البحر
الأبيض المتوسط لو أرادوا تحرير سورية
وعلى حسابهم لا على حساب غيرهم! مصر ارسلت جيشها إلى
اليمن قبل اربعين عاما، ومازال الشعب
المصري حتى يومنا هذا يلوم حكومته على
ذلك. هذا عنصر في السياسة
الأردنية حتى الآن. الخشية ان تسعى
اطراف الى فتح ثغرة في جدار التمنع
الأردني عبر افتعال حوادث أمنية عند
الحدود بأي شكل عبر اطلاق صواريخ من
المناطق السورية باتجاه الاردن واتهام
النظام السوري من اجل افتعال معركة
وفتح ثغرة تأخذنا الى تورط اجباري في
الملف السوري وللقول للناس إن الأمر لم
يكن اختيارياً. فوق ذلك فإن الأردن
بدأ اصلا بدفع كلفة الوضع في سورية عبر
تضرر كل المنطقة اقتصاديا وتأثر
الاردن بتداعيات الهجرات الانسانية
والتأثيرات السلبية جدا على صعيد
النشاط التجاري، فما الذي يراد من
الاردن دفعه ايضا حتى تتم مساعدته؟!. هناك تصور دولي يقول:
بما أن الأردن غير قادر حاليا على
تغطية ادخال ابنائه في الملف السوري
يمكن مرحليا الاستفادة من الجوار
الاردني السوري بتحويل الحدود الى
محطة دولية لوجستية تراقب وتجمع
المعلومات وتستعد لساعة الصفر. هذا التصور ايضا مربك
لأنه يأتي بعد مناورات «الأسد المتأهب»
وما يقال عن بقاء قوات من جنسيات
متعددة في الاردن والافضل ألا يكون
للاردن اي يد في الملف السوري ولا تحت
اي غطاء عربي او لجنة اصدقاء سورية او
عبر المجتمع الدولي. تركيا ذاتها بدأت
تتردد إزاء الملف السوري بعد ان اطلق
نظام الأسد المارد الكردي في شمال
سورية من محبسه بما أرعب الاتراك وهذا
يقول ان معسكر «ايران العراق سورية»
سيكون لديه خطط لتصدير جزء من أزمته
الى الأردن ردا على اي محاولة للتدخل. لكل هذه الأسباب وما
خفي خلفها مما لا يقال فإن الأسلم
للاردن ألا يتورط في الملف السوري ولا
تحت اي تبرير بما في ذلك مبرر الرد على
تحرشات السوريين ليس ضعفا بل لمنع
الأذى الأكبر، أي جر البلد نحو ذات
الازمة. ليحذر كثيرون من
الترويج لمشروع مقايضة بالمال، لأن
الأردن لا يحتمل هكذا مقامرة. التاريخ : 06-08-2012 ================= أين
المحكمة الجنائية الدولية من دمشق؟ رائد جوحي * الإثنين ٦
أغسطس ٢٠١٢ الحياة نهاية الحـــرب
العالمية الاولى وضعت الخطوط العريضة
للاتفاقية الدولية الخاصة بمنع جرائم
الابادة الجماعية وتصنـــيفها كجرائم
دولـــية، وكان الاتحاد السوفياتي
آنذاك وخلفه عدد كبــــير من الدول
الاشتراكية اشترطوا رفع الفئات
الســـياسية من التصنــــيفات التي
تشملها الاتفاقية مقابل توقيــعه
عليها. وفعلاً رفعت الجــــماعات
الســــياسية من الاتفاقية وأصبحت
جريمة الابادة الجماعية لا تشملها،
فانتصرت الارادة السياسية على القوة
القانونية. الامر على اية حـــال
في تلك الفــترة كان مقبولاً كخطوة
اولى على طريق تجريم هذه الافعال
البشعة، لكن الصورة اختلفت كثيراً بعد
خمسين سنة وتحديداً في العام 1998 عندما
أُقر نظام روما الاساسي الخاص
بالمحكمة الجنائية الدولية، حيث كان
المجتمع الدولي يعتقد انه بعد تأسيس
المحكمة وبدء عملها وسلطاتها
القانونية عام 2000، فإن اي شخص يرتكب
جريمة من الجرائم الدولية سوف لن يفلت
من العقاب. هكذا انتهى الاستثناء الذي
كان يحمي الطبقة السياسية. تلك المقدمة
المنهجية مدخل لطرح تساؤل ضروري يتعلق
بالآلية التي يمكن ان يتصرف من خلالها
المجتمع الدولي مع الاحداث في سورية
والبحرين. فسورية مثلاً سبق ان
صادقت على النظام الاساسي للمحكمة
الجنائية الدولية بتاريخ 29 تشرين
الثاني (نوفمبر) 2000، وكذلك فعلت
البحرين في 11 كانون الاول (ديسمبر) 2000
وأصبحت اختصاصات المحكمة وسلطتها تسري
على البلدين. لجان حقوق الانسان ما
زالت تصرخ في خصوص الجرائم التي
ارتكبها نظام بشار الاسد ضد السكان
المدنيين العزّل في سورية، وصار
منطقياً التساؤل عن الفارق بين
سلوبودان ميلوشيفيتش او معمر القذافي
او صدام حسين وبشار الاسد؟ ألم يرتكب
كل منهم الجرائم نفسها وهي الجرائم ضد
الانسانية؟ فلماذا هذا الازدواج
في المحكمة الجنائية؟ فالصربي
ميلوشيفيتش أُعتقل ومات في معتقل
المحكمة الجنائية عام 2006، والقذافي لم
يبخل المدعي العام اوكومبو آنذاك بأي
جهد لغرض اعتقاله، فأين مكتب المدعي
العام اليوم مما يجري في سورية، وهو
الذي يعتــــبر ممثلاً للمجتمع الدولي
في مجال الدفاع عن حقوق الانسان من
مرتكبي الجرائم الدولية امام هذه
المحكمة. النظام الاساسي
للمحكمة اعطى المدعي العام في المحكمة
الجنائية الدولية الحق بتحريك الدعاوى
ضد مرتكبي الجرائم الدولية وجاء النص
صريحاً في المادة 15 من النظام الاساسي
للمحكمة، وهو الذي منح ايضاً لمجلس
الامن في تحريك الدعاوى امام المحكمة. مجلس الامن، ونظراً
للموقف الدولي المعقد من القضية
السورية، من الصعب توقع توصله الى قرار
ضد نظام بشار الاسد، ولكن المدعي العام
في المحكمة له كل الصلاحيات في هذا
الامر، فلماذا لا يتخذ بدوره موقفاً
حيال المذابح التي ترتكب يومياً؟ الظاهر ان المحكمة
الجنائية الدولية على رغم العنوان
العريض لمهماتها القانونية وما يأمله
المستضعفون منها، لا يمكن ان يكون لها
موقف مستقل بعيداً من التأثيرات
السياسية. فمكتب المدعي العام في
المحكمة ما زال الى يومنا هذا يرسل
فرقاً الى ليبيا في خصوص محاكمة سيف
الإسلام القذافي، وكان سيفعل الشيء
نفسه في خصوص معمر القذافي لو بقي على
قيد الحياة. ولكنه لا يستــطيع
ارسال اي فريق الى سورية بدعوى ان ما
يرتكب هناك لا يمكن ان يصل الى المستوى
الذي يستحق ان يجرى التحـــــقيق فيه
من جـانب المحكمة. هذا على رغم ان ما
ارتكب هناك، وفق ابسط المعايير
الدولية، هو جريمة ضد الانسانية
متكاملة العناصر من خلال المنهجية او
الهجوم الواسع النطاق ضد السكان
المدنيين وغير ذلك. المؤسسة الدولية
التي كان يشار اليها بالبنان هي اليوم
امام اختبار صعب لضمان استقلالها عن
السلطة السياسية، والى الآن لا بادرة
تلوح في الافق حول امكان تحقيق ذلك في
ضوء عدم اتفاق المجتمع الدولي السياسي
على كلمة واحدة في خصوص سورية. امام هـــذا الواقع،
على المنـــظمات المعــنية بحقوق
الانسان عبر العالم والناشطين في هذا
المجال استيعاب حقيقة عدم تحرك
المحكمة حتى الآن على رغم كل ما يجري
هناك. هي سياسة الكيل
بمكيالين الدولية: فما اعتبر جرائم
دولية في يوغوسلافيا السابقة وليبيا
ودارفور ما زال لا يعتبر جريمة دولية
في سورية، وعلى المدنيين العزّل الذين
يتعرضون للإبادة اليومية مواجهة
أقدارهم. * قاضي التحقيق في
المحكمة الجنائية العراقية المسؤولة
عن محاكمة نظام الرئيس العراقي السابق
صدام حسين ================= غزو
تركي محتمل للمناطق الكرديّة -
السوريّة؟ هوشنك أوسي * الإثنين ٦
أغسطس ٢٠١٢ الحياة عاد الأتراك للعزف
على أسطوانة تهديداتهم القديمة –
الجديدة، لجهة رفضهم «وجود الإرهابيين»
على حدودهم الجنوبيّة. ويقصدون بذلك
حزب العمال الكردستاني. تركيا تعرف أن
الكردستاني موجود في اسطنبول وأنقرة
وكل المدن الكرديّة جنوب شرقي البلاد.
وتعلم أن الكردستاني موجود في قلب
البرلمان التركي! وتعلم أن مقاتلي هذا
الحزب وكوادره ومؤسساته
الســــياسيّة والثقافيّة تملأ
الجبال والقرى والمدن والسجون
التركيّة. وتعلم أن مقاتلي
الكردستاني موجودون على الحدود
الشرقيّة (كردستان إيران) والجنوبيّة
الشرقيّة (كردستان العراق)! وبالتالي،
إذا كانت تركيا تخشى خطر «الإرهابيين»
فعليها إعلان الحرب على حدود ثلاث دول
مجاورة لها. فضلاً عن المضي في المزيد
من الحرب على كرد تركيا في الجبال
والمدن الكرديّة والتركيّة! وعليه، لا يوجد أيّ
معنى للحجج والمبررات التركيّة، التي
تلوّح بها حكومة رجب طيّب أردوغان
باحتمال غزو المدن الكرديّة -
السوريّة، بسبب وجود «مقاتلين»
محسوبين على العمال الكردستاني فيها
أخيراً. وأصلاً، حين كانت اتفاقيّة
أضنة الأمنيّة في أوج تطبيقاتها، وكان
التحالف بين أردوغان والأسد، يعيش
سنين العسل، ضدّ العمال الكردستاني،
لم تستطع دمشق وأنقرة ومعهما طهران،
اقتلاعه من قلب المجـــتمع الكردي، لا
في سورية، ولا في تركيا وإيران! على المقلب الآخر،
أداء الحزب الكردي - السوري (PYD)
الموالي للعمال الكردستاني، بلغ من
الدوغما الحزبويّة (عبر رفع صور أوجلان
وأعلام الكردستاني في المناطق
الكرديّة - السوريّة، ومساعيه لفرض
هيمنته على المجتمع بقوّة السلاح) درجة
مقلقة ومؤسفة ولامسؤولة، لا يمكن
إنكار استفزازها للأتراك! ولكن، تبقى
التهديدات التركيّة محلّ تنديد وشجب
كردي - سوري منقطع النظير. وفي حال مضت تركيا في
تنفيذ تهديداتها للعمال الكردستاني في
سورية، واستمرّ الكردستاني في استفزاز
تركيا في سورية، فهذا يعني أن المناطق
الكرديّة ستكون على موعد مع جحيم جديد،
ملحق بالجحيم الذي كانت وما زالت تعيشه
المدن الكرديّة - التركيّة، طيلة ثلاثة
عقود من الصراع الدموي. ومن جهة أخرى، ستكون
تركيا قد حققت مأرب ومبتغى النظام
السوري، عبر ضرب الأكراد بالاتراك! ذلك
أن إخلاء النظام السوري بعض مراكزه
ومقارّه الأمنيّة في بعض المدن
الكرديّة - السوريّة، وحلول الحزب
الكردي الأوجلاني، وبعض الأحزاب
الكرديّة الأخرى في هذه المراكز، كان
الهدف منه استفزاز الأتراك وتحريضهم
على غزو المناطق الكرديّة، بحيث يضرب
نظام الأسد عدوّين له (الأكراد
والأتراك) بحجر واحد! وعليه، حذارِ من
وقوع تركيا في مصيدة نظام الأسد،
المنصوبة له في شمال سورية. ذلك أن
كردستان سورية ليست كردستان العراق،
حتّى يدخل ويخرج منها الجيش التركي متى
وكيف يشاء! النظام التركي، لا
يعرف شيئاً عن سيكولوجية كرد سورية.
وإذا قامت حكومة أردوغان بارتكاب هذه
الحماقة، فإنها ستضع تركيا في نفق
كردستان سورية، الذي سيبتلع تركيا. كرد
سورية، قدّموا أكثر من 5 آلاف شهيد على
مذبح القضيّة الكرديّة في تركيا،
وقدّموا ضعفهم من المعاقين، وهنالك
نحو 3 آلاف كردي - سوري ضمن مقاتلي
الكردستاني. بل إن أبرز القادة
العسكريين في هذا الحزب، هم من الكرد
السوريين. وحين يفكّر الأتراك
بغزو كردستان سوريّة، فإنهم يطلقون
النار على أنفسهم وعلى تركيا. وسيكون
لهذا الغزو، نتائج وخيمة على الأخيرة،
أقلّها أنه سيجع لها قوّة احتلال، لا
فرق بينها وبين إسرائيل حين احتلّت
جنوب لبنان والجولان، وبالحجّة
التركيّة نفسها: حماية حدودوها من «الإرهابيين». هذا الغزو، سيوحّد
الكرد، في كل أنحاء العالم، ضدّ تركيا،
حتّى أكثر من الفترة التي توحّدوا فيها
أثناء اختطاف واعتقال أوجلان سنة 1999،
وأكثر من فترة غزو تركيا كردستان
العراق في شباط (فبراير) 2008. زد على ذلك أن تركيا
ستصبح دولة محتلّة دولتين جارتين لها (شمال
سورية وشمال قبرص)، وستسقط كل السمعة
الإقليميّة والدوليّة التي اكتسبتها
حكومة حزب العدالة والتنمية خلال
السنوات العشر الأخيرة! وهذا علاوة على
أنه مع الغزو التركي شمال سورية، ستسقط
نظرية «تصفير المشاكل» لكبير
الديبلوماسيّة التركيّة وزير
الخارجيّة أحمد داود أوغلو. وإذا غزت تركيا المدن
الكرديّة - السوريّة، ستكون أنقرة، قد
حوّلت أشدّ الناقدين أو الناقمين على
حزب العمال الكردستاني، إلى أشدّ
وأعتى المدافعين عنه، وتكون قد قدّمت
للكردستاني خدمة ذهبيّة، ستسمح له
بقلب الطاولة على الحكومة التركيّة،
داخل تركيا وخارجها، وقت يشاء. على أنقرة أن تسعى
حثيثاً لكسب الكرد. وإذا تمّ حلّ
الملفّ الكردي في تركيا، وتكللت
بالنجاح، على ما يشاع في الإعلام
التركي، المفاوضات السريّة بين أنقرة
وزعيم الكردستاني، عبدالله أوجلان،
فسينخرط الكردستاني في السياسة
والمشاريع والطموحات التركيّة، ويتمّ
إبطال أيّة مخاوف من وجود «تحالف سريّ»،
بينه وبين النظام السوري. بذلك، تكسب
تركيا سنّة سورية وكردها. على مخططي
الاستراتيجيّة التركيّة، الالتفاتة
إلى هذه الأفكار، والحذر، كل الحذر، من
الانزلاق إلى حماقات غزو المدن
الكرديّة - السوريّة، واستعداء الكرد،
في كل مكان، لتركيا. ================= الإثنين ٦
أغسطس ٢٠١٢ غسان شربل الحياة حصدت إيران في العقد
الماضي مجموعة من الميداليات الذهبية
وغالباً من دون المشاركة في المباريات.
حصدت الأولى لدى وقوع هجمات 11 أيلول (سبتمبر)،
والتي أطلقت الحرب بين «الشيطان
الأكبر» و «القاعدة». جاءتها الثانية
حين اقتلعت القوات الأميركية نظام «طالبان»
الذي لم يخف عداءه للنظام الإيراني.
فازت بالثالثة حين اقتلعت القوات
الأميركية نظام صدام حسين الذي أرغم
إيران على إبقاء جمر ثورتها داخل
أراضيها. انتزعت ميدالية ذهبية رابعة
عبر «حرب تموز» في لبنان في 2006. بدت الأيام وردية
للبرنامج الإيراني الكبير. زار أحمدي
نجاد بغداد على رغم انتشار الجنود
الأميركيين فيها وبدا واثقاً أنهم
يتحينون الفرصة للمغادرة. زار أيضاً
دمشق وعبرت صورته مع بشار الأسد وحسن
نصرالله عن رسوخ هلال الممانعة. لم يضع
فرصة زيارة بيروت وجنوب لبنان مذكراً
دول المنطقة والعالم بأن بلاده باتت
تغسل صواريخها بمياه المتوسط. حصدت إيران الذهبيات
وراحت تحث الخطى على طريق برنامجها
الكبير: القنبلة أو امتلاك القدرة على
إنتاجها والدور الكبير القادر على
تهديد أمن النفط وأمن إسرائيل معاً. لدى اندلاع الربيع
العربي حاولت إيران الإيحاء بصلة قربى
معه. ابتهجت بسقوط أصدقاء الغرب. وحين
انفجر الربيع على أرض سورية وقعت في فخ
مكلف. لا تستطيع الاستقالة من حلفها
العميق والوثيق مع النظام السوري. لا
الحياد وارد ولا الابتعاد ممكن. سورية
ليست مجرد ممر للاتصال بـ «حزب الله»
في لبنان. إنها أكثر من ذلك بكثير.
العلاقة مع سورية هي أهم نجاح لثورة
الخميني منذ انطلاقها. الحضور في دمشق
يعني الحضور في بيروت وجنوب لبنان
وكذلك في النزاع العربي - الإسرائيلي
والملف الفلسطيني. الحضور في دمشق يمنع
قيام أي طوق عربي جدي لوقف التدفق
الإيراني في الإقليم. لا تستطيع إيران
التسليم بخسارة سورية. خسارة سورية
تشكل ضربة قاسية لهالة «حزب الله»
وترسانته وأوراقه وثقله في الإقليم
وقدرته على الهجوم والدفاع معاً. خسارة
سورية تعني خسارة إيران امتدادها
الفلسطيني خصوصاً بعد رحيل خالد مشعل
من دمشق. خسارة سورية تقوي بالضرورة
دعاة تصحيح التوازنات في العراق. وبهذا
المعنى فإن خسارة سورية تنذر بإضاعة
الميداليات التي حصدتها إيران في
العقد السابق. تفكيك هلال الممانعة
يضرب الدور الإيراني ويضعف في الوقت
نفسه موقع طهران في المفاوضات النووية. لا تستطيع إيران تقبل
خسارة سورية. لكنها لا تستطيع أيضاً
إنقاذ النظام السوري. لقد أصيب هذا
النظام بأضرار جسيمة وأعطاب أساسية. لا
شك أن الحزب أصيب إصابات قاتلة. صورة
الجيش تلقت هي الأخرى ضربات مفزعة.
يمكن الحديث أيضاً عن أضرار جسيمة لحقت
بصورة صاحب القرار. لقد استدرجت الأزمة
السورية إيران إلى اصطدام علني ومروع
مع الأكثرية في سورية والمنطقة ولهذا
الاصطدام رنة مذهبية أظهرها تكرار
حوادث خطف الإيرانيين في سورية. العزلة
التي أصابت النظام السوري أصابت إيران
أيضاً على رغم استمرار الممانعة
الروسية. تتقلب إيران على
النار السورية. لا تستطيع الاستقالة أو
الابتعاد. ولا تستطيع في الوقت نفسه
قلب مسار الأحداث. توجعها التطورات
السورية وتوجعها العقوبات. منذ بدايات
حربها مع العراق لم تواجه مثل هذه
الظروف الصعبة. الهروب من الأزمة
السورية بافتعال حرب في جنوب لبنان أو
أزمة كبرى في الخليج يبدو محفوفاً
بالأخطار. إرسال المتطوعين إلى سورية
يعني إضرام الحرب المذهبية الإقليمية.
المراهنة على الاحتفاظ بجزء من سورية
يعني فتح باب التلاعب بالخرائط أي فتح
أبواب الجحيم ويحتاج إلى موافقة
فلاديمير بوتين الذي يحاول توظيف الدم
السوري لترميم موقع بلاده. تتقلب إيران على
النار السورية. تدشن أجيالاً جديدة من
الصواريخ كملاكم قلق يذكر العالم
بعضلاته. انقضى زمن اصطياد الميداليات
الذهبية. جاء زمن الخسائر. ================= طارق الحميد الشرق الاوسط 6-8-2012 فور إعلان المبعوث
العربي والأممي لسوريا السيد كوفي
أنان استقالته انطلق البحث عن بديل له
ليقوم بمهمة التعامل مع الأزمة
السورية، وذلك لإتمام نقاط أنان الست
التي أوصى باستمرارها حتى بعد فشله،
فهل يمكن إيجاد وسيط دولي بديل لأنان
لتولي ملف الأزمة السورية؟ أشك في ذلك، فمن
الصعب أن يقبل دبلوماسي محنك، وصاحب
اسم بارز، القيام بمهمة محكوم عليها
بالفشل بسبب تعنت النظام الأسدي الذي
أفشل مهمة أنان، كما أنه من الصعب أن
يقبل دبلوماسي محنك أيضا أن يكون غطاء
للروس والإيرانيين، وللأسد بالطبع،
وتصبح مهمته، أي المبعوث الجديد، هي
إعطاء الفرص للأسد من أجل القيام بمزيد
من القتل بحق السوريين العزل..
فإشكالية أنان، وأزمته، أنه قبل
بالقيام بدور «المحلل»، أو مانح
الفرص، لكل من موسكو وطهران، التي أصر
على إشراكها في الشأن السوري مثله مثل
الروس، كما أن أنان منح الأسد كل الفرص
التي أرادها، ففي بداية مهمة السيد
أنان كتبت هنا أن مهمته فاشلة، ليس
بسببه هو بل بسبب الأسد، وأن على السيد
أنان إعلان فشل مبادرته، وليس فشله،
وكُثر وقتها قالوا إن هذا رأي متسرع،
ثم ما لبث الجميع أن ردد ذلك، مطالبين
أنان بإعلان فشل مهمته لكنه تباطأ
كثيرا للأسف، ولذا كتبنا هنا مجددا أن
مهمة أنان فاشلة مثله تماما. تباطؤ أنان تسبب في
كثير من الدماء السورية، وحال دون
اتخاذ المجتمع الدولي لخطوات عملية
لإيقاف آلة القتل الأسدية، وبرر للروس
والصينيين استخدام «الفيتو» بمجلس
الأمن، بالقول إنه لا بد من إعطاء مهمة
أنان الفرصة الكاملة للنجاح، وتلك
الفرصة تعني مزيدا من القتل بسوريا،
خصوصا عندما قال أنان بعد مؤتمر جنيف
إن مقترحاته لحل الأزمة السورية قد
تتطلب عاما من الجهد الدبلوماسي، وهذا
هراء، لأن ذلك يعني منح الأسد فرصة
أكبر لقتل السوريين. اليوم، وبناء على ما
يحدث على الأرض بسوريا، وأكاذيب
النظام الأسدي الممنهجة، سياسيا،
واقتصاديا، وإعلاميا، وطائفيا،
وأمنيا، وفي كل شيء، فإنه لا مجال لمنح
فرصة أخرى للأسد، ولا يمكن مواصلة
السير وفق خطة أنان. ولذا فقد كان محقا
رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم
وهو يقول إن مهمة أنان قد انتهت، بل هي
ميتة الآن، ولم تعد صالحة. ومن هنا فمن
الصعب إيجاد بديل للسيد كوفي أنان في
سوريا، فلا أتخيل أن دبلوماسيا يحترم
تاريخه، ويكترث بدماء الأبرياء، وبما
سيقوله عنه التاريخ لاحقا، يقبل بمهمة
على غرار مهمة أنان، وهو، أي ذاك
الدبلوماسي البديل، يعي ويعلم أنه
سيكون بمثابة مانح الفرص للنظام
الإجرامي بسوريا، ولعبة بيد روسيا
وإيران. الأحداث في سوريا
اليوم تقول إن لعبة الفرص قد انتهت،
وكما قلنا ونقول دائما، فإن تكلفة رحيل
الأسد الساقط لا محالة ستكون كبيرة
كلما طال الوقت. وعليه، فإنه من غير
المجدي الآن البحث عن بديل لأنان، بل
يجب البحث في كيفية تدعيم الثوار
لإنهاء حقبة أحد أسوأ الأنظمة
بمنطقتنا، وهو نظام الأسد الإجرامي،
وهذا هو الأنجع بكل تأكيد. ================= عبد
الرحمن الراشد الشرق
الاوسط 6-8-2012 منذ بداية الأزمة
السورية، لعب الجانب الدعائي دورا
مهما للجانبين، لكنه كان أكثر أهمية
وفعالية ونجاحا لنظام بشار الأسد.
وأزعم أن «البروباغاندا»، رغم فشلها
في إيقاف انتفاضة الإنسان السوري،
فإنها مدت في عمر النظام زمنا إضافيا
طويلا أكثر مما حققته قواته وشبيحته
على الأرض. ومن آخر الأكاذيب ما
بث عبر وكالة «رويترز» قبل أيام من
حديث منسوب لقائد الجيش الحر رياض
الأسعد. الحديث كله ملفق يقول فيه
بمقتل ألف من أفراد قواته وهزائمه. ولم
تكن تلك الكذبة الأولى؛ حيث يوجد جيش
من العاملين للنظام ينتجون الأكاذيب..
لا يكتفون بالتعليق والرد وترويج
مواقف النظام في الإعلام، بل يقومون
أيضا بتزييف الصور والأخبار وبلغات
متعددة برسائل مختلفة. فالدعاية
الموجهة للغرب تركز على أن الثوار
إرهابيو «قاعدة» وحفنة من المتطرفين
الإسلاميين. والدعاية الموجهة للعرب
تقول لهم إن ما يحدث ضد نظام الأسد ليس
إلا مؤامرة أميركية - فرنسية. والرسائل
الموجهة للسوريين أيضا مختلفة؛
للمسيحيين يقال إنهم مستهدفون من
إسلاميين، وللسوريين الموالين للثورة
يقال لهم إنها مؤامرة على العرب
والإسلام وإن إسرائيل خلفها، ويزعم
العثور على أسلحة إسرائيلية مع الثوار.
وهناك نشاط دعائي موجه للثوار أنفسهم
لضرب بعضهم ببعض، أو تقديم معلومات
مضللة؛ ففي معركة الحفة، وهي بلدة
قريبة من اللاذقية استولى عليها
الثوار، وجهت لهم رسائل عبر الإعلام
مزعومة على لسان الجيش الحر بالانسحاب
تكتيكيا، وبالفعل انسحب المقاتلون
منها معتقدين أنها أوامر قيادتهم، كما
ذكره مسؤول في الجيش الحر لـ«الشرق
الأوسط». لهذا، لا أستغرب
عندما أسمع سياسيين أو إعلاميين في
الغرب يتبنون وجهة النظر الرسمية
للنظام السوري بناء على الكم الهائل من
الأكاذيب التي تصل إليهم، والأكثر
غرابة أن الإعلام الروسي الموجه
للخارج، يقوم بتدوير المواد الدعائية
التي ينتجها إعلام نظام الأسد، ويزيد
عليها باجتهاد لا مثيل له. إنما أستغرب عندما
أسمع من يردد دعاية النظام السوري من
باحثين ومدونين بيننا، رغم سهولة
امتحان الحقيقة بالنسبة لهم. وعندما
كتب الأستاذ سلطان القاسمي مدعيا
انحيازنا وتزويرنا الفيديوهات
والأخبار لجانب الثوار ضد النظام،
ظننت أنها من إنتاج دعاية نظام الأسد.
لم يرتكب أخطاء فادحة فحسب؛ بل أثبت أن
النظام السوري ناجح في تضليل العرب
المتعلمين والمتابعين. ما كتبه لا يقبل
أن يقال حتى قبل عام عندما كانت
الانتفاضة في بدايتها، فالحقائق في
المسألة السورية واضحة لنا في المنطقة
بغض النظر عن ميولنا وانتماءاتنا. ما يفعله النظام
السوري أكبر من الحقيقة البشعة التي
تعرض بكثير، وبدرجة يعجز المرء أحيانا
عن تصديقها، رغم وجود كم ضخم من الصور
والفيديوهات التي تنشر يوميا من مناطق
المعارك المنكوبة. من حقائق الحدث
السوري التي لا يصدقها كثيرون اشتراك
إيرانيين وروس إلى جانب قوات النظام في
المعارك منذ أكثر من عام، ونحن نعلم
عنها مبكرا، لكن القليل من الأدلة
يمكننا تقديمه. وحتى عند تقديمها، فإن
إعلام النظام نشط في التشكيك فيها
وتحويلها من قضية مرتزقة قتلة إلى قضية
أناس مظلومين.. كما عالج قصة الحافلة
التي خطفها الثوار قبل أيام.. فيها
مقاتلون من الحرس الثوري.. فالنظام
سارع للادعاء أنهم حجاج، ونحن ندري أن
لا أحد يذهب الآن إلى سوريا للسياحة أو
زيارة الأماكن الدينية، وجميع الذين
ظهروا في الفيديو رجال في أعمار
المقاتلين ولا يوجد بينهم نساء أو
أطفال. طبعا سهل على البعض
التنظير والنقد عن بعد، واختصار كل ما
يحدث في أنها مسألة سياسية بحتة،
وتقسيم الجميع وفق محاور وقوالب محددة.
في حين أن ما يحدث في سوريا أمر واضح
للعيان، تؤيده كميات هائلة من الأدلة
من الصدقية بحيث لا يمكن التشكيك فيها،
وقد مر سبعة عشر شهرا على الحرب كافية
لفحص الحقائق. إن تبسيط الأمور
للقارئ البعيد، بتسطيح ما يجري على
أنها نشاطات إعلامية ضمن عداوات
سياسية، ومن تدبير أنظمة، لن يلغي
الحقائق الكبيرة الماثلة لأهل البلد
أنفسهم أولا، وهو الأهم. ولولا أن النظام
السوري سيئ وشرير جدا ما استمر الناس
يخاطرون بحياتهم بأنفسهم كل هذا الزمن..
يتظاهرون وهم عزل ويقاتلون دفاعا عن
أهاليهم وأحيائهم. هذه ليست أكاذيب ولا
أهواء ولا معسكرات سياسية. وفي المقابل، لولا أن
قوات الأسد غير مؤمنة بقضيتها، وتقاتل
مرغمة، لكسبت منذ زمن بعيد، فالنظام
يملك ترسانة هائلة من الأسلحة، وأكثر
من نصف مليون جندي وأمني منخرط في
القتال، ومدد لم ينقطع من جانب حلفائه،
وهو الآن محاصر في عاصمته. ================= المملكة
وحل الأزمة السورية تحت مظلة العمل
الإسلامي عبد العزيز بن
عثمان بن صقر الشرق الاوسط 6-8-2012 جاءت مبادرة خادم
الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن
عبد العزيز، لعقد اجتماع طارئ لقادة
دول منظمة التعاون الإسلامي الـ57 في
مكة المكرمة خلال العشر الأواخر من شهر
رمضان الكريم الجاري لتدارس تطورات
الأزمة في سوريا، والبحث عن آلية جديدة
أكثر نجاحا لوقف حمام الدم في سوريا
الشقيقة، والمبادرة بعقد هذا الاجتماع
الطارئ تعكس القلق العميق الذي تشعر به
القيادة السعودية تجاه تطورات الموقف
في سوريا، وتريد أن تعجل بحل مقبول
وعملي لإنهاء هذه المأساة الإنسانية
التي طال أمدها وكثر ضحاياها. حزن خادم الحرمين
الشريفين على ما يجري في سوريا الشقيقة
من القتل اليومي، له مبررات ودوافع
أهمها أن للشعب السوري مكانة خاصة في
قلب وتفكير خادم الحرمين الشريفين،
وخوفا من تبعات هذه المأساة على هذا
الشعب، وأمنه، واستقراره، ناهيك عن
كثرة الضحايا الأبرياء في ظل استرخاء
دولي غير مسبوق؛ لذلك بذلت المملكة
جهودا حثيثة منذ أن بدأت الأزمة في
سوريا فقد حاولت، وبنية صادقة،
المساعدة في إيجاد مخرج للأزمة تجنبا
لإراقة المزيد من الدماء، والحيلولة
دون دخول الشعب السوري في دوامة
الاقتتال الداخلي، وفتح الباب لتدخل
قوى خارجية في الشأن السوري. وجاءت تحركات
المملكة دون مواقف مسبقة ضد أي طرف، بل
كانت من أجل الحفاظ على وحدة الشعب
السوري وسلامته، وسيادته، فحين بدأت
المواجهات الأولية في درعا، أدركت
القيادة السعودية أن هذه المواجهات
رغم بساطتها وعزلتها عن باقي أرجاء
البلاد، فإنها قد تشكل الشرارة الأولى
لانفجار كبير نظرا لطبيعة الوضع
المتوتر في سوريا. لقد دعت القيادة
السعودية من بداية الأزمة إلى وجوب
التصرف بسرعة وبحكمة للتعامل مع
المطالب البسيطة التي طرحها المحتجون،
وكان في حينها أقصى ما يمكن أن تقوم به
القيادة السعودية هو تقديم النصيحة
للقيادة السورية بأن تلتزم بالحكمة في
التعامل مع الأحداث، وجاء ذلك ليس
تعاطفا مع النظام بل خوفا من المحنة
التي قد يواجهها الشعب السوري. لذا فإن الآلية
الأولى التي تبنتها القيادة السعودية
كانت وسيلة الاتصال المباشر، وفي هذا
المجال لم تترك قيادة المملكة بابا إلا
وطرقته، فقد تم إرسال مسؤولين سعوديين
إلى دمشق بصفة رسمية وغير رسمية للحديث
مع القيادات السورية، وانتهى المطاف
بسلسلة من الاتصالات التليفونية التي
أجراها خادم الحرمين الشريفين للحديث
مع الرئيس السوري بشار الأسد لتقديم
النصيحة بضرورة التحرك السريع للتعامل
مع الاحتجاجات الشعبية بوسائل مجدية،
مع تبني إصلاح يرضي طموحات الشعب
السوري، مع تجنب الاستهانة بخطورة
الموقف. كانت جميع ردود فعل
القيادة السورية سلبية، وتمثلت إما
باتهام الأطراف الناصحة بكونها لا
تفهم حقيقية الوضع في سوريا، أو تتهمها
بالجهل بطبيعة المجتمع السوري وعلاقته
مع النظام، وغيرها من المواقف التي تنم
على الاستهتار بالنصائح وبمصادرها، ثم
ركزت القيادة السورية على الوعود
بتبني سياسة إصلاحية عاجلة وشاملة،
ولكن سرعان ما نقضت هذه الوعود وتملصت
من جميع الالتزامات، لذا فإن آلية
الاتصال المباشر والتي علقت عليها
القيادة السعودية بعض الآمال قد
اغتيلت على أيدي النظام السوري. حاولت القيادة
السعودية الاستعانة بدعم الأشقاء في
مجلس التعاون الخليجي، وتم تداول
تطورات الوضع في سوريا ضمن مجلس
التعاون وبدعم كبير من الأشقاء
الخليجيين، وحاولت قيادات خليجية
التواصل مع القيادة السورية للضغط على
النظام السوري من أجل التعامل البناء
مع الأزمة، وقد واجهت الجهود الخليجية
سيلا من الاتهامات، وبموقف سوري متشدد
يرفض التعاون، لذا فإن حظوظ نجاح
الآلية الخليجية كانت معدومة. بعد إدراك محدودية
جدوى الآلية الخليجية في التعامل مع
الأزمة السورية، وهي الآلية التي
أثبتت فعاليتها في إيجاد تسوية
دبلوماسية للأزمة اليمنية، استعانت
قيادة المملكة بالآلية العربية، ورغم
وسم جامعة الدول العربية بالعجز
التقليدي في التعامل مع الأزمات
العربية، فقد لعبت الجامعة دورا
محوريا في التعامل مع التطورات في
سوريا، وبرزت أهمية الدور السعودي
القيادي في توجيه الآلية العربية، وفي
تهيئة الأجواء الصحيحة لإصدار قرارات
فعالة تعد نادرة في تاريخ الجامعة،
ورغم فاعلية هذا الدور، فإن رفض النظام
السوري التعاون مع القرارات التي تم
تبنيها، قاد إلى ضعف الدور العربي في
إنهاء الأزمة. وإدراكا لحقيقة أن
الجامعة العربية لا تمتلك القدرات
الكافية للتعامل الفعال مع الأزمة
السورية، فإن القيادة السعودية لم
تهمل خيار المجتمع الدولي حيث استثمرت
جهودا واسعة في تفعيل خيار الآلية
الدولية وبتوجيه من خادم الحرمين
الشريفين بذلت الدبلوماسية السعودية
جهودا جبارة لضمان موقف حازم تجاه
سلوكيات النظام السوري، ورغم الشلل
الذي واجهه مجلس الأمن نتيجة لتكرار
الفيتو المزدوج الروسي – الصيني فإن
جهود الدبلوماسية السعودية لم تتوقف
لتغير المواقف المعارضة في مجلس
الأمن، وقادت مؤخرا الجهود التي أثمرت
في إصدار قرار من الجمعية العامة للأمم
المتحدة يتبنى مبادرة جامعة الدول
العربية في التعامل مع الأزمة السورية. أخيرا جاءت دعوة خادم
الحرمين الشريفين لتفعيل آلية التضامن
الإسلامي خطوة إضافية جادة، هدفها
الضغط على النظام السوري لإيقاف نزيف
الدم، وإيجاد الحلول المقبولة التي
تتفق مع الأوضاع على الأرض تحت مظلة
إسلامية، فقيادة المملكة لا تقبل منطق
النظام السوري القائل أن ذبح الشعب
السوري هو «شأن داخلي»، أو وصف محاولة
العرب إيقاف نزيف الدم بأنها «عمليات
تآمر مع الصهيونية والقوى الإمبريالية».
النظام السوري ما زال يفكر بعقلية
بالية ويعيش خارج الزمن، والمملكة
وقيادتها لن تتخلى عن واجبها الشرعي
ومسؤولياتها الأخلاقية والقانونية في
إنقاذ الشعب السوري من الممارسات
الإجرامية للنظام، والعمل على إيجاد
حل مقبول تحت مظلة منظمة التعاون
الإسلامي وفي أقدس بقاع الأرض وفي
العشر الأواخر من شهر رمضان الكريم. *رئيس مركز الخليج
للأبحاث ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |