ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 18/08/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

لبنان على شفا حرب أهلية

2012-08-17 12:00 AM

الوطن السعودية

لا شك أن التطورات التي حدثت بشكل متسارع في لبنان خلال اليومين الماضيين مقلقة للغاية. فقيام "عائلة المقداد" باختطاف عشرات السوريين، الذين قالوا إن لديهم ارتباطات مع الجيش السوري الحر، ردا على اعتقال الجيش الحر لأحد أفراد هذه العائلة في وقت سابق، أخطر مؤشر حتى الآن على أن الصراع في سورية عبر الحدود إلى لبنان وبدأ يأخذ شكلا أكثر وضوحا.

لكن من الواضح أن قضية اختطاف السوريين ومواطن تركي في لبنان تتعدى قضية ثأر عائلي كما يحاول البعض تصويرها، فالدقة التي تمت بها عمليات الاختطاف، وتصريح أحد أعضاء "الجناح العسكري" للعائلة بأن لديهم "بنك أهداف" من السوريين وغير السوريين، وتصريح أحدهم بأن طائرة بدون طيار تابعة للعائلة تمشط الحدود اللبنانية السورية تجعل المسألة أكبر بكثير من أن تكون مجرد "ثأر عائلي".

الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن حزب الله اللبناني يختبئ وراء اسم عائلة المقداد في عمليات الخطف، في محاولة ليس فقط لإطلاق سراح "حسان المقداد"، ولكن المختطفين اللبنانيين الـ11 في شمال سورية أيضا، بعد أن فشلت الدولة اللبنانية في التدخل لإطلاق سراحهم، ولكي يبرر حزب الله عمليات الاختطاف في مناطق أخرى من لبنان لا تصل إليها أيادي عائلة المقداد، أعلنت عدة عشائر أخرى في مناطق لبنانية مختلفة، مثل آل جعفر، عن تضامنها مع آل المقداد وقيامها بتنفيذ عمليات خطف لدعم مطالبها.

وسواء اعترف حزب الله بتدخله المباشر في الأزمة السورية ـ داخل الأراضي اللبنانية على الأقل ـ أم لم يعترف فإن الأزمة السورية بالتأكيد دخلت مرحلة جديدة من الصراع، وانتقلت رسميا إلى الأراضي اللبنانية. الأمر الذي ينذر بشكل فعلي بحرب أهلية شاملة في لبنان، تبدو خطوط الاصطفاف فيها واضحة منذ زمن بين المؤيدين للنظام السوري والمؤيدين للثورة السورية. وفي حال نشوب حرب أهلية في لبنان، فلن يعرف أحد إلى أين يمكن أن تقود هذه الحرب المنطقة، ولا المدى الذي يمكن أن تصل إليه الأطراف الدولية في تدخلها لدعم أي طرف ضد الآخر. لهذا فإن إيجاد حل للأزمة السورية يبدو أكثر إلحاحا من أي وقت مضى، لتجنيب المنطقة كارثة محققة، ولا يقع العبء فقط على الأطراف المتصارعة في سورية، بل يتجاوزها إلى المجتمع الدولي الذي لن يسلم من عواقب وتبعات مثل هذه الحرب الأهلية في حال وقوعها.

=================

مستقبل العلاقات العراقية السورية

د. محمد عاكف جمال

التاريخ: 17 أغسطس 2012

البيان

العراق وسوريا بلدان لهما ثقل سياسي واقتصادي كبير الأهمية في رسم السياسات وصياغة معادلات التوازن في منطقة الشرق الأوسط، لذلك تكتسب العلاقة بينهما أهمية خاصة بسبب ذلك من جهة، وبسبب التأثير المتبادل لكل منهما في الواقع السياسي للآخر من جهة أخرى. وتكتسب هذه العلاقة أهمية خاصة بالنسبة للعراق بسبب التأثير الخطير الذي تحدثه السياسات السورية على الواقع الاقتصادي في العراق، حيث يمر النهران الوحيدان اللذان يغذيان العراق بالمياه في أراضي سوريا. كما يضفي القرب الجغرافي والاجتماعي بين البلدين بعدا إضافيا على أهمية العلاقة بين البلدين.

البلدان، من ناحية أخرى، يتسمان بميزة التنوع الإثني والديني والمذهبي بنسب متفاوتة، ولهما وفق ذلك تشابه في الأزمات والمشاكل الداخلية. وبدل أن يدفعهما ذلك نحو التقارب والتنسيق في المواقف السياسية، نجدهما عكس ذلك ينتهجان سياسة التنافر عن بعضهما، وكأن مشاهد التأريخ الأموي والعباسي ورموزه الدموية لا تزال ماثلة أمام صناع القرار في القصور الرئاسية في دمشق وبغداد. فالعلاقات بين هذين البلدين الجارين لم تكن حسنة على مدى عمر الدولتين إلا في أحايين قليلة. ولم تخل النفرة بينهما في العقود الأخيرة من السنين من نزعات كل من بغداد ودمشق، إضافة لعواصم عربية أخرى، لتزعم محاور سياسية تستقطب الرأي العام لاحتلال الموقع القيادي عربيا وإقليميا.

موقف العراق من الثورة الشعبية في سوريا يثير القلق والتخوف على مستقبل العلاقات بين البلدين، سمة هذا الموقف هو التخبط وعدم الوضوح. وقد رصد المراقبون تناقضات بين موقف الخارجية العراقية وموقف رئاسة الوزارة، ناهيك عن التناقض الحاد بين موقفي بغداد وأربيل حول ذلك. ففي مؤتمر وزراء الخارجية العرب في الدوحة في الثاني والعشرين من يوليو المنصرم تحفظ العراق على قرار مجلس الجامعة العربية بدعوة مجلس الأمن الدولي لإدراج التدخل لمعالجة الأزمة السورية ضمن الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، إلا أنه عاد ووقف مع الأسرة الدولية في الثالث من أغسطس الجاري في الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أقرت بأغلبية ساحقة إدانة النظام السوري والمطالبة بنقل السلطة، وعاد ثانية وحضر اجتماع طهران في التاسع منه، الذي ضم الدول الصديقة لسوريا، علما بأن لبنان وهي الدولة الأكثر قربا إلى سوريا اعتذرت عن حضوره.

وقد تجلى الموقف العراقي المرتبك من القضية السورية بعدم السماح بدخول اللاجئين السوريين إلى الأراضي العراقية، وهو أمر مستغرب وغير متعارف عليه دوليا، ثم الموافقة على ذلك بعد تعرض الحكومة لضغوط شعبية ودولية، خاصة أن لسوريا أيادٍي بيضاء على العراقيين، فقد استضافت مئات الآلاف منهم على مدى سنوات طويلة إبان عهد النظام السابق وبعد سقوطه. كما تجلى هذا الموقف المرتبك في تضارب التصريحات التي أدلى بها كبار المسؤولين وتناقضها، فالعراق لم يتبن سياسة خارجية واحدة إزاء الدول العربية التي مر بها الربيع العربي.

فعلى المستوى الرسمي لم يكن رئيس الوزراء العراقي متعاطفا بالمرة مع حركة الشارع العربي منذ بدء ربيعه، فقد استشعر فيه ما يهدد وضع حكومته في ظل الأوضاع المتهالكة في العراق، وقد سبق له في مناسبات عديدة أن أبدى تحفظاته وعدم ارتياحه لما يجري في العواصم العربية، كان آخرها ما ورد في الكلمة التي ألقاها بمناسبة افتتاح مهرجان الشباب العالمي في بغداد في الثاني عشر من أغسطس الجاري، مشيرا إلى الأحداث الجارية في سوريا، دون تسميتها، بأن "العراق جزء من المنطقة التي تلتهب فيها النار بمختلف مفاصلها"، مضيفاً بأن "هذه النار إما أشعلها الجهلة والحاقدون وإما أشعلتها إرادات خارجية لأغراض تتعلق بسياسات ومصالح".

والحقيقة أن التخوف الذي يبديه رئيس الوزراء العراقي من الحرائق المدمرة التي تشهدها الساحة السورية أمر مشروع وفي محله لاحتمال انتشارها وامتدادها إلى مناطق أخرى قد لا يكون العراق بعيدا عنها، إلا أن موقفه منها لا يعبر عن قراءة موضوعية سليمة للوضع في سوريا ولمساراته على المحورين العسكري والسياسي. فجميع المؤشرات ليست في صالح بقاء النظام السوري القائم، فهو آيل للسقوط بكل تأكيد، واستمرار الموقف المتردد منه ليس في صالح العراق، لأنه يدفع به نحو المزيد من العزلة إقليميا ودوليا. إن مواقف الحاضر الصحيحة هي رصيد للمستقبل والرهان على حصان خاسر هزيمته محتمة قضية خاسرة، لا أحد يفضل الأخذ به كخيار، لأن ثمن ذلك لن يكون هينا في المستقبل.

الموقف من قضية الشعب السوري فرصة أمام العراق، عليه أن لا يفرط في الاستفادة منها، فهي مناسبة للإعلان من خلالها عن عودته كدولة محورية في منطقة الشرق الأوسط لها استقلالها في اتخاذ قرارها السياسي، بعيدا عن التأثر بالتبعية لسياسات ومصالح هذا الجار أو ذاك، فمن مصلحته أن تكون علاقاته حسنة مع الجار الذي سيولد عن قريب على الحدود الغربية. فانتهاج سياسات تسهم في دفع العراق نحو المزيد من العزلة ليس بالنهج السليم، ولنا تجربة مريرة جنى العراق من نتائجها الأمرين إبان حقبة النظام السابق ونرجو أن لا يكون ذلك قد غاب عن ذاكرة المسؤولين.

إن ما يجري في الساحة السورية من أحداث ملتهبة لا تقتصر خطورتها على مستقبل سوريا وأمنها ومستقبل نسيجها المجتمعي فحسب، بل سيكون لها تداعيات كبيرة على شكل العلاقات العراقية السورية. فالعراق قد عانى الأمرين على مدى السنوات العشر المنصرمة من تسلل العناصر الإرهابية عبر الحدود مع سوريا والتي عاثت فسادا بأمن البلد وحياة أبنائه وعرقلت خططه التنموية، وليس من مصلحته بكل تأكيد عودة هذه الظاهرة في المستقبل.

من جانب آخر يثير الموقف العراقي من الأزمة السورية التساؤلات حول استراتيجية الأمن القومي التي ينتهجها العراق، فإن توافر عناصر تحقيقها يعتمد على مدى انسجام سياساته الخارجية معها. فإن أحد أبرز عناصر تحقيق الأمن القومي هو استشراف موضوعي لمعالم المستقبل وانتهاج سياسات تنسجم مع ذلك، خاصة مع دول الجوار الذي من مصلحة العراق أن لا يقدم المبررات لدفع أي منهما نحو التحول إلى خصم سواء في العلن أو في السر.

=================

إيجاد حل عالمي للأزمة السورية

المصدر: صحيفة "موسكو تايمز" الروسية

التاريخ: 17 أغسطس 2012

البيان

يتعزز، يوماً بعد يوم، الشعور بأن نظام الرئيس السوري بشار الأسد يقترب من نقطة حرجة. وقد تخلى كوفي أنان، المبعوث الخاص للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، عن جهوده لتنفيذ خطة سداسية النقاط متفق عليها دولياً لإنهاء العنف. والآن، يتعين على المجتمع الدولي أن يفكر بجدية بطريقة للحد من المخاطر الكامنة في الاضطراب السوري الداخلي.

وتسبب عدم التوصل إلى اتفاق في مجلس الأمن الدولي في إطالة أمد الصراع، وساهم في تغيير طبيعته. فما بدأ في هيئة انتفاضة شعبية مستوحاة من مطالب الربيع العربي اكتسب طابعاً مذهبياً ومتطرفاً على نحو متزايد. وهذا يعكس فقدان الأمل في الدعم الدولي، ويزيد أيضاً من صعوبة التوصل إلى حل عن طريق التفاوض. وبشكل خاص، فإن هناك الخطر المتمثل في انتقام الأغلبية السنية من الأقلية العلوية، التي تشكل 12% فقط من الشعب السوري، ولكنها تسيطر على الحكومة والاقتصاد والجيش. والآن، يعتقد العلويون، الذين لم يتجاوزوا وضعية مواطنة الدرجة الثانية إلا عندما تولى حزب البعث، الذي تزعمه حافظ الأسد، مقاليد السلطة في عام 1963، أن بقاءهم يرتبط ببقاء النظام.

وما لم تأخذ المعارضة السورية مخاوف العلويين على محمل الجد، فقد تنهار البلاد من جراء سنوات من حرب أهلية تزيد سوءاً عن الصراع الذي دمر لبنان في الفترة ما بين عامي 1975 و1990.

والعواقب الإقليمية باتت محسوسة بالفعل. فالقتال بين الثوار والقوات الحكومية آخذ في الانتشار، وتدفق اللاجئين الناجم عن ذلك إلى تركيا والأردن ولبنان يهدد بإدخال هذه البلدان في الصراع.

وتقلق تركيا أيضاً بشأن انعكاسات الصراع المحتملة على سكانها من الأكراد، الذين تعاود التطلعات إلى الاستقلال الظهور بينهم من جديد، وعلى علاقاتها بالأكراد في العراق وسوريا، المنسوجة في توازن معقد.

ويرى الأردن، من جانبه، أن تزايد أعداد الثوار السوريين الداخلين أراضيه يشكل تهديداً للأمن القومي، فيما يحيي وصول ألوف اللاجئين السوريين إلى لبنان نزاعات طائفية قديمة في طرابلس بين العلويين، الذين يدعم معظمهم الرئيس السوري بشار الأسد، والسنة، الذين يتعاطفون مع المعارضة إلى حد كبير.

ويمكن للمواجهة والفوضى أن تصلا بسهولة إلى العراق أيضاً، حيث ينعش احتمال سقوط النظام السوري، فيما يبدو، المقاومة السنية لحكومة بغداد الشيعية في الغالب.

ومن أجل التوصل إلى اتفاق، فإنه من الضروري أن تتخذ تركيا ودول الخليج وجامعة الدول العربية موقفاً مشتركاً. فهذه هي الطريقة الوحيدة التي تُكسب تلك الدول تأييد قطاعات المعارضة السورية المختلفة، التي تشتبه في النوايا الكامنة وراء الدعم أحادي الجانب، وتقرب مواقفها من مواقف الأقليات السورية. وهذا من شأنه أن يعزز الضغط من أجل الحصول على دعم من جانب مجلس الأمن الدولي، ويحرك عملية تقود إلى سياسة تحول في سوريا. وفي حين أن التوصل إلى اتفاق على سيناريو ما بعد الأسد لن يكون بالأمر السهل، فإنه ليس هناك من بديل واعد بشكل أكبر بالنسبة لسوريا والمنطقة بأسرها.

=================

مجلس حقوق الإنسان غير قابل للإصلاح

جويل برينكلي

التاريخ: 17 أغسطس 2012

البيان

ربما يجدر بكم الجلوس قبل أن تقرأوا التالي.. لقد رشحت سوريا نفسها لعضوية مجلس حقوق الإنسان التابع لهيئة الأمم المتحدة، ومن المرجح أنها ستفوز بمقعد فيه. نعم، سوريا، الدولة التي ذبحت نحو 15000 من أبناء شعبها على مدى الشهور ال 16 الماضية، بمن فيهم المئات من النساء والأطفال. تسعى لشغل مقعد في الهيئة التابعة للأمم المتحدة التي تتمثل مهمتها في الدفاع عن حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم. وقد صادف أن عثرت الولايات المتحدة على اسم سوريا في قائمة المرشحين. وعلى الرغم من أن الانتخابات لن تجري حتى العام المقبل، فقد عمد الوفد الأميركي، على نحو مفهوم، إلى دق ناقوس الخطر الآن، قائلا: "إن ترشيح الحكومة السورية الحالية المعلن عنه" لمجلس حقوق الإنسان "لا يستوفي معايير العضوية"، كما هو مبين في وثائق المجلس التأسيسية. وتحظر تلك الوثائق العضوية على أي دولة "ترتكب انتهاكات جسيمة ومنهجية لحقوق الإنسان".

ولكن في ظل نظام الأمم المتحدة، تقدم المناطق قوائم ثابتة من الدول المرشحة "وراء أبواب مغلقة"، وهو ما أخبرني به هليل نوير، مدير منظمة مراقبة الأمم المتحدة، وهي منظمة غير حكومية، مضيفاً: "يتم انتخاب هذه الدول جميعها." وهذا يعني أن سوريا، أسوأ منتهكة لحقوق الإنسان على مستوى العالم في الوقت الحالي، "متأكدة من فوزها عمليا".

وإذا كنتم تريدون معرفة ما يعنيه ذلك، فألقوا نظرة على الخطاب الذي ألقاه السفير السوري فيصل خباز الحموي أمام المجلس في الثاني من يوليو. فهو لم يقل شيئا عن مهازل الإبادة الجماعية التي تشهدها بلده، ولكنه، بدلا من ذلك، أدلى بخطاب انفعالي حول اقتلاع إسرائيل لأشجار مرتفعات الجولان التي تحتلها، والتي تم الاستيلاء عليها خلال حرب عام 1967.

ومع الأسف، فإن الممثلين غير الملائمين غالبا ما يجدون طريقهم إلى مجلس حقوق الإنسان. فها هي كوبا والصين وأنغولا ونيجيريا تجلس هناك الآن. وفي الماضي القريب، كان كل من باكستان وليبيا عضوين في المجلس. ولكن أيا من تلك الدول لا تتصرف مثل بول بوت مبتدئ. وحتى الشعب الكوري الشمالي، الذي يعتبر ثاني أكثر شعوب العالم تعرضا للإساءة الآن، يعاني إلى حد كبير من إهمال الحكومة، لا من المجازر الفعلية.

وهنا تكمن مشكلة استخدام الأمم المتحدة لمعالجة مشكلات حقوق الإنسان. فكل دولة في العالم، وإن كانت أكثر الدول استحقاقا للشجب، تعتبر عضوا متكافئا. ويعتبر ميثاق الأمم المتحدة، الذي تم توقيعه قبل 67 عاما، "الإيمان بحقوق الإنسان الأساسية، بكرامة الشخص البشري وقيمته" و"بالمساواة في الحقوق بين الرجال والنساء، وبين الدول كبيرها وصغيرها" مبدأ عالميا.

ومع ذلك، فإن الدول التي تتجاهل تلك المثل العليا تحظى بأصوات متكافئة في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي حقيقة الأمر، فإن اثنتين من تلك الدول، وهما الصين وروسيا، تجلسان في مجلس الأمن. وعلى مجلس حقوق الإنسان، يسيطر الممثلون السيئون غالبا. وليس هناك من مثال أفضل من التصويت الذي أقيم أخيرا لإقرار النظر في مشروع إعلان يدعى "الحق في السلام."

السلام. ألا يبدو ذلك لطيفا؟ ويضم شق كبير من تلك الوثيقة لغة منمقة جديرة بالثناء، قلة من قد يعترضون عليها - باستثناء الحكومات نفسها التي أقرتها، بما في ذلك السودان وبيلاروسيا والصين وسريلانكا وكوريا الشمالية، وبطبيعة الحال، سوريا. هل يسعكم تخيل أيا من تلك الدول تلتزم بهذا المبدأ على وجه التحديد الذي أقرته: "يتعين على جميع الدول تعزيز احترام المبادئ الواردة في الميثاق، وتعزيز جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية"، بما في ذلك "حق الشعوب في تقرير المصير ".

في الواقع، فإن المؤلفين يأملون، فيما يبدو، أن تلهيكم هذه الثرثرة الفارغة لكي لا تلاحظوا في الصفحة السادسة أنهم يريدون أيضا للأمم المتحدة أن تؤيد فكرة أن "جميع الشعوب والأفراد لهم الحق في مقاومة ومعارضة الاحتلال الأجنبي الاستعماري القمعي". ويرى نوير من منظمة مراقبة الامم المتحدة أن ذلك يعني أن المؤلفين يريدون من الأمم المتحدة أن تضفي الشرعية على "المصطلحات المستخدمة من قبل المتطرفين."

وفي السادس من يوليو، مررت اللجنة مشروع القرار، وأرسلته لمزيد من الدراسة، ب34 صوتا مقابل صوت واحد. وامتنع ما يقرب من عشر دول غربية عن التصويت. فيما صوتت الولايات المتحدة وحدها بـ"لا"، وأصدرت توضيحا يقول: "ليس التصويت ضد هذا القرار تصويتا ضد السلام، وإنما هو تصويت ضد استمرار ممارسة محفوفة بالانقسامات لا تقدم أية مساهمة حقيقية للسلام على أرض الواقع." وفي الحقيقة، مع 34 صوتا مقابل صوت واحد، فإن هناك احتمالا كبيرا لأن يسن هذا الاقتراح في نهاية المطاف، مثبتا أن مجلس حقوق الإنسان ليس إلا مهزلة، وسيظل كذلك دائما. وفي مستهل فترتها الرئاسية، عينت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما عضوا للمرة الأولى منذ سنوات عديدة، على أمل أن يحدث الوجود الأميركي تأثيرا معتدلا.

ومن الواضح أن ذلك لم يجد نفعا. فالمجلس غير قابل للإصلاح. وقد حان الوقت لأن تنسحب الولايات المتحدة، وتولي المجلس الاهتمام الذي يستحقه: لا شيء من الاهتمام على الإطلاق.

=================

قراءة واقعية في الأزمة السورية

تاريخ النشر: الجمعة 17 أغسطس 2012

د. عادل الصفتي

الاتحاد

في الوقت الذي تنزلق فيه سوريا نحو فوضى العنف المنفلت، أبلغ مؤخراً المبعوث الدولي والأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي عنان، مجلس الأمن الدولي بأنه يتخلى عن جهود الوساطة لتأمين حل سلمي للأزمة السورية، وقد أنحى باللائمة في ذلك على تزايد عسكرة الأزمة السورية من جهة، وغياب التوافق في مجلس الأمن الدولي من جهة أخرى، الأمر الذي يصعّب عليه متابعة جهود الوساطة بين الأطراف المتصارعة، فالصين وروسيا تحرصان على مصالحهما الاقتصادية والسياسية، وفي الحالة الروسية المصالح العسكرية أيضاً التي استثمرتها موسكو في نظام الأسد، ولذا يرفض البلدان اللجوء إلى الأمم المتحدة لإسقاط النظام في دمشق. وتصر موسكو على أن الحل لا يخرج عن الحوار بين الحكومة والمعارضة، وليس عبر التهديد باتخاذ إجراءات عقابية. وفي المقابل تدعو الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة إلى تغيير النظام، ولتحقيق ذلك تطلب أميركا من موسكو وبكين الكف عن دعم الأسد في الأمم المتحدة، وتحث موسكو على وجه الخصوص على وقف إمدادات السلاح إلى نظام الأسد، ويقر كوفي عنان بأن مهمته كانت تقوم على انتقال سياسي للحكم تحت قيادة جديدة لأنه، كما قال، سيكون على الرئيس الأسد "الرحيل عاجلاً، أم آجلاً"، وهو ما يعني أن بشار الأسد بموافقته على خطة المبعوث الدولي السابق عنان فقد وافق ضمناً على التنحي عن السلطة والمشاركة في تسهيل عملية انتقالها، ولذا كان يجدر بالمعارضة والقوى الغربية دعم الخطة والوقوف إلى جانبها. وهم بفشلهم في القيام بذلك أهدروا فرصة ثمينة لانتقال منظم للسلطة يشارك فيه النظام ليجدوا أنفسهم الآن أمام خيارات صعبة وأكثر خطورة على مستقبل سوريا في ظل العنف والفوضى.

وهذا أمر يؤسف له حقاً لأن الرأي العام الدولي السائد حالياً يؤيد الحل الدبلوماسي وليس التغيير العنيف للنظام، كما أنه من الواضح اليوم أن مستقبل النظام في دمشق لا يحدد فقط في ساحة المعركة، بل يحدد أيضاً من خلال تماسك دعم بعض الدول الذي ظل قوياً حتى هذه اللحظة. وطبعاً لا يعني ذلك عدم وجود بعض الشروخ في جدار الدعم الدولي للنظام، فإيران على سبيل المثال نظمت في محاولة متأخرة لإنقاذ الأسد قمة حول سوريا شدد فيها الإيرانيون على ضرورة الحوار السياسي بين النظام والمعارضة لإنهاء الصراع في سوريا. ويمكن للصين الانضمام إلى هذه الجهود إذا ما تلقت تطمينات حول مصالحها الاقتصادية في سوريا. كما أن هناك إشارات أخرى عن استعداد روسيا للتفكير في سوريا ما بعد الأسد، ولإقناعها بذلك يتعين التفكير في وسيلة لفك الارتباط بين مصالح موسكو الاقتصادية والسياسية والعسكرية ونظام الأسد حتى يكون الانتقال السياسي إلى قيادة مختلفة منظماً وسلساً.

ويبقى المشهد العام الذي يطغى حالياً على سوريا في ظل الفظائع التي ترتكب والحرب المندلعة بين القوات النظامية والثوار هو انعدام اليقين، واحتمال دخول سوريا منطقة الكارثة في حال اندلعت حرب شاملة على أسس طائفية وعرقية. وبرغم أن مصطلح الربيع العربي ما زال يصف أحياناً بعض ما يجري في سوريا، إلا أنه الملاحظ أيضاً أن مطالب الديمقراطية والحرية والكرامة اختفت وراء بعض الأصوات الحادة التي بدأت ترتفع مطالبة بالانتقام، ومهددة بنشوب صراع على السلطة بين بعض الفصائل المتعددة التي تندرج كلها تحت مسمى المعارضة.

وإذا كان النظام السوري قد فقد شرعيته ومن ثم وجب رحيله، فإن سؤال المشروعية ذاته يطرح على المعارضة، ولاسيما أن الفصائل المتعددة والأسماء الكثيرة التي تشكل المعارضة السورية لم تنجح حتى الآن في بلورة خطاب موحد يتطرق إلى برنامج سياسي وديمقراطي للمرحلة المقبلة يشمل جميع مكونات الشعب السوري. والأمر نفسه ينطبق على المعارضة المسلحة في الداخل التي تقاتل النظام، إذ لم تستطع البروز كقوة موحدة تتجاوز المجموعات المسلحة المتفرقة التي تحارب، وأنها بعيدة عن المتشددين الإسلاميين الذين جاؤوا من دول إسلامية متعددة. واللافت كما تشير إلى ذلك بعض التقارير أن بعض من يطلق عليهم اسم الثوار في سوريا ربما يضمون في صفوفهم عناصر من "قاعدة" العراق، وهو ما صرح به مدير الاستخبارات الوطنية الأميركي، "جيمس كلابر"، في جلسة استماع أمام الكونجرس قائلاً "نعتقد أن القاعدة في العراق تتمدد إلى داخل سوريا"، مضيفاً أن المتطرفين نجحوا في اختراق الثوار. فإلى أي مدى إذن يمكن إضفاء الشرعية على مطالب الثوار، دون التنبه لمثل هذه الأمور؟ وفي المقابل كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" مؤخراً أن بعض ضباط "سي. أي. إيه" ربما ينشطون سراً في جنوب تركيا للمساعدة في تمرير الأسلحة عبر الحدود إلى جماعات المعارضة المختلفة. وبعبارة أخرى فإنه في الوقت الذي تحث فيه واشنطن روسيا على وقف إمدادات السلاح إلى دمشق تقوم هي نفسها بمد الثوار بالأسلحة. والأمر لا يقتصر على ذلك، بل يمتد أيضاً إلى المثل الديمقراطية ومبادئ الحرية التي تدافع عنها أميركا حيث لا تتفق تماماً مع دعمها للجماعات المتشددة في سوريا التي يشك في اعتناقها للديمقراطية مثل "الجهاديين" من "القاعدة" وغيرهم من التنظيمات المتطرفة. وبدلاً من دعم المسار الدبلوماسي لتغيير النظام في سوريا قد تفضل واشنطن استراتيجية العمل السري لتغييره مع كل ما تنطوي عليه من مخاطر، ولذا تبقى الخيارات الغربية في سوريا خاطئة لأنه بدلاً من أن تساهم في وقف العنف ووضع حد لإراقة الدماء فإنها قد تؤدي إلى مزيد من العنف والفوضى والدمار.

=================

الموقف الأميركي من أكراد سوريا

مصطفى إسماعيل

المستقبل

17-8-2012

يبالغ بعض قادة الأحزاب الكردية، في تصريحات يطلقونها بين الفترة والأخرى، حول حجم اهتمام الإدارة الأميركية بالقضية الكردية في سوريا وسبل حلها، وقد مضى أحدهم قبل أيام في ذروة تشطيحاته ( من الشطح ) الحزبية، إلى حد القول إن الأميركان داعمون للمطلب الفيدرالي الكردي في سوريا، وهذا يثير الاستغراب في أكثر من منحى، فذلكم الأمير الحزبي لا علاقات تجمعه بالأميركان، ثم أنه وبصحبة كل أحزاب المجلس الوطني الكردي تراجعوا في يوم 21 أبريل 2012 عن أي مطلب بحق تقرير المصير بناء على اللامركزية السياسية، بل تحولوا عنها إلى ضرب من الإدارة المحلية للمناطق الكردية، ولم يبق غير الثوار الكورد في بلدة عامودا يحملون لافتات تدعو بصراحة لا مجانبة إلى الفدرلة، فمن يريد الفيدرالية من التنظيمات الكردية السورية إذا ما استثنينا المجلس الوطني الكردستاني.

الكورد السوريون ليسوا هاجساً أميركياً بعد، ولم يحتلوا موقعاً لافتا بعد على سلم الأولويات الأميركي، ففي المفضلة الأميركية المخصصة لسوريا الراهن بعض قوى الإسلام السياسي المعتدل فقط، ويأتي الإطار الموسع المسمى المجلس الوطني السوري ليكون فرس الرهان الأميركي إلى حد ما، وكلنا يعلم ما هي تركيبة هذا الإطار المعارض وما هو التنظيم المؤثر فيه، والإدارة الأميركية واضحة في رؤيتها للأزمة السورية، فهي تكرر في أكثر من مناسبة أنها مع الانتقال السلمي للسلطة ( النموذج اليمني )، وهذا يعني الإبقاء على بنية الدولة وهيكلها المؤسسي سيما منه السلطة التنفيذية، والموقف الأميركي من الكورد والآشوريين وغيرهم يندرج في إطار سياستهم المتعلقة بحماية الأقليات ليس إلا.

في سياق الأزمة السورية ومنذ أشهرها الأولى، اشتكى الأصدقاء في المجلس الوطني الكردستاني مراراً من تجاهل أميركي رسمي لهم، وتحول الاهتمام الرسمي هذا صوب التيار الإسلامي السوري، حينها كان المجلس الكردستاني وحده الناشط على الساحة الأميركية، مستفيداً من علاقات نسجها خلال سنوات سابقة مع صناع القرار في واشنطن، فيما كانت غالبية الأحزاب الكردية في الداخل السوري تغط في سبات عميق، منهمكة بمراقبة الشباب الكردي الثائر في الشارع.

بعد انعقاد المؤتمر الوطني الكردي والذي تمخض عنه المجلس الوطني الكردي، وفور تأسيس لجنة العلاقات الخارجية فيه، بدأت الاتصالات بالأوربيين والأميركان عبر توسط من ديوان رئاسة إقليم كردستان، كان المسؤول الأول الذي التقاه الكورد هو فريدريك هوف المنسق الخاص لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون فيما يتعلق بشؤون المعارضة السورية، اللقاءات والمراسلات مع هوف أوصلت إلى قناعة جازمة بأن الإدارة الأميركية ليس لديها لفتة خاصة إلى الكورد في سوريا، وأن السقف الأميركي في التعامل مع الكورد هو رؤية المجلس الوطني السوري، فالسقف الأميركي الموضوع للكورد في سوريا الغد هو التعايش مع الآخرين في دولة تكفل المواطنة المتساوية، ولا مانع أميركي من تطبيق اللامركزية الإدارية في سوريا، وقد دعا هوف إلى إسراع المجلس الكردي بالإنضمام إلى المجلس السوري، فبرأيه أن التغيير سيحدث في كل الأحوال، والأفضل للكورد عدم البقاء خارجاً. لقد كان الالتحاق الكردي بركب المجلس السوري مطلباً أميركياً ولا يزال.

زيارة وفد لجنة العلاقات الخارجية في المجلس الوطني الكردي إلى واشنطن في شهر ايار 2012 أبقى الأمور في حيز الغموض، ولم يك على جدول أيام الزيارة أي لقاء بالوزيرة كلينتون، بل اقتصرت اللقاءات على بعض موظفي الخارجية الأميركية والمنسق هوف والسفير الأميركي في سوريا روبرت فورد، وهذا يعني سياسياً عدم إيلاء الأميركان أهمية قصوى للكورد في سياق الأزمة السورية.

رغم الاتصالات التي كانت قائمة بين المجلس الوطني الكردي والمنسق الأميركي، فإن الأميركان لم يوجهوا أي دعوة إلى المجلس الوطني الكردي لحضور مؤتمر أصدقاء الشعب السوري في تونس واسطنبول وغيرها من الفعاليات، فحضور أعضاء من المجلس الكردي في مؤتمر تونس كان بوساطة من المجلس السوري، ومن دون أن يحملوا صفة المجلس الكردي أو تمثيله السياسي.

لم يشذ الموقف الأميركي مؤخراً خلال أعمال الملتقى الذي أقامه معهد بروكينغز في العاصمة المصرية القاهرة يومي 1 و 2 آب عن السياق السابق، فلم يطرأ أي تبدل أو تحوير عليه، وبدا الأميركيون من خلال السفير روبرت فورد متمسكين بمواقفهم السابقة، وأكد فورد لأعضاء في المجلس الوطني الكردي خلال إحدى الجلسات أن وثيقة العهد الوطني لسوريا الجديدة هي الأساس بالنسبة إليهم، وبدا واضحا من خلال وثيقة المرحلة الانتقالية التي يتم إعدادها أن الموقف الأميركي مع تسويف حل القضية الكردية والبت فيها لاحقاً، وقد خيَّر السفير فورد أحد متحدثيه الكورد في تلك الجلسة بين قبول الوثائق كما هي أو مغادرة قاعة الجلسات.

=================

"القاعدة" في سوريا تقلق واشنطن

جون غليزر

السفير

17-8-2012

بالرغم من ان الإدارة الأميركية تعلم جيدا، منذ زمن بعيد، بوجود عناصر تنظيم «القاعدة» وهم يقاتلون إلى جانب المتمردين السوريين المدعومين من الولايات المتحدة، فإن مسؤولين في أجهزة الاستخبارات الأميركية يشعرون بقلق متزايد من التنامي المتعاظم، يوما بعد يوم، لهذا التنظيم الإرهابي ضمن صفوف المعارضة السورية.

وهذا ما دفع بأحد هؤلاء المسؤولين إلى القول: "تنظيم القاعدة وسع انتشاره إلى خارج الجيوب المعزولة للنشاط داخل سوريا، ويعمل اليوم على إنشاء شبكة واسعة من الخلايا ذات التنظيم المحكم، ومن هنا برزت مخاوفنا من احتمال ان يكون الإرهابيون قد وصلوا إلى عتبة إقامة معقل لهم على غرار ما فعلوه في العراق، بحيث سيكون من الصعب جدا إلحاق الهزيمة بهم إذا نجح الثوار في إطاحة نظام الرئيس الأسد".

ويبدو أن المسؤولين الاستخباراتيين يكثفون حواراتهم مع وسائل الإعلام - ولو انهم يرفضون الكشف عن هوياتهم - ويستفيضون في الكلام عن مساعدة القاعدة في سوريا، الأمر الذي يعكس المخاوف المتزايدة في واشنطن من مثل هذه السياسة الرعناء التي تنتهجها الإدارة.

من المعروف ان الولايات المتحدة الأميركية تزود المعارضة السورية بمساعدات "غير مميتة"، مثل أجهزة الاتصالات والمعلومات الاستخباراتية، فيما تعمل وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إي) على تسهيل شحن الأسلحة من منطقة الخليج، وخصوصا السعودية وقطر، إلى المتمردين في الداخل السوري.

ويؤكد النائب الجمهوري في مجلس النواب الأميركي، "مايك روجرز"، رئيس اللجنة البرلمانية لشؤون الاستخبارات، ان لدى اللجنة تقديرات تفيد بأن ربع المجموعات المتمردة في سوريا والبالغ عددها نحو 300 مجموعة، قد تكون مشاركة في القتال هناك، تحت راية تنظيم «القاعدة»، مضيفا أن هذه الأرقام تزداد يوميا، بسبب تدفق مقاتلين جدد إلى سوريا بدون انقطاع.

ويقال إن وكالة الاستخبارات المركزية تستخدم "عملية تدقيق خاصة" لكي تتحاشى وقوع المساعدات الأميركية بين أيدي إسلاميين متشددين، لكن هذه العملية تتم عبر مصادر غير موثوقة، من طرف ثالث، لدرجة دفعت بمسؤولين استخباراتيين إلى التصريح مؤخرا بأن "الحقيقة هي أن الولايات المتحدة لا تعرف من يتلقى المال ولا من يتسلم الأسلحة".

وانطلاقا مما يظهر انه خليط من الأسباب السياسية والطموحات لتغيير النظام في سوريا، تبدو واشنطن أنها تساعد أولئك الذين دأبت على محاربتهم في حربيها الأخيرتين. ويؤكد المسؤولون في الاستخبارات "ان مقاتلين سابقين من التنظيمات الإرهابية في العراق يستخدمون مهاراتهم في تصنيع المتفجرات والعبوات الناسفة من أجل تنفيذ عشرات الهجمات في سوريا، فيما يقوم آخرون باستغلال خبراتهم في مجال إنشاء وتنسيق وحدات صغيرة من المقاتلين في أفغانستان بغية تجنيد أتباع ومناصرين جدد".

جون غليزر

كاتب في موقع "انتيوار" الإلكتروني

ترجمة: جوزيف حرب

=================

شريكان في الدم... والحرائق!

راجح الخوري

2012-08-17

النهار

لا يريد الاخضر الابرهيمي ان ينتهي في سوريا مفلساً وفاشلاً كما انتهى كوفي انان، ولهذا إشترط ان يقترن تكليفه استكمال دور الوسيط الدولي - العربي بقرار يضع مهمته تحت الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة الذي يسمح باستعمال القوة، وهو امر تعارضه روسيا والصين ويقف "الفيتو" حاجزاً في وجهه!

هكذا تنتهي مهمة المراقبين الدوليين في سوريا كما سبق ان انتهت مهمة المراقبين العرب، مع فارق واضح وهو ان الدوليين كانوا اول من امس اسرى داخل فندقهم الدمشقي ونار الانفجار من حولهم، ولهذا سواء كان الابرهيمي هو من سيخلف انان في المهمة المستحيلة او غيره عليه اذا أراد النجاح ان يتمسك بالاستناد الى الفصل السابع، لأن حل الازمة التي باتت تهدد المنطقة كلها يفترض ان يبدأ من موسكو وبيجينغ قبل دمشق، فالروس لم يفعلوا اي شيء ملموس ولم يمارسوا اي ضغوط على الرئيس بشار الاسد لكي ينفّذ البنود الستة في خطة انان التي كان يفترض ان تنتهي بالانتقال السياسي على طريقة "الحل اليمني"، وهو ما دعت اليه "المبادرة العربية".

وعندما يكتب خافيير سولانا ان الفشل في التوصل الى اتفاق داخل مجلس الأمن كان سبباً في اطالة امد الصراع ثم ساهم في تغيير طبيعته بتحويله من انتفاضة شعبية تستلهم مطالب الحرية والاصلاح الى صراع طائفي ومذهبي بغيض، فانه لا يضيف شيئاً الى الخلاصة التي بدت واضحة منذ ما يزيد عن سنة، وهي ان اميركا وروسيا شريكان ولو بطريقة غير مباشرة في جريمة دفع سوريا واستطراداً المنطقة الى مستنقع الحروب الاهلية والمذهبية التي ستدمرها وتنعكس على الاستقرار الدولي.

لقد كان واضحاً منذ سنة ونيف ان لا شيء يوازي التغاضي الاميركي عن الازمة الكارثية في سوريا إلا الإنحياز الروسي الذي عطل فعالية التدخل الدولي بحثاً عن حل يوقف اوهام النظام حيال الحسم العسكري، وهو ما اجج الصراع الى هذه الدرجة المأسوية التي يفترض ان تدين وجدان الجميع.

 فأمام سوريا الغارقة في الدم والدمار والتي بات الصراع فيها يهدد باشعال الحروب الطائفية والمذهبية في المنطقة كلها (لنتأمل ما يجري في لبنان والعراق من غليان بين السنّة والشيعة ولننظر الى النار تتأجج عند حدود الاردن وتركيا) تقف الامم المتحدة الآن عاجزة بعد عجز الجامعة العربية، بما قد يعني ويا للمسخرة، انه ريثما ينتهي الاميركيون من همومهم الانتخابية، سيبقى العالم مجرد عاجز احمق يكتفي بمراقبة سوريا تغرق في الدم والمآسي وتكون شعلة متأججة لأحراق المنطقة بالحروب المذهبية!

=================

قضية سماحة تهزّ الحكومة والعلاقة مع سوريا

فوضى الخطف وقطع الطرق مجرّد "مقبّلات"؟

اميل خوري

2012-08-17

النهار

هل يشهد ملف التحقيق مع النائب والوزير السابق ميشال سماحة ما شهده ملف التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه من انعكاسات على الاوضاع السياسية والامنية وعلى العلاقات مع سوريا وعلى الحكومة ايضا بعدما ربط التحقيق ما حصل من فوضى وخطف بذلك وكأنه مقدمة لفتنة ومقبلات لها؟

هذه الاسئلة وغيرها تطرح في اوساط رسمية وسياسية وشعبية وتختلف الاجوبة عنها باختلاف المصادر. فالتحقيق في ملف جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه واجه تجاذبات وخلافات بين من يريد ان يكون محليا ومن يريده ان يكون دوليا. ومن يريد ان ينظر القضاء اللبناني في الجريمة ومن يريد ان ينظر فيها قضاء دولي لأنه الاقدر على ذلك خصوصا في جريمة بهذا الحجم.

وعندما تغلب رأي طرف على طرف آخر اهتز الوضع الحكومي بانسحاب الوزراء الشيعة منها احتجاجا على اقرار النظام الاساسي للمحكمة من دون انتظار درس ملاحظاتهم عليه على حد قولهم. وكان ذلك سببا لقيام تظاهرات واعتصامات اتخذت من وسط بيروت التجاري مكانا لها وظلت الاعتصامات تحيط بالسرايا الكبير داخل الخيم بهدف حمل حكومة الرئيس السنيورة على الاستقالة واقفل مجلس النواب ابوابه في وجهها. ولكن الحكومة صمدت ولم تستقل رغم التوصل الى جعلها ميثاقية وشرعية بتعيين وزراء مكان المنسحبين منها. ولم يعد مسار الامور الى طبيعته الا بعد احداث 7 ايار التي لم يكن ثمة سبيل للخروج منها الا بعقد لقاء في الدوحة انتهى الى اتفاق على انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية وعلى تشكيل حكومة وحدة وطنية وعلى اجراء انتخابات نيابية على اساس قانون الـ1960 معدلا، وهو القانون الذي اعتبره العماد ميشال عون بعد عودته من الدوحة انه اعاد الحقوق للمسيحيين ويمكن الانطلاق نحو انتخابات نيابية تقيم نتائجها "الجمهورية الثالثة"...

لكن حسابات الحقل لم تطابق حسابات البيدر، فكان الفوز في الانتخابات لقوى 14 آذار لكنه فوز ظل منقوصا بفرض تشكيل حكومة من هذه الاكثرية ومن اقلية 8 آذار، فكانت حكومات فاشلة وغير منتجة لأنها تجمع الاضداد ولا انسجام وتجانس بين اعضائها.

ثم حاولت مساع سعودية - سورية عرفت بالسين - سين اخراج لبنان من ورطته وذلك بعقد مؤتمر مصالحة ومسامحة في الرياض على اساس العفو العام عن الجرائم بما فيها جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه يقابل ذلك تسليم السلاح خارج الدولة الى الدولة اللبنانية بحيث تصبح قوية وقادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل اراضيها فلا تكون سلطة غير سلطتها ولا قانون غير قانونها ولا سلاح غير سلاحها كما انها تصبح قادرة على تنفيذ قرار مجلس الامن الرقم 1701 فيخرج لبنان بتنفيذه كاملا من الوضع الشاذ الذي يعيشه على مدى عهود الى وضع طبيعي.

لكن سوريا التي اخطأت في الحساب أصرت على ان تأخذ اولا قبل ان تعطي خصوصا في ما يتعلق بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان فأوعزت الى الوزراء الذين تمون عليهم في حكومة الرئيس سعد الحريري بالاستقالة بعد اجتماع لهم في منزل العماد عون في الرابية وذلك في الوقت الذي كان يدخل فيه الحريري الى البيت الابيض لمقابلة الرئيس اوباما بقصد اعطاء معنى للاستقالة وفي هذا التوقيت بالذات.

وعند تشكيل حكومة جديدة برئاسة نجيب ميقاتي كان نزول اصحاب القمصان السود الى الشارع كافيا لفرض حكومة اللون الواحد من قوى 8 آذار بعدما تحولت اكثرية بخروج نواب من كتلة جنبلاط من 14 آذار. فهل تواجه هذه الحكومة مع ملف التحقيق مع سماحة ما واجهته الحكومات السابقة مع ملف التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه، وبعدما بدأ بعض حلفاء سوريا في لبنان يثيرون الشبهات حول التحقيق الذي اجراه فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي مع سماحة مطالبين بأن يجريه المحقق العسكري؟

وفي انتظار انتهاء هذا التحقيق ومعرفة مصير توقيف سماحة، فإن الخلاف قد يشتد بين 8 و14 آذار حول احالة القضية على المجلس العدلي وحول الشهود فيها ولا سيما ظهور "شاهد ملك" ليصبح قضية جديدة كقضية شهود الزور في جريمة اغتيال الرئيس الحريري. والخلاف ايضا على وضع سفير سوريا في لبنان والاتهام الموجه الى مسؤول الامن في سوريا العميد علي مملوك للتحقيق معه.

كل هذا قد يكون كافيا لتفجير حكومة لم يعد لبقائها مبرر وجدوى لا في نظر حلفاء سوريا في لبنان ولا في نظر خصومها بحيث بات الفراغ اجدى وافعل واحداث فوضى امنية كالتي شاهد الناس طلائعها اول امس، وعلى يد ما يسمى "المجلس العسكري" لعشيرة آل المقداد ما يخدم النظام في سوريا اكثر من حكومة شبه ميتة...

 

=================

الحرب على سوريا مقدمة للحرب على إيران؟

رندى حيدر

2012-08-17

النهار

يتزامن تدهور الأوضاع في سوريا واشتداد المواجهات المسلحة هناك مع بلوغ الحملة الإسرائيلية على المشروع النووي الإيراني ذروتها، وتصاعد التهديدات الإسرائيلية بعمل عسكري ضد المنشآت النووية، واشتداد الخلاف في الرأي بين إسرائيل والادارة الأميركية على هذا الهجوم وتوقيته، وخصوصاً مع الرفض الأميركي لأي عمل عسكري إسرائيلي ضد إيران قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني المقبل. وطوال الأشهر الأخيرة كان ثمة تخوف في إسرائيل من أن تؤدي الأزمة السورية الى انصراف الاهتمام الدولي عن إيران، مما قد يؤثر سلباً على الحملة الإسرائيلية لتجنيد المجتمع الدولي ضدها.

ولكن مع تعقد الأزمة السورية، وتحول الانتفاضة الشعبية نزاعاً مسلحاً وانزلاقها الى حرب أهلية طائفية ومذهبية، وتورط اطراف إقليميين عرب في دعم المعارضة السورية المسلحة، ووقوف دول اقليمية كبرى مثل إيران وحلفائها في المنطقة إلى جانب النظام السوري، والانقسام الدولي حيال التدخل في سوريا وخصوصاً وقوف روسيا والصين ضد أي تدخل خارجي، بدأ يبرز اقتناع في إسرائيل بوجود ترابط بين ما يجري في سوريا والأزمة الإيرانية، وضرورة معرفة كيف يمكن التدخل الخارجي في سوريا أن يخدم الهدف الإسرائيلي الأول أي القضاء على المشروع النووي الإيراني. فبرزت أسئلة من نوع هل يمكن التدخل الخارجي في سوريا أن يساهم في حل المشكلة مع إيران، فيمهد للهجوم عليها، أو يردع إيران ويقنعها بتجميد مشروعها النووي، مما يوفر على إسرائيل مهاجمتها؟

يرى عاموس يادلين رئيس مركز دراسات الأمن القومي الاسرائيلي أن هناك ثلاث وجهات نظر في التدخل العسكري الخارجي في سوريا وتأثيره على الترابط بين الأزمة السورية والمشكلة الإيرانية. وجهة نظر تقول بضرورة عدم التدخل، لأسباب عدة منها التجربة السلبية للتدخل في العراق وأفغانستان. وجهة نظر ثانية تدعم خيار "إيران اولاً" وتعارض التدخل الخارجي لأنه سيضيع الفرصة للهجوم على إيران، إذ سيكون من الصعب خوض حربين على جبهتين، وسيمنح إيران فرصة الاستمرار في مشروعها النووي. وثمة وجهة نظر ثالثة يرى الكاتب أنها الأكثر ملاءمة وهي التي تدعم خيار "سوريا أولاً".

يرى المؤيدون لهذا الخيار أن التدخل الأجنبي في سوريا سيكسر الحلقة المركزية في محور طهران - دمشق - بيروت، وسيقلص نفوذ إيران في المنطقة، وسيوقف سفك الدماء قبل فقدان السيطرة التامة، وسيشكل رسالة قوية الى إيران لوقف مشروعها النووي أو على الأقل سيدفعها الى الدخول في مفاوضات جدية مع المجتمع الدولي.

=================

كيف يخطط النظام السوري للفتنة في الأردن؟

الغد الاردنية

ياسر أبو هلالة

"سأكون واضحاً معك. أعترف أنني ارتكبت غلطة كبيرة، وأشكر ربي أنكم كشفتم القضية قبل أن تحصل التفجيرات لكي لا أحمل وزر الدم والضحايا التي ستسقط. أعود وأقول شكراً جزيلا أنكم كشفتم العملية قبل إتمامها. على الأقل أنا الآن لا أحمل وزر دم أبرياء كان يمكن أن يسقطوا".

هذه اعترافات ميشال سماحة التي نشرها الإعلام اللبناني. وبالمناسبة، فسماحة هو المستشار السياسي الأقرب للرئيس بشار الأسد، وكان وسيطه وممثله في القوى السياسية اللبنانية. كما كان وزيرا للإعلام في أيام الهيمنة السورية. وقبلها كان متحالفا مع الإسرائيليين. في شخصيته يتجسد السقوط الأخلاقي للنظام السوري وحلفائه، وعلى رأسهم حزب الله الذي لا يتورع عن تبني عميل إسرائيلي مكشوف، بما أنه تحول إلى حليف سياسي.

نحتاج في الأردن إلى وقفة نزيهة مع اعترافات سماحة التي أدلى بها بعد انهياره في ظل الأدلة الدامغة التي حصل عليها فرع المعلومات. وقد نجح الفرع في تزويد العميل، الذي حاول سماحة تجنيده، بكاميرا مخفية صورت العرض، ونقل سماحة للعبوات، والحصول على مبلغ 170 ألف دولار مقابل تفجيرات تحدث فتنة بين المسيحيين والسنة. ولك أن تتخيل لو نجح المخطط كيف سيكون الوضع في لبنان، وكيف سيستعصي على الإصلاح.

بحسب التحقيق، فإن العميل (م. ك.) أبلغ فرع المعلومات أن سماحة طلب لقاءه الثلاثاء الماضي، أي قبل يومين من التوقيف، وذلك في موقف السيارات الكائن تحت مبنى مكتبه في الأشرفية، لتسليمه العبوات مع المبلغ المالي (170 ألف دولار أميركي)، وطُلب منه أن يسجل وقائع اللقاء بدقة بالقلم-الكاميرا.

وبحسب "الرواية" ذاتها، أبلغ (م. ك.) مساء اليوم نفسه، فرع المعلومات أن سماحة سلمه العبوات الناسفة، وقد صور سماحة وهو ينقل العبوات شخصياً إلى صندوق سيارته. فطُلب إليه أن يحضر بسيارته فوراً إلى فرع المعلومات مع العبوات، وتم فوراً إبلاغ مدعي عام التمييز بالوكالة، القاضي سمير حمود، الذي أمر بمصادرتها جميعاً، كما طلب تحضير الملف ومراجعته فيه.

واتفقا على لقاء في مكتب سماحة في الأشرفية، قام خلاله (م. ك.) بتسجيل وتصوير كل الوقائع، وسلمها في اليوم التالي إلى الحسن (كلام عن العبوات ونقلها إلى الشمال، وتفجيرها في أي تجمع كبير في عكار، واستهداف أي شخصية مهمة، وأعطى مثالاً النائب خالد الضاهر، وأي شخصية سورية معارضة). وتوالت اللقاءات بين سماحة و(م. ك.)، وزود مدعي عام التمييز بتفاصيلها.

أتخيل شبيحة النظام السوري عندنا في الأردن وهم يحللون إرهاب القاعدة والجيش الحر، والمؤامرة التركية الخليجية الأميركية. والقصة بمنتهى الصفاقة عملية وسخة، تمت على يد علي مملوك وميشال سماحة. ومن حقنا أن نسأل: بمن التقى علي مملوك في الأردن؟ وهل زودهم بالعبوات ذاتها؟ وما هي الأهداف؟ أتوقع أن النظام السوري يدرك أن المؤامرة على الأردن ليست بين مسيحي ومسلم كما في لبنان، بقدر ما هي أردني فلسطيني. إنه نظام دموي وهو مستقر، فكيف اليوم وليس لديه ما يخسره؟

=================

ليس باسمنا

جمانة غنيمات

الغد الاردنية

17-8-2012

البعض ينصّب نفسه ناطقا باسم النظام السوري وباسم الأردنيين أحيانا، ويلقي التهم جزافا على الغير بأنهم باعوا الأوطان، وضحوا بالقضية، وتآمروا مع الغرب ضد "جدار الممانعة الأخير" و"قلعة الصمود"؛ على اعتبار أن هذا البعض هو الحكيم، فيما الآخرون عملاء!

ويسقط من تفكير هؤلاء "الحكماء" كل المعايير والمواثيق الأخلاقية والإنسانية التي تدين القتل وتحترم حق الإنسان في العيش، وتلفهم شوفينية عالية تجعلهم يظنون أن بإمكانهم الحديث باسم كل الأردنيين، ويتناسون أن كثيرين غيرهم يدعمون ثورة السوريين وحقهم في تحقيق مصيرهم ومستقبلهم.

الأوصياء يطالبون الأردن الرسمي بالتخلي عن دوره الإنساني، ويذهبون في مواقفهم حد الفبركة، حين يؤكدون أن حركة اللجوء إلى الأردن ما هي إلا تصنيع لظاهرة اللجوء من أجل الضغط على نظام الممانعة، وأجدني لا أعثر على مسوغ لهذه التهمة.

فأكثر من 150 ألف لاجئ في الأردن، ومثلهم وأكثر في لبنان وتركيا، فيما حماة الأنظمة الشمولية يؤكدون أن 80 % منهم لا تنطبق عليهم شروط اللجوء! هل ثمة ما هو أكبر من القتل والاغتصاب؟

ولا أدري ما هي شروط اللجوء حين يضطر المرء إلى ترك سلمه وأمنه وحياته خلف ظهره هربا من بطش نظام لم يعد يرى له مهربا سوى قتل الأبرياء والتفنن في أشكال التعذيب والقهر والفتك بشعبه!

القياديون المخضرمون، كما وصفوا أنفسهم، والشخصيات السياسية والاجتماعية، والإعلاميون والكتاب والمثقفون والأكاديميون، لا يرون في لجوء فقراء سوريةإلا سعيا إلى تحسين ظروفهم المعيشية وبحثهم عن بعض الأمان.

بعض من الرأي السابق صحيح وفيه وجاهة، فهم فعلا فعلوا ذلك بحثا عن الأمان لحماية أنفسهم من نظام سفاح دموي، قتل عشرات الآلاف منهم. وإذا كان الحال كذلك، فإن المنظرين لم يقولوا كيف يستوي تحسين الظروف المعيشية والبحث عن الأمان معا، أم أنهم يقصدون الأمان الوظيفي؟! وكيف لهم أن يتخيلوا أن ما دفع مئات الآلاف إلى الهرب هو الحاجة إلى العمل وليس الهرب من جور النظام؟

من الصعب تخيل أن السوري في ظل الثورة لا يفكر إلا في فرصة عمل، أين العقل والمنطق؟

في الرسالة التي وجهتها الشخصيات تحت عنوان "ليس باسمنا"، يبدو أن العبارة الوحيدة الدقيقة في مضمون الرسالة تتمثل فقط في عنوانها، فهم حقيقة لا يتحدثون باسمنا، وثمة كثيرون منسجمون مع أنفسهم، ويؤكدون أن من يطالب بالإصلاح في الأردن لا يحق له الحديث عن شرعية النظام السوري وضرورة بقائه.

ومن يطالب بتغيير طريقة إدارة الشأن العام محليا، ويحتج على الفساد وتزوير إرادة الشعب، فمن الأولى أن ينسجم مع نفسه، ويؤكد حق الشعب السوري في تقرير مصيره.

أما الفصل بين المسألتين والتعاطي مع كل واحدة تبعا للمصالح والأجندات، فما هو إلا انفصام في التفكير، وتناقض غير مفهوم وغير مبرر، فكل الدم السوري الذي سال أملا في الحرية والعدالة، وذلك الذي سيسيل، لم يقنعهم بعدالة الثورة السورية!

ما يهمني أن لا يتحدث الموقعون باسمي، وباسم كثيرين يؤمنون أن ثورة السوريين عادلة ومنصفة، وليست مؤامرة كما يقولون.

فالمتآمر هو النظام الذي سمح لنفسه بظلم السوريين وتكميم أفواههم لعقود، وهو من فسد وأفسد، وامتص دم الشعب السوري قبل أن يسيله. والمتآمر هو الآلة العسكرية التي أسالت دماء نساء وأطفال ورجال سورية الذين كل ذنبهم أنهم صحوا ليقولوا كفى لكل ما مضى.

أقول لكم ليس باسمنا تحققون أجنداتكم!

=================

لم يُرفع عنهم "الحجاب"!

محمد أبو رمان

الغد الاردنية

17-8-2012

حتى تصريحات رئيس الوزراء السوري المنشق رياض حجاب، حول جرائم نظام الأسد، لم تكن لترفع "الحجاب" عن قلوبٍ فقدت البصيرة، وأعين لم تعد تبصر ما يجري من مذابح ومجازر دموية، يشيب لها الرأس وترتجف لها القلوب؛ فغرقوا في مخيّلاتهم المسكونة بمنطق المؤامرات، بل ولم يترددوا في اتهام جميع المنشقين عن النظام السوري بالجبن والعمالة، حتى وصل الأمر إلى اتهام مئات الآلاف من اللاجئين السوريين بأنّ لكل واحد منهم "سعراً"!

هل ثمة عاقل يقرأ هذه "الخزعبلات" يرشدني إلى ما هو "السعر" الذي يعدل أن يفقد الإنسان أمنه وبيته وحياته، ويشرّد مع أبنائه إلى مخيم الزعتري، الذي لا يصلح أن يكون مسكناً لبشر؟!

هل ثمة عاقل يخبرني ما هو "سعر" آفاق محمد، الشاب العلوي، الذي ترك زوجته وابنتيه الصغيرتين، وكان مديراً لمكتب رئيس قسم العمليات الخاصة للمخابرات الجوية السورية، وصهراً له، وتخلّى عن ذلك إلى "سكن المنشقين" لدينا (أشبه بالسجن)، بعد أن كان في غاية النعيم والحياة المترفة؟!

سأنقل لكم جواب آفاق، الذي أخبرني به على الهاتف، بعد أن صدم المحققين الأردنيين كيف يترك ذلك ويأتي إلى هنا؛ إذ كان ردّه: "لأنني إذا بقيت سأفقد إنسانيتي، وأنا أرى يومياً أمامي مئات الجثث المكّدسة بعد التعذيب"!

تصوّروا حجم الاحتقار للناس وكرامتهم وأرواحهم وإنسانيتهم! تصوّروا الانهيار في ميزان الأخلاق والأدب! حتى من فرّوا بعائلاتهم من الجحيم وقصف الطائرات والدبابات والمدفعية، فهم لم يسلموا من "جماعتنا"!

لدينا حزبيون وكتّاب ومثقفون يتجاوز خطابهم التحريضي لقتل وإبادة الشعب السوري سموم قناة "الدنيا" وأكاذيب الإعلام الرسمي، بل يقفون على يمين النظام السوري نفسه؛ لا يرمشون وهم يدّعون أن المجازر الدموية البشعة بحق مئات الآلاف هي مجرد "فبركات إعلامية"!

لا يفكّر "أحباب الأسد" هنا في الذهاب ساعتين فقط إلى مخيمات اللاجئين السوريين، التي تضم مئات الآلاف، للاستفسار منهم عن حقيقة ما يجري؛ فملايين السوريين كاذبون مدّعون عملاء، والمجموعة الدموية التي تحكم سورية وحدها هي الصادقة، و"جماعتنا" هم الوطنيون السوريون الذين يملكون وطنيةً أكثر من الشعب السوري نفسه، بعد أن أفسده الانفتاح الاقتصادي الأخير، فالنموذج الثوري المفضّل لديهم هي كوريا الشمالية وكوبا، حيث "الأنظمة الديمقراطية" الحقيقية!

يُختزل لديهم مشهد الثورة السورية، وإرادة الملايين بالتحرر والحرية، وجرائم النظام ومجازره (بالأمس فقط مئات القتلى والجرحى في أعزاز- بيوت هُدّمت على أهلها)، بالحسم العسكري لمواجهة العصابات الإرهابية!

عشرات الآلاف من الجيش الحرّ، أغلبهم من المنشقين والثوار، يتم استبدالهم -بجرّة قلم- بمئات من المتطوعين الجهاديين العرب!

وتختزل الملحمة الإنسانية التي يخوضها الجيش الحر اليوم ببعض الأعمال غير المقبولة، دينياً وأخلاقياً وإنسانياً، التي يرتكبها أفراد منه، كما حدث مع عائلة برّي في حلب، وهي بلا شك محزنة ومؤلمة، ومسيئة لصورة الجيش الحر والثورة، وهنالك اليوم جهود لإنهائها، بدأت بمدونة سلوك الجيش الحرّ. وما نرجوه أن نقرأ بياناً للعلماء المعتبرين، يخاطب الجيش الحر، ويطالبهم بالالتزام بأخلاق الإسلام في الصراعات والحروب.

بالرغم من ذلك، فلا يجوز وضع الجهتين في كفتين متقابلتين، فالحديث عن أخطاء بحق عشرات (هذا غير مبرّر بالتأكيد) لا يعادل مئات الألوف. وأرجو ألا ننسى أنّ الجيش الحرّ من دم ولحم، فمن وقعوا بأيديهم ارتكبوا جرائم لا توصف بحق النساء والأطفال والشيوخ، فالمساواة هنا بين الطرفين غير موضوعية ولا منصفة البتّة!

كل عام وسورية وطن حرّ أبي ديمقراطي، وقد عاد اللاجئون إلى بيوتهم وفك أسر المعتقلين، وخلص الناس من الجزار وجماعته.

=================

الموقف الأخلاقي من الثورة السورية

ناصر الرباط *

الجمعة ١٧ أغسطس ٢٠١٢

الحياة

سنة ونصف السنة انقضت على اندلاع الثورة السورية ضد النظام الأسدي الغاشم، وازداد فيهما الثوار صلابة وعزماً والنظام تغولاً وتخبطاً، وتفاقم معدل القتل والتدمير بتصاعد طردي مريع، وتطور استخدام النظام لأسلحة القمع لكي يشمل كل مافي جعبته العسكرية حتى الطائرات الحربية. سنة ونصف السنة تراجعت فيهما الحياة المدنية في مدن سورية وبلداتها، المنتفضة والمهادنة على حد سواء، وتقهقر مفهوم الانتماء والمواطنة لتحل محله مشاعر العداء أو الحذر أو الاحتماء بالطائفة والعشيرة مما يتطلب تغييره أجيالاً من إعادة التثقيف والتأهيل المواطني، وتغيرت فيهما مواقف وتصلبت أخرى في الداخل والخارج ما بين مشارك في الثورة أو موآزر لها بالكلام والدعم المادي والمعنوي أو مؤيد بالرأي والموقف، وما بين معادٍ لها مقاتلٍ في سبيل النظام أو محابٍ له أو مدافعٍ عنه بالكتابة والتصريحات والتآمر حيناً (كما يبدو من قصة ميشال سماحة في لبنان). مواقف الدول أيضاً تغيرت وإن كانت معسكرات الدول المؤيدة لكلا الطرفين ما زالت على حالها تقريباً، وما زال مؤيدو الثورة يجعجعون بالكلام غالباً وبالدعم المادي أحياناً وبالقرارات التي يعرفون مسبقاً أنها لن تجدي شيئاً أحياناً أخرى، ومؤيدو النظام يدعمونه بالمال والسلاح المتطور ويدافعون عنه في المحافل الدولية.

هذه سياسة، أو قلّتها ربما، وهي على هذا الأساس تعود في مرجعيتها لمواقف تتجاوز أحياناً أبعاد الثورة السورية نفسها ومآلاتها وترتبط بعوامل جيوسياسية إقليمية ودولية. ولكن الحكم على هذه المواقف لا يمكن أن يكون سياسياً فقط. أي لا يمكن أن يكتفي بحسابات الربح والخسارة النابعة من تقاطع مصالح الأفراد والمجموعات والدول أو تعارضها. لا بد من تقديم البعد الأخلاقي على البعد السياسي في تقييم الثورة والمواقف منها على حد سواء، وإلا سنكون قد اختزلنا الدوافع النبيلة التي أججتها أصلاً إلى ما يدعيه النظام الأسدي بأن كل المتظاهرين والثوار على مدى سنة ونصف السنة من التضحيات عملاء مرتزقون لأعداء البلاد وسياساتها المقاومة (أو الممانعة في السنوات الأخيرة) أو إرهابيون تكفيريون هدفهم تدمير لحمة المواطنة بين فئات السوريين المختلفة لخدمة مخطط عدواني صهيوني، استعماري، ورجعي عالمي.

الموقف الأخلاقي من الثورة السورية واضح. هذه انتفاضة شعب عانى لعقود خمسة تقريباً من حكم ديكتاتوري وطائفي جبار أقام بنيانه على مزيج متشعب من الهيكلة الأمنية والمخابراتية المعقدة والعلاقات الإقليمية والدولية المتشابكة والقمع الممنهج والتزلم والمحسوبية والتربح الفاسد، بالإضافة إلى نوع متطور من عبادة الفرد القائد الأوحد حل محل سيطرة الحزب الحاكم الواحد في النصف الثاني من عهد حافظ الأسد واستمر وترسخ في عهد ابنه. وقد رضخ الشعب السوري طوال هذه السنين لجبروت النظام وطغيان أجهزته الأمنية والاعلامية والحزبية ورزح تحت وطأة فساده السياسي والاقتصادي، حتى ظن رأس النظام أنه بمأمن من تبعات ثورات الربيع العربي كما صرح وتباهى لأكثر الصحف الأميركية يمينية قبل أقل من شهر من اندلاع الثورة. وعليه فردّ الفعل الأخلاقي المبدئي لا يمكن أن يكون سلبياً مهما كان التخوف من تبعاتها ونتائجها. يمكن للمرء أن ينتقد تصرفات بعض الثوار أو ينبه إلى الأخطاء أو يستنكر بعض مواقف وتصريحات أو يستقرئ الأحداث ويتنبأ بسوء مآلها، لكنه لا ينزع عن الثورة غطاءها الأخلاقي كثورة على الظلم المتطاول، تجد صداها في التراث الانساني العميم من الصراع بين العدل والظلم، بين الحق والباطل، وبين الناس ومضطهديهم.

من هذا المنطلق يجب النظر إلى البيان المؤيد للثورة السورية الذي أصدره العالمان الشيعيان اللبنانيان هاني فحص ومحمد حسن الأمين على أنه موقف أخلاقي قبل كونه موقفاً سياسياً أو دينياً على رغم تأخر صدوره. فعلى عكس غالبية ردود الفعل الإيجابية الأولية على البيان التي ركزت على نفَسه الشيعي، وعلى هوية كاتبيه ودورهما القيادي المذهبي كإثنين من أهم مفكري وعلماء الشيعة في لبنان، وعلى رغم لغة البيان نفسه التي تستخدم الإسلام بشكل عام وخطاب الشهادة الشيعي بشكل خاص كإطار لطروحاته، فأنا أظن أن البيان يؤسس لمسؤولية أخلاقية، فوق-دينية، بل مدنية أو علمانية الروح والانتماء تجاه الثورة السورية. فالبيان يتحدث عن عدم التفريق بين أنواع الظلم والاستبداد مهما كانت المبررات الأخرى من تعاضد ديني أو مذهبي أو مقاومة وممانعة وغيرها. وهو أيضاً يتحدث عن دعم الانتفاضة ضد النظام السوري الاستبدادي كمعادل لدعم أي انتفاضة عربية وغير عربية ضد الاستبداد أياً كان، بما فيها الانتفاضات المتواصلة ضد الاحتلال الإسرائيلي، مما يعلي شأن كل الثورات. والبيان يطمح أيضاً إلى دولة في سورية «ديموقراطية تعددية وجامعة وعصرية»، وهي صفات لا يخفى على القارئ النبيه أنها تنتمي بمجملها إلى لغة عصر النهضة العربية في النصف الأول من القرن العشرين، لغة الليبرالية العربية القصيرة العمر، لغة ما قبل العسكرة والتحزب والتسييس الديني والخطابات التكفيرية التي راجت في السنوات الثلاثين الأخيرة. أي أن البيان بالحقيقة يحاول في صياغته ومحاجّته ما تحاوله غالبية المفكرين العلمانيين العرب الصادقين والمنتمين لأمتهم وتاريخها من المماهاة بين ما هو نيّر ومشرق في الفكر الديني، سنياً كان أم شيعياً، علوياً أم اسماعيلياً، بحكم تراثه الطويل في مقاومة الظلم والاستبداد، والفكر الإنساني التنويري في إصراره على الإطار الأخلاقي الشامل والعالمي لكل نضال سياسي ولكل فكر سياسي بما يعم كل الناس وكل الأمم من دون تفريق أو تصنيف.

وإن كان البيان فعلاً خطوة نوعية كبيرة أخذها هذان العالمان الحرّا التفكير، فهو أيضاً يضرب المثل لكل القوى السياسية السورية والعربية والعالمية ولكل المفكرين والنقاد والكتاب بأولوية الأخلاقي على السياسي والديني المذهبي، وبضرورة مقاربة الثورة السورية من منظور أساسها الأخلاقي الواضح والمحق والذي لا ريب فيه. وهي بتمسكها بهذا الأساس الأخلاقي وبنائها لهياكلها ومؤسساتها ومقاومتها وفقاً لوضوح هدفه وشموليته وعالميته لمنتصرة.

 

=================

دعم إسلامي لموقف الخليج وتركيا والغرب من الأزمة السورية

الجمعة ١٧ أغسطس ٢٠١٢

راغدة درغام

الحياة

عملياً، إن التصعيد الذي وقع في لبنان قبل يومين متمثلاً بنزول «الجناح العسكري» لعشيرة آل المقداد إلى الشارع في بيروت في انفلات أمني وعمليات اختطاف سوريين وتهديدات للسعوديين والأتراك والقطريين بالاختطاف إنما هو جزء من التفاعل مع القمة الإسلامية الاستثنائية التي عقدت في مكة وحضرتها 57 دولة. هذا التفاعل ليس لعشيرة وإنما لحزب له تأثير جذري في تلك العشيرة هو «حزب الله» الذي له علاقة وثيقة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية ويكن لها أعمق الولاء. الشق الآخر وراء تفعيل الرعب في قلوب اللبنانيين وزجهم في استعادة كابوس إما اندلاع حرب أهلية أو الرضوخ أمام سلاح «حزب الله» إنما عائد إلى اعتقال القوى الأمنية اللبنانية لرجل سورية في لبنان، الوزير اللبناني السابق ميشال سماحة، بتهمة نقل متفجرات ضخمة من دمشق إلى بيروت والتخطيط لعمليات أمنية واغتيالات تثير الفتنة المذهبية وتولع لبنان. هذان العنصران – الإيراني والسوري – في الحدث على الساحة اللبنانية ليسا جديدين سوى من ناحية تعزيز عزل النظام في دمشق بقرار شامل للمنظومة الإسلامية في قمة مكة وتمتين تطويق النظام في طهران بإجراءات غربية منها العقوبات في واشنطن والعواصم الأوروبية. «حزب الله» غاضب من الأمرين وهو أيضاً في منتهى الاستنفار نتيجة مراقبة السلطات الأميركية، الاستخبارية والأمنية والمالية، لكل تحركاته واتخاذها إجراءات ضده – آخرها تمثل بعقوبات له بتهمة التورط فعلياً في سورية عبر توفير الرجال والتدريب لمساعدة النظام في دمشق في سحق المعارضة هناك. الرعب، إذن، بات يلاحق الشعب اللبناني بعدما شق الهلع طريقه إلى قيادات داخل «حزب الله» وداخل النظام في دمشق وكذلك داخل قيادات إيرانية. وكل هذا ينذر بتصعيد خطير في المنطقة حيث تتزاوج الحروب بالوكالة في سورية ولبنان وربما العراق مع ازدياد العزم في دمشق على احتواء محنة النظام عبر تصدير أدوات تفجير فتنة مذهبية وحرب أهلية إلى لبنان رداً على تكبيل النظام في عزلة خانقة. ولكن الاستنتاج القاطع بأن «حزب الله» أو إيران قد اتخذا قرار الانتحار في سورية أو عبر توفير الذريعة لإسرائيل للقيام بعمليات عسكرية ضدها – وبالذات ضد «حزب الله» في لبنان – قد لا يكون استنتاجاً صائباً. فهناك من الحكمة في التاريخ الإيراني ما قد يؤدي إلى قرارات تحول دون اندلاع حروب مذهبية بين الشيعة والسنّة. وهناك من الحذاقة السياسية مما قد يسفر عن لجم التصعيد لأن فيه مصلحة بقاء.

الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد كان حاضراً في القمة الاستثنائية لمنظمة التعاون الإسلامي التي عقدت في مكة هذا الأسبوع برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. الأمين العام للمنظمة إكمال الدين إحسان أوغلو تلا البيان الختامي للقمة وسمي «ميثاق مكة» الذي شدد على ضرورة الوقوف مع الشعب السوري الذي يواجه العدوان بالطائرات والصواريخ.

هذه لغة غير معهودة في البيانات الصادرة عن قمم كهذه. إنها عملياً، إعلان وعزل وإدانة للنظام في دمشق الذي يستخدم الطائرات والصواريخ في عدوان ضد الشعب السوري. ثم إن منظمة التعاون الإسلامي قررت في ذلك البيان الختامي تعليق عضوية سورية في المنظمة مشيرة إلى حملة القمع العنيفة التي شنتها حكومة الرئيس بشار الأسد ضد الانتفاضة. تعليق عضوية سورية بنظامها الحالي بجميع الأجهزة والمؤسسات المتخصصة التابعة ليس بأمر عابر وإنما هو إجراء مهم على عدة أصعدة.

عملياً، ما صدر عن «ميثاق مكة» هو شرعنة لتقديم الدعم للشعب السوري في وجه العدوان عليه بالطائرات والصواريخ – أي العدوان عليه على أيدي النظام الحاكم. وهذا يعني شرعنة دعم المعارضة والتدخل السعودي – القطري لمصلحة المعارضة، بمباركة إسلامية، بحيث يصبح الدعم الخليجي والتركي والغربي تحت مظلة إسلامية شرعية.

سيترتب على ذلك، كخطوة لاحقة على الصعيد السياسي والديبلوماسي، تحرك منظمة التعاون الإسلامي وأعضائها في المحافل الدولية وبالذات في الأمم المتحدة. هذا يعني أن التحرك هذه المرة لن يكون سعودياً أو قطرياً فحسب، سيكون حشداً إسلامياً، بعرب وأفارقة وآسيويين وغيرهم، تحت مظلة إسلامية، وبعلاقة وطيدة مع الغرب، يتمثل في حملة احتجاج إلى مجلس الأمن الأرجح في الجلسة الوزارية التي أدرجتها رئاسة فرنسا لمجلس الأمن للشهر الجاري على جدول أعمال مجلس الأمن نهاية هذا الشهر.

تجنيد الدول الإسلامية داخل مجلس الأمن لن يكون لعزل سورية بقدر ما هو لعزل روسيا والصين في مجلس الأمن، أمام الرأي العام الإسلامي والرأي العام العالمي. هذا الحشد الحكومي للتجنيد ضد روسيا والصين له أبعاد خارج مجلس الأمن من الأفضل لموسكو وبكين التنبه له. فالرسالة موجهة من ناحية إلى الحكومتين بأن الغضب من مواقفهما نحو سورية بات عارماً، ومن ناحية أخرى، أن الرسالة موجهة أيضاً من الجمهوريات الإسلامية الخمس التي تطوّق روسيا بأن على موسكو الاستدراك قبل فوات الأوان لأن مشاعر الشعوب قد تندلق خارج إرادة الحكومات.

ثم إن تعمد «ميثاق مكة» اعتبار تصرفات ميانمار تجاه المسلمين جريمة ضد الإنسانية ليس خالياً من رسالة إلى الصين في شأن الأقليات الإسلامية وحماية – أو عدم حماية – الدول المعنية ذات الأقليات الإسلامية لهذه الأقليات.

الموقف الجماعي للدول الإسلامية في قمة مكة حقق لتركيا مطلباً فحواه أن تركيا في حاجة لمظلة حماية إسلامية لقيامها بنصب مظلة فعلية لحماية الأجواء عند دعم المعارضة السورية. عملياً، هذا يعني أن تركيا أرادت العمل الجماعي والمباركة الجماعية من الدول الإسلامية البارزة لقيام دول الجوار بما يشبه فرض الحظر الجوي، ودول الجوار في هذا الإطار تعني تركيا. أما فرض الحظر الجوي فإنه يعني عملياً قيام حلف شمال الأطلسي (ناتو) بتأمين مظلة الحماية الجوية عبر تركيا.

هذا الدعم الإسلامي للتوجه العربي الخليجي/ التركي/ الغربي نحو سورية إنما هو شبه إنذار لروسيا والصين بأنهما في عزلة، ثم إن الخطب والمواقف التي برزت خلال قمة مكة تميزت بالنقد اللاذع لروسيا والصين في إدانة جماعية لم تكن هناك أبداً بالأمس وهي الآن إدانة واضحة و «تلويث» لسمعة روسيا والصين إسلامياً، بحسب وصف أحد المراقبين المخضرمين.

في الوقت ذاته، حرص العاهل السعودي على إطلاق مبادرة الحوار بين المذاهب الإسلامية مما يشكل المرة الأولى لإطلاق هذا الحوار في آليات إنشاء مركز في الرياض لتحقيق هذا الهدف. وهذا يعني الحوار بين مختلف المذاهب الإسلامية لمحو الجهل والتحريض بين هذه المذاهب. فهم لا يقرأون بعضهم البعض، لا سياسيين ولا رجال دين ولا ناساً عاديين – إنهم في فرقة وتفرقة وفتنة جاهزة للتفجير، حتى تربية الأجيال قائمة على العداء بين المذاهب. لذلك للحوار والدعوة إلى الاعتدال وطأة وفوائد. فاحتواء التطرف بات أمراً مصيرياً للجميع، وسورية ساحة مهمة لاختبار حسن النوايا وصدقية العزم على تعزيز الاعتدال على حساب التطرف الإسلامي.

لكن مثل هذه الطمأنة لن تحدث بين ليلة وضحاها بين المذاهب الإسلامية. لذلك، قد تكون سورية موقع قدم لإطلاق فعلي لهذا التوجه ميدانياً فيما تتم الترتيبات التقنية عبر المركز للحوار لاحقاً.

فالصراع مستمر بين المذاهب، وبالذات بين السنّة والشيعة. ولعل لبنان يتحول إلى ساحة تفجير لهذا الصراع، إذا لم تجنّد الدول الإسلامية المعنية القائدة في هذا المجال من الرياض إلى طهران كل ما في وسعها لمنع تدهور العالم الإسلامي إلى فتنة مذهبية صاعقة. فالحوار بين رجال الدين شيء، والصراع بين السياسيين استخداماً للمذاهب شيء أخطر. التصعيد في لبنان جزء من التفاعل مع الصراع ومن اختبار النوايا. ولبنان حتماً يتأثر إذ انه ساحة إفراز للعلاقات والأوضاع المعقدة.

اليوم، إن الحروب بالوكالة باتت أكبر حجماً وأثراً وجغرافيةً. قد يقال إن ما يريده الغرب والعرب لا سيما من الخليج هو إنهاء الراديكالية بسقوط أنظمة تمتد من دمشق إلى طهران إلى «حزب الله» في لبنان. قد يقال إن المعركة ليست ضد الراديكالية الشيعية فقط وإنما ضد الراديكالية السنية أيضاً المتمثلة في السلفية أو «القاعدة». قد يقال إن هذه ليست معركة يتحالف فيها الغرب والسنّة ضد الشيعة وإنما هي تحالف مفتوح للجميع ضد الراديكالية.

كل هذا معقول، لربما. إنما في نهاية المطاف، إن ما يحدث في ميادين الانتفاضات أو الحروب هو الذي سيزيد الشعوب اعتدالاً أو تطرفاً، وهو الذي سيترك الأثر.

في مصر، حيث الإخوان المسلمون والسلفيون في تحالف وفي صراع معاً من أجل احتكار الإسلاميين لجميع مراكز السلطة ليس سوى الديكتاتورية الجديدة الأخطر لأنها دينية. وهذا بدوره يُشعل عند المذاهب الأخرى خوفاً من استبداد سنّي وهيمنة سنية على العالم الإسلامي يكون ضحيتها الشيعة والمذاهب الأخرى الإسلامية – وبالتأكيد العلمانية والاعتدال.

قد يقال، لا خوف من إخوان مصر لأنهم لن يتمكنوا من البقاء أولاً لأن الشعب المصري لن يقبل بالديكتاتوري الجديد وثانياً لأنهم لن يتمكنوا من البقاء اقتصادياً – وبالتالي هم في زوال لا محال. هذا لربما وربما تبقى في خانة المغامرة والرهان.

في سورية، هناك حاجة للجم التطرف حتى في الوقت الذي تقوم الدول الإسلامية المعنية بمد المعونة والسلاح للمعارضة. فالمعارضة المسلحة يجب أن تبقى أيضاً تحت مجهر المراقبة والمحاسبة، مهما كان نظيرها أكثر تعمقاً في خروقات القوانين الإنسانية وغيرها. ولا يحق للمعارضة السورية أن تدخل طرفاً في تأجيج حرب أهلية لا في سورية ولا في لبنان. لا يحق لها اللجوء إلى اختطاف للبناني يؤدي إلى معركة اختطافات لعشيرة قد تسفر عن تحقيق الهدف المنشود بإثارة فتنة مذهبية وطائفية وربما حرب أهلية في لبنان.

يبقى أن «حزب الله» الآن تحت المجهر لبنانياً، وليس فقط إقليمياً أو دولياً. انه صاحب قرار توريط لبنان في حروب مذهبية وأهلية، وهو صاحب قرار إنقاذ لبنان من حرب إسرائيلية، وهو مَن يحمل مفتاح تحويل لبنان إلى بلد مزدهر يحق لشعبه أن يعيش حياة عادية. إنه يعرف أن اختياره الالتحاق بحملة إحراق لبنان سيؤدي إلى حرقه نفسه في انتحار، وهو يدرك أن ساعة إثباته الحكمة أتت وأن حسن خياره بأن يكون له مكانه ومكانته في لبنان هو إبرة الفصل بين الحكمة والانتحار.

 

=================

لبنان ما بعد الأسد... كما يراه «حزب الله»

محمد مشموشي *

الجمعة ١٧ أغسطس ٢٠١٢

الحياة

في الأسابيع الماضية، وبالتزامن مع تصاعد الثورة السورية وتزايد نجاحاتها وبدء تفكك النظام في دمشق من الداخل، بدا أن لغة «حزب الله» بالنسبة الى مستقبل سلاحه في لبنان وحتى بالنسبة الى لبنان كله قد تبدلت الى حد كبير. قبل هذه الفترة، كان خطاب الحزب وبخاصة أمينه العام السيد حسن نصرالله يصف سلاحه بأنه دفاعي ضد الاعتداءات الاسرائيلية المحتملة، وبأنه في العموم جزء من «استراتيجية دفاعية» يقول تارة انها قيد البحث بين اللبنانيين في سياق حوار وطني مستمر منذ سنوات، وتارة أخرى أن ما يحكمها في النهاية هو معادلة «الجيش والشعب والمقاومة» التي نصت عليها بيانات وزارية لثلاث حكومات لبنانية على الأقل في أوقات سابقة.

في المدة الأخيرة، طلع الحزب على اللبنانيين بخطاب مختلف بل مناقض تماماً. بدأ يتحدث عما يصفه بـ «مؤتمر تأسيسي» للبنان المستقبل، وكأن لا دستور مكتوباً ولا ميثاق وطنياً موجودان ينظمان شؤون البلد أو يحكمان العلاقة بين أبنائه أو بينه وبين العالم الخارجي، وعن «استراتيجية للتحرير»، قبل أو بالتزامن مع «الاستراتيجية الوطنية للدفاع» المطروحة للنقاش، بدعوى أن لدى لبنان أراضي محتلة (مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وبعض قرية الغجر) وأن تحرير هذه الأراضي واجب على الدولة، وأنه سيكون لكل «انسان» الحق في حمل السلاح واستخدامه للقيام بهذه المهمة اذا لم تقم الدولة بذلك.

لا يمكن فصل هذا الطرح الجديد للحزب عن دوره الاقليمي وعلاقته الايديولوجية والعسكرية والمالية مع ايران من جهة، ولا عن تدهور الحال في سورية وبدء تحلل نظامها السياسي من جهة ثانية. وبهذا، يكون «حزب الله» انما يسعى الى فرض أمر واقع سياسي وعسكري في لبنان يجعل منه ومن سلاحه دولة كاملة الهوية والعدة والتجهيز (غير معلنة، ولكن معترفاً بها بقوة الأمر الواقع) على الأرض اللبنانية وفوق الدولة فيها، فضلاً عن كل ما يتصل بهذه الدولة على المستويين العربي – الاقليمي والدولي.

وبهذا المعنى كذلك، يكون الحزب انما يعمل على أن يبقي لبنان جزءاً مما يطلق عليه اسم «محور المقاومة والممانعة»، والذي كان يضم كلاً من ايران وسورية والعراق و «حزب الله»، بعد سقوط النظام وتغير الوضع في سورية... استناداً الى سلاحه الأقوى من سلاح الدولة من جهة، وعلى الأمر الواقع السياسي والعملي في لبنان بما في ذلك استقطاباته الطائفية والمذهبية من جهة ثانية.

لكن كيف يتصور «حزب الله» تحويل مثل هذا السيناريو الى حقيقة؟ غالب الظن أن الحزب لا يرى نفسه خارج الهيمنة الفعلية على لبنان، ولا أساساً خارج منظومة «المقاومة والممانعة» في المنطقة، أياً كانت طبيعة النظام في سورية، خصوصاً بعد ما يعتبره «انجازات» كبرى تمكن من تحقيقها في الفترة الماضية على الصعيدين المحلي الضيق والاقليمي الواسع. واذا كان سلاحه والتفاف الطائفة الشيعية حوله من ناحية، وخضوع لبنان الدولة للوصاية السورية والنفوذ الايراني من ناحية ثانية، قد وفرا له دوراً مقرراً شبه كامل فيه (مصادرة مجالس نيابية وتبديل أكثريات وأقليات واسقاط حكومات وتعيين أخرى)، فهو لا يتصور أي نوع من التفريط بالسلاح أو بالوضع المقرر الذي نشأ عنه.

من هنا كان تجاوزه لما كان اقترحه هو في السابق تحت عنوان «الاستراتيجية الدفاعية» للتهرب من رفض معظم اللبنانيين لاحتفاظه بالسلاح، واستبداله بما سماه «استراتيجية للتحرير» مع علمه المسبق بعجز لبنان البنيوي، السياسي والاقتصادي والعسكري، عن انتهاج مثل هذا الأسلوب من أجل تحرير بقعة من الأرض لا يملك مستنداً – من سورية أساساً؟! – ولا دليل علمياً على ملكيتها.

والواقع أنه بعد أن دار الزمن دورة كاملة منذ بدء الحوار حول «الاستراتيجية الدفاعية» في 2006، وبدأ الحديث عن الأمرة على السلاح، على افتراض بقائه على حاله، والحاجة الى ان تكون الأمرة بأيدي الدولة وقواتها الشرعية، فانه لم يجد بدا من التراجع عن موقفه السابق واعادة النقاش الى مربعه الأول: لا استراتيجية للدفاع، أو لا استراتيجية للدفاع فقط، وانما استراتيجية للتحرير أولا وقبل كل شيء.

بل أكثر من ذلك، هدد الحزب، ومجدداً تحت شعار «الناس» الذي غالباً ما اختبأ خلفه في تعامله مع كل من قوات «اليونيفيل» والجيش اللبناني في الجنوب، بأن يأخذ قضية التحرير بيده اذا تلكأت الدولة في لبنان عن السير في مشروعه واستراتيجيته لتحرير تلك البقعة من الأرض.

ولا يعني طرح الحزب هذا الا أنه يقرر للبنان، ونيابة عنه، ما يريد له من سياسات داخلية واستراتيجيات اقليمية، وربما يضعها موضع التنفيذ أيضا كما فعل في 2006 بأسر الجنود الاسرائيليين وأدى الى تحميل لبنان أهوال العدوان الاسرائيلي الشامل والمدمر عليه.

هذا على المستوى الاقليمي، وبخاصة منه ما يتعلق بمحور «المقاومة والممانعة» الذي يريد الحزب أن يبقيه حياً، وأن يبقي لبنان عضواً فيه، حتى بعد سقوط ضلعه الآخر في سورية. أما على المستوى المحلي فيكفي النظر الى طرحه الخاص بالدعوة الى «مؤتمر تأسيسي» للدولة والصيغة اللبنانيتين. فالحزب، وان لم يعلن ذلك صراحة، يعتبر أن لبنان بلد قيد التأسيس، أو أقله أنه يريد اعادة تأسيسه، تجاوزاً منه للدستور اللبناني المكتوب ووثيقة الوفاق الوطني، وأولاً وقبل ذلك لـ «اتفاق الطائف» الذي دفع لبنان أكثر من مئة وخمسين ألف قتيل للوصول اليه.

لم يسقط النظام السوري حتى الآن، لكن محور «المقاومة والممانعة» الذي ترأسه ايران ويشكل «حزب الله» أحد أضلاعه، يضع للبنان، الأرض والشعب والدولة، سيناريو مختلفاً لابقائه أسير هذا المحور.

وما سبق من طروحات بدأ «حزب الله» يتحدث عنها علناً ليست سوى بعض ظواهر هذا السيناريو. ووفقاً لهذه الظواهر، فما تتصوره منظومة «المقاومة والممانعة» للبنان في ما بعد تغير الوضع في سورية، هو «لبنان آخر» بكل ما تعنيه هذه الكلمة... «لبنان» الذي تحدث عنه الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد بعد اجتماعه في دمشق مع الرئيس السوري بشار الأسد والأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، واعتبره عضواً فاعلاً في ما يسمى «جبهة الشعوب المقاومة للاستعمار»!

===================

معركة كسر العظم في سوريا

المصدر: صحيفة " روسيسكايا غازيتا " الروسية

التاريخ: 16 أغسطس 2012

البيان

أعلنت السلطات السورية إحكام سيطرتها على كامل أحياء العاصمة دمشق. وبمتابعة الأوضاع يبدو أن مواجهات دامية دارت في مدينة حلب التي تشكل أهمية كبيرة لمقاتلي الجيش السوري الحر الذي يسعى لجعل حلب ركيزته الأساسية على غرار بنغازي الليبية.

السيطرة على حلب تنطوي على أهمية كبيرة جداً بالنسبة لطرفي النزاع. ذلك أن المعارضة تنوي تحويل تلك المدينة إلى عاصمة للثورة.

أما إذا تمكنت القوات الحكومية من طرد الجيش السوري الحر من حلب فسوف يعني ذلك أن المعارضة لم تعد تسيطر على أية مدينة، وانها ستواجه مأزق التشتت في مدن ومواقع مختلفة لن تستطيع فيها تجميع قواتها لمواجهة هجمات الجيش النظامي السوري المستمرة والقوية.

يذكر أن روسيا والصين، بالإضافة إلى عشر دول أخرى صوتت منذ أيام ضد قرار صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة يطالب الحكومة السورية بسحب قواتها من المناطق السكنية. واعتبرت موسكو وقتها أن ذلك القرار لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمة السورية.

أما ممثل روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين فوصف ذلك القرار بالضار لأنه يتناقض مع خطة التسوية السلمية ومع القرارات التي تم التوصل إليها في جنيف، حيث إن انسحاب قوات النظام السوري من أي مدينة سوف يعني إحلال قوات الجيش السوري الحر مكانها، خاصة وان قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة موجه لقوات النظام السوري فقط دون غيرها.

وزير الخارجية الفرنسي فيرى قال إن اعتماد الجمعية العمومية لذلك القرار يبرهن على جدية الجهود الذي يبذلها المجتمع الدولي لإيجاد مخرج للأزمة السورية. واعتماد هذه الوثيقة يعني إدانة قوية يوجهها المجتمع الدولي للخروقات المتكررة والمبرمجة لحقوق الإنسان في سوريا وإدانة القوة المفرطة التي يستخدمها النظام الحاكم لقمع المدنيين السوريين.

عن جهتها أعلنت السلطات البريطانية أنها تنوي العمل على زيادة الدعم الذي تقدمه للمعارضة السورية. وما أن صدر هذا الإعلان عن لندن حتى جاء رد قوي من العاصمة الصينية بكين التي اعتبرت أن الغرب في مساعيه المحمومة لتغيير النظام السوري قلل من فرص نجاح الجهود الدبلوماسية التي تبذل لحل الأزمة السورية.

فقد صرح المستشار في إدارة القوميات والمنظمات العالمية في وزارة الخارجية الصينية لونغ تشجوي أن الصين تعارض التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للدول وتعارض التدخلات الأجنبية الرامية إلى تغيير الأنظمة بالقوة. ودعت الخارجية الصينية الدول التي تطلق مثل هذه المبادرات أو تدعمها إلى التفكير ملياً لمعرفة الجهة الحقيقية التي تحول دون التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة السورية.

وبغض النظر عن الاختلاف في المواقف بين الدول الكبرى وعن السجال بين ساستها يبقى واضحاً أن ما يسمى بالمجتمع الدولي تجاهل مجدداً المقاتلين المدججين بالسلاح المنتسبين للمعارضة السورية والذين يتحملون القسم الأكبر من المسؤولية عما يجري في سوريا.

=================

الطريقة المثلى لمساعدة سوريا

تاريخ النشر: الخميس 16 أغسطس 2012

الاتحاد

في وقت فشلت فيه الخيارات الدبلوماسية لحل الصراع المضطرم في سوريا بدأت تتعالى الأصوات الداعية إلى تسليح المعارضة مع تزعم بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي لهذه الدعوات، ومع أننا نقتسم معهم التزامهم بضرورة العمل لوقف قمع نظام الأسد، إلا أن الحجج التي تستند إليها دعوات تسليح المعارضة تقوم على ثلاث فرضيات لا تستقيم من وجهة نظرنا. في الفرضية الأولى، يقول المدافعون عن تسليح المعارضة إن ذلك سيجعل أمد الحرب أقصر وسيمكن الثوار من النصر، والحال أن تحليلات أجرتها مراكز بحثية مستقلة ورصينة مثل "مجموعة الأزمات الدولية" ترى أن حرباً أهلية ممتدة على أسس طائفية ستبقى مستمرة حتى بعد سقوط الأسد، وليس واضحاً كيف يمكن لقوة جوية خارجية، أو مد المعارضة بالسلاح، أن يوقف الصراع الطائفي، ولاسيما أنه لا أحد يتحدث عن إرسال قوات برية. والنتيجة أن تحقيق نصر عسكري ناجز في سوريا يوقف إراقة الدماء أمر غير وارد سواء بتدخل أميركي، أو بدونه، بل على العكس من ذلك سيزيد التدخل العسكري الأميركي من تشجيع روسيا وإيران على دعم النظام والوقوف إلى جانب فلوله حتى بعد رحيل الأسد.

أما الفرضية الثانية التي يسوقها المدافعون عن ضرورة تسليح المعارضة فتذهب إلى أن ذلك من شأنه تعزيز النفوذ الأميركي في سوريا بعد الأسد، ويعتقدون أن البقاء بعيداً عن الصراع سيجعل الثوار وبعدهم النظام الجديد في سوريا ينفرون من الولايات المتحدة التي أدارت لهم ظهرها في وقت الشدة، وربما يؤدي ذلك إلى صعود الأطراف المتشددة لتولي السلطة وإدارة البلاد، ولكن على غرار باقي الصراعات التي انخرطت فيها الولايات المتحدة قد لا تجدي أيضاً المساعدات العسكرية في ضمان نفوذ سياسي أميركي على المدى البعيد. فمن الصعب تصور المعارضة بعد تولي السلطة وهي ترفض اليد الأميركية الممتدة لها ما أن يسقط النظام السوري، فمَن غير أميركا يمثل خياراً وشريكاً جاذباً يمكن للمعارضة الاعتماد عليه في مرحلة بناء الدولة؟ فروسيا وإيران بدفاعهما المستميت عن النظام حرقتا جميع أوراقهما في دور محتمل بسوريا بعد سقوط الأسد.

وأخيراً هناك الفرضية الثالثة التي مفادها أن الدعم العسكري الأميركي للمعارضة سيحول دون تغلغل "القاعدة" في سوريا، والحقيقة الأكثر ترجيحاً هي أن التدخل الأميركي سيزيد من التطرف ويجتذب المتشددين أكثر من طرده إياهم، كما أن "القاعدة" ستستغل المساندة الأميركية للفصائل الليبرالية من المعارضة لتلطيخ سمعتها وضرب مصداقيتها أمام الشعب السوري، هذا بالإضافة إلى التساؤل الجوهري حول الكيفية التي يمكننا بها التأكد من أن الأسلحة الموجهة إلى المعارضة لن تسقط في أيدي العناصر المتشددة منها؟ ومن المفهوم أن تطالب أغلب فصائل المعارضة في عز الصراع مع النظام بالحصول على أسلحة أميركية، ونحن لا نستبعد تقديم مساعدات عسكرية ذات طبيعة إنسانية إذا ما تدهورت الأمور أكثر في سوريا، ولكن التركيز على الأسلحة الأميركية الآن قد لا يكون الخيار الأمثل في الوقت الراهن لا لأميركا ولا للمعارضة، فخطر تسليح المعارضة ما زال مرتفعاً باعتراف الثوار أنفسهم، ولاسيما في غياب دليل على أن هذا الخيار سيكون فعالاً، هذا في وقت يجب ألا ننسى فيه أنواع الدعم الأخرى التي تقدمها الولايات المتحدة للمعارضة متمثلة في الجهود التي تقودها وزارة الخارجية الأميركية ونواب الكونجرس لعزل النظام دولياً وتكثيف الضغوط على أركانه من خلال فرض العقوبات، كما أن الخارجية الأميركية بدأت بالفعل العمل مع المعارضة استعداداً لمرحلة ما بعد الأسد. وحتى في هذا المجال يتعين على الولايات المتحدة تشجيع السوريين أنفسهم على رسم ملامح المرحلة المقبلة مع التركيز على تعددية الحياة السياسية وتسامحها مع المكونات المختلفة للشعب السوري.

-------

داليا داسا كاي

محللة سياسية بمركز راند كور

ديفيد كاي

محام سابق في وزارة الخارجية الأميركية

=================

صناعة المؤامرة وتنفيذها!

منار الرشواني

16-8-2012

الغد الاردنية

لنقبل جدلاً ما يؤكده قوميون ويساريون بأن الثورة في سورية هي محض مؤامرة أميركية-إخوانية-خليجية، تستهدف النيل من دور سورية "المقاوم الممانع"، ولا تبالي بفساد نظام بشار الأسد أو دكتاتوريته. وبعد أكثر من سبعة عشر شهراً على الشروع في تنفيذها، يبدو أن المؤامرة تؤتي أكلها فعلاً، بل وبشكل أكثر مما أراد المتآمرون. فنظام الأسد الذي يفترض أنه بدكتاتوريته وفساده قد استخدم ذريعة ليس إلا، لم يسقط بعد، فيما يلتهم الدمار والخراب والدماء سورية البلد ككل، ويضعها على أعتاب حرب أهلية طائفية، قابلة بدورها للتمدد إقليمياً، لاسيما إلى لبنان، ولربما تجديد الحرب الأهلية الطائفية في العراق.

كيف بات ذلك ممكناً؛ كيف نجح الأميركيون والإخوان والخليجيون في تحقيق كل هذا النجاح الأسطوري؟ هل فاجأهم مستوى عمالة أحفاد يوسف العظمة، وإبراهيم هنانو، وسلطان باشا الأطرش، وعزالدين القسام، وجول جمال وغيرهم الكثير، فكان حصاد المؤامرة أكثر حتى مما حلم به المتآمرون؟

بحسب رئيس الوزراء السوري المنشق رياض حجاب، فإن نظام الأسد لم يعد يسيطر على أكثر من ثلاثين بالمائة من الأراضي السورية. وإذا كانت أخبار القتلى تنبئ بخلاف ذلك، فلأن هذا النظام قد عوض غيابه الكامل عن أكثر الأرض السورية بالتدمير والقتل عن بعد، عبر استخدام الطائرات الحربية، أو بالوكالة من خلال شبيحة وعصابات مرتزقة. هل يبدو ممكناً هنا الاستنتاج منطقياً بأن نظام الأسد بات هو، ومناصروه، من ينفذ فعلياً المؤامرة المزعومة الأميركية-الإخوانية-الخليجية؟ وأهم من ذلك، من يتحمل الوزر الأكبر؛ من يضع المؤامرة المزعومة أم من ينفذها بإخلاص؟!

ولأن سورية ليست إلا جزءاً استعصى لأشهر ضمن مؤامرة أوسع على العالم العربي ككل؛ فلنا أن نسأل أيضاً، حتى خارج الاستثناء السوري، عن الرد العربي القومي اليساري الذي طال انتظاره على المؤامرة الغربية-الإسلامية التي اطلعوا هم وحدهم على تفاصيلها! هل يملك هؤلاء أي برنامج عمل باستثناء الشعارات التي ما أوصلتنا، على امتداد عقود، إلا إلى الاستبداد والفساد، ولربما الحروب الأهلية مستقبلاً؟

للأمانة والإنصاف يملك القوميون واليساريون من أنصار الاستبداد والفساد برنامج عمل واضحا، وواحدا وموحدا، هو: معاداة الإسلاميين! حتى لو اقتضى الأمر معاداة الشعوب. وفي هذا السياق، فإن قول يساريين وقوميين بتنكر الإسلاميين لأنظمة ساندتهم وآوتهم، كنظام الأسد، إنما يمثل فقط إدانة لهم أنفسهم وليس للإسلاميين أبداً! فأياً كانت دوافع الإسلاميين، سابقاً وحالياً ولاحقاً، فقد أدركوا بذكاء أو بفطرة أن لا نظام أبقى من الشعوب وفي مواجهتها؛ فيما قرر يساريون وقوميون أن الشعوب غير موجودة، وأن البقاء يجب أن يكون للنظام.

لكن هل الأمر بهذه البساطة؟ حتماً لا! فالقوميون ما اختاروا هذا الموقف الخاسر سلفاً إلا لأنهم لا يملكون ما يقدمونه للشعوب العربية المقهورة، التي صبرت طويلاً على جعجعتهم ولم تر طحناً. وهكذا يكون الربيع العربي كله، وليس في سورية فقط، مؤامرة فعلاً لأنه كشف عجز وخواء من طال حديثهم باسم الأمة والفقراء والمسحوقين زوراً وبهتاناً عقوداً مديدة.

manar.rachwani@alghad.jo

=================

حجاب والنفس الأخير!

طارق مصاروة

الرأي الاردنية

16-8-2012

حين يقول رئيس الوزراء المنشق حجاب انه لا يريد منصباً.. الآن او في المستقبل، فان فراستك تصدق في الرجل الذي يغامر مع 35 فرداً من عائلته في قطع مسافات الدم حتى الحدود الاردنية، ذلك انك امام فلاّح من الجزيرة السورية، وجد نفسه في المكان الخطأ!

في الأيام الاولى لانشقاقه عن النظام، قالت الأنباء انه في الاردن، ووجد الناطق الرسمي الاردني نفسه يكذب الخبر: فهو ليس في الاردن!

وكان واضحاً ان خطة الرجل هي تضليل الامن السوري.. ذلك انه قيل بعد ايام انه وصل الى تركيا، لكنه كان قد وصل الطرة وعمراوة على الحدود الاردنية، وانه كان ينزل «وعربه» ضيفاً على الجيش الحر الذي مرّ به من حوران السورية الى حوران الاردنية!

لقد تابعنا جزءاً مما قاله الرئيس حجاب، في مؤتمره الصحفي، وكان الرجل كانشقاقه.. واضحاً حاسماً يعرف ان النظام ينهار، وانه لا يسيطر على الارض السورية، وان هناك رجالاً صادقين في الجيش، وفي جهاز الدولة من العابرين المرابطين الذين سيحسمون الأمر في النهاية القريبة!

تسمع من اصدقاء النظام السوري هنا، كلاماً حانقاً، غير متوازن بأن الآف المرتزقة يقاتلون في سوريا باسم الجيش الحر، وانه لا جيش حر، ولا ثورة، ولا احتجاج!! وتكاد لا تصدق اذنيك فالوحيدون الذين تم الامساك بهم في دمشق هم خمسون ايرانياً قالت طهران انهم جاءوا حجاجاً!! وآخرون من لبنان جاءوا من طهران عبر تركيا.. ونظنهم كانوا يحجون ايضاً وانت لا تعرف للمسلم ارضاً للحج غير مكة المكرمة، ولا تعرف للشيعي غير النجف وكربلاء في العراق، وعندنا هنا جاء ايرانيون بالآلاف لزيارة قبر جعفر بن ابي طالب نزيل مؤتة وشهيدها، ثم انقطعوا دفعة واحدة فعرفنا ان هذا الحج في مؤتة تم بايعاز سياسي. ولو فرضنا ان الايرانيين واللبنانيين الذين وقعوا في يد الجيش الحر هم فعلاً زوار وحجاج، فانهم يزورون بايعاز مع ان جماعة المعارضة الايرانية عرفوا منهم قادة في الحرس الثوري!

لا فضائيات الجزيرة والعربية وغيرها تصنع ثورة، ولا وجود القاعدة او غيرها توصل نظاماً قمعياً، كالنظام السوري، الى ما وصل اليه من الانهيار، فحلب وريف دمشق ودرعا وحمص وحماه وادلب عصية حتى بعد عام ونصف، وبعد اسابيع طويلة من القتال.

النظام في سوريا اثخن حتى اخذ يسبح في دم سوريا، وصار الوقت الذي يعلن فيه القائد الملهم انه كان فاشلاً، وان ثلاثة وعشرين ألف قتيل يحمل هو وزرهم، وان اهانته التي لا تنسى لجيش سوريا، وهو قائده، كانت الأشد قسوة في العرف الوطني والقومي!

=================

هل تتجه سورية لتصبح لبنان آخر؟

معتز مراد

2012-08-15

القدس العربي

لبنان، الدولة ذات التنوع السكاني والطائفي الكبير، عاشت في الربع الأخير من القرن الماضي حربًا أهليةً طاحنة استمرت لسنين طويلة، راح ضحيتها عشرات آلاف القتلى ومئات آلاف الجرحى، وبنية تحتية مهدمة بالكامل، واقتصاد مدمر. ونتج عنها نسيج اجتماعي لبناني ولاؤه الأول للطائفة لا للدولة. ففي كل حالة غليان أو توتر داخلي، يصبح المواطن شيعيًا أو مارونيًا أو سنيًا أكثر منه لبنانيًا. ولو كانت مصلحة لبنان كدولة أهم من مصلحة الطائفة أو مصلحة تيار معين عند اللبنانيين، لكانت هذه الأطراف قد تغلبت على نقاط ضعفها، والمتمثلة أساسًا بتبعيتها للخارج وانعدام الثقة فيما بينها. والذي أدى إلى شلّ دور الدولة سياسيًا وإقليميًا، وجعلها تنأى بنفسها عن الدخول في أهم الملفات والقضايا التي تؤثر على مستقبلها القريب والبعيد.

الديمقراطية في لبنان هي ديمقراطية نسبية، تعتمد على المحاصصة وتوزيع مراكز السلطة في الدولة على الأطراف جميعها. فرئاسة الحكومة للسنة، والمجلس النيابي للشيعة، ورئاسة الدولة للمسيحيين المورانة، وللدروز حصتهم في الحكومة. هذه الديمقراطية حققت نوعًا من توازن القوى في لبنان، ولكن جعلته دائمًا مسرحًا للتوتر والتجاذب السياسي الذي يعرقل النهوض الواضح نحو المستقبل. والسبب الأساسي في ذلك أن كل كتلة أو طائفة قد وجدت داعمًا إقليميًا لها، مما أدى إلى جعل القرار اللبناني غير مستقل وتابع لإملاءات القوى العظمى. فشيعة حزب الله تدعمهم إيران، والسنة ممثلين في تيار الحريري تدعمهم السعودية، وفرنسا تدعم الموارنة الكاثوليك، والدروز تدعمهم بريطانيا ..إلخ . ولكن رغم كل تلك العيوب الملاحظة، فإن الشكل الديمقراطي اللبناني كان أفضل الأشكال العربية المتاحة في السابق.

هذا الوضع السياسي التابع حقيقة لتوازنات القوى الخارجية، يجعل لبنان غير قادر على فرض نفسه كدولة ذات سيادة، لها أمن وطني وقومي يؤخذ بالحسبان على الصعيد الدولي، بل يجعلها مرتعًا لكل قوة طامحة في خوض معاركها خارج أرضها.

سوريا بشعبها قبل الثورة وعبر التاريخ، كانت مضرب المثل في تعايشها الاجتماعي، وانصهار شعبها في جغرافيته وتاريخه. ولكن وبسبب القمع الوحشي للناس المطالبين بالحرية، يتجه هذا النسيج البشري المتعايش اجتماعيًا منذ مئات السنين نحو التفكك والخصومة، ويزداد تفكير كل مكون على حدة، بالحاضنة الدينية والقومية التي تحقق له مستقبلا أفضل وأضمن من المستقبل الذي تحققه له دولة مصبوغة بلون الأكثرية.

إن التدمير الذي طال معظم المدن والمحافظات السورية يشبه في نتيجته ما تحقق خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وسوف تحقق الدول العظمى ما تريده من التبعية السياسية في قرار الدولة السورية في المستقبل. وكذلك فإن تدمير النسيج الاجتماعي المستمر خلال الأشهر الماضية، سيجعل من التعايش السلمي مستحيلا. ولن يقبل السوريون المذبوحون أن يكون من ذبحهم، أو من حمى وسكت عن قتلهم، لن يرضوا به مواطنا له كامل الحقوق الدستورية. لذلك لابد أن تلجأ الطائفة العلوية كشريك واضح أو ساكت عن القتل، لطلب الحماية الخارجية، وبالتالي وجود قسري في بنى ومؤسسات الدولة، وحصص واضحة في قوى ومراكز القرار. أما بالنسبة للأكراد فكل يوم يزيد في عمر الثورة، يزيد معه احتمال إقامة إقليم أو حكم فيدرالي خاص، أو الالتحاق بكردستان العراق. ولا ننسى أيضا أن الإمعان في القتل وقمع الثورة يؤدي فيها إلى التطرف ودخول تيارات لم تكن موجودة أصلا في بنيتها، كالقاعدة والسلفية الجهادية المتطرفة، وهو مايجري حاليا. وبالتالي إعلان الدولة أو الخلافة الإسلامية، ورفع رايات القاعدة من قبل تلك الكتائب المقاتلة. وهذا سيجعل من الأقليات الأخرى الدرزية والمسيحية وغيرها تبحث عن ملاذات آمنة خارجية تدعمها وتفرض لها موقعا مناسبا في الدولة.

هذا المشهد الجديد المتطور كل يوم، يناسب تماما القوى العظمى الساعية لحماية أمن إسرائيل. ويجعل من سوريا دولة تابعة بامتياز وغير قادرة على الـتأثير الإقليمي، بل منشغلة بمشاكلها وتوازناتها الداخلية.

خطورة هذا المآل، تجعل من واجبنا التذكير بمبادئ الحل والخروج من هذا المستنقع. فسوريا دولة مواطنة مدنية ديمقراطية تعددية سوف تنقذنا من كل هذه المخاطر، وإن كانت فترة إعادة البناء ستطول. ولكن أي كلام آخر عن (دولة إسلامية أو انتقام من طائفة أو حقوق غير كاملة لكل المواطينن مهما كانت أديانهم أوقومياتهم، أو حقوق إنسان لا تماشي المعايير الدولية) كل هذا لن يكون في مصلحة شعبنا أبدًا. وسوف يؤدي بسوريا لتصبح لبنان آخر على أقل تقدير.

=================

النظام السوري يفوت حدوث منعطف استراتيجي في الشرق الأوسط

د. حسين مجدوبي

2012-08-15

القدس العربي

في حوار له مع جريدة والت ستريت جورنال يوم 31 كانون الاول/يناير 2011، صرح الرئيس بشار الأسد 'على الحكام العرب أخذ الدرس مما حدث لبن علي وحسني مبارك، وعليهم الاستجابة للمطالب السياسية والاقتصادية الشرعية لمواطنيهم. الوضع في سورية مستقر لأن الرئيس قريب من شعبه'.

والمفارقة المثيرة هي أن الأسد كشف أنه لا يملك الاستراتيجية لعدم تطبيقه ما صرح به بل قمع شعبه بوحشية. وترتب عن هذه الاستراتيجية القائمة على العنف دخول سورية في خطر التفكك السياسي والبشري. وبرهانه على القمع، يكون قد فوّت حدوث ما كان سيصنف بأكبر منعطف استراتيجي كان سيتولد عن الربيع العربي في الشرق الأوسط ويتجلى في 'تبلور محور رباعي يتكون من مصر وتركيا وإيران وتلعب فيه سورية الجسر والرابط'. تفويت هذه الفرصة تجعل الآن إيران تكابد للحفاظ على ما تسميه 'محور المقاومة' مدعومة بشكل غير مباشر من طرف روسيا التي جعلت من الأزمة السورية مدخلا للعودة الى الحرب الباردة، وفي الطرف الآخر المعارض توجد العربية السعودية التي وجدت في الأزمة السورية مناسبة للقضاء على نظام الأسد لضرب أي رابط لإيران بالعالم العربي وتحظى بدعم لا مشروط من واشنطن.

وعند انتقال الربيع العربي الى سورية، ارتكب نظام بشار الأسد ثلاثة أخطاء في تقييمه للوضع، الأول ويتجلى في ايمانه بأن أجهزته الأمنية قادرة على التحكم في مصير الشعب السوري الى الأبد، والثاني أنه محبوب من قبل الشعب السوري ولن ينتفض ضده والثالث أن مساعدته لحزب الله سنة 2006 وحركة حماس قد تشفع له أمام الرأي العام العربي في الاستمرار في قمع شعبه باسم الممانعة. واتضحت فداحة خطأ رهانات الأسد الذي هو في آخر المطاف جزء من غباء الحكام العرب الذين رفضوا التكيف مع التطورات السياسية لشعوبهم. ولم يدرك نظام بشار الأسد جوهر التغيير الحاصل في الذهنية العربية التي لم تعد تقبل استفراد شخص أو عائلة بالسلطة والتي أضاف إليها دكتاتور دمشق الاستفراد بمال الدولة في شخص صهره رامي مخلوف، كما لم تعد الذهنية العربية تقبل بقمع الشعب باسم الممانعة والدفاع عن القضية الفلسطينية 'فوصفة تحرير الفلسطيني قبل السوري لم تعد مقاربة أو معادلة مقبولة في الوقت الراهن'.

وقبل امتداد الربيع العربي الى سورية، كان الغرب يعتقد أن السوريين لن يخرجوا الى الشارع بكثافة واستبعد سقوط البلاد في حرب مدنية. وهذه القراءة الخاطئة هي من نتائج الاستنتاجات الاستشراقية التي تقوم بها مراكز البحث الغربية حول العالم العربي. لكن الغرب ومن خلال تتبعه للأبعاد الاستراتيجية للربيع العربي يركز على نقطتين جوهريتين، الأولى وهي نوعية مستقبل الحركات السياسية التي ستتقوى في المدى المتوسط والبعيد في العالم العربي-الأمازيغي، والموضوع الثاني يتجلى في نوعية السياسة الخارجية والتحالفات التي يمكن أن تنسجها الدول التي تشهد ثورات في وقت يطالب فيه جزء كبير من الرأي العالمي بعالم متعدد الأقطاب.

وعلاقة بالنقطة الأخيرة، وفي ظل سقوط الأنظمة العربية المؤيدة للغرب بدءا بتونس ثم مصر ثم شبح الإطاحة بملكية الأردن واحتمال دخول العربية السعودية في حالة من اللااستقرار، كان الغرب يتخوف من احتمال ظهور محور قوي في السياسة الخارجية في منطقة الشرق الأوسط المكون من الرباعي: مصر بعد الثورة، وتركيا التي أدركت في آخر المطاف أن مستقبلها يكمن في فضاء العالم الإسلامي وليس البقاء في ذيل الاتحاد الأوروبي ثم إيران التي ترفض الخضوع للغرب وأخيرا سورية. ومن المنتظر جدا انضمام العراق لهذا المحور مستقبلا عند الخروج النهائي للجيش الأمريكي من هذا البلد العربي.

هذا المحور الذي كان سيتبلور لو أن الأسد راهن على دمقرطة سورية وكان سيشكل منعطفا تاريخيا في منطقة الشرق وكان سيحمل نتائج استراتيجية تتجلى في:

-قيام محور استراتيجي بين أربعة دول تمتلك الكثير من مقومات الدولة الإقليمية، وكان هذا سيصب في تقليص نفوذ الدول الكبرى وأساسا الولايات المتحدة في المنطقة والدفع بإسرائيل الى الرهان على سياسة الحوار بدل الاستمرار في سياسة 'دبلوماسية العضلات'.

- تهميش دور العربية السعودية في القرارات الخاصة بالشرق الأوسط، إذ كان سيصبح الشرق الأوسط في يد قوى عربية-إسلامية منفتحة وليس في يد قوى عربية، وكانت الرياض ستجد نفسها مجبرة نسبيا للاقتراب من هذا المحور بحكم أنها تفتقد لمقومات الزعامة بسبب تبعيتها للبيت الأبيض الأمريكي.

ونتيجة غياب دمقرطة سورية ودخولها في حرب أهلية بين أغلبية الشعب الذي يتطلع للديمقراطية وأقلية تعتبر رئاسة البلاد حق إلهي، قام نظام الأسد بتفويت تحقيق هذا المحور الاستراتيجي، وبدله تشهد المنطقة ما يلي:

-عودة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وروسيا، إذ تسعى واشنطن الآن الى إسقاط نظام بشار الأسد بعدما ترددت كثيرا حتى أبريل الماضي أخذا بعين الاعتبار مصالح إسرائيل، وهي من خلال ذلك تهدف الى عزل إيران وقطع الامتداد الاستراتيجي لحزب الله وحركة حماس. وفي الوقت ذاته، ترغب في حرمان روسيا من قاعدة طرطوس التي تبقى القاعدة الوحيدة لديها ليس فقط في البحر الأبيض المتوسط ولكن ربما في العالم إذا استثنينا التسهيلات في كوبا وفنزويلا وكوريا الشمالية وقواعد في بعض الدول المنبثقة عن الاتحاد السوفياتي. وبالنسبة لموسكو، فعلاوة على سعيها للإبقاء على قاعدة طرطوس الحيوية لأسطولها، فقد كشف رئيس الحكومة الفرنسية السابق فرانسوا فيون في جريدة لوفيغارو يوم 13 أغسطس/آب أن موسكو قلقة من الإسلام السياسي، فهي ترى سقوط مصر في يد الإخوان المسلمين كما أن أفغانستان ستسقط في يد الطالبان بعد انسحاب الولايات المتحدة والحلف الأطلسي ولهذا فهي ترغب في استمرار نظام علماني في سورية وعدم السقوط في أيدي الإخوان المسلمين لتفادي 'شرق أوسط إسلامي' قريب من حدودها.

-رهان العربية السعودية على تكسير العلاقة بين إيران وسورية من خلال إسقاط نظام بشار الأسد حتى لا يبقى لطهران أي حليف عربي، فالرياض التي تعتبر نفسها راعية السنة تدرك أنها الخاسر الأكبر في كل علاقة متينة بين إيران ودولة عربية خاصة إذا كانت محورية مثل سورية. فدولة مثل العربية السعودية التي تفتقر لأبسط مكونات حقوق الإنسان المنصوص عليها دينيا وإنسانيا لا تدعّم المجلس الوطني السوري حبا في الشعب السوري بل لإضعاف ما تعتبره الخطر الإيراني.

-إصرار إيران للحفاظ على ما وصفته بمحور المقاومة، حيث يعتبر المرشد الأعلى علي خامنئي أن ضلع سورية الأساسي في محور المقاومة لن يكسر. وعمليا انكسار هذا المحور سيحرم طهران من أي امتداد استراتيجي لنفوذها وقد يسهل مهاجمة إسرائيل لها بسبب برنامجها النووي، ولهذا فهي مصممة على عدم 'انكسار هذا المحور'.

وهكذا، فالملف السوري تحول الى رقعة شطرنج استراتيجية تجعل العديد من الأطراف الدولية ترغب في تحقيق مكاسب سياسية واستراتيجية بينما تبقى دمقرطة البلاد ووقف المجازر مبررا فقط. وهذا الوضع، يجب أن يدفع الشعب السوري لأن يأخذ بزمام المبادرة في مواجهة النظام وكذلك نهج الحذر والذكاء في تعامله مع المخططات الاستراتيجية.

=================

الإبراهيمي وما يمكن أن يقوله للأسد

الخميس ١٦ أغسطس ٢٠١٢

عبدالوهاب بدرخان

الحياة

آتي اليكم اليوم مبعوثاً من الأمم المتحدة والجامعة العربية، والحقيقة أنني لم أتحمس كثيراً لهذه المهمة، للأسباب عينها التي جعلت سلفي كوفي انان ينسحب، وقد تجعلني أنسحب بدوري. لكني أعتقد أن الديبلوماسية يجب أن تبقى متاحةً، وألاّ تُوصَدَ دونها الأبواب، فتكون بذلك جاهزة متى حانت أي فرصة للحلول السياسية، فاعتبروني كما أعتبر نفسي، مجردَ مسهّل للأمور إذا كنتم تَنشُدون إنهاء هذه الأزمة.

أعرف أنكم بتّم تشعرون بحساسية وانزعاج من مجرد ذكر اسم الجامعة العربية، ولا أجاريكم في ذلك، لأني مطّلع على تدرّج موقفها مما يحصل في سورية. وقد رأيتكم تتعاملون مع الأفكار والمساعي الدولية، المستوحاة من قرارات الجامعة والمستندة الى شرعيتها، كما رأيت أنكم أحبطتم «التعريب»، ثم «التدويل»، وفهمت أنكم تُؤْثِرون حلاًّ داخلياً. دعوني أصارحْكم هنا، بأن كل العواصم بلا استثناء، صديقةً لكم أو معاديةً، كانت تفضّل علناً، ولا تزال تحبّذ ضمناً، حلاًّ بين السوريين، غير أن قدرتكم على ضرب هذا الحل واستبعاده أذهلتني وكثيرين مثلي، حتى أننا لم نعد نفهم إطلاقاً إلامَ تستندون في صنع قراراتكم.

لستُ هنا لأكون تغطية لخططكم الأمنية، أو لأكون في خدمة مناوراتكم للبقاء في السلطة ولا حتى في خدمة سعي المعارضة لإطاحتكم، بل أريد أن أنسى وتنسوا للحظات صفتي الديبلوماسية، لأقول كعربي قومي الدواخل، إنني هنا في سبيل انقاذ سورية. لا، لن أعود الى أيٍّ من الشعارات التي طنطنّا جميعاً بها طوال عقود، بل قصدت سوريةَ الدولة والشعب والتاريخ، وسورية التعايش الذي عاند قسوة السياسة المتعسكرة، وصبر ولا يزال قادراً على الصمود، لما في مجتمعها من الأصالة وأريحية الطبائع، وهذا ما أخشى أننا عشيةَ افتقاده في الشرق، ويا لفداحة الخسارة. فأين حلّكم الأمني منها، وكيف تدبّرتم تجنبها بالتمادي في القتل وحزّ الأعناق والتنكيل بالكرامات، وبالإمعان في القصف الأعمى للعمران والمعالم التاريخية والحضارية، وصولاً الى تهجير من كانوا حتى أمس القريب يعتبرون أنفسهم مواطنيكم، وظنّوا دائماً أن مثل هذا المصير لن ينزله بهم سوى العدو، والعدو بالنسبة اليهم هو اسرائيل، وها هم اليوم يقارنون وحشية العدو ضد إخوتهم الفلسطينيين باستشراسكم عليهم، بل يسمّون كل شبر أرض «محرّراً» إذ يُجْلونكم عنه. أعرف أن سورية عانت دائماً من مؤامرات عليها، أسوة بالعالم العربي كله، لكني والحق يقال، لم أستطع إبصار مؤامرة حين خرج الناس من بيوتهم ليتظاهروا ويطالبوا بالحرية، بل استشعرت قصر نظر في احتقار طموحاتهم. كانت لديكم مصلحة أكيدة في حقن دمائهم، وفي محاورتهم حين كان الحوار ممكناً وأقلّ كلفة، ولو كان لديكم الخُلُق والاقتدار لتقدمتم صفوفهم لتكونوا معاً وجميعاً في محق «المؤامرة».

أريد أن أصارحكم بأن المؤامرة جاءت في ما بعد، على ظهر دباباتكم وأجنحة صواريخكم وهي تدكّ المدن والحارات، وطالما أني آتٍ من الخارج، فدعوني أنقل اليكم الصورة الأليمة والممضّة لأي عربي يحب سورية التي توشكون على التفريط بها، وقبل ذلك أسألكم: لماذا تحاربون شعبكم؟ أمن أجل البقاء في السلطة؟ إنكم لفاقدونها عاجلاً أم آجلاً، لا أحد يشكّ في أنكم تستطيعون أن تقاتلوا حتى الرصاصة الأخيرة، أما أن تسحقوا الشعب لتحكموه فهذا كان تقليداً سائداً ولم يعد... أتحاربون لاسترجاع مكانة سورية ودورها الإقليمي؟ بإمكاني أن أؤكد لكم، وأحدس بأنكم تدركون، أن الحكم الذي يفقد دعم شعبه لا يمكنه الاحتفاظ بأي مكاسب خارج الحدود. نعم، سمعت ما قاله مسؤول إيراني بأنكم صامدون لتمتعكم بتأييد شعبكم، ولأنكم «حصن المقاومة المنيع»، وأتساءل: هل يخدع نفسه أم يخادعكم؟ ولكم أن تصدّقوه أو تكذبوه، أما اذا كنتم تعتقدون بإمكان استئناف اللعب بما كان لكم من «أوراق»، فإنني أَصْدُقُكم القول بأن العالم، بمن فيه حلفاؤكم الذين يحاربون بكم، بات يعرف أنكم خسرتموها، ولم يعد لديكم ما تكسبونه سوى هذا الدمار الذي صار مثل إهالة التراب على جثة وطنكم الذي كان في أفئدة العرب بمثابة وطنهم المتخَيَّل... أتحاربون من أجل طائفتكم وعائلتكم؟ اذا كان هذا صحيحاً، فهو على أي حال ما يعتقده العالم، أما أنا فلا أريد أن أصدّق، لأنكم بذلك لا تجازفون بالطائفة والعائلة فحسب، بل تتجاهلون أنكم ائتُمِنتم على سورية العظيمة وها أنتم تعرضونها في سوق النخاسة ليتناتشها السماسرة، ولتعود الطوائف كافة، ومنها طائفتكم، الى استجداء الحمايات من كل حدب وصوب. أنتم أدرى بما تريده العائلة، لكن هل تظنون أن الطائفة وراءكم في ما تعرّضونها له وما ترتكبونه باسمها، أم أن غطرسة العصبية والتقوقع زيّنت لكم أن سورية لا تستحق أن تبقى موحدة أرضاً وشعباً اذا لم ترضَ بكم حكاماً، فتعاقبوها بتقطيع أوصالها لتنالوا كياناً ذاتياً تظنون أنه سيكون آمناً بضمان روسيا وايران و... اسرائيل. هناك آلاف السلالات والعائلات التي حكمت واندثرت، ولا ينوّه التاريخ إلا بمن تشهد مخلّفاتهم على ثوابت وئام اجتماعي وتراث عمراني أو اشتراعي وثقافي. واذا كان لي أن أذهب الى أقصى الصراحة، التي لن تسمعوها مباشرة من أحد، فإني مُبَلِّغُكم أنكم أنى هربتم وتواريتم ستكونون مطارَدين، سواء نجحتم في التسويق لدويلتكم أم لا، فهل هذا كل ما لديكم للطائفة والعائلة طالما أن لم يعد لديكم ما تقدّمونه لسورية؟

لا بد لي أن أحذركم بأن كل ما خططتم له مع ايران، وبدعم خبيث من روسيا والصين، لن ينقذ نظامكم، ولن تستطيعوا إحراق المنطقة، كما قلتم، حتى لو نجحتم ببعض التخريب هنا وهناك. قبل سنة، كان أبناء الشعب يواجهونكم بصدورهم وحناجرهم، وقبل بضعة أسابيع صاروا يردّون على المدفع بالرصاص، والآن يدمّرون دبابات ويسقطون طائرات اشتريتموها بأموال كان الأحرى أن تنفق على بناء مدارس وجامعات ومستشفيات ومشاريع إنتاجية. هل أذكّركم بأن ملايين عدة من الشعب تائهون بحثاً عن ملاذات، وبأن من كان معكم صار الأكثر خوفاً من أخطائكم. هل أذكّركم بأن عملتكم فقدت أكثر من نصف قيمتها، وأن معاقبتكم على سفككم دماء السوريين أهلكت الاقتصاد وهرّبت الاستثمارات وجمّدت تصريف النفط وقضت على السياحة وأغلقت الشركات وأوقفت تحويلات المهاجرين، حتى بلغت الخسائر عشرات بلايين الدولارات ستضاف اليها عشرات اخرى لإعادة الإعمار. لا أعتقد أنكم تحتاجون الى تذكير، لكن اذا كانت هذه هي النتيجة، فلماذا ارتضيتم هذه الحرب داخل البيت السوري؟ هل قلتم إنكم دمّرتم أحياء كاملة في دمشق وحلب وحمص وحماة ودير الزور وإدلب من أجل فرض «الإصلاحات» التي تناسبكم، وبالتالي استدراجاً لمن يرغب في محادثتكم بشأن «حل سياسي»؟ الأكيد أنكم اخترتم الطريقة التي تقتل هذا الحل وتجعل سورية، في أحسن الأحوال وبسبب سوء تقديركم، تحت انتدابات عديدة، إن لم تؤدِّ الى تمزيقها... ومع ذلك، فلكم القرار، هناك فرصة أخيرة لحل من أجل سورية يبدأ بتنحِّيكم ونقل السلطة الى حكومة وحدة وطنية، وعلى هذا أبني مهمتي كمبعوث دولي–عربي، أما أي حل من أجل الطائفة والعائلة فلست معنياً به، لا كمبعوث ولا كعربي، وهو لن يستقيم إلا في اطار حل من أجل سورية.

=================

لبنان والإرث السوري

الخميس ١٦ أغسطس ٢٠١٢

حسان حيدر

الحياة

عبثاً يحاول لبنان النأي بنفسه عن التطورات في سورية، وعبثاً يتقاذف اللبنانيون على اختلاف مشاربهم المسؤولية عن محاولات جر البلد إلى الحرب الأهلية الدائرة بضراوة على أرض جارتهم، ذلك أن نظامهم بتركيبته الهشة والمصطنعة التي عملت سورية نفسها على تكريسها، لا يستطيع اتباع سياسة الحياد حتى لو رغب بها أكثر من مكون، كما لا يستطيع التنصل فجأة من عملية التماهي مع نظام دمشق بعدما استسلم لها طوال عقود، وجعل غياب الدولة الجامعة أساساً لإبرام سلمه الأهلي وفق معادلة الفصل بين مقوماتها: الجيش والشعب والمقاومة، بحيث بات التخلي عن أحد عناصر هذه الثلاثية يوازي الانقلاب على وجود الدولة ذاتها.

منذ الدخول السوري الأول إلى لبنان في 1976 كان واضحاً لدمشق أن البقاء فيه يتطلب إجراء تغييرات بنيوية في نظامه وإفراغ مؤسساته من مضمونها مع المحافظة عليها شكلا، لتتماشى مع نظامها وتتكيف مع حاجاتها وتستجيب بسرعة لتوجيهاتها. وترافق ذلك مع دمج تدريجي للسياسة الخارجية لكلا البلدين انتهى إلى ما بات يعرف بـ «توحيد المسارين» الذي ألغى الفوارق بينهما عملياً وحول لبنان مجرد تابع للموقف السوري في المحافل العربية والدولية.

ونجحت السلطة السورية الجديدة ممثلة بالجيش والمخابرات من كل نوع، في الحلول على مراحل مكان المؤسسات والأجهزة اللبنانية، مع استثناءات بسيطة، في رعاية شؤون الجماعات الأهلية وترتيب التوازنات بينها وربطها جميعاً بمرجعية وحيدة يمثلها مسؤول «الأمن والاستطلاع» السوري.

اما الانتخابات النيابية التي كانت رغم كل العيوب المحيطة بها تمثل حداً معقولاً من التمثيل الشعبي والمناطقي، فتحولت في العهد السوري إلى مجرد إجراء شكلي لإعلان «فوز» لوائح مركبة سلفاً تختار دمشق المحظوظين لدخولها، وصار البرلمان اللبناني نسخة عن «مجلس الشعب» السوري ومجرد أداة في يد السلطة السياسية يواكب «سوريتها» بالقوانين بدلاً من أن يكون رقيباً عليها. حتى أن رئاسته باتت أيضاً لمدى الحياة.

وفي العهد السوري كذلك تربت أجيال من السياسيين على الخضوع التام للأوامر القادمة من الشام، بحيث اعتاد هؤلاء التنافس على تقديم الطاعة لدمشق وأخذ رأيها في كل صغيرة وكبيرة، وعلى الامتثال التام لما تراه في مصلحتها بما في ذلك نزوات التجديد والتمديد. أما الذين أبدوا مقاومة ما، فإما قوطعوا وعزلوا، أو دبرت لهم تهم أدخلتهم السجون، أو لم «ينفع» معهم سوى الاغتيال.

وكانت «درة تاج» الإدارة السورية للبنان، وضع دمشق يدها على الأداة الإيرانية الناشئة (حزب الله) في مطلع الثمانينات، وتبنيها عملياً وسياسياً، وشمولها بالحماية وإلحاقها بمنظومتها للتحكم، وتضخيم دورها عبر منحها حصرياً حق تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي، ثم مدها مع الحليف الإيراني بالأسلحة والأموال التي جعلتها دولة أهم من الدولة وجيشاً أقوى من الجيش.

نجح نظام دمشق في تطويع السواد الأعظم من قادة لبنان السياسيين والعسكريين والنقابيين ورجالات المجتمع، وفي ضبط تواقيتهم على ساعته، حتى إذا اضطر جيشه مجبراً على الخروج من أراضي لبنان، ترك وراءه ليس فقط جماعات وتنظيمات وأفراداً مرتبطين بأجهزته ويحفظون له الجميل لما أوصلهم إليه، بل أيضاً بلداً ممزقاً سياسياً ومنهكاً اقتصادياً، يحول تعدد الولاءات فيه دون اجتماعه ونهوضه.

واليوم، إذ يقترب نظام دمشق من نهايته، يكتشف اللبنانيون أن التخلص من إرثه في بلدهم سيكون أصعب من إسقاط بشار الأسد نفسه، ذلك أنه إضافة إلى إحدى طوائفه المدججة، مليء بـ «السياسيين» المقتنعين بفاعلية العبوات الناسفة، ويعج بـ «الأجنحة المسلحة» للعشائر والعائلات، وأن خلاصه يتطلب جهوداً كبيرة ووقتاً طويلاً جداً.

=================

لماذا صعدت إيران؟.. لماذا غضب أردوغان؟

سمير صالحة

الشرق الاوسط

16-8-2012

حين يفجر رجب طيب أردوغان غضبه ويفرد قسما كبيرا من كلمته في حفل إفطار ينظمه حزبه للرد على الهجمات والاتهامات التي يوجهها صقور السياسة الإيرانية لتركيا «المتعاونة مع الرجعية والصهيونية» غير عابئ بإفطار آخر يقيمه وزير خارجيته في اليوم نفسه وعلى بعد مئات الأمتار فقط على شرف نظيره الإيراني - على الرغم من أن الأخير قال إن هذه التصريحات والمواقف لا تعبر عن رأي الحكومة - فهذا يعني أن العلاقات التركية - الإيرانية باتت على المحك وتحتاج إلى مراجعة جدية شكلا ومضمونا.

طهران وأنقرة تتمسكان بصلابة العلاقات وصعوبة اهتزازها بعد سنوات من التنسيق والتعاون والانفتاح وتبادل الخدمات، لكن المواقف والطروحات المتباعدة والمتضاربة حيال أكثر من ملف وقضية تقول عكس ذلك، وهي باتت تشير إلى مواجهة محتملة إذا لم يتم إزالة أسباب الخلاف، وهي في معظمها تتمحور حول الأزمة السورية وتفاعلاتها.

تذكير أردوغان للإيرانيين بالوقوف إلى جانبهم في الأيام الصعبة على الرغم من كل انتقادات الحلفاء والشركاء والجيران رافقه دعوته القيادة الإيرانية لمراجعة مواقفها وسياساتها وتحذيره من أن لعبة الصقور والحمائم في طهران لن تنطلي على الأتراك بعد الآن.

صالحي يحضر لبحث إمكانية التوسط التركي للإفراج عن المحتجزين الإيرانيين في سوريا، وسماع رأي حكومة العدالة والتنمية في جدول أعمال الاجتماع الذي أعدت له طهران حول الأزمة السورية، وجليلي وفيروزآبادي يتهمان باسم القيادة الدينية والحرس الثوري أنقرة بالانخراط في مشروع التآمر على المنطقة ودولها بإشراف أميركي - إسرائيلي.

طهران تريد الحصول عبر تركيا على ضمانات غربية أن مصالحها الإقليمية في سوريا ولبنان والعراق لن تتعرض للاهتزاز في حال تخلت عن النظام في دمشق، وحسين شيخ الإسلام وكاظم جلالي باسم البرلمان الإيراني يتحدثان عن اقتراب تركيا من السقوط في المصيدة التي تعد لسوريا.

حكومة أردوغان تردد على مسامع الإيرانيين أنها تجد صعوبة في انتزاع أي تعهد غربي يطمئن طهران والقيادة الإيرانية، وطهران متمسكة بفكرة المواجهة التي لا مفر منها مع الغرب ورفض التفاؤل التركي حول احتمالات حدوث الصفقة في اللحظة الأخيرة، وربما هذا هو سبب الغضب الإيراني المتزايد والحملة الأخيرة ضد أنقرة.

التصعيد الإيراني ضد أنقرة تجاوز الخطوة التركية الأخيرة باتجاه نشر مظلة الصواريخ باسم حلف شمال الأطلسي على الحدود المشتركة بين البلدين أو انزعاج طهران من اتفاقيات التعاون الاستراتيجي بين أنقرة ودول الخليج الذي وصل إلى مستوى الاندماج الأمني وإعلان تركيا أن أمن الخليج بات جزءا من أمنها الإقليمي.

أنقرة كما ترى إيران باتت تقود بشكل أو بآخر ليس فقط مشروع إبعاد طهران عن دمشق وحرمانها هذه الورقة الاستراتيجية، بل هي ستتسبب بتركها خارج أي طاولة حوار تعد لمناقشة مستقبل سوريا، وربما هذا هو السبب الآخر الذي دفع إيران إلى الرد مؤخرا بأن حدود أمنها الإقليمي تجاوزت سوريا ووصلت إلى السواحل اللبنانية نفسها.

أجواء زيارة وزيرة الخارجية الأميركية الخاطفة إلى تركيا وما أعقبها من مواقف وتصريحات ستتعامل معها طهران على أساس أنها الرد المشترك على توصيات لقاء طهران وتورط تركي مباشر في إفشاله.

قبل أيام وعلى هامش قضية احتجاز مجموعة من اللبنانيين في سوريا تحرك البعض للتهديد باللعب بورقة أتراك لبنان ضد أنقرة. الخطورة الحقيقية على مسار العلاقات التركية - الإيرانية ستكون عندما تبدأ القيادة الإيرانية بالحديث عن دور تركي في اختطاف العشرات من مواطنيها من قبل الثوار في سوريا، وهي التي تطالب أنقرة بالتوسط حتى الآن.

طهران ستكون أكثر صرامة وتشددا حيال حكومة العدالة والتنمية كلما زادت الضغوطات الإقليمية والدولية عليها، وآخر أسباب ذلك سيكون مضاعفات ملف الوزير اللبناني الأسبق ميشال سماحة ببعده الإقليمي، فارتدادات هذه القضية لن تطال النظام السوري وحده، بل هي ستستهدف المحور السوري - الإيراني وامتداداته في لبنان، وتحديدا عندما سيحاول البعض التصدي لمحاولات إخراج القضية من إطارها المحلي ودمجها بملفات إقليمية ودولية تتعلق باستهداف أمن لبنان وسيادته.

=================

لا صراع على سوريا.. بل من أجل سوريا الديمقراطية!

اكرم البني

الشرق الاوسط

16-8-2012

بدأت الثورة السورية كحركة سلمية، وظهرت في مختلف مفاصل تطورها، بدءا من مظالم أطفال درعا، كمسألة داخلية تتعلق بحقوق الناس في الحرية والكرامة، وليس بأي حسابات أو ارتباطات إقليمية أو دولية، والدليل أنها استمرت لأشهر طويلة كأنها تواجه مصيرها وحيدة أمام آلة قمع لا تعرف هوادة، قبل أن تتقدم ردود الأفعال الخارجية وتتضح مواقف القوى المساندة للنظام كروسيا وإيران ومن يدور في فلكهما، في مقابل قوى انحازت بعد تردد وتحت وطأة الضغط الأخلاقي لما تخلفه آلة الفتك والدمار، نحو دعم مطالب الناس وحقوقهم المشروعة، كالدول الغربية وتركيا وأكثرية البلدان العربية، دون أن نغفل مرحلة اكتظت بالكثير من النصائح والمبادرات من أطراف عربية وإقليمية لمساعدة النظام على تجاوز أزمته، قبل أن تصل الأمور إلى الجامعة العربية وتفشل مبادرتها ثم إلى الأمم المتحدة وخطة كوفي أنان، ويتضح عجز المجتمع الدولي ومجلس الأمن عن أداء واجبه لإنقاذ أرواح السوريين، بسبب «ترويكا» الفيتو الروسي، ما فتح الباب على مصراعيه أمام من يرغب من الأطراف الإقليمية والعالمية للتدخل والاجتهاد في التعاطي مع التطورات السورية الجارية، لكن بداهة ليس على غرار ما عرف بمرحلة «الصراع على سوريا» التي شهدتها خمسينيات وستينيات القرن الماضي.

صحيح أن باتريك سيل استند في كتابه الشهير «الصراع على سوريا» إلى موقع هذا البلد المفصلي في منطقة حساسة من العالم أو بالتعبير الاستراتيجي «منطقة المصالح الحيوية» الغنية بالثروات الطبيعية وأهمها النفط، منطقة لم تعرف الاستقرار طيلة عقود بسبب التنافس الشديد للهيمنة عليها بين القوى الإقليمية والعالمية وبسبب التحديات التي خلقها تنامي الدور الصهيوني ومخاطره بعد قيام دولة إسرائيل في عام 1948 لتبدو الانقلابات العسكرية التي حصلت وتناوبت على السلطة في سوريا منذ الاستقلال في عام 1946 حتى مطلع السبعينيات كأنها محصلة لصراع القوى العربية والعالمية للسيطرة على هذا البلد والتحكم بموقعه وسياساته.

وصحيح أن التداعيات التي أفرزتها الثورة السورية شجعت البعض على الاستنتاج بعودة «الصراع على سوريا» ربطا بحالة الضعف والإنهاك التي وصلت إليها البلاد جراء العنف المفرط والقمع الدموي الذي مارسته السلطة ضد الاحتجاجات الشعبية، وربطا بانحسار الدور الإقليمي الوظيفي للنظام السوري بعد الاحتلال الأميركي للعراق وانسحاب جيشه من لبنان، وتنامي التدخلات الدولية والإقليمية في المنطقة، لكن الصحيح أيضا أن أصحاب هذا الاستنتاج هم، عن قصد أو دون قصد، يروجون لما يسمى «نظرية المؤامرة» التي دأبت أجهزة السلطة على ترويجها ويصبون الحب في طاحونة النظام الذي يحاول إشغال الناس بالأخطار والتحديات الخارجية للتهرب من الاعتراف بمسؤوليته عن تفاقم أزمات المجتمع ومشكلاته المزمنة، والأهم أنهم يستخفون بتأثير رياح التغيير العربية في استنهاض الشعوب، وبالأسباب البنيوية العميقة التي حفزت الثورة السورية بصورة خاصة وشجعت الأكثرية المهمشة على كسر حاجز الخوف والمطالبة بحريتها وكرامتها.

لقد ارتبطت مقولة الصراع على سوريا وقتئذٍ بالدور المتعاظم للجيش في الحياة السياسية وبتواتر الانقلابات العسكرية التي حركتها مطامع القوى الكبرى في السيطرة على هذا البلد دون الأخذ في الاعتبار مصالح شعبه وطموحاته، لكن المشهد قد تغير اليوم، وها نحن نعيش ثورة تسعى إلى رد الحقوق للناس وتمكينهم من تقرير مصيرهم وشؤونهم، ما يشجع على طرح رؤية جديدة جوهرها اعتبار الصراع المحتدم في سوريا بما يرافقه من مواقف واصطفافات معلنة لقوى إقليمية ودولية مع أطرافه، هو صراع في الساحة السورية وليس صراعا عليها، صراع بين قطاعات واسعة من الشعب تطالب بالتغيير وبحريتها وكرامتها المهدورة وتتحسب أيضا من نيات الآخرين ومطامعهم، وبين سلطة لا تتوانى عن استخدام أشنع وسائل العنف وأكثرها ضراوة وتستعين بكل أصدقائها للدفاع عن بقائها وامتيازاتها، وغير ذلك هو استهانة بالثورة القائمة وبأسباب نهوضها وطعن بوطنية الشعب السوري وبما قدمه من تضحيات لا تقدر بثمن، كي يأخذ قضيته بيده ويضع حجر الأساس لبناء مستقبله الديمقراطي.

والحال، أن الاستبداد المزمن والطابع العسكري للسلطات الحاكمة وتغييب دور الناس وحرمانها من حقوقها، هي شروط تخصّب التربة الحاضنة للصراع على بلد ما وللسيطرة عليه، بينما تغدو هذه التربة عقيمة وقاحلة في حال شيوع الديمقراطية وتقدم إرادة المجتمع في تحديد خياراته، وعليه يمكن القول وبثقة، أن لا صراع على سوريا وما يجري هو صراع داخلي ولأسباب ذاتية أفرزتها أزمة بنيوية متفاقمة طيلة عقود، ولا يغير هذه الحقيقة أن تساند بعض الجهات الإقليمية أو الدولية هذا الطرف أو ذاك من أطراف الصراع، في معركتها الخاصة للنفوذ ولتحسين حضورها وموقعها في المنطقة.

إن الشعب السوري الذي يدرك مدى المسؤولية التي يتحملها النظام في فتح الباب أمام التدخلات الخارجية، عندما اعتمد منذ اللحظة الأولى القوة المفرطة، وأنكر الأسباب الحقيقية للازمة وطرق معالجتها سياسيا، وصم أذنيه إزاء كل الدعوات لإبقاء الحل في الإطار الوطني ثم في الإطار العربي، قبل أن يغدو رهين العجز الدولي. يدرك أيضا أنه لن يكون بعد نجاح ثورته صفرا أو نكرة، وأنه بتحرره وخروجه من القمقم وأخذ قضيته بيده، سيكون وحده القادر على الإطاحة، مرة وإلى الأبد، مقولة «الصراع على سوريا» وإظهار أن ما يجري حقا هو صراع من أجل مستقبل ديمقراطي واعد، بين أغلبية عانت الأمرين من القمع والاضطهاد وبين سلطة توغلت إلى نهاية الشوط في القهر والفساد والتمييز، ويدرك تاليا أنه مثلما أسقط في الماضي الكثير من الأحلاف والمشاريع الاستعمارية، قادر بعد ثورته ونيل حريته على إجهاض كل محاولات السيطرة والهيمنة على مقدراته.

=================

أسد ميت خير من أسد جريح

عبدالرحمن الراشد

الشرق الاوسط

16-8-2012

ربما بقي لنظام الأسد شهران، ثلاثة أو ستة، لا أحد يستطيع أن يعطيه عمرا أكيدا، إلا أن الأكيد حقيقتان، واحدة أنه ساقط والمسألة مجرد وقت، والثانية أنه قادر، وحلفاؤه، خلال الوقت المتبقي على إلحاق الأذى بالشعب السوري والمنطقة.

التخريب هو اختصاص النظام ومهاراته المشهور بها. والتطورات الأخيرة، مثل تراجع نجاحات الثوار وتوسيع النظام معاركه في لبنان بالاختطاف والتآمر بالتفجير، تفرض الإلحاح على مسألة تزويد الثوار بسلاح نوعي. وعلى الرغم من أن النظام باشر منذ بضعة أشهر استخدام القصف الجوي ضد المناطق المدنية، وهو أمر نادر الحدوث في الحروب الأهلية ونادر السكوت عليه دوليا، فإن الثوار لم يسقطوا سوى طائرة واحدة وأسر قائدها، ليس لنقصهم أو نقص رصاصهم لكن بسبب عجزهم عن الحصول على الأسلحة النوعية المتقدمة لمواجهة المقاتلات الجوية، والمدرعات، فالمعركة غير متكافئة على الإطلاق. وبالتالي ستستمر المعادلة السابقة، نظام جريح وساقط بعد زمن ما، وفي الوقت نفسه قادر على الفتك بالناس.

ونعرف أنه توجد اعتبارات عدة وراء حرمان الثوار من هذه الأسلحة، أهمها الفوضى الضاربة في معسكر الثوار، وتعدد هويات الثوار السياسية؛ فالإسرائيليون وحلفاؤهم لن يقبلوا بتزويد الثوار بصواريخ مضادة للدروع والطائرات قد تنتهي ضدهم، أو كما انتهت صواريخ ستنغر مجاهدي أفغانستان في يد مسلحين بباكستان، ووجدت مدفونة في السعودية قبل نحو عشر سنوات، وظهرت فجأة في استعراض القوات القطرية. ومثل الإسرائيليين، يخاف الأتراك أيضا من نفس النتيجة أن تقع الأسلحة الحاسمة في يد حزب العمال الكردستاني اليساري الانفصالي المتهم بارتكاب عدد من العمليات على الأراضي التركية. وبالطبع معظم الخوف هو من الجماعات المتطرفة التي من المؤكد أنها دخلت سوريا. وقد يكون النظام السوري نفسه، الذي كان يرعى «القاعدة» وقت الأزمة العراقية، هو من فتح لها الباب ليعزز اتهاماته للثوار ويخيف الغرب بأن البديل هم إسلاميون متطرفون مثل «القاعدة» و«الشباب» في الصومال. وهذه مخاوف كل دول المنطقة لا إسرائيل وتركيا والغرب فقط. وهذه استراتيجية سوريا وإيران وحتى روسيا، التخويف من الجماعات المتطرفة أن تكون البديل لبشار.

إنما على الرغم من وجاهة هذه المخاوف تبقى المعادلة، النظام يسقط ببطء والبلاد تتفكك والجماعات المتطرفة تصبح بطلة وتكبر مع الوقت الطويل على حساب القوى الوطنية السورية التي تتظاهر وتقاتل منذ عام ونصف. وبالتالي الخوف من البديل المتطرف عذر سخيف، حيث توجد حلول تقنية وميدانية تمكن من مناولة الأسلحة المتفوقة للمعارضة بأقل قدر من المخاطرة. إن ترك النظام الجريح لأشهر أخرى يجعله يرتكب المزيد من المجازر، وكذلك سيرتكبها حلفاؤه في لبنان وغيره، وتعرض المنطقة للمزيد من الفوضى والمخاطر، الأمر الذي تعهد النظام صراحة بتنفيذه ضد خصومه في الداخل والخارج.

ومع عجز الدول الكبرى، ومعهم تركيا، عن إقامة منطقة حظر جوي، تحاشيا للصدام مع قوى مثل روسيا، لم يعد هناك من مخرج لهذا الموقف المعقد جدا إلا بدعم الثوار لاختصار الستة أشهر الدموية الباقية والإجهاز على مصدر المشكلات، وهو النظام في دمشق. بسقوط النظام لن يكون هناك ما يبرر الصدام مع روسيا وستقبل إيران التعامل مع الأمر الواقع الجديد، وسيكون الخلاف على الكيفية التي تدار بها سوريا الجديدة.

إذن، المفتاح هو تمكين الثوار لتحييد السلاح الجوي ومواجهة مدرعاته. لو تحقق لهم هذا لتغيرت المعادلة قبل شهر مضى بعد تفجير مبنى الأمن القومي وسط العاصمة وما تلاه من استيلاء الثوار على عدد من أحياء العاصمة التي اضطروا إلى إخلائها بسبب قصفها بالمروحيات والمدرعات والمدافع، وكانوا يدافعون عنها بأسلحة بسيطة.

=================

كيف ومتى تنتهي الحرب في سوريا.. إن انتهت من الأساس؟!

كينيث بولاك

الشرق الاوسط

16-8-2012

يقول المثل الصيني «بداية الحكمة هي تسمية الأشياء بأسمائها»، والاسم الصحيح لما يحدث في سوريا منذ ما يزيد على العام هو حرب أهلية شاملة. سوريا الآن هي لبنان في السبعينيات، وهي أفغانستان أو الكونغو أو البلقان في التسعينيات. إنها العراق منذ 2005 إلى 2007، فهي لا تشهد تمردا، ولا ثورة، وهي ليست اليمن، وبالتأكيد ليست مصر ولا تونس. من المهم تقبل هذه الحقيقة البسيطة لأن الحروب الأهلية خاصة العرقية والطائفية مثل التي تعصف بسوريا حاليا توضح وتطلق العنان لقوى عتية تكبل كل ما يمكن أن يُتخذ ضدها. ولا يمكن وقف هذه القوى أو تجاهلها، بل يجب التعامل معها بشكل مباشر حتى يكون هناك فرصة لإنهاء الصراع. لذا كيف ينتهي هذا النوع من الحروب؟ إنه عادة ما يكون له واحدة من نهايتين. الأولى هي فوز أحد الطرفين بطريقة دموية، والثانية تدخل طرف ثالث يتمتع بالقوة الكافية لإطفاء نار القتال. وحتى تلتزم الولايات المتحدة إما بمساعدة طرف في مواجهة الطرف الآخر أو قيادة عملية عسكرية داخل سوريا، لن يحدث أي إجراء آخر نتخذه أي تغيير يُذكر. ويوضح تاريخ الحروب الأهلية ومحاولات منعها الأمور التي من الأرجح ستجدي نفعا والأمور التي سيكون مصيرها الفشل.

توقف عن مطاردة السراب:

وعلى رأس قائمة المبادرات، التي نادرا ما تنجح وحدها في إنهاء حرب أهلية، هو التفاوض على تسوية، فاحتمال نجاح هذا الأمر من دون قوة لفرضه أو لضمان الاتفاق ضئيل. لهذا كان من المرجح أن تبوء مهمة كوفي أنان كمبعوث للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية بالفشل، والآن بعد استقالة أنان، ينبغي أن تُنحى هذه المحاولة جانبا لأنها تشتت الانتباه. لهذا يعد تركيز إدارة أوباما على تأثير روسيا المفترض على النظام السوري وفكرة الحل وفقا للسيناريو اليمني الذي يتنحى فيه الأسد أمر غير منطقي. من غير المرجح أن يتنحى الأسد لأنه يعتقد مثل رادوفان كاراديتش، وصدام حسين، والعقيد معمر القذافي، والكثيرين قبله، أن خصومه سوف يقتلونه هو وأسرته إذا فعل ذلك، وهو على صواب في ذلك إلى حد كبير. حتى إذا غادر المنصب طواعية، سوف تكون استقالته أو هروبه من سوريا بلا معنى، فالأسد يقود الحرب، لكن من شنهّا هم العلويون والأقليات الأخرى الذين يعتقدون أنهم يقاتلون ليس فقط من أجل مناصبهم وامتيازاتهم في المجتمع السوري، بل من أجل بقائهم. في حال استقالة أو هروب الأسد، سيتولى منصبه على الأرجح زعيم علوي آخر يواصل القتال.

لا يعد التأكيد على أن أيام الأسد معدودة غير صحيح فحسب، بل غير ذي صلة. خلال الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت منذ عام 1975 إلى عام 1991، كان هناك دائما رجل يجلس في قصر بعبدا يطلق على نفسه اسم الرئيس، وكان لديه قوة عسكرية تابعة له تسمى القوات المسلحة اللبنانية. في الحقيقة، لم يكن أكثر من أمير حرب مسيحي ماروني، ولم تكن القوات المسلحة اللبنانية سوى جماعة مسلحة من الموارنة، مع الاحتفاظ بالمسميات.

لذا ربما يظل الأسد صامدا لفترة، وربما يظل يطلق على نفسه الرئيس السوري. كذلك قد يكون قادرا على البقاء في دمشق المحاصرة تحت حماية تشكيل الجيش الذي لا يزال يطلق عليه القوات المسلحة السورية. مع ذلك لن يجعله ذلك إلا رئيسا لجماعة مسلحة من العلويين.

مخاطر اختيار الفائز:

إذا قررت الولايات المتحدة أن من مصلحتها إنهاء الحرب الأهلية السورية، يمكن لواشنطن أن تقرر مساعدة طرف على الفوز، وقد قمنا بذلك بالفعل. لم تطلب إدارة أوباما تخلي نظام الأسد عن السلطة فحسب، بل أيضا توضح عدة تقارير إعلامية أنها تقدم دعما سريا محدودا للمعارضة السورية. وبحسب هذه التقارير، لا تشمل المساعدات السلاح، وتساعد في التحقق من هوية المقاتلين وتقديم بعض الإرشادات الخاصة بالتخطيط.

ما لم تفعله واشنطن هو تقديم مساعدة للمعارضة تجعلها تسيطر في وقت قصير. المواجهة التي تشهدها سوريا حاليا هي مواجهة أسلحة مقابل عدد، فالنظام يمتلك عددا صغيرا من الدبابات والمدفعية والمروحيات الهجومية والأسلحة الثقيلة الأخرى التي تسمح له بالرد على المعارضة في أي مكان كانت. لذا في أي وقت تهدد المعارضة منطقة مهمة بالنسبة لنظام الأسد، مثل دمشق أو حلب، يستطيع إحباط الهجوم. مع ذلك أعداد المعارضة في تزايد، وهذا يتيح السيطرة على مساحات كبيرة من الأرض التي لا يهتم بها الأسد كثيرا. وبمرور الوقت، وخاصة إذا تم التضييق على المعدات البديلة وقطع الغيار المقبلة من إيران وروسيا، سيتقلص مخزون النظام من الأسلحة الثقيلة، ومع تحول الحرب إلى قتال مشاة خفيف بين الجانبين، ستبدأ أعداد المعارضة في إحداث تغيير. المشكلة هي أن مساعدة المعارضة على «الفوز» قد تنتهي بحالة أشبه بأفغانستان عام 2001. وربما ينتهي الحال بسيطرة قوى المعارضة على أكثر أجزاء البلد بما فيها دمشق، لكن ربما يتمركز العلويون وحلفاؤهم في الجبال ويواصلون القتال. وكما حدث في أفغانستان، حيث سيطر التحالف الشمالي على وادي بنجيشير لسنوات ضد قوة مهيمنة أخرى هي طالبان، ربما يستطيع العلويون السيطرة على الجبال وجعلها وطنهم على طول الساحل الغربي في سوريا لمدة طويلة.

هناك بدائل كثيرة، فالمعارضة السورية ممزقة وفي ظل الخلافات الداخلية للفصائل السياسية، والخلاف بين تلك الفصائل والقوات المقاتلة. وفي أفغانستان بعد مغادرة السوفيات البلاد عام 1989، كان موقف مشابه هو سبب نشوب حرب داخلية.

الجماعات الجهادية المختلفة يحارب بعضها بعضا حتى قبل سقوط نظام الرئيس نجيب الله الذي كان دمية السوفيات مما سمح للنظام بالبقاء حتى قمعت حركة طالبان أنصار نجيب الله والمجاهدين على حد سواء. القوة المهيمنة التي ربما تظهر في سوريا من صفوف المعارضة هي الإخوان المسلمون. يختلف تكوين جماعة الإخوان، التي ظلت تعاني لسنوات من قمع حزب البعث الذي يسيطر عليه العلويون، كثيرا عن تكوين الإخوان المسلمين الذين تولوا السلطة في مصر وتونس.

لكل هذه الأسباب، ربما يعني نصر المعارضة خلع نظام مستبد وحشي ليحل محله نظام مستبد آخر. وينبغي أن تتضمن أي مناقشة حول مساعدة الثوار ليسيطروا على البلاد كل هذه النقاط. مع ذلك إذا اختارت واشنطن التدخل، ستكون هناك طرق لتقليل هذه المخاطر، حيث يمكن لأميركا أن تبدأ بتقديم مساعدات عسكرية، خاصة الأسلحة المضادة للدبابات والأسلحة المضادة للطائرات الأكثر تقدما، من أجل المساعدة في استنزاف أسلحة النظام الثقيلة سريعا وتمكين المعارضة من السيطرة بخطى أسرع. الأهم من ذلك هو إمكانية بدء الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي تقديم تدريب عسكري للمقاتلين السوريين، فإذا زادت كفاءة القوات المعارضة ستتمكن من مواجهة وهزيمة قوات النظام. وسيساهم مثل هذا التدريب في الحد من التحزب والتشرذم داخل الجماعات المسلحة وفي تمتع المعارضة بمزيد من الالتزام الذي يمتد إلى ما بعد الحرب. كان البرنامج الأميركي لتنظيم وتدريب الجيش الكرواتي والبوسنيين المسلمين في منتصف التسعينيات ضروريا لكل من الانتصار العسكري في الحرب الأهلية في البوسنة ودعم الاستقرار بعد انتهاء القتال. فضلا عن ذلك، من أفضل الطرق التي تستطيع الولايات المتحدة من خلالها التأثير على العملية السياسية بعد الحرب الأهلية هي تعظيم دورها في بناء الجيش الذي يفوز بالحرب.

إنهاء حرب مقابل بناء أمة:

ومن الناحية التاريخية، يتمثل البديل الحقيقي الوحيد بالنسبة لأي قوة أجنبية تريد إنهاء حرب أهلية عن طريق اختيار الطرف الفائز في قمع الجماعات المتحاربة ثم بناء عملية سياسية مستقرة كي تحول دون مواصلة الحرب. وتعتبر الوسيلة العسكرية لإيقاف الحرب سهلة نسبيا، ما دامت الدولة التي ستقوم بالتدخل على استعداد لجلب ما يكفي من القوة واستخدام التكتيكات الصحيحة. أما الجزء الأصعب فهو التحلي بالصبر الكافي لبناء نظام سياسي جديد وفعال. يكشف وجود السوريين في لبنان وقوات الناتو في البوسنة والاستراليين في تيمور الشرقية والأميركيين في العراق عن الإمكانيات والمخاطر المتعلقة بهذا الأمر.

بعد هذه هي الطريقة الوحيدة لوضع حد للعنف من دون التسبب في حدوث أعمال قتل جماعية ضد الطرف الخاسر. يمكن أن تحول هذه الطريقة دون تفتت البلاد أو حتى اندلاع القتال بين الجماعات المنتصرة. وإذا تم تنفيذ هذه الطريقة بصورة صحيحة، فمن الممكن أيضا أن تمهد الطريق أمام بناء ديمقراطية حقيقية (مثلما بدأت الولايات المتحدة الأميركية القيام به في العراق قبل انسحابها في العام الماضي)، وهو الأمر الذي ينتج عنه المزيد من الاستقرار على المدى البعيد.

ولكن هذه الطريقة ليست رخيصة، حيث إنها تتطلب التزاما طويل المدى بتقديم المساعدات العسكرية والسياسية والاقتصادية، بينما يمكن التخفيف من أعباء هذه التكلفة في حالة حدوث تدخل متعدد الأطراف، كما كان الحال في البوسنة وكوسوفو، بدلا من بذل جهود كبيرة من جانب واحد على غرار عمليات إعادة الإعمار التي قامت بها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان. وفي حالة سوريا، فهذا يعني أن الولايات المتحدة لن تكون الدولة الوحيدة التي تتحمل التكلفة، فالدعم التركي والأوروبي والعربي سيكون مهما كذلك.

وفي الوقت الراهن، لا توجد هناك أي رغبة لدى الولايات المتحدة للتدخل في سوريا على غرار ما قامت به في البوسنة، وهذا أمر غير مفهوم. فعلى خلاف ما حدث في ليبيا، لم تكن الكوارث الإنسانية التي تتكشف تباعا في سوريا كافية لتحفيز الولايات المتحدة على التحرك. وعلاوة على ذلك، ليست هناك أي مصالح جوهرية كبيرة بالنسبة للولايات المتحدة في سوريا، حيث إنها لا تمتلك احتياطيات نفطية كبيرة ولا تعد شريكا تجاريا رئيسيا ولا حليفا للولايات المتحدة ولم تكن يوما دولة ديمقراطية. لذا، فإذا احترقت سوريا برمتها، فقد يمثل ذلك مأساة بالنسبة للشعب السوري ولكنه سيعد أمرا عديم الأهمية بالنسبة للمصالح الأميركية.

ولكن الأمر الذي قد يمثل خطرا حقيقيا على المصالح الأميركية هو انتشار الحرب الأهلية السورية إلى بقية بلدان الشرق الأوسط. عادة ما تنتشر الحروب الأهلية عن طريق تدفق اللاجئين وانتشار الإرهاب ولجوء سكان دول الجوار إلى التطرف، فضلا عن تدخل وانتهازية القوى المجاورة، وسوريا لديها كل هذه السمات المميزة لحدوث وضع سيئ للغاية.

وفي أسوأ الحالات، فإن اندلاع حرب أهلية في أحد البلدان قد يسبب قيام حرب أهلية في بلد آخر، مما قد يؤدي إلى حدوث حرب إقليمية. تنتشر أعمال العنف الطائفية بالفعل في سوريا والعراق ولبنان، وجميعها دول هشة وعرضة لاندلاع حرب أهلية، حتى من دون أن تكون ناتجة عن عدوى مقبلة من دولة أخرى. تقوم تركيا وإيران بالعبث في سوريا، عن طريق مساندة الأطراف المختلفة ومطالبة الأطراف الأخرى بالتوقف عن القيام بالأمر نفسه. ربما يدفع انتشار الإرهاب أو زيادة نفوذ إيران حتى إسرائيل المترددة إلى الدخول في هذا الصراع - تماما كما دفع انتشار الإرهاب وزيادة الهيمنة السورية إلى دخول إسرائيل في الحرب الأهلية اللبنانية منذ أعوام كثيرة.

هذا هو ما ينبغي علينا مراقبته فعليا، حيث إن انتشار العنف قد يرغم واشنطن على التفكير في حلول حقيقية للصراع السوري بدلا من الانغماس في عروض جانبية تافهة. وإذا جاء هذا اليوم، فمن شبه المؤكد أن تنحصر خياراتنا بين اختيار الفائز أو قيادة تدخل متعدد الأطراف.

تشير التقديرات إلى أننا سوف نبدأ بالاحتمال الأول، فإذا فشل في تحقيق نتائج ملموسة فسوف نتحول إلى الاحتمال الأخير. ربما يبدو هذا أمرا بعيد المنال، ولكن يجدر بنا أن نتذكر أنه في عام 1991، لم يكن هناك أي شخص تقريبا في الولايات المتحدة يدعم تدخل متعدد الأطراف في البوسنة تقوده الولايات المتحدة، ولكن بحلول عام 1995، قامت الولايات المتحدة بهذا الأمر في ظل وجود إدارة ديمقراطية.

* زميل بارز في «مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط» في «معهد بروكينغز»، وهو مؤلف كتاب «الطريق للخروج من الصحراء: استراتيجية كبرى للولايات المتحدة في الشرق الأوسط».

* خدمة «واشنطن بوست»

======================

ليس كل من خرج هرب…ولا كل من بقي ضرب

الشيخ محمود الدالاتي

نيوز سنتر

2012/08/14

هذه الثورة ثورة عجيبة غريبة فيها كل شيء..فيها السلمية والدموية وفيها النصر وفيها الهزيمة وفيها الأمل وفيها الإحباط وفيها أيام رائعة جميلة وذكريات لاتنسى وفيها أيضا ليال سود كالحات أدمت قلوبنا وأوجعت أفئدتنا..

فيها الصادق وفيها الكاذب ..فيها الشهيد وفيها من مات ميتتة الكلاب .. وفيها من صبر وفيها من جزع .. وفيها من خرج وفيها من أخرج ..وفيها من بقي وفيها من ليته لم يبقى .و

فيها من بكينا لفقده دما بدل الدموع وفيها من فرحنا باستشهاده لأننا خلصنا منه ودعونا الله أن يدخله الجنة ويترك لنا جنتنا…

وبين الحين والآخر يترامى لمسمعي أن من خرج من بلده أو قريته أو حيه هو جبان خوّار رعديد وأن من بقي هو شجاع مقدام همام لم يتخلى ولم يستسلم !!

أقول ليس بالضرورة ياإخوتي فليس كل من خرج هرب ولا كل من بقي ضرب ..ويجب أن لا نتهم الناس هكذا جزافا والأهم أن لا نؤثم بعضنا ولا نكره انفسنا وننسى في حمأة الظروف وقسوة الواقع المجرم السفاح الذي فعل بنا ذلك.

إن لكل إنسان منا ظروفه الخفية التي قد لايقدرها غيره …هل أستطيع مثلا أن أطلب من أهل كرم الزيتون والخالدية وجورة الشياح وجب الجندلي والعدوية والمريجة وغيرها من الأحياء المحتلة أن يبقوا في أحيائهم مثلا تحت رحمة هؤلاء الجلاوذة المجرمين ينتظرون في كل ليلة أن يقتحموا عليهم بيوتهم ليذبحوهم بالسكاكين وينتهكوا أعراض نسائهم ؟ هل البقاء يسمى صمودا في هذه الحال ؟أم هو إلقاء باليد إلى التهلكة؟

هل أستطيع أن اطلب من رب اسرة عنده أربع أو خمس بنات صبابا أن يبقى في حمص لأنه صامد قد دمّر بيته ولم يخرج إلا بالثياب التي تستر عرضه هل ألومه لأنه ذهب إلى أقاربه في حلب أو في دمشق أو هنا أو هناك؟

هل أستطيع أن ألوم شخصا من جانب بيته تنطلق قذائف القتل والإجرام بأصواتها المدوية المخيفة ناشرة الرعب والخوف الذي لايعرفه إلا من جربه وأطفاله يستيقظون كل نصف ساعة يتبولون على أقدامهم يبكون بكاء مرا وبعضهم ربط لسانه والآخر اكتأبت زوجته والثالث فقد صوابه حتى أطلق النار على أسرته وزوجته؟هل أستطيع أن اطالبه بالبقاء وإن خرج يبحث لأهله عن مكان آمن أنعته بأنه جبان؟خصوصا إن كان معظم هؤلاء من المؤيدين للثورة ومن المتظاهرين ومن الداعمين بالمال وبكل شيء هل هؤلاء جبناء؟؟؟

هل أستطيع أن أن اطلب من شاب ناشط جاء الأمن وداهموا بيته ليعتقلوه ويعذبوه ويغتصبوه ويسلموا جثمانه لأهله بعد أيام من المشرحة متفسخ الجثة مسروق الأعضاء هل أستطيع أن اقول له لاتهرب إلى لبنان أو الأردن وابق مكانك ولاتتحرك خصوصا وأنك لاتجد في بلدك مكانا آمنا تختبيء فيه ولا في جيبك قرشا واحدا تشتري فيه ؟هل أستطيع أن اطلب منه ذلك؟ وهل هناك معنى للمستحيل أكبر من هذا المعنى؟

ثم هل كل من هو موجود في البلد شجاع ومقدام؟ حتى ولو لم يفعل شيئا للثورة ولم يخرج في مظاهرة ولم يتبرع بقرش واحد وكل ماطلعت مظاهرة في حيه قال لك ياأخي مشان الله لاتجيبولنا البلا… ويذهب ويسجل اسمه في قوائم المحتاجين ويحلّل لنفسه المساعدات ويعتبر نفسه من الثوار الصامدين ..هل هذا هو الصامد الشجاع…؟

هل الصامد الشجاع ذلك الشيخ القابع في دمشق منذ بداية الثورة يأكل ويشرب وينعم بالراحة والأمان وينتظر مع ثلة من تلاميذه عودة مريحة إلى حمص ليستلم مكان الشيوخ الذين اعتقلوا أو أبعدوا أو استشهدوا مثل عجلة الإحتياط للسيارة((سبير)) حتى لاتخلى البلد من المشايخ؟هل هذا هو المطلوب؟

هل ذلك التاجر المترف الذي كان في يوم من الأيام رمزا من رموز الفساد متأبطا ذراع المحافظ وأمين الفرع ورئيس البلدية من هنا رخصة برج ومن هناك موافقة مصنع ومن هنا قرض بمليار ليرة من دم الشعب كلها الآن تضاعفت لأنها بالدولار والنظام سيسقط متل مابعرفكم وبتعرفوني وبالتالي لن يدفع قرشا للدولة وراحت عليكم يامساكين… هل هذا التاجر وطني وحر وشريف وشجاع فقط لأنه بقي في البلد ولم يخرج منها ؟؟؟؟

وهل كل هؤلاء العاملين للثورة في الخارج والمحرومين من بلدانهم واحيائهم وأحبائهم وبيوتهم وأموالهم ومراتع صباهم جبناء؟؟؟ وهاربون؟؟

هل الشاب الذي يكتب على النت باسمه الصريح يحفّز ويشجّع وينشر ويساهم وقد حكم على نفسه بالنفي عن بلده طالما هذا النظام موجود هل هذا الشاب هارب وجبان؟

هل الشيوخ والدعاة الذين خرجوا من أجل إكمال مسيرة الدعوة والتبليغ والتحريض((والدعاة أساسا مهمتهم التحريض وحرّض المؤمنين)) وجمع التبرعات وتوجيه الجماهير بدلا من انقطاع خيرهم في أقبية الزنازين والمعتقلات وأنتم تعلمون ماذا يفعلون بالدعاة ((خصوصا)) عندما يقعوا في أيديهم ..هل هؤلاء جبناء وغيرهم شجعان؟

هل العرعور والرفاعي وراجح وسويد والخطيب والرشيد وغيرهم ((مع حفظ الألقاب)) جبناء وهاربون وأولئك القابعون في دمشق في مقهى الروضة وسنتر كفر سوسي يتابعون أخبارنا لحظة بلحظة على الآيباد والآيفون صامدون؟

هل داني عبد الدايم وخالد ابو صلاح وأبو جعفر وأمثالهم جبناء ؟قد يقول قائل ولكنهم رجعوا إلى حمص .! وأنا أقول هل يوجد حمصي في العالم يستطيع أن يرجع إلى حمص ولايرجع إليها؟ بس حمصي حمصي حقيقي مو ((مجسم حمصي)) ؟

ثم هل تستطيع هذه الثورة أن تستمر لولا تضافر جهود الداخل مع الخارج؟هل يستطيع الجيش الحر أن يكمل أو ان يصمد من دون الدعم الذي يرسله نشطاء الخارج؟

أحدهم علق يقول ((إذن فلان هرب فعلا كما قالوا)) ولو علم مافعل فلان وماقدّم وأنجز لأكبر همته وعزيمته وماكل الناس يحب أن يتكلم ماذا فعل وماذا قدم لأن بعض الناس يحب أن يلتقط الصور إلى جانب الشهيد والجريح وكذلك وهو يعطي اللاجيء والفقير والنازح وينشر الصور هنا وهناك يرفع خسيسته بذلك من باب تعو شوفوني لاأكثر ولاأقل والكثير من الناس يحب أن يبقى عمله خالصا لوجه الله الكريم لأن القضية عقيدة وجهاد في سبيل الله ..وظننت المتكلم يكتب من تلبيسة أو حمص القديمة أو حديقة العلّو إذا به يكتب من دبي ..

سبحان الله

بكفي ياجماعة ..كفانا جلدا لأنفسنا واتهاما لإخواننا لاتعملوا بالمثل القائل ((نسيت الحرامي وتبلّيت اللي قدامي)) ولاتكونوا مع العدو على أنفسكم

نحن نحتاج أن نحب بعضنا بعضا أكثر من أي وقت مضى ونحتاج أن نعذر بعضنا أكثر من أي وقت مضى وكنت كلما رأيت عائلة تفترش الطريق مهتوكة الستر قلت في نفسي الله يفضحهم متل مافضحوا هؤلاء العائلات المستورة .إحدى السيدات لم نستطع أن نسكنها في مدرسة لسبب بسيط جدا وهي أن فيها ثلث فتيات صبايا مجنونات غير مكلفات وفي بعض الأحيان يتعرّين وفي بعض الأحيان يفعلن أشياء غريبة ومؤذية ..وكم من أمثال هؤلاء كشف الظالم سترهن كشف الله ستره ..لا تزيدوها علينا منشان الله

وسواء كنت في الداخل أو الخارج أو في المدينة أو في الر يف أو كنت مع المحاصرين أو خارج الحصار تعمل من أجل فك الحصار عنهم او تدعو لهم بجنح الليل أو كنت خرجت من بلدك تبحث عن الأمان لأسرتك ولقمة العيش لأطفالك وقلبك في بلدك مع أهلك وإخوانك فأنت حر ّوحرّ وحرّ والوطن يحتاجك وينتظرك.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ