ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
إيقاف
القتل ثم مناقشة ما بعد النظام السوري 2012-08-26 12:00 AM الوطن السعودية فيما تشير الأخبار
المتعلقة بالشأن السوري خلال الأيام
الماضية إلى أن النظام ينهار تدريجيا
وقيادته تبحث عن طريق للخلاص، فإن
الواقع يشير إلى عكس ذلك. فالقتل يزداد
والدمار يتصدر عناوين الفترة السابقة،
مما يعني أن النظام يسير في خطة ذات
اتجاهين. فهو حين يستمر في القتل
والقمع والقصف ما زال مقتنعا بها كحلول
لإخماد الثورة، وفي ذلك الكثير من قصر
النظر، فالشعب الذي تحرك ودفع هذا الكم
من الضحايا يصعب تخليه عن هدفه الذي
اضطره النظام إليه بعد إجهاض ثورته
السلمية لتتحول مطالب الإصلاح إلى
مطلب وحيد هو إسقاط النظام. أما البحث عن طريق
الخلاص لقيادات النظام السوري فتتوضح
في الأنباء الأخرى التي تسعى لحل سلمي،
فمن الصعب أن تطرح إيران خلال قمة حركة
عدم الانحياز خطة لـ"تسوية النزاع
في سورية" من غير موافقة النظام
السوري، نظرا لما بين النظامين من
علاقات قوية. كذلك من الصعب أن يطرح
مسؤولون ضمن النظام السوري خلال
الأسبوع الماضي مشروع حوار شامل بدل
"العنف" المتبادل بما في ذلك
مسألة استقالة الرئيس من غير ضوء أخضر
من النظام. وإلى ذلك تباحث الأخضر
الإبراهيمي أمس وقبله مع مسؤولي الأمم
المتحدة في مرحلة ما بعد الأسد، مما
يعني أن ثمة اتفاقا دوليا على أن
النظام انتهى. أما من ناحية الوضع
الداخلي، فإن تزايد الانشقاقات يكشف
زيف ادعاءات النظام بوجود عصابات
مسلحة تقتل الأبرياء، مما يُفقد
النظام صوابه، ويؤدي إلى استمرار
الحرب بين "الجيش الحر" و"جيش
النظام"، ليقوم هذا الأخير بعمليات
انتقامية تصل إلى حد استخدام الطائرات
في قصف الأبنية وهدمها على رؤوس سكانها
في المدن والأحياء التي تحتضن عناصر
"الجيش الحر". فبات كل يوم يمر
يحمل أخبارا عن مئات القتلى وآلاف
النازحين والمشردين. لذا على الأمم
المتحدة وضع سحب القوات من المدن شرطا
أساسيا لبدء مهمة الإبراهيمي في
سورية، فالسعي أولا لإنهاء القتل
يفترض أن يتم قبل مناقشة رحيل النظام
والحديث عن المرحلة التي تليه. ================= ندعو لاعتبار
وجود المشكلات والأخطاء والتحديات
طبيعياً. لايعني هذا التغافل عنها أو
الزهد في البحث عن وسائل التعامل معها،
وإنما هي دعوةٌ إلى عدم الوقوع في جلد
الذات، وعدم المبالغة في الحديث عنها د. وائل مرزا الأحد 26/08/2012 المدينة من الطبيعي أن تواجه
الثورة السورية المشكلات، وأن تحدث
فيها الأخطاء، وأن تتراكم أمامها
التحديات. بل سيكون أمراً غير طبيعي
ألا يحدث كل ذلك. فالثورة السورية
حدثٌ تاريخيٌ حضاريٌ فريدٌ ومتميز.
نعيدُها ألف مرة،رضي من رضي وكره ومن
كره. لم يعد ثمة مكانٌ
لفذلكات فكريةٍ تتهم هذه المقولة
بالشوفينية والتعالي، فالواضح أن
أصحاب هذه الفذلكات يعيشون في كوكبٍ
آخر، لأنهم لايرون حقائق تفقأ العين
بوضوحها الصارخ، وتُضفي بمجموعها على
الثورة السورية خصوصيةً كبرى لاتوجد
لغيرها. لاحاجة للدخول في
التفاصيل هنا، وتكفي الإشارة إلى
أربعة جوانب من تلك الخصوصية:خصوصية
الشعب والثورة، وخصوصية النظام
وممارساته، وخصوصية موقع سوريا بمقياس
الجغرافيا السياسية (الجيوبوليتيكس)،
وخصوصية موقف النظام الدولي من الثورة. بكلماتٍ أخرى. نحن
بإزاء شعبٍ يرسم ملحمةً من الصمود
والإصرار والتضحية والعطاء والابتكار
ليس لها مثيل، إلى درجةٍ حيّرت معها
عالَماً نجزم أنه ليس مستعداً للتعامل
مع مثل هذه الظاهرة، لاأخلاقياً
ولاقانونياً ولاسياسياً، وهذا يحتاج
لتفصيلٍ في مقامٍ آخر. ونحن بإزاء
نظامٍ سياسي له خصوصيةٌ طائفية ويمارس
درجةغير مسبوقة الوحشية والإجرام.
ونحن بإزاء موقعٍ استراتيجي نادر يمثل
بؤرةً لتقاطع وتضارب المصالح العالمية
الاقتصادية والسياسية. ونحن بإزاء
نظامٍ دولي مهووسٍ عملياً بالوضع
السوري، لكن هذا الهوس يُنتج ممارسات
محورها الارتباك الكامل، وهو ارتباكٌ
ناجمٌ عن ذلك التضارب في المصالح قبل
كل شيء. وحين تجتمع هذه
الجوانب من الخصوصية سوياً في المسألة
السورية لايكون غريباً أن نتحدث عن
خصوصيةٍ كُبرى تُميز الثورة السورية. لهذا، ندعو لاعتبار
وجود المشكلات والأخطاء والتحديات
طبيعياً. لايعني هذا طبعاً التغافل
عنها أو الزهد في البحث عن وسائل
التعامل معها، وإنما هي دعوةٌ إلى عدم
الوقوع في جلد الذات، وعدم المبالغة في
الحديث عنها كأنما أصبح هذا الحديث
هدفاً بحدّ ذاته. وكأن البعض صار
متخصصاً في اكتشاف المزيد منها، وقد
يُريح ضميره داخلياً من خلال تلك
الممارسة بدعوى أنه يخدم الثورة، في
حين أنه يضرّها أكبر ضرر. من الواجب ألا يتوقف
الحديث عن المشكلات والأخطاء
والتحديات. ولكن.. يجب أولاً أن تسود
ثقافة طرح الحلول والإجابات والبرامج
في نفس المقام، فهذا هو التحدي الذي
يليق أن يرتقي لمواجهته كل من يريد
خدمة الثورة بشكلٍ حقيقي. الأهمُّ من هذا أن
توضع المشكلات والأخطاء والتحديات
دائماً في إطارها الواسع. فهذه ثورةٌ
ولايوجد (كتالوك) أو (كُتيّب تعليمات)
يمكن اتباع خطواته لإنجاحها. هذه عملية
تحررٍ اجتماعي وسياسي وثقافي كبرى
يقوم بها شعبٌ حاولت سلطةٌ سياسيةٌ
غاشمة كسر إرادته وتشويه ثقافته على
مدى عقود. وهو يقوم بهذا وسط ظروف
إقليمية ودولية في غاية التعقيد. يجب
علينا أن ندرك كسوريين أننا
نمرُّبثورتنا ومن خلالها في مرحلةٍ
انتقاليةٍحضارية في غاية الحساسية.
ويكمن التحدي الأساسي في مثل هذه
المراحل دوماً في الحفاظ على
الموازنات والتوازنات النظرية
والعملية المطلوبة بإلحاح لعبورها
بسلام. فنحن كسوريين
نَتعلّم في هذه الأيام لأول مرةٍ في
تاريخنا المعاصر ألف باء فقه
الموازنات والأولويات. نحن نحاول أن نعمل
على هدم منظومةٍ سياسية وثقافيةٍ
واجتماعيةٍ وبناء منظومةٍ أخرى مكانها
في نفس الوقت. نحن نحاول أن نوائم
بين أفكارنا السابقة والمستجدة في نفس
الوقت. نحن نحاول أن نستجيب
لنداء العاطفة ومقتضيات العقل في نفس
الوقت. نحن نحاول أن نأخذ
بعين الاعتبار خصوصية واقعنا وعالمية
الأحداث والأفكار والمواقف في نفس
الوقت. نحن نحاول أن ننطلق
من الرؤية الشرعية ومن الرؤية
السياسية ومن الرؤية العقلية العلمية
المعاصرة في نفس الوقت. نحن نحاول أن نعيش مع
الجماهير فلا ننعزل في أبراج التنظير
العاجية، دون أن نزهد في أهمية الفكر
والكلمة والثقافة. باختصار، نحن نحاول
كسوريين، بعد زمنٍ طويل من السُّبات،
أن نعاود الدخول في تاريخٍ كنّا نعيش
على هامشه. لكن التحدي / الفرصة
هي أن هذا يحدث وسط ضجيج أزمةٍ عالميةٍ
معاصرة هي الأكبر منذ الحرب العالمية
الثانية. أي أننا نحاول هذا وسط ظروف
غير مثاليةٍ على الإطلاق، لامجال فيها
لأن نأخذ مانحتاج من الوقت، ونُسخّر
مانتمنى وجوده مثالياً من الجهود
والإمكانات والطاقات بشكلٍ يساعدنا
على الحركة بشكلٍ قد تكون فيه ضماناتٌ
أكبر للوصول. ولا يخفى على أحد أن
محاولة الدخول في التاريخ في وسط هذه
الظروف ستكون من أشق المحاولات
وأكثرها صعوبة وتعقيداً، وسيغلب عليها
التجربة وتكرار المحاولات والتناوب
بين الخطأ والصواب من قبل الجميع وفي
مختلف المجالات. لكن وجه الحديث عن (الفرصة)
في الموضوع هو أن تلك الظروف والأحداث
تساعد كثيراً على رؤية الإشكالات
الحقيقية بشكلٍ واضح من ناحية، كما أن
فيها فرصةً لطيّ المراحل، وتجاوز صور
التغيير الروتينية البطيئة جداً، دون
أن يعني هذا بطبيعة الحال حرق المراحل
أو الوقوع في الاستعجال الذي كثيراً ما
يؤدي إلى الخُسران والندامة. الأمر
الذي يعود بنا بالضرورة إلى استحضار
مسألة الموازنات والتوازنات التي يبدو
أنها يجب أن تكون شعار المرحلة في كل
مجال وعلى كل صعيد. ================= استقرار
سوريا رهن بوضع الأقليات المصدر: صحيفة
غارديان البريطانية التاريخ: 26
أغسطس 2012 البيان يسود اعتقاد في سوريا
مفاده أنه يمكنك أن تكتب عن كل ما تريد،
لكن دون أن تمس السياسة أو الدين.
بالنسبة للسوريين، كان النقاش المفتوح
حول السياسة أمرا يدور في أذهان قلة من
الناس هناك. فقبل اندلاع الثورة
الحالية، كان التمكن من الحصول على
وظيفة جيدة، رغم الكسب غير المشروع
المعيق والفرص الضئيلة، مصدر قلق أكثر
إلحاحاً. وخلال فترة ما قبل
مارس 2011، كان أبناء الغالبية العظمى من
السوريين يخفضون رؤوسهم عما يجري،
ويتمتعون بالحياة ما استطاعوا. وفي
المناطق الغنية في سوريا، كانت تتم
التضحية بالسياسة والنقاش المفتوح
برضى نفس، مقابل تحقيق الأمن
الاقتصادي، وأن الأطفال يستطيعون
اللعب في الشوارع. وقبل الانتفاضة
السورية، شيدت المراكز التجارية
بالطراز الغربي في مدينتي حلب ودمشق،
وشيد مركز في ضواحي مدينة حمص، وقدمت
البنوك الخاصة الجديدة الائتمان
الرخيص لآلاف الشبان والشابات،
الراغبين في شراء المنازل والسيارات
والزواج، وتم افتتاح بورصة دمشق
للأوراق المالية عام 2009، وانتشرت
ثقافة مقاهي البحر الأبيض المتوسط في
المدن الكبرى. ولكن كان هناك أيضا
غضب ناشئ رصده قلائل من السوريين
الموسرين، حيث أصبحت الضواحي حول مدن
حلب ودمشق ودرعا، تعج بالمزارعين
والعمال النازحين من منطقة الجزيرة
السورية إلى الشرق، وفرّ مئات الألوف
من جفاف امتد لثلاث سنوات منذ عام 2008،
وجاؤوا إلى المدن بحثا عن عمل،
وانتقلوا إلى مدن القابون وحرستا
ودوما، وهي المناطق التي نسمع عنها
اليوم. الغطرسة الوحشية
التي اعتمدها النظام السوري ضد
الانتفاضة الحالية، كانت تعني أنه
محكوم عليها بالفشل منذ بداية الثورة.
فقد كانت هناك طريقة للبقاء في السلطة
في حال مشاركته في حوار جاد مع المجتمع
السوري منذ البداية، وأخذ شكاوى
الفقراء على محمل الجد. وكان النظام يحظى
بشعبية نسبياً قبل الثورة، ونظر
السوريون شرقا وغربا إلى العراق
ولبنان، معتبرين أن الاستقرار الذي
يحظون به نعمة، وعملت معارضة النظام
السوري الخطابية لإسرائيل على توحيد
الكثيرين من حوله. لكنه اختار طريق
البندقية، واختار قمع الآلاف الذين
ليست لديهم الوظائف أو المال، واستخدم
الأسلحة والتعذيب ضد هؤلاء الناس. وضحى
أبناء الشعب السوري بحياتهم في
محاولاتهم لإسقاط الدكتاتور، فلن
يقبلوا على الأرجح بشخص آخر يحل محل
الرئيس الأسد. فإذا لم تستطع الحكومات
السورية في المستقبل أن توفر المياه
والكهرباء وفرص العمل، حينئذ سوف يتم
إقصاؤها أيضاً. وإذا لم يكن بمقدور
رموز المعارضة الحالية أن يتصرفوا
وفقاً لما يتحدثون عنه لسنوات، فسيتم
تهميشهم. وعلاوة على ذلك، فإن أي تشبيه
بلبنان والعراق هو أمر ليس في محله. فقد
تم خوض الصراعات الأهلية في العراق
ولبنان، بين مجموعات سكانية ذات أعداد
متساوية نسبيا. أما في سوريا، فإن 10%
فقط (وهم العلويون) سوف يشعرون على
الأرجح بالتهديد بما يكفي لحمل السلاح. ================= غازي دحمان ـ
دمشق المستقبل -
الاحد 26 آب 2012 - العدد 4440 - نوافذ - صفحة 13 تحتاج سوريا،
وأهلها، إلى زمن طويل للخروج من عمق
الأزمة. عملية إسقاط بشار الاسد، ورغم
وصولها إلى مراحل حاسمة، ستكون اكثر
عملية مكلفة عرفتها سوريا، حتى
اللحظة، في تاريخها المليء بالصراعات
والأزمات، هكذا كان الأمر في ليبيا
والعراق، حيث في الأولى تخلخلت ركائز
المجتمع وبنى الدولة، أما في الثانية
فباتت تقف على عتبة الإنقسام، تنتظر أي
قطار ينقلها إلى دول الطوائف. لعل من البديهي القول
أن السر في هذه الحالات يكمن في طبيعة
البناء الذي يؤسسه القادة( الآباء،
الخالدون)، والمناضلون، في البلدان،
السيئة الحظ، التي تبتلى بحكمهم، حيث
تتحول الدولة، ومؤسساتها، إلى نظام لا
هدف له سوى إنتاج وإعادة إنتاج عملية
السيطرة والخضوع، وإيلاء آليات هذه
العملية الأولوية القصوى في هذه
الديناميكية، بحيث يتم توظيف فعاليات
الدولة ومؤسساتها لإنجاز هذا الهدف
الأسمى. وهي عملية، ما لاشك فيه، مشوهة
لبناء النظم السياسية وميكانيزمات
عملها وتشغيلها، بالنظر لما يجري تحت
هذه العباءة من تجريد لقالبها
السياسي، وتشكيل صيرورة غير طبيعية
تتضمن تكوينات متنافرة من عناصر
السياسة الحديثة، وقيم تنتمي إلى
مرحلة ماقبل الدولة. المشكلة في هذه
العملية، انها ومع طول ممارستها، تخلق
وقائع ودائرة متكاملة من السياسة
والإقتصاد والقيم المجتمعية المشوهة،
وبفعل طول الزمن وبحكم الممارسة،
ترسخت بحيث تصبح عملية إزالتها مسألة
شديدة التعقيد، هذا بالإضافة إلى
تكلفة إعادة إعمار البناء الذي تهدم،
ما يجعل طبيعة البناء مزدوجة وصعبة. في سوريا تبدو
العملية أكثر تعقيداً، فإذا كانت كل من
ليبيا والعراق تمتلكان من الموارد ما
يسهل عملية إعادة الإعمار، فإن سوريا
تفتقد هذه الميزة، فضلاً عن حقيقة أن
طول الأزمة قد أدى إلى إنهاك قدرة
الطبقات الإجتماعية، التي في أغلبها
هي طبقات فقيرة ومتوسطة. وما يزيد من
حدة هذه الإشكالية أن أغلب الدمار
الحاصل في سوريا كان من نصيب البيئات
الفقيرة، حيث تشير تقديرات في هذا
الصدد إلى دمار أكثر من ثلث عمران هذه
البيئة، ومع مزاوجة هذه الحقيقة
بإمكانات سوريا، وطبيعة توجهات
وأيديولوجية النخب المرشحة لحكم سوريا
في المستقبل، يظهر البعد الحقيقي
لأزمات سوريا المستقبلية. المشكلة أن لا أحد
يستطيع تقدير حجم الإستنزاف في قدرات
السوريين الذي ستحتاجه عملية إسقاط
الأسد، فرغم أن الواقع يقول أن الرجل
لن يطول به المدى للسقوط، ذلك أنه ومن
خلال مشاهدة عيانية فقد تخلعت كل جذور
النظام التي كانت ممتدة في الأرض
السورية، كما تهدمت كل جسور التواصل مع
المجتمع، وبات بنظر الأغلبية مجرد
عصابة سطو تطلق النار، فزعاً
وإنتقاماً، في كل الإتجاهات، لكن
أيضاً لدى النظام مخزون هائل من السلاح
الذي لم ينفذ بعد، ومن الممكن ان تتسنى
له الفرصة لقذفه وبوقت قصير لتدمير جزء
كبير من العمران والبنى التحتية، في
مسعى لتنفيذ الشعار الشهير (..أو نحرق
البلد). على أن المشكلة
الحقيقية، رغم أهمية العمران ودوره في
إستقرار وتطور المجتمعات، تكمن في
البناء الأخلاقي والقيمي الذي دمره
النظام، فقد دمر كل الرموز المهمة في
حياة الجماعة السورية، لدرجة يصعب
إعادة بنائها مستقبلاً، فأي جيش وطني
بل أي شكل من أشكال الجيش يمكن أن يقبله
السوريون في المستقبل، بعدما بات مجرد
ذكر هذه" المؤسسة" يثير الرعب
والإشمئزاز، وأي مؤسسات أمنية يمكن أن
يرضاها السوريون بعد أن بات الأمن
صنواً للتشبيح، وهل يمكن الحديث عن
وحدة وطنية بعد بعد أن قام الأخ بتقطيع
أوصال أخيه، وأرجو أن لا يحاجج أحد
بالمثل اللبناني حيث توحدت الدولة بعد
حرب أهلية طويلة، ذلك ان الوحدة
القسرية وذات الطبيعة المؤذية للمشاعر
والقيم الوطنية هي النموذج الذي ينتظر
سوريا في أحسن حالة. يبدو أن ليل الطغاة
طويل. حتى بعد أفول نجمهم، تبقى البلاد
التي يظللها سوادهم تحت وطأة هذا
الظلام، وأما الفجر الذي يحكى عن سطوعه
بعدهم، فذلك ليس سوى شمعة سريعة
الذوبان تعلن ساعة زوال الطاغية، وثم
تعود البلاد تكمل مشوار الليل الطويل. ================= حين
يكتشف السوريون بعضهم بالقذائف .... إيلي عبدو المستقبل -
الاحد 26 آب 2012 - العدد 4440 - نوافذ - صفحة 13 في سوريا الحرب
الأهلية لا تحتاج إلى طرفين، إنها حرب
الطرف الواحد. المجتمع الذي حُكم
أربعين عاما بالقمع والخوف يقاتل
نفسه، تتصارع بداخله نوازع وأهواء
كثيرة. مجتمع شاءت الأقدار الرديئة أن
يكتشف بعضه البعض بالبنادق والقذائف
والقناصة. الجار الذي كان يصعد إلى سطح
منزله ليشير إلى جاره كي يلعبوا طاولة
الزهر سويا، هُجّر إلى حي آخر، الجيران
فيه متشابهون، أساليب لعبهم لطاولة
الزهر وتكتيكاتهم متشابهة إلى حدّ
الملل، والحرب الأهلية تريدنا ان نلعب
حياتنا من دون متعة. لم يدرك السوري أن
جاره يكرهه إلى هذه الدرجة إلا حين
هاجمه بالساطور مهددا إياه بالقتل ما
لم يغادر منزله وينزح إلى مكان آخر.
كثيرة هي الأحقاد التي يحملها فعل
النزوح في قصديته. لأنك من طائفة أخرى
لابد ان ترحل مخلفا وراءك ذكريات
وتفاصيل وأحلاماً، أما أشدّ الأشياء
ألما، فهو الخيبة من بيئة كنت تظنها
بيتك وعملك وأصدقائك، ليتضح لاحقا ان
طائفتك ليست هنا، اذاً ارحل. تأخر السوريون في
اكتشاف بعضهم البعض، بالطبع للنظام
دور في ذلك، لكن فعل التأخر ترك ملامح
واشارات تنذر بالويلات أبرزها فرض
أسلوب وحشي للتعارف. كي يعرف السوري
أخيه السوري عليه أن يستخدم الدم. الدم
أداة التعارف كشعار للمرحلة. أجعلك
الضحية كي أفهم لأي درجة كنت تكرهني.
كلما مات السوريون سيعرفون بعضهم أكثر.
غص اليوتيوب بالجثث من كافة الجهات،
جثث ترمى من الأسطح وأخرى ينكل بها. إنه
مجتمع الجثث، الجثث تتعرف على بعضها
وتنصهر كشعوب متجانسة، لكن في الموت. فتكون الحرية هي
تواصل في الموت لا في الحياة، تريد
الديكتاتورية أن نتعارف في الموت
ونمعن في تعارفنا. هذا ما قدمه نظام
الأسد للسوريين، إذا أردتم أن
تتفاعلوا وتردموا الهوة فيما بينكم
سيحدث ذلك وأنتم جثث. السوريون لم يعتادوا
بعد على شروط الحرب التي يصنعونها، لكن
مفردات هذه الحرب بدأت تتسلل إلى
لغتهم، "حاراتهم وحاراتنا"، "شهداؤهم
وشهداؤنا"،" ثورتهم ونظامنا"..
هذه الكلمات بقدر ما تكشف عن ثنائية
حادة فهي تستبطن أحادية واسعة . الحرب
في سوريا تحدث من طرف واحد، أقصد
المجتمع. الثورة ضد النظام كشفت هذا
الطرف ووضعته أمام استحقاق كان مؤجلاً
لوقت طويل. مصطلح خطوط التماس
بدأ يرد على ألسنة الكثيرين من مراسلي
أخبار الداخل السوري، الطوائف محجوزة
في أحيائها، لا يجرؤ سني على دخول حي
علوي وكذلك العكس، الكل يخاف الكل،
الكل يتلذذ بمشاهدة جثث الكل. قيمة
الحياة تنخفض إلى أدنى درجاتها اثناء
الحرب الأهلية، ليصبح القتل فعلاً
يومياً، واجباً، قضاء لحاجة او مضيعة
للوقت. بعض القناصة من الطرفين يتسلّون
ليلا برصاصات متبادلة، القتل أيضاً
يصبح مقاومة للملل. النظام ليس بريئاً من
هذا الصراع، لكنه ليس صانعه الأساس،
ثمة نظم كثيرة في حياتنا تدفع نحو
الوقوع في غرام السلاح وممارسة القتل.
كان من السذاجة بمكان، بعد مشاهدتنا
الانتهاكات الكثيرة، أن نطالب الثوار
بالتفوق على النظام بالمعنى الأخلاقي،
كيف يتفوق الانسان على نفسه بهذه
السرعة، النظام موجود في داخلنا
ونستعمله لنقاتل ضده. في هذا السياق
تبدو مقولة "هكذا نظام لا يسقط سوى
بهكذا ثوار" مقولة صحيحة. قد يستخدم
الثوار حين يقومون بعملية خطف مفردة
"استضافة"، للتخفيف من وطأة
ارتكابهم ، لكن فعل الخطف يبقى واحداً. شيئاً فشيئاً تتمرغ
السياقات، التي صنعت الثورة وقوّت
عزيمتها، بوحول المجتمع السوري.
المجتمع الذي أراد أن يصنع ثورة قبل أن
يتعرف على نفسه. دوافع القتل والتصفية
كانت حاضرة في ثنايا يومياتنا، لكننا
لم نلحظ ذلك إلا حين وقفنا نحدّق
ببعضنا البعض من وراء مناظير القناصة.
النظام أرادنا قتلة ومقتولين، ضحايا
وجلادين. استجابتنا لهذا لم تكن عارضة،
الواقع يثبت ذلك. بالطبع حين يتعرّف
مجتمع على مكوناته في ساحة المعركة
ستتحول الثورة مهما حملت من مشروعية
لقيامها إلى حرب أهلية. ================= بكر صدقي المستقبل -
الاحد 26 آب 2012 - العدد 4440 - نوافذ - صفحة 13 بعدما ضرب مقاتلو
الجيش الحر، الشهر الماضي، حاجز قوات
النظام عند مفرق عندان شمال حلب، إضافة
إلى حواجز عدة أصغر منه داخل المدينة،
لم تبق إلا بضعة حواجز صغيرة فقدت
أهميتها الأمنية. وانفتح الطريق بذلك
بين عاصمة الشمال والحدود التركية بلا
أي عوائق ذات شأن. فأصبح بإمكان الثوار
التنقل بحرية بين الريف والمدينة ونقل
ما يتوفر لهم من أسلحة إلى المكان الذي
يريدون. وفي قلب المدينة
يقتصر الحضور الأمني للنظام على مواقع
أجهزته الأمنية ومقرات حزب البعث وعدد
قليل من المواقع العسكرية المحصنة
أصلاً، وقد زادت تحصيناتها إلى درجات
غير مسبوقة بقطع جميع الطرق المؤدية
إليها، إضافة إلى تمركز القناصة على
أسطح المباني المجاورة. هذه المواقع
التي طالما أثارت النفور والرعب في
قلوب أهالي حلب، أصبح الموجودون في
داخلها هم المرعوبين من خيالهم. قبل
نحو شهرين، أطلق الحراس المسلحون لأحد
مقرات حزب البعث النار على سيارة مدنية
لم ينتبه سائقها إلى أنهم طلبوا منه
التوقف، فقتلت السيدة مارينا شحوارو
التي اجتمع في تشييعها مسلمو حلب
ومسيحيوها بالألوف. راحت السيدة
شحوارو ضحية رعب أجهزة النظام من كل ما
يحيط بها في المدينة. الواقع أنه منذ أعلن
الجيش الحر عن بدء معركته لتحرير حلب،
وقبل ذلك أيضاً، تعرضت معظم المقرات
الأمنية والعسكرية والحزبية لهجمات
مباغتة. أما مخافر الشرطة في عدد من
الأحياء فقد سيطروا عليها بسهولة.
وبعدما حاولت قوات النظام المعززة
بالدبابات والمصفحات اقتحام حي صلاح
الدين المحرر فتعرضت لهزيمة كبيرة،
أصبحت المعادلة الأمنية في المدينة
تقوم على سيطرة النظام في السماء مقابل
سيطرة الثوار على الأرض. العائق الوحيد
أمام انتشار مقاتلي الجيش الحر في جميع
أنحاء المدينة هو قلة عددهم بالقياس
إلى مساحتها الكبيرة. ذلك أن قوات
النظام غائبة أيضاً في الأحياء غير
المحررة، بما في ذلك شرطة المرور التي
اختفت تماماً في كامل المدينة. هل يمكن
تعميم هذا الوضع على المدن والمناطق
الأخرى؟ لدينا من المعطيات ما
يكفي لافتراض ذلك. ففي أقصى الجنوب على
الحدود السورية الأردنية، نلاحظ حركة
نزوح دائمة بما في ذلك عسكريون منشقون.
وعلى رغم الاشتباكات اليومية التي تقع
بين حرس الحدود من الجانبين، فالمؤكد
أن النظام فقد سيطرته هناك إلى درجة
أنه فشل في منع الجيش الحر من تهريب
رئيس الوزراء المنشق رياض حجاب إلى
الأردن. في محافظة درعا أيضاً يستخدم
النظام في حربه سلاح الطيران بكثافة
تشير إلى مقدار فقدانه السيطرة على
الأرض. أما في العاصمة دمشق
فيشكل اغتيال أعضاء خلية إدارة
الأزمة، الشهر الماضي، أبرز مظاهر
فقدان النظام السيطرة على الوضع
وسهولة اختراق أي حلقة من حلقاته
الأمنية. وبرغم سحقه للأحياء التي
حررها مقاتلو الجيش الحر بواسطة
المدفعية والطيران، فقد عاد هذا إلى
قلب المدينة، وتقع اشتباكات يومية
بينه وبين قوات النظام في شوارع
العاصمة والمراكز الحيوية للسلطة فيها. حمص التي تلقت القسط
الأكبر من التدمير طوال أشهر، وزار رأس
النظام حي بابا عمرو زيارة "النصر"
واستعراض القوة، عادت لاحتضان كتائب
الجيش الحر التي أعلنت مؤخراً عن بدء
معركة فك الحصار عن المدينة المنكوبة. أما محافظة إدلب
المحاذية للحدود مع تركيا، فهي تعيش
منذ أكثر من عام تاريخها الجديد ما بعد
نظام الأسد، ويقوم الجيش الحر
والمجالس الثورية المحلية في مدنها
وبلداتها بإدارة الشؤون العامة فيها.
يبقى سلاح الطيران الذي يأتمر بأوامر
النظام، هو الوحيد القادر على التدمير
هنا أيضاً كما في سائر أرجاء سوريا. مدينة دير الزور
وريفها شرقاً تعرضا، طوال الشهرين
الماضيين، لتدمير كبير بفعل سلاحي
المدفعية والطيران، من غير أن يتمكن
جيش النظام من فرض سيطرته على الأرض. يمكن القول إذن بلا
أي مبالغة إن النظام يسيطر عسكرياً في
السماء بعدما فقد السيطرة على الأرض في
معظم أرجاء سوريا. قال رئيس الوزراء
المنشق رياض حجاب إن النظام لا يسيطر
على أكثر من ثلاثين في المئة من الأرض.
هذا تقدير أقرب ما يكون إلى الدقة، إذا
أخذنا بنظر الاعتبار أن محافظة الحسكة
وريف حلب وريف الرقة وقسماً من ريف
اللاذقية (الحفة وجبل الأكراد وجبل
التركمان) هي أيضاً خارج سيطرة النظام. هذا الوضع الإجمالي
يفسر لماذا أصبح الشكل الغالب لحرب
النظام على سوريا هو حرب المدفعية
والطيران. وهي حرب مكلفة بشرياً
وعمرانياً، لكنها لا تحقق أي نصر عسكري
للنظام، ناهيكم عن تحقيق أي نصر سياسي. لا شيء أكثر خطراً من
جبان خسيس في لحظة اليأس، فماذا إذا
كان فوق ذلك معتوهاً أيضاً؟ ================= من
النقمة إلى الثورة.. وبالعكس عمر قدور المستقبل -
الاحد 26 آب 2012 - العدد 4440 - نوافذ - صفحة 13 السوريون غاضبون؛
غاضبون بسبب عجزهم حتى الآن عن إسقاط
النظام. غاضبون بسبب تخلي العالم عنهم.
غاضبون بسبب متاجرة الآخرين بآلامهم...
في الواقع ثمة أسباب لغضب السوريين
يصعب إحصاؤها، وقد يكون الشعور
بالغضب، ومن ثم بالنقمة، أكثر المشاعر
التي تنتابهم، بل ربما باتت هذه
المشاعر أكثر ما يوحدهم وجدانياً.
يتسارع الغضب كل يوم إضافي، بالتوازي
مع طيران النظام ومدرعاته، اللذين لا
يتوقفان عن قصف بيوت السوريين ومصادر
عيشهم، ولا تتوقف أصوات الانفجارات عن
قصف إنسانيتهم، لا لحظات سلوى عابرة
تخفف عنهم، ولا آمال كاذبة بخلاص قريب
جداً. خلال سنة ونصف تحمل
السوريون ما يصعب تحمله، وما لا ينبغي
تحمله وفق أي معيار إنساني، المحك هنا
ليس في عدد القتلى الذي جاوز الخمسة
والعشرين ألفاً، فلو ضحى هؤلاء
بأرواحهم خلال زمن قصير وانتصرت
الثورة لهان الأمر، ولو كان هؤلاء من
المقاتلين الذين وضعوا حياتهم فداء
للثورة بملء رغبتهم لخفف ذلك من مصاب
فقدهم. لكن غالبية الذين قتلوا من
المدنيين الأبرياء، الذين لم يقترفوا
سوى ذنب التوق إلى الحرية أو التعاطف
مع الثورة، وربما كان البعض منهم
بريئاً حتى من شبهة الثورة. هكذا
استُبيح الدم السوري، بل استُبيح كل ما
يخصه، على الهوية وحسب، إذ يكفي أن
يقطن السوري في منطقة ثائرة ليكون
مشروع قتيل أو نازح أو معتقل. من الغضب المكبوت
طوال عقود أتت الثورة، وجاءت وحشية
النظام في التعامل مع الثورة لتولّد
النقمة، فضلاً عن نكئها الجراح
القديمة التي تناساها أصحابها. حافظ
السوريون على نبل غضبهم لأشهر مديدة من
القتل بدم بارد، لكن النظام أبى إلا أن
يوقعهم في موضع النقمة، وهكذا كان، ولن
يكون معيباً الاعتراف بأن الآلاف
التحقوا بالثورة بداعي النقمة أولاً،
وبأن النظام زرع آلافاً من الثارات في
آلاف البيوت السورية. لم يعد لازماً
للسوري أن يقتنع بالثورة لينخرط فيها،
يكفيه أن النظام قتل أخاه أو أخته، أو
العديد من أفراد عائلته، يكفيه أنه رأى
بعينه عشرات الجثث للذين قضوا تحت قصف
أخطأه هذه المرة، ويكفيه معرفة ما آل
إليه بيته من خراب بعد نزوحه، بعد أن
قامت قطعان الشبيحة بسلب ما طاب لها من
موجودات وحرق تلك التي لا تتناسب مع
أذواقها، أو حتى حرق الجدران العزلاء
لمجرد التلذذ بمشهد الانتقام. قتل، اعتقال،
اغتصاب، تشريد ونهب ممتلكات؛ بات على
الثورة أن تحمل إرث هذه الممارسات
الفظيعة، وإذا تكفلت انطلاقتها الأولى
بكسر حاجز الخوف لدى قسم من السوريين
فإن ممارسات النظام ستتكفل بكسره لدى
قسم كبير مما سمي سابقاً "الفئة
الصامتة"، ذلك حين لم يبقَ لهذا
القسم ما يخسره حقاً. ليس بوسع أي جهة
الآن تقرير حجم الدمار المادي والنفسي
الذي لحق بالسوريين حتى الآن، والذي
يتفاقم كل يوم. فطوال سنة ونصف تعايشوا
مع أخبار ثورتهم التي يتناوبها الأمل
والدم معاً. وبينما يحيك الأمل منظومة
أخلاقية وحقوقية طالما تطلّعوا إليها،
تجبرهم أصناف القمع الوحشي على
التضحية بأبسط مبادئ العيش. بين هذين
الحدين الأقصيين تتمزق نفوس الكثيرين
منهم، وكلما امتلكتْ مناعةً ضد سوية من
القمع أقدم النظام على زيادته بما يفوق
القدرة على التحمل، ذلك إن تجاهلنا
الأذى النفسي الذي تضمره المناعة ضد
العنف في هذه الحالات. لم يكن ما سبق بلا أثر
على مسار الثورة ذاتها، فمن المحتم أن
ممارسات النظام دفعت بأعداد كبيرة من
الناقمين إلى صفوف الثورة، ومن
المتوقع والمبرر إنسانياً أيضاً أن
هؤلاء يستعجلون القصاص من جلاديهم بأي
ثمن ومهما كانت النتائج. قد يكون من
الترف الفكري في مثل حالتنا التمييز
بين الغضب اللازم والضروري لكل ثورة
وبين النقمة التي لا تعني تمثلاً
ثورياً للغضب بقدر ما تكتفي منه بالعنف
الثوري، وفي مثل حالتنا قد يصبح العنف
المنضبط ضرورة لاستمرار الثورة ذاتها،
وضمن الحد الذي لا تؤثر فيه انفعالات
النقمة، بل يضمن وبشكل حاسم المصلحة
الكلية للثورة والغايات الأساسية لها. من ناقم إلى ثائر؛
يتعين على السوري قطع هذه المسافة
نفسياً ومعرفياً، على رغم أن مجمل
الظروف تدفعه إلى الحد الأول والبقاء
عنده، وليس مستبعداً أن بعض الثوار قد
تغلبت عوامل النقمة لديهم بفعل الظروف
المشار إليها فنكصوا عن بعضٍ من
مراميهم الثورية، وليس مستبعداً في
المقابل أن بعضاً ممن انضووا في الثورة
بسبب نقمتهم قد صقلتهم التجربة ووسّعت
من آفاقهم النفسية والمعرفية. هنا
أيضاً تغيب الحدود الصارمة، إذ قد
تتناوب عوامل النقمة والثورة ضمن
النفس الواحدة، وقد تولد مجزرة جديدة
من النظام ردود أفعال ناقمة تؤخذ
بظرفيتها فقط، وقد تبقى النفس في تقلقل
دائم، إلا أن تكرار المجازر ينبغي ألا
يستولد استمراراً للنقمة، على الرغم
من صعوبة الإقامة في الغضب ولجم العنف
الأعمى الذي قد يكون كامناً فيه. لا شك في أن الحل
الحاسم والنهائي هو سقوط النظام،
وكلما أتيح ذلك سريعاً وفر على
السوريين المزيد من التضحيات
والمكابدة النفسية، وقد نغالي ونجافي
الواقع إذ نطالبهم بما يفوق قدراتهم،
إذ من المرجح أن يؤدي طول أمد الثورة
إلى تفشي بعض النوازع السلبية هنا أو
هناك، ومن المؤكد أن يؤدي انتشارها
الواسع إلى فقدان بعض عناصر الانسجام
المعرفية، وحتى المعنوية والأخلاقية.
إلا أن الواقعية تقتضي أيضاً ألا تتذرع
الثورة بالصعوبات لتبرير ممارسات
تتنافى مع طبيعتها، وألا تسمح
للمعوقات بأن تنتقص من سويتها
الأخلاقية الكلية. مع كل وافد جديد
تكتسب الثورة قوة إضافية، ولكن من
الضروري الانتباه إلى أن العداء
للطغيان قد يوحّد الناقمين المختلفين
من دون أن يعني ذلك اتفاقاً على إسقاط
منظومة الطغيان برموزها الثقافية
والأخلاقية. حتى الآن نجا
السوريون من الفخاخ الأكثر دماراً
التي حاول النظام استدراجهم إليها،
وتغلبت لديهم عوامل الردع الذاتي فلم
ينفلت العنف في ظل الغياب القسري أو
المتعمد للدولة، وعلى رغم أن النظام
شجع منذ بداية الثورة وأوجد البيئة
المناسبة لشتى أصناف الانحرافات. صمد
السوريون حتى الآن بحسهم الأخلاقي
والوطني أولاً، هذا لا يعني أن صمودهم
سيبقى مطلقاً، ولا يعني أيضاً أنه صمود
خارج الوعي بدرجاته المختلفة؛ وعي
يستمر الإصرار أو التدرب عليه يومياً،
وربما يأخذ هذا شكل التعزيز النفسي كما
تنصح به الإرشادات السلوكية المبتذلة،
فنرى حجماً ضخماً من الكتابات على
الصفحات الافتراضية التي تؤكد على
التمييز بين الغضب والنقمة؛ كتابات لا
تتوجه إلى الآخرين بقدر ما هي أولاً
نوع من التمرين النفسي لأصحابها الذين
يكررون لأنفسهم المرة تلو الأخرى أنهم
سيبقون على النقيض من الطغاة. ================= سوريا:
كل يوم عاشوراء.. كل شبر كربلاء (الى أحفاد
الإمام الحسين في لبنان: سماحة
السيّدين هاني فحص ومحمد حسن الأمين) هوشنك أوسي() المستقبل -
الاحد 26 آب 2012 - العدد 4440 - نوافذ - صفحة 13 "الشعب السوري
مابينذل"، هذا أول الشعارات التي
رددها المتظاهرون السوريون في مطلع
ربيع ثورتهم على "طاغية الشام"،
على حدّ تعبير الزعيم اللبناني وليد
جنبلاط. رفض الذلّ والمهانة
وهدر الكرامة وهتك الاعراض، والسعي
نحو التحرر والانعتاق من جبروت
الاستبداد وأذرع اخطبوطه الأمنيّة في
سورية، كان ولا يزال لسان حال
السوريين، رغم كل ما عانوه من ظلم
وطغمة واجرام وإبادة وخنق ونحر وإحراق
وتدمير ونهب وسلب للبلاد والعباد. وهذا
ما يجعل الثورة السوريّة أنبل ثورات
شعوب المنطقة وأشجعها. ذلك ان النظام
الذي يواجهه السوريون، هو حتى أبشع من
النظام الذي يواجهه الفلسطينيون،
وابشع من نظام صدّام حسين الذي استخدم
السلاح الكيمياوي ضدّ شعبه، وابشع من
النظام الذي واجهه الامام الحسين،
عليه السلام. وحين ردد السوريون شعارهم
السالف الذكر، فقد كان قدوتهم في ذلك
الإمام الحسين، في كربلاء، وهو تحت
الحصار والتهديد بالموت، مع صحبه
وعياله القلائل، مواجهاً اعتى عتاة
الشرّ والإجرام آنئذ، فقال في خطبة
عاشوراء: "ألا وإنّ الدعي ابن الدعي
قد تركني بين السلة والذلة، وهيهات له
ذلك منّي، هيهات منا الذلة. أَبى الله
ذلك لنا ولرسوله والمؤمنون، وحجور
طهرت، وجدود طابت، وأُنوف حميّة،
ونفوس أبيّة أن يؤثر طاعة اللئام على
مصارع الكرام". وعليه، خيار الشعب
السوري في ثورته على نظام الأسد هو
خيار الامام الحسين ضد الظلم
والعدوان، الرافض للاستسلام للمهانة
والذلّ. ولكن ثمّة من في لبنان والعراق
وايران، لا يكتفي بدعوة الشعب السوري
للاستسلام والاذعان لـ"يزيد العصر"،
وفي الوقت عينه، يعلن هؤلاء؛ انهم من
شيعة الامام علي بن أبي طالب، وبل
يدعمون ويساندون نظام يزيد - الأسد
بالعدّة والعتيد، ويسفكون دماء
السوريين! يكفي الردّ عليهم، بما ردّ
الحسين على أفراد من جيش الكوفة، الذين
طلبوا الانصياع لحكم يزيد لكي ينعم
بالسلامة قائلاً: "لا والله لا
أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا إقرار
العبيد" (مقتل الحسين للمقرّم: 280،
تاريخ الطبري 323:4). لم يعد خافياً لكل ذي
ضميرٍ حيّ؛ أن سورية، في كل لحظة
عاشوراء، وكل شبر من ترابها تحوّل الى
كربلاء، نتيجة الحصار والذبح والتعذيب
والتجويع والتدمير والأرض المحروقة
الممارس عليها، وإزهاق أرواح النساء
والشيوخ والاطفال والشباب، والتمثيل
بجثثهم، على أيدي نظام الأسد وجلاوزته
من شبّيحة وأمن وجيش!. ان ما يحدث في
سورية، ينقطع له قلب التاريخ، ويهزّ
أركان الوجود وأقطاره، فما بالكم من
إيلامه ذوي القلوب الرقيقة والعقول
الراحجة من أقطاب الفكر الشيعي،
ورجالاته الأصلاء في لبنان. وعلى خطى
نصرة الحسين في كربلاء ومشايعته
ومبايعته إماماً وليّاً، مظلوماً
شهيداً، أصدر سماحة السيّدين هاني فحص
ومحمد حسن الأمين بيانهما "التاريخي"،
معلنين فيه تضامنهما مع الثورة
السورية والشعب السوري. وقالا فيه: "تواصلاً
مع موروثنا الشيعي في مقارعة
الظالمين، أياً كانوا، ونصرة المظلوم
أياً واينما كان، والتزاماً منا
بموجبات موقعنا الديني المنتقص من دون
ان ينقص، بالقوة والجمهرة والكلام
التعبوي اليومي والزبائنية السياسية
والعلاقة الريعية". وأشارا الى
دورهما الفكري الشيعي الاسلامي العربي
والتنويري "الذي لا ينكره الا مكابر
او غوغائي ووقوفهما الى جانب
المقاومين للاحتلال الصهيوني لفلسطين
ولبنان، والاحتلالات الوطنية، التي
استخدمت فلسطين والعروبة والممانعة ضد
شعوبها فقط". ودعا الأمين وفحص
الشيعة في البيان "إلى الانسجام مع
أنفسهم في تأييد الانتفاضات العربية
والاطمئنان إليها والخوف العقلاني
الاخوي عليها.. وبخاصة الانتفاضة
السورية المحقة والمنتصرة باذن الله
والمطالبة بالاستمرار وعدم الالتفات
الى الدعوات المشبوهة بالتنازل من أجل
تسوية جائرة في حق الشعب السوري
ومناضليه وشهدائه مع ما يجب ويلزم
ويحسن ويليق بنا وبالشعب السوري
الشاهد الشهيد من الغضب والحزن والوجع
والدعم والرجاء والدعاء، أن يتوقف هذا
الفتك الذريع بالوطن السوري والمواطن
السوري". مؤكدين أن "من أهم ضمانات
سلام مستقبلنا في لبنان ان تكون سوريا
مستقرة وحرة تحكمها دولة ديموقراطية
تعددية وجامعة وعصرية". وتابع فحص
والامين: "إننا نفصح بلا غموض أو
عدوانية عن موقفنا المناصر غير
المتردد للانتفاضة السورية، كما
ناصرنا الثورة الفلسطينية والإيرانية
والمصرية والتونسية واليمنية
والليبية وتعاطفنا مع التيار الاصلاحي
والحركة الشعبية المعارضة في ايران
وحركة المطالبة الاصلاحية في البحرين
وموريتانيا والسودان". وأبدى الأمين
وفحص "استعدادهما لمناصرة أي حركة
شعبية ضد أي نظام لا يسارع إلى الاصلاح
العميق تفادياً للثورة عليه واسقاطه"،
معتبرين ان "الباطل الذي كان دائما
زهوقاً قد زهق، اما احقاق الحق فطريقه
طويل ومعقد ومتعرج، وفيه كمائن ومطبات
كثيرة، ويحتاج إلى صبر وحكمة ويقظة
وحراسة لدم الشهداء، حتى لا يسطو عليه
خفافيش الليل وقطعان الكواسر.. ويحتاج
الى شفافية وحوار وود ونقد. ولن نبخل
بالود الخالص والنقد المخلص، آتين الى
الحق والحقيقة والنضال والشهادة من
ذاكرتنا الإسلامية النقية ومن رجائنا
بالله ومن كربلاء الشهادة التي تجمع
الموحدين وتبرأ الى الله من الظالمين". الحقّ أنه لخطابٌ
كربلائيٌّ أصيل، لا يصدر إلاّ من
حفيدين حقيقيين لسيّد شباب الجنّة،
أبا عبدالله الحسين. انه الخطاب الخالص
المخلص للإرث الحسيني الكربلائي في
المقاومة ومقارعة الظلم والظالم،
أيّاً كان، وأين كان. وهو ليس بجديد عن
هذين العالمين الإسلاميين الجليلين،
بل أتى تتمّة لمواقف وتصريحات سابقة،
مؤيّدة للثورة السوريّة، وناقدة لكلّ
توجّه لبناني، مؤيّد وداعم للنظام
السوري. بيان السيّدين فحص
والأمين، هو لسان حال قطاعات واسعة من
النخب الثقافيّة والدينيّة الشيعيّة
اللبنانيّة والعراقيّة، غير التابعة
للسلطة الإيرانية. ولا يتسع هنا المقام
لذكر عشرات الأدباء والشعراء
والمثقفين والساسة اللبنانيين
والعراقيين ممن يدعمون الثورة
السوريّة، وينتقدون موقف ايران
ودكاكينها السياسيّة في لبنان والعراق.
ولعمري أنه لو كان سماحة السيّد محمد
حسين فضل الله وسماحة الشيخ محمد مهدي
شمس الدين على قيد الحياة، لكانا الى
جانب الأمين وفحص في بيانهما التاريخي
السالف الذكر. ذلك أنه أقلّ ما يقال في
هذا البيان، انه اصطفاف مع المظلوم
كائناً من كان، ضدّ الظالم الذي ربما
يمتّ بآصرة بالمذهب او الطائفة، وعدم
ترجيح العصبيّة المذهبيّة والطائفيّة
على مناصرة المظلوم ضدّ الظالم. هذا
البيان، كان له وقع البلسم والمرهم
لجراح السوريين، وسط ما يقترفه حزب
الله وباقي الزواريب السياسيّة (السوريّة
- الايرانيّة) في لبنان والعراق من جور
وظلم بحقّ الثورة السوريّة، ونصرتهم
لنظام القتل والاجرام الاسدي. هذا
البيان، هو بمثابة انشقاق عمّن يريد
زجّ الطائفة الشيعيّة الكريمة في هذه
الحرب القذرة والدنيئة ضد الشعب
السوري وثورته على طغمة الآسد
وشبّيحته. انه بيان العقل والروح
الشيعي الأصيل، الذي لن ينساه الشعب
السوري، بكل مكوّناته الدينيّة
المذهبيّة والقوميّة والعرقيّة.
وسيكون مادّة للدراسة والتحليل،
كوثيقة دالّة عن عمق تنويري - ثقافي
معرفي، وحساسيّة وطنيّة ديموقراطيّة،
وبُعد تاريخي حضاري، لدى فحص والامين
تأكيداً على المواقف الحازمة والحاسمة
في مواجهة الدوغما العقيديّة التي
تدفع بالمحازبين نحو التورّط في
الحروب الظالمة. انه نداء العقل والروح
لكل من تورّط في سفك دماء السوريين،
بأن يعود الى صواب كربلاء الحسين،
وألاّ يكون مع الظالم، لأن الأخير من
قومه أو دينه أو مذهبه أو طائفته!. انه
بيان العقلانيّة الدينيّة، في أرقى
أشكال حساسيّتها وتنبّهها لمخاطر
التحزّب الأعمى للدين او المذهب او
الطائفة. لذا، لا غرابة في اعتبار
الدوغمائيين والطائفيين لفحص والامين
على انهما "خائنان" و"مارقان"،
لكونهما شقّا عصا الطاعة لايران وحزب
الله اللبناني، المنخرطين في قمع
الثورة السوريّة الى جانب نظام الأسد. نشرت صحيفة "الحياة"
لكاتب هذه الأسطر، مقالاً بعنوان: "آن
للسيّد السيستاني أن يخرج عن صمته" (الثلاثاء
20/03/2912). وكان المقال، نداء موجّهاً
لسماحة السيّد علي السيستاني، كي يعلن
عن موقف حيال المجازر الوحشيّة التي
يرتكبها نظام الأسد بحق ابناء الشعب
السوري، وان يبدي موقفه من التورّط
الايراني وحزب الله اللبنانيّ وبعض
الاحزاب العراقيّة الايرانيّة في هذه
ارتكاب هذه المذابح الى جانب نظام
الأسد. إلاّ ان السيستاني لا زال على
صمته!. والى جانب استمرار هذا الصمت
المريب، يظهر مدى نبل وعظمة وسموّ صرخة
فحص الأمين في بيانهما. قصارى الكلام: إذا
كانت وثيقة فحص الأمين بيان دعم للثورة
السوريّة، فيه في الوقت عينه، بيان
تنديد وشجب وإدانة لكل من يدعم نظام
الأسد. وعليه، هكذا يكون الاخلاص لنهج
الحسين، عبر إدانة المعايير المزدوجة
بأن يكون المرء مع ثورة المظلومين في
مكان ما، وضدّ هذه الثورة في مكان آخر،
لكون الظالم المستبدّ هنا، من نفس طينة
الملّة او الطائفة او الحزب. بيان
الأمين فحص، أكّد ان حزب الوطن، أكبر
وأعظم وأسمى من حزب الدين والملّة
والطائفة. وأن حزب الإنسان المظلوم،
كائناً من كان، هو الأكثر قوّةً من حزب
البنادق والسلاح والصواريخ. كما أكّد
البيان؛ ألاّ مكان للشيعة إلاّ في
محيطهم الوطني الديموقراطي، بعيداً من
المحاور السياسيّة الطائفيّة،
اللاوطنيّة. () كاتب كردي سوري ================= ماجد كيالي المستقبل -
الاحد 26 آب 2012 - العدد 4440 - نوافذ - صفحة 13 قدم النظام السوري
نفسه، طوال الأربعة عقود الماضية،
باعتباره نظاماً لاطائفياً، لكنه لم
يشتغل البتة على ترسيخ مفهوم المواطنة
في سوريا، بل انه اشتغل عكس ذلك، أي على
بعث الطائفية، وتعزيز إدراك الطوائف
لذاتها باعتبارها "أقليات"، ما
يكرّس انغلاقها على ذاتها، وانعزالها
عن محيطها الاجتماعي، فهذا وحده ما
يمكن ان يدعّم ادعاءه باعتباره "حامي
الأقليات". أما الترويج
لاعتباره نظاماً قومياً فهو لم يثبت
بتاتاً، إذ انتهج هذا النظام سياسة
اللعب على التناقضات العربية، وضمن
ذلك عزل مصر السادات بدعوى "كامب
ديفيد"، ثم إقامة علاقات جيدة مع مصر
مبارك، في حين ان علاقاته مع نظام
البعث "الشقيق" في بغداد ظلت
متوتّرة، وعدائية، من دون تبرير؛
لاسيما انه ليس ثمة فارق بين طبيعة
النظامين، لا من ناحية الادعاءات
الايدلوجية ولا من ناحية الممارسة
السياسية. في حين استثمر علاقاته مع
ايران لابتزاز دول الخليج العربي،
وتعزيز مكانته في الإقليم، وهي علاقة
استمرت رغم كل التوترات الناجمة عن
السياسات التي تنتهجها هذه الدولة في
المنطقة العربية، وضمنه التواطؤ مع
الولايات المتحدة في غزو الاخيرة
للعراق (2003)، وإثارتها النعرات
المذهبية في المنطقة. وربما يمكن ان
نضيف هنا السياسات التدخلية، على نمط
"فرق تسد"، التي انتهجها هذا
النظام إزاء لبنان، والتي اشتغلت على
اثارة التناقضات والتشققات والتوترات
فيه؛ وهو ما تم الكشف عن بعض وسائله
مؤخّراً مع قصة توقيف الوزير السابق
ميشال سماحه. وبخصوص ادعائه
المقاومة فإن هذا النظام، الذي كان
سخّر جزءا كبيرا من موارد السوريين،
وعلى حساب مستوى معيشتهم، بحجة بناء
الجيش وتعظيم قوته التسليحية، لم يطلق
طلقة واحدة على اسرائيل منذ حرب تشرين1/اكتوبر
(1973)، بل إنه منذ ذلك التاريخ انهى
تماماً وجود قواعد المقاومة
الفلسطينية التي كانت على الحدود مع
جبهة الجولان. ورغم كل الاعتداءات
والاستفزازات التي تعمدتها اسرائيل
طوال العقود الأربعة الماضية، وضمن
ذلك تدميرها ما قيل انه بمثابة بداية
لمفاعل نووي سوري، والتحليق بطائراتها
فوق قصر الرئاسة، إلا ان سوريا لم تقم
بأي عمل من شأنه الرد على هذه
الاعتداءات والاستفزازات. في مقابل
ذلك فإن النظام الأسدي لم يصبر ولا
لحظة واحدة على تظاهرة سلمية، ولا على
اعتصام شعبي، وقد تبين ان هذا النظام
انما كان يعد جيشه، ويوفر طاقته ليس
لمواجهة إسرائيل وإنما لمواجهة هذه
اللحظة التي كان يتوقعها، أي لحظة
فقدان الشعب لصبره، وقيامه بالثورة.
هكذا ففي غضون عام ونصف لقي 22 الفا من
السوريين مصرعهم، في حين ثمة عشرات
الألوف من المصابين، ومثلهم من
معتقلين، فضلا عن تدمير أحياء بأكملها. يبقى ادعاء هذا
النظام اعتباره القضية الفلسطينية
بمثابة القضية المركزية، وفي الواقع
فإن هذه جزء من بروباغندا النظام،
مثلها مثل الادعاءات الأخرى. فقد اشتغل
هذا النظام، أكثر من اي انظمة أخرى على
خلق الشقاق بين الفصائل الفلسطينية،
بل إنه سعى لخلق استطالات مباشرة له
ضمن الكيانات السياسية الفلسطينية (منظمة
الصاعقة والجبهة الشعبية - القيادة
العامة)، كما دعم الانشقاقات في
الفصائل الفلسطينية. وفي جردة حسابات
فلسطينية للسياسة السورية، يجدر بنا
التذكير بأن هذا النظام كان انهى
المقاومة الفلسطينية من جبهة الجولان
المحتلة منذ ما بعد حرب 1973. وبعد اندلاع
الحرب الأهلية اللبنانية (منتصف
السبعينيات) دخل الجيش السوري إلى
لبنان لمنع انهيار الجبهة اليمينية،
أي على عكس المفترض منه، وكان ذلك
بالاصطدام مع حلفائه في الحركة
الوطنية اللبنانية، والمقاومة
الفلسطينية. وفي العام 1983 شجعت سوريا
على الانشقاق في "فتح" (1983)، وطلبت
من ياسر عرفات مغادرة سوريا، ودعمت
محاولات المنشقين وبعض المنظمات
الأخرى لتأسيس إطارات بديلة عن
المنظمة. وفي العموم فقد استمرت علاقات
التوتر والتعارض والخصومة السورية -
الفلسطينية طوال العقود الثلاثة
الماضية، وهي التي شهدت الانتفاضة
الأولى (1987-1993)، وانطلاق عملية التسوية
وإقامة السلطة (مطلع التسعينيات)،
والانتفاضة الثانية (2000-2005)، بما في ذلك
صعود حركة حماس في المشهد الفلسطيني. في غضون ذلك، فقد ادت
السياسات التي انتهجها هذا النظام الى
خلق مآسي فلسطينية عديدة، إذ في ظل
دخول قواته الى لبنان، حصلت مجزرة مخيم
تل الزعتر (1976) التي ارتكبتها قوات
الكتائب، والتي ادت الى محو المخيم.
وبين عامي 1985 و1988 قامت حركة أمل بشن حرب
شعواء على المخيمات الفلسطينية في
بيروت (صبرا شاتيلا - برج البراجنة)،
بدعوى محاربة النفوذ العرفاتي فيها،
وكان مفهوماً أن هذه الحركة ما كان لها
أن تشنّ تلك الحرب، لاسيما بالوحشية
التي تبدّت فيها، لولا التوجيهات
السورية. وقد نجم عن هذه الحرب تدمير
أجزاء كبيرة من مخيمي صبرا وشاتيلا،
كما نجم عنها مقتل المئات من
الفلسطينيين، وتدمير بيوتهم البائسة
أصلا، وهو ما أضيف إلى الذاكرة
الفلسطينية المثقلة بمأساة مخيم تل
الزعتر. وفي عام 2007 برزت ظاهرة "فتح
الإسلام"، التي نمت في أحضان "فتح
الانتفاضة" المدعومة من النظام
السوري. وقد نجم عن افتضاح أمر هذه
الحركة قيام الجيش اللبناني بشن حملة
عسكرية مدمرة نتج عنها تدمير المخيم
وإجلاء سكانه منه، والقضاء على
المجموعات العسكرية التابعة لهذه
الحركة. وهكذا تم تدمير مخيم آخر بعد تل
الزعتر وصبرا وشاتيلا؛ ما يخشى من
تكراره في مخيم عين الحلوة. ويلفت
الانتباه تغطية نظام الأسد لملف
السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، علما
انه سلاح لا جدوى منه، وهو يعمل من خارج
الأجندة الوطنية الفلسطينية، وضمن
ترتيبات أو توظيفات سورية معيّنة. وفي غضون الثورة
السورية بات عديد من المخيمات
الفلسطينية (اللاذقية ودرعا وحمص
والسبينة واليرموك) عرضة للقصف، مثلها
مثل المناطق السورية المجاورة، ونشأ
برعاية الامن السوري، والقوى
الفلسطينية الموالية للنظام، جماعات
شبيحة مسلحة، وفي غضون ذلك كان مئات من
الفلسطينيين قد اعتقلوا أو أصيبوا أو
استشهدوا. قصارى القول فإن
النظام الذي يمعن قتلاً في شعبه،
وتدميراً في بلده، لن يهمه أي شعب آخر.
فهذا النظام يستخدم القضايا كمجرد
بروباغندا، ولأغراض التوظيف
والتلاعب، لإضفاء نوع من الشرعية،
والتغطية على مجمل الممارسات البشعة
التي ينتهجها، وضمنها مصادرة الحريات
واستباحة البلاد والعباد. ================= د. فهد الفانك الرأي الاردنية 26-8-2012 وصلت الأحداث في
سوريا إلى مرحلة كسر العظم ، ولم يعد
أحد قادراً على النأي بنفسه عن تلك
الأحداث والامتناع عن اتخاذ موقف
إيجابي أو سلبي من هذا الطرف أو ذاك. في الساحة الأردنية
منطلقات متعددة لاتخاذ مواقف تعطي
نتائج وتوجهات مختلفة بل متناقضة. هناك
مثلاً الموقف العقائدي الذي تجسده
عبارة عنزة ولو طارت. وفي هذا المجال
نلاحظ التناقض التام بين مجمل الأحزاب
اليسارية التي تفسر ما يجري على أنه
مؤامرة صهيونية أميركية خليجية ضد
محور المقاومة المكون من إيران وسوريا
وحزب الله ، وبين جماعة الإخوان
المسلمين والسلفيين من جهة أخرى الذين
يرون أن ما يجري في سوريا هو ثورة شعبية
ديمقراطية من أجل الحرية والكرامة
والتخلص من الظلم والاستبداد. الجانبان يريان
الأمور باللونين الأبيض والأسود. وهما
يصدران أحكاماً وإدانات قاطعة معروفة
ومتوقعة سلفاً ، كما تدل قراءة
المقالات ذات الصلة التي تنشرها الصحف
الأردنية يومياً. وهناك الموقف
البراجماتي الذي يحسب الأرباح
والخسائر ، ويأخذ الموقف الذي من شأنه
زيادة المنافع وتقليل الأضرار. وهذا
واجب الحكومة الأردنية ، المناط بها
خدمة أمن ومصالح الأردن أولاً. ومن هنا
نرى الموقف الأردني الرسمي يتأرجح ،
بحيث يمكن تسميته موقفاً متحفظأً ، أو
حياداً إيجابياً ، أو مسك العصا من
الوسط والمراهنة على الحصانين معأً ،
وعدم قطع شعرة معاوية لا مع النظام ولا
مع الثورة على النظام ، وهو موقف يتطور
تدريجياً على ضوء الواقع. وهناك الموقف
الانتهازي الذي يراقب الوضع ، ويرى أين
تميل الكفة ليلتحق بالجهة التي يتوقع
أن تكسب المعركة. ينطبق ذلك على كثير من
المحللين والمعلقين الذين تتحول
مواقفهم تدريجياً من جهة إلى أخرى ،
فينقلون بنادقهم (أقلامهم) من كتف إلى
آخر. ليس هناك جهات هامة
يعتد بها ، تحسب موقفها من الصراع
الدائر في سوريا على ضوء الحق والباطل
، الخير والشر ، الصح والخطأ ، فهذا
يتطلب قدراً من الحياد والموضوعية ليس
لهما وجود يذكر في عالم اليوم ، خاصة
وأن هناك حقائق ووقائع تجعل المحلل
الموضوعي يحار بين الطرفين ، وقد يصل
إلى رفض الجانبين معأً ، ومن هؤلاء من
يقول: صحيح أن النظام السوري سيىء
ويستحق الإسقاط ، ولكن القائمين ضده
أسوأ منه. ================= يحيى محمود الرأي الاردنية 26-8-2012 الجمود الدامي
الحالي في
الوضع السوري يعطي أرجحية لوجهة نظر
اصحاب نظرية تفتيت سوريا واقامة
كنتونات الأمر الواقع على خلفية ما
تشهده من معارك بين النظام ومناوئيه،
الا ان التحركات السياسية الاستخبارية
الخفية، على اكثر من صعيد، ترجح وجهة
النظر القائلة بان مسألة سقوط النظام
وقيام اخر جديد هي مسألة ترتيبات قيد
الانجاز، ووفقا لاكثر من صيغة قيد
التداول الان. فبعد انشقاق رئيس
الوزراء حجاب واختفاء نائب الرئيس
فاروق الشرع، جاءت التصريحات المفاجئة
لنائب رئيس الوزراء السوري الجديد من
موسكو التي اعلن خلالها، ولأول مرة
بلسان سوري رسمي، امكانية طرح مسألة
خروج الرئيس السوري من موقعه على طاولة
الحوار. ومثل هذا الامر كان من
المحرمات حتى وقت قريب جدا. واذا عدنا بالذاكرة
قليلا الى الوراء نلحظ ان هذا الموقف
السوري المستجد حول مسألة خروج
الرئيس، كان قد تردد في اروقة
الدبلوماسية الروسية والصينية التي
اكدت اكثر من مرة، في معرض دفاعها عن
مواقفها، بانها لاتتمسك ببقاء بشار
الاسد في السلطة، وان الامر يتعلق بما
يريده السوريون انفسهم بدون تدخل
خارجي. ورغم اهمية وجهة النظر القائلة
بان الموقف السوري المستجد من مسالة
تنحي الرئيس، جاء بناء على نصيحة
روسية، بهدف توسيع دائرة المناورة
السياسية امام النظام السوري، المتهم
بتصعيد البطش ضد شعبه، الا ان الغموض
في المواقف الاميركية والغربية
المقابلة من توفير البيئة
العسكرية السياسية المواتية لخرق
الجمود الراهن وترجيح كفة الثوار،
يعطي المبرر للرأي القائل بان الصيغة
البديلة للنظام الحالي ما زالت قيد
الدرس وان المساومات متعددة الاطراف،
وفرص الحل وفق الصيغة اليمنية مع
التعديل ما تزال قائمة . وفي هذا السياق يجري
النظر الى انشقاق رئيس الوزراء
واختفاء نائب الرئيس وقبلهما
انشقاق مناف طلاس، بالتزامن مع فقدان
الرئيس السوري بضربة واحدة اهم
قياداته العسكرية والامنية وفي
مقدمتهم شقيقه المقتول او المصاب.
فوفقا لصيغة الحل المطروح فان المطلوب
تغيير راس النظام والابقاء على هياكل
الدولة الاخرى بما فيها الجيش والامن،
بمشاركة كل الاطياف السياسية وفي
مقدمتها الاخوان المسلمين عبر صناديق
الاقتراع. وفي كل الاحوال فان الجمود
الدامي الراهن للوضع في سوريا لن يطول
لاكثر من ايام. حيث ينتظر ان تاخذ
تفاعلات الموقف منحا جديدا، يؤشر الى
اي من الطريقين السياسي او العسكري
ستسلكه الازمة صعودا، لانهاء النظام
بصيغته الحالية ووضع سوريا امام قدرها
الجديد. ================= ميشيل كيلو الشرق الاوسط 26-8-2012 طرحت في الآونة
الأخيرة مسألة الداخل والخارج، من
منظورين: واحد يرى أن انقسام المعارضة
إلى داخل وخارج بدل معطيات العلاقات
التاريخية بين جزأيها التكوينيين
هذين، ونقل مركز ثقلها وعملها إلى
الخارج، الذي بدأ يمثل الشعب ويطالب
الداخل باتباعه، بعد أن كان فرعا منه
يقر بتبعيته له وبمركزية مكانته ودوره.
هذا التيار يلقي بظلال قوية من الشك
على معارضة الداخل، ويرى في معظم
فصائلها ضربا من معارضة شرعية تابعة
للسلطة وخادمة لمآربها وأغراضها، فلا
مجال للاعتماد عليها في أي مشروع ثوري
يريد التخلص من النظام ورموزه. وآخر
يرى أن من هم في الخارج ليسوا معارضة
حقيقية، بل هم غالبا أتباع دول ومال
سياسي وأجهزة، لذلك يجب تقويم جدية أي
عمل معارض من خلال معيار رئيسي:
انطلاقه من الداخل وتوافقه مع سياسات
منظماته وأحزابه. ومع أن بعض الداخل
يعمل حصريا مع الخارج، وبعض الخارج
يتوجه في مجمل أنشطته إلى الداخل ويرى
دوره بدلالته، فإن هذا التقسيم يحتفظ
بكثير من الراهنية، على الرغم من أنه
ليس علميا أو موضوعيا، ويستند إلى
أحكام تمييزية صارت لكثرة ما تكررت
أحكاما مسبقة، زاد من افتقارها إلى
الدقة ارتباط المعارضتين بجهات
متباينة أو متناقضة المصالح، جعلت
بحثهما عن مشتركات إما دون جدوى، أو
جعلت ما هو موجود بينهما من المشتركات،
وهو كثير، بلا فاعلية، بحيث صار من
المألوف أن تسمع كلاما موحدا يخدم
أغراضا متضاربة، وتحليلات متشابهة
تأخذ إلى مواقف متصارعة، علما بأن
للمعارضتين تاريخا طويلا من الوحدة
والعمل المشترك، أقله عندما كان
الخارج يرى نفسه بدلالة الداخل ويؤمن
بأنه فرع منه لا يحق له الاستقلال عنه
أو تشكيل معارضة موازية أو مناوئة له
كمعارضة أم، بل عليه تركيز عمله على
مساعدته والإفادة من أجواء الحرية
المتاحة له كي يدافع عن قضاياه ورموزه
ويشرح من حين لآخر مواقفه وخططه
السياسية، ويكسب له بعض الأنصار هنا أو
هناك، ويجد له موقعا فيما صار يسمى
اليوم «المهجر». هذا الوضع انقلب رأسا
على عقب مع انتفاضة الحرية في سوريا،
التي انفجرت منتصف شهر مارس (آذار) من
عام 2011. وزاد من ابتعاد وافتراق
المعارضتين مع دخول دول خارجية على خط
تأسيس هيئة موحدة تضم المعارضة
السورية، بعد فشل تأسيس هيئة تنسيق في
الداخل تضم جماعات إعلان دمشق والتجمع
الوطني الديمقراطي، وذهاب إعلان دمشق
إلى مشروع بديل عبر عن نفسه فيما بعد من
خلال ما عرف بـ«المجلس الوطني السوري»،
بينما ضم الاتحاد الاشتراكي العربي
الديمقراطي بقيادة الأستاذ المناضل
حسن عبد العظيم إلى التجمع الوطني
الديمقراطي مجموعة حلقات وتنظيمات
يسارية شكل بالتعاون معها ما عرف بـ«هيئة
التنسيق لقوى التغيير الديمقراطي»،
فكان تحالف الإعلان مع إسلاميين هم
خصوم الاتحاد الاشتراكي واليساريين،
وتحالف الاتحاد مع يساريين هم خصوم حزب
الشعب الديمقراطي بقيادة الأستاذ
المناضل رياض الترك إيذانا بإعلان
انشقاق أبدي لا سبيل إلى تخطيه بين
قطبي معارضة الداخل، بينما مثل إعلان
المجلس الوطني في الخارج أنه ممثل
الشعب السوري والمعبر عن ثورته ضربة
أصابت جميع فصائل المعارضة الداخلية،
باستثناء إعلان دمشق، الذي اعتبر نفسه
شريكا في التمثيل والتعبير، ورأى في
المجلس حاضنة سياسية جديدة نجح في أن
يخرج منها الاتحاد الاشتراكي، ستتكفل
بالحد من وجوده وربما بالقضاء عليه،
بعد نقل مركز ثقل المعارضة إلى الخارج،
وقلب العلاقة بين الخارج والداخل رأسا
على عقب، وتوفر إمكانية جدية للضغط على
الداخل وتهميشه وتحويله إلى فرع يتبع
مجلسا وطنيا لم يلق فقط قبول من
اعتبروه حكومة منفى من جماهير الداخل،
بل كذلك اعتراف العالم الخارجي، الذي
شرع يتعامل معه على الطريقة التي تعامل
من خلالها مع مجلس ليبيا الانتقالي،
وصار يستقبل مندوبيه وممثليه كأشخاص
رسميين يجسدون سوريا المقبلة:
الديمقراطية. سيطر منطق الانقسام
على الساحة السورية المعارضة، واتخذ
أشكالا لا عقلانية، جعلت المجلس يصل
إلى حد تخوين معارضي الداخل وخاصة منهم
«هيئة التنسيق»، واعتبار أي معارض
داخلي شخصا مشكوكا في ولائه للثورة إلى
أن يثبت العكس، في حين رد بعض معارضي
الداخل بلغة شككت بدورها في وطنية
وأداء معارضي الخارج، بمن فيهم أولئك
الذين تركوا سوريا بالأمس القريب،
واتهمتهم بالتخلي عن الداخل بوصفه
ساحة النضال الرئيسة، وبالابتعاد عن
عذابات شعبهم ومعاناته والعيش في سمن
وعسل خارج هو في أفضل أحواله ساحة
ثانوية من ساحات العمل العام المعارض.
الغريب أن هؤلاء نسوا أن المعارضة دور
وليست موقعا، وأن هناك في الداخل من لا
يفعل شيئا لصالح الشعب، بينما يعيش في
الخارج أناس وضعوا حياتهم كلها في خدمة
مواطنيهم، ولم يتوقفوا يوما عن العمل
من أجل حرية هؤلاء، وتناسوا أن العمل
المعارض لا يجوز أن يقوم على التنافي،
وأنه عمل تكاملي ليس المكان هو الذي
يقرر طابعه وأهميته، وأن بقاء الإنسان
في وطنه لا يعتبر عقوبة وخروجه منه ليس
امتيازا، وأن مناضلين تاريخيين كبارا
قادوا ثورات بلدانهم من خارجها، في حين
أخفق مناضلون آخرون في فعل أي شيء من
داخل أوطانهم، لأسباب كثيرة ليس بينها
بالتأكيد مكان إقامتهم! ينشأ سوء التفاهم في
أحيان كثيرة من سوء الفهم، وبالعكس.
وللأسف، فإن المعارضة السورية السورية
غارقة في حالتي سوء تفاهم وفهم
متقابلتين ومتراكبتين، مع أنها تشترك
منذ عقود في منطلقات واحدة وأهداف
موحدة ولا تختلف إلا على أساليب العمل،
التي تتباين بتباين فصائلها. والآن: هل
يحق لنا اعتبار المعارضة ضحية سوء
تفاهم وفهم فقط، أم أن أزمتها أعقد
وأعمق من ذلك، تتصل بغربة جميع فصائلها
عن الحراك الشعبي والمجتمعي العظيم،
الذي انطلق من خارجها، ووصل إلى حيث لم
تكن تتخيل، واستمر على الرغم من وقوفها
في أحيان كثيرة خارجه وفي أحيان معينة
ضده، مما جعل معاركها برانية تماما
بالنسبة إليه، وجعلها تنقل خلافاتها
إليه بدل أن توحده، وتربطه بقوى خارجية
لم يكن في حسبانه الارتباط بها، فكان
من المنطقي أن يهمشها، ومن الطبيعي أن
تستنزف بعضها بصورة متقابلة، وأن لا
تتعامل مع الثورة وقضاياها بصورة
جدية، ولا تقوم بوظائفها في إطارها، بل
تسارع إلى ركوب موجة الثورة بحجة كاذبة
هي أنها من إنتاجها وتحتاج إلى
قيادتها، وكان من الحتمي أن تجد نفسها
خارجها أكثر فأكثر، وأن ترهق نفسها
بمشكلات زائفة كمشكلة الخارج والداخل
وما حملته من تخوين واتهامات، بدل أن
تلتفت ول مرة إلى الوراء وتصحح مواقفها
وتراجع أخطاءها، وتساعد الشعب على
مواصلة طريقه وبلوغ ما تصبو إليه نفوس
بناته وأبنائه من حرية وعدالة ومساواة! هل ستتخلص المعارضة
من مشكلاتها السطحية لتتعامل بجدية مع
مشكلات الثورة العميقة؟ هذا هو السؤال
الذي ترفض المعارضة التوقف عنده، مع أن
جميع ما ستواجهه من تطورات وتتخذه من
مواقف يتوقف على نمط الإجابة عنه، إن
امتلكت يوما الوعي بضرورة أن يكون
لديها مقاربة له أو جواب عليه! ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |