ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 11/08/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

ثلاثة أفارقة في الأزمة السورية

الوطن السعودية

10-8-2012

هل هي صفة نادرة، أم كانت بترتيب مسبق؟ وما أقصده أن يكون أقطاب الدبلوماسية العربية والعالمية التي تولت ملف سورية الأممي من أصول أفريقية. اقرؤوا بالصدفة أيضا تواتر الأسماء من السوداني الفريق محمد الدابي، إلى كوفي عنان من غانا، وأخير رئيس المراقبين الدوليين: جنرال من السنغال، كانت زلة لسانه الشهيرة حين قال: قد أحتاج إلى بعض الوقت لأتعرف على الخريطة السورية.

يجمع بين هؤلاء الدبلوماسيين الثلاثة أكثر من القول إنهم من جذر أفريقي مشترك؛ صفة الهدوء القاتل في مهمة دبلوماسية ذات ضجيج مرتفع. وحين كان محمد الدابي يجول في شوارع حمص، كان يسمع صوت المدرعات السورية، تقصف الأحياء في أطراف المدينة، فيخرج الدابي يطلب من "كافة أطراف النزاع" الهدوء وضبط النفس. كان أول دبلوماسي يتحدث عن مصطلح "أطراف النزاع" في الموضوع السوري، ومن بعده أصبح المصطلح لزمة إعلامية عالمية يتساوى فيها القاتل والضحية.

فشل الدابي فشلا ذريعا ولم تستمر مهمته لأكثر من أربعين يوما، وعندما تلا تقريره في مجلس الجامعة العربية كان أعضاء بعثة المراقبين من بلدان عربية عدة يكتبون تقاريرهم الخاصة التي لا تتفق في شيء مع تقرير الدابي. لم نعرف أن الفريق محمد الدابي كان مطلوبا ذات يوم بتهمة جرائم حرب في دارفور، إلا بعد أن أنهى مهمة الرقابة على الجيش السوري، وهو يقصف بابا عمرو. ومن بعده جاء كوفي عنان في مهمة مختلفة، وأغرب مافي مهمة كوفي عنان، ليس أكثر من نقاطه الست التي كتبها بلغةٍ مائيّة، تستطيع معها أن تقرأ كل فقرة على وجهين متناقضين. كانت القصة مع فقرات كوفي عنان الست هي في تفسيرها اللغوي والقانوني، لافي تطبيقها الميداني: كان بشار الأسد يقرأ كل يوم فقرة من فقرات كوفي عنان، ثم يعلن التمسك بها بالحرف، ونحن لا نعلم طبيعة الحرف الذي قرأه، ولا ماهية تفسيره اللغوي لهذه الحروف. المهم أنه استقال بعد أن أغرق العالم في دهاليز "مشروعه اللغوي"، وخطته التي استعصت على الفهم.

نحن اليوم أمام جنرال سنغالي، بوصفه رئيسا ثالثا للمراقبين الأممين، فماذا سيفعل هذا الأفريقي الجديد، وأي لغة سيتحدث؟

علي سعد الموسى      

=================

سورية وكابوس التقسيم المتجدد

2012-08-10 12:00 AM

الوطن السعودية

لم تكن تصريحات الملك الأردني من احتمال لجوء الرئيس السوري بشار الأسد إلى إقامة دولة علوية على طول الساحل السوري، في حال فشله في استعادة السيطرة على العاصمة دمشق والمدينة الثانية حلب، هي المرة الأولى التي يتم الحديث فيها عن احتمالات تقسيم سورية إلى دويلات متعددة على أسس طائفية وقومية. فقد طرحت هذه الخطة في الأساس في عهد الاستعمار الفرنسي لسورية، حيث طرح مشروع تقسيم سورية إلى عدة دويلات من بينها الدولة العلوية والدولة الدرزية.

وقد أعيد طرح هذه الفكرة بشكل مخاوف محتملة من قبل عدة جهات موالية ومعارضة للنظام السوري، وكان كل طرف يتهم الطرف الآخر بأنه يسعى لدفع البلد إلى أتون حرب أهلية دموية طاحنة تهدف في النهاية إلى إقامة دويلات متعددة. وتستند هذه الاحتمالات إلى تطورات الصراع في سورية، حيث تخشى الأقليات المتعددة في سورية، وعلى رأسها الأقلية العلوية، أن يؤدي انتصار الثورة إلى فقدانها حقوق المواطنة واضطهادها لدرجة قد تصل إلى ارتكاب مجازر انتقاما لمواقف بعض هذه الأقليات الموالية للنظام السوري. وإذا كان احتمال لجوء الطائفة العلوية إلى محاولة إقامة دويلة ساحلية تشمل مدينتي اللاذقية وطرطوس ومناطق كبيرة تضم القرى العلوية في بعض المحافظات الأخرى هو الاحتمال الأكثر واقعية، إلا أن الأقليات الأخرى، وخاصة الأقلية الكردية، ستستغل الفرصة بالتأكيد لتحقيق حلم يراود أبناءها منذ عقود طويلة.

سورية تحوي فسيفساء متنوعة من الأقليات العرقية والدينية، وقد قسمها الانتداب الفرنسي بعد نهاية الحرب العالمية الأولى إلى ست دول مستقلة، تبلورت واحدة منها فقط بشكل دولة لبنان فيما بعد، وكان للدروز والعلويين أيضا مناطقهم الجغرافية المستقلة.

خطر تقسيم سورية لا يشكل كابوسا لسورية فقط، لكنه سيشكل مشكلة إقليمية حقيقية لعدة دول في المنطقة في حال تحقيقه، خاصة احتمال إقامة دولة كردية. فالأكراد يتوزعون على أراضي تركيا وإيران وسورية والعراق، وقد استطاعوا في شمال العراق أن يحققوا "نواة" قوية لم تتحول إلى دولة ذات سيادة بعد، لكن إقامة دولة كردية في حال تقسيم سورية سيعطي الحلم الكردي جرعة أمل قوية بالتأكيد.

لهذا فإن على المعارضة السورية أن تعي هذه المخاوف الحقيقية في الشارع السوري وتعمل على إحباطها ومنع تحقيقها، وأن تبعث رسائل تطمين للأقليات السورية على اختلاف أطيافها حتى تخفف من حدة الاحتقان واحتمالات تحول الكابوس إلى حقيقة.

=================

راي الراية ... كارثة النزوح في سوريا

الراية

10-8-2012

إن التحذير الذي أطلقه أمس خبير دولي من أن عدم احترام النظام السوري لحقوق الإنسان والقانون الدولي قد تسبّب في أزمة نزوح سكّانية داخل وخارج سوريا بحيث وصل عدد النازحين والفارّين إلى 5ر1 مليون شخص يدقّ ناقوس الخطر ويُؤكّد فشل المجتمع الدولي في مواجهة الأزمة السورية ولذلك فإن هذا التحذير رسالة واضحة للجميع عربًا ومجتمعًا دوليًّا وإيذانًا بالتحرّك السريع لإنقاذ الشعب السوري وحمايته من الإبادة والتشرّد داخليًّا وخارجيًّا.

فليس من المعقول أن تظلّ الأوضاع في سوريا تتدهور إلى الأسوأ كل يوم بل كل ساعة والجميع يتفرّج وعاجز عن مواجهة الحقيقة رغم إدراكهم أن النظام هو المتسبّب في هذه الأزمة لرفضه جميع الحلول السلمية ومن بينها خطة عنان الذي اعترف بفشله واستقال من منصب المبعوث العربي والدولي إلى سوريا، ومن المؤكّد أن الصمت الدولي والتخاذل في اتخاذ إجراء ناجع وصارم ضدّ النظام هو الذي قاد إلى هذه الكارثة التي كان ضحيّتها أكثر من 5ر1 مليون ومئات الآلاف من القتلى والمعوّقين.

إن دعم الشعب السوري في مواجهة هذا النظام واجب شرعي وإن المطلوب أن يتحوّل الدعم المعنوي والتأييد الشعبي العربي والإسلامي والدولي إلى واقع مادي على الأرض لجميع الصامدين من الثوّار في جميع المحافظات السورية خاصة محافظة حلب التى يُواجه سكّانها الإبادة والمجازر، كما أن المطلوب عربيًّا ودوليًّا تشجيع الانشقاقات والانقسامات داخل النظام الذى بدأ يترنّح وانكشفت سوأته بانشقاق رئيس الوزراء السابق رياض حجاب وعدد من العسكريين والسياسيين يومًا بعد يوم.

المجتمع الدولي يُدرك أن النظام لن يتراجع عن مواقفه وأنه يُحاول اتخاذ الشعب السوري رهينة لديه من خلال منع الإغاثة عنه ومن خلال إجباره على النزوح داخليًّا، ولذلك فليس هناك بديل لمواجهة هذا التصرّف إلا التدخّل دوليًّا لفرض مناطق آمنة وفرض حظر الطيران العسكري الحكومي من أجل حماية هؤلاء النازحين وتقديم الإغاثة لهم بتحرّك دولي سريع لمواجهة استخفاف النظام بالتزاماته المحليّة والدوليّة واستباحته دم شعبه.

إن الشكوك حول جدوى اختيار خليفة كوفي عنان تُؤكّد أهمية تغيير التفويض الممنوح للمبعوث الدولي والعربي الجديد الذي يجب أن ينحصر فقط في البحث عن ذهاب النظام الذي ظلّ يُماطل ويرفض تنفيذ التزاماته المحلية والعربية والدولية فالمجتمع الدولي يجب أن يكون جادًّا في مواجهة النظام وأن موقف العرب واضح في هذه المسألة ولن يقبلوا بمندوب دولي يُطيل عمر النظام وبالتالي أمد الأزمة الإنسانية في سوريا لقد وضح للجميع أن النظام السوري لم يكن جادًّا في يوم من الأيام بل إنه كان ولا يزال المعوّق الأساسي لأيّ حلٍّ سلميٍّ وإن مواقفه قد قادت إلى هذه الكارثة التي حلّت بسوريا والعالم العربي.

=================

محللون يفتخرون بإجرام نظام الأسد!

عن أي ممانعة يتحدّث هذا الكاذب؟! عن مجازر درعا، وحمص، وحماة، وحلب، أم عن الوحشية في قتل الأطفال، واغتصاب النساء، وإهلاك الحرث والنسل!

د. صالح الورثان

الجمعة 10/08/2012

المدينة

لم يترك فيصل عبدالساتر، وشريف شحادة، وأمثالهما قناة إلاَّ وظهرا فيها للدفاع باستماتة عن نظام بشار الأسد القاتل، قاصف المدن، ومدمّر الصف العربي، ومرتكب أقذر حرب إبادة يمكن أن يعرفها تأريخنا البشري؛ ويتفانى عبدالساتر الذي يتهجّم على السعودية بمناسبة وبدونه، في دعم نظام إجرامي قائلاً: إنه يفتخر بالدفاع عن نظام ممانعة!

عن أي ممانعة يتحدّث هذا الكاذب؟! عن مجازر درعا، وحمص، وحماة، وحلب، أم عن الوحشية في قتل الأطفال، واغتصاب النساء، وإهلاك الحرث والنسل!

صدق عبدالساتر، إنه يدافع عن نظام "ممانعة" يحمي إسرائيل، ومصالح الروس والإيرانيين في أرض العرب والمسلمين، سوريا الحرة، وبلاد الشام العصية التي كانت مقبرة الغزاة والمحتلين عبر تأريخها، بقيادة فرسان العرب والمسلمين، أمّا نظام الأسد فهو مجرد ألعوبة في يد روسيا من جهة، وفي يد الاستخبارات الإسرائيلية من جهة أخرى. وصدق مَن يطبّل وتحمر وجنتاه دفاعًا عن نظام "مهادنة" مع اليهود، وعصابات الإجرام حول العالم، وممانعة ضد قضايا العرب والمسلمين!

يا لنظام بشار من بطل، وهو يدك مخيم الفلسطينيين في دمشق بالدبابات، ويقتلهم شر قتلة وقت إفطار الصائمين! هذا هو المدافع عن قضية فلسطين يا أنصار حسن نصر الله الذي يتحسّر على حال المسلمين، وهو أول مَن يذبحهم بسيف غدره ومكره!

ليت تلك العصابات المسلحة بقيادة الأسد، وحزب الله تدرك أن العالم لا يصدّق أكاذيبهم، وجبنهم المفضوحين؛ وكم كنت أتمنى أن أرى نظام الأسد شجاعًا ليقول: إنه يقاتل شعبه من أجل البقاء في السلطة، على الأقل لاحترمنا شيئًا من شجاعته؛ لكنه يقتل ويكذب، وذلك ديدن الجبناء على مر التاريخ!

الشكر لزهير ومركز الإبداع

يهتم الأستاذ الفاضل زهير سالم مدير مركز "الشرق الأوسط للدراسات الحضارية والإستراتيجية" في لندن بمقالات الكتّاب، والباحثين، والنقاد العرب من كل حدب وصوب، وذلك يؤكد على تواصل رائع للمركز مع المثقفين، والأكاديميين، ورجال الفكر والصحافة في كافة الدول العربية، كما يتوّج جهودهم البحثية والصحافية بالاهتمام بأطروحاتهم، ووضعها في موقع المركز لتصل إلى كافة الباحثين والمهتمين بالشؤون السياسية والثقافية. روعة المركز هي من ألق مديره الأستاذ زهير، ومن حصافة قيادييه، والمشرفين عليه، ولي كبير الشرف بنقل مقالاتي من موقع صحيفة المدينة التي أتشرف بالكتابة فيها إلى موقع ذلك المركز الذي يُعدُّ منبرًا للآراء الحرّة والجريئة، بغض النظر عن الجنسيات، والانتماءات.. فشكرًا للإبداع، وأهله، ومناصريه.

=================

فرصة لدرء حمام دم سوري

المصدر: صحيفة "إندبندنت" البريطانية

التاريخ: 10 أغسطس 2012

البيان

لا تزال التفاصيل الدقيقة المتعلقة برحيل رئيس مجلس الوزراء السوري رياض حجاب ملتبسة، وهي ربما ستظل كذلك. غير أن الإشارة التي يرسلها رحيله، الذي وصفه الناطق باسمه بالانشقاق، ووصفته وسائل الإعلام السورية الرسمية بالعزل، واضحة وضوح الشمس، وهي أن قوة الرئيس السوري بشار الأسد تتداعى من الداخل.

وتم تعيين حجاب قبل شهرين فقط، في إطار ما اعتبر محاولة متأخرة من جانب الرئيس الأسد لتوسيع نطاق قدرة حكومته على الاستقطاب. ولا حاجة لقراءة أية أحرف خفية، لاستنتاج أن فترة التنازلات الخجولة هذه وصلت إلى نهايتها. ففي الشهر الماضي أو نحوه، تسارع معدل الانشقاقات. وفقد الأسد دبلوماسيين كبارا كثيرين، وأحد كبار القادة العسكريين، والعشرات من ضباط الجيش، بمن في ذلك ما يصل إلى 30 لواء قيل إنهم عبروا الحدود إلى تركيا.

والعنف الذي اقتصر، حتى وقت قريب، وبصورة رئيسية، على مناطق السخط التقليدية، يتزايد دنوه من قلب دمشق. وقبل أسابيع، قتل ثلاثة من كبار أعضاء جهاز الأمن السوري، بمن فيهم وزير الدفاع وصهر الرئيس، في انفجار لم يتم تفسيره حتى الآن بشكل كامل. ومؤخرا، أشارت تقارير إلى انفجار قنبلة في مبنى الإذاعة والتلفزيون السوري، ولا يدل ذلك على هيكل سلطوي يمكن أن يتمتع بالمصداقية على المدى الطويل.

وإذا كان الوقت المتبقي للأسد وزمرته الحاكمة آخذا في النفاد، فلا بد من أن هناك خوفا عميقا بشأن ما سيحدث بعد ذلك. وحتى الآن، لا تزال قوات المعارضة صامدة في حلب، كبرى مدن سوريا، ولكن القوات الحكومية تشن غارات ليلية.

وقد فر عشرات الألوف من المدنيين، وأولئك الذين لم يفروا يهيئون أنفسهم لهجوم حكومي منسق. ومع استقالة كوفي عنان مؤخرا من مهمته باعتباره مبعوثا خاصا للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، وتعهد الولايات المتحدة بمساعدة الثوار، تلاشت آخر بقايا جهود السلام، واحتمال أن تشهد سوريا حربا شاملة يقترب يوما بعد يوم.

وينبغي لهذا وحده أن يلفت الانتباه إلى العواقب الوخيمة لصراع من هذا القبيل، ولميل الدول المجاورة إلى الاصطياد في الماء العكر. وفي حين أن عنان تخلى عن مهمته، بعد أن لمس استعدادا غير كاف من كلا الجانبين للالتزام بوقف إطلاق النار الذي توصل إليه بشق الأنفس، فإن هذا لا يعفي المجتمع الدولي الأوسع نطاقا، الذي يضم مجلس الأمن الدولي والدول المجاورة لسوريا، من واجب القيام بمحاولة أخيرة لدرء حمام الدم الذي يبدو محتما على نحو متزايد.

وكما يشير أحدث اللقطات المأخوذة لعمليات القتل المرتكبة من قبل الجيش السوري الحر، فإن الصراع يغدو أكثر تعقيدا بكثير من مجرد انتفاضة بطولية ضد نظام حاقد ومحكوم عليه بالهلاك. ولا يقلص هذا بأي حال، مسؤولية الرئيس الأسد، على الأقل لاستخدامه العنف ضد شعبه في محاولة يائسة للبقاء في السلطة، ولكنه يعني أن أي إطار لسيناريو ما بعد الأسد يجب أن يلبي مطالب جميع الأطراف.

وحتى الآن، تمثل الإجماع الوحيد الذي تم التوصل إليه، في إلقاء الجمعية العامة للأمم المتحدة باللائمة على مجلس الأمن الدولي لإخفاقه في وقف العنف في سوريا. واحتمال تحفيز ذلك اللوم لمجلس الأمن على إعادة المحاولة، يمكن أن يكون ضئيلا، ولكن إذا كان الأمل في تحقيق انتقال منظم للسلطة يخبو شيئا فشيئا، فلعل الخوف مما قد يعنيه الفشل، بالنسبة لسوريا وللمنطقة بأسرها، يقنع الدول الخمس الكبرى، بما في ذلك الصين وروسيا، باتخاذ إجراء موحد.

=================

استقال عنان.. لم يبق سوى لي الأذرع

د. محمد عاكف جمال

التاريخ: 10 أغسطس 2012

البيان

أخيرا وكما كان متوقعا منذ البدء بعد تكليفه ممثلا للأمم المتحدة وللجامعة العربية لتولي الملف السوري، قدم كوفي عنان استقالته من مهمته. ففي خطاب وجهه للأمين العام للأمم المتحدة وأمين عام الجامعة العربية، وصف مهمته بأنها مستحيلة التنفيذ بالنسبة له ولغيره.

مشيرا إلى أن الدول الأعضاء الدائمة في مجلس الأمن الدولي هي وراء فشل مهمته. فقد وجد هذا الدبلوماسي المرموق، أن من المستحيل جمع طرفي الصراع في سوريا حول مائدة مفاوضات، فالهوة بينهما أعمق من أن تُجَسر.

هكذا يسدل الستار بعد سنة ونصف من الأحداث الساخنة في الساحة السورية، على أحد المشاهد المثيرة. فاستقالة عنان قد أغلقت الطريق أمام الحلول السياسية والدبلوماسية التي تتبناها بعض الدول، وعلى رأسها روسيا والصين اللتان استخدمتا حقهما في النقض في مجلس الأمن الدولي مرات ثلاث، لمنع المنظمة الدولية من اتخاذ قرار لنزع الشرعية عن النظام القائم.

وتأتي هذه الاستقالة كذلك لتقدم دفعا قويا لصالح المعارضة التي تطالب برحيل النظام السوري، خاصة أن المبعوث الأممي العربي قد أشار إلى أن الحل يكمن في رحيل النظام السوري، وليس في غير ذلك.

وتزامنت استقالة عنان مع قيام الجمعية العامة للأمم المتحدة في الثالث من أغسطس الجاري، بتمرير مشروع قرار عربي يدعو لنقل السلطة في سوريا، بأغلبية كبيرة حيث وقفت مع القرار 133 دولة واعترضت عليه 12 دولة فقط.

ومع أن هذا القرار غير ملزم التنفيذ لأن الجمعية العامة ليست لديها أدوات لتنفيذ قراراتها على عكس مجلس الأمن الدولي، إلا أن له، من جانب آخر، أهمية سياسية وقانونية وأخلاقية وقيمية، إضافة إلى أنه بمثابة استفتاء على مدى استمرار قبول الأسرة الدولية بقاء النظام السوري.

سيكون من الصعب جدا على من سيخلف عنان في مهمته، أن يستمر في اعتماد النقاط الست التي تضمنتها خطته، وذلك لأنها فشلت بسبب عدم تقديرها بشكل واقعي لعمق الهوة بين أطراف الصراع في الداخل، ولم تقدر بشكل سليم حجم وعمق امتدادات ذيولها إقليمياً.

وسيكون عليه من جانب آخر، أن يأخذ في الاعتبار قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة برفض بقاء النظام السوري ضمن الأسرة الدولية، وخلاف ذلك فلا يوجد داعٍ لاستمرار الأمم المتحدة في تولي الملف السوري.

على المستوى الميداني لا أحد يختلف مع الاستنتاج الذي يذهب إلى أن ميزان القوى يتجه تدريجيا لصالح قوى المعارضة، على الرغم من أن النظام لا يزال يمسك بقوة بزمام الجيش، ولا يزال يمتلك الكثير مما لم يستخدمه بعد. فقد أثبتت قوى المعارضة صلابة كبيرة، خاصة في الشهر الأخير، وأصبحت تمتلك أسلحة فعالة نقلت إليها من الخارج أو استولت عليها من مخازن الجيش، وتوسعت مساحة الدعم العربي والدولي لها، ماليا وعسكريا.

مقابل ذلك يتجه نظام الرئيس الأسد نحو المزيد من العزلة، ولم يعد يمتلك سوى حلفاء قلائل في المنطقة، هم أنفسهم مهددون وفي وضع الدفاع عن النفس بسبب مواقفهم الملتبسة مع الأسرة الدولية.

كما أن دائرة الحصار الشديد التي تحيط به على جميع المحاور، سياسيا واقتصاديا ودبلوماسيا وعسكريا، تضيق باستمرار، وتتسع أبعاد النقمة الداخلية مع قيامه باستخدام الأسلحة الثقيلة لفرض وجوده ونفوذه، مما ألحق أضرارا خطيرة بالبنى التحتية في المدن وجعل بعضها خالية من السكان.

حيث يقبع عشرات الآلاف من المواطنين مشردين في دول الجوار في وضع مأساوي. ويلقي تزايد الانشقاقات في صفوف المؤسسة، المزيد من ظلال القلق على رؤوس النظام، عززه بشكل كبير انشقاق رئيس الوزراء السوري نفسه ولجوؤه إلى إحدى الدولة العربية.

ويأتي تخلي الإدارة الأميركية عن حذرها في التعامل مع الملف السوري، وتخليها عن الاستمرار في نهج عدم إغضاب روسيا، عامل دعم قويا للمعارضة السورية، بعد أن وقع الرئيس أوباما وثيقة تسمح بتقديم المساعدات العسكرية لها، في مؤشر هام على اقتراب نموذج الحسم في سوريا من النموذج الذي اتبع في ليبيا. وفي ضوء ذلك أصبح من المستبعد أن تتمكن روسيا والصين من منع انهيار النظام، فليس من مصلحتهما الاستمرار في تحدي الإرادة الدولية.

نجحت الدول الأكثر ثقلا في رسم السياسات في العالم، في عزل نظام الرئيس السوري على المستوى الدولي، ونجح الإعلام في تسويد صفحاته، وأصبحت المحاور التي تتعلق بشكل النظام البديل وعلاقاته مع الأسرة الدولية، تحتل أجندة المؤتمرات واللقاءات الثنائية في عواصم هذه الدول. في هذا السياق يُطرح السؤال الأكثر أهمية: كيف ستكون تداعيات رحيل النظام السوري على المستويين المحلي والإقليمي، وما الذي ستفرضه على التوازنات الدولية؟

على مستوى الداخل السوري هناك خشية حقيقية من تداعيات خطيرة، حين تسقط الدولة السورية ويترك الفراغ الأمني الباب مفتوحا أمام مختلف الاحتمالات، ولعل أخطرها قيام عمليات انتقامية ذات طابع سياسي أو ديني أو قومي أو مذهبي. فالمجتمعات العربية، ربما من غير استثناء، غير محصنة ضد ذلك، لأنها حافلة بالاحتقانات ولأن حكوماتها لم تستطع صياغة هوية انتماء للوطن تتراجع أمامها هوية الانتماءات الأخرى.

أما على المستوى الإقليمي فتداعياتها أكبر وأكثر خطورة بكثير على حلفاء النظام السوري، الذين من المتوقع أن يمر بعضهم بظروف عصيبة قد تؤدي في نهاية المطاف إلى اجتثاثه. كما تنسحب التداعيات على من احتضن النظام ودافع عنه وساعد على بقائه وديمومته في سلسلة مواقفه في مجلس الأمن الدولي.

وبشكل خاص روسيا والصين اللتين لهما مصالح هامة مع دول المنطقة. فالدولتان الآن قد أصبحتا في موقف حرج أمام شعبيهما، وهو التورط في انتهاج سياسات انعزالية تلحق الضرر على المدى البعيد بمصالحهما الاقتصادية. أسدل الستار على أحد المشاهد الهامة في الساحة السياسية السورية، ولم يعد أمامنا سوى انتظار المشهد الأخير المتوقع قريبا، مشهد لي الأذرع وكسر الإرادات.

=================

خمس خطوات لاحتواء الأزمة السورية

تاريخ النشر: الجمعة 10 أغسطس 2012

زلماي خليلزاد

الاتحاد

على الصعيد الدبلوماسي ركزت إدارة أوباما في مقاربتها للموضوع السوري على الانخراط مع مجلس الأمن الدولي والتعامل مع مجموعة أصدقاء سوريا التي ترعاها فرنسا وتضم 88 دولة، بالإضافة إلى منظمات دولية أخرى ومراقبين من ضمنهم الفاتيكان، ولكن المؤسسة الأكثر فاعلية في المسار الدبلوماسي والمتمثلة في مجلس الأمن تظل معطلة بسبب الفيتو الروسي والصيني. كما أن مجموعة أصدقاء سوريا بما تضمه من عدد كبير من الدول تبقى عاجزة عن التوافق على إطار جامع، والتفاهم حول تدابير عملية تغير الواقع على الأرض. أما على الصعيد العسكري فإن امتناع الإدارة الأميركية عن مد الثوار بالأسلحة والاقتصار فقط على تقديم مساعدات طبية إلى المعارضة السورية يؤدي فقط إلى إطالة عمر المواجهة، كما أن المعارضة وعلى رغم منعها نظام الأسد من تحقيق نصر سهل وسريع وصمودها أمام آلته العسكرية، تبقى أضعف، في الوقت الراهن عل الأقل، من أن تنهي الصراع لصالحها. وفيما عدا الخسائر البشرية الكبيرة والتكلفة الإنسانية الباهظة فإن استمرار الحرب الأهلية وامتدادها لفترة طويلة من شأنه ضرب مؤسسات الدولة وتقويضها، بالإضافة إلى احتمال سقوط أسلحة الدمار الشامل في أيدي المتطرفين من الحركات السلفية، أو عناصر "القاعدة" نفسها. أو قد تؤدي الحرب الطولية في النهاية إلى إحداث فراغ سياسي تملؤه الحركات المتشددة لتضمن بذلك استمرار الصراع الإثني والمذهبي حتى بعد وقت طويل من سقوط نظام الأسد. ولذا وحتى تضطلع الولايات المتحدة بدورها في المنطقة وتسهل عملية انتقال منظم للسلطة دون تدخل عسكري فإنه يتعين عليها القيام بخمسة أمور ضرورية.

أولاً، يتعين على أميركا حشد تحالف الأطراف ذات الصلة ليضم مجموعة مختارة من البلدان ذات التوجه المشترك يمكنها التأثير في الأوضاع الجارية بسوريا، ومع أنه من المهم استمرار الولايات المتحدة في الانخراط مع الأمم المتحدة والعمل مع مجموعة أصدقاء سوريا وحلف شمال الأطلسي، إلا أن من الضروري التركيز على تركيا والسعودية والأردن وقطر وباقي دول الخليج العربي، بالإضافة إلى فرنسا وبريطانيا باعتبارها دول التحالف ذات الصلة.

ثانياً لابد لأوباما من تعيين ممثل خاص للعمل مع هذا التحالف للمساعدة في تنظيم المعارضة السورية لتتحول إلى تنظيم يمثل جميع أطياف المجتمع السوري ويضمن انتقالاً سلساً للسلطة، ويحظى بتأييد القوى السورية التي ما زالت متخوفة من تغيير النظام، هذا بالإضافة إلى استيعاب عناصر من النظام نفسه، فالفوضى على الطريقة العراقية واردة جداً في سوريا، ولاسيما إذا شعرت الطائفة العلوية التي تحكم اليوم بالتهميش وقادت تمرداً طويلاً على غرار ما قام به السنة في العراق. ولا ننسى أن القوى الإقليمية فشلت في توحيد المعارضة ورصد قائد يحظى بتأييد واسع في صفوفها، فالمجلس الوطني السوري تطغى عليه المعارضة في الخارج وأعضاء "الإخوان المسلمين"، في حين يبقى الجيش السوري الحر أكثر ارتباطاً بالواقع الميداني على الأرض وإن كان من غير المؤكد درجة تماسكه وخضوعه لقيادة موحدة، فضلاً عن الطريقة التي سيحكم بها بعد انتهاء المعارك، هذا في الوقت الذي يظل فيه ولاء الأكراد للدولة السورية محل شك، فيما ولاء الجيش النظامي الذي يسيطر عليه العلويون موجه في عمومه لعائلة الأسد.

ومع أن الهدف الذي يجب أن تسترشد به أميركا وباقي الدول الغربية هو ضرورة انبثاق الديمقراطية في سوريا، إلا أن واشنطن قد تجد نفسها أمام خيارات صعبة على المدى القصير مثل اندلاع حرب عرقية، أو طائفية، أو قيام ضباط من الجيش بانقلاب عسكري لا يصب بالضرورة في مصلحة المعارضة، أو إصلاح الدولة، ولذا من أجل تقليص خطر الحرب الأهلية يتعين على الإدارة الأميركية العمل مع العناصر المعتدلة في المعارضة لاستقطاب العلويين والمسيحيين والأكراد وباقي الأقليات التي من شأنها إضعاف قاعدة تأييد النظام. ومن جهتها يتعين أيضاً على العناصر المعتدلة حشد الأقليات حول مبادئ الديمقراطية والتعددية والحكم المحلي واحترام حقوق الإنسان. وبالتعاون مع المعارضة يمكن للولايات المتحدة التشجيع على انقلاب عسكري يكون بمثابة محطة نحو الديمقراطية الكاملة دون المس بمؤسسات الدولة.

أما الأمر الثالث الذي يتعين على واشنطن المبادرة به فيتمثل في إنهاء حالة تقسيم المهام الجارية اليوم التي تعطي للقوى الإقليمية حق قيادة المعارضة، ذلك أن الولايات المتحدة في حاجة إلى مقعد على الطاولة، كما أن الانخراط الأميركي المباشر مع المعارضة يضمن على الأقل وصول السلاح إلى العناصر المعتدلة التي تؤمن بالتعددية وترجح الكفة بعيداً عن الجماعات الإسلامية المتشددة التي تحرض على الطائفية.

ويكمن الأمر الرابع في التفاهم مع موسكو، فقد أدى الدعم القوي لكل من روسيا وإيران للنظام في دمشق إلى تنفير المجتمع السوري، وهو ما يهدد بضرب مصالح البلدين، ولكنهما لن يتخليا عن استراتيجيتهما الحالية إلا إذا أيقنا بأن نظام الأسد سيسقط لا محالة، وربما يكون أصعب إقناع إيران التي تعد الداعم الأساسي للنظام في دمشق بالنظر إلى ردود الفعل المحتملة ضد حلفائها وأبناء طائفتها في سوريا. ولذا قد تلجأ طهران إلى أسلوب مزدوج تدعم من خلاله الانتقال السياسي وفي الوقت نفسه تبقى على تأييدها لبقايا النظام.

خامساً وأخيراً يتعين على واشنطن البقاء منفتحة على الأمم المتحدة ودورها في وضع خريطة طريق للانتقال السياسي ما أن تنضج الظروف لانبثاق نظام جديد على الأرض، وهنا يمكن الاستفادة من التجارب السابقة للأمم المتحدة سواء في أفغانستان، أو غيرها، لتسهيل عملية الانتقال السياسي التي من شأنها وضع حد لإراقة الدماء وإنهاء سلسلة الأزمات المحتملة من الإرهاب إلى انتشار أسلحة الدمار الشامل وتمهيد الطريق لظهور سوريا ديمقراطية ومستقرة.

زلماي خليلزاد

السفير الأميركي الأسبق في العراق

ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"

=================

سوريا تحترق

تاريخ النشر: الجمعة 10 أغسطس 2012

د. رياض نعسان أغا

الاتحاد

لم يعد ما يحدث في سوريا أزمة قابلة للحلول الوسطى، لقد صار كارثة كبرى تهدد الشعب كله بل المنطقة كلها، ولا أفهم كيف غابت الحكمة في المعالجة حتى تطورت مطالب الشعب التي كانت بسيطة وممكنة التحقق بأقل التكاليف، إلى حريق يأكل الأخضر واليابس ويدمر الحياة ويمزق الشعب الذي كان على مر الزمان يعتز ويفخر بوحدته الوطنية.

ويبدو أن الحلول السياسية أغلقت أبوابها، وقد تجاوزت الأحداث كثيراً مما كنا نأمل أن يحدث، ولم يعد الحكماء قادرين على التفكير بحلول وسطى، وهذه الحالة الثنائية الحادة تفتح الصراع على المجهول المرعب، وتنذر بتحول سوريا إلى أرض يباب.

لقد كنت أتفاءل بالحلول الوسطى قبل أن يصل العنف إلى ذروة غير مسبوقة، كنت أظن أن بالإمكان دمج حلين تمكنا من إيقاف شلال الدم في مصر وفي اليمن، كان الحل المصري يبقي على جسد النظام (في إطار الدولة) ويتيح للجيش أن يحافظ على مكانته وقدرته على ضبط أي انفلات أمني وعلى سيادة الوطن، ويتيح للشعب الثائر أن يحقق أهم مطالبه، وهو الديمقراطية التي تحتكم إلى صناديق الانتخاب ويفوز من ينتخبه الشعب، وتبقى للجيش مواقعه عبر المجلس العسكري. وفي الحل اليمني كان التدخل العربي لصالح حقن الدم، عبر ضمانات للرئيس، وعبر برنامج توافقي. كنت أرى أن نصف الحل المصري مع نصف الحل اليمني يصلحان معاً لتكوين حل سوري، فلابد من التفكير بضمان وحدة الجيش أولاً، لأن أخطر ما يحدث في سوريا هو انفراط عقد الجيش بعد كثرة الانشقاقات فيه، وهو العمود الفقري لجسد الدولة. وأدرك أن الوضع الراهن يجعل الإخوة الأعداء يتصرفون بالفعل وردة الفعل، وأدرك أن الكثرة المطلقة من جنود الجيش وقوى الأمن تنفذ الأوامر ولا تملك فرصة لنقاش فيها، وكثير من الجنود والضباط وجدوا أنفسهم في ورطة، فلا هم قادرون على رفض الأوامر، ولا هم قادرون على النجاة بأنفسهم من هذا الجحيم الذي صاروا وقوده، ومن انشق منهم وتمكن من النجاة بنفسه صار متهماً بالإرهاب ملاحقاً بالإعدام، ولم يعد أمامه سوى أن ينخرط في الجحيم ذاته. ولكم يبدو مفجعاً ومأساوياً أن يقتل جندي رفيقاً له كان معه في خندق واحد قبل أيام يتشاركان الحياة، ولكن كلاً منهما صار اليوم في خندق مواجه، يصوب بندقيته نحو الآخر. وعلى رغم أهمية تحديد المسؤولية عن هذا الانهيار المريع الذي حصل، إلا أن الأهم الآن هو إيقاف النزيف، والتوقف عن القتل المجاني الجماعي، وعن هدم المدن والقرى والمنازل، ولاسيما فيما يحدث من قصف عشوائي، لا يميز حتى بين معارض ومؤيد.

تمنيت لو أن مجلساً عسكرياً يتولى مسؤولية الإنقاذ ويضم قادة من الجيش النظامي مع قادة ممن انشقوا عنه، في قيادة جماعية تحقن الدم السوري، وتقود المرحلة إلى صناديق الانتخاب ولتقرر الصناديق مستقبل سوريا. وبالطبع ليس ممكناً الآن تحقيق ذلك، فقد اتسعت الهوة بين الفريقين، فالسلطة ترى أن المنشقين عملاء متآمرون يجب قتلهم، والمنشقون الذين لا يجدون مخرجاً مما باتوا فيه سوى الإصرار على متابعة ثورتهم وقد صارت المعركة معركة قاتل أو مقتول، ومهما يكن عدد المنشقين ضئيلاً بالقياس إلى أعداد الجيش النظامي فإنهم يعدون اليوم بعشرات الآلاف، وما أظن عاقلاً يفكر بقتل عشرات الآلاف أو يعتقد حقاً بأنهم خونة وعملاء، ولاسيما أنهم في الغالبية ينتمون إلى الجيش العقائدي الذي انشقوا عنه، وكان أحدهم حتى قبيل انشقاقه قيادياً في الجيش النظامي. وأعتقد أن مزيداً من الخطأ في تشخيص الحالة سيقود إلى مزيد من الدمار وسيرشح الوضع إلى حرب أكثر تدميراً للحياة في سوريا ولن يحقق التدمير نصراً، وما من أحد بوسعه أن يزهو بانتصاره على جثث أبناء شعبه.

ولن يكون خياراً معقولاً كذلك أن يصير هدف الجيش المنشق تدمير الجيش النظامي، فالطرفان أبناء جيش واحد، جعله الظرف الراهن جيشين متصارعين، وكذلك لم يعد ممكناً بعد كل ما حدث من طوفان دم، أن تتوقف الثورة التي بدأت سلمية ثم صارت دموية، دون أن تحقق شيئاً.

لابد من حلول جريئة يفتدى فيها الشعب السوري، فالخطر المحدق بسوريا اليوم غير مسبوق في كل تاريخها القديم والمعاصر، وأشده خطورة على المستقبل احتمال تدخل خارجي سيكون مأساة كبرى بعد عقود من الاستقلال. وأنا أدرك أن من طلبوا تدخلاً أجنبياً من المعارضين لا يريدونه في حقيقة أنفسهم، وبعضهم يختنق بما آل إليه الحال، وقد سدت في وجهه طرق الخلاص، ولا أتهم أحداً من أبناء سوريا الشرفاء بخيانة أو تآمر على وطنهم، وكان الخطأ الكبير أن يستبعد المعارضون السياسيون وألا يشركوا في حل مأساة الوطن، فإن وجد بينهم من ضل الطريق، فالأكثرية المطلقة وطنية مخلصة، والمفارقة أن النظام يعترف بأحقية ما يطلب المتظاهرون والمعارضون من حرية وكرامة، ولكن تحقيق هذه الحرية كان يتطلب تقديم تنازلات كبيرة للشعب، وهو الأجدر بأن يفتدى وأن تقدم له مطالبه وحقوقه.

والخطر الثاني هو أن يتعمق بين أبناء الشعب هذا الشعور بالانقسام بين مؤيد ومعارض، وهم أبناء أسرة سورية واحدة، وقد وصل الأمر لدى بعضهم إلى فرز طائفي بغيض، أخشى إن ترسخ أن يرسم مستقبلاً أشد قتامة من الحاضر، ولم نكن في سوريا نعيش هذه المشاعر يوماً، ويبدو مفجعاً أن يفكر أحد من السوريين بالتقسيم، لأن مجرد التفكير به، سيعني حرباً قد تطول مئة عام، وتحصد أرواح الملايين في سوريا، فوحدة تراب الوطن (للجميع) من أهم الثوابت التي لا تقبل نقاشاً وليست موضع أخذ ورد. وكذلك من الأخطار المريعة أن يفكر أحد بالمحاصصات الطائفية على غرار ما يحدث في لبنان، والتجربة فيه تثبت عقم هذا التفكير الذي جعل الدولة في لبنان شبه معطلة عقوداً، ولا يملك اليوم أحد حلاً غير من بيده الأمر ليوقف هذا الدمار المروع الذي بات كثير من السوريين يعتقدون أن بعض المجتمع الدولي يسر به، وقد جاءهم خلاصاً من سوريا القوية دون عناء، وما أسعد الأعداء حين يرون سوريا تحترق!

=================

تناقضات سوريا تبلغ ذروتها!

د. نقولا زيدان

المستقبل

10-8-2012

(لقد حدث ما لم يحدث من قبل: لقد سرق العامة مومياء الفرعون)

ـ بردية من الاسرة الحادية عشرة ـ

لقد جرى في سوريا التي تهزّها من أقصاها لأقصاها انتفاضة شعبية هائلة منذ سبعة عشر شهراً، حادث طاغ لم تشهد له البشرية نظيراً قط: لقد ترك رئيس الحكومة السورية منصبه والتجأ إلى الخارج. ولم يهز الحدث العالم بأسره فحسب، نظراً لفرادته وجدّته وغرابته، بل طرح عملياً النظام الأسدي الفاشي كله على الأرض إذ أثار موجة هائلة من التساؤلات حول حقيقة ما تبقى في جعبة النظام من مساندين له وأنصار على أعلى مستويات الحكم ليستمر وسط البطش والقصف والمعارك الضارية والتدمير المنظم والجنوني.

بالطبع عمد النظام الاسدي ليمتص الضربة الماحقة التي صعقته الى نشر اكاذيب تعوّدناها في الأنظمة التوتاليتارية والفاشية ان السلطة كانت في صدد اقالته لكنه سارع الى الانشقاق. كلام ضعيف وادعاءات خاطئة لا تقنع أحداً، والأنكى ان رياض حجاب رئيس الحكومة الذي انحاز إلى الثورة كان قد تدبر اخراج 11 من اشقائه وشقيقاته بأيام مع عائلاتهم من البلاد مخافة وتداركاً لشر الانتقام من نظام لا يتورع عن التنكيل والتعذيب والتصفية بحق اقارب خصومه السياسيين وانسبائهم، حقاً ان النظام الأسدي قد فقد صوابه واصيب بضربة محكمة زعزعت كيانة المتداعي المنهار.

ولم تصب عملية انشقاق حجاب نظام دمشق وحده بالهلع بل راحت موجة من الشائعات تجوب البلاد مفادها ان الرئيس نفسه مصاب لدرجة أن سارع احد المواقع الروسية على الانترنت ليأخذ هو على عاتقه طمأنة الرأي العام ان الاسد ما زال على قيد الحياة.

بالطبع كان دوي الحادث هائلاً وصلت تداعياته الى حليفه الرئيس النظام الايراني واصدقائه عندنا وعلى رأسهم حزب الله، فسارعت طهران إلى إرسال سعيد جليلي رئيس المجلس القومي الايراني الى بيروت للاطلاع من كثب على حقيقة الوضع اللبناني الهش المتعفن المتأكّل وهو الذي اصبح اشبه بمحمية ايرانية تظللها عمامة "الحزب" الذي أصبح عملياً يمسك بمفاصل الدولة عندنا فلم يترك للآخرين سوى الشكل الخارجي والمراسم الرسمية للحفاظ على ماء الوجه. ثم طار جليلي الى دمشق ليطلع من الاسد على حقيقة وضعه ويقدم له دعماً معنوياً هو بأمس الحاجة إليه. فكان تصريح جليلي من دمشق "ان إيران لن تسمح بكسر محور المقاومة (التسمية المتعارف عليها عندهم) في حلقتها الوسطى، أي سوريا. بل عمدت طهران إلى إرسال وزير خارجيتها الى تركيا التي حشدت قوات ضخمة على امتداد حدودها الجنوبية الشرقية لاقناع حزب العمل الكردستاني (PKK) بالقوة بعدم تحويل نفسه إلى مطية للنظام السوري، خصوصاً بعد زيارة لافتة لوزير خارجيتها داود اوغلو الى "اربيل" حيث غسلت حكومة اقليم شمالي العراق الكردي يديها من أي تورط في مغامرة "حزب العمال" الحمقاء.

لقد أصبحت المواجهة الدائرة الآن في سوريا مكشوفة، ويتضح التورط الايراني بإرسال مقاتلين من الحرس الثوري الايراني وحزب الله اللبناني ذي الولاء الايراني شبه المعلن، وتسعى إيران للجم التوتر التركي من جهة ولاعطاء الفرصة للآلة العسكرية السورية لسحق حلب وتحويلها إلى انقاض، رغم تواصل الانشقاقات في صفوفها من جهة أخرى.

وتشخص أبصار المجتمع الدولي الى الاردن الذي علاوة على تدفق اللاجئين السوريين إليه قدم الحماية والايواء لرئيس الوزراء السوري المنشق واقاربه حيث تم نقلهم الى قطر عبر مطار المفرق (شمالي الاردن) على الأرجح. إلا ان النظام الاردني ما زال يميل الى عدم الدخول الآن في مواجهة مكشوفة مع نظام الأسد آخذا على محمل الجد نصائح وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا ولوران فابيوس وزير خارجية فرنسا التي سارعت إلى ارسال مساعدات طبية واغاثة اخذت مكانها الى جانب المساعدات السعودية العاملة هناك منذ شهور.

عندما استقدم الأسد مقاتلين من إيران وحزب الله اللبناني لم يكن فعلياً بحاجة ماسة إليهم بل كان يرمي الى توريط إيران وحلفائها في شأن سوري داخلي وللدلالة على تضامن هؤلاء العملي معه في معركته المستميتة.

فهو ديكتاتور مستبد يرفض عملياً أية تسوية سياسية للأزمة السورية. الدليل القاطع على ذلك انه عمد الى إفشال المبعوث الدولي العربي كوفي أنان عندما استمرت كتائبه باطلاق النار دون هوادة على المعارضين السوريين وقصف المدن والقرى أمام سمع وبصر المراقبين الدوليين غير آبه لا بالرأي العام الدولي ولا بقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ما دامت قرارات مجلس الأمن والفصل السابع تحت رحمة الفيتو الروسي الصيني المزدوج. كأنه حقاً يسعى ما أوتي إلى اشعال المنطقة برمتها دفاعاً عن مواقعه المنهارة. بل لا يتورع عن احراق "حلب" بأسرها وإلا كيف يجرؤ على إرسال الطائرات المقاتلة وقاذفات القنابل والمروحيات وقد تحوّلت المعركة هناك الى حرب شوارع حيث يعجز الطيران عن تسديد اصابات دقيقة وناجعة عسكرياً.

ان الرجل يحشد عدة الوية تحاصر حلب حيث يزمع اقتحامها بعد تدميرها تماماً سواء بالمدفعية الثقيلة أو بالطيران، إن رجلاً كهذا المصاب الآن بالهلع، قد يعمد لسحق احياء بأكملها في "حلب" إلى اللجوء إلى الكارثة الا وهي السلاح الكيماوي وهو أسوأ الاحتمالات.

أمام هذا المنعطف السياسي والعسكري تزداد احتمالات مقابلة بعودة مؤتمر جنيف الاخير للدول الخمس الدائمي العضوية في مجلس الأمن للانعقاد. إلا ان المأزق الجدي (di lemme) الماثل أمامنا هو انه اصبح يستحيل في آن معاً الوصول الى حل سياسي للأزمة السورية والابقاء على حكم الأسد في وقت واحد، والمؤتمرون بمن فيهم الروس أنفسهم يدركون ذلك أكثر الآن.

=================

هل أضعفت أحداث سوريا "حزب الله"؟ 

رندى حيدر

2012-08-10

النهار

ارتفعت حدة الحرب السرية الدائرة بين إسرائيل و"حزب الله" مع اعلان السلطات الإسرائيلية توقيف 12 مواطناً عربياً من سكان إسرائيل بتهمة التعاون مع الحزب في عمليات تهريب سلاح إلى أراضيها. وتأتي هذه الخطوة بعد مرور أسابيع قليلة على تفجير باص كان ينقل سياحاً إسرائيليين في منتجع ببلغاريا اتهمت إسرائيل إيران و"حزب الله" بالضلوع فيه.

ليست هذه المرة الأولى التي تعتقل فيها إسرائيل مواطنين عرباً بتهمة التعاون مع "حزب الله"، فالمعروف ان للحزب صلات قوية مع عرب 48، وكذلك داخل المناطق الفلسطينية ولا سيما منها قطاع غزة. بيد أن القراءة الإسرائيلية لهذا الحدث في هذا الظرف بالذات اتخذت خصوصية معينة في ضوء مسألتين أساسيتين: تدهور الوضع في سوريا، وتصاعد الكلام الإسرائيلي عن احتمال توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية الى المنشآت النووية الإيرانية خلال وقت قريب.

تراقب إسرائيل عن كثب انعكاسات الوضع السوري على "حزب الله" وبصورة خاصة مصير الحزب في حال سقوط نظام بشار الأسد. ويجمع عدد من المعلقين الإسرائيليين على أنه سواء سقط نظام الأسد أم لم يسقط، فإن ما يجري في سوريا انعكس سلباً على وضع حزب الله  على أكثر من صعيد وخصوصاً على الصعيد الداخلي اللبناني، فقد أساءت مواقف الحزب المؤيدة للنظام السوري إلى صورته كحزب يدافع عن المظلومين في وجه الظالمين، وجعلته يصطبغ بصبغة طائفية، الأمر الذي تتوقع إسرائيل أن يساهم في نزع الشرعية عن سلاحه مستقبلاً.

وتتوقع التقديرات الإسرائيلية ان يشكل سقوط نظام الأسد ضربة موجعة للمحور الذي تتزعمه إيران في المنطقة بالتحالف مع سوريا و"حزب الله". لذا ترى إسرائيل في العمليات الأخيرة التي تنسبها الى "حزب الله" محاولة منه كي يثبت أنه لم يفقد شيئاً من مكانته ولا من جهوزيته، وأنه سيواصل حربه على إسرائيل على رغم كل الظروف الصعبة التي تمر بها حليفته سوريا.

كيف تخطط إسرائيل للتعامل مع هذه التطورات؟ الأكيد أنها حتى الآن ليست في صدد الدخول في مواجهة عسكرية مع "حزب الله" وهي في ذروة تحضيرها لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، خصوصاً أنها لم تنجح حتى الآن في أن تلصق به تهمة الهجوم في بلغاريا، ولم تفلح كل الضغوط التي مارستها على الحكومة البلغارية كي توجه الاتهام علناً الى الحزب، كذلك فشلت مساعيها في اقناع الاتحاد الأوروبي باصدار بيان يقول فيه إن "حزب الله" هو تنظيم ارهابي. لذا فإن كل ما تبقى لها توجيه الاتهامات اليه وتشويه صورته.

=================

عودة أنان على بساط يمني!

راجح الخوري

2012-08-10

النهار

سؤال اول: لماذا يتوارى الروس عن الانظار في ما يتعلق بالازمة السورية منذ انفجار دمشق وانشقاق رياض حجاب وعدد من كبار الضباط؟

جواب: لأنهم يبحثون الآن كما تفيد التقارير، عن مخرج لحفظ ماء الوجه يوفر عليهم البقاء مع نظام آيل الى السقوط فيخسرون سوريا ما بعد الاسد، ويعفيهم من جزء كبير من المسؤولية عن حرب اهلية ستكون لها انعكاساتها الاقليمية وما يمكن ان تطلقه من شرور التقسيم!

سؤال ثان: واين يبحث الروس عن هذا المخرج؟

جواب: في كواليس الديبلوماسية السرية وعبر اتصالات حثيثة تجريها واشنطن مع موسكو وبيجينغ للاتفاق على صيغة تسمح بالعودة الى مجلس الامن ربما لإحياء مهمة كوفي انان. وفي هذا السياق تقول هيلاري كلينتون التي تصل غداً الى تركيا "ان حدة القتال في حلب والانشقاقات في النظام تفرض ضرورة وحتمية ان نعمل معاً لوضع خطة انتقالية جيدة" ولهذا فانها لن تكتفي بالتفاهم مع الاتراك على هذا المخرج، بل ستقابل "نشطاء في الميدان" اي المعارضة المقاتلة التي باتت لها الكلمة الفصل في قبول الحل السياسي!

سؤال ثالث: وماذا تعد فرنسا لتقديمه في مجلس الامن في 30 آب الجاري، وهل هو بعيد عن مسار الديبلوماسية السرية وخصوصاً ان باريس ترى ان "مجلس الامن لا يسعه الوقوف ساكتاً امام المأساة التي تشهدها سوريا"؟

جواب: ربما تعدّ مشروع قرار جديد يطرح حلاً سورياً على الطريقة اليمنية ويشكل مخرجاً للجميع، تؤيده الجامعة العربية لأنه يعكس محتوى مبادرتها وتقبله روسيا والصين ودول الاقليم، بعدما تبين استحالة بقاء النظام بعد الدمار الزلزالي في البلاد.

سؤال رابع: ولماذا الهجمة الديبلوماسية الايرانية عشية استضافة طهران امس اجتماع الدول ذات "النظرة الواقعية" الى الازمة السورية، وهل تعكس تصريحات سعيد جليلي في بيروت وعلي اكبر صالحي في انقرة وبغداد معنى هذه "الواقعية"؟

جواب: رغم اعلانها بانها "لن تسمح بكسر سوريا" فان ايران لا تتخلى عن دقة سياسات البازار وبالتأكيد لن تندفع الآن (مع هواجسها النووية) الى حرب دفاعاً عن نظام الاسد، ولهذا يدعو محمود احمدي نجاد عشية سفره لحضور قمة مكة الى الحوار و"الحل السياسي" وهو ما يمكن ان يحفظ لطهران علاقات الحد الادنى مع سوريا ما بعد الاسد بدلاً من العداء المطلق معها؟

على حافة الانهيار الكبير بات الجميع الآن يرون القاع حيث الحروب الاهلية وبئر الافاعي، ولهذا تسرى حمّى دولية هدفها إخراج الاسد على بساط الحل اليمني!

=================

إيران تستشعر دنوّ الخطر على النظام وتسعى إلى حجز مقعدها في مستقبل سوريا

روزانا بومنصف

2012-08-10

النهار

استبقت ايران المؤتمر الذي دعت الى انعقاده في عاصمتها حول الوضع السوري بنشر وزير الخارجية الايراني علي اكبر صالحي مقالا في صحيفة "الواشنطن بوست" الاميركية عشية المؤتمر حدد فيه ما ترغبه ايران من هذا المؤتمر وموقعها مما يجري لكنه وجه رسائل اهم في ما يتجاوز المؤتمر في حد ذاته. اذ لا يمكن اغفال الجهة التي يستهدفها صالحي عبر مقاله في صحيفة اميركية كبيرة، وهي  ادارة الرئيس باراك اوباما في رسالة بدت تحمل، وفقا لمصادر ديبلوماسية متابعة عاملين استنادا الى استشعار ايران الوضع الخطر جدا الذي بات عليه النظام السوري مع توالي الانشقاقات وتاليا وضع ايران نفسها نتيجة لذلك اضافة الى الخطورة التي تستشعرها في شأن ملفها النووي. أول هذه العوامل وفق ما ورد في مقال صالحي هو محاولة ايران الترويج لفكرة انها جزء من الحل وليست جزءا من المشكلة في سوريا، قياسا على استبعادها من الاميركيين في وقت سابق من مجموعة العمل حول سوريا التي التقت في جنيف بدعوة من كوفي أنان واتفقت على مرحلة انتقالية في سوريا. وقد استشهد صالحي في معرض تسويقه لهذا الاطار بتجربة التعاون التي قدمتها بلاده، كما قال، في كل من افغانستان والعراق كما لو انه يدعو واشنطن الى عدم استبعاد طهران في بحثها عن حل للوضع في سوريا والاستفادة من التعاون السابق على قاعدة ان لإيران ما لها في سوريا وعلاقتها مع النظام والتأثير عليه. ويحاول صالحي وفق المصادر المعنية التأثير على هذا الصعيد في الرأي الاميركي الذي يرى وجوب ان تدخل واشنطن ايران في بحثها عن حلول للوضع السوري وعدم استبعادها، وهذا الرأي موجود لدى باحثين ومسؤولين سابقين في الادارة ويسعى الى ابراز هذه النقطة في الاعلام الاميركي وفي مراكز الابحاث.

 والعامل الاخر سعي ايران الى تسويق فكرتها للحل على قاعدة ان "فكرة حصول انتقال منظم للسلطة في سوريا بعد سقوط بشار الاسد وهم" مؤكدا ان المجتمع السوري سيتفكك في حال سقوط الأسد فجأة ومروجا لفكرة يقول انها تعتمد على خطة كوفي أنان اي وقف العنف والتمهيد لحوار بين السلطة والمعارضة على ان يتاح للسوريين عبر مشاركتهم في انتخابات رئاسية وتشريعية اختيار ما يريدونه". ولهذا الغرض مهدت ايران لذلك عبر عقدها مؤتمرا حول سوريا وجهت فيه الدعوة الى الدول التي صوتت الجمعة الماضي في الثالث من الشهر الجاري ضد المشروع الذي قدمته المملكة العربية السعودية الى الجمعية العمومية للامم المتحدة وهي دول يقع الثقل فيها عند الصين وروسيا وايران في الموضوع السوري في حين ان الدول الاخرى التي اعترضت من بوليفيا الى بيلاروسيا ونيكاراغوا وفنرويلا وزيمبابوي لا صلة مباشرة لها بالموضوع اطلاقا. وكذلك الامر بالنسبة الى  بعض الدول التي امتنعت عن التصويت في حين ان قلة لا تتعدى اصابع اليد الواحدة حضرت من  الدول الاقليمية من تلك التي دعمت المشروع السعودي رمزيا خصوصا ان المشروع السعودي ندد بالحكومة السورية وطالب بانتقال سياسي  في سوريا. وقد بدا ان ايران تحاول الحصول على حماية مصالحها من خلال السعي الى انقاذ ما يمكن انقاذه عبر الترويج لمؤتمر لاصدقاء النظام من حيث المبدأ، شأنها في ذلك شأن مؤتمر اصدقاء الشعب السوري الذي تدعمه الدول الغربية والعربية.

وقد رافقت هذا التحرك الايراني مجموعة مؤشرات تدل على التلويح باتجاهات متضاربة لدى طهران. فازاء استشعار ايران الخطر الذي بات عليه وضع النظام في سوريا تحاول من جهة حماية مصالحها من خلال الدفاع عنه قدر الممكن على ان تمد خيوطا نحو المستقبل ايضا. فبناء على ما اعلنه رئيس مجلس الامن القومي سعيد جليلي الذي زار الرئيس السوري هذا الاسبوع من ان بلاده "لن تسمح بكسر محور المقاومة الذي تشكل سوريا ضلعا اساسيا فيه" اعتقد كثر ان ايران لن تسلم بسهولة بانهيار النظام السوري. وبرزت في الوقت نفسه الاتهامات التي ساقها مسؤولون ايرانيون لدول خليجية بالتورط في سوريا على نحو يخشى كثر ان تكون ايران تمهد في موازاة كلام جليلي الى التورط اكثر في دعم الاسد. لكن المصادر المعنية تعتقد ان المواقف الايرانية لا تتسم بالقوة التي توحي بها بل هي أكثر هشاشة في ضوء إدراكها وضع النظام السوري، خصوصا بعد خطف مجموعة كبيرة من الايرانيين على طريق المطار في دمشق، كما في ضوء مخاطر حقيقية تتهددها بفعل المخاوف من ضربة توجه الى مشروعها النووي.

 

=================

سوريا: هل يسقط النظام أم تسقط الدولة؟

د. كمال اللبواني

2012-08-09

القدس العربي

هناك ثلاثة احتمالات لمستقبل سوريا: أولها يبدو أن حظه قليل في التحقق، هو سقوط النظام من دون خراب الدولة والعقد الوطني، ومــــن دون حرب أهلية أو تقسيم أو تدخل أجنبي أو حروب بالواسطة.. فالمسألة لم تعــــد في الاختيار بين حل سلمي وحل غير سلمي، بالطريقة التي ينشغل بها المجتمع الدولي هذه الأيام، لأنه أي المجتمـــع الدولي متأخر في فهم الوضع في سورية ستة أشهر على الأقل.

فالمطروح على سوريا فيه احتمالان ليس بيدها القرار فيهما، هما سقوط الدولة والنظام معا، تتبعه مرحلة (قد تطول وقد تقصر) من الفوضى وربما الانقسام الطائفي والقومي وداخل الطائفي والقومي .. لكن هذا يحدث إما من دون تدخل أجنبي عسكري مباشر، ومن دون حرب إقليمية، أو حرب بالوكالة على الأرض السورية، وهذا أيضـــــا احتمال قليل الحظ بكل أسف، أو مع تدخل دولي وحرب أهلية وإقليميةمعا وهو الاحتمال المحظــــوظ ..فالسؤال اليوم هل يستطيع المجتمع الدولي تجنـــب حرب بالواسطة، أو تدخل عسكري مباشر في الشأن السوري، بعد كل ما جرى وبعد إهماله القضية سنة ونصف، وبعد فشل كل محاولات الحل أو الحسم؟أم يفشل (كما نتوقع) المجتمع الدولي في تجنب السقوط في مستنقع الصراع الذي ساهم هو في ملئه وتحضيره بواسطة القراءات الخاطئة والمهل والتردد والمبادرات الفاقدة لأدوات التنفيذ، أو الدعم غير المجدي، أو محاولات فرضقيادات موالية غير فاعلة على المعارضة، للتحكم بالثورة أو لجمها وحرمانها من قادتها الحقيقيين؟.

السؤال موجه أساسا لحلفاء النظام الذين يراقبون مشهد سقوطه، رغم دعمهم الهــــــائل له.هل يستطيعون تحمل مشهد سقوطه المدوي هذا، وهل يقبلون خراب برامجهم ومخططاتهم في المنطقة، وبالتالي زعزعة أركان أنظمة ومنظمات متحالفة مع النظام السوري؟ والتي هي أيضا دخلت كأدوات في خدمة النفوذ الروسي والصيني، في سياق حربهما الباردة الجديدة مع الغرب، الغرب الذي دخل هو الآخر في أزمة اقتصادية مستمرة ومزمنة، بسبب استمرار تقليص نفوذه، وتدني قدرته على الإفادة من اقتصادات الآخرين، وحاجته إلى تقليص حجم استهلاكه باستمرار.

كما أن هذا السؤال موجه للغرب وإسرائيل أيضا، هل تستطيع مقاومة شهية توجيه ضربة عسكرية للمحور الإيراني بعد تدهور حال الجيش السوري، وانشغاله في حرب إبادة ضد شعبه في كل بقاع سوريا وبكل صنوف الأسلحة؟. وهل يستطيع الأكراد كبت رغباتهم بالاستقلال عن العروبة في هذا الظرف المناسب وسط انشغال العرب والمنطقة بحرب (سنية - شيعية) مفتعلة ومحرضة ؟. وهل تركيا تستطيع تحمل كل ذلك، وما هو رد فعل السعودية والخليج العربي.. وهل سيقف الناتو على الحياد، وهو يرى كل هذا يحدث في منطقة نفوذه ومصالحه، وهو الذي لم يقبل سقوط نظام الأسد قبلتأمين بديل مناسب له، فكيف إذا سقطت المنطقة كلها في دائرة النفوذ الشرقي، أو في الفوضى وبقيتأسلحة الجيش الثقيلة والغير تقليدية، أو جاء إلى السلطة من لا يتلقى الأوامر من الغرب؟ وما مدى عمق وأهمية صراع النفط والغاز في الشرق العربي الذي يريد الديمقراطية والاستقلال؟.

لقد حاول النظام السوري كل ما يستطيع لتحويل الثورة الشعبية ضده كنظام مستبد فاسد، إلى صراع مجتمعي وحرب أهلية، ثم حاول توريط الدول الحليفة له في التدخل عسكريا لصالحه، وحاول استفزاز أكثر من دولة لكي يبرر لحلفائه إرسال قواتهم الجاهزة والمعدة منذ زمن لهذه المهمة .. وبعكس إرادته جرى في جنــــيف اتفاق مبدئي على محاصرة الأزمة داخل الحدود السورية، لكن هذا الاتفاق سرعان ما انهار بسبب فشل النظام في كسب المعركة، مما فتح المنطقة كلها أمام احتمالات حــــرب تميل نحو التوسع .. وهذا ما أجبر دول الغرب على اتخاذ قرارها بالحسم بعد أن كان قرارها الاستمرار بالتريث والمماطلة .. الحسم عبر الدعم غير المباشر للمعارضة السورية، التي صارت مسلحة بعد دمار المدن والأحياء والتجمعات، وتهجير السكان وتشريدهم، وبعد ذلك عبر الدعم المباشر لو لزم الأمر، وذلك تبعا لرد فعل دول المعسكر الموالي للنظام..فسقوط الأسد أو بقاءه لا قيمة له، إلا بمقدار ما يعنيه من سقوط لمشروع التحالف المكون من طوائف ومذاهب ومليشيات ودول قريبة وبعيدة.

والسؤال الأهم: طالما أن إسرائيل هي اللاعب الخفي القوي في أوراق المنطقة، وهي ذات تأثير كبير على القرار الدولي الغربي والشرقي معا في هذه الأيام، هل هي مستفيدة من سقوط النظام أم هي تسعى وتبرمج لسقوط الدولة معه إذا كان لا بد من سقوطه؟ وهل هي فعلا وعلى المدى البعيد ذات مصلحة بالفوضى والتقسيم والحروب والنزاعات في المنطقة؟ ..أم هي حسابات متسرعة وقصيرة النظرتعكس حالة غياب مشــروع سلام حضاري قابل للتنفيذ في المنطقة؟.

كل المؤشرات تتجه نحو تزايد احتمال حصول حرب إقليمية وعالمية محدودة، تشعلها الثورة السورية التي خلطت الأوراق، وإصرار الشعب السوري الغير مسبوق، الذي حطم كل التفاهمات والتوازنات، ستكون هذه الحرب متزامنة ومترافقة مع حرب أهلية في سورية، وربما في أكثر من دولة في المنطقة معا.

من وجهة نظر النظام ليس لديه خيار سوى تدمير الشعب والجيش والتقلص نحو دولة طائفية ساحبا معه نخبة الجيش الطائفي الذي يحتفظ به، وكذلك الاستمرار فيمحاولة بناء خطوط انفصاله عن محيطه، وكذلك خطتواصله الجغرافي مع حلفائه في لبنان والعراق عبر ارتكاب المجازر والتهجير واستبدال السكان (خاصة في حمص وريفها)، وكذلك استمراره في تشجيع الكرد على الانقلاب على أخوتهم العرب وإعلان الانقسام.

النظام ومن معه ماضون في تقتيل الناس، وتدمير كل شيء في سياق دفاعهم عن حلفهم الشيطاني، وهم لا حدود لوحشيتهم، ولديهم القدرة على تبرير كل جرائمهم براحة ضمير مطلقة.. نحن من وجهة نظرنا وكما نقرأ حال الشعب السوري ماضون حتى النهاية في إسقاط هذا النظام الشيطاني المجرم، مهما كان الثمن.. وماضون في ثورتنا نحو الحرية والديمقراطية مهما حاول المتسلقون سرقة الثورة أو الالتفاف على مبادئها، عناصر قوتهم هو تحالف الفساد والتعصب والحقد والاستبداد، وعناصر قوتنا هي عدم قناعة الناس بمشاريعهم فقسم من العلويين وقسم أهم من الكرد واكبر من الشيعة وأغلب بقية الطوائف والأقليات لا يريدون ولا يسعون وراء مشروع تقسيم وحرب وصراعات لا تنتهي، وعدد من الدول الإقليمية ودول العالم لا تستطيع تحمل هكذا فوضى في منطقة حيوية كالشرق الأوسط. أما النظام الإيراني والعراقي كما هو حال المليشيات التابعة لهما، ومن ورائها النظام الروسي والصيني، فهي تفتقر كثيرا للشعبية وتلقى معارضة قوية متصاعدة تسير نحو الانتصار.

وأنا أدرك تماما أن هذه المنطقة لن تستقر من دون مشروع توحيدي يجمع ولا يفرق، قائم على حق وليس على باطل. مشروع دولة اتحادية ديمقراطية تضم كل مكونات المنطقة، وتهيء لوحدة اقتصادية سياسية إقليمية مع الاحتفاظ بالتنوع الاجتماعي والثقافي، هذه الدولة الكبيرة تستطيع النهوض بالمهام الجسيمة التي تقع على عاتقها. وهذا المشروع لن يقوم إلا على الديمقراطية وحقوق الإنسانوسيادة القانون، والاعتراف بالتنوع والتعايش والمساوة والعدالة، ولن يكون ممكنا من دون ابتكار صيغ اجتماع وتعايش خلاقة وجديدة، ومن دون ثورة في صعيد العقل والثقافة والدين، لذلك نحن ومهما تدهور حالنا نحو التخلف أو الوحشية والبربرية، فإن ثورتنا مستمرة وهي تتعمق وتتوسع، وسوف نعود في يومما لبناء بلداننا ومجتمعاتنا، على أسس حضارية عالمية، وأخلاقية إنسانية راسخة معروف للجميع. من دونها لن يكون هنالك سلام ولا استقرار ولا تقدم في هذه المنطقة، وما ينتج عن هذه الثورة سوف يساهم في إعادة بناء النظام العالمي السياسي والحقوقي والاقتصادي على أسس اقرب للحق من القوة والغلبة وهي رسالتنا، وسيرى من سعى بخبث وراء الفوضى والهمجية في المنطقة، وأرد فرض الخوف والخنوع على شعوبها أنه قد حفر قبره بيدية وأوجد عناصر نهايته.

=================

تشابه الخائفين في الأزمة الواحدة

أحمد جابر *

الجمعة ١٠ أغسطس ٢٠١٢

الحياة

ساهمت تطورات الأحداث السورية في دفع المواقف السياسية إلى درجات أعلى من التحديد، وأجبرت المتدخلين في الشأن السوري على المغادرة المتدرجة لسياسات تدوير الزوايا. الإفصاح عن الوقوف إلى جانب النظام، مادياً وسياسياً، لم يعد محرجاً لحلفائه، والدعوة إلى دعم المعارضة، تسليحياً ومالياً، لا تستدعي خفراً من مريديها. يدور في خلد الجميع سؤال: لماذا الإضمار السياسي، بعد كل هذا الإشهار الدموي الذي تعيشه سورية؟ ولماذا التأتأة في خطاب المصالح، طالما أن الفصاحة صارت مقيمة في كل لسان؟ رزمة القضايا، التي تشكل دوافع للمتدخلين، كثيرة، من ضمنها مسألة التشابه، هذا الذي يستوطن عصب النظام، ويشدّ أواصر بنيته، ويغذّي نسق الإيديولوجيا المتحكمة بالذهن الجمعي وكفاءته، ويضخ المشروعية، ولو وهماً، في قنواته المحكومة بشحّ الموارد، تاريخياً وسياسياً.

نقرأ في العلاقة الإيرانية – السورية، دفاعاً عن التشابه. لدى السياستين يتشابك الخارجي والداخلي، بحيث ترتفع حصيلة عوائد تقاطع العاملين، إلى قضية «وجود»، يحضر فيها موضوع تثبيت النظام القائم، الممسك بالداخل، بالتأسيس على شهادة نجاحه في الميادين الخارجية. لا يخفى أن النظرية الإيرانية ترى في توسيع دوائرها الخارجية، حماية لدائرتها الوطنية، وقبلها بعقود، كانت للنظرية السورية مدرستها الخاصة، في المجالين «القومي» والإقليمي. لقد أمّن هذا البند في التشابه للنظامين، إمكانية ترحيل الأزمات الداخلية إلى خارج الحدود، مثلما أمكن ضبط «المأزومين» بجرعات من «الجوائز»، الوافدة من خارج البنية الوطنية. سلاح الضبط اجتمع فيه العقل والغيب، وتولت ترجمته ترسانة القمع وتحوير القضايا، وسوّغت لإدامته دعوات التجييش المستمرة، وسياسة الإعداد المستدامة لقتال المتربصين «بالأمة»، ولهزيمة المؤامرة... التي قلّما جرى التوفق «النظامي» في تحديد أطرافها، تحديداً عملياً يخلو من اللفظية والشعارية. باختصار، الدفاع عن علاقة التشابه في إثبات الوجود، لدى هذا النظام السياسي أو ذاك، هو في الوقت ذاته قتال، فردي وتحالفي، لاجتناب الوصول إلى النهايات المتشابهة، التي غالباً ما يكون الفشل خاتمة لمساراتها المؤلمة.

التشابه الإقليمي الذي يجعل «أهل الإيديولوجيا أمة واحدة»، له مثيله الدولي الذي ينافح عنه ويرعاه. روسيا والصين مقصودتان ومعنيتان بـ «المقولة التشابهية». لقد أقامت الدولتان طويلاً في صروح الإيديولوجيا، وإذ غادرت روسيا «الكتب العتيقة»، فإنها لم تقدم على القراءة الكافية، الكفيلة بتوليد أفكارها الجديدة. أما الصين، فما زالت محتفظة بمنطوق «الكتاب الأحمر»، من دون غلافه الخارجي فقط، وما زال ماوتسي تونغ يقود «الثورة الثقافية»، على رغم كل الطفرات الرأسمالية – الدولتية المحسوبة.

في الحالات المشار إليها، جميعاً، لم يتكفل الزمن «التقدمي» بعد، باستيلاد متشابهين من طراز آخر، وفي الأوطان تلك التي جرى ذكرها، ما زال الماضي السياسي – النظري قوياً وفاعلاً، إلى الدرجة التي تدمي كل الأيادي التي تحاول دق أبواب المستقبل، ولو بقفازات مخملية!

واقع الحال السوري، يقول، إنه في جانب منه، ضحية حلف التشابه، لذلك فإن نزعته المعارضة تتعرض لتلقي ضربات هذا الحلف، وطالما أن الثبات مطلوب في موقع، لتأمين استمرار ثبات كل المواقع، فإن الشراسة تصير مفهومة ضد محاولات فك أي حلقة من حلقات السلسلة التشابهية.

ولأن لبنان هو الجار الأقرب إلى سورية، ولأنه يشبهها في جوانب تكوينية عدّة، فإنه تعرّض لضغط هراوة «الحلف» المذكور، وما زال مهدداً بها. الأمر المختلف، لبنانياً، أن نظرية المتشابهين تطاول التشكيلة الأهلية، التي تهمّش التوليفة النظامية. هنا، وبالمفرق، لدى كل فريق شبيهه الذي يسعى إليه، ولأن التشابه ليس عاماً، فإن التنافر يظل «طبيعة» لبنانية غالبة. الإضافة اللبنانية إلى «نظام» المتشابهين، تكمن في مبادرة المقيمين إلى الاستخفاف بمجتمعهم، واستباق الوافدين إلى الديار الاستخفافية. يعلو مثلاً صوت يقول: إن جماعته بخير، أو فريقه السياسي بخير، من دون الأخذ في الاعتبار، واقع المجموعات المخاطبة، ومن دون الالتفات إلى الخير الذي يفارقها، أو إلى الشر الذي يحيق بها. إن إقصاء الوطن المستهدف بجعله متشابهاً، لا يقلق ساسة البلدان التي تستهدفه، لسبب بسيط، أن البلد يدفع من كيسه، وأن الوقت مفتوح، طالما أن السكان الأصليين ليسوا في سباق معه، بل هم في سباق إلى الاستجابة لتناسل النظريات التشابهية، التي هي استقوائية في الحالة اللبنانية. قبل اللبنانيين عاش العراقيون والفلسطينيون التجربة، ولا يزالون في إسارها، وهم، وإن اكتشفوا أن للدول مصالح، فإنهم لا يضيفون شيئاً، لكنهم يتأخرون عن إدراك حقيقة أن تقاطع المصالح، حين يتم، يكون على صورة تقطيع أوصال مسيراتهم الوطنية، وعلى طاولة المتشابهين... دولياً وإقليمياً.

=================

اكتشاف العلويين...

حسّان القالش *

الجمعة ١٠ أغسطس ٢٠١٢

الحياة

تروج الكتابة عن العلويين هذه الأيام، تزامناً مع تصاعد أحداث الانتفاضة السوريّة، لتتأرجح الكتابات بين خطّين: دفاعي، يضع نفسه في موقف المُدافع عن انطباع عام يتّهم الطائفة بعدائها للانتفاضة، من دون أن ينجح في تعريف الطائفة أساساً وموقعها في الخريطة الوطنيّة والتاريخيّة للبلاد. وآخر، هجومي، يفرض صورة نمطيّة سلبيّة واحدة ومتماسكة عن العلويّين، متنكّراً لانتمائهم السوري، ومستخدماً مفردات تحاكي لغة العزل والذميّة.

والحق أن مشكلة فهم، أو التعرّف على العلويّين، كطائفة، هي إحدى مشكلات المجتمع السوري الكبير الذي مزّقه الحكم البعثي ومنع وصوله إلى مرحلة انفتاح عام لمكوّناته الثقافيّة على بعضها البعض، لا سيما ما تعلّق بالأقليّات. وهي، أيضاً، إحدى إشكاليّات المثقّفين السوريّين، خصوصاً العلويّين منهم. ذاك أنّ أساس نشاطهم السياسي والثقافي انطلق من اعتبارات وطنيّة جامعة، ورفضهم تعريف أو تقديم أنفسهم على أنّهم مثقّفو طائفة. وما يقال في تعريف العلويّين وطنيّاً وتاريخيّاً، يقال في تعريفهم الدينيّ. ذاك أن حالة من الجهل تسود في الأوساط الشعبيّة عند بعض السنّة في سورية، ليس تجاه العلويّين فحسب، بل تجاه بقيّة الأقليّات الإسلاميّة أيضاً، من إسماعيليّين ودروز. إضافة إلى وجود شرائح ليست بالقليلة تتّهم هذه الأقليّات في انتمائها الإسلامي وتميل نحو تكفيرها. وهي حالة توافقت مع مصالح النظام في عمليّة رصّ الأقليّات معنويّاً وإيحائه لها بأنّه وحده القادر على حمايتها من المارد السنّي الرافض لها.

لكن الحاجة إلى تعريف العلويّين وغيرهم من الأقليّات، تعريفاً سوريّاً، تفرض ضرورتها اليوم للأسف. فالعلويون، وبعيداً من رواية المظلوميّة التي أشاعها وروّجها النظام الحالي في مجتمعهم، والتي تخوّفهم من مصير أسود ودمويّ في حال زواله، إضافة إلى الروايات الفلوكلوريّة التي تتحدّث عن محاولة إفنائهم عبر عصور التاريخ، تعرّضوا حقيقةً لظلم استثنائي أيام الحكم العثماني، زاد على الظلم الذي عمّ بقيّة السوريّين. لكن الظلم والتهميش اللذين تعرّضت لهما طائفتهم، إضافة إلى كونها أقليّة لم تحظَ بحماية خارجيّة تاريخيّاً، بعكس بقيّة الأقليّات، جعل الاندماج في الكيان السوري الحديث مشروعهم التاريخي الجامع.

ذاك أن الانتداب الفرنسي لم يتمكّن من خلق مشاعر استقلاليّة، عميمة وقويّة، عند المجتمع العلوي، وإن كان فرض عليهم نوعاً من حكم ذاتي تمثّل في حكومة اللاذقية (دولة بلاد العلويين) التي أشرف عليها مباشرة. فقد شهد المجتمع العلوي يومها تنافساً حامياً بين التيّار الاستقلالي المدعوم فرنسيّاً، والتيّار الوحدوي المدعوم من البرجوازيّة الوطنيّة في دمشق، تمكّن فيه الوحدويّون من الانتصار، وذلك بمساندة الفئة الوطنيّة في دمشق، التي امتلكت مشروعاً وطنيّاً ضمّ تصوّراً ناضجاً عن الكيان السوري الحديث، بينما لم يقدّم الفرنسيون مشروعاً مقنعاً ومقبولاً.

غير أن اندماج العلويّين السريع في الكيان الجديد المستقلّ كان يصطدم بخط معادٍ للأقليّات عند البعض في حكومة الاستقلال وسياسيّيها. وهذا ما قوّى ميلهم المبكر باتجاه مؤسسة الجيش، التي شهدت مع الاستقلال نزعتها للتخلص من سيطرة السياسيّين التقليديّين، وبدأت تميل نحو اليسار (الحوراني والبعث والشيوعي) والحزب السوري القومي، وهي الحركات التي اجتذبت الطيف الأوسع من جمهور الأقليات المختلفة.

غير أن نظام البعث، الذي سيتسلّم البلاد نهائياً مع انقلاب 1963، ثم انقلاب 1970، الذي سيترافق مع استقرار سياسي حديدي وقهري، سيهيمن العلويون على مفاصل رئيسيّة فيه، وسيجد هؤلاء في أبناء طائفتهم، طاقة بشرية يمكن الاعتماد عليها لتدعيم نفوذهم وحمايته، ذاك أن افتقار العلويين، كمجتمع، للتقاليد المهنيّة وللخصوصيّة الاقتصاديّة جعلهم يميلون نحو الوظائف الرسمية والتعليم الجامعي. وهذا ما يفسّر إصرار النظام على إبقائه حالة التهميش تجاه مناطقهم، لتتقلّص خياراتهم وتنحصر في الاعتماد على سياسة التوظيف في مؤسسات الدولة، ومنها الجيش والأجهزة الأمنية المختلفة.

بيد أن تقييد العلويين بالدولة وتقديماتها سيقابله صعود في المجال الثقافي والعلمي سيميّز المجتمع العلوي، وسينتج نخباً ثقافيّة ستلعب أدواراً رياديّة في الثقافة الوطنيّة السورية. وهذا ما يفسّره العدد الكبير الذي زجّ في سجون النظام من المثقفين العلويين ممّن عارضوه وعملوا على نقده وتفنيد مشروعيّته في سياساته المختلفة. وهذا ما نجده اليوم، في الانتفاضة السورية، من تعدّد الرموز الثقافية المعارضة للنظام والمنخرطة في الانتفاضة ما يشير إلى انتمائهم الوطني ورفضهم لنظام تاجر بانتماءاتهم الأصليّة ورهن مجتعهم وغيره من الأقليّات لمصالحه وفي سبيل بقائه.

 

=================

المرأة - الثورة في سورية الثائرة

مرح البقاعي وناصر الربّاط *

الجمعة ١٠ أغسطس ٢٠١٢

الحياة

مع تباينها في الزخم والمنحى والنتيجة، اشتركت الثورات العربية في هدف واضح ومحدّد: التحرّر من عقود من الاستبداد ممثّلاً بالحاكم الواحد الأوحد، ومن حوله عائلته أو عشيرته أو طائفته. وللتحرر العربي المرتجى ـ خلافاً لحركات التحرّر في العالم ـ وجه آخر، من دونه لن تكتمل نهضة شعوبنا البتة، إلا أن الحديث عنه خافت والنظر عنه منصرف، إنّه تحرّر وحريّة المرأة ـ النصف الأكثر معاناةً في مجتمعاتنا على مر العصور، والنصف الذي ضُحّي بحقوقه أكثر من مرة على مذابح العنجهية الذكورية المتمترسة خلف التاريخ والعرف والدين والعادات القبلية المتعنّتة التي ما انفكت تملي على مجتمعاتنا، بسياساتها وقوانينها ودساتيرها، قواعدَها التي تجاوزها الإدراك الإنساني.

ففي منظومة اجتماعية يرسم قواعدَها الرجل بامتياز تصنيفه الفيزيولوجي، ويخطّ قوانينها المدنية ويجتهد في قولبة تشريعاتها رجال أيضاً، وفي ظل أسطورة التفوق الذكوري التي يشبّ عليها الصِبية في البيت والمدرسة والشارع، يغدو غياب المرأة عن خطوط المدّ التفاعلي ومكامن الإنجاز السياسي محصّلة لما هو وضعي بشريّ مؤدلج، أو عقائدي ديني مُنزل، كما تغدو نزعة المرأة في الالتحاق بعالم صمّمه الرجال على مقاسهم ضرباً من الترف في مجتمع يتعمّد حشرها في زوايا ضيقة من شؤون حياتية أدنى إنجازاً وأضعف اتصالاً مع مراكز الحراك المدني والسياسي.

المشهد الاجتماعي هذا كان طاغياً وموغلاً في سورية "البعثية" إلى أن اندلعت الثورة السوريّة الماجدة في 15 آذار (مارس) 2011، وبرز في حينها دور المرأة السوريّة جليّاً ومفصلياً في الحراك الثوري على المستويين الشعبي والنخبوي. خرجت سيدات سورية وشاباتها منذ اليوم الأول لاندلاع التظاهرات في دمشق انتصاراً لأطفال درعا الذين اختاروا، بحس بالبراءة خالص، أن يرسموا حريّة سورية على الجدران، قبل أن ينتزع رجال الأمن السوري أظافرهم وزغب طفولتهم في آن واحد، لتنبت من دمهم صرخات الحريّة والكرامة في كل حيّ وقرية ومدينة سوريّة. فأين وقفت المرأة السوريّة من أجيج الثورة العارم هذا؟ وكيف طوت المسافة الفاصلة بين صمتها المديد والمتحفيّ وبين خروجها العظيم إلى أتون الجلجلة؟!

مع الرجل، نزلت إلى الشارع متظاهرة وهاتفة بشعارات الحرية والكرامة، ومع الرجل ساهمت في نشر الدعوة إلى التظاهر والاحتجاج وفي شرح وتبرير وتفعيل الحاجة إليهما لبناء سورية الجديدة، عبر الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وعبر الملصقات والمقالات والمناظرات التلفزيونية. وغالباً ما تعرّضت النساء للعقوبة بعنف، وسجنّ بسبب نضالهن، واضطرت بعضهن، كما إخوانهن الرجال، إلى تنكب طريق المنفى لكي يتمكنّ من الاستمرار بنضالهن. هاته النسوة هن الرموز والناشطات، أما الغالبية العظمى من النساء السوريات، فقد عبّرن عن تأيدهن للثورة من خلال دعمهن لرجالهن وقيامهن بكل ما يلزم الأسرة عند غياب الرجل، وتحملن في حالات عديدة عنف النظام ووحشيته التي صبها عليهن تعذيباً واغتصاباً وقتلاً، بأسلوب همجي واضح تُشتم منه تأثيرات المنظومة الذكورية العتيدة التي لا تزال تؤمن بأن الاعتداء على النساء جنسياً عقاب مباشر لهن وعقاب أكثر ضوضاء وتعبيريةً لرجالهن.

في 2010، وبمناسبة يوم المرأة العالمي في 30 آذار (مارس)، كان الحوار الأممي دائراً حول تمكين المرأة في الدول النامية ودعم مشاركتها السياسية محلياً ودولياً. لكن، بينما الاحتفاء بحريّات المرأة كان دائراً حول العالم، كانت هناك سيدات سوريّات ملاحقات ومعتقلات في سجون النظام الأسدي لأنهن نادينَ بالحرية وحق المشاركة السياسية أذكر منهن: خولة دنيا، تهامة معروف، لينا زيتونة، فداء حوراني، سمر يزبك رغدة حسن، وطلّ الملوحي ـ أصغر معتقلة سياسية في العالم.

إلا أنّ ربيع 2011 كان فصلاً مغايراً وموعداً استثنائياً مع صناعة التاريخ لسورية الجديدة، إنه فصل الصحوة والقيامة من اليباب. سهير الأتاسي كانت في مقدم من تظاهرن في الأسبوع الأول من الثورة واعتقلت من أمام مبنى وزارة الداخلية بدمشق، وأعلنت، بصوت نساء سورية الواحد، أن لا عودة إلى الاستبداد، وأن لا بديل عن الثورة إلا الثورة، وأن المرأة هي عبق تلك الثورة ووردة دمها العالي.

الثورة السوريّة الماجدة لن تكتمل إلا إذا اقترنت ببرنامج حازم لتحرير المرأة، برنامج يضمن حقوقها كاملة على الصعد الاجتماعية كافة، وكذا مساواتها الدستورية والقانونية التامة بالرجل في الحقوق والواجبات. فالدستور القادم، ومجموعة القوانين الديموقراطية التي ستنبثق منه، يجب أن تؤكّد حرية المرأة واحترام خصوصيتها واحترام جسدها وعقلها وعواطفها، وتضمينها في القوانين والتشريعات كافة، وتمكين نفاذها من طريق تفعيل الأدوات والمؤسسات الموازية وإنشاء الروادع القانونية والعقابية لكل من يستمر في الاعتداء على هذه الحقوق تحت أي مبرّر. وعلى الدستور القادم أن يتضمّن أيضاً حق المرأة باحتلال أي منصب في الدولة بما فيها منصب الرئاسة والوزارات السيادية وكذا المناصب القضائية من القضاء المدني إلى القضاء الدستوري. ومن الأهمية أن تتم في الفترة الانتقالية معادلة وجود المرأة في المناصب القيادية مع وجود الرجل، تعييناً لا انتخاباً، لتدريب الشعب السوري على صيغ المساواة هذه، تماماً كما فعلت الأمم الحرّة عندما دمجت الفئات المقهورة من مجتمعاتها في الحياة السياسية.

فصل المقال يكمن في حتميّة ترافق الثورات السياسية بأخرى ثقافية انقلابية على الراكد السلطوي ذي القيمة الرجعية، ثورة ثقافية هي الرديف والرافد للثورات السياسية على ألوان الاستبداد، وأن التحرّر السياسي المرتجى لا يستوي إلا موازاة بتيار من التغيير المجتمعي ينقلب على كل مثبّطات الحراك الثوري ومسكّناته وفي مقدمها تغييب شراكة المرأة ـ نصف المجتمع الفاعل ونسغ المستقبل العميم.

=================

الطريق إلى طرطوس

وفيق السامرائي

الشرق الاوسط

10-8-2012

بعد المذابح البشعة التي تعرض لها الشعب السوري على يد قوات القمع، لم يعد الانتقال السياسي على غرار الطريقة اليمنية ممكنا، وستأخذ الوصفة الأميركية التي تدعو إلى المحافظة على تماسك القوات المسلحة وأجهزة الأمن طريقها إلى «سلة المهملات». ومن يصر على البقاء في هذه الأجهزة حتى ساعة السقوط لا يستحق أكثر من شموله بالرأفة والعفو، إن لم يكن في مواقع القرار والأمر والقيادة والتنفيذ الميداني.

وبدل الاستجابة للدعوات الدولية، قررت عصابة النظام تحويل الصراع إلى حرب أهلية بطابع طائفي، بمسايرة نفر ضال من أبناء مناطق الثورة، ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا مطايا طيعة، طمعا أو جبنا. وما كانت عمليات حمص والساحل إلا حملات تطهير طائفي، أريد بها التمهيد لأرضية إقامة دولة الساحل، من طرطوس إلى اللاذقية طولا، ومن البحر إلى حمص عرضا، إذا ما فشل القمع في مجابهة الإرادة الشعبية. إلا أن شباب الثورة أحبطوا خطط فرض السيطرة على حمص، بدفاع أسطوري قل مثيله.

ومن الناحية العسكرية المجردة، فإن فكرة تكوين هذه الدولة قابلة للتنفيذ، بحكم استحواذ السلطة على القسم الأكبر من معدات القتال، ووجود قدرة بشرية مؤقتة لتشغيل المعدات اللازمة للدفاع عن «دولة الأوهام»، إلا أن مثل هذا الدفاع سيكون مكلفا جدا على المدى المتوسط، مهما بلغ الدعم الخارجي. لأن تعبئة الطاقة البشرية العاملة كلها في التشكيلات القتالية سيؤدي إلى شلل تام في مؤسسات الدولة المدنية. فيستحيل تحقق إدامة الصراع تجاه قوة لا تدفعها رغبة الانتقام وحدها، بل أهمية الموقع البحري للدولة الأم، ووجود نسبة بشرية مهمة موالية لوحدة الدولة على طول الساحل. وسيقع صراع حاسم تكون الغلبة فيه للدولة الأم. ولن تترك احتمالات الاحتكاك في المناطق الكردية - إذا ما حدثت - أثرا كبيرا على الوضع الاستراتيجي.

تكوين دولة الساحل يتناغم مع مصالح الروس، للمحافظة على قاعدتهم في طرطوس، غير أن عمر هذه الحالة - إذا ما تحققت - سيتوقف على مدى الضغط العسكري من الدولة الأم، التي ستحظى بدعم عربي غير مقيد. وعندئذ يجد الروس أنفسهم أمام حقيقة أن الهرب لا مفر منه، بسبب موقفهم الرسمي الأحمق المؤيد لاستخدام القوة المفرطة ضد غالبية الشعب السوري.

أي محلل أو خبير عسكري يتابع الثورة السورية، لا يمكنه إلا أن يؤدي التحية، إعجابا بما تحقق من نقطة الصفر إلى مجابهة نظام ثبت أنه أكثر إجراما من أي نظام آخر. فمن شعب لا يمتلك بنادق صيد إلى جيش مقاتل كأنه نزل من السماء، وكل ما يقال عن أن السلطة لم تستخدم إلا نسبة قليلة من تشكيلات الجيش ليس صحيحا بالكامل، فقد استخدمت كل الموارد بلا استثناء، وبدأت تقارير المعارضة عن وجود تعزيزات بشرية خارجية لصالح السلطة، تكتسب مصداقية واضحة، ويرجح أن يكون بعض عمليات القتل المطبوعة بقسوة مفرطة من عمل هؤلاء المرتزقة وقوى الشر الآتية من خارج الحدود.

إن ما يقال عن حرب إقليمية قد يكون مبالغا فيه حتى الآن، فالأردن أكثر قدرة على التماسك والتحسب واتخاذ القرار الصحيح، مما يعتقد بعض المحللين، وستذهب جهود السلطة في دمشق إلى خانة الفشل الأكيد، مهما تمادت تجاه الأردن. ومن يذهب إلى عمان يخرج بذات الانطباعات الإيجابية التي تتكون ساعة الدخول. وما يطرح من احتمالات لنشوب حرب مباشرة بين إيران وتركيا فلا يتعدى السيناريوهات التخيلية. أما محاولات إشعال حرائق أو تدبير عمليات إخلال في الأمن أو حوادث تخريب في تركيا ومصر والخليج، فهذا من ألف باء حسابات الأمن ولا مفاجأة فيه. وللدول المعنية القدرة الكافية لاحتواء نشاطات كهذه، عدا البطن الرخوة في لبنان، وربما يختار الناس هناك الجنوح إلى التعقل، والتسليم بالأمر الواقع.

منذ تفجير مكتب الأمن القومي، وخلافا لأبسط متطلبات القيادة والسيطرة، فإن بشار لا يزال يحرص على التخفي. وإذا كان الطريق إلى قاعدة طرطوس الروسية مفتوحا حتى الآن، فسيغلق أمامه مستقبلا. ففي كل يوم يمر، تزداد فنون «الجيش الحر» في تنويع أساليب الحرب الثورية، خصوصا ما يتعلق بالتحكم في الحركة العسكرية على الطرق الرئيسية والفرعية، وقد ظهرت استخدامات واسعة للعبوات الناسفة تجاه الأرتال العسكرية، وهو أسلوب أرهق القوات الأميركية في حرب العراق.

==================

بوتين ومصالح روسيا الحقيقية في سوريا

أمير الظاهري

الشرق الاوسط

10-8-2012

في السياسة، يعتبر الأمر غير الضروري أحمق، هذا بالضبط هو الدرس الذي سيتعلمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما يستعرض طريقة تعامله مع الأزمة السورية.

وسواء أكان هذا الرأي صوابا أم خطأ، فهناك إجماع دولي على قيام روسيا بلعب دور سلبي في الأزمة السورية. ففي الأسبوع الماضي، قام ثلثا أعضاء منظمة الأمم المتحدة بتحميل روسيا ضمنيا المسؤولية عن منع مجلس الأمن من التوصل إلى قرار بشأن سوريا، مما يؤدي بدوره إلى استمرار إراقة المزيد من الدماء في سوريا، في الوقت الذي ذهب فيه الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان لأبعد من ذلك، عندما حمل بوتين شخصيا مسؤولية فشل «خطة السلام» الخاصة به.

من المتوقع أيضا أن يؤكد مؤتمر التضامن الإسلامي الذي سيعقد في مكة قبل نهاية شهر رمضان الجاري هذا الشعور. وحتى الوقت الراهن، أدى موقف بوتين المؤيد للأسد إلى توجيه نظرة ازدراء متزايدة تجاه روسيا من قبل أغلبية بلدان حركة عدم الانحياز، ناهيك عن الغالبية العظمى من البلدان العربية والإسلامية، بينما ألقى هذا الموقف بظلاله أيضا على علاقات روسيا بالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

أثارت السياسة التي ينتهجها بوتين عداء أوروبا، الشريك التجاري الرئيسي لروسيا، والشرق الأوسط والشرق الأقصى والأميركيتين. وبغض النظر عن الطريقة التي ستؤول إليها الأمور في سوريا، أدت هذه السياسة أيضا إلى ضخ جرعة كبيرة من المرارة في العلاقات الروسية - السورية لسنوات طويلة مقبلة. أدى الموقف الروسي أيضا إلى وقوع الكثير من الأضرار في أشكال مختلفة، حيث إنها تسببت في شلل مجلس الأمن، مما يشكل سابقة من الممكن أن تستخدمها القوى الكبرى الأخرى التي تملك حق النقض في المجلس في المستقبل. لقد نجحت سياسات بوتين في طمس المكاسب الدبلوماسية التي حققتها روسيا في حقبة ما بعد الحرب الباردة، وأعادت النظام الدولي إلى تلك الحقبة القبيحة في خمسينات وستينات القرن الماضي. وسوف يتساءل الروس كثيرا عن المكاسب التي قد يكونون حققوها من وراء الدعم غير المحدود للأسد.

وكرجل استخبارات محترف، ينبغي على بوتين أن يدرك كيفية قراءة المستقبل في سوريا، حيث إنه يدرك تماما أن غالبية الشعب السوري، بما في ذلك كثير ممن يدعمون نظام الأسد لأسباب مختلفة، قد ضاقوا ذرعا بالأسد.

ساهمت الكثير من الافتراضات المشكوك في صحتها في صياغة سياسة بوتين تجاه سوريا، حيث كانت أولى هذه الافتراضات هي أن سياسة الحكم عن طريق ارتكاب مجازر، التي جربها بوتين نفسه في الشيشان، ربما تنجح أيضا في سوريا. ولكن الشيشان كانت أمرا مختلفا تماما، حيث كان الجيش الروسي يحارب في إقليم لا يوجد به سكان روس. لقد كانت حرب الشيشان حربا خارجية تقليدية حارب فيها الجيش الروسي ضمن الحدود القانونية للاتحاد الروسي، أما في سوريا، فالجيش يتألف من السوريين أنفسهم، لذا فمن غير المحتمل أن يستمر في ارتكاب هذه المجازر، حتى لو أراد ذلك، في ظل الرفض الشعبي لهذه المجازر.

ليس من الضروري أن يتمكن الأسد من تكرار ما نجح بوتين في القيام به في الشيشان، على الأقل بصورة مؤقتة.

أما الافتراض الثاني فيكمن في أنه بالحفاظ على نظام الأسد في سوريا، فمن الممكن أن ينظر إلى روسيا على أنها الحامي لبعض الأنظمة الديكتاتورية الأخرى، بداية من نظام الملالي في طهران ومرورا بسلالة كيم في كوريا الشمالية وحتى نظام روبرت موغابي في زيمبابوي. ولكن، ما الفائدة التي من الممكن أن تعود على روسيا من وراء ذلك؟

وحتى لو افترضنا نجاح بوتين في المحافظة على بقاء مثل هذه الأنظمة الاستبدادية لفترة أطول من الوقت، فسوف تظل هناك دوما حقيقة ثابتة، فروسيا لا تعاني من المشاكل الكبيرة التي تواجهها هذه الشعوب، على الرغم من العيوب الكبيرة الموجودة في ديمقراطيتها الهشة.

أما الافتراض الثالث فيعد أيضا مثيرا للجدل، حيث يزعم بوتين أنه بحماية الأسد سوف يتمكن من المحافظة على بقاء القاعدة البحرية الروسية في ميناء طرطوس السوري. وعلى الرغم من ذلك، فوجود قاعدة عسكرية في منطقة نائية مضطربة هو أمر ليس له أهمية عسكرية تذكر. وعلى أي حال، فإن لم تكن روسيا في حالة حرب، فسوف يستمر أسطولها البحري بالتمتع بحرية الملاحة في شتى أنحاء البحر المتوسط، أما إذا كانت هناك حالة حرب، فتركيا، بوصفها عضوا في حلف شمال الأطلنطي (الناتو)، سيكون لها الحق في إغلاق مضيق الدردنيل أمام الأسطول الروسي قبل أن يتمكن من الوصول إلى طرطوس.

أما الافتراض الأخير الذي بنى عليه بوتين سياسته تجاه سوريا فيتمثل في اعتقاده أن حماية الأسد سوف تمكن روسيا من منع وصول «الآيديولوجيات المعادية» إلى الحكم في سوريا، التي تتمثل في نظام إسلامي بقيادة جماعة الإخوان المسلمين. أكد يفغيني بريماكوف، وزير الخارجية ورئيس الوزراء الروسي الأسبق، هذا الشعور، عندما زعم أن وصول نظام إسلامي إلى سدة الحكم في دمشق يمكن أن يتسبب في تعميق الاتجاهات الانفصالية بين الجمهوريات الإسلامية في روسيا.

من الصحيح أن بعض المجانين المنتمين إلى ما تسمى «حركة الخلافة» يحلمون بـ«استعادة» السيطرة على بعض الأراضي الروسية، ولكنهم يريدون أيضا السيطرة على كامل شبة جزيرة أيبيريا وحتى روما وجزء كبير من فرنسا. وعلى الرغم من ذلك، فلم تقم جماعة الإخوان المسلمين في سوريا بإثارة مثل هذه المطالب التحررية ضد روسيا أبدا، (ومن المفارقات أن لديها بعض هذه المطالب ضد تركيا).

قد لا يعلم بوتين أن الدستور الذي وضعه حزب البعث العربي الاشتراكي، الأداة السياسية التي يستخدمها الأسد، يتضمن بعض المطالب الإقليمية التي من شأنها أن تنطوي على تفكيك الاتحاد الروسي، حيث يدعي الحزب أن «الوحدة العربية» هي هدفه الرئيسي، لذا يتحدث عن «أمة عربية واحدة لا تتجزأ» على «حدودها التاريخية» التي تمتد من المحيط الأطلنطي إلى المحيط الهندي.

تتضمن هذه المساحات الواسعة من الأراضي بعض المناطق التي حكمها أو فتحها العرب كجزء من الإمبراطوريات الإسلامية المختلفة، بما في ذلك معظم دولة إثيوبيا والصحراء الأفريقية وجزء كبير من البحر المتوسط وجنوب غربي إيران وجنوب شرقي تركيا وبعض الأجزاء من باكستان. ينظر حزب البعث أيضا إلى المناطق الممتدة من جبال أكتاش (التاج الأبيض) في آسيا الوسطى إلى القوقاز، فضلا عن أجزاء كبيرة من حوض بحر قزوين على أنها مناطق عربية.

أما الأمر الأكثر إثارة للاهتمام من وجهة نظر بوتين، فيتمثل في ادعاء حزب البعث أن الكثير من الجمهوريات الروسية التي تتمتع بحكم ذاتي هي جزء من «الأراضي العربية» التاريخية، بما في ذلك تتارستان وباشكورتوستان وقراتشاي - تشيركيسيا وداغستان والشيشان وأنغوشيا وأوسيتيا وأودمورتيا وغيرها الكثير.

ينبغي على بوتين التفكير مليا للإجابة على سؤال بسيط: كيف يمكن لزعيم يعامل أبناء بلده كأعداء أن يكون صديقا حقيقيا لدولة أجنبية؟

لا ينبغي على بوتين الخلط بين الاستراتيجية الدبلوماسية والحملات الاستخباراتية، ففي الأخيرة يتم استخدام كل أساليب الخداع إذا كانت الأمور تحدث في الخفاء. أما في الدبلوماسية، وبخاصة في عصر الشفافية المتزايدة، فلن يتمكن أحد، حتى بوتين، من إخفاء حقيقة نظام الأسد الوحشي. وعندما يسقط الأسد، كما هو متوقع، فسوف يترك بوتين وحيدا كشريك موهوم بدلا من كونه زعيما صاحب رؤية.

وفي المفهوم الأكثر سخرية في السياسة الواقعية، يعد دعم الأسد أمرا سيئا على سوريا وروسيا والسلام والاستقرار الدوليين.

==================

استمرار تدهور الأوضاع في سوريا والعراق

مراد يتكين

الشرق الاوسط

10-8-2012

في يوم الأحد 5 أغسطس (آب)، أعلنت إدارة الرئيس السوري بشار الأسد أنها تمكنت من تطهير العاصمة دمشق من «العناصر الإرهابية»، فضلا عن تحقيق تقدم ملحوظ في حلب، بعد أن قامت بنشر 20 ألف جندي إضافي هناك.

وفي يوم الاثنين 6 أغسطس (آب)، وقع تفجير في مبنى الإذاعة والتلفزيون الحكومي، والذي كان من الممكن أن يعتبر عملا إرهابيا منفردا، ولكن تبعه تطور آخر شديد الأهمية؛ حيث استقال رئيس الوزراء السوري رياض حجاب، والذي تولى منصبه عقب الانتخابات العامة التي جرت في البلاد في شهر مايو (أيار) الماضي، وغادر البلاد متوجها إلى قطر، على الأرجح.

كانت هذه ضربة أخرى موجعة لنظام الأسد عقب التفجير الذي حدث في الشهر الماضي وتسبب في مقتل أربعة من كبار المسؤولين الأمنيين في البلاد.

ليس من الواضح ما إن كان الأسد قد قام بإقالة حجاب قبل أو بعد علمه بخبر مغادرته للبلاد بصحبة عائلته، ولكن المتحدث باسم حجاب قد صرح لوسائل الإعلام بأن حجاب سوف ينضم إلى المعارضة السورية، وربما إلى المجلس الوطني السوري.

لا يزال أحد المساعدين الآخرين المقربين من الأسد، والذي غادر دمشق منذ شهرين تقريبا، يقوم بجولات في البلدان المجاورة (على الرغم من عدم الإعلان عن دخوله إلى أنقرة) حتى يتسنى له المشاركة في سيناريوهات الحكومة الانتقالية لفترة ما بعد الأسد.

من الممكن أن يكون حجاب جزءا من هذه السيناريوهات؛ حيث إن مجموعة «أصدقاء الشعب السوري» الغربية رفضت بالفعل نموذج اجتثاث حزب البعث الذي تم تطبيقه في العراق، والذي أدى إلى تدمير البلاد، مما يعني أن الحكومة الانتقالية في سوريا سوف تكون في حاجة إلى بعض الأشخاص من النظام السابق والذين أبدوا ندمهم (أو على الأقل تظاهروا بذلك) عما اقترفت أيديهم. تتضمن قوائم هؤلاء الأشخاص الوزراء وضباط الجيش ذوي الرتب المتوسطة ورجال الشرطة والمطافئ والمدرسين والأطباء، بينما يبدو أنه يتم حاليا العمل على تشكيل حكومة انتقالية لإدارة شؤون البلاد.

يمكن النظر إلى انشقاق حجاب على أنه مؤشر على الضعف المتزايد الذي تعانيه سوريا، بينما تهدف مرحلة ما بعد الأسد إلى منع البلاد من الانجراف نحو الفشل.

ولأن العراق معرضة لخطر الفشل هي الأخرى، بدأ مسعود بارزاني، زعيم حكومة إقليم كردستان، الذي يقع شمال العراق على الحدود التركية، بتوقيع عقود التنقيب عن النفط والغاز مع شركات الطاقة العملاقة على الرغم من اعتراض رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، والذي يرفض الموافقة على إقرار قانون الهيدروكربونات لتنظيم تقاسم عائدات النفط والغاز.

ترغب شركات الطاقة العملاقة بشدة في توفير المزيد من كميات النفط والغاز غير الخاضعة للسيطرة الإيرانية والروسية وضخها إلى الأسواق الغربية، بينما توفر تركيا خيارا محتملا، تحت حماية حلف شمال الأطلسي، لنقل الموارد الكردية الأذربيجانية باتجاه الغرب.

وبطبيعة الحال، يمثل وجود حزب العمال الكردستاني وجناحه المسلح في منطقة حكومة إقليم كردستان شوكة في الحلق وعقبة كبيرة أمام المزيد من التعاون، ولكنه يعد أيضا ورقة مساومة بالنسبة لبارزاني. لا يمكن اعتبار هذه المشكلة سهلة، ولكن من دون مساعدة النظام السوري وأصدقاء النظام السوري الحالي، من المرجح أن يقع حزب العمال الكردستاني في دوامة لا تنتهي.

وإذا تفككت سوريا، فسوف يكون انقسام العراق أمرا وشيكا، ولكن إذا بدأ حدوث تغيير في الحدود في هذا الإقليم، فلا يمكن لأحد أن يتوقع كيف سينتهي الأمر.

 بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية

===================

سوريا: مشروع علوي آخر!

عماد الدين اديب

الشرق الاوسط

10-8-2012

حذر ملك الأردن الملك عبد الله الثاني من أن النظام السوري يخطط لمعركة طويلة سوف تحول سوريا إلى جحيم، وأن هناك مشروعا يجري الترتيب له هو إنشاء دولة علوية.

وحذر العاهل الأردني في تصريحات صحافية من أن هذا السيناريو هو الأسوأ على الإطلاق، مؤكدا أن بشار الأسد يسعى إلى إقامة إقليم علوي على الأراضي التي يسيطر عليها بعدما يصل إلى اقتناع بأنه غير قادر على السيطرة على كافة الأراضي السورية.

وفي يقيني أنه يتعين أخذ تصريحات الملك عبد الله الثاني بجدية شديدة بسبب الاهتمام الاستثنائي الذي توليه بلاده للجارة السورية التي تعتبر الآن أكثر بوابة ملاصقة مهددة للمخاطر بعدما هدأت البوابة العراقية من تصدير مشاكلها ومخاطرها إلى الأردن. ولكن ما هي الدولة العلوية؟ وما هو مستقبلها؟ وأين يمكن أن تتكون؟

الطائفة العلوية هي إحدى طوائف الشيعة، لهم نفس تسلسل الأئمة الاثنى عشرية لكنهم افترقوا عنهم بعد الإمام الحادي عشر الحسن العسكري. ويوجد العلويون في جبال الساحل السوري، وهم يختلفون فكريا عن علويي المغرب أو اليمن أو تركيا.

وعرف العلويون سياسيا في سوريا بهذا الاسم بناء على تصنيف أعطاه لهم الاستعمار الفرنسي عام 1918.

في عام 1970 تولى حافظ الأسد الحكم، ومنذ ذلك التاريخ هناك دعم وتصعيد سياسي وأمني للقيادات «العلوية» وبالذات علويي «القرداحة» مسقط رأس عائلة الأسد. ورغم عدم دقة الإحصاءات الرسمية في سوريا، فإن أقصى تقدير وصل إليه تعداد الطائفة العلوية في سوريا هو 11 في المائة من إجمالي السكان. ويتجمع معظم العلويين في سلسلة الجبال الممتدة من عكار جنوبا إلى جبال طوروس شمالا، ويتركزون في سوريا في ريف حماه وحمص ولواء اسكندرون وقلقيلية في تركيا. وتعد فكرة فصل الدولة عن الدين هي نقطة ارتكاز أساسية في فكر العلويين؛ حيث إن الفكر العلوي السياسي يخلو من أي مرجعية دينية.

هذا المشروع، إذا ما رأى النور فهو كارثة بكل المقاييس لأنه سوف يؤدي إلى تفتيت الدولة السورية الموحدة التي عرفت التجانس والتماسك الجغرافي منذ آلاف السنين. ومشروع الدولة العلوية، لا يمكن أن يكون الحل الوسط لاستمرار نظام الأسد، لأن بحار الدماء التي سالت بالفعل بينه وبين الشعب السوري يصعب تجاوزها مهما كانت الصفقات أو المؤامرات أو التسويات الدولية.

وإذا كان آل الأسد قد استغرقوا 42 عاما كي يصلوا إلى الاقتناع بأن سوريا الموحدة ليست قابلة بحكمهم، فكم سوف يستغرق «بيت الأسد» في إدراك استحالة المشروع العلوي؟!

=============================

حرب إقليمية على الأرض السورية!!

يوسف الكويليت

الرياض

9-8-2012

    خاضت الدولة الصفوية مع الدولة العثمانية حروباً مدمرة، انتصر في غالبها العثمانيون مع أن المكوّن للشعب الإيراني قبائل تركمانية، لكن الصراع كان بين مذهبين ودولتين كلّ منهما تريد أن تكون القوة المنفردة، لتعيد امبراطوريتها الكبرى..

حاضراً، هناك ريبة بين البلدين، فسقوط العراق في حضن إيران استدعى في البداية أن تنشط السياسة التركية تجاه سورية بفتح الحدود، وزيادة الاستثمارات والدخول بهوية البلدين، وكان الأسد يتمتع بالصديق الأول مع (أردوغان) غير أن انفجار الثورة باعد بين الزعامتين والبلدين، وخلق اتجاهاً مغايراً لتلك البدايات..

فالقتال الجاري بين الجيشين النظامي، والحر، أصبح ذراعاً لكل بلد، ففي الوقت الذي تبذل فيه إيران وقف سقوط الأسد ودعمه مادياً وعسكرياً، وإدخال عناصر من حرسها الثوري وأعضاء من حزب الله، نجد تركيا تفتح الباب للهاربين من الحرب أو اللاجئين لها، وتقدم السلاح والمعونات الأخرى للجيش الحر، فتحولت الحروب بالنيابة بما يشبه حروب الماضي بين العثمانيين والصفويين..

تركيا السنّية، حتى لو لم تعلن صراحة، أن جوار حكمٍ سوري يخضع ويتحالف مع إيران يهدد أمنها، وبالتالي فسقوط النظام أصبح مطلباً قومياً، لأن المحاولات الأولى مع الأسد بإنشاء علاقات جاذبة تبعده عن إيران، كانت أحد الأهداف التركية، ولأن البلد الذي طالما كان على خط النار معها، لابد من احتوائه، لكن مسار العمل الدبلوماسي والاقتصادي غيرته طبيعة الثورة، والتي بدأت سلمية، إلى أن أصبح استخدام ذراع القوة العسكرية، يغير تلك العلاقات، ويجعل حكومة أنقرة تتجه للأكثرية الشعبية على حساب الأقلية الحاكمة..

رؤية إيران تضاد كل الأهداف التركية، بمعنى أن حلم قلب سورية إلى بلد شيعي، تعاونت سلطة الأسد، مع البذل الإيراني، أعطى مؤشرات أن فئات من الشعب قد تغريها الأموال، والامتيازات الأخرى بأن تغير مذهبها، لكن متانة الوضع السنّي أوقف هذا المد، والآن أصبحت إيران متورطة مادياً وعسكرياً في الشأن السوري، لأن نهاية النظام تعني قطع حبل السرة مع حلم الدولة الشيعية التي تمتد من آسيا الوسطى، فإيران فالقوس العراقي - السوري - اللبناني، وقطعاً فإن الذهاب بعيداً إلى حد اتخاذ مبدأ الأرض المحروقة، صار هدفاً أساسياً واستراتيجياً لكل من سلطة دمشق، وحكم الملالي..

إذن مثلما أفرزت الثورة، جيشين ونظامين في الداخل السوري، فإنها فتحت حرباً أخرى إقليمية بين إيران وتركيا، وهذه المرة ميدان المعركة هو الأرض السورية، وحتى لو جاء الاعتبار أن تركيا تتحرك من أفق ومعاهدات حلف الأطلسي العضو فيه، فإن وضع إيران في حرب استنزاف معها، يعطي لتركيا بعداً آخر يقربها من محيطها العربي، ثم الإسلامي باعتبار أن الأكثرية السنّية في هذا العالم، كشفت عن أن إيران تسعى بمنطلق مذهبي وخلفية قومية فارسية، لإعادة الاعتبار للامبراطورية الفارسية، وهذا يجعل تركيا في منصب القائد للجبهة السنّية، وهو ما يخيف إيران، وبالذات أن تكون سورية نواة سقوط هذا الحلم، ويعني ذلك أن جبهة مضادة سنّية سوف تحيط بها، أي أن الأهداف التي حلمت بها إيران سوف تنعكس سلباً على أمنها واستقرارها..

=================

الواقع السوري بدأ سهلا.. وتحول إلى لعبة أمم !

القوى الخارجية المؤيدة للأسد قد لا يهمها كم يموت من الشعب، ولابأي وسيلة، لأن مصالحها الإستراتيجية تأتي في المقام الأول

م. سعيد الفرحة الغامدي

الخميس 09/08/2012

المدينة

مسرح الأحداث الدامية على أرض الشام تجاوز الصراع الداخلي المطالب برأس السلطة وإحلال رؤوس ونظام جديد أيًا كان شكله وهواه؛ طالما كان نقيضًا لسلفه. ومع مرور الوقت تعقّد الموقف وأصبح من غير الممكن إسقاط الحل اليمني على الحالة السورية كما كان التمني في بداية الأحداث.. مخرج آمن للأسد ورفاقه ومجيء وجوه جديدة تخدم المرحلة وتعيد للبلد أمنه واستقراره حتى يتشكل مجتمع قادر على قبول تعددية وتداول السلطة بالطرق السلمية.

دول المنطقة معظمها انحاز لجانب التغيير باستثناء إيران ونصف لبنان، وفي مجلس الأمن انقسم الكبار مع وضد، وتصاعدت نبرات التحدي إلى درجة يصعب تصور الانفكاك منها بسهولة.

روسيا والصين تصرّان على عدم إسقاط الحل الليبي على ما يحدث في سوريا، ولكل منهما مأربه الإستراتيجي. وأمريكا وحلفاؤها مترددون في المغامرة بالزحف إلى خطوط التماس التي قد تشعل فتيل حرب عالمية بين الكبار لتكون الثالثة التي تدور رحاها في محيط حوض البحر الأبيض المتوسط.

إسرائيل متمترسة في غرفة التصنت والمراقبة لكل ما يحصل على الأرض وعلى موجات الأثير من التراشق المعلن والسري منها لأن مستقبلها على كف عفريت لو تحققت تطلعات شعوب الربيع العربي من القاهرة عاصمة المعز إلى دمشق عاصمة الأمويين وأحكمت القبضة عليها في ظل نظام عربي جديد يعرف كيف يدير الصراع ويفلت من حلقات التخلف التي زُرعت من حوله خلال القرون الماضية.

الإنجليز الضليعون في المكر السياسي بدأوا يتحدثون عن كسوفو سورية تبدأ بحرب أهلية وتنتهي بتقسيم ينال كل من الكبار منه مغنمه، والخاسر العالم العربي كما حصل في العراق الذي أُكِل في ليلة ظلماء، وسورية مرشحة للحاق به -كرد وعلويين وحزب الله وسنة ومسيحيين - ولبنان تنتهي كدولة كما هي حاليا.

ومعضلة المطالبة بالتغيير في العالم العربي أنه أتى في وقت وصل التنازع بين دول المنطقة ذروته، حتى لو كان الظاهر يبرز نوع من الاتفاق غير المبني على توافق حقيقي في مسيرة العمل الجماعي لحل المعضلات كما ينبغي.

واقع المعركة على الأرض غير متكافئ بين دولة مدججة بالسلاح بشتى أنواعه وجيش مدرب على كل المهمات، وبين ثورة شعبية عارمة تعتمد على وسائلها المتواضعة لمواجهة الدولة والسلاح والمواقع الحصينة.

الإصرار من قبل روسيا والصين على حل سلمي فات أوانه، وأصبح غير ممكن بعد أن وصل الوضع إلى ما هو عليه، وكلاهما يعي المخاطر المترتبة على سقوط النظام، وخروجهما من اللعبة مع الطرف الخسران في المعركة، وما لذلك من تبعات مستقبلية على علاقتهما مع دول المنطقة.

التحالف مع إيران على حساب علاقة سوريا بالدول العربية كان خطأ إستراتيجيًا ارتكبه النظام السوري وربما لو كان الأسد الأب حيًا لكان له رأي آخر، بحنكته ودهائه السياسي أحكم الإمساك بشعرة معاوية حتى قضى إلى ربه، ولكن سلفه اعتمد على الحل الأمني في زمن انكشفت فيه كل عورات الحلول الأمنية، وانتصرت لغة الحوار والحلول الناعمة للصراعات المحلية.

والقوى الخارجية المؤيدة للأسد ونظامه قد لا يهمها كم يموت من الشعب السوري، ولا بأي وسيلة يموتون، لأن مصالحها وأهدافها الإستراتيجية تأتي في المقام الأول، ويبقى الواقع العربي المتأرجح ومحدود التأثير ينطبق عليه قول الشاعر إبراهيم ناجي في مقطع من قصائده:

«ويدٍ تمتد نحوي -الضحية- كيدٍ

من خلال الموج مدت لغريق»!

ومن هذا يتضح أن المنطقة بكاملها تحولت إلى ميدان صراع أممي، تحكمه مصالح القوى المتصارعة وأهلها من أمرهم غافلون.

=================

عندما ينقلب السحر على الساحر في سوريا

د. عمر عبد العزيز

التاريخ: 09 أغسطس 2012

البيان

معطيات الحال في الفاجعة التراجيدية السورية لم تعد شأناً محلياً بالضرورة، بل إن آفاق البُعدين الإقليمي والدولي في هذا الحدث الزلزالي يكاد يكون أكثر وضوحاً، قياساً بكامل المُعطيات التي جرت سابقاً في العالم العربي المنخرط في ما سُمِّي بالربيع العربي. فعلى قدر الحضورين الإقليمي والدولي في الحالات التونسية والمصرية واليمنية والليبية، إلا أنه يكتسي الآن طابعاً صاعداً في عمقه وجذريته.

بل إن المسألة السورية جعلت الساحتين الإقليمية والدولية في حالة التباس عضوي بالشأن الداخلي السوري، حتى أن بعض المُراقبين يذهبون إلى أن الحرب المدمرة التي تجري الآن في سوريا، تكشف تماماً عن انخراط أطراف مختلفة فيها.

وكأن السوريين الذين يدفعون ثمن هذه الحرب البشعة، ينتقلون تباعاً نحو حرب موازية بالوكالة، تُترجم ضمناً مرئيات ونظرات واستراتيجيات الخلافات الدولية، التي تطل برأسها لتعيد إنتاج نموذج جديد لحرب باردة كونية، قد تنزلق إلى ما هو أبعد من توازن القطبين العالميين السابقين (أميركا والاتحاد السوفييتي).

هنا يسخر القدر من الحالة الداخلية السورية المُجيّرة على منطق النظام في إدارة الحروب؛ فقد درج النظام السوري على التفنُّن في إدارة الحروب بالوكالة، وكان يتباعد دوماً عن مرمى النيران الحامية، ليضع فرقاء الإقليم في أتون تلك الحروب، منتظراً النتائج، التي وللحق كانت تأتي لصالحه.

واليوم ينقلب السحر على الساحر، فتدور حروب إقليمية ودولية مؤكدة في الساحة السورية، ليصبح النظام العتيد طرفاً مباشراً فيها، بل وليدفع الثمن الأكبر في هذه الحرب الشاملة الخطيرة، التي طالما راهن على إدارتها خارج حدوده ومناطق نفوذه. كامل الاصطفافات المُعلنة والمَخْفية في الشأن السوري تؤكد هذه الحقيقة.

ويصب الموقف العربي في العنوان العريض القائل بدعم الانتقال السلمي للسلطة، على قاعدة الاتفاق بين البعث السوري والمعارضات التي تشرْعَنتْ بقوة الأمر الواقع. وهذا يذكرنا بذات البروفة اليمنية التي جاءت عطفاً على الإجماع الخليجي والدولي.

وعلى خط مُتّصل تنال المبادرة العربية تأييداً كاسحا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، فيما تتكسّر أمام الفيتو الروسي الصيني في مجلس الأمن الدولي، وفي سابقة لا نظير لها. مما يؤشر إلى انخراط نسيجي، لروسيا أولاً، ثم الصين في أُفق ما، في تأكيد مُتجدد على الشرخ الدولي الكبير في مقاربة المسألة السورية.

 ولا يخفى على أي لبيب أن هذا الشرخ يتمدد على مستويات شاملة في المنطقة "الأورو آسيوية" المحيطة بكامل روسيا الكبيرة، بالإضافة إلى الحرب التجارية المعلنة ضد الصين الفتيّة من طرف دول الغرب (الأورو أميركية)، وهو الأمر الذي جعل التنين الصيني يتنازل عن مرئيات الحكيم "صن تسو"، القائلة بكيفية الانتصار في الحرب دون خوضها البتة!..

مع بداية تكليف "كوفي أنان" بالملف السوري، توافق الأميركان والروس على مبدأ الانتقال السلمي للسلطة، وقد فسّرها المراقبون، وعلى رأسهم المُكلّف "كوفي عنان"، بوصفها انتقالا نحو حكومة تشارك وتوافق، وتغيير آليات الدولة السورية القائمة، وتنحّي الرئيس بشار الأسد عن السلطة.

ذلك كان هو المفهوم الذي ترسّخ في أذهان المُفسرين المباشرين لمعنى الانتقال السلمي للسلطة؛ لكن المسألة سرعان ما تغيّرت، فتراجع "عنان" إلى الظل، وما زالت الإدارة الأميركية ومعها الأوروبيون يبحثون عن صيغة تُرضي روسيا، على أمل أن تقبل بقاعدة التغيير المتدرج للنظام السوري، ولكن هيهات أن يقبل القيصر "بوتين" بأقل مما يرى، وهو الملدوغ مراراً وتكراراً من قبل الإدارات اليمينية الأميركية المتعاقبة.

لكن هذ المشهد السياسي على أهميته وتنامي حضوره الدولي الخطير، لا يجعلنا نغفل ما يجري عملياً على الأرض، فالمعارك المُحتدمة في أكبر مدينتين سوريتين (دمشق وحلب)، والاستقطابات السياسية المتعددة التي تتم وفق قاعدة التمدد الأُفقي للمعارضة، مقابل الانشقاقات عن النظام السوري، والمتاعب الاقتصادية القاتلة التي يواجهها النظام، عطفاً على اقتصاد الحرب الداخلية الذي ينفلت من أي حسابات وتوقعات محددة.. كل هذه الأمور تقدم الوجه الآخر للمشهد.

حالة الانسداد السياسي المقرون بانسداد التفاهم بين اللاعبين الدوليين الكبار، تجعل من سوريا أخطر بروفة لإدارة حرب باردة جديدة يدفع ثمنها في المدى المنظور الشعب السوري، وربما تمددت الحالة إقليمياً في المدى المتوسط. لكن الكبار الذين يعتقدون أنهم بمنأى من بلايا هذه الحرب وأنهم سيديرونها بالإشراف عن بُعد، عليهم أن يراجعوا مقدمات الحربين الكونيتين، ليعلموا حقاً وصدقاً أن الشرارة الصغيرة قد تحرق سهلاً بكامله.

=================

حجاب في عمان.. محطة دائمة أم نقطة عبور؟

فهد الخيطان

الغد الاردنية

9-8-2012

اتضحت الصورة أخيرا؛ فقد أقرت الحكومة رسميا بأن رئيس الوزراء السوري المنشق دخل الأراضي الأردنية فجر يوم أمس، بينما تؤكد مصادر المعارضة السورية أن موكب رياض حجاب المكون من عدة سيارات اجتاز الحدود قبل الفجر بساعات.

لمدة يومين، ظل مصير رئيس الوزراء المنشق مجهولا؛ المعارضة السورية تؤكد دخوله إلى الأردن، والحكومة تنفي. وقد تبين لاحقا أن التضارب في الروايات "من جانب السوريين" كان جزءا من خطة للتمويه وإرباك السلطات السورية، لتأمين خروج حجاب بسلام من سورية.

وقد جرى على نحو مقصود فبركة تقارير صحفية عن وصوله إلى لبنان، وأخرى إلى تركيا. وبينما كانت وسائل الإعلام تغوص في سيل من المعلومات المتناقضة، كان جنود من الجيش السوري الحر يؤمنون موكب حجاب إلى الأردن.

حجاب هو أرفع مسؤول سوري ينشق عن نظام الأسد. وخلافا لشخصيات سورية منشقة أقل شأنا منه، اختار رئيس الوزراء "المقال" أن يتوجه إلى الأردن. أمنت الحكومة الأردنية مكان إقامة لحجاب وعائلته يليق بمكانته السياسية، لكن لم يتبين بعد إن كان الضيف سيقيم بشكل دائم في عمان، أم أنها محطة مؤقتة ينتقل بعدها إلى قطر، كما جرت العادة مع منشقين سابقين عن النظام السوري، أو إلى الإمارات العربية كما تردد في اليومين الماضيين.

لم يترك حجاب منصبه هروبا من المسؤولية، وإنما لتحمل مسؤولية أكبر جسامة، تتمثل في العمل من أجل إسقاط النظام السوري، وإنجاز التغيير الكامل في بلده الذي غادره وهو غارق في الدم والدمار. ولذلك، من المستبعد أن يقبل الرجل دور لاجئ سياسي، ويمضي ما تبقى من عمره متقاعدا في عمان.

المؤكد أن حجاب سيلعب دورا سياسيا مهما في المرحلة المقبلة، وتجد فيه أوساط المعارضة السورية شخصية مؤهلة لتسلم زمام المسؤولية في مرحلة ما بعد بشار الأسد.

عوامل كثيرة ترشح حجاب لهكذا دور؛ فهو ابن الحزب والدولة السورية العارف بخباياها، وينحدر من عشيرة سورية وازنة في ديرالزور. وإضافة إلى ذلك يتمتع باحترام أوساط اجتماعية وسياسية واسعة في سورية.

لكن إذا اختار حجاب الإقامة في الأردن، فهل تمنحه القيادة السياسية حرية العمل والحركة ضد النظام السوري؟

الموقف الرسمي الأردني تجاه النظام السوري آخذ في التحول بشكل تدريجي؛ تصريحات الملك الأخيرة لمحطات تلفزيونية أميركية توحي بذلك. رغم ذلك، فإن الموقف لم يبلغ بعد المستوى الذي نستطيع معه الجزم بأن عمان باتت مستعدة للعب دور مماثل لدور تركيا أو قطر في دعم المعارضة المسلحة في سورية.

للأردن في هذا المجال تجربة مع المعارضة العراقية التي استضاف أبرز رموزها لسنوات طويلة، وحاك مع بعضهم الخطط لإسقاط صدام، وكان في ذات الوقت يقيم صلات طبيعية مع النظام العراقي، ويحصل منه على النفط بأسعار تفضيلية.

الأمر مختلف هذه المرة؛ فالحكومة تعلن باستمرار أنها لن تتدخل في الشأن السوري الداخلي، ولا تنوي فعل ذلك في المستقبل، إلا إذا تعرض الأمن الوطني الأردني للتهديد.

ولهذا، يميل المراقبون إلى الاعتقاد أن الأردن لم يكن ليقبل بدخول حجاب إلى أراضيه قبل الاتفاق معه على الخطوة التالية.

الأيام القليلة المقبلة ستكشف إن كانت عمان محطة دائمة لحجاب أم نقطة عبور إلى بلد آخر. وعندها يمكن أن نعرف، هل تغير الموقف الأردني تجاه الأزمة السورية، أم لا.

=================

فلنقاوم قانون سعيد جليلي!

علي حماده

2012-08-09

النهار

كثيرا ما تحدثوا عن قانون غازي كنعان الذي خيضت على أساسه انتخابات العام ٢٠٠٠ و ٢٠٠٥. وكثيرا ما اعتبر القانون على انه قانون المحتل الذي يريد تأبيد احتلاله للبنان. جيد، ماذا عن مشروع قانون الانتخاب الذي اقرته الحكومة بالامس اساسا لانتخابات ٢٠١٣ أليس قانونا احتلاليا بامتياز؟

لنوضح أكثر: ثمة شرائح واسعة من الشعب اللبناني تمثل غالبية واضحة على الارض تعتبر اننا نعيش في ظل احتلال الاخوة. انه احتلال "حزب الله" على أرض الواقع، فبيروت عاصمة محتلة، وأجزاء واسعة من الوطن واقعة اما تحت احتلال ميليشيا حزب يمارس قمعا موصوفا على بقية اللبنانيين و يحاول تحويلهم الى رعايا في وطن ما عادوا يشعرون انه وطنهم. حزب يستخدم قوته المسلحة لنسف أسس وطن، ولفرض ارادته على كل نواحي حياته الوطنية. حزب لا يتوانى عن غزو بيوتهم ومناطقهم كما حصل في ايار ٢٠٠٨. حزب يقلب نتائج الانتخابات النيابية بقوة التهديد تارة بالقتل، وطورا بغزوات اخرى فيسقط حكومات، وينصب حكومات أخرى. حزب تحول معه الفساد و الخروج على القانون الى مستويات قياسية، فصارت مناطق نفوذه المباشرة تحت إمرة مافيات مسلحة من كل نوع و لاداعي للتفصيل.

ان القانون الذي أخرجته حكومة بشار الاسد والسيد حسن نصرالله هو قانون احتلال. و نحن نعني ما نقول لاننا مثل ملايين اللبنانيين نشعر و نلمس اننا نعيش حالة احتلالية لا تقل شراسة عن احتلال النظام في سوريا. اكثر من ذلك نحن نعيش جنبا الى جنب مع من يقتلون كبارنا مثل رفيق الحريري، ومع من يمجدون قتلة كبار شهدائنا مثل كمال جنبلاط! ومن هنا وقبل الدخول في تفاصيل القانون الذي صاغوه على مقاسهم من اجل نسف لبنان وما يمثله لبنان نقول ان قانون السيد حسن نصر الله، او قل انه قانون سعيد جليلي، هو تهديد اول موجه الى مستقبل كل لبناني على هذه الارض، وكل لبناني في الانتشار. انه قانون يستحق ان يوصف بمشروع احتلال مديد لن يتوقف عن غزو حياتنا قبل ان يدمر توازناتنا، وصيغتنا، والنظام، والدولة.

بناء على ما تقدم ندعو الاستقلاليين اللبنانيين الى اعتبار "قانون سعيد جليلي" قانونا وضعه الاحتلال بواجهات لبنانية، و انه قانون معاد يستوجب قيام أوسع جبهة وطنية لمواجهته واسقاطه جملة وتفصيلا. وهنا لا بد لنا من كلمة نوجهها الى رئيس الجمهورية، لنقول له ان قبوله بهذا القانون المناقض لصيغة البلد يضعه في موقع المحاسبة السياسية والتاريخية لانه بقبوله لا بل باذعانه ينحاز الى احتلال ذوي القربى، ويضع نفسه في مواجهة أغلبية كبرى من الشعب اللبناني.أما بالنسبة الى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي فنكتفي بكلمة مختصرة: هكذا كنت وهكذا ستبقى رجل بشار الاسد لا أكثر و لا أقل.

=================

كي لا يشبه أحد الثورة النبيلة بالنظام المجرم * ياسر الزعاترة

الدستور

9-8-2012

اهتمت الصحافة العالمية بعملية الإعدام التي نفذتها مجموعة من الثوار بعدد من الأشخاص في حلب قبل حوالي أسبوع، واتهمت منظمات حقوقية الثوار بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في بعض الأماكن التي يحتجزون فيها شبيحة النظام، الأمر الذي يستحق بعض التوقف.

للتذكير، وحتى لا يخرج علينا أصحاب فزاعات الطائفية صارخين كعادتهم، فإن الذين أعدموا في حلب لم يكونوا من العلويين، وإنما ينتمون لعشيرة بري السنية المساندة للنظام، والتي يُتهم بعض أبنائها بالعمل ضمن مجموعات الشبيحة، لاسيما الذين اشتهروا كما يقول أهل المنطقة بتهريب المخدرات وترويجها.

صحيح أن هناك عمليات أخرى استهدفت علويين أيضا، لكن ذلك لم يكن يتم على أساس طائفي، بل على أساس عملهم في سلك التشبيح الذي يصيب السوريين أكثر من عمليات الجيش؛ هو الذي ينطوي على انتهاكات بشعة من لون الذبح بالسكاكين والاغتصاب وقتل الأطفال. وقد سجلت وكالات الأنباء عددا من الحالات الفردية والجماعية التي تثير الغثيان لفرط إجرامها وبشاعتها، كما روى اللاجئون في تركيا والأردن وقائع تشيب لهولها الولدان من عمليات الإجرام التي نفذها أولئك، وكثير منهم ينتمون للطائفة العلوية وجرت تعبئتهم بروحية طائفية مقيتة لكي يواصلوا عمليات الإجرام بهدف ترهيب الناس ومنعهم من المشاركة في الثورة أو احتضان الثوار.

كل ذلك لا يعني بأي حال تأييد عملية الإعدام المشار إليها، ولا أية ممارسات مماثلة كما هو حال اختطاف مذيع وقتله. وقد كان المجلس الوطني السوري الذي يمثل أكثر أطياف المعارضة وأهمها موفقا عندما أدان عملية الإعدام دون تردد.

الثوار السوريون كما يعلم الجميع ليسوا فرقة واحدة تأتمر بأمر قيادة موحدة، مع أن الجزء الأكبر منهم ينتمون للجيش الحر. كما أنهم في نهاية المطاف بشر لهم مشاعرهم وكثير منهم تعرض أهله للقتل والاعتقال والتعذيب، فضلا عما هو أبشع من ذلك من الانتهاكات، ومن الطبيعي أن يتعامل بعضهم بمنطق الثأر. لكن ذلك شيء والسلوك العام للثورة شيء آخر.

ما ينبغي قوله قبل كل شيء هو أن ما سجلته الصحافة الأجنبية من انتهاكات نسبت للثوار لا يأتي نقطة في بحر ما ارتكبه النظام وشبيحته من جرائم، لكن ذلك لا يعني بحال غض النظر عنها، ليس من أجل صورة الثورة ونبل أهدافها فحسب، بل لأن ثورة لم تحقق انتصارها بعد، ما يجعلها معنية بكسب قلوب الناس على نحو أكبر.

هنا ينشأ بُعد آخر يتعلق بالمناطق التي يسيطر عليها الثوار، والتي يتوقع منهم أن يقدموا فيها نموذجا للتسامح والمحبة وخدمة الناس وليس السيطرة عليهم بالقوة والترهيب. وقد كان رائعا أن يقوم رجال الجيش الحر بعمليات تنظيف للمناطق التي سيطروا عليها من مدينة حلب، هي التي كان النظام قد ترك القمامة فيها دون جمع منذ مدة طويلة.

نشير في هذا السياق إلى بعض المجموعات الإسلامية القادمة من الخارج، والتي ينتمي إليها شبان سوريون متحمسون أيضا، وهؤلاء قد يبادر بعضهم إلى ممارسات تنطوي على بعض التشدد الديني، الأمر الذي سينفر الناس؛ لاسيما أننا في سوريا ذات التعدد المذهبي والطائفي، وليس في الصومال. وإذا كانت الممارسات المتشددة مرفوضة في الصومال، فإنها في سوريا أكثر رفضا بكثير، وهو جانب ينبغي أن يتنبه إليه الثوار، وكذلك المقاتلون الإسلاميون القادمون من الخارج.

إن الثورات لا تتعامل بمنطق الثأر الشخصي أو القبلي، بل بمنطق التسامح، والأمور لا تؤخذ بمنطق الجائز وغير الجائز، بل بمنطق المصالح والمفاسد، فأيما ممارسة كانت المفاسد المترتبة عليها أكثر من المصالح فينبغي تركها دون تردد.

ثورة الشعب السوري ثورة رائعة قدمت أعظم البطولات والتضحيات، وهي تستحق أن يتم الحفاظ على صورتها الزاهية، ولا ينبغي للثوار أن يتورطوا فيما يتورط فيه النظام المجرم. هذا ما نتوقعه من رجالها الأبطال، لاسيما أنها ثورة لم تكمل انتصارها بعد، وهي في أمس الحاجة لالتفاف الناس من حولها.

=================

مؤتمر طهران: أبعد من المناكفة!

محمد خروب

الرأي الاردنية

9-8-2012

اليوم, وعلى وقع اعلان مبعوث المرشد الاعلى للثورة الاسلامية سعيد جليلي ومن دمشق, بأن ايران «لن تسمح بكسر ضلع سوريا الاساسي في محور المقاومة».. ينعقد في طهران مؤتمر وزاري «دولي « دعت اليه ايران الدول ذات «المواقف الواقعية» من الازمة السورية, للتباحث في شأن تلك الازمة التي وصلت ذروتها في العسكرة, ولم يعد ثمة رهان لدى أي من طرفي الازمة (ليس المقصود النظام والمعارضات بل كل من يقف في خندق احدهما اقليمياً ودولياً), سوى على النتائج الميدانية التي ستسفر عنها «المعارك» الكبرى الدائرة في حلب, والتي ستحسم (وان في شكل نسبي لكن مثقل بالدلالات) وجهة الصراع, وعمّا اذا كان أحد من الطرفين سيضطر للنزول عن الشجرة العالية التي صعد اليها, وبخاصة اطراف «المعارضات» السورية التي تبدي رفضاً قاطعاً (لا نحسبه من عندياتها أو وفق قناعتها) لأي تفاوض مع النظام قبل تنحي الرئيس الاسد..

مؤتمر طهران لن يحظى بالاضواء والاثارة الاعلامية المصحوبة بخطابات انفعالية, ووعود لا تنفذ وتهديدات وزمجرات خصوصاً العربية منها (والفارغة كما ينبغي التذكير), التي رافقت مؤتمرات اصدقاء سوريا بنسخها الثلاث التونسية والاسطنبولية والباريسية, والتي آلت الى ما يشبه حفلات الكوكتيل التي تنتهي كما بدأت دون أن تترك اثراً.

إلا أنه (مؤتمر طهران) لن يكون مجرد مناكفة حتى لو كان عدد حضوره متواضعاً, وربما يقل عن عدد اصابع اليد, في حين تجاوز مؤتمر اصدقاء سوريا في نسخته الباريسية حاجز المائة بين دولة ومنظمة وهيئة, يعرف اصحاب الدعوة أو ممارسو الضغوطات المالية والسياسية والامنية, ان الفاعلين في مؤتمرات كهذه يقلّون هم أيضاً عن عدد اصابع اليدين, ما يعني أن الذين سيلتقون في طهران اليوم يدركون حجم تأثيرهم على مسار الازمة وقدرتهم على عرقلة او مواجهة أي سيناريو يلوح في الافق او تهدد به احدى دول الجوار – تركيا خصوصا – بعد ان غرقت في «المستنقع» الكردي وفتحت على نفسها جبهة كانت تظن انها هادئة او نائمة او مشلولة او معطلة (نقصد هنا حزب العمال الكردستاني PKK وحليفه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي) مقنعة نفسه بان تحالفها مع مسعود برزاني رئيس حزب كردستان كفيل بلجم ولو مؤقت لأي تطلعات كردية بانبعاث فكرة كردستان الكبرى بعد ان كادت تتلاشى او تتراجع اثر الضربة الموجعة التي تلقاها الPKK والقبض على زعيمه وسجنه.

مؤتمر طهران اذاً لا يمكن تسميته بمؤتمر اصدقاء النظام السوري بقدر ما يستبطن اهدافا واشارات اخرى قد لا ترقى الى مستوى «المحور» او التحالف الاستراتيجي بين الدول المشاركة وخصوصا اذا ما حضرت روسيا والصين, إلاّ انه سيشكل في الان ذاته رسالة نحسب ان الدول الغربية وعلى رأسها واشنطن ولندن وباريس والدول الاقليمية وفي مقدمتها انقرة وبعض العواصم العربية لن تتجاهلها, لانها ذات مضمون معلن ولم يعد سراً وهو ان لا حل للازمة بدون الاسد وان أي خيار آخر (غير تنحي الرئيس السوري) سيكون مطروحا للنقاش, وإلاّ فإن الازمة ستتواصل وعلى الجميع تحمل تداعياتها وأكلافها واحتمالات الانزلاق الى حرب اقليمية اذا ما أقدم أي طرف على خطوة غير محسوبة, ولم يكن تحميل طهران لكل من الولايات المتحدة وقطر وتركيا خصوصا (التي زارها وزير الخارجية الايرانية صالحي في الوقت ذاته الذي كان فيه جليلي يجتمع بالاسد)، أي ضرر يلحق بالزوار الايرانيين الذين اختطفتهم جماعة مسلحة تكفيرية على طريق مطار دمشق قبل ايام، سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد الذي يطفو الان على سطح الازمة الخطيرة التي تعصف بالمنطقة.

من السذاجة التقليل من أهمية المؤتمر الذي ينعقد اليوم في طهران او اعتباره مجرد مناكفة, لأن حديث طهران المتواتر والحازم (والذي لا نحسب انه لاستعراض القوة السياسية والدبلوماسية) عن عدم السماح بانكسار سوريا, وعن اوهام الاعداء باطاحة نظام الاسد, يؤشر الى ان الخيار العسكري وارد وان أموراً او اوراقا لم تُكْشَف بعد، وإلاّ كيف يمكن للمرء ان يرى كل هذا الضخ الاعلامي وضجيج التصريحات والصور المفبركة وتضخيم حالات الانشقاق للايحاء بان سقوط النظام في دمشق مسألة وقت, في الان ذاته الذي نرى فيه كل هذه الهشاشة والكذب والتزوير الذي تقع فيه المعارضات السورية في ما يشبه الافلاس او غياب الرؤية وهيمنة الممولين والرعاة وكل اؤلئك الذين يريدون تدمير سوريا الكيان والتاريخ والشعب العريق.

=================

ماذا بعد فشل المهمة الدولية في سوريا؟

نصوح المجالي

الرأي الاردنية

9-8-2012

لقد طغت تطورات الاحداث في المشهد السوري على ما سواها, سواء في العالم العربي او في المشهد الدولي ورغم الجهود الدولية والعربية المشتركة, التي تمثلت في مهمة عنان وخطة السلام التي اطلقها والرقابة الدولية في سوريا, الا ان المهمة كانت محكومة بالفشل, لأن كل طرف من اطراف النزاع كان يتوقع منها دوراً مختلفاً, ولهذا كما قال عنان لم تمض الخطة بدعم اطراف النزاع.

لقد كان الجميع يمتدح خطة عنان ويعملون ضدها, عملياً روسيا والصين عطلتا المهمة بمنع اتخاذ قرار في مجلس الامن تحت الفصل السابع, وبهذا فقدت المهمة اكبر عامل ضغط على النظام السوري للجنوح الى حلول وسط تسهل الوصول الى تسوية سياسية.

وكانت النتيجة عكسية اذ شجع الفيتو الروسي والصيني والدعم الايراني النظام السوري لاستخدام كامل طاقته العسكرية لحسم الصراع بغض النظر عن الخسائر البشرية ولهذا كان نظام الاسد الذي ادعى انه قبل مهمة عنان, وطبق كافة بنودها خلافاً للواقع, في سباق مع الزمن لانهاء الصراع حتى لو دمر مدن سوريا وحولها الى ارض محروقة, تحت سمع وبصر فريق المراقبة الدولية الذي اوقف مهمته بعد أن اصبح في مرمى النيران.

وفي المقابل اتجهت المعارضة السورية بعد المعاناة الانسانية والجرائم التي ارتكبت في مختلف مدن سوريا, الى تغرير المقاومة المسلحة للرد على الهجمة العسكرية للنظام, وتبين لها ان مهمة عنان تراهن على تغيير في موقف النظام السوري ثبت انه لا يمكن حدوثه في ظل الوضع القائم حالياً, سواء في مجلس الامن او على الساحة السورية.

من الواضح أن قدرات الثوار السوريين قد تطورت بشكل نوعي, من حيث التنظيم والتسليح والقدرة على استخدام حرب العصابات وضرب مفاصل مهمة النظام السوري, ومن حيث نقل المعركة الى اهم معاقل النظام في العاصمة دمشق ثم في حلب, فلقد اصبح للمعارضة المسلحة اسنان تدمي النظام, ومع ان الصراع بين قوة عسكرية ثقيلة السلاح, ثقيلة الحركة, وقوى خفيفة السلاح, خفيفة الحركة, الا أن الحاضنة الشعبية للجيش الحر والثوار اخذت تتسع بفعل المآسي والجرائم التي تسبب بها النظام, في معظم انحاء سوريا وبخاصة في المدن والاحياء والقرى السنية, مما اعطى الصراع بعدين الاول طائفي والثاني غير انساني, لا يرى بديلاً عن القتل والتدمير.

لقد كتبت في الرأي يوم الاعلان عن مهمة عنان, ان مهمة عنان ستدخل في نفس المتاهة التي ادخل النظام السوري فيها مهمة البعثة العربية, فالنظام سيعلن قبول كل شيء ولن ينفذ أي شيء, وسيدّعي انه لم يفعل أي شيء, وسيكابر ويدّعي انه يتعرض لمؤامرة خارجية, لها عصابات في الداخل وسيعتبر كل من يعارضه من هذه العصابات مع انه واجه شعبه بجيش يقصف عشوائياً بالطائرات والمدافع عن بعد ويدمر المدن والاحياء، ثم يلحقها بعصابات امنية من الشبيحة تذبح الناس بالسلاح الابيض، وهي قصة يعرفها جميع السوريين ولا يخفيها النظام.

وقلنا عندما اعمت القوة عيون النظام السوري ان العنف الذي اغرى النظام، سيفتح تدريجياً الابواب الخلفية للازمة لتوسيع دائرة الصراع المسلح، والتدخل الخارجي والانقسام والصراع الداخلي، ليتسع الرتق ويستعصي على الراثي، وتتحول سوريا من لاعب رئيسي في احداث المنطقة الى ملعب للصراعات الاقليمية والدولية، من صراع لا احد يعرف كيف سينتهي ولا مدى الاخطار التي سيخلفها على التوازنات القائمة في المنطقة.

الازمة السورية تتدحرج, ليس باتجاه الحسم كما يعتقد النظام ولكن باتجاه قد يخرجها في النهاية من ايدي اطراف الصراع اذا طال امد عدم الحسم في الساحة السورية اننا نرى بوادر التدخل الدولي بالتسليح والدعم للثوار، كمقدمة لمرحلة اكثر حسما عندما يغرق النظام نفسه في الجرائم التي ترتكب بشكل جماعي، ضد شعبه وضد الانسانية.

الازمة السورية لا تخلو من عنصر المؤامرة بمعنى التحريك الخارجي الذي استغل تدهور الاوضاع في سوريا لكن المؤامرة الحقيقية، هي الظلم والاستبداد الداخلي والانفراد في الحكم، والفساد والتهميش الطويل لارادة اغلبية الشعب السوري، وهو الارث الذي يتركه النظام العربي الذي ورث تركة الاستعمار الاجنبي، وكان في كثير من تجلياته واساليبه، نسخة مشوهة عنه، إلا من رحم ربك.

=================

انشقاق الرأس السياسي للأسد

سمير الحجاوي

الرأي الاردنية

9-8-2012

تلقى بشار الأسد ثاني أقوى ضربة من اندلاع الثورة السورية قبل 18 شهرا، بعد تفجير مكتب الأمن القومي، بانشقاق رئيس الوزراء رياض حجاب، وذلك بعد اقتلاع الرأس الأمني للنظام بتفجير مكتب الأمن القومي والذي قتل فيه أربعة من قادة الأجهزة الأمنية الإجرامية.

الرئيس المنشق ليس رجلا طارئا على نظام البعث، فهو ركن من اركانه، فقد ترأس فرع الاتحاد الوطني لطلبة سوريا بدير الزور منذ عام 1989 ولمدة عقد من الزمان، حتى تسلمه قيادة حزب البعث بدير الزور فأمينا لفرع الحزب هناك في السنوات العشر التالية، ثم محافظا للقنيطرة حتى عام 2011، فوزيرا للزراعة منذ نيسان العام الماضي وحتى تعينه رئيسا للوزراء منذ 6 حزيران الماضي، وهذا يكشف أهمية رياض حجاب كجزء من الحلقات الضيقة للنظام المحيط ببشار الأسد والمقربين منه، مما يجعل منه كنزا استراتيجيا للثورة السورية، فهو «نظريا على الأقل» الرجل الثاني في النظام السياسي وهو الرجل الأول في السلطة التنفيذية، وانشقاقه بهذه الطريقة العاصفة تعني هز أركان النظام بعمق وشدة، مما يؤشر على بداية الانهيار النهائي للنظام البعثي في سوريا، ودليل وواضح على أن هذا النظام فقد كل الشرعية داخليا وخارجيا ويعيش في لحظاته الأخيرة.

انشقاق الرأس السياسي لنظام الأسد يدشن ملامح المشهد الجديد على الساحة السورية، وبداية انتهاء الحقبة السوداء لعائلة الأسد ومخلوف وشاليش المسيطرة على سوريا منذ اكثر من أربعين عاما، فانشقاق رجل بحجم رئيس الوزراء يعني وصول السكين إلى عنق الأسد، وفقدانه الغطاء الذي كان ينعم به لحكم عائلته، وهو تتويج لسلسلة من الانشقاقات الكبيرة بين ضباط الجيش السوري وعدد من الدبلوماسيين، فهذه الانشقاقات تظهر الوجه القبيح لنظام الأسد، وتعريه أمام الرأي العام الداخلي والعالمي، ففي الآونة الأخيرة انشق عن النظام رموز من الوزن الثقيل مثل العقيد يعرب محمد الشرع رئيس فرع المعلومات بالأمن السياسي في دمشق وهو ابن عم نائب الرئيس السوري فاروق الشرع، مع شقيقه الملازم أول كنان محمد الشرع والعقيد ياسر الحاج علي من الفرع نفسه، وكذلك انشقاق العميد مناف طلاس نجل وزير الدفاع السوري الأسبق مصطفى طلاس ومحمد احمد فارس أول رائد فضاء سوري.

هذه الانشقاقات الكبيرة تعطي دفعة كبيرة للشعب السوري الثائر ولثوار الجيش السوري الحر الذين يقاتلون ببسالة ضد كتائب الأسد وشبيحته، وربما يشكل انشقاق رياض حجاب بداية القفز الجماعي من مركب الأسد الغارق، مما يطيح بحجج روسيا والصين وإيران الداعمة لنظام الأسد الدموي الفاقد للشرعية.

سوريا دخلت مرحلة جديدة تحتاج إلى مقاربات أخرى تشجع الانشقاقات السياسية والعسكرية وخاصة من كوادر حزب البعث، إلى جانب تسليح الجيش السوري الحر بأسلحة نوعية قادرة على حسم المعركة في وقت اقصر مما يحدث تغييرا نوعيا في مسار الثورة السورية يجبر الأسد على إدراك «أن اللعبة انتهت»، وأن لا خيار أمامه إلا التسليم، لأنه يخوض معركة سينتصر فيها الشعب السوري.

كما ان هذه «المرحلة الحرجة» تحتاج إلى شن حرب نفسية سياسية ضد الصين وروسيا لإقناعهما بضرورة الحد من خسائرهما في العالم العربي بسبب دعمهما لنظام يمارس الإجرام وينتهك حقوق الإنسان، وإنهما لا يستطيعان إنقاذه مهما بذلا من جهد ومهما أرسلا من سلاح ومال.

تبقى المشكلة الحقيقة هي إيران التي ستحارب حتى آخر جندي في كتائب الأسد دفاعا عن طموحاتها الشيعية الفارسية للسيطرة على المنطقة ونشر إيديولوجيتها لتحقيق طموحاتها الإقليمية، وهذا يتطلب موقفا عربيا موحدا وقويا من إيران، وإفهامها أنها تخاطر بحرب مع كل العرب إذا واصلت دعمها للنظام العلوي البعثي الأسدي في دمشق.

إضافة إلى المعضلة الإيرانية هناك مشكلة أخرى تحتاج إلى حل هي المعارضة السورية المتشظية والمفككة،وعديمة الوزن الاستراتيجي، وهي معارضة تعاني من «الخراب» الذي لا يمكن إصلاحه، وهذا يتطلب التعامل المباشر مع الفاعلين الحقيقيين على الأرض، من الجيش الحر والتنسيقيات في المدن والقرى السورية التي تقاتل الآلة الإجرامية لنظام الأسد الإرهابي بأسنانها.

المعركة في سوريا دخلت مرحلة الحسم، مما يتطلب حيوية وسرعة في الحركة لدعم الشعب السوري والثوار بشكل استراتيجي يعجل بسقوط الأسد وعصابته الإجرامية.

=================

الثورة السورية بين التنظير والتطبيق

أحمد العجيلي

2012-08-08

القدس العربي

منذ انطلاقة الثورة الســــورية، ومواكبتها للربــــيع العربي في سائر الأقطار العربية، والذي بدأ في الأقطار التي ترزح تحت حكم الديكتاتوريات الجمهورية ، انطلقت مع هذه الثورة العديد من الشعارات التي صدحت بها حناجر السوريين، وتزينت بها لافتات المظاهرات السلمية في سوريا.

وهنا يجب الوقوف على أهمية هذه الشعارات من حيث سعي السوريين الحثيث إلى تطبيقها على أرض الواقع، وعدم الاكتفاء بترديدها فقط كما هي حال شعارات النظام المفرغة من محتواها، والتي أثبت النظام نفسه أنها مجرد حبر على ورق في مكاتب القيادة القومية والقطرية لحزب البعث، من مثل شعارات (الوحدة والحرية والاشتراكية). ناهيك عن ملل وسأم السوريين من ترديد هذه الشعارات، وخاصة بعد اندلاع ثورة الكرامة؛ في حين أنّ شعارات الثوار في السورية أثبتت مدى صدقيتها، وجديتها على الأرض من خلال تعاضد السوريين، وانضوائهم تحت تلك الرايات التي رفعوها. فلم تكن أحداث درعا سوى تمثيلاً حقيقياً لرغبة السوريين في العيش بكرامة، وحرية، بدلاً من حياة الذل والمهانة التي أجبرهم النظام على القبول بها على مدى أربعة عقود. فردّ الشعب السوري بقوة على إهانته، وخرج مطالباً بكرامته، مردداً صوتاً واحداً صدحت به حناجر الثوار في عموم أرجاء سوريا:'الموت ولا المذلة'. إذ أصرّ السوريون على المضي في ثورتهم، غير آبهين بالموت لأنه المطلب البديل لهم في حال عدم تلبية مطلب الحرية والعيش الكريم.

أما قولهم: ' واحد واحد واحد ...الشعب السوري واحد' فهو لم يكن مجرّد شعار ازدانت به لافتاتهم، أو مقطوعة موسيقية ترددت ضمن أغاني الثورة، بل على العكس تماماً نجد أنّ هذا الشعار يعبّر عن مدى وعي السوريين، وإدراكهم أنّ النظام سيلعب على ورقة الطائفية؛ فعمد الشعب السوري بكافة تلويناته إلى التدليل على صحة هذا الشعار، والسعي إلى تطبيقه بشكل جدّي وفعّال على أرض الواقع، فصدرت البيانات السياسية من كافة الطوائف والقوميات في سوريا مندّدة بجرائم النظام، ومعلنة بأنها ثورة شعب واحد على نظامٍ جائر يعمل على تفرقتهم، وتشتيت شملهم.

بالإضافة إلى تشكّل العديد من الكيانات والهيئات السياسية المعارضة، والمؤلفة من سياسيين وناشطين يمثّلون كافة أطياف الشعب السوري، الأمر الذي أسقط ورقة الطائفية من يد النظام، على الرغم من وجود بعض الحالات هنا وهناك والتي لا يمكن اعتبارها ظاهرة عامة.

ومع تنامي الشعور لدى السوريين بتخاذل المجتمع الدولي، ووقوفه عاجزاً أمام التدخل الروسي والصيني السافر في مجلس الأمن، قرر السوريون الاعتماد على أنفسهم، والدفاع عن حريتهم مهما كلّفهم هذا الأمر من ثم أدركوا منذ البداية أنه ثمنٌ باهظ، فتشكّلت كتائب من الجنود المنشقين عن جيش النظام، ومن المدنيين المتطوعين تحت مسمّى (الجيش الحر). وهنا لا بدّ من الوقوف على سيميائية العنوان، والتركيز على مدلولاته اللفظية على أرض الواقع، بعيداً عن العديد من المسميات التي حفظها السوريون عن جيشهم مثل: 'الجيش العقائدي' و'حماة الديار' وغير ذلك الكثير من تلك المسميات التي عمل النظام على إفراغها من محتواها، في حين أنّ تسمية 'الجيش الحر' تؤسس لمنظومة فكرية جديدة داخل المجتمع السوري، تختلف جذرياً عن جملة المفاهيم والمقولات التي أسسها نظام البعث. ومما لاشكّ فيه أنّ إسباغ هذه الصفة على جيش الثورة، يعدّ بمنزلة رسالة لهؤلاء الجنود كي يلتزموا الأخلاق التي يتحلى بها الجندي السوري الحر، أي بمعنى آخر الابتعاد عن صفات جنود جيش الأسد وكتائبه، ونبذ هذه الممارسات التي تجلت بالقتل، وإحراق الجثث، وإزهاق أرواح الأطفال والنساء والمعتقلين.

ناهيك عن تسمية أيام الجمعة المختلفة، وما حملته تلك المسميات من بؤر دلالية تكشف عن وعي السوريين بثورتهم، وإيمانهم بقداسة مطالبهم، ومن بين تلك الأسماء نجد: (جمعة آزادي) في إشارة إلى تعاضد العرب والكرد في خندقٍ واحد ضدّ الاستبداد، وجمعة 'أحفاد خالد' بما تتضمنه هذه التسمية من إشارة إكبار، وما تعطيه من دفع معنوي لأبطال حمص بعد تعرضهم لمجازر ممنهجة من قبل جيش النظام؛ وقد لا يغيب عن أذهاننا تسمية 'أبطال جامعة حلب' التي عبّر بها السوريون عن وقوفهم إلى جانب طلاب جامعة حلب في انتفاضتهم، وصولاً إلى تسمية 'نصرة دير الزور' تعبيراً من أبناء الشعب السوري وقوفه إلى جانب هذه المدينة المنكوبة التي لاقت ما لاقته من قتل وإرهاب وتشريد على أيدي جنود الأسد.

فالسوريون حاولوا منذ البداية التأكيد على صدق مقولاتهم، والعمل على تحقيقها مهما بلغ الثمن، وهم لابدّ منتصرون في ثورتهم مهما طال أمد هذه الثورة المباركة.

' كاتب سوري

=================

مخاطر فقدان المركز القيادي في الثورة السورية

د. بشير موسى نافع

2012-08-08

القدس العربي 

لم تكن الطريقة التي تعاملت بها قوى الثورة السورية، السياسية والعسكرية، مع مسألة الحكومة المؤقتة مدعاة للإعجاب. خلال أيام قليلة من إثارة الموضوع، عقد الأستاذ هيثم المالح، المناضل الحقوقي القديم، لقاء في القاهرة لخمس عشرة شخصية معارضة، انتهى إلى تشكيل مجموعة سياسية جديدة، وإلى تكليفه بتشكيل الحكومة. والمدهش، أنه ما إن ثارت التساؤلات حول تفرد الأستاذ المالح ومجموعته في اتخاذ هذه الخطوة الكبيرة، حتى طلع الأستاذ ليؤكد أنه لا تعجل ولا تفرد، وأنه كان على اتصال بآخرين من قيادات المعارضة السورية. المجلس الوطني، الذي كان في الاثناء منعقداً على مستوى الأمانة العامة بالدوحة، تجنب معالجة سريعة لملف الحكومة، وأعلن بدء التشاور حول المسألة، بدون أن يقرر موعداً محدداً لنهاية هذا التشاور. في داخل سورية، بادرت إحدى الهيئات القيادية للجيش السوري الحر إلى التقدم بتصور، جامع مانع، لتشكيل قيادة سورية خلال المرحلة الانتقالية، تعمل تحت إشراف مجلس عسكري من كبار الضباط المنشقين، وتطرح تصوراً عسكرياً إلى حد كبير لسورية المستقبل.

ما تمخض عنه هذا التدافع، على غير هدى، لم يكن لا حكومة ولا قيادة موحدة، بل المزيد من الانقسام والاختلاف. في حين يخوض الشعب أهم معارك ثورته، وقوات النظام تدك المدن السورية على رؤوس أهلها، يبدو المشهد السوري مثيراً للقلق. والمسألة هنا لا تتعلق بوحدة المعارضة، التي لم تتوحد قواها وتنظيماتها وشخصياتها الرئيسة في أي من الثورات العربية؛ بل في كلية المشهد.

بعد شهور طوال على تأسيسه والتفاف قطاعات الشعب السوري حوله، لم يستطع المجلس الوطني توفير الإطار الضروري لقوى المعارضة السورية، بل ولا حتى المحافظة على وحدة صفوفه. في لحظات، بدا وكأن قيادات المجلس تتنازع المواقع والأدوار، قبل أن تصبح الأدوار والمواقع موضع تنازع فعلاً. قام المجلس بدور هام بلا شك في تمثيل الشعب السوري على المستويين العربي والدولي، ورفع صوته عالياً في المحافل ذات العلاقة. ولكن المجلس أخفق في تقديم قيادة للحراك الثوري داخل البلاد، لا على المستوى السياسي العسكري ولا على المستوى الإغاثي. استمرت حركة الثورة، ولم تزل، تواجه وحشية آلة النظام الأمنية والعسكرية بقدر كبير من العفوية وبدون مبادرة واحدة من المجلس الوطني أو الهيئات المعارضة الأخرى. وإن لم يكن للعفوية من مخاطر ملموسة في المرحلة الأولى من الثورة، عندما كان الحراك الشعبي سلمياً، فإن العفوية تصبح مصدراً للقلق والخطر بعد أن تطورت الأمور إلى مواجهة عسكرية وإلى ما يشبه حرب الشعب. وهذا ما يطرح اسئلة أخرى حول ظاهرة الجيش السوري الحر، وحول الجهات التي تقود نضال الشعب في هذه الحرب.

لم يكن خافياً من البداية أن الجيش السوري الحر ليس جيشاً بالمعنى التقليدي، ولا حتى بمعنى حركات المقاومة التي عرفها المشرق العربي الإسلامي في القرن الأخير. ليس هناك دولة ما خلف الجيش الحر، ولا هو نشأ بقرار من هيئة سياسية قائدة، ولم تشكله مجموعة موحدة من القيادات العسكرية. الجيش الحر هو أقرب إلى إطار تصوري، إلى فكرة، وإلى حركة شعبية مسلحة، بادرت إلى تأسيس بعض وحداته مجموعات، أو حتى أفراد، من الضباط والجنود المنشقين، في مناطق مختلفة من البلاد، لم يكن بينها بالضرورة صلات وثيقة. ونظمت وحدات أخرى من الجيش قوى وجماعات سياسية؛ وولد بعضها الآخر من مبادرات شعبية محلية. كانت هذه الصورة مقبولة إلى حد ما عندما اقتصرت وظيفة وحدات الجيش الحر على حماية الأهالي من وحشية الشبيحة وهجمات قوات الجيش وقوى الأمن. أما وقد انتقلت وظيفة الجيش وأهدافه إلى تحرير البلاد من سيطرة النظام، وتزايدت أعداد المنضوين تحت رايته، بما في ذلك أفواج من الضباط المنشقين، فقد أصبح من الضروري أن تكون هناك قيادة رئيسية، تقدر أولويات العمل وتجتهد من أجل تعزيز مقدرات الوحدات المنتشرة في أنحاء البلاد، وتمنع اختراق قوى الثورة المسلحة من التنظيمات الراديكالية الطائفية أو ذات العلاقة بالقاعدة وشقيقاتها، أو من الأطراف الدولية والإقليمية التي تسعى لتأمين موقع قدم لها في سورية المستقبل. ولكن جهوداً متتالية، على الحدود السورية التركية، أو داخل سورية، لم تنتج إلا عديداً من المجالس القيادية، التي لم يعد من الممكن تقدير جدية بعضها أو صلتها بما يدور في أنحاء البلاد. وليس من الواضح ما إن كانت قيادة المجلس الوطني بذلت من الجهد ما يكفي لإقامة علاقة سياسية وثيقة بين المجلس والمجالس القيادية المتفرقة للجيش الحر، أو حتى لوضع سياسية واضحة تجاه التحول الكبير في سياق الثورة من حركة احتجاج سلمي إلى مقاومة وحركة تحرير مسلحة.

من جهة أخرى، وبالرغم من الأصوات التي ترتفع من وقت إلى آخر في مواجهة التوتر الطائفي، تحاول محاصرة المخاوف المتصاعدة لدى الجماعات الدينية والمذهبية المختلفة، فإن المسألة الطائفية تفاقمت إلى مستوى بات يهدد الاجتماع السياسي السوري ووحدة الشعب. ليس هناك ثوة تنهض في فراغ، والثورة بالتعريف هي حدث بالغ التعقيد من التدافعات والمخاوف والانشطارات. وإلى جانب ما حاوله ويحاوله النظام وأدواته من تفجير للصراع الطائفي، فقد ضم تيار الثورة في صفوفه عناصر، وربما قوى وجماعات، داخل وخارج البلاد، لم تدرك مخاطر المسألة الطائفية، ولا تعي السياق السوري الخاص للمسألة الطائفية. لم يكن النظام وحده من حاول التطهير الطائفي في قرى وبلدات سهل الغاب، أو في ضواحي حمص وحماة، أو من حاول التلاعب بمخاوف المسيحيين السوريين. في مناطق مختلفة، مارست مجموعات الثوار سلوكاً لا يقل وطأة عن سياسات النظام؛ ولم يعد من المسوغ ولا المفيد السكوت عن هذا السلوك، وقد هجرت آلاف العائلات المسيحية أو العلوية والشيعية من أماكن سكناها.

وإلى جانب ذلك كله، توشك المسألة الكردية أن تتحول إلى واحدة من أخطر مسائل المستقبل السوري، بدون أن تستطيع القوى السورية السياسية بلورة موقف واضح منها. علاقة النظام بحزب العمال الكردستاني وتفرعاته السورية لم تكن خافية على أحد؛ والأرجح أنها لم تنقطع كلية حتى أثناء شهر العسل التركي السوري. ومنذ سنوات، تشكل العناصر الكردية السورية نسبة ملموسة من كوادر حزب العمال الكردستاني (التركي). اليوم، وبينما يخلي النظام بلدات سورية في الشمال الشرقي، أي منطقة الكثافة السكانية الكردية، وفي ريف حلب، لصالح حزب العمال الكردستاني وحلفائه السوريين، ويخفق المجلس الوطني السوري، والقوى الكردية المؤتلفة في المجلس الوطني الكردي، في التوافق على الوضع الكردي في النظام السوري السياسي الجديد، ثمة من يعتقد أن بالإمكان إقامة شمال سوري مشابه لشمال العراق. ليس من السهل القول أن الملف الكردي في سورية يشبه الملف الكردي في العراق؛ كما لا يكفي القول أن الملفين غير متشابهين وأن الحل الذي اتبع لأحدهما لن يكون بالضرورة نموذجاً لحل الآخر. التداخل العربي الكردي في شمال سورية الشرقي، ووجود الأكراد في مناطق أخرى من سورية، والدور الإقليمي الذي يمكن أن تلعبه تركيا وحكومة إقليم كردستان العراق وحزب العمال الكردستاني، تجعل من الملف الكردي مسألة قابلة للانفجار بمجرد سقوط النظام أو تسارع فقدانه للسيطرة على أنحاء البلاد.

في مجتمع عاش تحت سيطرة سلطة مركزية أمنية لزهاء نصف القرن، وفي ظل نظام أقلية تمييزي، وتحت تهديد زائر الموت الرسمي، ليس غريباً أن تندلع طموحات ورغبات وهموم ومطالب السوريين مرة واحدة. ولكن القول أن الوطنية السورية هشة، أو أن فكرة سورية تفتقد الجذور الضرورية للمحافظة على وحدة البلاد، سواء لحداثة الوطنية السورية أو لتوجهات سورية القومية العربية، التوجهات استبطنت الهرب من أو التنكر لاستحقاقات الوطنية السورية، هو قول لا تؤيده الوقائع والتواريخ. كل الكيانات المشرقية، بما ذلك تركيا، كيانات حديثة، تعود إلى نهاية الحرب الأولى. ولكن ثمة كيانات سياسية في أوروبا وفي آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، أحدث بكثير من الدول العربية والإسلامية.

سورية، بالرغم من الأغلبية العربية ـ السنية الكبيرة، هي بالطبع كيان متنوع في جماعاته الإثنية والدينية والطائفية. ولكن أغلب دول العالم، أغلب الدول ـ القومية، أو الدول ـ الأمة، هي أيضاً كيانات متنوعة، بما ذلك العدد الأكبر من الديمقراطيات الغربية المستقرة، وبما في ذلك دول كبرى مثل روسيا والصين والهند. وكما أن حرب التحرير التركية في 1919 1922 صنعت الوطنية التركية، وأن ثورة 1919 كانت البوتقة الأولى لتبلور الوطنية المصرية، فقد كان لسورية ثورتها الوطنية المبكرة في 1925 ـ 1927، التي وفرت مناسبة كبرى ليتعرف السوريون على بعضهم البعض ويتصوروا معاً وجودهم المشترك في وطن واحد. وإن كان لخصوصيات سورية القومية من دور، فقد كان في تعميق الشعور السوري بالذات، بدعوة من أنظمة الحكم المختلفة أحياناً، وبدون هذه الأنظمة في أحيان أخرى. مهما كان الدور الذي لعبته سورية عربياً، ومهما كانت المسؤوليات التي تحملها الشعب السوري، فقد أصبح هذا الدور وهذه المسؤوليات قوى فاعلة في تعظيم رؤية سورية لذاتها. المخاطر التي تواجهها سورية اليوم ليست فريدة ولا استثنائية؛ وكان يمكن لأي المجتمعات أن تواجهها إن مرت بظروف مشابهة. والمسألة التي ينبغي تذكرها أن الأمم ليست كيانات أزلية، وأن وجودها يحتاج رعاية مستمرة. فجرت الثورة السورية بركاناً من الحراك الشعبي، جماعات سياسية، ضباطاً ورجال جيش، أحزاباً وشخصيات عامة، طوائف وعشائر، وجماعات مذهبية وإثنية. ولكن هذا الحراك الشعبي الهائل لم ينتج بعد القيادة الوطنية المؤهلة لتحويله إلى قوة فعالة وإيجابية للحفاظ على تماسك سورية ووحدة شعبها وأرضها؛ القيادة المبادرة والأكثر التحاماً بقوى الثورة وجماعاتها والتعبير عنها. وما ينبغي تذكره، وخلاص سورية بات أقرب من أي وقت مضى منذ انطلاق الثورة، أن الطبقة السياسية الرديئة التي مني بها العراق بعد الاحتلال كانت سبباً رئيسياً في تردي أحواله ومصائره. وسورية، بعد كل هذه النضالات، تستحق قيادة أفضل.

=================

النصوص والمسارات السياسية في دمشق

فايز سارة *

الخميس ٩ أغسطس ٢٠١٢

الحياة

حكاية السوريين مع النصوص ومساراتها السياسية حكاية، تكاد تكون معروفة، وخلاصتها ان النصوص في اتجاه والمسارات السياسية في اتجاه آخر، بمعنى ان ثمة افتراقاً بين التفكير والتدبير في الواقع السوري، والامثلة في ذلك أكثر مما يمكن حصره، وهي مستمرة وحاضرة في سلوك الدولة السورية وحكوماتها، كما هي حاضرة عند الجماعات السياسية، وبالتالي عند قادة في تلك الجماعات بغض النظر عن اتجاهاتها الأيدولوجية والسياسية.

لعل الابرز في افتراق النصوص عن المسارات، حاضر في تناقضات الدستور السوري، وهو الروح التي تستمد منها كل القوانين، وعلى سبيل المثال، فإن الدستور يصف النظام بأنه ديموقراطي، فيما مسار النظام ديكتاتوري استبدادي، وبينما ينص الدستور على مساواة المواطنين، فإن الواقع يؤكد غياب المساواة في جوانب سياسية واجتماعية وثقافية، كما في التمايزات بين الجماعات السياسية، وبين النساء والرجال، وبين العرب والأكراد على التوالي.

والنصوص التي تطلقها الحكومات رسماً لخطوط سياساتها، تختلف الى حد التناقض، هي الاخرى عن ممارساتها، وأمور كهذه لا تحتاج الى كثير من التدقيق. اذ يكفي التوقف أمام نتائج السياسات الحكومية في مجالات عامة مثل التعليم والصحة والتشغيل والتنمية الاقتصادية، والتي واصلت تردياتها في العقود الماضية على رغم كل البيانات الوزارية والخطط الخمسية الطامحة، التي كانت وعدت السوريين بتغيير حياتهم الى الافضل.

ولا يختلف الوضع عما سبق في نصوص الجماعات السياسية ومسار تلك الجماعات، وهو امر ينطبق على حزب البعث الحاكم الذي اعطاه الدستور السوري لسنوات طويلة صفة «الحزب القائد للدولة والمجتمع» بأهدافه المعروفة في «الوحدة والحرية والاشتراكية»، فأقام نظاماً مختلفاً، يتعارض بصورة كلية مع هذه الاهداف، التي افردت وثائقه حيزها الاكبر للحديث عنها وشرحها بصورة مطولة ومملة، والامثلة تتكرر عند غيره من الاحزاب العقائدية، وعلى رغم «وطنية» أو «أممية» نصوص الاحزاب في الجماعات الاسلامية واليسارية، فقد سارت اغلب الاحزاب الاسلامية نحو بلورة جماعات دينية، لا تخلو من صبغة طائفية، وتمخضت ممارسات اليسارية عن جماعات اقلوية ذات تداخلات دينية وعرقية وطائفية بدل توجهاتها الوطنية والاممية.

وفي طبيعة الحال، لا يمكن النظر الى ثورة السوريين الراهنة بمعزل عن الاختلاف بين محتوى النصوص السياسية ومساراتها التنفيذية، وهي المسؤولة عما آلت اليه اوضاع سورية والسوريين من ترديات، تعبر عنها مؤشرات الازمة السياسية الاقتصادية - الاجتماعية والثقافية السائدة، والتي كانت بين اسباب الثورة، والاساس الذي قامت عليه شعارات المتظاهرين، ليس فقط في مطالب الحرية والكرامة وصولاً الى مطلب إسقاط النظام او تغييره، انما ايضاً في اعلان رفضها سياسات النظام، والتشكيك بقدرة المعارضة وبعض قياداتها على القيام بدور فاعل ونشط في الثورة وفي أخذ البلاد الى مستقبل افضل.

ان الاسباب التي قام على اساسها التناقض بين النصوص والمسارات، او بين التفكير والتدبير السياسي في سورية، انما تستند الى ضعف البنية السياسية في المجالات الايديولوجية والسياسية، كما في المجالات التنظيمية، والى تغليب الشعارات على دراسة الواقع السياسي ورسم المسارات المطلوبة انطلاقاً منه، وليس بالاستناد الى الشعارات، ونتيجة ضعف الشخصيات السياسية وهامشيتها في الغالب الاعم، اذ ليس من مسار تعليمي او تدريبي للكادر السياسي الذي يهبط غالباً بطريقة ما الى مكانه في القيادات السياسية السورية، قبل ان يأخذ في التجريب على حساب جماعته وعلى حساب من يدّعي تمثيلهم من الناحية السياسية.

وثمة نسق آخر من اسباب التناقض بين النصوص والمسارات، يستمد حضوره من اوضاع قائمة وحاضرة في لحظتها السياسية، حيث يكون مطلوباً رسم تصورات لمسارات سياسية اقتصادية واجتماعية في مرحلة معينة، ولا سيما في ظل الازمات والاحداث الكبيرة. فتلقي تلك الظرفية بأعبائها على النصوص، فتجعلها حافلة بالوعود والآمال، التي لا يستطيع الواقع احتمالها ولا يملك امكانية تطبيقها على نحو ما هو عليه الوضع الحالي في سورية، ومثاله الراهن نصوص السلطة وكلامها حول الاصلاح وقوانينه، فيما تتجه البلاد بفعل سياسات السلطة نحو مزيد من الدمار والخراب نتيجة الحل الامني – العسكري وتداعياته. ومثاله الآخر في نصوص ومواثيق تطلقها بعض كتل وجماعات وشخصيات في المعارضة حول السياسات المطلوبة وآفاق المرحلة المقبلة، لكن واقع المسارات المتصلة بذلك لا تشير الى السير في الاتجاه الصحيح، ونظرة الى بعض المعلن في وثائق كتل المعارضة السياسية الثلاثة، المجلس الوطني وهيئة التنسيق والمجلس الوطني الكردي والقوى المنضوية في اطارها تبين كثيراً من التناقض بين النصوص وتطبيقاتها.

لقد حان الوقت لتفكير سوري جدي من اجل ازالة التناقض بين النصوص والمسارات، بين التفكير والتدبير في السياسة السورية، وما لم تحل هذه القضية، فإن البلاد تسير الى واحد من خيارين سيئين، اولهما خيار الضبط الامني على نحو ما هو حاصل الآن، سواء كان الضبط هو ضبط النظام الحالي بأدواته الراهنة على رغم فرصه الضعيفة، او كان ضبطاً امنياً تنتجه ثورة السوريين ضد نظامهم الحالي، وهو ضبط لن يختلف بصورة جوهرية عن الوضع الحالي، وإن كان سيتضمن ملامح تجميلية. اما الخيار الثاني، فهو ابشع من خيار الضبط الامني، اذ سيأخذ السوريين الى انقسامات متعددة ومختلفة، وليس لها من نواظم موحدة، ربما يكون النموذج الصومالي هو الاقرب اليها

=================

انفصال أكراد سورية يمهد لـ «الدويلة العلَوية»

الخميس ٩ أغسطس ٢٠١٢

عبدالوهاب بدرخان

الحياة

رغم الانشقاقات المتزايدة، استمر النظام السوري يتصرف وكأن شيئاً لم يحصل، اذ يكفيه أن يبث إعلامُه روايتَه عن «إقالة» رئيس الوزراء أو سفراء سبقوه الى الانعتاق من ربقة الزمرة الحاكمة. شاء النظام مرة أخرى إثبات أن «دولته» لا أهمية لها، وأن أشخاصها بيادق ينقلها كيفما يشاء، أما اعتماده، فعلى الأجهزة. ولعل هذه الانشقاقات واعتقال بضع عشرات من الإيرانيين أطارت ما تبقى من صوابه، فضغط الأزرار ليجنّ القصف التدميري ويعم كل المناطق، بل ليتعجل معركة حلب. لكن، ماذا ينتظر من هذه المعركة: أن يستعيد السيطرة ويواصل تسلطه على شعب سورية؟ فات الأوان. ومن أين جاءه الاعتقاد بأنه يستطيع أن يقتل ليحكم، أمِنْ غطرسة ضراوته، أم من تجاربه السابقة؟ هذه أصبحت أيضاً، كما سيصبح هو نفسه، من الماضي. لماذا سلَّم النظام مناطق في الشمال لمقاتلي «حزب الاتحاد الديموقراطي»، رديف «حزب العمال الكردستاني» وتوأمه؟ طبعاً لاستفزاز تركيا واستدراجها، ولزرع الفتنة بين أكراد سورية، والأهم أنه أراد الإيحاء للأكراد بأن فرصة «تقرير المصير» التي ينتظرونها باتت سانحة، حتى لو جاءتهم كلقمة مسمومة. ولماذا يبدي هذا النظام تساهلاً يشبه التحريض على انشاء «كيان» أو «اقليم» كردي؟ لأنه لن يترك سورية كما كانت تحت قبضته، ولم يعد لديه ما يخفيه، فهو يريد أن يفتتح الأكراد مسلسل تفتيت البلاد، لتبدو «الدويلة العلوية» بعدئذ أمراً واقعاً مشروعاً يفرضه منطق التطورات.

قد يكون الروس والايرانيون بدأوا يُقنعون أنفسَهم بأنه اذا لم يبق لهم سوى هذه «الدويلة» على الساحل السوري موطئ قدم و «نفوذ» في الشرق الأوسط، فلا بد أن يَقنَعوا بها وأن يريدوا ما سيكون، بل أن يستعدوا أيضاً لحمايتها. ربما اعتقدوا أنهم حلفاء نظام حاكم، ولم يتخيلوا يوماً أنهم يتعاملون مع طائفة، لكنهم مضطرون الآن للأخذ بما يبدو متاحاً، على افتراض أنه بات حتمياً أو ممكناً. ما يؤيد ذلك أن الخيار الآخر، أي بقاء هذا النظام كجهة وحيدة تريدهم ويريدونها، لم يعد وارداً. نعم، هذا نظام لديه من السلاح ما يمكِّنه من تدمير حلب، كما فعل في دمشق وحمص وحماة ودرعا ودير الزور، لكنه لم يستعِدْ أمانَه، ولن يستعيد شأنه في أي منطقة عاث فيها تشبيحاً. العالم كله يعرف حلب عنواناً مدنياً حضارياً، وأهلها سيصمدون بعزم كما فعلوا ضد مغول القرن الثالث عشر وهمجيتهم، ومع ذلك، إذا قُدِّر لهذا النظام أن يحسم «معركته المصيرية» فيها، فإن العالم سيشهد على همجية القرن الواحد والعشرين، وسينزل بها العقاب الأشد، ففي حلب سيتجرد النظام من آخر خدعة يمكن أن يستخدمها للادعاء بأنه معني بالحفاظ على سورية وطناً لجميع السوريين.

اشتكى كوفي انان من «عسكرة المعارضة» كأحد العناصر التي أفشلت مهمته، ولم يدرك أن النظام هو مَن دفع شعبه دفعاً الى «التعسكر» والقتال، ضامناً مسبقاً أن معادلة كهذه ستكون لمصلحته، كذلك المنازلة النارية، وأنه سينتصر فيها حتماً. من الواضح أنه أخطأ في حساباته، فالحرب التي تمناها واستدرجها قد تطول وتكلِّف أكثر، لكن يستحيل أن تؤول الى النهاية التي يتصورها. لم يشعر الشعب السوري ولا أي من «أصدقائه» بأي خسارة في استقالة كوفي انان. كانت كذبة وانتهت. الخاسرون كانوا النظام السوري و «أصدقاءه»، اذ فقدوا غطاءً وحلبة لخوض المناورات وشراء الوقت للنظام، الذي أذهل الجميع ولا سيما «أصدقاءه» بانفصاله التام عن الواقع وعن الشعب.

ما يستدعي كل القلق اليوم، ليس فقط المجازر التي يصر النظام على ارتكابها قبل رحيله، بل خصوصاً الأرض المحروقة التي سيخلفها وراءه والوضع الفوضوي للبلد إثر انهياره وسقوطه، فـ «أصدقاء النظام» استهلكوا جهد المجتمع الدولي في بحث عقيم عن «وقف العنف»، وعن «حل سياسي»، وفي جدل عبثي حول جواز وعدم جواز «تسليح المعارضة»، فيما كان النظام نفسه يستثمر العنف ليموضع سورية ومجتمعها في اتجاه التمزق والتفتيت. كان الأمر في الأذهان منذ الأسابيع الأولى، لكن حتى أنصاره السابقين -اذا حادثتهم في منافيهم القسرية في لبنان والأردن والعراق ومصر والجزائر وتركيا- باتوا يقولون إن النظام لم يعد مهتماً إلا بإنشاء «الدولة العلوية». كان هذا المآل معروفاً ومتداولاً منذ بدأ «الأسد الأب» يبني نظامه في سبعينات القرن الماضي، وازداد التهديد به في الثمانينات، مع القمع الشديد الذي أُنزل بحماة وحلب وإدلب، وكأن أصحابه تعمدوا الجهر بهذا السر الشائع ليغدو خطاً أحمر وإنذاراً مسبقاً لمن يحاول المس بتركيبة «الأقلية (أو تفاهم الأقليات) التي تحكم الأكثرية»، بغض النظر عن طابعها المذهبي، فأي محاولة لتغييرها أو ادخال تحسينات «إصلاحية» عليها ستعني تشظي البلد كله. وطوال الشهور الـ 17 الماضية، تأرجح النظام بين المهم والأهم لديه، أي بين استبقاء هذه التركيبة والاحتفاظ بخط الرجعة الى «الدويلة»، لكن فشله في احتواء الأزمة أدى الى انكشاف الأقليات وتعريضها للخطر، فخسر ورقة «حمايتها» ولم يبقَ له سوى أن يحمي أقليته العلوية التي صادر صوتها ومصيرها وظَلَمَها بالآثام التي راكمها.

لكن مسار «الدويلات» الذي رسمه هذا النظام ليناسب طموحاته، هل يتلاقى عملياً مع المصالح والأهواء الاقليمية والدولية؟ واذا اندفع النظام مع ايران الى مغامرة حربية في الاقليم، فهل تكون الحروب للحفاظ على وحدة سورية أم لتقاسمها؟ وعدا العرب، من يريد بقاء سورية موحدة؟ أسئلة كثيرة كهذه مطروحة، وباستثناء اسرائيل التي ترى في تفتيت سورية «جائزة» مجانية لم تتوقعها، فإن اللعبة الدولية لا تبدو اليوم واضحة المرامي، خصوصاً أن الأمر لا يتعلق بسورية وحدها. صحيح أن هناك «مخططات استعمارية» موضوعة سابقاً، وخرائط موثقة تجسدها وتؤكدها، لكن هذا لا يعني أن الدول الكبرى معنية فقط بمصلحة اسرائيل وتترقب اللحظة لتطبيق تلك المخططات بعينها، فالقلق من دول كبيرة فاشلة سياسياً واقتصادياً -أو أفشلتها أنظمة مستبدة ومتخلفة- لا يُعالج بدويلات عديدة سيفتقد معظمها مقومات الحياة والنماء.

أراد الشعب بانتفاضته أن يفتح سورية على أفق الحريات والديموقراطية وتعايش الفئات والمذاهب، أما النظام فذهب في القمع الى حدٍّ شرع فيه خريطة البلاد أمام كل التمزقات الداخلية المحتملة وكل الانتدابات الخارجية المتوقعة. في العراق، ارتكب الأميركيون كل الخطايا المميتة، باستثناء أن يقودوا هم عملية التقسيم، وإن كانوا سهّلوا ما يعتبر ارهاصاً له بدعمهم استقلالية اقليم كردستان. لكن أكراد سورية يقولون ان واشنطن أوضحت باكراً جداً أنها لا تؤيد أي صيغة استقلالية لهم، وإنما تحبذ أي شكل من الادارة الذاتية لصون حقوقهم وخصوصيتهم. وألح الاميركيون والاوروبيون طويلاً على المجلس الوطني وسائر المعارضات السورية كي تنخرط في «حل سياسي» ولو على سبيل «الطمأنة» للعلويين وبقية الطوائف والأقليات، لكنهم توصلوا في النهاية الى اقتناع بأن الخطر الداهم على هذه الفئات يأتي من إمعان النظام في العنف الدموي الذي يمارسه باسم «حماية الأقليات». في المقابل، تماهت روسيا، كما ايران، مع دعاوى النظام، وقد تجاريه في توجهه الى «الدويلة»، لكنها سعت بالتأكيد الى حل يبقيه ولو جزئياً في الحكم، ورغم أن الاحتمال كان وارداً وممكناً إلا أن النظام نفسه أحبط كل الفرص. 

=================

هل يستطيع لبنان النجاة بنفسه من المرحلة الانتقالية السورية؟

بول سالم *

الخميس ٩ أغسطس ٢٠١٢

الحياة

أفلح لبنان في الحفاظ على هدوء واستقرار ملحوظين طيلة الأشهر الـ17 الماضية من الثورة السورية. لكن، في حال نجحت هذه الثورة وسقط نظام الأسد، هل سيكون لبنان قادراً على التأقلم مع التغيرات الجيو- استراتيجية والسياسية الكبرى التي ستطرأ، من دون أن ينهار فيه النظامان السياسي والأمني؟

الواقع أن جزءاً من الهدوء النسبي الذي تمتع به لبنان، ومعه احتمال استمرار هذا الهدوء بما يكفل حماية البلد، يعود إلى التالي:

أولاً: لدى لبنان نظام سياسي يقوم على تقاسم السلطة استناداً إلى الوفاق والإجماع. وهكذا، وعلى عكس بلدان عربية أخرى مسَّتها شرارة الربيع العربي، ليس هناك رفض واسع النطاق للنظام السياسي، ولا توجد قوة اجتماعية كبيرة تسعى إلى الإطاحة به.

ثانياً: لبنان سبق له أن عاش فظائع حرب أهلية، وهو بهذا المعنى اكتسب شيئاً من المناعة. والحروب الأهلية لا تحدث بالصدفة أو عن طريق الخطأ، بل هي تتطلّب إرادة وتنظيماً وتعبئة لشنّها ومواصلتها. ومع أن هناك الكثير من الانقسامات والتوترات في لبنان، إلا أن ثمة القليل من الاستعداد لترجمة الخلافات السياسية إلى مجابهات عسكرية. ومع ذلك، قد تفرض تحديات التغيير في سورية ضغوطاً وتوترات ضخمة على النظام اللبناني.

لقد عاش لبنان في ظل نظام الأسد طيلة العقود الأربعة الماضية. والظروف التي أدت إلى اندلاع الحرب الأهلية في أواسط السبعينات، ومسارات الحرب خلال 16 سنة، إضافة إلى الأوضاع السياسية والأمنية التي تلت الحرب، تأثرت كلها بسياسات نظام الأسد. ولكن سيواجه لبنان ما بعد الأسد ظروفاَ جيو- استراتيجية وسياسية مختلفة تماماً يصعب التكهن بكل معالمها الآن. ولكن التحولات هذه ستفرض تحديات أساسية على لبنان.

أحد هذه التحديات هو العلاقة بين الدولة والمقاومة. فقد تعاون نظام الأسد مع إيران في تأسيس وتسليح «حزب الله» ليكون شريكاً استراتيجياً لهما في المنطقة. كما أن سورية استخدمت نفوذها في لبنان لإجبار القوى الأخرى على تقبّل هذه الحقيقة. بالطبع، يعي «حزب الله» جيداً طبيعة المأزق في حال سقط نظام الأسد، لكن يبدو أنه ينتهج استراتيجية متناقضة. فهو، من جهة، يدعو إلى حوار وطني، بيد أنه من جهة ثانية يرفض أي بحث جدّي حول إدخال أي تغييرات على استقلاليته الاستراتيجية. ويبدو أن الحزب يريد أن يبقى قوة متقدمة في «محور الممانعة» حتى ولو أن المنطقة المحيطة بلبنان لم تعد توفّر العمق الاستراتيجي لهذا المحور. ولذا، فإن ترك هذا التناقض بين الدولة والمقاومة معلقاً قد يعرِّض لبنان إلى تجدد التوترات الداخلية وربما اللااستقرار. فضلاً عن ذلك، إن الحفاظ على وضعية المواجهة الاستراتيجية مع إسرائيل (ومن ورائها الولايات المتحدة) من دون العمق الاستراتيجي السوري، قد يعرّض «حزب الله»، ومعه لبنان، إلى حرب إسرائيلية جديدة.

على الصعيد السياسي، كانت صيغ تقاسم السلطة التي صكّتها اتفاقات الطائف ونظام ما بعد الطائف، تعكس حقائق القوة في تلك الحقبة. فقد خسر المسيحيون الموارنة شطراً كبيراً من السلطة التنفيذية، وربحت الطائفة السنّية سلطات تنفيذية أكبر بعد تعزيز صلاحيات رئاسة الوزراء، فيما كسبت الطائفة الشيعية صلاحيات في السلطة التشريعية، لكنها مُنحت عملياً سلطة تنفيذية تعويضية من خلال بناء «حزب الله» دولة داخل الدولة. وإذا ما أجبرت التوترات السنّية - الشيعية والإقليمية «حزب الله» على إعادة النظر باستراتيجيته، فقد يختار التحوُّل نحو الداخل وإعادة طرح مسألة تقاسم السلطة في لبنان. وهذا يمكن أن يتم عبر اقتراح المثالثة في التمثيل الطائفي في البرلمان والحكومة، كما قد يطلب المداولة في منصب رئاسة الحكومة. إذا خسرت إيران وحلفاؤها نفوذهم في سورية، قد يكون المثال العراقي، حيث عززت الطائفة الشيعية أخيراً سلطتها التنفيذية في بغداد، أمراً يشجع إيران و «حزب الله» على رفع سقف المطالب السياسية في لبنان. بالطبع، إن محاولة إعادة التفاوض حول اتفاق الطائف في خضم اضطرابات التغيير في سورية والتوترات الكاسحة في المنطقة، ستكون أمراً في غاية الصعوبة، وللأسف قد لا يكون التغيير الدستوري ممكناً عملياً إلا بعد موجة جديدة من الاقتتال الداخلي، على غرار الحرب الأهلية المديدة التي سبقت التفاوض والتوافق على الطائف.

وعلى أي حال، إن قدرة النظام السياسي اللبناني على التفاوض حول التعديلات الدستورية والسياسية منخفضة للغاية. وهذا ما يدل عليه فشل اجتماعات الحوار الوطني حول قضية سلاح «حزب الله» أو حول المجموعات الفلسطينية المسلحة خارج المخيمات. صحيح أن محاولات التفاوض حول قانون انتخابي جديد أحزرت على ما يبدو تقدماً داخل الحكومة، بعد أن صادقت هذه الأخيرة على قانون جديد يستند إلى التمثيل النسبي، إلا أن تيار «المستقبل» المعارض رفض هذا القانون جملةً وتفصيلاً، وحتى الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي هو جزء من الحكومة، عارضه بعنف، ما قد يعرّض هذا القانون إلى الهزيمة في البرلمان.

إن قدرة الحكومة اللبنانية والنظام السياسي على التعاطي مع تحديات أقل بكثير من هذه، كانت أصلاً في حالة انحدار. فالمشاكل في قطاع الكهرباء بقيت معلّقة لأشهر طويلة وأدت إلى انقطاع التيار في كل أنحاء البلاد. وأسفر احتجاج الشيخ السلفي أحمد الأسير عن إغلاق الطريق الرئيسي إلى الجنوب لمدة شهر كامل قبل أن يتم إقناعه بتعليق الاعتصام. هذا إضافة إلى عودة الاشتباكات إلى طرابلس والشمال، والتي لم تكن الدولة قادرة على وضع حد لها. والواقع أن النظام السياسي اللبناني يقترب حثيثاً من واحدة من أكثر الفترات اضطراباً في مجال التغييرات الإقليمية (كما يتجلى في الديناميكيات المقبلة في سورية)، فيما هو في أدنى درجات القدرة على تدبّر أمر شؤونه الداخلية السياسية والأمنية.

بالطبع، الكثير سيعتمد على طبيعة وخواتيم السيناريوات في سورية. إذ قد يستطيع نظام الأسد البقاء كدولة جزئية علوية تسيطر على أجزاء من العاصمة ومن سورية، فيما تسيطر كتائب الثوار على باقي المدن والمناطق في البلاد. كما قد تبرز صيغة لحرب أهلية ممتدة شبيهة بما حدث في لبنان بين 1975 و1990، أي أن الأمر قد يتطلب سنوات عدة كي تنتقل سورية إلى نظام سياسي جديد. وثمة سيناريو آخر يتمثّل في الانهيار المفاجئ للنظام، عبر نجاح الثورة أو عبر انقلاب، وما يليه من مفاوضات سريعة نسبياً حول عملية انتقالية تتضمن وقف القتال، وتشكيل حكومة ائتلافية، وإجراء انتخابات حقيقية لوضع دستور جديد وإقامة نظام سياسي جديد.

في أي من هذه الحالات، وعلى رغم أن لبنان يحظى بمناعة نسبية قد تحميه من الانهيار السريع، إلا أن النظام السياسي اللبناني يفتقر، بشكل خطير، إلى القدرة على التعاطي مع التغييرات الضخمة والمحتمة الآتية، مهما كان شكل السيناريوات التي ستكون لها اليد العليا في سورية. وبناء على ذلك، ينبغي على القادة اللبنانيين في الداخل وأصدقاء لبنان في الخارج أن يلتفتوا إلى خطورة المرحلة ويبحثوا عن السبل التي تمكن لبنان من استيعاب تأثيرات التغيير السوري الآتي من دون الوقوع ضحيتها.

=================

بين جليلي وصلاح الدين

الخميس ٩ أغسطس ٢٠١٢

زهير قصيباتي

الحياة

استوعبت دمشق رسالة طهران: «محور المقاومة لن يُكسَر»... بعد ساعات على مغادرة الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني سعيد جليلي سورية الى العراق، بدأ الجيش هجومه البري على حلب لكسر «أعداء المحور» في حي صلاح الدين.

كانت الرسالة التي نقلها جليلي الى الرئيس بشار الأسد، واضحة في تشجيع النظام السوري على استعجال الحسم العسكري مع قوات «الجيش الحر» التي نجحت في استنزافه طويلاً، بفتح جبهات متباعدة في آن. تبنّى الموفد الإيراني طروحات النظام، فلا معارضة ومَن يعارضون ويحملون السلاح لإسقاطه، ولا قضية صراع داخلي، بل هي ذاتها الحرب «الكونية» مجدداً، أو محور «الشيطان الأكبر» الذي يتآمر لكسر «مقاومةٍ، سورية ضلع أساسي فيها».

وإذا بدت معركة صلاح الدين نموذجاً مصغّراً لتلك الحرب التي يصعب التكهّن بمداها الزمني وأثمانها الباهظة، فإن بعض الخبثاء ذهب في تفسير رسالة القيادة الإيرانية إلى تلمّس ضِيقٍ لدى طهران من حساب تداعيات انهيار «أحجار الدومينو» لمحور كلّفها الكثير على مدى عقود، وبات قلبه أمام احتمالين: إما إنقاذ نفسه سريعاً وإنقاذه بالعتاد ليشدد الضغط العسكري على جبهات المدن، ويعزل جزر «الجيش الحر» عن أي طريق إمدادات (إلى تركيا خصوصاً)، وإما مواجهة لحظة الحقيقة التي يمكن طهران معها التفاوض على صفقة ما.

لكن حظوظ النظام في إنقاذ نفسه تتهاوى سريعاً أمام حقيقة ما تكبّده السوريون، وارتدادات الانشقاقات المتتالية، وآخرها «هزة» خروج رئيس الوزراء رياض حجاب على النظام التي لا تفصلها فترة طويلة عن مقتل أعضاء «خلية الأزمة» في التفجير الذي هز أركانه... كما تتوارى تلك الحظوظ وراء وهم الحديث عن «حوار وطني»، تشيّعه كل يوم جثامين عشرات القتلى.

وأما الغرب الذي يربط طهران ومحورها بوهم الرهان على الصمود في وجه طوفان الثورة والحرب، فلا يكلّ من ترداد مقولة التعلم من دروس العراق وليبيا: لا تدخل عسكرياً ضد قوات النظام السوري، النظام والمعارضة (الجيش الحر) كفيلان بالحل... ولا مساومة مع إيران على أي بديل.

تدرك واشنطن وباريس ولندن أن اجتماع 12 دولة في طهران اليوم، لن يبدّل شيئاً في كفة النظام الذي دانت 133 دولة استخدامه الأسلحة الثقيلة والطيران الحربي في المدن. وإذ تبدو المحاولة الإيرانية استعراضية، بعدما اختارت موسكو تقنين حملتها اليومية على «المسلحين والإرهابيين» في سورية، بعد الفيتو الروسي الثالث في مجلس الأمن، جاءت جولة جليلي على دمشق وبيروت وبغداد، رسالة إلى القوى الإقليمية بأن طهران لن تسكت في حال تدخّل أي طرف لتمكين «الجيش الحر» من السيطرة على حلب وحسم معركتها، لإعلان المنطقة العازلة على تخوم الحدود السورية- التركية.

وإذا كان بعضهم في إيران رأى في انشقاق رياض حجاب إحدى بدايات الفصل الأخير في محنة الصراع في سورية، والذي تستعد أنقرة وواشنطن لاحتواء تداعياته الإقليمية، فإن رد تركيا كرة الوعيد الى رئيس الأركان الإيراني كان لتحذير طهران من عواقب الإفراط في الاستخفاف بقدرتها. والحال أن قيادة خامنئي- نجاد يخالجها الهلع لأن لا أحد يعرف «بعد سورية دورُ مَنْ»، إيران أو تركيا وسواها من دول المنطقة، كأنها تستعير لسان القذافي بعد إعدام صدام حسين. والأكيد أن زيارة جليلي لبغداد لن تكون كافية لطي صفحة انقسام الزعامات العراقية على كيفية التعامل مع الملف السوري، ولا لحشدها جميعاً في «محور المقاومة»، تمهيداً للفصل المقبل من «الحرب الكونية».

لعل حال الموفد الإيراني وجولته لا يشبهان إلا ذاك الجنرال الروسي الذي ظهر في موسكو، معلناً انه ما زال حياً، لينفي «إشاعاتٍ» عن مقتله في سورية.

جاء جليلي لينفي موت محور، ووداع النظام في دمشق، وانكفاء الدور الإيراني الذي أُصيب بتشققات لن تبقى بعيدة عن جدران النظام في طهران. هو يكرر «اللعبة» ذاتها، يحتمي بديبلوماسية «الأجنحة» التي يستساغ معها طلب وساطة أنقرة لإطلاق الإيرانيين المخطوفين في سورية، بعد «إنذار» للأتراك من ثمن «تورطهم» بسفك الدماء.

شكوك متبادلة، ورهانات كذلك على مَنْ يحرق أصابعه أولاً كلما طالت المواجهات الدموية في سورية، فيما تحذير الملك عبدالله الثاني من احتمال إقامة «جيب علوي» وتقسيم البلد، إذا سقطت دمشق، يقرّب تركيا إلى فوهة البركان.

مأساة سورية طويلة، ومعها المأزق التركي- الإيراني. وأما الحديث عن التشنج المذهبي في المنطقة، خلال زيارة جليلي لبغداد، فلعله يترجم قلق طهران من ضياع الورقة العراقية «الرابحة»، إذا تمدد الحريق السوري.

=================

إيران وسوريا حتى الموت؟

عماد الدين أديب

الشرق الاوسط

9-8-2012

العلاقات الإيرانية - السورية تمر هذه الأيام بأخطر اختباراتها منذ عام 1979، عندما بدأت علاقة استراتيجية بين نظام البعث الحاكم في دمشق ونظام الحرس الثوري المسيطر في طهران.

وتم تدعيم هذه العلاقات بمصالح تجارية على أرفع مستوى، وتعاون استخباري وثيق للغاية، وعلاقات عسكرية تبدأ بتمويل لشحنات سلاح ثم توفيرها إلى التدريب وصولا إلى وجود قواعد أمنية مشتركة في سوريا ولبنان. واعتبرت إيران وسوريا، أن لبنان هو المسرح الأهم لتجسيد التعاون الأمني بينهما لاستخدامه كذراع لتنفيذ خطط ومشاريع الطرفين.

وتأتي زيارة سعيد جليلي، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني لدمشق واجتماعه بالرئيس بشار الأسد، أول من أمس، محطة بالغة الأهمية في العلاقات بين الطرفين. وقد يقول قائل: وما أهمية هذه الزيارة بالذات؟

وما الذي يجعلها مختلفة عن عشرات الزيارات المتبادلة بين العاصمتين، وبخاصة أن وزير الخارجية السوري كان في زيارة لطهران منذ أيام معدودة؟

أهمية الزيارة تأتي للأسباب التالية:

1) ازدياد المخاطر الأمنية على استقرار الحكم في دمشق بالذات داخل الدائرة الضيقة المحيطة به بعد زيادة وتيرة حركة الانشقاقات والهروب من دمشق؛ آخرها انشقاق رئيس الحكومة السورية الجديد ولجوؤه إلى عمان.

2) عدم قدرة النظام على حماية الزوار الإيرانيين إلى سوريا تحت دعوى الحج إلى الأماكن الدينية وزيادة عدد المخطوف منهم في الآونة الأخيرة.

ويتردد أن هؤلاء خبراء إدارة معارك من الحرس الثوري الإيراني.

وقد اعترف سعيد جليلي أنهم من «القيادات السابقة في الحرس الثوري الإيراني».

3) وصول عدد من الرسائل إلى طهران من عدة عواصم غربية تلوح بأن «تخلي طهران عن النظام السوري الآن قد يساعد بقوة في إعادة تأهيل النظام الإيراني ورفع العقوبات الاقتصادية عنه ضمن صفقة متكاملة تضم موضوع الملف النووي الإيراني».

4) لقاء بشار الأسد - سعيد جليلي هو لقاء «طمأنة وتطمين» للطرفين، فكل منهما له مخاوفه وشكوكه بالنسبة لقدرة كل طرف على الحفاظ على تعهداته للآخر، «وقدرته الذاتية» في عدم الانكسار أمام الضغوط.

ويبقى السؤال، هل هذا الحلف الحديدي مكتوب له الاستمرار حتى آخر جندي سوري، وحتى آخر قطعة سلاح إيرانية، أم أنه عمل مؤقت مرهون بمعادلات محلية وإقليمية ودولية قابلة للمراجعة في أي لحظة؟

هل تبيع إيران نظام الأسد وتنجو من الطوفان أم أنه رهان حتى الموت؟؟

=================

سوريا تستنجد بإيران لمنع تركيا من غزو أراضيها

هدى الحسيني

الشرق الاوسط

9-8-2012

تستطيع سوريا أن تطلب من إيران المساعدة، وأن تشكو لها المخاوف التي تعتريها، فمن بين الأسباب الكثيرة التي هي سبب معاناة السوريين، بدءا من حكم ديكتاتوري أذل الحجر والبشر، وصولا إلى «التمترس» خلف وهم بأن الإرهابيين يريدون الوصول إلى النظام، تشكل إيران سببا أساسيا، فإصرار النظام السوري على التمسك بتحالفه الاستراتيجي مع دولة تعتبر الإرهاب سياسة، والتدخل في الشؤون العربية حقا له ثمنه وإن كان، للأسف، جاء على حساب الشعب السوري وسوريا الأرض والوطن.

لكن، وصول رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني سعيد جليلي، إلى لبنان يوم الاثنين الماضي، بدا كمن ينعي النظام السوري وأن إيران تريد أن تحتل مكان ذلك النظام في لبنان. زيارة ضريح عماد مغنية وليس نصب الشهداء، وقوله، كمن يريد الاستماع لصدى صوته: إن لبنان تحول اليوم إلى نجم ونموذج يحتذى في مجال المقاومة على المستوى الإقليمي وعلى مستوى العالم بأسره، والإنجازات الكبرى التي تحققت في لبنان ببركة المقاومة البطلة، وقد يكون من بين هذه الإنجازات قطع طريق مطار بيروت الدولي احتجاجا على انقطاع الكهرباء، لمنع السياح من المجيء إلى لبنان حيث تصر إيران على تزويده بها، لتثبيت موطئ قدم لها، يساعد قاطعي الطرقات «المياومون» الذين ربطوا بالسلاسل الحديدية بوابة مبنى شركة الكهرباء على طريق النهر.

أيضا، أدان جليلي خطف «الزوار» الإيرانيين في دمشق واصفا العمل بـ«المشين». وبينما كان السيد حسن نصر الله الأمين العام لـ«حزب الله» يشرح كيف أن الحزب مع الدولة ضد المعرقلين والفاسدين، إذا بصدى كلمات جليلي عن الخاطفين، يترجم بقطع طريق المطار مرة جديدة، هذه المرة من أجل المخطوفين اللبنانيين في سوريا، مع التهديد بنصب الخيم وإحراق الدواليب.

يوم الاثنين الماضي، كانت «الجرعة» كبيرة على أغلبية اللبنانيين: السيد نصر الله بخطاب طويل عن أهمية سلاح المقاومة ولبنان المقاوم، وجليلي وقوله: «الشعب اللبناني العزيز والحكومة اللبنانية يعرفان أكثر من أي طرف آخر كيف لهم أن يحتفظوا بهذه الجوهرة الناصعة».

من يدعم من هنا؟ جليلي أم نصر الله؟ والمراهنة من قبل الاثنين هي على لبنان. قال نصر الله إن الحزب لا يريد أن يسيطر على كل لبنان، لكن «هبوط» جليلي المسؤول الأمني الإيراني في ذلك اليوم كان ليحمل النظام الإيراني ليحل محل النظام السوري في لبنان. لكن، غاب عن باله المصير الذي وصلت إليه سوريا بسبب لبنان. كانت سوريا في لبنان تماما مثل شمشون الذي هد جدران الهيكل بشعره، لكن، بعد انسحابها من لبنان، تهاوى دورها وانهارت قوتها، فقد «قصت دليلة شعر شمشون». وهذا ما سيحل بإيران، فالتمسك بلبنان بداعي المقاومة ودعم المقاومة لن يفيد. وما حل بسوريا سيحل بإيران. كم «شمشون» مر على لبنان، قصت لهم «دليلة» شعورهم، كلهم انتهوا وبقي لبنان.

لن تكون إيران أو سوريا أقوى، إنما المثير للسخرية أن بعض السياسيين الذين كانوا يستقبلون «ممثلي» النظام السوري يستقبلون اليوم «ممثلي» النظام الإيراني للتواطؤ على لبنان ولن يغفر التاريخ للسياسي اللبناني زاهر الخطيب، قوله على شاشة «الإخبارية» السورية مساء الأحد الماضي، وهو يشير إلى ممثل سوريا في الأمم المتحدة بشار الجعفري: «مندوبنا»، وكأن الخطيب تنازل عن لبنانيته لإرضاء السوريين.

ونعود إلى الخوف السوري الذي نقله وزير الخارجية وليد المعلم إلى طهران في التاسع والعشرين من الشهر الماضي، حيث كشف للمسؤولين هناك عن مخاوف سوريا من احتمال قيام تركيا بغزو عسكري للأراضي السورية، مستغلة الحالات الإنسانية، أو التوتر الكردي، لإقامة «ملاذات» آمنة. قال المعلم إن عناصر من الحزب الديمقراطي الكردستاني، وبأمر من رئيس الحزب مسعود بارزاني، دخلت 4 قرى كردية في منطقة القامشلي السورية، واشتبكت مع مقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي.. هذا الأمر قد يدفع تركيا للدخول إلى سوريا. كما أبلغ المعلم المسؤولين الإيرانيين أن دمشق تأخذ على محمل الجد تهديدات رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، خصوصا أنها تتزامن مع اتصالات وتحركات إقليمية ودولية لدفع أنقرة للقيام بعمل ما، وهذه كلها تأتي مع نشر قوات ومعدات عسكرية تركية لم يسبق لها مثيل، والقيام بمناورات على الحدود. وعبر المعلم عن مخاوف قيادته من أن التهديد التركي حقيقي، وبأن العمل العسكري وشيك، ولهذا، طلب من طهران ممارسة الضغوط على أنقرة لمنعها من أي تحرك عسكري ضد الأراضي السورية.

من جانبه، قلل الطرف الإيراني من «الهواجس» السورية، وأبلغ المعلم أن التهديدات التركية «للاستهلاك المحلي»، ونتيجة لأزمة داخلية يعيشها أردوغان، ثم إن الأوضاع الاثنية والمذهبية عنده قد تنفجر في وجهه، إذا ما اقتحمت قواته الأراضي السورية، خصوصا أن التوتر السني – العلوي يزداد تأججا في تركيا.

حاول المعلم إقناع طهران بنشر قوات إيرانية على الحدود التركية. لكن المسؤولين الإيرانيين وعدوه بأن الضغوط ستكون سياسية واقتصادية.

وحسب معلومات موثوقة، ترفض إيران نشر قوات عسكرية على حدودها مع تركيا، لأن التنسيق الأمني بين أجهزتها والأجهزة التركية قائم وعميق على طول الحدود المشتركة بينهما لمواجهة العدو المشترك، أي أكراد الطرفين.

ما اتفق عليه المعلم في طهران كان التحرك لدى العراق للضغط على بارزاني لوقف نشاط حزبه في المناطق الكردية السورية، ولهذا سافر من طهران مباشرة إلى بغداد. وحسب معلومات موثوقة، استغل استياء نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي من تحركات وتدخل بارزاني في الشأن السوري. وكان المالكي اصطدم مع وزير خارجيته هوشيار زيباري (كردي) الذي انتقد في إحدى المقابلات التلفزيونية بشار الأسد شخصيا وانتقد النظام السوري، الأمر الذي دفع المالكي لمنع زيباري من حضور جلسات مجلس الوزراء، لأنه خالف خط حكومة المالكي الداعم للنظام السوري.

لقد وعدت طهران الوزير المعلم بأن تتحرك وبسرعة لعقد اجتماع إقليمي حول سوريا ويمكن أن يتوسع ليشمل روسيا والصين وأفغانستان وباكستان، وحددت اليوم الخميس، التاسع من أغسطس (آب) موعدا لهذا المؤتمر.

كما وعدت طهران المعلم بأنها مستمرة في مساعيها لدعوة المعارضة السورية للحوار مع الحكومة. وكأن إيران تبحث عن توازن ولو متأخرا، بعد انحيازها الكامل لدعم النظام السوري.

التزمت إيران ببعض وعودها، فإثر مغادرة المعلم وصل مساعد وزير الخارجية التركي لشؤون الشرق الأوسط خالد تشويك، الذي التقى علي أكبر صالحي وزير الخارجية الإيراني وتركزت مباحثاتهما على الوضع السوري.

وقد يكون ما نشرته الصحف التابعة لـ«الحرس الثوري» عكس نتيجة تلك المباحثات، إذ قالت إحداها، إن إيران وجهت تهديدا لتركيا بأن أي تدخل عسكري سيواجه برد إيراني قاطع، لأن طهران سوف تلتزم بالاتفاقيات الدفاعية الموقعة بين إيران وسوريا وهما اتفاقية دفاعية بحرية (2006) واتفاقية دفاعية جوية (2009).

وحسب مصدر إيراني شارك في المحادثات السورية، فإن هناك حالة من الهلع والخوف لدى المسؤولين السوريين من احتمال دخول قوات تركية إلى الأراضي السورية.

يبقى أن نشير إلى أنه كان الأجدر بالخارجية الإيرانية أن تتذكر تصريح وزيرها في الثالث من الشهر الحالي حيث قال: «الأوضاع في سوريا عادية وهادئة ولا مشاكل أمام الرعايا الإيرانيين».

وتجدر الملاحظة هنا إلى أنه وأمين عام «حزب الله» أصرا يوم الاثنين الماضي على تحديد لبنان بفعل «المقاومة» وتبعاتها، وجليلي يقول: «إن أصدقاءنا في حماس.. ما هم إلا امتداد طبيعي لحركة المقاومة والممانعة في لبنان»، وحيث إن الاثنين يزيدان من الظلمة في النفق أمام اللبنانيين، كان العالم يحتفل بهبوط المسبار «كوريوزيتي» على سطح المريخ، الذي أشرف على المشروع المنطلق من الأرض إلى الفضاء الواسع، كان الأميركي اللبناني الدكتور تشارلز العشي.. لقد رفض الدخول في النفق.

=================

الأسد تحت الوصاية الإيرانية

طارق الحميد

الشرق الاوسط

9-8-2012

الصورة التي بثتها وكالة أنباء النظام الأسدي «سانا» للقاء بشار الأسد بممثل المرشد الإيراني سعيد جليلي، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران، تلخص الموقف السياسي في سوريا الآن، وتؤكد أن طاغية دمشق الأسد قد بات تحت الوصاية الإيرانية الكاملة، وتحديدا داخل عباءة المرشد الإيراني!

فالصورة التي بثتها «سانا»، ونشرتها صحيفتنا على صدر صفحتها الأولى أمس، تظهر أن الأسد كان يجلس وإلى يمينه جليلي، بينما جميع حاضري الاجتماع كانوا من الوفد الإيراني، فلم تظهر الصورة وليد المعلم، ولا بثينة شعبان، ولا حتى المقداد، أو جهاد المقدسي. فعلى يمين الأسد، ويساره، كان كل الجالسين، حسبما أظهرت الصورة، إيرانيين، بينما بثت «سانا» في وقت آخر من يوم اللقاء، صورة أخرى لاجتماع منفصل عقده جليلي مع وليد المعلم، وفريق الخارجية الأسدية. وهذا في حد ذاته يعد مؤشرا على أن الأسد قد بات الآن تحت الوصاية الإيرانية الكاملة، وهو ما أكدته طهران بتصريحات جليلي نفسه التي أعلن فيها وقوف إيران مع الأسد، وأن طهران لا تقبل بكسر ما سمته محور الممانعة، فقد جرت العادة في كل لقاءات الأسد، وتحديدا منذ اندلاع الثورة السورية، أن يكون الضيف الزائر على يمينه، وبعده الوفد المرافق، بينما يكون أعضاء الحكومة الأسدية على يسار الأسد، وهو ما لم يحدث في لقاء الأسد ومبعوث خامنئي جليلي. ومن هنا فإن السوريين اليوم لا يقاتلون طاغية دمشق فحسب، بل يقاتلون أيضا إيران التي تريد فرض الأسد عليهم، وبقوة السلاح!

والدلالة الأخرى لصورة لقاء الأسد - جليلي هي أن إيران صارت مقتنعة - أكثر من أي وقت مضى - بأن أيام الأسد باتت معدودة، وهو ما يؤكده انشقاق رئيس الوزراء رياض حجاب. لذا فإن طهران ترمي بثقلها حاليا لحماية الأسد، الذي أصبح ملفه الآن بيد المرشد الأعلى الإيراني شخصيا، مما يعني أن الأسد بات مثله مثل نوري المالكي، وحسن نصر الله، لكن هل يضمن ذلك البقاء للأسد؟ بالطبع لا. فدفاع إيران العلني عن الأسد، وبالشكل الذي ظهر في زيارة ممثل المرشد، ولقائه بالأسد، يؤكد أن السوريين يواجهون اليوم معركة طائفية تخاض ضدهم من قبل طهران، مما سيكشف طائفية ونفاق النظام الأسدي والإيراني على حد سواء، كما سيزيل آخر ورقة توت عن النفاق الإيراني في منطقتنا.

ومن هنا، فإن صورة لقاء الأسد بجليلي تعتبر أبرز صورة ستبقى في ذهن الثوار السوريين، وكل المنطقة العربية، وكذلك المجتمع الدولي. فالرؤية الآن باتت واضحة في سوريا، حيث تتدخل إيران لمساعدة نظام متهاوٍ، وتقوم بتقديم كل العون له من أجل قتل شعبه الأعزل، وعلى مستوى المرشد الإيراني، وسط تخاذل دولي في عملية تسليح الثوار السوريين.

وعليه فإن التدخل الإيراني السافر في سوريا يظهر أن ما يحدث هناك هو ثورة سورية خالصة، وعلى يد أبناء سوريا أنفسهم، وليس بدعم خارجي كما يردد الأسد، أو طهران، التي أرسلت جليلي لمقابلة الأسد في لقاء ربما يكون بمثابة قبلة الوداع، وهذا ما سنراه قريبا، فالأيام حبلى بالمفاجآت من دون شك.

================

رياض حجاب القفز قبل الغرق

حسين علي الحمداني

الشرق الاوسط

9-8-2012

النظام السوري من وجهة نظر مؤيديه ومعارضيه، وحتى أبرز أركانه داخل سوريا، يعيش مرحلة النهاية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، فانشقاق رئيس الوزراء رياض حجاب الذي لم يكمل شهره الثالث في هذا المنصب ووصوله للأردن يمثل حلقة مهمة جدا من حلقات الابتعاد عن الأسد من قبل أقوى المقربين إليه، بعد أن غيبت الأحداث أبرز الرموز العسكرية والمخابراتية للنظام، ومن الصعب جدا تعويض هؤلاء في هذه المرحلة الحرجة التي يعيشها النظام السوري.

مرحلة أقل ما يقال عنها بأن البعض قفز من السفينة قبل الغرق النهائي، قد يكون هذا التشبيه هو الأقرب للواقع السوري، وبالتحديد للمقربين من الأسد الذين لديهم قراءتهم الأكثر واقعية، لأنهم على علم ودراية بما يجري، وبما يفكر به الأسد نفسه، وبعضهم بدأ يشعر بالنهاية.

ولكن ماذا تعني هذه الانشقاقات من قبل قادة الصف الأول في النظام؟ تعني أن المرحلة الانتقالية بدأت تظهر الكثير من ملامحها، خاصة أن انشقاق البعض من هؤلاء لا يضيف قوة للمعارضة السورية بقدر ما إنه يمثل بالأساس ضربة للنظام من جهة، ومن جهة ثانية فإنهم سيحاولون - وربما حاول بعضهم - أن يطرح نفسه كسياسي مقبول في مرحلة ما بعد الأسد، وهي مرحلة أصعب من مرحلة سقوط الأسد نفسه.

جميعنا يعرف أن إسقاط صدام في العراق كان سهلا للقوات الأميركية، ولكن ترتيبات ما بعد صدام ما زالت لم تنجز بعد، وهذا الحال ينطبق على الكثير من الدول العربية التي تخلصت من أنظمتها الشمولية وما زالت تتخبط في ملفات كثيرة، سواء أكانت أمنية أم سياسية أم اقتصادية في ظل التزاحم الكبير على السلطة الذي يصل أحيانا كثيرة إلى الاقتتال.

وهذا ما يقودنا لأن نقول بأن مرحلة ما بعد الأسد في سوريا لا يمكن لها أن تتجاهل أولئك الذين تركوا الأسد في أوج الحاجة إليهم سواء أكانوا ضباط جيش أم سفراء أم وزراء أم شخصيات مؤثرة في سوريا، ومن الصعب أن لا يجدوا لهم مكانا في سوريا الجديدة، خاصة أن هؤلاء راهنوا على سقوط الأسد، وهذا ما دفعهم لأن يتخذوا هذا القرار في هذه اللحظات المهمة جدا لهم ولسوريا ولمستقبل البلد.

ولكن ما يمكن لنا أن نقوله في مسألة انشقاق رئيس الوزراء الذي كان بإمكانه أن يتصرف بشكل آخر خاصة أنه رئيس وزراء وليس مجرد دبلوماسي لا يمتلك من الصلاحيات ما يجعله قادرا على أن يلعب دورا حاسما في مستقبل سوريا، وهو بالتأكيد يتمتع ببعض الصلاحيات التي تمكنه من ذلك. ولكن على ما يبدو أنه لا أمل يرجى في إصلاحات أو حلول تكون قادرة على أن تتجاوز سوريا محنتها في ظل استمرار النظام باللجوء للخيارات العسكرية والأمنية التي لم تكن لتقف حائلا أمام تفجير الطابق الثالث من مبنى التلفزيون السوري في قلب العاصمة دمشق.

الشيء الآخر هو أن منصب رئيس الوزراء في سوريا - على ما يبدو - منصب شكلي بلا صلاحيات في ظل سيطرة مؤسسة الحزب الحاكم على كل المفاصل فيصبح حينها رئيس مجلس الوزراء مجرد موظف، وعادة ما يكون آخر من يعلم.

====================

بعد تولى مرسى..هل تغير الموقف المصرى تجاه الأزمة السورية؟

محمود حمدى أبوالقاسم*

عدد أغسطس - ملف الأهرام الاستراتيجى / مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية

حاول المجلس العسكرى المصرى إعادة العلاقات السورية المصرية بعد ثورة 25 يناير لمسارها الطبيعى، فتم إيفاد اللواء مراد موافي مدير المخابرات المصرية لسوريا فى 17 من مارس 2011، لكن كانت الثورة السورية لتوها قد أطلقت شراراتها الأولى، الأمر الذى أدى إلى تجميد هذا التحرك المصرى، وذلك قبل أن تشير بعض التقارير الى حدوث تحول من نوع ما فى الموقف المصرى فى الشهور الأخيرة. وبناء عليه يمكن ملاحظة أن الموقف المصرى تطور منذ اندلاع الثورة السورية عبر المراحل الآتية:

أولا: مرحلة الصمت الاضطرارى وبناء المواقف المبدئية: حيث لم تبلور مصر فى هذه المرحلة سياسة واضحة تجاه الأزمة السورية منذ بداية اندلاعها، ويعود ذلك لعدد من الأسباب أهمها الظروف الاستثنائية التى كانت مصر تمر بها على الصعيد الداخلى، وتداعيات ما بعد سقوط نظام مبارك، فالمجلس العسكرى لم يكن لديه الوقت ولا المهارة الكافية لتشكيل سياسة خارجية خارج الإطار العام الحاكم لمواقف مصر فى مرحلة ما قبل الثورة ومن ثم سعى الى النأى بنفسه عن تطورات الوضع فى سوريا تفاديا للانتقادات الداخلية، كما أثرت المرحلة الانتقالية المرتبكة على أداء وزارة الخارجية حيث تولى مسئوليتها منذ اندلاع الأزمة السورية أربعة وزراء، بالإضافة إلى أن زخم الأحداث الداخلية كان خصما من الاهتمام المصرى بقضايا الخارج، لهذا اتسم الموقف المصرى حتى نهاية شهر يوليو بعدم الاهتمام.

 لكن منذ مطلع أغسطس 2011 طرأت مستجدات أخرى على مستوى الداخل السورى بتصعيد نظام الأسد للعنف الممنهج ضد المحتجين وعدم الاستجابة لدعوات الإصلاح الداخلية والخارجية، كما ازدادت حدة مواقف القوى الإقليمية والدولية من الأزمة بفعل تدهور الوضع الإنسانى داخل سوريا، بالإضافة إلى تصاعد الانتقادات والعقوبات الدولية على النظام السورى ورموزه من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فى الوقت نفسه الذى بدت فيه بوادر تحول فى الموقف الخليجى من الأزمة.

 فى هذا السياق تبلور الموقف المبدئى المصرى بعد فترة طويلة من الصمت،  برفض الحلول الأمنية، والتأكيد على ضرورة إيجاد مخرج سياسي يتأسس على حوار وطني يشمل جميع القوى السياسية، والتأكيد على رفض تدويل الأزمة. ويمكن وصف هذا الموقف بأنه الأضعف بين المواقف الإقليمية والدولية فى حينه، بل يمكن القول انه كان رد فعل واثبات حضور وليس بداية لموقف مبنى على رؤية استراتيجية تتسق مع أهمية سوريا، وهو ما جعل البعض يصف الموقف المصرى فى هذه المرحلة بأنه اقرب إلى الانحياز للنظام السورى.

ثانيا: مرحلة التوارى خلف الجهود العربية والدولية: ساهمت تطورات الأوضاع فى سوريا فى دخول جامعة الدول العربية على خط الأزمة ومثلت قراراتها وفعالياتها الجماعية غطاء مناسبا توارى خلفه الموقف المصرى المثقل بميراث كبير من التراجع، ومن ثم عدم القدرة على المبادرة والتأثير وافتقاد أدوات ومصادر القوة المادية والمعنوية لصناعة سياسة خارجية مستقلة وخلاقة من الأساس. وقد كان تراجع الدور المصرى فى قيادة التفاعلات العربية تجاه الأزمة السورية لصالح الدورين السعودى والقطرى اللتين لعبتا الدور المبادر من خلال تحريك الموقف العربى تجاه الازمة بوضع تصور لحل، والتفاوض مع النظام السورى حول بنوده من خلال لجنة وزارية شكلت فى 16 من أكتوبر 2011 برئاسة قطر بجانب عضوية كل من سلطنة عمان والجزائر والسودان ومصر والأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي، ثم تلا ذلك تجميد عضوية سوريا بالجامعة فى 12 من نوفمبر رغم اعتراض مصر ولبنان والجزائر وموريتانيا والعراق، حتى تم التوصل إلى ما يعرف بالمبادرة العربية وكانت مصر جزءاً من التفاعلات المشاركة فى إنتاجها لكنها كانت أكثر تحفظا تجاه أية مواقف عقابية ضد النظام السورى، كما شاركت فى بعثة المراقبين العرب إلى سوريا التى جمدن عمل بعثة المراقبين في 28 من يناير 2012.

وبعد التوجه إلى مجلس الأمن الدولى واصطدام مشروع القرار العربى بالفيتو المزدوج الروسى الصينى فى 4 من فبراير 2012، تبنت مصر فى هذه المرحلة نفس مواقف ومطالب الجامعة العربية، والتى كان من ضمنها قرار الجامعة فى 12 من فبراير 2012، الذى طالب بإنهاء مهمة بعثة مراقبى الجامعة العربية فى سوريا، ودعوة مجلس الأمن إلى إصدار قرار بتشكيل قوات حفظ سلام عربية أممية مشتركة للإشراف على تنفيذ وقف إطلاق النار، كما أشار القرار إلى فتح قنوات الاتصال مع المعارضة السورية وتوفير أشكال الدعم الكافية لها ودعوتها لتوحيد صفوفها، وكذلك دعوة كل الدول إلى وقف أشكال التعاون الدبلوماسى كافة مع ممثلى النظام السورى فى الدول والهيئات والمؤتمرات الدولية، وقد تحفظت كل من لبنان والجزائر على القرار، كذلك طرحت المجموعة العربية بين أعضاء الجمعية العامة فى 10 من فبراير 2011 مسودة قرار جديد حول سوريا يتضمن المبادرات العربية والقرارات الصادرة بخصوص الأزمة، وحصل القرار فى 17 من فبراير على تأييد 137 صوتا واعتراض 12 وامتناع 17 عن التصويت. وفى هذه المرحلة يمكن القول إن الموقف المصرى كان جزءا من تطورات الموقف العربى الذى تحركه قطر والسعودية، ولم تكن هناك مبادرة مصرية فى هذه المرحلة تعبر عن وجهة نظر مصر فى الأزمة ولا عن مصالحها فى سوريا.

ثالثا: مرحلة العجز عن بلورة رؤية: جرى الحديث فى هذه المرحلة عن حدوث تحول فى الموقف المصرى وكانت أهم مظاهره:

أولا: دخول كل من مجلسى الشعب والشورى فى مصر على خط الأزمة بعدما كانت الخارجية هى المؤسسة المصرية الوحيدة التى تتابع الملف السورى، حيث قرر مجلس الشعب تجميد العلاقات مع مجلس الشعب السوري فى 7 من فبراير 2012، والتقت لجنة العلاقات العربية بعدد من ممثلى فصائل المعارضة فى 20 من فبراير 2012، ثم عادت اللجنة وناقشت الأزمة فى 27 من فبراير 2012 وجرى الحديث حول طرح مبادرة لحل الأزمة، وفى المؤتمر الثامن عشر للاتحاد البرلمانى العربى الذى استضافته الكويت فى 6 و7 من مارس 2012 اقترح رئيس مجلس الشعب المصرى مبادرة لحل الأزمة، بالإضافة إلى مطالبة أعضاء لجنة الشؤون العربية بمجلس الشورى فى 8 من يوليو 2012، بموقف أكثر قوة للحكومة المصرية تجاه الأزمة السورية، وأن يتم قطع العلاقات الدبلوماسية وإغلاق السفارة المصرية بدمشق .

ثانيا:استدعاء مصر لسفيرها فى سوريا للتشاور وإبقائه حتى إشعار آخر وذلك فى 19 من فبراير 2012 وذلك قبل أن تقوم الخارجية بإنهاء عمله نهائيًا ابتداء من 1 من يوليو 2012، وتخفيض التمثيل الدبلوماسى بسفارة مصر بدمشق إلى مستوى مستشار.

ثالثا: مشاركة وزير الخارجية المصرى محمد عمرو فى مؤتمرات أصدقاء الشعب السورى الثلاثة فى تونس فى 24 من فبراير 2012، واسطنبول 1 من ابريل 2012، وباريس فى 6 من يوليو 2012، حيث أكد الموقف المصرى على الانفتاح على المعارضة ودعوتها للاجتماع برعاية جامعة الدول بالقاهرة لتوحيد صفوفها للاستعداد للمرحلة الانتقالية وبالفعل فتحت الخارجية المصرية قنوات اتصال مع فصائل المعارضة السورية تنفيذا لتوصيات قرارات الجامعة العربية.

رابعا:موقف الرئيس المصرى محمد مرسى حيث سلط الضوء في خطابه الذي ألقاه بجامعة القاهرة على الأوضاع الراهنة في سوريا، مؤكدا وقوف الشعب المصري بجوار الشعب السوري كما تناولت كلمته أمام مؤتمر المعارضة بالقاهرة توضيح رؤية مصر لسبل حل الأزمة، وذلك عبر ثلاث محطات أساسية، الأولى هي توفير الدعم الكامل وغير المنقوص لمبادرة كوفي آنان، والثانية بناء موقف دولي يرفض العدوان والقمع على الشعب السوري ويتخذ كل ما يلزم من إجراءات وبكافة الوسائل المتاحة لوقف نزيف الدم في سوريا الشقيقة، والثالثة هى ضرورة وضع تصور واضح لحل سوري وطني تحت مظلة عربية، وبدعم كامل من الأسرة الدولية، ولم يخرج موقف الرئيس المصرى الجديد عن الاطار العام للموقف المصرى منذ البداية وهذا ما أكده تصريح مرسى فى 26 من يوليو 2012 بـ"دعمه لتطلعات الشعب السوري في نيل حريته وفق اختياراته،" لكنه رفض "أي تدخل عسكري خارجي"، وبناء عليه فلم يظهر من سلوك الرئيس الجديد سوى خطابات ورؤى طرحها فى أكثر من مناسبة ومقابلة عبرت عن وجهة نظره لكن لم تحدث اختراقا حقيقيا فى الموقف الرسمى المصرى، وظهر ذلك فى رد المتحدث باسم الرئاسة عن تساؤلات حول موقف مصر من التطورات المتلاحقة في سوريا في ضوء تعهدات الرئيس بمساعدة الشعب السوري بقوله "إن وزارة الخارجية "تبذل جهودا مكثفة للتوصل لتسوية سياسية للأزمة السورية"، وهو ما يعنى النأى عن الخوض فى الأزمة تحسبا للوضع السياسى الداخلى المرتبك.

وفى النهاية يمكن القول إن الموقف المصرى عموما لم يشهد تحولا ذا مضمون حقيقى لأنه مثل استمرارا لتراجع الدور المصرى فى الإقليم وإن مركز الثقل عربيا قد انتقل للسعودية وقطر، اللتين قادتا جهود الجامعة العربية بل وسبقتاها بدعم غير معلن للمعارضة ولا سيما الجيش السورى الحر الذى يغير المعادلة على أرض الواقع فى هذه المرحلة. كما أن توصيات لجنة الشئون العربية بمجلسى الشعب والشورى انتهت إلى عدم التأثير فى موقف وزارة الخارجية. هذا بالإضافة إلى أن ما طرأ من تحولات على الموقف المصرى ما هى إلا إجراءات تدخل سلبية وليست ذات تأثير حقيقى على مسار الأزمة، وذلك يرجع إلى افتقاد مصر لعناصر القوة الذاتية لصياغة سياسة خارجية تصون مصالحها، وكذلك طبيعة المرحلة الانتقالية وتأثيرها السلبى على إدارة السياسية الخارجية.

وأخيرا فإن الواقع يكشف عن احتمال انهيار الدولة السورية وربما تقسيمها، واستمرار الأزمة لفترة أطول يرشح لحدوث الأسوأ بالنسبة لمصر والمنطقة، لهذا فإن سرعة إنهاء الأزمة أصبح يمثل خيارا مهما فى طريق الحفاظ على المصالح المصرية والعربية فى الإقليم، وبناء مظلة حماية إقليمية تضمن بقاء سوريا موحدة بكل مكوناتها الجغرافية والبشرية، لاسيما أن الموقف الدولى يعطى انطباعا بعودة الحرب الباردة من جديد وليس من المقبول أن تكون سوريا والمشرق العربى هما ساحتها الجديدة لان ذلك سيصب فى النهاية فى صالح إسرائيل على حساب الأمن القومى العربى عموما والمصرى خصوصا.

*  باحث بمركز الأهرام للدراسات الاجتماعية والتاريخية

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ