ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 23/08/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

رسالة أوباما لنظام الأسد.. المغزى والدلالة

2012-08-22 12:00 AM

الوطن السعودية

تهديدات الرئيس الأميركي للنظام السوري بعمل عسكري إذا استخدم أو قام بتحريك سلاحه الكيماوي، تعكس الضغوط المتزايدة التي تتعرض لها إدارة باراك أوباما للتحرك بشكل جدي لوقف نزيف الدم المستمر منذ أكثر من عام ونصف في سورية. فاللغة التي استخدمها أوباما وإعلانه بأنه "سيغير حساباته" إذا تجاوزت دمشق "الخط الأحمر" ربما تشي بمواقف مستقبلية أكثر تشددا تجاه نظام الأسد في ظل انسداد الأفق لأي حل سياسي.

لم يكن مستغربا أن تسارع روسيا لرفض تصريحات أوباما والدعوة إلى "الالتزام بصرامة بمعايير القانون الدولي والمبادئ الواردة في ميثاق الأمم المتحدة وعدم السماح بانتهاكها"، وكأن موسكو نفسها التزمت بتلك المعايير مع الدعم السياسي والعسكري غير المحدود الذي توفره لحليفتها دمشق، والسلاح الروسي الذي يحصد أرواح مئات المدنيين في سورية كل يوم. ولكنه المعيار المختل الذي تطبقه موسكو فعليا، بل وتدافع عنه باستماتة من خلال استخدام الفيتو ثلاث مرات في مجلس الأمن، الأمر الذي أطال أمد الصراع ورفع من وتيرة أعداد الضحايا والنازحين في داخل سورية وخارجها.

إن الأصوات التي تعالت داخل الكونجرس وفي العديد من مراكز صنع القرار بأميركا وهي تحث إدارة أوباما للتحرك بشكل يتناسب وحجم المآسي التي يتعرض لها السوريون قد بدأت تؤتي أكلها. وبات واضحا أن رأيا جماعيا آخذا في التبلور في مؤسسات المجتمع الأميركي ستتضح معالمه أكثر خلال الأسابيع المقبلة.

رسالة أوباما الأخيرة لنظام الأسد تحمل في طياتها مؤشرات واضحة أن الاستراتيجية الأميركية "البراجماتية" التي ظلت متبعة في التعامل مع الأزمة السورية في طريقها للتغيير مع استفحال الأوضاع الميدانية، واتساع رقعة المعارك، ووصول نيرانها إلى بعض دول الجوار مثل الأردن وتركيا ولبنان.

إن دخول واشنطن بقوة على خط الأزمة سيغير من معادلاتها بشكل كبير لصالح المقاومة التي تقاتل عدوا يسخر إمكانات دولة لقمع الشعب.

=================

رأي الراية ... المطلوب أفعال لا أقوال

الراية

22-8-2012

التصريحات التي أدلى بها نائب رئيس وزراء النظام السوري قدري جميل والتي أعلن فيها أن النظام مستعدٌّ لمناقشة تنحّي بشار الأسد من السلطة في إطار مفاوضات مع المعارضة السورية رغم أنها إيجابية إلا أنها لا تخرج عن نطاق المناورات التي ظلّ النظام يقوم بها من أجل إطالة أمد بقائه في السلطة ولذلك فإن جدّية النظام محلّ شكوك ليس من قبل الشعب السوري فقط بل وحتى من المجتمع الدولي باعتبار أن تصرّفاته على أرض الواقع تفضح نواياه حيث يُناور من أجل البقاء تحت الحماية الروسية والصينية.

فإذا كان النظام جادًّا فيما يقوله فلماذا يُقرن استعداده لبحث قضية تنحّي الأسد بشرط الحوار مع المعارضة وهو يُدرك تمامًا أن تنحّي الأسد ليس شرطًا من المعارضة السورية فقط وإنّما من المجتمع الدولي الذي أكّد في أكثر من مناسبة أهميّة تنحّيه عن الحكم وأنه لا مكان له في سوريا ما بعد الثورة ولذلك فإن قضيّة تنحّي الأسد وذهاب نظامه يجب ألاّ يكون محلّ مساومة وأن النظام يجب أن يُدرك ذلك ويتخلّى عن أي شروط مسبقة، فالمعارضة السورية ممثلة في المجلس الوطني والجيش الحر لن يقبلا أي شروط مسبقة لتنحّي الأسد.

إن القضيّة أصبحت واضحة وإن النظام يُدرك أنه في أيّامه الأخيرة ولن تُجديه الشروط وأن الحراك الدولي قد بدأ بتعيين الأخضر الإبراهيمي مبعوثًا أمميًّا جديدًا إلى سوريا وأن دوره يجب أن ينحصر في بحث ترتيبات انتقال السلطة للمجلس الوطني الذى أعلن رئيسه عبدالباسط سيدا أنهم بصدد إعلان حكومة انتقالية في المنفى وأن أي محاولة من بعض الدول لعرقلة جهود الإبراهيمي ستقود إلى تأزم الأوضاع باعتبار أن الشعب السوري والمجتمع الدولي قد قرّرا مسبقًا عدم بقاء نظام الأسد ولذلك فليس هناك مبرّر أصلاً لفرض شروط مسبقة لأي حوار من قبل النظام الذي يُحاول شراء الوقت من أجل إبادة الشعب السوري. من المهم أن يُدرك النظام والذين يدعمونه أن القضيّة أصبحت قضيّة شعب يُريد أن يعيش حرًّا، وأنه إذا كانت هناك شروط للحوار مع النظام فكان بالضرورة أن تأتي من قبل المجلس الوطني الذى يُمثّل الشعب السوري، لا من النظام الذي نكّل بهذا الشعب ومارس فيه كل أنواع الجرائم اللا إنسانية، فالقضيّة ليست قضيّة تدخّل خارجي في الشأن السوري كما يدّعي النظام وإنما هي قضيّة شعب فشل المجتمع الدولي في حمايته من نظام غاشم جثم على صدره وإن هذا الشعب قال كلمته فيه ولن يقبل بأي شروط مسبقة لتنحّي الأسد لأن هذه المسألة حُسمت وعلى النظام أن يقبل بالواقع قبل أن يُفرض عليه فرضًا.

=================

المواقف الدولية من الأزمة السورية

عمر كوش

المستقبل - الاربعاء 22 آب 2012 - العدد 4436 - رأي و فكر - صفحة 19

مازالت القوى الدولية الداعمة للتغيير في سوريا تتردد حيال الانخراط بقوة في حل الأزمة، وإيجاد حلّ ينهي معاناة الشعب السوري، بالرغم من هول وفداحة ما يحدث في سوريا منذ عام وستة أشهر، من أعمال قتل يومي ومجازر، تهزّ الضمير الإنساني، وتقشعر لها الأبدان.

ولا شك في أن المواقف الإنسانية والأخلاقية لا تحدد مواقف الدول الفاعلة في المجتمع الدولي. والأمر ينطبق على سواها من الدول. ومن نافل القول إن مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية هي الأساس في ذلك، لكن طول أمد الأزمة والمماطلة والاستهتار بدماء الشعب السوري، تجعل المراقب يقع في حيرة من أمره حيال التصريحات التي يدلي بها المسؤولون الأميركيون والغربيون بشكل عام، التي لا تعكس حقيقة مواقفهم على الأرض، فيما تصريحات المسؤولين الروس والإيرانيين، ومن لفّ في فلك مواقفهم، مقرونة بالأفعال، من الإسناد اللامحدود للنظام السوري، وبأشكال مختلفة من الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي والديبلوماسي وغيره.

واتسم التعامل الدولي مع الأزمة السورية بإدخالها في نفق المماحكات الدولية بين محورين دوليين: محور روسيا الاتحادية الصين إيران، والمحور الأميركي البريطاني الفرنسي. وراح ساسة المحورين يكررون فصول لعبة عبثية، يتجدد مشهدها كلما اشتدت مفاعيل الأزمة وإرهاصاتها. وقد شهدنا بعض فصولها منذ أن نقلت الجامعة العربية الملف السوري إلى مجلس الأمن الدولي.

وارتكز تعامل ساسة روسيا الاتحادية مع الوضع في سوريا إلى اعتباره صراعاً دولياً على سوريا، يجب أن يكون لهم دور فاعل فيه، لحسابات مناكفة الغرب وابتزازه، والحفاظ على المصالح والامتيازات الروسية، خاصة العسكرية والاستراتيجية، مع علمهم تماماً أن الصراع أساسه داخلي، وفي صلبه مطالب غالبية شعب يريد الحرية والكرامة، وإشادة دولة مدنية تعددية ديموقراطية. ومن منطلق تأكيد وتقوية الدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط، يتشدد المسؤولون الروس حيال أي حلّ لا يتضمن التمسك ببقاء الرئيس السوري، والتمسك بتفسيرهم المؤامراتي للأزمة. إضافة إلى رفض أي مشروع قرار دولي يدين النظام السوري، ويهدد بالعقوبات تحت الفصل السابع. كما أنهم ينظرون إلى المجلس الوطني السوري، وبعض أطياف المعارضة السورية الأخرى، بوصفها أداوت ضغط للمحور الغربي على النظامين السوري والروسي.

وتثير المواقف الروسية حيال الأزمة السورية العديد من التساؤلات والنقاشات، كونها تبدو معادية للحراك الشعبي، وتدعم النظام بكافة الوسائل. وهي غير مفهومة ومستهجنة من معظم قوى المعارضة، وليست مبنية على أسس منهجية أو وفق ضوابط معينة، وإن كانت محددتها تتمحور حول مصالح الشركات الروسية أكثر من ارتباطها بمصالح روسيا الوطنية البعيدة المدى، إضافة إلى أنها في واقع الأمر تعكس طبيعة وتركيبة النظام الروسي، وهواجسه المعادية والمتوجسة حيال أي حراك شعبي داخلي في الاتحاد الروسي ومحيطه الحيوي، لذلك ينظر الساسة الروس بريبة وتشكك إلى أي حراك مجتمعي في بلدان الأنظمة المتحالفة معهم، ويعتبرونه مجرد أداوت تنفذ مؤامرات أطلسية غربية.

أما موقف الولايات المتحدة الأميركية، ومعها موقف دول الاتحاد الأوروبي، فاتسم بالتردد، وإظهار عدم رغبتها الدخول بقوة على خط البحث عن حل للأزمة السورية، الأمر الذي شجع الروس على اتخاذ مواقفهم المتشددة، بل ظهر أن الغربيين مرتاحون لدور الإعاقة والممانعة الروسية، والسبب هو أن حسابات الدول الغربية، تأخذ في الاعتبار مدى تأثير أي أزمة على أوضاعهم الداخلية، وخاصة حسابات الانتخابات واستطلاعات الرأي وسواها، وتحسب حكوماتها ألف حساب لأمن ومصالح إسرائيل، قبل كل شيء، في منطقة الشرق الأوسط. إضافة إلى أن مصالح الدول الغربية غير مهددة بفعل تأزم الوضع السوري، فلا بترول في سوريا، والضاغط الأخلاقي لا يدفع وحده الساسة الأوروبيين إلى اتخاذ مواقف حازمة وحاسمة، كما فعلوا حيال العراق وأفغانستان ويوغوسلافيا السابقة، لذلك يركزون على الحلّ السياسي، غير المتاح فعلياً، ولا يهمهم كثيراً حجم وهول ما يصيب المحتجين السوريين، وما يقدمونه من شهداء وجرحى ومعتقلين، ولا يكترثون لدمار مناطق سكانهم وتهجيرهم وتشريدهم، داخل سوريا وخارجها، ويعرفون تماماً أن من مصلحة إسرائيل أن تدخل سوريا في نفق مظلم لا نهاية له، وأن تتدمر وتتفكك الدولة، وتصل إلى مرحلة شديدة من الاهتراء والتفكك والتعفن.

غير أن الأهم هو أن الساسة الأوروبيين، الذين لم يحسموا أمرهم بعد، ربما في انتظار شيء ما، وقد أعجبتهم لعبة الرهان على إحراج المحور المقابل، وإمكانية الضغط عليه أخلاقياً، من أجل ليّ ذراع أصحابه، وإرغامهم على تغيير مواقفهم، مع عدم الاكتراث بالوقت الذي تستغرقه الأزمة. لكن المشكلة في المماحكات الدولية بين المحورين، الغربي والروسي، هو أنها لم تسفر سوى عن تعطيل إمكانية التفاهم الدولي والتوصل إلى حلّ سياسي للأزمة، فيما يستمر نزيف الدم السوري.

وبصرف النظر عن طبيعة المواقف والمماحكات الدولية، فإن الثوار السوريين كانوا يدركون منذ البداية أن التكلفة كبيرة والثمن باهظ، ولن يفيد التعويل على الدول الكبرى في إنهاء معاناة السوريين، ولا في تلبية مطالبهم وطموحاتهم في إشادة دولة مدنية تعددية ديموقراطية. ولا شك في أن ثمن الحرية كبير، وأن الخلاص من الاستبداد المستحكم منذ أربعة عقود ليس سهلاً، ويتطلب تضحيات جساما وملاحم بطولية بدأوا يسطرونها منذ أكثر من سبعة عشر شهراً.

=================

سوريا: غدُ هذا كله؟

تهلة الشهال

السفير

22-8-2012

قُتلت في حلب مراسلة يابانية مخضرمة وشهيرة، غطت قبل ذلك حروب أفغانستان والعراق، وانتهت حياتها البارحة في سوريا. قال الناطق باسم الجيش الحر، في معرض تأكيد مقتلها، إنه يأمل أن تتحرك مشاعر الدول الغربية تجاه دماء أبنائهم طالما أن الدماء السورية لم تحركهم. فهل يتعلق الأمر بكمية أو «نوعية» الدماء المراقة في سوريا حتى الآن، ليحدث تطور في المشهد المريع باتجاه اتضاح مخرجه؟ تصريح الرئيس الأميركي الأخير، البارحة أيضاً، لا يوحي بذلك. انشغل أوباما بمصير ترسانة الأسلحة الكيميائية السورية، محذراً من كل تسريب لها إلى غير يد السلطات السورية، قائلا: «سيغير ذلك حساباتي ومعادلتي». يمكن القول إن هذا الانشغال يستشرف مرحلة ما بعد النظام الحالي، لأن هذا الأخير لن يرتكب عملاً من قبيل نقل أسلحة كيميائية إلى سواه طالما هو ممسك بالسلطة. هل نتفاءل إذاً بأن ذلك الغد قد بدأ يلوح؟ تُذَّكِّر هذه الأسئلة بمقدار الاستعصاء الذي يلف الموضوع السوري، حيث ما زال النظام القائم مستعد لارتكاب أي شيء، وكل شيء، دفاعاً عن استمرار سلطته، بمقابل عجز الانتفاضة عن إسقاطه. ما زالت تلك هي المعادلة، بعد سنة ونصف السنة من عمليات عسكرية وأمنية مروِّعة، بدأت بتعذيب وقتل بضعة فتية في درعا «تأديباً» لهم ولأهاليهم ولعموم من تسوّل له نفسه التمرد، ولو بكتابة شعارات على جدران، وانتهت بطائرات «ميغ» تقصف القرى والبلدات والمدن، وتدمرها بشكل تام، بينما «يُكتفى» حتى الآن بقصف المروحيات لأحياء من العاصمة دمشق.

في الأثناء، ما انفك النظام يُنكر الواقع، ويبشر بقرب تطهير البلاد من «العصابات الإجرامية» المتسللة إليها، والتي «غررت» بالسكان. وأنها مسألة أيام و«فلول». وما زال تلفزيون النظام يتصرف وكأن سوريا بألف خير، فيتناول في آخر النشرة الإخبارية سعر صرف الليرة السورية بالمقارنة مع العملات الأجنبية. هذا بعد أن تكون وزيرة السياحة قد صرحت عن ترتيبات تخص هذه أو تلك من المواقع الأثرية، وبعد تحقيق مصور عشية عيد الفطر يظهر شابات أنيقات «يتفتولن» في الأسواق العامرة، بحسب تصريحهن الوادع! وبينما يضاعف النظام من القتل والحرق والاغتصاب والاعتقال، تمر محاولاته الإعلامية بلا أثر، اللهم إلا الفكاهة، وترسل كبريات الصحف العالمية مراسلين يرافقون المقاتلين هنا وهناك لأسابيع، ويجيبون بعد عودتهم على أسئلة القراء كما فعلت «لوموند» مستخدمة إحدى مشاهير الإعلام، فلورانس أوبُناس (التي اختطفت لنصف سنة في العراق العام 2005، حين كانت تعمل مراسلة لصحيفة «ليبراسيون» الفرنسية)، أو ينشرون «بورتريهات» تفصيلية لمجموعة «أسود التوحيد» العاملة في منطقة حلب، ولقائدها عبد الحكيم ياسين، على مدى ست حلقات كبار في «نيويورك تايمز».

ولعل تلك التغطية الإعلامية تعوض بعض العجز الميداني الغربي، الذي وإن سلح جهات في المعارضة، وأمدّها بالمال (العربي)، والتقنيات، والتدريب، والتخطيط والرصد... وما شئتم، ولكنه، وبوضوح، يعلن أن لا تدخل عسكرياً مباشراً، في الوقت الراهن على الأقل، وهو وقت قد يمتد ويطول، بل ويستمر. والإحجام الغربي عن اتباع ما ارتكبه في النماذج العراقية (وهو احتلال شرس، سبقه ورافقه تدمير ممنهج للبلد) أو حتى الليبية، مفهوم، وله أسبابه المعلنة والمشبعة درساً. ولكن المعارضة، أو أغلبها الساحق والأكثر نفوذاً، ورغم إدراكها لذلك الاستعصاء، إلا أنها لا تتوقف عن مطالبة الغرب بالتدخل، محتجة ببحيرة الدم المسفوك والظلم الفظيع اللاحق بالناس... وهي حجة غير فاعلة سياسياً، رغم أهميتها الأخلاقية.

وطالما أننا أمام حرب عالمية بالوكالة، فروسيا، الحامي الدولي للنظام السوري، تسرِّب معلومات متضاربة توحي كل الوقت بمسافة ما عنه، وباستعداد لرؤية ما يلي. وأهم تلك التسريبات على الإطلاق، تلك الخاصة بمصير ماهر الأسد، وهو رجل/مفتاح لجهة قدرات النظام على القمع بل ومجمل مصيره. ولكن التسريبات السياسية الروسية لم تلق آذاناً صاغية، بينما تمتلك موسكو إحدى الإمكانات القليلة لتوفير خروج من المأزق التام القائم. يتطلب الأمر بالطبع الاعتراف بمصالح روسيا في المنطقة وتوفير ضمانات لازدهارها، كما يتطلب الموافقة على ترتيبات «انتقالية» تخص النظام السوري، حفظاً لماء الوجه على الأقل، والأهم من ذلك بكثير، ضبطاً للسياقات السياسية اللاحقة على التغيير الذي يمكن أن يقع. لا تريد واشنطن منح موسكو مثل هذا الامتياز، وتفضِّل انتظار لحظة امتداد يد النظام للأسلحة الكيمائية لتعلن أن الخط الأحمر قد مُس، ولتتخذ تدابير من «نوع آخر»، غير الإدانة السياسية للنظام والدعم اللوجستي للمعارضة. وهذه مهلة طويلة.

وتعتمد المعارضة، أو بعضها، المنحى الغربي نفسه، وإن بمسميات وتعابير أخرى. هناك من يقاتل على الأرض ويعتبر أن المعركة ستحسم عسكرياً، مُقراً في الوقت نفسه بكلفتها الهائلة، حيث يجري تدمير البلد بالمعنى الحرفي للكلمة. لا يتورع النظام عن استخدام الطائرات الحربية لقصف الأحياء السكنية، ولا تتورع الفصائل المسلحة عن الاحتماء بالمدنيين. ولا تمثل تلك الملاحظة نية للمساواة بين الطرفين، ولكنها تشي بِعظَم المأزق وبامتداده جغرافياً وزمنياً. يقول بعض المعارضة إنها بصدد تشكيل حكومة بديلة عن النظام، وهي لن تكون في المنفى بل، وكما صرح منذ أيام السيد هيثم المالح، ستعود مباشرة بعد إعلانها إلى كل البلاد (فرضية السقوط الوشيك للنظام)، أو بعضها (فرضية قسمة البلد بين مناطق «محررة» وأخرى ينبغي تحريرها، أي مشروع حرب لا نهاية منظورة لها).

وفي أثناء استقرار سياق الحرب التدميرية المديدة هذا، يرتفع منسوب الاستقطاب المذهبي إلى أعلى درجاته، ويصبح الكلام عن «السنة» و«الشيعة» و«العلويين» و«الأقليات» و«المسيحيين»... هو الطاغي، ليس في سوريا نفسها فحسب، بل في المنطقة برمتها، وفي كل بلد من بلدانها. وهو تفكيك وتفتيت لا يقلان خطراً عن ذاك الذي يتهدد الأرض، لا سيما حين يتبعهما وجود عملي لميليشيات تعمل بمقتضى الشيء وتكفِّر الجهة المقابلة، ما يعني شرعية استئصالها. ذاك هو فشل التغيير وقواه، وإن كانت المسؤولية عنه تقع بالدرجة الأولى على عاتق النظام القديم الذي لا يتورع عن توظيف أي شيء حماية لاستمراره. هو فشل موضوعي، وبغض النظر عن النقاش حول نصيب كل طرف من تلك المسئولية، وعن الإمكانات والخيارات المفوَّتة. وهو يطرح سؤال المسلك الذي يُفترض بقوى التغيير أن تسلكه، متجنبة في آن الموقف المترفع والنخبوي/الثقافوي الذي لا يريد التلوث، وموقف الالتحاق بالواقع كما يقدم نفسه بحجج تبدأ من عند أن التاريخ يفرض نفسه، وأن الـ«لو» والـ«إذا» لا وجود لهما في مساره، وتمر بفكرة المرحلية («لننه النظام اليوم، وسنرى بعد انتهاء المهمة الملحة»)، لتنتهي بفكرة ساذجة تتكلم على أن شرط القدرة على التأثير في هذا المجرى هو الانخراط فيه! لا حلول مقترحة ها هنا ولا نية بالنصائح، ولكنه تعيينٌ للمأزق لعله يفيد في شيء... محاولة ممن لا يتلقون القنابل على رؤوسهم لرسم المشهد، كخطوة أولى (ربما) للوقوع على بصيص نور، على مخرج يمكن اشتقاقه لإنهاء النظام القائم من دون تدمير البلد فوق ما دُمِّر وتمزيقه، أو لتلافي أن يكون النظام التالي بسوء سابقه. ومن يُنكر هذه الهموم، يتساوى مع إنكار أهل النظام القائم لشرعية الانتفاض عليهم، ولضرورة زوالهم!

 

=================

أية عدالة انتقالية بعد التغيير في سوريا؟

د.عبدالله تركماني ()

المستقبل - الاربعاء 22 آب 2012 - العدد 4436 - رأي و فكر - صفحة 19

تحديات كثيرة ستواجه سوريا في المرحلة الانتقالية من الاستبداد إلى الديمقراطية، ومنها "العدالة الانتقالية"، التي تعترضها - بداية - تحديات تتمثل بكيفية محاسبة رجالات سلطة الأمر الواقع المندثرة، خاصة أولئك الذين لوثوا أياديهم بدماء الشعب السوري وأفسدوا بالمال العام، وكذلك ردُّ الحقوق إلى أصحابها. وأكثر ما يهدد هذه العدالة هو العمى الأيديولوجي لدى بعضهم والتعصب الفئوي لدى بعضهم الآخر، اللذين ينذران بنشوء بؤر متفجرة للنزاعات الطائفية أو المذهبية أو القومية، ما يفسح في المجال أمام تصاعد العنف وإسقاط مشروع الانتقال الديمقراطي برمته في أتون الفوضى والصراع الأهلي.

وفي سياق المرحلة الانتقالية ستشغلنا أسئلة كثيرة وحاسمة في سوريا، من أهمها: ما نوعية الجرائم والانتهاكات التي يجب المساءلة عليها؟ ثم ما مستويات المسؤولية؟ وما نوعية المسؤولية، هل هي جنائية أم مدنية؟ وما الفترات الزمنية التي تحتاجها عملية المساءلة والمحاسبة؟

إذ أنّ انتهاكات حقوق الإنسان كثيرة ومتنوعة، وقد امتدت لفترة زمنية طويلة بلغت أكثر من أربعة عقود، إضافة إلى الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها قوات آل الأسد وشبيحتهم طوال ثمانية عشر شهراً منذ بداية الثورة السورية، الأمر الذي قد يجعل مسألة البحث في السبل السليمة للتعامل مع إرث الماضي مطلوباً، بل هو حاجة ماسّة، خصوصاً وقد أصبح مطروحاً على بساط البحث، سواء من قبل الضحايا أو من مكوّنات المجتمع المدني، والأحزاب والقوى السياسية.

إنّ هدف ومنهجية مؤسسات العدالة الانتقالية في سوريا المستقبل هو السعي إلى بلوغ العدالة، أثناء مرحلة الانتقال السياسي من الشمولية إلى الديمقراطية، ومعالجة إرث انتهاكات حقوق الإنسان، ومساعدة الشعب السوري على الانتقال بشكل مباشر وسلمي وغير عنيف. وذلك من خلال توخّي القضاء هدفاً مزدوجاً: المحاسبة على جرائم الماضي، ومنع الجرائم الجديدة من الوقوع، وفق استراتيجية تعتمد إعادة بناء وطن للمستقبل يتسع لجميع مكوّنات الشعب السوري، قوامه احترام حقوق الإنسان والآليات الديمقراطية وسيادة القانون. ومن هنا تأتي أهمية بناء مؤسسات العدالة الانتقالية لمعالجة كل مخلفات الماضي، باعتبارها إحدى الوصفات العلاجية لكيفية التعامل مع مخلفات السلطة المستبدة.

وهكذا فإنّ أهم ما يواجه عملية التحول الديمقراطي في سوريا هو ضرورة إجراء حوار وطني شامل حول كيفية التعامل مع الماضي في إطار العدالة الانتقالية، بما يؤدي إلى رفع الوعي القانوني وتعزيز الثقافة الحقوقية بأهمية التعامل - إنسانياً وقانونياً - مع الماضي بطريقة تجنّب المجتمع السوري ردود الفعل بالانتقام أو الثأر أو الكيدية أو تغذّي عوامل الكراهية والحقد والضغينة.

وإذا كان دور مؤسسات المجتمع المدني مهماً فإنّ أهميتها تزداد في الفترة الانتقالية، لما لها من خبرة ودراية غير حكومية، خصوصاً بمتابعة مجريات الأحداث والانتهاكات، كما يمكن الاستفادة من خبرات دولية في هذا المجال، وذلك بغية اختزال الزمن والوصول إلى هدف المساءلة وهو العدالة. ولكي يتم تسهيل مهمات المحاسبة يمكن تشكيل هيئة عليا للحقيقة لكشف الانتهاكات في الماضي وخلال الثورة، بحيث تضم ممثلين عن جميع القطاعات والحقول القضائية والقانونية والإعلامية والأكاديمية والأمنية والعسكرية والصحية والنفسية، إضافة إلى المجتمع المدني، ويكون لهذه الهيئة شخصية اعتبارية ومعنوية وضمان استقلالها المالي والإداري، ويتم ذلك قانوناً بحيث تحال إليها جميع الملفات، ذات العلاقة بالمجازر واجتياح المدن وقصفها بالصواريخ والاغتيالات أو التعذيب أو السجن أو جرائم الفساد أو غيرها.

إنّ المصالحة الوطنية لا تعني النسيان وإنما إلغاء الثأر والانتقام عبر اللجوء إلى القضاء، وذلك يعني أنه لا بد من أن يقبل كل السوريين، من يشعر أنه كان ضحية للنظام ومن يخاف أن يكون أحد ضحايا التغيير، بأنّ سوريا المستقبل قادرة على حمايتهم جميعاً وأن تؤمّن لهم مستقبلاً أفضل. وهنا لا بد من التشديد على مبدأ ربح الجميع، بمعنى أنّ المسؤولين الحاليين الذين سيصبحون سابقين، ممن لم تتلوث أياديهم بدماء الشعب السوري وبالفساد العام، يتوجب عليهم إدراك أنّ تفاوضهم بشأن التحول الديمقراطي هو ضمانة لعدم تعرضهم للعنف في المستقبل. كما أنّ على الضحايا السوريين أن يدركوا أنّ مستقبل سوريا يتعلق بمدى قدرتهم على تجاوز الماضي من أجل الشراكة في سوريا المستقبل، وهذا لن يتم بالطبع إلا عبر المفاوضات المشتركة من أجل وضع خريطة طريق للانتقال الديمقراطي.

وتتنوع أشكال هذه العدالة بحسب الخلفيات التي تحددها والأهداف المتوخاة منها أيضاً، وعادة ما تتركز آلياتها في إحداث لجان لتقصي الحقائق بصدد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وكشفها بتفصيل أمام الرأي العام، أو من خلال المقاربة القضائية ومحاكمة الجناة أمام القضاء المحلي أو الدولي، أو عبر تقديم تعويضات مادية (أموال وخدمات اجتماعية وتربوية ونفسية وصحية..) ومعنوية (تقديم اعتذار رسمي للضحايا وحفظ الذاكرة..) وجبر الضرر للضحايا عما لحق بهم من مآسٍ ومعاناة، أو بإعمال إصلاحات مؤسساتية تسمح بتعزيز دولة المؤسسات، وترسيخ سيادة القانون وتجاوز سلبيات الماضي وإكراهاته، وتدبير التنوع المجتمعي بمختلف مظاهره القومية والدينية والثقافية، بصورة ديمقراطية على أساس العدالة والمساواة والحرية، أو بالسعي لتحقيق مصالحة بين مختلف الفرقاء السياسيين، علاوة على إقامة النصب والمتاحف لحفظ الذاكرة، بالإضافة إلى منع المتورطين في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من تولّي مناصب حكومية أو ذات طابع سلطوي داخل مؤسسات الدولة.

ومن المؤكد أنّ الثورة السورية لن تقف عند حدود تغيير بنية الدولة الأمنية، وإنما ستمتد وظيفتها للحديث عن توحيد المجتمع السوري المتنوع في إطار دولة المواطنة الحقة، فكل النشطاء ومن كل المكونات الوطنية والشرائح المجتمعية يلتفون حول هدف واحد هو الحفاظ والارتقاء بمكانة الدولة السورية وتطويره بمحض إرادتهم وبقناعة أنّ مصلحة تفعيل المواطنية إنما هي مصلحة خاصة قبل أن تكون عامة.

() كاتب وباحث سوري مقيم في تونس

=================

ويخلق من الشبه «البعثي» اثنين

سوريا على النار «العراقية»

عبد الحسين شعبان

السفير

22-8-2012

هل يتكرر السيناريو العراقي في سوريا، أم ثمة سيناريوهات أخرى لا تقل خطورة عن السيناريو العراقي؟

فعلى الرغم من التباين والاختلاف بين البلدين وخصوصية تطورهما وخصائص شعبيهما، الاّ أن هناك الكثير من المشتركات بينهما، فسوريا مثل العراق حكمها حزب البعث « القائد» بموجب «الدستور»، مثلما حكم شقه الثاني العراق، وسوريا مثل العراق خسرت حلفاءها الإقليميين الواحد بعد الآخر، وهو ما حصل للعراق أيضاً. وسوريا مثل العراق فقدت حلفاءها الداخليين ويعاني نظامها مثل النظام العراقي السابق من العزلة، كما بدأت بعض قواه تتسرب بهدوء أو بضجة.

وسوريا مثل العراق خسرت حلفاء دوليين، لكن بعض التغييرات التي شهدها المسرح الدولي ألقت بثقل روسي وإلى حد ما صيني في مجلس الأمن وخارجه، في محاولة للتخفيف من عبء الضغوط التي تتعرض لها سوريا وتريد الإطاحة بنظامها السياسي.

واستندت سوريا، مثل العراق، على جهاز مخابرات ضارب بدأ يفقد الكثير من قدراته، وهو ما حدث للعراق في سنواته الأخيرة، وسوريا كانت مثل العراق تمتلك صداقات في أوساط المثقفين والإعلاميين، بدأت تخسرهم بصمت أو بإعلان، بل إن بعضهم بالغ في إظهار العداء لتوجهاتها، لا سيما وقد استشعر سرعة العدّ العكسي التنازلي، وإنْ بقي بعضهم يدافع، وربما يستمر حتى الرمق الأخير عنها، مثلما دافع عن العراق، بحجة مقبولة مثل الموقف ضد الحصار وضد العدوان والتدخل الخارجي، أو بحجة مبطّنة أو متواطئة للدفاع عن نظام الاستبداد والدكتاتورية.

والمعارضة في سوريا منقسمة، مثل المعارضة العراقية، في الموقف من الحصار والتدخل الخارجي ونظام العقوبات الدولية. وسوريا مثل العراق تعاني من مشكلات أساسية مثل المشكلة الكردية التي احتدمت مؤخراً في سوريا، حيث كان نحو 300 ألف مواطن كردي سوري بلا جنسية وأخذت تتبلور فكرة «الحكم الذاتي» لدى بعض الأوساط السياسية والثقافية الكردية، كتعبير عن سوريا الجديدة الديموقراطية، والتي ينبغي لها الاعتراف بالحقوق السياسية والثقافية والقومية للكرد.

وسوريا مثل العراق تعاني من إشكاليات طائفية، بسبب « أقلوية» سياسية انعكست على فريق الحكم مذهبياً، حيث يستأثر عدد منهم بقيادات الدولة العليا ويتصرّف بعضهم بطريقة استعلائية إزاء الآخرين، مثلما كان يتصرّف بعض شخصيات الحكم في العراق المتحدرّين من مناطق معينة بطريقة فوقية، لا سيما وقد اتخذت المسألة بُعداً أكثر سفوراً بعد حملات التهجير العراقية في العام 1980 وعشية الحرب العراقية ـ الإيرانية، التي شملت بعض الشيعة والكرد الفيلية بحجة التبعية الإيرانية.

وسوريا مثل العراق يتحدّر فريقها الحاكم من قرداحة في حين يتحدّر فريق الحكم الحاكم في العراق قبل الاحتلال من تكريت، وسوريا مثل العراق شهدت استهدافاً للمسيحيين، وهو ما انعكس في العراق خلال الحصار والحرب، وتعاظم على نحو مريع بعد الاحتلال، وكان هو الأخطر، وهو ما برز في سوريا خلال احتدام الصراع، ولا سيما المسلّح بين المعارضة والحكومة.

وسوريا مثل العراق كانت أقرب إلى دولة مدنية وكانت المرأة تتمتع ببعض الحقوق، لا سيما في جوانبها الاجتماعية والثقافية، ولعل هذه الحقوق قد تتعرّض للتهديد فيما إذا انتصر النموذج الإسلامي مثل العراق، حتى وإنْ كان بواجهات سياسية وبمشاركات شكلية لتعددية أقرب إلى المحاصصة السياسية، لكن الجو الديني والتزمّت الاجتماعي أصبحا سائدين.

سوريا مثل العراق بدأت الدولة تفقد سلطانها وسيطرتها ونفوذها تدريجياً على مناطق من البلاد، وأخذت المجاميع المسلّحة تهاجم مواقع عديدة للدولة ومرافقها الحيوية وهياكلها الارتكازية.

سوريا مثل العراق أزمتها عربية، حيث بدأت الدول العربية بمحاصرتها وإصدار قرارات من جامعة الدول العربية، هذه المرّة وتخويل للأمم المتحدة ومبعوثها كوفي أنان، وتصرّفت سوريا مثل العراق في إطار ردود فعل، ومن دون حساب موازين القوى.

سوريا مثل العراق تتعرض لحصار دولي جائر وقرارات دولية مجحفة ستزيد من معاناة السكان المدنيين ومن تفكك النسيج المجتمعي السوري ومن مضاعفة التدخل الأجنبي، لا سيما إيجاد مرتكزات داخلية له. ولعل نظام العقوبات سيسهم بشكل سريع وحاسم مثل العراق في تهيئة مستلزمات الانهيار، حيث يمكن أن تسقط سوريا مثل التفاحة الناضجة بالأحضان، بالتدخل الخارجي أو حتى بدونه، وقد يطول الأمر وقد يقصر، لكن قطار العقوبات الدولية طالما أصبح على السكّة، فإنه لن يتوقف إلاّ في المحطة السورية بعد الإطاحة بالنظام.

وسوريا مثل العراق عدو لإسرائيل، والأخيرة لن تدّخر وسعاً لحل الجيش السوري مثلما حصل للجيش العراقي، وهو الهدف الأكثر خطورة. وسوريا مثل العراق ستخسر الكثير من علمائها وأكاديمييها مثلما خسرت في العقود الثلاثة ونيّف الماضية، وستضيع وتتبدد الكثير من الطاقات، ذلك أن إعادة البناء بعد الهدم والتفكيك، ستكون طويلة وقاسية.

القيادة السورية مثل القيادة العراقية رفضت جميع النصائح بحل سياسي وقبول انتقال سلس للسلطة نحو الديموقراطية والتغيير الديموقراطي، ولعلّ نتيجة هذا الرفض ستكون مكلفة على الجميع بما فيه النظام السوري وأركانه، وكان يمكن قبول حل سياسي منذ بدايات الأزمة بتشكيل حكومة ائتلاف وطني ثلثها من المعارضة وثلثها الآخر من حزب البعث وثلثها الأخير من المستقلين والتكنوقراط، وبقيادة المعارضة، وهناك وجوه بارزة تم ترشيحها لإدارة دفة السلطة خلال الفترة الانتقالية في إطار التنوّع والتعددية ومشاركة غالبية القوى المعارضة وتحديد فترة 6 أشهر أو 9 أشهر لإجراء انتخابات حرّة نزيهة بإشراف دولي وإجراء تعديلات دستورية وإلغاء قوانين ذات عقوبات غليظة أو مقيّدة للحريات، وسنّ أخرى بما يكفل إنسيابية التغيير والتواصل بدلاً من القطيعة، ودرء الخطر الخارجي بالتدخل أو التسرّب سياسياً وعسكرياً.

لكن القيادة السورية لم توافق على حلول من هذا القبيل، ولم تتوقف عمليات الملاحقة والقمع والإرهاب للحركة السلمية والمدنية الاحتجاجية الواسعة، التي لجأ بعض أطرافها لاحقاً وبعد مرور بضعة أشهر إلى السلاح، وهو ما لقي تشجيعاً رسمياً عربياً وإقليمياً ودولياً، سواءً من قطر أو المملكة العربية السعودية أو من تركيا أو الاتحاد الأوروبي وبموافقات ضمنية أميركية، معلنة أو مستترة.

وسوريا مثل العراق يمكن أن تذهب ضحية «فرق عملة»، كما يقال، بسبب تصريحات لمسؤولين رسميين، لعلهم بلا مسؤولية، عندما يتحدثون عن وجود أسلحة كيمياوية، وذهب خيال الإسرائيليين إلى احتمال تسليمها إلى حزب الله «الإرهابي» من وجهة نظرهم والذي يمكن أن يستخدمها ضد إسرائيل، الأمر الذي قد يعطي مبرراً لتشديد الحصار على سوريا، بل وحتى ضربها في إطار استهداف عسكري يطال سوريا ولبنان في الآن.

الولايات المتحدة تريد التعامل مع سوريا مثل العراق، أي خارج مجلس الأمن وذلك في مسعى لإدامة الصراع الداخلي ليتحوّل إلى حرب أهلية، أو ربما باتخاذ خطوة لاحقة بالتدخل العسكري (لم يحن وقتها) كما حصل بالنسبة للعراق، فعندما لم تستطع واشنطن الحصول على قرار جديد بعد القرار 1441 عشية الحرب على العراق، لجأت ومن دون تفويض إلى شنّ الحرب عبر تحالف خارج الأمم المتحدة.

وسوريا مثل العراق لم تستطع المبادرات المطروحة عليها إخراجها من النفق، لا سيما لجهد متوازن، حيث أصبحت العودة إلى منطق الحوار تعبيراً عن التمسك بالهوية الوطنية والحل الداخلي مستعصية، كما أن استمرار الحال على ما هي عليه قد يطول وقد يفرض نوعاً من الملاذ الآمن save haven أو الحظر الجوي No Fly zone كما حصل للعراق، وهذا سيعني التفتيت والتشظي، وكلّما طال الأمد كلما زادت معاناة الناس وهمومهم.

بقي أمر أساسي تختلف به سوريا عن العراق، وهو أن لها تحالفاً متيناً مع «حزب الله» اللبناني الذي يحظى بصدقية عالية، لا سيما في مقاومته للمشروع الصهيوني وتصدّيه للعدوان الإسرائيلي، وهو حليف قوي وأساسي لإيران في المنطقة، مثلما هو النظام السوري، وإنْ كان ذلك عنصر قوة لاستمرار الوضع، كما هو الموقف الروسي، الاّ أنه عنصر ضعف في الوقت نفسه، فالأزمة الداخلية تتفاقم وأعمال العنف تتسع، والفوضى تنتشر، واحتمالات التفتيت والتشظي تلوح في الأفق، بل تدّق على الأبواب، والعودة إلى الوراء غير ممكنة، بل مستحيلة.

هل أصبح اقتفاء أثر السناريو العراقي «حتمياً» أم ثمة احتمال آخر؟ فإن لم يتم قبول مبادرة وحيدة لإنقاذ ما تبقى من سوريا، وهي الانتقال السلس والسلمي للسلطة، ووضع حد لعهود الاستئثار والدكتاتورية، وتحديد فترة انتقالية وإجراء انتخابات حرّة في إطار التعددية فإن سوريا ستزداد لظىً على النار «العراقية».

 

باحث ومفكر عربي

=================

أيها الأخضر الإبرهيمي

راجح الخوري

2012-08-22

النهار

تقول إنك "عانيت كثيراً قبل تولي المهمة" ولكن كم ستعاني الآن بعدما قبلت بان تتولاها في ما يشبه تحدي الذات إذ ليس خافياً عليك وانت الديبلوماسي المخضرم، ان ما تواجهه في سوريا هو مهمة مستحيلة لا تشبه عملك السابق لا في لبنان ولا في افغانستان او المهمات الاخرى التي قمت بها.

ليست المسألة مسألة خبرة او لباقة، لو كان الامر كذلك لما انتهى سلفك كوفي أنان الى الافلاس بعدما تحولت مهمته مجرد غطاء معيب لسقوط أكثر من خمسة آلاف قتيل إضافي في سوريا، فاذا كنت تعرف فعلاً كما تقول: "ان الوضع في سوريا رهيب ومرعب للغاية" ولهذا لم يكن في وسعك ان ترفض المهمة، فإن عليك الآن ان تعرف سريعاً كيف تنجزها او تخرج منها فلقد اشترى أسلافك كثيراً من الوقت المستقطع لمزيد من القتل في سوريا الغارقة في حمامات الدم منذ 18 شهراً!

من المؤكد ان لا عمل لك الآن في دمشق، وخصوصاً اذا كان مطلوباً وقف الحرب الاهلية كما تقول. هذا يفترض ان يقودك الى العواصم التي رعت النزاع الى درجة تحوله حرباً أهلية باتت الآن ساحة لتقاطع الحسابات الاقليمية والدولية، ولهذا ليس مفيداً ان تبدأ من عند نبيل العربي المتكئ مع الجامعة على أكتاف الامم المتحدة حيث حواجز "الفيتو" الروسي - الصيني.

واذا كنت ستطلب الكثير من الاشياء من الامم المتحدة لأنك تدرك ان المشكلة في مجلس الامن وتريد دعماً يساعدك في مهمتك، فأنت مضطر ان تبدأ مع سياسات من موسكو وسياساتها الخشبية التي أوصلت الأمور الى ما هي عليه، ثم عليك ان تنتقل الى ايران المنهمكة في مراقبة ما يسمّيه محسن رضائي "الشوط الاخير من المباراة" الدموية مع اميركا في سوريا وهنا الطامة الكبرى!

كان أنان "المبعوث الخاص المشترك" وأنت اخترت ان تكون "الممثل الخاص المشترك"، وصدّقني لا معنى للتغيير في التسميات فالأهم ان أنان فشل في وقف النار ولم يتوصل الى "الانتقال السياسي" وعليك أنت ترتيب تفاهم دولي على الانتقال السياسي وهو أمر مستحيل بعدما صارت سوريا قالباً من الجبنة تحيط به قطط كبيرة. لا تصدق البيانات المجمعة على الترحيب بمهمتك. فالروس سيأخذونك حيث يريدون وكذلك الايرانيون، لكن الارض الملتهبة هي التي ستقرر في النهاية. فالدولة تتآكل والنظام يتفتت وأخشى ما أخشاه أيها الأخضر الإبرهيمي ان تصبح مجرد ديوجين يحمل الفانوس باحثاً عن حقيقة تحترق مثل المنازل والأحياء. فلقد سبقك ضجيج الدم وتأخرت كثيراً بينما الانحياز الروسي الأحمق والتغاضي الأميركي المجرم يهدمان سوريا!

=================

1 - هل العرب جاهزون لقيادة أميركية من الخلف؟

سركيس نعوم

2012-08-22

النهار

 الاسبوع الماضي تناول "الموقف هذا النهار" الدور الذي يجب أن تقوم به الولايات المتحدة في الأزمة السورية. ونقل رأي باحث كبير في "مجلس العلاقات الخارجية" مفاده أن موقف بلاده من الأزمة السورية وتحديداً دعوتها الى تنحي الأسد وقيام نظام ديموقراطي جديد في محله نهائي. لكن دورها في تحقيق ذلك يجب أن يكون ادارة التغيير من الخلف، أي بدفع الدول العربية الداعمة الثورة السورية بقوة الى مساعدتها بكل ما تستطيع من خبرة وتوجهات ومعلومات. كما يجب أن يكون مدّ الثوار بكل ما يحتاجون اليه من وسائل غير قتالية تساعدهم على الصمود ولاحقاً على الانتصار. اما الدول العربية وغير العربية التي اعتبر الباحث المذكور أن عليها واجب الدعم المباشر للثوار وبكل الوسائل فذكر منها السعودية وقطر وتركيا والأردن.

لكن السؤال الذي أثاره الرأي الاميركي هذا هو: هل تستطيع الدول المذكورة القيام بما يطلبه منها الباحث الاميركي، وخصوصاً اذا تحول سياسة رسمية تعتمدها ادارة اوباما، وتستمر في اعتمادها اذا وافق الشعب الاميركي على ولاية رئاسية ثانية له؟

متابعو أوضاع هذه الدول، من عرب وأجانب، يشكّكون في قدرتها على القيام بالمطلوب منها باستثناء دولة قطر. فهي دولة صغيرة مساحة وسكاناً. ولذلك فانها لا تستطيع التدخل بجيشها لمؤازرة الثوار السوريين. علماً أنها اشتركت، وإن رمزياً، بعدد قليل من الطائرات الحربية في دعم الثوار الذين كانوا يقاتلون الزعيم الليبي (الراحل) معمر القذافي. لكنها قامت بما تسمح لها به امكاناتها المادية والاعلامية لمساعدة الثوار، اذ وفّرت لهم، ولا تزال، المال الذي به يشترون الاسلحة، وأمّنت لهم التغطية الاعلامية الواسعة عبر فضائيتها "الجزيرة". كما انها استعملت علاقاتها السياسية الجيدة مع السعودية ومجلس التعاون الخليجي، كما مع اميركا واوروبا بغية تعبئة العالم ضد نظام الاسد ودفعه الى الانخراط، كلٌ بحسب قدرته، في مساعدة الثائرين عليه.

أما الدول الأخرى فانها لا تبدو قادرة على القيام بالدور الريادي وخصوصا الذي منه عسكري، الذي يفترض ان يحل مكان دور اميركي مباشر لا يبدو انه سيُنفذ لأن فكرة عدم التورط المباشر في نزاع اهلي مسلح داخل سوريا او غيرها او في عمل عسكري كبير خارج بلادها لا تزال تلقى رواجاً في اميركا. علماً ان هذا الرواج قد يخف قليلاً اذا سقط باراك اوباما في الانتخابات الرئاسية، وفاز فيها منافسه الجمهوري ميت رومني الشاهر سيف الحر ب على الأسد و"حزب الله" وايران الاسلامية، كرمى لعيون اسرائيل في الدرجة الأولى ولحلفاء أميركا من العرب في الدرجة الثانية. فالأردن مثلاً عبّر قبل نشوب الثورة السورية عن خوفه من قيام هلال شيعي يضم لبنان "حزب الله" وسوريا الأسد وربما فلسطين "حماس" و"الجهاد" وتقوده ايران الاسلامية. وهو لم ينزعج من ثورة الغالبية السورية، وكان سبّاقاً بين الزعماء العرب في الدعوة الى تنحي الرئيس بشار الاسد. فضلاً عن انه استقبل نازحين سوريين هاربين من الحرب واقام لهم مخيمات. كما أوفد للثوار مساعدات جدّية عبر الحدود. لكنه رغم ذلك ورغم امتلاكه جيشاً قوياً يجد نفسه في مأزق. فهو من جهة لا يريد حرباً مع جيش الاسد الذي يستطيع ان يمد القتال ليشمل معظم اراضي ما يعتبره "سوريا الكبرى". ولذلك أقام المخيمات بعيداً من الحدود. وهو من جهة اخرى يعاني متاعب داخلية كثيرة، بل وضعاً شعبياً تتصاعد نقمته عليه. ومن يقود الناقمين ونسبتهم كبيرة من شعب الاردن، هم الاسلاميون الذين قد يمكّنهم نجاح "إخوانهم" في تونس وفي مصر قبل اشهر وربما لاحقاً نجاح "إخوانهم" السوريين، من تهديد النظام الاردني على نحو بالغ الجدية. اذ لا يعود المطلوب ملكية دستورية بل تغييراً كاملاً للنظام، وخصوصاً اذا نجح الاسلاميون في ازالة، أو على الأقل في الحد من الحساسية بين الشرق اردنيين والاردنيين من أصل فلسطيني وذلك باختراقهم كل اطياف المجتمع الاردني. وهو اختراق بدأ يتحقق. طبعاً لا يعيش الاردن حالة جزع من تهديد الخارج الشقيق لأنه خط احمر اميركي واستطراداً اسرائيلي ولاعتبارات استراتيجية اميركية. لكن ماذا سيفعل راسمو الخط الاحمر هذا ازاء عدم الاستقرار في الداخل الاردني اذا حصل، واذا تصاعد، واذا تحول تحركات شعبية متنوعة ويومية مطالبة بالتغيير؟

ماذا في تركيا والسعودية؟ هل تستطيعان القيام بالدور المباشر لاسقاط الاسد تحت قيادة اميركية من الخلف؟

=================

  نحو طرد سفير الأسد من عمان .. بل باسمنا * محمد حسن التل

الدستور

22-8-2012

رغم كلّ ما يحدث على أرض سوريا منذ عام ونصف، من جرائم وقتل وحرق وتدمير، وتشريد وذبح واستهتار بكل معاني الحياة، لايزال هناك بيننا من يسمح لضميره وعقله، أن يبرر الجرائم التي ترتكب بحق سورية، شعباً وأرضاً من قبل النظام هناك.

ربما كان البعض في بداية الثورة السورية يعطي عذراً لهؤلاء، إذ ربما لم تكن الصورة لديهم بهذا الشكل الواضح، من بشاعة العدوان والهمجية ضد شعب أعزل، ذنبه أنه خرج ليطالب بالحرية والانعتاق، من ظلم استمر نصف قرن قهراً وذلاً، هؤلاء الذين لايزالون بين ظهرانينا ويقفون مع النظام السوري، قلنا ذات مرة أنهم ينقسمون إلى فئتين: الأولى وهي قليلة ومحصورة، ويرتكز موقفها مع النظام السوري إلى قاعدة فكرية، على اعتبار أن هذا النظام امتداد لفكرة البعث، وهم يرون أن سقوط النظام في دمشق يعني سقوط فكرة البعث، والفئة الثانية وهي الأكبر والأوسع، والتي ترتبط بمصالح مع النظام السوري، حتى لا نقول ترتبط وظيفياً معه، هؤلاء هم الذين يملؤون سماءنا جعجعة ، وهم الذين يدافعون عن جرائم النظام السوري بكل صفاقة، حتى وصل بهم الأمر إلى اتهام أبناء سوريا، الذين خرجوا عن بكرة أبيهم بمواجهة القتل والدمار والذل، بأنهم خونة وعملاء للصهاينة، وهم يتآمرون لإسقاط ما يسمونه نظام المقاومة والممانعة في دمشق!!.

هل كان الطفل بلال اللبابيدي، الذي لحقه رصاص الموت إلى الحدود الأردنية، يحمل مؤامرة لإسقاط نظام سوريا؟؟!! هل النساء اللواتي يخرجنَ من بيوتهنَّ هائمات على وجوههنّ، هنّ وأطفالهنّ في الصحراء للبحث عن ملاذ آمن، على الأرض الأردنية خلف الحدود، يحملنَ في صدورهنّ صواريخ ومؤامرات على النظام في دمشق؟! لقد وصل الأمر بهؤلاء بمطالبة الأردن بإغلاق حدوده، بوجه الأشقاء السوريين القادمين إلينا فراراً من الموت، الذي أطلق النظام في دمشق عقاله على أرض الشام بكل وحشيّة وهمجيّة، ويُنصّب هؤلاء من أنفسهم أوصياء على شرف الأمة، حسب مقاييسهم ومصالحهم الصغيرة، ويوزّعون التُّهم جزافاً في كل الاتجاهات، ويدّعون أنّ البديل في سوريا عن نظام الأسد دماء وتقسيم، وكأنهم يقصدون«كمن فر من تحت المطر إلى المزراب»، يعني إما القبول بنظام الديكتاتور، أو الادعاء بأن سوريا ستُقسَّم ما بعد الأسد وستغرق في الفوضى، ولكن هؤلاء نسوا أو تناسوا عظمة الشعب السوري، ووحدته الأبدية التي يحاول الآن النظام اختراقها، ولكن دون جدوى.

لقد كانت آخر تجاوزات هؤلاء إصدارهم بياناً ركيكاً، هاجموا من خلاله الأردن لموقفه من اللاجئين السوريين، واتهموه بأنه جزء مما يسمونه مؤامرة كونية على النظام في دمشق، وطالبوا أصحاب الضمائر بالتدخل لردع الأردن الرسمي عن مواقفه!!!!

هنا أتوقف عند مفهوم (الضمير)، الذي تحدث عنه أصحاب البيان الذي كان عنوانه (ليس باسمنا).... عن أي ضمير تتحدثون؟! أين ضمائركم تجاه أطفال سوريا، الذين يذبحون بدم بارد، ونسائها وشيوخها وزهرة شبابها، وأرض سوريا التي تحترق منذ عام ونصف، كيف صوّغت لكم ضمائركم تبرير هذه الجرائم، حتى تكونوا بهذه الفجاجة في الدفاع عن جريمة سيتحدث عنها التاريخ طويلاً، واصفاً للأجيال همجية القتل والذبح في سوريا، من قبل نظام كان أول واجباته حمايتهم، وصون كرامتهم وحفظ دمائهم...

إنّ الأمة كلها ومعها أحرار العالم، مطالبة اليوم بالوقوف إلى جانب الشعب السوري المنكوب، والذي كانت نكبته للأسف على يد نظامه، وإنقاذه من بحر الدم الذي أُغرق به ظلماً وبهتاناً، أمام نظر العالم وسمعه. علينا منذ الآن إسكات كل صاحب صوت نشاز لا ضمير لصاحبه، يدافع ويبرر الجرائم التي ترتكب على أرض سوريا، من درعا إلى حلب، ونتوجه إلى أصحاب البيان الأخير الذي جاء تحت عنوان (ليس باسمنا)، لنقول لهم: بل باسمنا، وكل ما يقدم للشعب السوري الشقيق، من مساعدة وإسناد من قبل الأردن، هو باسم الشعب الأردني قاطبة، من الطرة إلى الدرة، كفاكم مكابرة فارغة، أزيلوا الغشاوة عن عيونكم، وحرّروا ضمائركم وأنفسكم ومواقفكم، من الأدوار الوظيفية المرتبطة بالنظام في دمشق.

وإننا اليوم نطالب الحكومة بطرد سفير نظام الأسد من عمان، وإغلاق سفارته، لكسره القواعد البروتوكولية، ورفضه تسلم مذكرة الاحتجاج الأردنية من قبل وزارة الخارجية، بعد سقوط القذائف من خلف الحدود على قرية الطرة، وجرح عدد من الأطفال، وترويع السكان هناك، كما نطالب بسحب سفيرنا من دمشق حتى تتحرر، وعلينا تجاوز فكرة مصلحة الأردن بوجود سفير له في دمشق في هذه الظروف.

لقد أثبت النظام هناك أنه لا يراعي مصلحة أحد حتى شعبه، علينا أن نكون أكثر تشدداً إزاء هذا النظام الذي طغت على تصرفاته العنجهية، التي أودت بسوريا إلى المهالك، ولايزال يدير الأمور بطريقة لا تخدم مصلحة أحد فيما يحدث على أرض سوريا.

سوريا وشعبها اليوم على طريق الحرية، وإن كان هذا الطريق يعبّد بالشهداء والتضحيات، لكنه في النهاية سيصل بسالكيه إلى الهدف المنشود، وسيعيد الشام إلى أهلها وإلى أمّتها، وسينكسر القيد عن معاصم الأحرار، وستصدع مآذن جوامع الشام بتكبيرات الحرية، وستقرع كنائسها بمعزوفة النصر، مهما اشتدت المحنة؛ فالله تعالى يقف دائماً إلى جانب الحق لأنه الحق، وينصر طلابه.

إنني اليوم أعيد السؤال ذاته من جديد، ترى هل بات هناك أي فرق، بين ما يعانيه الفلسطينيون من اليهود، وبين ما يعانيه السوريون من نظام الأسد؟! أم أن الأمر تجاوز ما يفعله النظام في دمشق على أرض سوريا، ما تفعله الصهيونية على أرض فلسطين؟! سؤال برسم الإجابة لدى أصحاب (الضمائر الحيّة) الذين يدافعون عن الجرائم في الشّام؟!!.

التاريخ : 22-08-2012

=================

الأردن والمجهول السوري !

الرأي الاردنية

 الاربعاء 22 أغسطس 2012

د. عبد الحميد مسلم المجالي

معظم التوقعات حول ما ستؤول اليه الازمة السورية ، يقع في خانة التنجيم السياسي بعد ان وصلت هذه الازمة الى متاهات ومجاهل محيرة . فما يجري في سوريا لايستند تفسيره فقط الى حقيقة ان هناك شعبا يطلب الحرية ويدفع ثمنا فادحا من اجلها ، وان هناك نظاما يمتنع بالقوة الغاشمة عن التخلي عن نهج الاستبداد واحتكار السلطة . بل افصح الصراع منذ البداية عن تعقيدات تداخلت فيها تراكمات الارث السياسي والطائفي والعائلي في الشرق العربي، مع المصالح الاقليميه والدولية .

وفقا لطبيعة الصراع ومجرياته حتى الان ، فانه ليس صحيحا ان الثورة في سوريا ستنتصر على الاقل في المدى المنظور ، كما انه ليس صحيحا الاستناد الى مقولة ان النظام على وشك تحقيق النصر بعد كل الذي جرى في المجتمع والدولة وفي النظام نفسه . فمجريات الصراع حولت الازمة السورية الى احجية يصعب العثور على حل لها ، او التثبت من دلالات بين تفاصيلها لاختراق الظلال التي تحتجز وراءها صورة المستقبل .

 التطورات الاخيرة لاتعطي توضيحات جديدة . فالمنشقون الكبار لم يكونوا اصلا جزءا من حلقة القرار ، بل كانوا قطعا من ديكور للتغطية على الحقيقة الفئوية للنظام . ورغم هذا الغموض المحير وغياب الوقائع الدالة على المستقبل ، فان هناك من يحث الاردن على اتخاذ موقف حاسم الى جانب احد طرفي النزاع . اي بمعنى اخر ان ينخرط الاردن في حالة الاستقطاب الناشئة عن هذه الازمة المربكة ، بدعوى المحافظة على مصالحه ، اذا انتصر طرف على اخر . وقد تكون هذه الدعوى محقة ، لو كانت المعطيات تشير بوضوح كامل ، الى انتصار طرف ما . غير ان قراءة ما يجري تلقي ظلالا من الشك والحيرة على من سيكون المنتصر او المهزوم ، بحيث تصبح الدعوة لاتخاذ موقف اردني حاسم ، مجرد دعوة للدخول في نفق مجهول المنافذ والنهايات .

 لاينطوي هذا القول على مبالغات غير واقعية ومعزولة عمّا يفكر به الاخرون . فاستعراض مواقف الدول المعنية بالازمة يعطي بعضا مما يشير الى ذلك . فتركيا لاتزال تقدم رجلا وتؤخر اخرى ، ولبنان والعراق ينآيان بنفسيهما في العلن عن اتخاذ موقف حاسم ، واسرائيل تتخذ الموقف ذاته ايضا . وحتى امريكا والدول الغربية تتستر على غموض مواقفها . ايران وحزب الله وروسيا والسعودية وقطر ، هي وحدها التي قررت حسم مواقفها . وكل جهة من هؤلاء لديها من الموانع ما يكفيها اتقاء الضرر الناشئ عن اي نتائج سلبية للازمة . فهل لدى الاردن هذه الموانع بظروفه الموضوعية المعروفة ؟ . سلوك حلفاء الاسد ، يشير الى انهم مستعدون للدخول في حرب اقليمية للمحافظة على ما يسمونه بالضلع الرئيسي لمحور المقاومة . وهو احتمال ليس بعيدا في معركة يعتبرونها معركة حياة او موت .كما ان الازمة تقترب ان لم تكن دخلت في سيناريوهات حرب لترسيم حدود دويلات طائفية وعرقية بامتدادات اقليمية . كل ذلك يشكل مجهولا سوريا مرعبا ، لايجوز للاردن ان ينخرط فيه دون يقين . فالازمة لاتزال تخفي في بواطنها الكثير . وما يحدث مجرد مقدمات ، والمصلحة والحكمة تقتضيان انتظار ما وراءها .

=================

تداعيات الأزمة السورية

الرأي الاردنية

 الاربعاء 22 أغسطس 2012

د. محمد القضاة

تأخذ الأزمة السورية أبعادا ومفارقات وتداعيات غير مسبوقة على شتى الصعد الداخلية والاقليمية والدولية، ومن يتابع عمر الأزمة وما يجري على الارض يدرك ان أطرافا دولية ترغب وباصرار تدمير بنية الدولة السورية ونشر الفوضى والقتل المجاني دون أن يرف لها جفن، والخاسر الوحيد الشعب السوري ودولته، فضلا عن دول المنطقة، ومن يقرأ هذه التداعيات؛ البدايات والمآلات يعرف انّ الغرب لم يعد معنيا بأكثر من إدامة الأزمة وإطالة عمر آلة القتل الهمجية، وأنّ الدول العربية تبدو مشلولة، خاصةً مع تداعيات النظام العربي بعد ما بات يعرف بالربيع العربي الذي أصبح عبئا لا حرية ولا ديمقراطية؟! ولذلك  علينا أن نأخذ التحذّيرات التي أطلقها الملك عبدالله قبل يومين عن تداعيات ما يجري في سوريا وانعكاساتها على أمن واستقرار المنطقة بأسرها بمنتهى الجدية للحفاظ على وحدة سوريا واستقلالها وتماسك شعبها، والحفاظ على بلدنا ووحدتنا الوطنية.

    الأزمة السورية أمام أسئلة كثيرة بلا إجابات تدير شعر الرأس، فهل تملك الأزمة السورية وآلة القتل اليومية ترف الوقت الدولي سواء في مجلس الأمن أو الجمعية العامة أو ما كان يعرف بتجمع أصدقاء سورية؟ فأين هي المواقف الحقيقية التي تنهي هذا الصراع؟ وأين المواقف التركية النارية في بداية الأزمة, لماذا تتبخر المواقف الدولية إلى لا شيء؟ أين المواقف الغربية التي تترنم على وقع مذابح الشعب السوري والقتل المريع الذي يواجهه السوريون يوميا في كل انحاء سورية؟ اين مجلس الأمن الدولي الذي شكل خلية أزمة حين كان العراق هو لب المشكلة وكان يصدر كل يوم قرارته؟ إنه النفط ! كما نفط ليبيا الذي حرّك لعاب الغرب! وكل هذه الدماء لا تساوي برميل نفط عندهم؟! وأين الولايات المتحدة بأوزانها الاقتصادية والسياسية والعسكرية من الازمة السورية، أين الغرب المتباكي على دماء السوريين؟ وأين الموقف العربي الموحد من مواقف الصين وروسيا؟ خاصة أنّ العالم العربي هو السوق الاقتصادي الكبير للصين ومنتجاتها، لماذا تغيب المواقف العربية الجدية عن الأزمة السورية؟ من يتحمل فاتورة الدم السوري خاصة انّ الأعداد بازدياد مضطرد؟ من يعيد لللسوريين بيوتهم وحياتهم واستقرارهم؟ من ينقذ الشعب السوري من آلة القتل بدباباتها وطائراتها وقنابلها الفراغية؟ لا أحد يهتم بالمذبح السوري؛ لأنه مصلحة اسرائيلية بامتياز، كما كانت العراق ولبنان، وكل هذا يتم بصمت عربيّ ورغبة غربية وقرارات دولية بلا طعم، والدم السوري لن يكون هو الأخير؛ لأن تداعياته بدت في لبنان، والأزمة مرشحة للتمدد افقيا وعاموديا، والمواقف الدولية تنطلق في حقدها من مثلنا العربي» فخار يكسر بعضه»، ولذلك لم يعد يهمها عديد القتلى ولا عديد النازحين ولا صور الدمار ولا حتى شيء اسمه الشعب السوري.

  شاهدنا القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن والجمعية العامة وجامعة الدول العربية، وكلها لا تتجاوز الألفاظ المنمقة والأحزان المفتعلة، والأحــــداث على الأرض في تزايد مستمر والقتل لا يترك بشرا ولا حجرا، وروسيا وايران وحزب الله جميعهم يشارك في ادامة الأزمة كلُّ بطريقته، ولا نسمع من الطرف الآخر غير التحذير من الحرب الأهلية التي هي الحقيقة الماثلة امام العيان حيث بدت تأكل الاخضر واليابس في جميع انحاء سورية، وتزداد دموية وتزداد معها اعداد القتلى والجرحى والمهجّرين والمعاناة وينتشر معها الخراب ويعم الدمار كل مكان، فماذا بعد كل هذا الصمت الدولي والعربي؟ فماذا فعل عنان حتى ينجح الابراهيمي بعد كل هذه المواقف الدولية الباهتة التي لا تغني ولا تسمن من جوع؟ والمؤسف أنّ كثيرين يتحدثون عن اهمية وضرورة البحث عن حل سياسي للازمة كمخرج وحيد من هذا المأزق الدموي المدمر، ولكن لا أحد ممن بيدهم الحل مستعدا لذلك، فهل الهدف استمرار  الدمار والقتل والحرب الاهلية؟! نعم نحن أمام تداعيات مفصلية في الأزمة السورية تجعلنا نفكر جديا وبحذر شديد لكيفية التعامل مع هذه الأزمة لتجاوز تداعياتها المريعة علينا وعلى جبهتنا الداخلية؛ خاصةً أن معظم المواقف الدولية غير جادة في ايقاف نزيف الدم السوري الذي غدت رائحته في كل مكان.

=================

يا ثوار سورية... حذار!

محمد كريشان

2012-08-21

القدس العربي 

كل الذين وقفوا مع الثورة السورية منذ انطلاقها قبل عام ونصف باتوا هذه الأيام يشعرون بضيق وكرب شديدين من الأخبار الواردة عن بعض الممارسات التي ترتكبها فئة من المقاتلين ضد النظام أو المحسوبين عليهم أو المتحركين باسمهم. أفظعها جرى مؤخرا ويجري في حلب، منها ما تجاوز الانتقام من شبيحة النظام والموالين له، وهو أمر يمكن فهمه لا تبريره، إلى ما هو أسوأ بكثير ويتمثل في عمليات سلب وسرقة ونهب مخجلة لمدنيين لا حول لهم ولا قوة.

شهادات كثيرة ينقلها ثقاة، لم يصل أغلبها إلى وسائل الإعلام، جعلت أحد رواتها من المطلعين على كثير من التفاصيل الميدانية اليومية في طول البــــــــلاد وعرضها يقول لي بمرارة لا حدود لها، وهو الذي وقف مع الثورة منذ يومها الأول وعارض النظام البعثي لعقود بأن 'لا شيء يحمينا من تلك الممارسات سوى فضحها على رؤوس الأشهاد. هذا الكلام جاء تعقيبا على ما تعرضت الصحافية اللبنانية عليا إبراهيم من هجوم شخصي ظالم لأنها نقلت بعض تجاوزات الثوار رغم أن هذه الصحافية اللبنانية من قناة 'العربية' لم تفعل إلا واجبها المهني في تغطية الأحداث وهي التي قال عنها حازم الأمين في 'الحياة' بأنها 'كانت منحازة في تغطيتها إلى الثورة من موقع تسجيل مرارات الناس هناك، مع إفراد حيز صغير لمراقبة الثورة. وهي بذلك تُقدم خدمة مضاعفة من خلال سعيها أولاً إلى فضح ممارسات النظام، وثانياً إلى حماية الثورة من نفسها'. ويعقب محدثي على كل ذلك فيقول بأنها ' إذا كانت هذه الصحافية تعرف شيئا عما يجري على الأرض فأنا أعرف أشياء تفوق ماتعرفه هي بأضعاف وهذا ما يثقل كاهلي أكثر وأكثر'... لكنه وغيره يخشى للأسف الشديد من أن يجـير ما يقوله لصالح نظام موغل في دم الأبرياء.

الحقيقة أن المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان كانت هي السباقة في كشف بعض هذه التجاوزات ولكن الأمر لم يأخذ حقه إعلاميا لأن فظاعات النظام كانت أكبر بكثير. منظمة العفو الدولية مثلا لم تغفل هذا الشهر على الإشارة إلى أنه ' في الوقت الذي تستمر فيه قوات الأمن السورية في ارتكاب معظم الجرائم هناك، غير أنه ثمة ارتفاع في وتيرة انتهاكات خطيرة أخرى بما في ذلك جرائم حرب يقوم بارتكابها عناصر جماعات المعارضة المسلحة، بما فيها عناصر الجيش السوري الحر، وخصوصاً في محافظة حلب'.

مع ذلك، الوقت لم يتأخرا كثيرا جدا ليقول أحباء الثورة السورية الذين ساندوها منذ اليوم الأول ضد نظام قمعي استبدادي تدثــّـر بالممانعة وتاجر بالمقاومة ورضي بذل احتلال أرضه لكنه اعتبر مطالبة شعبه بحقوقه تطاولا يستحق العقاب والتنكيل، هؤلاء الذين يقدرون عاليا ما قام به هؤلاء الشجعان قتاليا وإنسانيا في كثير من مناطق البلاد ونريد الآن حمايتهم من أنفسهم ،، على هؤلاء أن يقولوا لثوار سورية الذين لجأوا إلى السلاح اضطرارا بأن السلاح الذي لا رسالة له ولا أخلاق يجعل من حامله قاطع طريق وليس ثائرا . هذه الممارسات الظالمة، التي يرتكبها قلة منهم أو كثرة لا أحد يعلم بدقة، يجب أن تتوقف فورا لأنها تسلب المنتفضين على النظام أي تفوق أخلاقي عليه. التمادي في ظلم المدنيين العزل والاعتداء على ممتلكاتهم وكراماتهم تجعل الشعب السوري البطل ضحية النظام وضحية من ثاروا عليه وهذه قمة المأساة.

على القيادات السياسية والميدانية للثورة السورية أن تتداعى سريعا جدا لبحث هذا الأمر والقضاء عليه والابتعاد عن أي منطق تبريري له. ما يجري لا يمكن إلا أن يخدم نظام دمشق كما لم يخدمه شيء آخر. لا بد من قطع دابر هذا الانحراف ومحاسبة المتسببين فيه والمشجعين عليه. إنه أخطر تشويه تتعرض له الثورة وإذا ما استمر أو استفحل فقد ينقلب المزاج الوطني وربما حتى العربي والدولي لأن ثورة يفعل أبناؤها ما يفعلون ليست جديرة أبدا، أخلاقيا قبل أي شيء آخر، أن تكون بديلا للنظام الحالي... حتى وإن حملت مجموعاتها أسماء دينية رنـّانة أو كان مقاتلوها من الملتحين.

=================

تنحي الاسد على طاولة الحوار

رأي القدس

2012-08-21

القدس العربي 

فاجأ السيد قدري جميل نائب رئيس الوزراء السوري جميع المراقبين عندما اعلن امس عن استعداد حكومته لمناقشة استقالة الرئيس بشار الاسد في اطار مفاوضات مع المعارضة.

مصدر المفاجأة يأتي من حيث انها المرة الاولى التي يتلفظ فيها مسؤول سوري كبير بكلمة 'استقالة' في ما يتعلق الامر بمستقبل الرئيس السوري، فقد جرت العادة ان يصر اعضاء الدائرة المقربة من القيادة السورية على ان مسألة تنحي الرئيس بشار غير مطروحة مطلقا على جدول اعمال اي مفاوضات مع المعارضة السورية.

وما يعطي اهمية اكبر لتصريحات السيد جميل انه ادلى بها في مؤتمر صحافي عقده في موسكو بعد محادثات اجراها مع سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي، والشخص الذي يعتقد الكثيرون انه المسؤول عن الملف السوري في الحكومة الروسية.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة على ضوء هذه التصريحات المفاجئة يتعلق فيما اذا كانت السلطات السورية جادة فعلا في هذا الطرح غير المسبوق، ام انه عبارة عن مناورة لكسب المزيد من الوقت، والظهور بمظهر المرن امام الرأي العام العالمي؟

ما يجعلنا نرجح الاحتمال الاول، اي جدية طرح النظام السوري لمناقشة كل القضايا بما فيها تلك المحظورة سابقا مثل تنحي الرئيس، عدة امور نوجزها في النقاط التالية:

' اولا: مسارعة السيد عبد الباسط سيدا رئيس المجلس الوطني السوري المعارض الى الاعلان، وبعد لقاء مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في قصر الاليزيه، الى الاعلان عن جهود حثيثة لتشكيل حكومة انتقالية في سورية. ومثل هذا الاعلان ما كان يصدر لولا الحصول على معلومات من الجانب الفرنسي تفيد بوجود تحرك جدي للوصول الى حل سياسي في سورية.

' ثانيا: النظام السوري بدأ يدرك ان الحلول الامنية لم تعد قادرة على حسم الاوضاع على الارض، مثلما بدأت المعارضة تدرك في الوقت نفسه انها غير قادرة على الاطاحة بالنظام بالوسائل العسكرية، وفي ظل هذا الجمود باتت هناك قناعة تتبلور، وبدعم من دول اقليمية ودولية بضرورة البدء في حوار بين طرفي المعادلة السورية.

' ثالثا: تزايد نفوذ الجماعات الاسلامية الجهادية المتشددة داخل سورية، الامر الذي يزيد من قلق اطراف سورية معارضة اولا وقوى غربية، خاصة الولايات المتحدة الامريكية.

' رابعا: تصريحات الرئيس باراك اوباما المفاجئة التي هدد فيها بالتدخل عسكريا في سورية في حال لجوء النظام الى استخدام ترسانة من الاسلحة الكيماوية. فمثل هذه التهديدات لا يمكن ان تأتي من فراغ، وان كان البعض وصفها بانها جزء من حملته الانتخابية.

' خامسا: التسريع بتتويج السيد الاخضر الابراهيمي مبعوثا للجامعة العربية والامم المتحدة خلفا لكوفي عنان، وتصريحاته التي ادلى بها واثارت ضجة كبيرة عندما قال 'ان تنحي الرئيس الاسد مسألة سابقة لاوانها'.

من جميع ما تقدم يمكن الوصول الى نتيجة مفادها ان الظروف باتت مهيأة اكثر من اي وقت مضى للبحث عن مخارج سياسية للازمة السورية تضع حدا لسفك الدماء والحرب الدموية التي تعيشها البلاد وما تخلفه من دمار بشري وعمراني معا.

الاشارات القادمة من اوساط النظام السوري وينقلها بعض الدبلوماسيين الروس على وجه الخصوص تفيد بان الرئيس الاسد يريد اكمال ولايته الرئاسية الحالية التي تنتهي في العام 2014، وبما يؤدي الى انسحاب مشرف من السلطة، فهل بلور الروس مبادرة تحقق هذا المطلب، توضع على طاولة الحوار بين الحكومة والمعارضة؟

المأمول ان يكون الجانبان، السلطة والمعارضة، والدول الاقليمية والدولية الداعمة لهما، قد توصلا الى قناعة راسخة بانه لا بديل عن الحوار انقاذا لسورية من الدمار والتفتيت على اسس عرقية وطائفية، والتوصل الى صيغة انتقالية ترضي جميع الاطراف.

سورية الدولة تنهار وتتآكل، والشعب السوري دفع حتى الآن اكثر من 25 الفا من خيرة ابنائه، ولا بد من طوق نجاة لتقليص الخسائر او بالاحرى الكوارث اذا لم يتأت منعها، وهذه مسؤولية النظام قبل المعارضة.

=================

الطائرة الفرنسية التي هبطت في دمشق

الأربعاء ٢٢ أغسطس ٢٠١٢

رندة تقي الدين

الحياة

هل يتصور احد أن طائرة «الخطوط الجوية الفرنسية» التي تنقل الركاب يومياً من باريس إلى بيروت حطت ليلة الخميس الماضي في مطار دمشق بدلاً من بيروت لأن إدارة الطائرة في فرنسا اعتبرت أن الهبوط في مطار بيروت حيث قطعت عائلة المقداد طريق المطار غير آمن لركابها؟ لدى وصول الطائرة فوق بيروت وكان على متنها السفير الفرنسي في لبنان باتريس باولي الذي قطع إجازته ليواكب وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في زيارته إلى لبنان، تلقى قائد الطائرة أمراً من إدارته أن الهبوط في مطار بيروت غير آمن وعليه أن يستمر في الرحلة مباشرة للهبوط في مطار عمان. إلا أن قائد الطائرة بعد وصوله فوق بيروت لم يكن لديه الوقود الكافي ليستمر في رحلته إلى عمان. فجاء القرار بالهبوط في مطار دمشق اضطرارياً. ولدى وصول الطائرة إلى مطار دمشق حطت في منطقة معزولة منه وطلب من الركاب أن يغلقوا ستائر نوافذهم في الطائرة. وعندما أراد قائد الطائرة شراء ما يكفي من وقود طلبت منه سلطات مطار دمشق دفع كلفة الوقود نقداً ولم يكن لديه النقد الكافي لدفعها فطلب من بعض الركاب المساهمة ثم عادت الشركة ودفعت المبلغ المطلوب وانتهت الرحلة بخير إذ إن الطائرة ذهبت إلى لارنكا وحطت في المطار القبرصي وأمضى الركاب ليلة في قبرص وانتقلوا إلى بيروت في اليوم التالي.

إن الأسئلة التي وجهت إلى الركاب على متن هذه الطائرة تظهر أن طاقم الطائرة كان متعاوناً جداً مع الركاب الذين تميزوا بهدوء أعصاب رغم القلق إزاء هبوط طائرة فرنسية في مطار دمشق وفرنسا الآن على عداوة عميقة مع نظام بشار الأسد. والمطار أيضاً في عاصمة بلد يشهد قتالاً عنيفاً من النظام إزاء شعبه. فاللغز هو حول من هو الذكي والمحترف في إدارة «الخطوط الجوية الفرنسية» في باريس الذي رسم لقائد الطائرة خريطة هذه الرحلة ومنعه من الهبوط في بيروت مع أن كل طائرات العالم كانت تهبط في بيروت تلك الليلة. إن قائد الطائرة ابلغ السفير الفرنسي الذي كان على متنها إن إدارة شركته أبلغته بالذهاب إلى عمان ولكن لم يكن لديه ما يكفي من الوقود لذلك فاضطر إلى الهبوط في دمشق. إلا أن الغريب أن إدارته لم تنصحه بالهبوط في لارنكا الأقرب من عمان. وكيف أن طائرة متوجهة إلى منطقة ساخنة مثل لبنان وسورية تقتصد في حمل الوقود الذي قد تحتاج إليه إذا اضطرت للقيام برحلة أطول. ولنفترض انه لسبب تقني تعذر على قائد الطائرة أن يهبط في مطار بيروت واضطر للاستمرار في الطيران فوقها فماذا يفعل؟ أما بالنسبة إلى موضوع الأمن فهل تصورت إدارة الشركة انه لو قامت السلطات السورية باحتجاز شخصية لبنانية معارضة للنظام وملاحقة منه لو صدف وجودها على متن الطائرة فماذا كان سيحدث؟

مما لا شك فيه أن قرار إدارة طيران «الخطوط الجوية الفرنسية» بالهبوط في دمشق والذي لم يأت من قائد الطائرة، حسب معلومات «الحياة» بل من إدارته في باريس كان قراراً غير مسؤول وناتجاً من جهل وإهمال واضح. وينبغي على الشركة أن تعاقب المسؤول عن هذا القرار الخطير الذي كاد لولا الحظ أن يودي بحياة ركاب الطائرة بسبب جهل الأوضاع في المنطقة. كما ينبغي أيضاً أن تراجع الشركة مسألة توفير الوقود لسلامة الطائرات المتجهة إلى منطقة توتر. أما بالنسبة إلى بيان الشركة بعد الرحلة حول مساهمة الركاب في دفع الوقود فهو بيان سيء لا يعكس خطورة ما حدث.

إن القضية الأساسية ليست دفع الركاب ثمن الوقود بل هو وضع حياة الركاب في خطر بسبب قرار جاهل لأوضاع المنطقة. فلنتصور مثلاً لو كانت شخصية سورية من المعارضة على متن الطائرة أو مسؤول لبناني مهدد من النظام السوري فكيف كانت ستكون نهاية الرحلة؟ إن معاقبة المسؤولين عن هذا القرار ضرورية من شركة طيران عالمية لها سمعة جيدة والناس يحبون عادة السفر على متنها. ولا شك في أن هذه الحادثة كادت تتحول إلى كارثة لولا الحظ.

 

=================

تفاهم دولي على «اللاتفاهم» حيال الأزمة السورية

غازي دحمان *

الأربعاء ٢٢ أغسطس ٢٠١٢

الحياة

لم يعد الموقف الدولي تجاه الأزمة السورية يحمل في طياته إحتياطاً كبيراً، ليس على صعيد التفسيرات المتعلقة بتوضيح المواقف، بل أيضاً في ما يخص الخيارات التي ما زال الفاعلون الدوليون قادرين على ترجمتها وإنجازها على أرض الواقع. لقد بددت الأزمة، بطول عمرها وحدة تفجرها، كل الإحتياطي الإستراتيجي، النظري والإجرائي، من التصورات والأفكار وأنماط الحلول والقدرة على فرضها، أو حتى مجرد التفكير في مقاربتها.

لكن ثمة معطيات جديدة، يمكن وصفها بالإختراقات، ولدتها حالة تزاوج العجز الدولي مع فوضى الأزمة، لتضع مولوداً جديداً في عالم العلاقات الدولية إسمه «تفاهم على اللاتفاهم»، يمكن تحليل مضمونه على شكل القاعدة النظرية التالية: بما أن القوى الدولية الفاعلة غير مستعدة أو غير قادرة أو راغبة في الإشتباك حول قضية صراعية معينة، فإنه يصار إلى تعطيل الميزة الأهم للحالة موضع الصراع ونزع المكون الجاذب للتنافس فيها، وبذلك لا يخسر اي طرف نتيجة ربح الآخر، ولا الآخر يربح نتيجة خسارة الأول، ويتطلب تفعيل عمل هذه القاعدة تثبيت حالة التعطيل المشار إليها وتزويدها بما يلزمها من ميكانيزمات التشغيل والإستدامة.

في التطبيق العملي على الحالة السورية، يتضح أن هذا البلد، ورغم شراسة الجدال الدائر حوله، إلا أنه أخذ، لحظة بعد أخرى، يخسر صفته كموقع إستراتيجي طالما سعت الأطراف الإقليمية والدولية إلى كسب المعركة فيه، أو أقله تحقيق قدر من النفوذ يمكنها من التحكم والقدرة على ضبط التفاعلات الجيوسياسية، في مقلب إستراتيجي يمتد على رقعة واسعة في منطقة ذات حساسية خاصة.

تخسر سورية هذه المكانة، ولم يعد مهماً البحث في مسببات هذه الواقعة وظروفها، غير أن الواضح أن طبيعة الصراع على هذا البلد لم تكن تقبل القسمة على أكثر من طرف. هو نوع من الصراع الذي تصفه نظريات العلاقات الدولية بـ «الصراع الصفري»، بمعنى إما أن تكون سورية والمنطقة المحيطة بها لطرف معين، أو لا تكون، وهو ما يعكس متغيراً مهماً في طبيعة الصراع الدولي في القرن الواحد والعشرين.

أما لماذا تراجعت قيمة سورية الإستراتيجية، فذلك ما يحتاج إلى شرح وتوضيح. صحيح أن الميزان الإستراتيجي العالمي لم تحصل فيه متغيرات قيمية ومكانية ذات طبيعة مهمة، وهو الأمر الذي يحدث غالباً في أعقاب متغيرات سياسية وإقتصادية وإجتماعية لها صفة الشمولية والثورية، أو ثورات على صعيد الإكتشافات والكشوفات، التي ينتج منها فقدان مناطق ومقالب جغرافية ميزتها الإستراتيجية، فما زالت عناصر الإقتصاد والسياسة الدولية في المنطقة هي ذاتها، وتتمثل بتحقيق أوسع نفوذ ممكن في مناطق الثروات وتأمين طرق إمدادها، والحفاظ على أمن وسلامة إسرائيل، وهي قضايا باتت من كلاسيكيات السياسة الدولية وبديهياتها في المنطقة، وقد تم تحريكها من وصفها ضرورة في القرن العشرين إلى اعتبارها بديهية في القرن الواحد والعشرين.

الواقع أن سورية فقدت قيمتها الإستراتيجية بسبب تحولها إلى بيئة غير أمنة، لا اليوم ولا غداً، إذ تدرك القوى الدولية المؤثرة مدى تدمير السلطة الحاكمة للنظام الإجتماعي وإصرارها على توسيع الجرح الذي إلتهب وتعفن لدرجة بات قابلاً، بل وقادراً، على القضاء على الجسم الوطني السوري الذي صار، بحكم الواقع، مفتتاً ومقسماً، حتى تبدو إمكانية إصلاحه أمراً مستحيلاً في ظل ظهور بوادر حرب أهلية قد تدوم لعقود مقبلة.

لقد توضحت هذه الصورة بشكل كبير في الشهرين الأخيرين عبر اعتماد قوات السلطة على القتل الممنهج والمنظم لكل أبناء المناطق التي تجتاحها وتتعامل معها بإعتبارها مناطق عدوة، مما بدا معه أن النظام يقطع مع هذه البيئات بشكل نهائي، والأكثر من ذلك إتباعه إستراتيجية خطيرة تقضي بإنهاك هذه البيئات، وبخاصة في حلب ودمشق وحمص وحماة وإدلب ودير الزور ودرعا، وإقامة خط نار على مدى هذا القوس يؤمن له عملية إنفكاك عن الدولة السورية والتراجع إلى حدود دولته القادمة.

في مقابل سلوك النظام، تتفلت البيئة الإجتماعية المقابلة وتتسرب، بعضها باتجاه التطرف، وبعضها باتجاه البحث عن أي مخرج ومصير لزيادة نسبة الخطر ودرجته والبحث عن إمكانية تأمين حق الحياة تحت أي ظرف كان، فأمام كل هذا العبث التدميري لا يمكن المراهنة على التعقل والمنطق.

وفي ظل حالة التعفن هذه تتراجع الإستراتجية الدولية، بسلوك إنتهازي مكشوف، إلى مرحلة إدارة الخطر الحاصل في سورية، وربما البحث عن فرص في هذا النمط من إدارة الأزمات، وتتمثل الخطوط الأساسية في هذه الإدارة في حصر آثار النزاع في داخل الحيز السوري، ومنع تمددها إلى خطوط معينة، وهي الخطوط التي تحد مواقع إنتاج النفط وطرق تصديره وإسرائيل.

ولا شك أن هذه المرحلة ستشهد تحولات مستقبلية على مستوى عملياتها، وذلك من خلال محاولة تحويل الخطر نفسه إلى فرص إستراتيجية مثمرة، ربما تناسب إستراتيجيات بيع الأسلحة الأميركية في المنطقة، أو تقوية الإختراق الإيراني للبؤر الشيعية، وكذلك تقوية النفوذ الروسي في مناطق القوقاز وآسيا الوسطى.

خسرت سورية مكانتها كفرصة إستراتيجية في المنطقة. لم تجد القوى الكبرى وسيلة معينة لحماية هذه الوضعية. تصارعت بطريقة اللعب على حافة الهاوية، فإنزلقت سورية من بين يديها، ومن المؤكد أنها لن تستطيع إدارة الخطر بسبب افرازات هذه الحالة المعقدة التي لن تستطيع الإستراتيجيات الإنتهازية ضبطها.

لكن يبقى السؤال الذي يلهث بحثاً عن إجابة، في ظل حالة التقهقر الإستراتيجي، ومحاولة القوى الفاعلة تعويض ذلك باللجوء المكثف إلى الحقل التكتيكي، الذي يبرر التراجع ويسوغ التقاعس ويرش على الموت سكراً: هل ستقف سورية عند حد خمس دويلات في زمن الترف الإستعماري، وكم سيموت على ضفاف تلك الحدود وتخومها، ثم أية بلاد أخرى قد تصيبها حالة العجز عن التفاهم ويجري تفعيل مكونات التعطيل فيها تمهيداً لشطبها؟

=================

مؤشرات دالّة في الأزمة السورية

خالد غزال *

الأربعاء ٢٢ أغسطس ٢٠١٢

الحياة

تتصاعد الأزمة السورية وتتوسع الحرب الأهلية فيها وتذهب بســـورية الى دمار بشرها وحجرها، وشلل في حياتها العامة واقتصـــادها، وتنـــتقل الازمة بوتيرة متسارعة الى لبنان. كثيرة هي المؤشرات الدالة على هذا الانهيار.

المؤشر الأول هو حجم الانشقاقات السياسية التي كسر فيها مسؤولون جدار الخوف وأعلنوا انفصالهم عن النظام. شمل ذلك قيادات على مستوى رئيس الوزراء وديبلوماسيين، مع العلم ان كثيرين ينتظرون الظرف المناسب للخروج. الى جانب السياسيين، تُسجل يومياً انشقاقات على المستوى العسكري، بخروج قيادات عليا ولجوئها الى تركيا او الاردن. ما تعنيه هذه الانشقاقات هو حصول تداعيات فعلية في بنى النظام، وبداية فعلية لفك التماسك الداخلي حول السلطة المركزية.

المؤشر الثاني يتصل بتقلص هيمنة النظام على مساحات واسعة من الجغرافيا السورية، بحيث باتت تصل الى نصف سورية. هذه المناطق المحررة سيكون لها أثر كبير في المستقبل، حيث يمكنها ان تشكل مناطق آمنة يلجأ اليها المنشقون عن النظام من القوى السياسية والعسكرية. وكلما توطدت سلطة الثورة في هذه المناطق، ساعدت في تفكيك قوى النظام وسهلت الانشقاقات في قواه. يترافق هذا التوسع الجغرافي للثورة مع زيادة القوة الضاربة للجيش الحر، الذي بات يُنظر اليه كأحد العناصر الأساسية في إسقاط النظام، خصوصاً بعد الخسائر التي ألحقها بقوى الجيش الرسمي في اكثر من منطقة في سورية. يساعد تزايد قوة هذا الجيش في شرعية مطلبه بتسليح نوعي، وبمنطقة حظر على سلاح الطيران ومعه منطقة آمنة بين سورية وتركيا تلجأ اليها قوى من المعارضة، وتشكل خلفية الحراك لها.

المؤشر الثالث يتعلق بالمسلك التدميري المتواصل للنظام في دك المدن والأرياف السورية، عبر سياسة الإبادة المادية والجسدية، والإصرار على إعادة سورية الى العصور الحجرية. يأتي ذلك مترافقاً مع الانسداد السياسي لأي امكانية بتسوية ما. أفشل النظام خطة كوفي انان، وسيُفشل اي خطة جديدة قد يأتي بها مبعوث دولي آخر. لا يبدو ان النظام مستعد لتسوية على الطريقة اليمنية او المصرية أو التونسية، بل هو مصر على «مصير ليبي» يستحقه فعلاً، ويبدو انه الخيار الوحيد السائر نحوه. أما الاعتماد على قوى دولية وإقليمية خصوصاً ايران التي تهدد دوماً بأنها لن تسمح بسقوط الأسد، فإن ما ينطق به قادتها قد يكون له مفعول جزئي على غرار ما يحصل اليوم من تدخل لوجستي ومساعدة ميدانية محدودة. لن يكون في وسع ايران او روسيا إنزال جيوشها في الاراضي السورية والدفاع عن النظام، لأسباب محلية ودولية معروفة.

المؤشر الرابع يتعلق بالاصرار السوري على نقل الحرب الأهلية الى لبنان والتدخل الدائم في شؤونه. لم يتوقف يوماً مسلسل التدخل الأمني السوري في لبنان، قبل الانتفاضة وخلالها، لكن الجديد ان النظام اخذ يحرق أوراقه الأساسية عبر توريطها بمهمات ارهابية، غير عابئ بالمترتبات الناجمة عن هذا الارهاب. لعل توظيف احد من كانوا يعتبرون خطاً سورياً أحمر، اي ميشال سماحة، في التنفيذ المباشر لأعمال إرهابية، قد يعكس عدم الثقة بشبكات ارهابية اعتاد النظام توظيفها في مثل هذه المهمات. لا حدود لدى النظام في إحراق عملائه حتى ولو كان هذا العميل مصنفاً مستشاراً للرئيس الأسد. في اي حال يجب توقع المزيد من الأعمال الارهابية التي سيلجأ اليها النظام لزرع الفتن في لبنان.

المؤشر الخامس يتناول توريط النظام السوري لقوى لبنانية، وتورطها بإرادتها في القتال الدائر دفاعاً عن النظام. تنتمي هذه القوى في معظمها الى الطائفة الشيعية، ويتبرع بعض قادتها كل يوم بتقديم الولاء للنظام والتهديد بمنع إسقاطه.

في المقابل، اتى خطف مجموعة من اللبنانيين من أبناء الطائفة نفسها ليزيد من توتر العلاقة، سورياً ولبنانياً. ان أخطر ما في هذا الموضوع هو النزعات العنصرية التي عادت تندلع في لبنان وسورية.

في سورية، تحولت النقمة على «حزب الله» المتهم بالمشاركة في القتال الى جانب النظام، الى نزعة عنصرية ضد الطائفة الشيعية بالإجمال، وهو مؤشر ستكون له تداعياته السلبية جداً في المستقبل بعد سقوط النظام. اما في الجانب اللبناني، فقد بدأ الانتقام من العمال السوريين وطردهم من بعض المناطق ذات التواجد والنفوذ الشيعي. عاد البلدان يشهدان نزعة عنصرية سبق أن عرفاها في أعقاب اغتيال الرئيس الحريري وما تبعها من انسحاب للجيش السوري من لبنان.

لا يبدو ان امكانات التسوية تطل من الأفق المسدود في الصراع المفتوح في سورية على غاربيه، ولا أمل ايضاً في وقف شلالات الدم المتدفقة كل يوم مع اصرار النظام على تدمير بلده.

=================

لا للعنف.. وللوحشية أيضا!

ميشيل كيلو

الشرق الاوسط

22-8-2012

أحسن الجيش الحر صنعا عندما أصدر بيانا أدان فيه القضاء الميداني وقتل المواطنين بلا محاكمة، وذكر بهدف الثورة السورية الرئيسي: الحرية كمبدأ لجميع المواطنين، مهما كانت مواقفهم وعقائدهم وانتماءاتهم وأصولهم، والحقوق التي يجب أن يتمتع بها كل سوري، وعلى رأسها حق الحياة، والحق في الدفاع عن الحياة بأساليب تتسم بالعدالة والشرعية. أليست مقاومة الشعب السوري أعظم دليل على شرعية الدفاع عن الحق في الحياة، الذي تنتهكه السلطة بعنفها العبثي والقاتل؟! ذكّر بيان الجيش الحر بحق أنه لا يجوز للضحية تقمص شخصية الجلاد، ولا يحق له وضع نفسه في مكان الجلادين إن قدر له أن يكون جهة تملك القدرة على تقرير مصير الآخرين، وإن عليه أن يتذكر دوما أنه لم يثر على وضعه الشخصي كضحية وحسب، بل ثار على كل ما ومن يمكن أن يحول البشر إلى ضحايا، وكل من وما يعاملهم كجلاد، فالثوري الحق هو من يحصن نفسه ضد التحول إلى جلاد، حين يخرج من وضعه كضحية.

ويزيد من الأهمية السياسية للبيان الصادر عن الجيش الحر واقعة لا سبيل إلى تجاهلها، هي أن النظام ربما يكون أرسل من يخترق هذا الجيش، ويغري بعض المنتسبين إليه باتباع أنماط من السلوك تشبه الأنماط الوحشية الرسمية، ليكون المواطن ضحية حقيقية أو محتملة للموالاة والمعارضة، ويتم عندئذ إقناع الشعب بأن أحواله لن تتحسن بذهاب النظام، وأنه سيحل محل المستبدين الحاليين جلادون مستقبليون يسيرون على نهجهم ويقلدون سلوكهم، فلا فائدة من الثورة ولا عائد إيجابيا لها، وهي لن تكون في جميع الأحوال ثورة حرية وحقوق إنسان، بل ستستبدل طغمة قاتلة بطغمة أخرى قاتلة، وبمجموعة تنتهك حقوق البشر مجموعة جديدة لن تقل عنها انتهاكا لحقوق شعبها، فلا بد من دفع الممسكين بزمام الثورة إلى ارتكاب الجرائم، وإجبارهم على تقليد النظام والتعامل مع الشعب كما يتعامل هو معه، وليس كما يعامله أو يجب أن يعامله أبناؤه المخلصون الذين يضحون بحياتهم في سبيل حريته وكرامته، وإقامة نظام يعيد إليه حقوقه كاملة غير منقوصة، سيكون هو وحده مصدر الشرعية والسيادة فيه، وصاحب القول الفصل في كل ما يتعلق بشؤونه العامة والخاصة.

كي لا تنجح خطط النظام ولا يقع أي نفور بين قطاعات الشعب والثورة، من الضروري أن يلتزم كل منتسب إلى الجيش الحر والمقاومة الشعبية بمدونة أخلاقية وقانونية وطنية، تمنع قتل أي إنسان أو سجنه دون أدلة ومحاكمة عادلة تتشكل من خبراء قانونيين أو حقوقيين معروفين بنزاهتهم وروحهم الوطنية، كي لا يأخذ أحد القانون بيده ويمارس وظائف ليست من اختصاصه، ويعامل أسيره أو معتقله من جيش النظام والسلطة بإنسانية ويسلمه دون تعذيب أو إهانة إلى جهة قضائية محلية مسؤولة، لها وحدها الحق في محاسبته قانونيا، فإن كان بريئا أفرجت عنه وأرسلته إلى أهله وذويه، وإن كان مذنبا وقع احتجازه في سجن يحترم حقوقه كإنسان؛ من حقه في الطعام والشراب والعلاج إلى حقه في الاتصال بأهله، وفي معاملة لائقة تقنعه بأن الحرية التي يطالب الشعب بها ليست ضده أو كلمة تقال أو شعارا فارغا يرفع، بل هي ممارسة فعلية يعيشها المؤمنون بها ويطبقونها على أنفسهم وغيرهم، بمن في ذلك المختلف عنهم، الذي قد لا يكون في المكان الصحيح من معركة سوريا الراهنة، لكن ذلك لا يلغي حقه في العدالة. بهذا السلوك النبيل والنزيه، سيتشجع كثيرون على ترك النظام، وسيجدون مكانا لهم في الجيش الحر والمقاومة الشعبية، وسيصير الفارق بين تعامل السلطة مع الشعب وتعامل المعارضة مع الموالين للنظام مضرب المثل في طول بلادنا وعرضها، وسيكون ناتجه السياسي هائل الأهمية بالنسبة إلى الصراع، وسيتم تقويض ما بقي في النظام من تماسك وتفويت الفرصة على استغلال إعلام النظام الكاذب لوقائع شاذة تتم هنا وهناك، ولن يبقى لمن قد يكونون من خدم السلطة أي تأثير أو دور داخل المعارضة، مع ما سيؤدي إليه هذا من تسريع انتصار الثورة ونشر الطمأنينة في نفوس مواطني سوريا، الذين يحاول النظام تحريضهم بعضهم ضد بعض، وزجهم في صراعات طائفية لن يبقى لها أي فاعلية في ظل ما تقدم ذكره من سلوك نبيل ومواقف عادلة.

يلجأ النظام الظالم إلى وسائل ظالمة لقمع الشعب. ويلجأ المعارضون الذين يقاومون الظلم إلى أساليب ووسائل عادلة لمواجهة ظلم وقهر الظالمين. وقديما قيل: الغاية تبرر الوسيلة، فالنظام غاياته استبدادية ولا إنسانية، فلا عجب أن تكون وسائله عنيفة ومعادية للإنسان، بينما غايات الشعب نبيلة ولصالح البشر، فلا بد أن تكون وسائله نبيلة وشريفة، ليس بين مقاصدها سحق الإنسان بل مساعدته على نيل حريته وحفظ كرامته، بينما لا مقصد لوسائل الاستبداد غير إدامة نظام بلا أخلاق أو وطنية، يكره السوريين ويسوغ قتلهم وسلب حقوقهم، فشتان بين غايات النقيضين ووسائلهما. ومن الخطأ الذي يعادل الجريمة ضد الثورة أن تستخدم قوى الحرية أساليب قوى الظلم والاستبداد، وتأخذ بما يفعله المستبدون، في حين ينحصر رهانها على تمكينهم من إحراز حريتهم: وسيلتهم الأفعل في الدفاع عن حقوقهم ضد أي جهة أو قوة تنتهكها، أو تنتقص منها، أو تفكر ولو مجرد تفكير بالاعتداء عليها.

لا يجوز أن تمر مشاهد تعذيب أو قتل الأسرى على يد أشخاص من الثورة مرور الكرام على ضميرنا الإنساني وموقفنا الوطني والديمقراطي والقانوني. وإذا كنا نريد أن نعرف كيف نعامل أسرانا، فلنتعلم من جدنا وسيدنا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم)، ولنقتد به في معاملته لأسرى المشركين، ولنتأمل كيف كان يحسن إليهم ويسامرهم ويناقشهم ويكرمهم، وكيف جعل منهم جسورا تصل بينه وبين قومهم، وبين هؤلاء والدين الحنيف.

لنلتزم بما نؤمن به، وهو أن الحرية لنا ولغيرنا، وأنه تترتب على النضال في سبيلها حقوق لا يجوز لنا أو لغيرنا انتهاكها أو العمل خارجها، ولنجعل من علاقاتنا الإنسانية والوطنية مع الذين ليسوا مثلنا سبيلا إلى انتصار الحرية؛ هدفنا الذي سنبلغه بالتأكيد، إذا لم نقترف أخطاء جسيمة تحول بيننا وبين تحقيقه، أشدها فظاعة ازدراء حقوق غيرنا وانتهاك كرامته والتعدي عليه، وإجباره من خلال أخطائنا وعنفنا على دعم حكامنا الظالمين!

=================

سيناريوهات سوريا وفق حلفاء الأسد!

عبدالرحمن الراشد

الشرق الاوسط

22-8-2012

على موقع «المنار» التابع لحزب الله مقال يستشرف الوضع في سوريا وفق سيناريوهات محتملة. ومثل بقية الموالين لنظام بشار الأسد، فإن أتباع حزب الله لهم مصطلحاتهم السياسية الخاصة، فالنظام هنا هو «المقاومة»، والشعب السوري المنتفض ضده هو «مشروع مؤامرة».

السيناريو الأول أن ينتصر النظام على معارضيه، ومن خلال الحسم العسكري الميداني، يفرض بعد ذلك عليهم الحوار السياسي معه. ومع أنه احتمال مستبعد تماما، إلا في ظروف فوضى إقليمية غير محسوبة، فإننا سنتفق مع صاحبه بأن النظام لو فعلها، وتمكن من دحر الثورة الشعبية، فإنه بالتأكيد سيستطيع فرض الحل السياسي مع تنازلات كبيرة من جانبه.

السيناريو الثاني، وهو الأكثر واقعية، يقر باحتمال هزيمة النظام. ويفترض إحدى نتيجتين لسقوط بشار، تورط سوريا في مرحلة الحرب الطائفية الأهلية، وكاتب «المنار» هنا يرى من إيجابياتها أنها ستفشل المكاسب الجيوسياسية لدول الخليج وتركيا والغرب. طبعا، لا نختلف معه في أن الحرب الطائفية ستخدم مخلفات نظام الأسد وكذلك إيران، وستفسد على كل السوريين حلمهم في إقامة دولة موحدة مستقرة. والنتيجة المحتملة الأخرى، استيلاء المعارضة على الحكم، الذي يراه أمرا يخدم الخليج والغرب. أيضا، نحن لا نختلف معه في هذا الاستنتاج، باستثناء أن المستفيد الأكبر هنا هو الشعب السوري الذي كان يرزح لأربعين عاما تحت نظام أمني فاشي يحصي عليه أنفاسه، أما الدول الإقليمية فقد تعايشت مع نظام «الأسدين».

والسيناريو الثالث هو حالة «ألا يكون هناك منتصر أو منهزم». وهذا، مثل الأول، أمر صعب التخيل لأن النظام مكون من عصابة ويقتات على منافع الحكم، فكيف سيستمر بلا شعب ولا منافع؟ هذه فرضية شبه مستحيلة لأن المعارضة السورية تمثل فعليا أكثر من 70% من البلاد، سكانا ومساحة، وبالتالي لن يستطيع النجاة وسط هذا البحر المعادي لزمن طويل، مهما دام الدعم الخارجي له.

والعلة في كل التحليلات التي يطرحها مؤيدو النظام أنهم يريدون إلباسه صفات مزورة، انفضحت مع الزمن الطويل، ولم تعد تعني شيئا في داخل سوريا والعالم العربي. لم يعد أحد يصدق فرية المقاومة للنظام السوري أو حزب الله. هي أكذوبة انطلت على كثيرين لأربعة عقود ولم تكن مشاركة نظامي إيران وسوريا وحزب الله سوى جزء من صراع إقليمي لا علاقة لفلسطين به. لا يمكن لنظام مجرم يستعبد شعبه أن يحرر شعبا آخر. وحزب الله، هو الآخر، كان على الدوام مخلبا لإيران التي لها مطامع إقليمية وتستخدم القضية الفلسطينية ستارا لتحقيقها.

ويبقى الفريق المنسي في تحليل السيناريوهات لفريق حزب الله وإيران، هو الشعب السوري. السوريون هم أصحاب الثورة من ساعتها الأولى وإلى اليوم، وغاياتها سوريا بحتة ضد نظام فاشي مجرم مماثل لأنظمة سقطت، كنظامي صدام في العراق والقذافي في ليبيا. ومن المحتم سقوط مثل هذا النظام، إن عاجلا أو آجلا. الشعب السوري هو الذي ثار وتحمل آلام ثورته، وليست السعودية أو قطر أو تركيا أو الغرب. ومحاولة تدليس الحقيقة بمصطلحات سياسية، لا يمكن أن تلغي اللاعب الأساسي، أي الشعب السوري، لذلك قلت إن سيناريوهات بقاء النظام مستحيلة بعد ذبحه عشرات الآلاف وإجماع ملايين الناس ضده.

وهذا لا ينفي القول بتطابق المصالح، إنه من صالح الدول الإقليمية، أن الشعب السوري هو الذي ثار. وربما أيضا من صالح الغرب والسعودية، أن إيران وحزب الله وقفا على الرصيف الآخر من الشارع، فعرف المواطن السوري صديقه من عدوه. تخيلوا لو أن إيران وقفت ضد نظام بشار مبكرا، كان من المؤكد أنها ستشارك في صياغة النظام السوري الجديد. طبعا هذه فرضية خاطئة لأن النظام الإيراني، المشابه لنظام الأسد في فاشيته وعقيدته السياسية، يعجز عن مثل هذا التفكير. وحتى بعد هذا الزمن الطويل، 17 شهرا من حرب النظام على الشعب، يضلل كتاب حزب الله أنفسهم وأتباعهم بتصوير ما يحدث على أنه نزاع إقليمي بين النظام السوري والسعودية وقطر، مع تغييب متعمد لعشرين مليون إنسان سوري هم أصحاب القضية. وبالتالي عندما يحللون ويستنتجون السيناريوهات تظهر لامنطقية، لأنهم يتناسون أن بشار في دمشق مجرد محتل اليوم، وأهل دمشق وحلب وحماه ودرعا ودير الزور وغيرها هم المعنيون بمحاربته، وليست المعارضة السورية في الخارج، ولا الأميركيون أو السعوديون.

=================

المهمة المستحيلة في سوريا

عثمان ميرغي

الشرق الاوسط

22-8-2012

إذا حكمنا على مهمة الأخضر الإبراهيمي بالجدل الذي صاحب تكليفه ثم تصريحاته الأخيرة، فلا بد أنها فاشلة حتى قبل أن تبدأ فعليا. فالدبلوماسي الجزائري المخضرم وجد نفسه في عين العاصفة بمجرد نشر التسريبات عن اختياره خليفة لكوفي أنان المبعوث المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية الذي قرر الاستقالة بعدما وجد أنه يحرث في البحر، وأن مهمته في الأزمة السورية لا تحقق أي تقدم، ولا تملك أي فرصة للنجاح في ظل الانقسام الدولي، والتجاذب الإقليمي، وتصاعد العنف وحدة الحرب في الداخل. فالكثيرون نصحوا الإبراهيمي بعدم قبول المهمة وحذروه من أن الوقت فات على الجهود السلمية وأنه لم يعد هناك مجال لتسوية بين النظام الذي أمعن في العنف والقتل، والمعارضة التي باتت أكثر تسلحا وأشد تمسكا بمطلب رحيل الأسد. لكن الرجل قبل المهمة إما لأنه تعود على التكليفات الصعبة، أو لأنه لم يتأقلم مع الابتعاد عن مسرح السياسة الدولية، أو لأن هناك أطرافا سعت لإقناعه بتولي الملف لأن المجتمع الدولي لا يريد أن يبدو وكأنه تخلى عن الجهود الدبلوماسية نهائيا لصالح الحل العسكري الذي لا يبدو أقل تعقيدا من الحل السياسي.

لم تمر أيام قليلة على إعلان تكليفه بالمهمة حتى تحولت الانتقادات الهادئة للإبراهيمي إلى سيل جارف من الهجوم بعد التصريحات التي ورد أنه قال فيها، إنه من السابق لأوانه الحديث عما إذا كان الرئيس بشار الأسد يجب أن يتنحى. فالمعارضة السورية فهمت الكلام على أنه تلميح إلى إمكانية بقاء الأسد في ظل تسوية سياسية، واعتبرت ذلك استهتارا بدم السوريين يستدعي اعتذارا من المبعوث الجديد، مشيرة إلى أن الوقت قد فات على الكلام عن حلول سياسية تقوم على القبول بوجود الأسد في مرحلة انتقالية، وأن الحد الأدنى المطلوب هو رحيل الرئيس وبطانته إن لم يرحل النظام بأكمله.

هذه الضجة توضح صعوبة مهمة الإبراهيمي والفرص الضئيلة لنجاح الدبلوماسية في ظل التصعيد العسكري والتجاذب بين أطراف الأزمة في الداخل والخارج. فالواقع أن التصريحات فهمت بطريقة محرفة في ظل الأجواء المشحونة بالتوتر والتي لا مجال فيها للقراءة المتأنية للتصريحات المغلفة بلغة الدبلوماسية حمالة الأوجه أو متعددة التفسيرات. بالعودة إلى قراءة التصريحات نجد أن الرجل قال عندما سئل عما إذا كان سيطالب الأسد بالاستقالة «من المبكر جدا بالنسبة لي أن أقول هذا، إنني لا أعرف بدرجة كافية ما يحدث»، والفرق واضح في المعنى بين هذا الكلام والتفسيرات التي ذكرت أنه يلمح لبقاء الأسد في الحكم. لكن الإبراهيمي اضطر للخروج بتصريحات جديدة لتوضيح تصريحاته الأولى ولكي يشرح أنه لم يقل إنه من المبكر الحديث عن تنحي الأسد بل ذكر «أنه من السابق علي أنا أن أقول أي شيء في ما يتعلق بمضمون القضية.. أما أن الأسد يتنحى أو لا، فلم أقل إن الوقت لم يحن ليتنحى»، على حد ما ورد في كلامه التوضيحي.

الإبراهيمي صاحب تجربة طويلة في الملفات الشائكة، وعرف بالصبر والمثابرة في تحركاته بين الأطراف المتصارعة، لكنه سيجد في الأزمة السورية امتحانا أصعب مما وجده في الأزمات السابقة التي توسط أو تحرك فيها، وما أزمة التصريحات الأخيرة إلا عينة بسيطة مما سيواجهه في مقبل الأيام. أما السبب في ذلك فلم يغب عن فطنة الرجل؛ إذ إنه اعترف بأن الانقسامات داخل مجلس الأمن هي التي أحبطت جهود كوفي أنان، وأن مهمته الأولى هي التغلب على هذه الانقسامات مضيفا القول «المشكلة ليست فيما يمكنني فعله بشكل مختلف، بل كيف سيتصرف الآخرون بشكل مختلف». قد يكون هذا جزء من تشخيص المشكلة، لكنه بالتأكيد لا يقدم حلا لمعضلة تجاوز الانقسامات، ولا يطرح تصورا للكيفية التي يمكن من خلالها جعل «الآخرين» يتصرفون بشكل مختلف. فالخلافات في مجلس الأمن على أشدها خصوصا بين روسيا والصين من جهة، وأميركا وبريطانيا وفرنسا من الجهة الأخرى وهي خلافات جعلت العالم يبدو وكأنه قد عاد إلى فترة الحرب الباردة. فالروس والصينيون يرون أن الغرب يفرض حلوله ونموذجه ويمرر ذلك عبر قرارات مجلس الأمن، وإن ذلك يشكل سوابق يمكن أن تستخدم في مناطق ونزاعات أخرى بما في ذلك داخل النطاقات الروسية واالصينية، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بالقول إن مبعث القلق هو الكيفية التي ستحل بها النزاعات «إما اتباع ميثاق الأمم المتحدة، وإما أن تفوز ديمقراطية القنابل»، على حد تعبيره. لكن المشكلة الحقيقية هي أن الكل يستخدم ميثاق الأمم المتحدة لأغراضه وأهدافه الخاصة، وأن مطالب الشعوب تتراجع أمام حسابات الدول ومصالحها، والتاريخ الحديث يقدم لنا الكثير من النماذج على ذلك. أما الحديث عن «ديمقراطية القنابل» فينطوي على تجن مزعج على الحقيقة الناصعة بأن الثورات بدأت سلمية ولم تتعسكر إلا بسبب استخدام أنظمة الاستبداد للقمع الدموي، وتداخل المصالح والحسابات الخارجية مع التحركات الداخلية.

الأزمة السورية تقدم نموذجا على ذلك وأكثر، فهي لم تتشابك مع الحسابات الدولية المتضاربة فحسب، بل تداخلت مع الصراعات الإقليمية، والتعقيدات والحساسيات الداخلية، واستعداد النظام لاستخدام أقصى درجات العنف للتشبث بالسلطة. هذه هي الأجواء التي أحبطت مهمة أنان وتواجه الإبراهيمي في مقبل الأيام، بينما تتفاقم معاناة الشعب السوري. لكن السؤال الصعب هو هل يجب أن ينسحب المبعوث الجديد؟

على الرغم من كل التحفظات فإن انسحاب الإبراهيمي سيعني ترك الساحة خالية من أي صوت إلا من صوت المدافع وأنين الضحايا والمكلومين. صحيح أن النظام يتآكل تدريجيا، والمعارضة تكسب المزيد من المواقع والقوة، لكن الحسم العسكري قد لا يأتي قريبا، خصوصا مع التعقيدات الداخلية والتشابكات الخارجية، مما يعني المزيد من المعاناة للسوريين والمزيد من المشاكل لبلدهم في المستقبل. لهذا يجب عدم إغلاق نافذة «الحل السلمي»، مهما بدت مستحيلة، ولو لإعطاء فرصة أخيرة للخروج الآمن وتجنيب سوريا المزيد من الدماء.

=====================

الطلب علي الماء قد يتجاوز العرض بنسبة 40 في المئة .. تحذيرات دولية من أزمة غذاء وماء وشيكة

بقلم ثاليف ديين/وكالة إنتر بريس سيرفس

(آي بي إس / 2012)

الأمم المتحدة, أغسطس (آي بي إس)

حذرت الأمم المتحدة من وقوع أزمة غذائية وشيكة جراء موجة الجفاف الشديد في الأراضي الزراعية في الولايات المتحدة، والبرازيل، وروسيا، وعلي الأقل ولايتين في الهند حرمتا هذا الموسم من الأمطار، مما أثار القلق بشأن مورد طبيعي حيوي لازم ومحدود: الماء.

 

وأفادت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة أنه اذا لم ينتبه المجتمع الدولي إلى هذا التحذير، لجازف بتكرار أزمة الغذاء التي وقعت في عام 2008، وذلك نتيجة نقص المتوفر منه في جميع أنحاء العالم، إضافة إلي رفع أسعار السلع الزراعية، بما فيها الذرة والأرز والسكر والشعير والطحين بل ومنتجات اللحوم.

 

هذا ويركز معهد إستوكهولم الدولي للمياه في مؤتمره السنوي العالمي -الذي ينعقد بالتوازي مع الأسبوع العالمي للمياه-على قضية تتخذ أهمية بالغة في الوقت الراهن: الأمن الغذائي والمائي.

 

ومن المقدر أن يشارك في هذا المؤتمر -الذي ينعقد في الفترة 26-31 أغسطس- أكثر من 2،500 مندوبم من الامم المتحدة، وخبراء المياه، والأكاديميون، والعلماء، والصحفيون، وممثلو المنظمات غير الحكومية، وقطاع الأعمال.

 

في هذا الشأن، صرح بير بيرتيلسون، المدير التنفيذي بالوكالة لمعهد ستوكهولم الدولي للمياه، أن "كل ما نأكله وكيف نأكله، يؤثر علي الموارد المائية أكثر من أي نشاط آخر".

 

وذكّر في مقابلة مع وكالة إنتر بريس سيرفس أن الزراعة هي المستهلك الأكبر للمياه في جميع أنحاء العالم بما يمثل حوالي 70 في المائة من استخدامات المياه.

 

وأضاف أن ما يقرب من نصف سكان كوكب الأرض البالغ عددهم سبعة مليار شخصا، محرومين من نظام غذائي صحي.. وهناك مليار شخص يعانون من الجوع، ومليار آخر يقاسي من سوء التغذية، فيما يعاني مليار نسمة من الإفراط في الطعام.

 

ونبه مدير معهد إستوكهولم الدولي للمياه إلي أن الإمدادات الغذائية ليست هي المشكلة الوحيدة، فالموارد المائية والأراضي اللازمة لزراعة المحاصيل الغذائية تتعرض أيضا لضغوط متزايدة من كافة قطاعات الاقتصاد العالمي.

 

ولدي سؤاله عن مدي أهمية التركيز علي الأمن المائي والغذائي كموضوع أساسي للأسبوع العالمي للمياه، أجاب أنه على الرغم من ما يزرع يكفي لإطعام السبعة مليارات نسمة في العالم، الا أن أكثر من ثلث هذا الإنتاج يفقد ويضيع.

 

وشدد علي أن زيادة الإنتاج الغذائي وحده لن يكون كافيا لتحقيق الأمن الغذائي، بل ويتطلب كميات كبيرة من المياه في بعض الأماكن التي قد تكون المياه فيها أكثر قيمة إذا خصصت لاستخدامات أخرى.

 

وأبرز بير بيرتيلسون مجددا الصلة المباشرة بين الأمن الغذائي والأمن المائي، فلا يمكن تحقيق أي منهما من دون الآخر. وشدد علي أهمية إجراء إستثمارات مكثفة لرفع مستوي فعالية النشاط الزراعي وخفض فقدان الأغذية.

 

كذلك فلابد من مساعدة الناس لتحقيق خسارة كمية أقل من الطعام الذي تشتريه، وكذلك علي الأكل الصحي، كوسيلة أخرى لتخفيف الضغط على الموارد. "سوف نناقش أساليب أذكى لتبادل الخبرات وبناء شراكات لاتخاذ إجراءات فعالة على كل هذه الجبهات خلال الأسبوع العالمي للمياه"، وفقا للخبير.

 

وأضاف "سوف نناقش أيضا بعض القضايا المثيرة للجدل والصعبة للغاية مثل الإعانات الزراعية، والتجارة، واستملاك الأراضي، والتي تؤثر بشكل واضح علي الأمن المائي والغذائي والتي يكاد ينعدم الاتفاق بشأنها من حيث ما هو الأفضل أو الأسوأ، وأذكى وسيلة لتنظيمها".

 

وبسؤاله عن العواقب السلبية المحتملة لخطر نقص المياه في جميع أنحاء العالم حال تعثر المجتمع الدولي في الوفاء بإلتزاماته، أجاب لوكالة إنتر بريس سيرفس، أن "نقص المياه يمكن أن يقيد إنتاج الطاقة والأغذية ويسبب إضطرابات كبيرة للاقتصادات المحلية والوطنية".

 

وشرح مدير معهد إستوكهولم الدولي للمياه أن برنامج الأمم المتحدة للبيئة نشر في العام الماضي بحثا قدر أن الطلب المقدر على المياه قد يتجاوز العرض بنسبة 40 في المئة في غضون 20 سنة لو استمرت الاتجاهات الحالية.

 

وشدد بير بيرتيلسون علي ضرورة الماء لكافة الأنشطة الاقتصادية وجميع النظم الإيكولوجية، ومن ثم فما يحدث حاليا يعني نكسات كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وفقدان العديد من الأفراد لمصادر رزقهم، وخطر إرتفاع التوترات الاجتماعية والسياسية، إضافة إلي أن الشركات ستواجه مخاطر كبيرة في عملياتها.

 

"خمس سكان العالم يعيشون في مناطق تعاني من ندرة حقيقية في المياه، فين حين سيقع 90 في المئة من النمو السكاني العالمي في المناطق التي تواجه بالفعل الإجهاد المائي، مما يحتم الاستخدام الحكيم للمياه"، وفقا لمدير المعهد.

 

وحذر بير بيرتيلسون من أن العواقب يمكن أن تكون أشد قسوة في المناطق النامية. فقد سلطت المجاعة في منطقة القرن الأفريقي عام 2011 الضوء على الدمار الذي يمكن أن يسببه الجفاف وأهمية مهمة المجتمع في وضع نظم فعالة للإنذار المبكر لمواجهة الكوارث الطبيعية والتغييرات المفاجئة أو التي يطول أمدها في مجال وفرة المياه.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ