ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 02/09/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

تضييع الوقت في مجلس الأمن

2012-09-01 12:00 AM

الوطن السعودية

يوم واحد فقط قُتل فيه المئات وتشرد الآلاف فصَل بين مقابلة يفترض أنها صيغت بعناية للرئيس السوري بثتها قناة الدنيا – الموالية له أو التابعة لنظامه - تجاهل فيها اللاجئين السوريين، وبين اجتماع مجلس الأمن طوال الساعات الأولى من صباح أمس بخصوص أولئك اللاجئين. اجتماع جاء ليؤكد أن النظام السوري صار عدوا لشعبه بما لا يدع مجالا للشك، فكلمات ممثلي الدول عدا من تساند النظام أوضحت أن جرائم الأسد ضد مواطنيه هي سبب تهجيرهم القسري من منازلهم سعيا إلى ملاذ آمن في الداخل والخارج يحمي عائلاتهم من أسلحة الأسد المدمرة.

مليونان ونصف المليون لاجئ سوري تحدث عنهم وزراء خارجية الدول ومندوبوها في كلماتهم، وهو عدد كارثي بكل ما تحمله الكلمة من معنى. لكن الكلمات لم تثلج صدور الشعب السوري والمتعاطفين معه، ولم تحل مشكلة اللاجئين أو ترجعهم إلى ديارهم. أما الاجتماع الذي لم يسفر سوى عن أن الوضع الإنساني خطير، فلا يتجاوز حالة استمرار الدوران في الحلقة المفرغة التي تعطي النظام مزيدا من الوقت، فيقتل أكثر ويشرد أكثر، مستفيدا من انقسام الدول الكبرى في مجلس الأمن، معتقدا أنه يستطيع إخماد غضب الشعب، ومصرا على عدم الاعتراف بوجود ثورة لن تنتهي إلا بنهايته وزوال رموزه.

معاناة اللاجئين لا تحل إذا اعترف المجتمع الدولي بخطورة أوضاعهم في اجتماع لمجلس الأمن بحضور الدول المجاورة لسورية، ولن تزول أزمة الشعب السوري من لاجئين وباقين تحت القصف إذا طالب مندوب دولة بـ"التواصل مع محكمة الجنايات الدولية بشأن الجرائم التي ترتكبها القوات النظامية السورية"، أو اقترح مندوب دولة أخرى "تأمين دخول منظمات دولية إلى الميدان لمساعدة المنكوبين واعتبار منع ذلك جريمة". كما أن إشكالية القتل لن تتوقف بالدعوة "إلى تشكيل حكومة انتقالية لإنهاء الصراع"، والتشديد على أن "يوم الإنقاذ يكون عندما يتنحى الأسد". وما إلى ذلك من عبارات يشير استخفاف المندوب السوري بها إلى أن اجتماعات مجلس الأمن مجرد تضييع للوقت، إن لم يحزم المجتمع الدولي أمره ويفرض بالقوة حلا سياسيا أو عسكريا ينقذ به الشعب السوري من القتل اليومي.

=================

رأي الراية ... لا بديل عن إقامة مناطق حظر جوي

الراية

1-9-2012

من المؤسف أن يفشل الاجتماع الوزاري لمجلس الأمن الذي دعت إليه فرنسا لبحث الأزمة السورية في الخروج بموقف دولي واضح تجاه الأوضاع المأساوية بسوريا والتي وضحت أنها لا تحتاج إلى اجتماعات وإنما إلى قرارات دولية شجاعة تردع النظام وتُعيد الأمن والطمأنينة للشعب السوري الذي أدخله النظام الفاسد بالعنف والقتل وسفك الدماء في مأزق حقيقي، فقد كان الجميع يأمل أن يخرج الاجتماع الوزاري الدولي بقرارات واضحة ولكن مرّة أخرى المجتمع الدولي يخذل الشعب السوري بموقف غير واضح يمنح النظام المزيد من الوقت لتنفيذ ما عجز عنه في السابق.

إن الدعوات الإيجابية التي صدرت من بعض الدول خلال الاجتماع خاصة فيما يتعلق بفرض مناطق الحظر الجوي وتقديم الدعم للمناطق التي حرّرها الثوار ليست جديدة لأنها مجرّد دعوات وإن المطلوب تفعيلها لتتحوّل إلى واقع على الأرض، فليس من المقبول أن يُكرّر المجتمع الدولي الأقوال ذاتها والجميع يُدرك أهمية اتخاذ قرار بفرض الحظر الجوي لحماية النازحين واللاجئين داخل الأراضي السورية خاصة بعد ما اشتكت الدول المجاورة بأنها لا تستطيع استقبال المزيد من اللاجئين الذين يتدفّقون يوميًّا عليها هربًا من القتل.

إن أزمة سوريا قد أدخلت المجتمع الدولي بما فيه مجلس الأمن في امتحان عسير وإنه فشل حتى الآن في حلّ الأزمة رغم أن الخريطة واضحة للشعب السوري الذي قال كلمته في النظام ولذلك كان يأمل في التحرّك الدولي الجماعي السريع لردع النظام الذي يستهين بالمواقف الدولية والفشل عمدًا النقاط الست لخطة المبعوث الدولي والعربي السابق كوفي عنان ولذلك كان يجب أن يُواجه بموقف دولي صارم جديد خاصة بعد مواصلة ارتكابه المجازر البشرية.

إن المجتمع الدولي مطالب وبإلحاح بترك سياسة اللا مبالاة تجاه ما يحدث في سوريا وتسويف الأمور في اجتماعات وضحت أنها للخطابة فقط، فإن سقوط أكثر من 18 ألف قتيل يجب أن يُحرّك الضمير العالمي لعقاب النظام الذي وضح أنه غير جادٍّ لحل الأزمة سلميًّا ولذلك فإن المرحلة المقبلة يجب أن يكون شعارها واضحًا وهو حماية الشعب السوري بقرارات دولية صارمة تقوم على شرعية الدعم العربي والإسلامي للثورة السورية وهذا لن يتحقّق إلا بإقامة مناطق حظر جوي داخل التراب السوري، فليس من المقبول أن يتجاهل المجتمع الدولي حمام الدم اليومي في سوريا بعد الآن.

=================

الحرب السورية و مصير المنطقة

لابد أن يكون الحل إقليمياً يدعم التوجه الشعبي السوري الذي قدم حتى الآن 25,000 شهيد ، و بعد أن أثبت مجلس الأمن الدولي فشله في فرض أي حل تحت الباب السابع بسبب الفيتو الروسي الصيني

أ.د. سامي سعيد حبيب

السبت 01/09/2012

المدينة

غني عن القول و بعد إراقة النظام السوري المجرم على مدى سنة و نصف لكل هذه الدماء الزكية من أبناء الشعب السوري الشقيق أطفالاً و نساء و شيوخاً و رجالاً ، و لجوء النظام إلى الاستخدام غير الشريف للطيران و لآلة الدمار العسكرية الثقيلة ضد المدنيين العزل و التي كان من المفترض أن يستخدمها ضد العدو الصهيوني لاسترداد الجولان المحتلة بدلاً من تدمير البنية التحتية لسوريا و سحق قدراتها الاقتصادية ، أن يقال أن النظام الدكتاتوري في سوريا قد وصل لمرحلة اللاعودة و أنه فقد الشرعية للحكم فلا بد من استئصاله كما يستأصل الورم السرطاني مهما كان الثمن ، و مهما حاولت الآلة الدعائية للنظام تلبيس الحقائق و الحديث عن التآمر الداخلي أو الخارجي ، و مهما يتلقى النظام من دعم ظالم سياسي و مادي و عسكري من روسيا و الصين و إيران. و سواءً أكان الحل عسكرياً أو سياسياً أو مزيجاً بينهما فلا بد أن يكون عاجلاً و سريعاً حفاظاً على الأرواح و الممتلكات وتماسك البلاد ووحدتها ، و لابد أن يكون الحل إقليمياً يدعم التوجه الشعبي السوري الذي قدم حتى الآن 25,000 شهيد ، و بعد أن أثبت مجلس الأمن الدولي فشله في فرض أي حل تحت الباب السابع بسبب الفيتو الروسي الصيني المؤيد للظلم و العدوان.

الحرب السورية غير المتكافئة حرب استراتيجية دولية بالنيابة ليس بالنسبة لسوريا فقط بل لكل دول المنطقة و ربما عالمياً من العديد من الجوانب ، فهي حرب إستراتيجية من حيث أنها أحد نماذج ثورات الشعوب على الظلم و الدكتاتورية و الطغيان و ليس فقط الشعوب العربية أو ما يعرف بالربيع العربي بل و للعديد من دول و شعوب العالم لذلك تجد مؤيدي النظام السوري فيها دولاً تصنف على أنها من أعتى الدول ضد الحريات الحقيقية كروسيا و كالصين ، و هي حرب إستراتيجية لأنها طائفية بامتياز فالطرف الغالب فيها قد يفرض مشروعه على المنطقة و يهيمن عليها أيدولوجياً لقرون قادمة ، كما أنها إستراتيجية بالنسبة لقضية العرب و المسلمين الأولى القضية الفلسطينية ، أي بالنسبة لبزوغ شمس دول و شعوب قادرة على الحد من العربدة الصهيونية في المنطقة ، فمتغيرات الموقف المصري من إسرائيل لا تزال تتجلى رويداً رويداً و هي سلبية دون ريب من وجهة النظر الصهيونية و قد تقود إلى نبذ معاهدة كامب ديفيد و عودة القوات المصرية بشكل دائم و فعال إلى سيناء ، فكيف إذاً لو تحررت سوريا من الطغيان و الحكم الدكتاتوري الممالئ لإسرائيل إلى حكومة تمثل إرادة الشعب السوري الأبي ؟ و بدأت المطالبات بعودة الجولان ؟ ألن يصبح الكيان الصهيوني بين كفي كماشة حقيقية ؟ ، لذلك تدفع إسرائيل إلى تحول الصراع الداخلي بين الثورة السورية و النظام الظالم فيها إلى حرب أهلية عرقية دينية كي تتمزق سوريا من ثقلها الإقليمي إلى دويلات متناحرة. و هي إستراتيجية من النواحي الدولية لأن عديدا من الدول الإستعمارية الكبرى كمثل فرنسا تطمع أن تقود أحداث الصراع السوري إلى ما يمكنها من إيجاد موطئ قدم في سوريا ، و لا يجب أن يغيب عن أذهاننا بأن أحداث الملاحم و الفتن التي جاءت عن الصادق المصدوق نبينا محمد صلى الله عليه و سلم تصف ملاحم كبرى في أرض الشام. فالمعركة الجارية بالشام حالياً سيليها ما هو أعظم و الله أعلم.

ليس بخاف على أحد من هي الجهات العربية التي تدعم مشكورة خيارات الشعب السوري الشقيق و منها الحل العسكري ، و كما يشاهد الجميع يومياً على شاشات الفضائيات فإن نقطة ضعف الجيش السوري الحر هو الطيران. فتزويد الجيش الحر بقدرات مقاومة الطيران قد يقلب الكفة لصالح الجيش الحر كما فعلت صواريخ «ستينغر» الأمريكية في ما مضى من قلب الكفة بين القوات الروسية الغازية و المجاهدين بأفغانستان.

=================

الأسد يكابر

مع دنو السقوط

د. نقولا زيدان

المستقبل

1-9-2012

ما دام بشار الأسد يراهن بكل أمواله على حصان واحد في سباقه المحموم نحو قدره المحتوم، فبإمكانه الآن استغلال الوقت الضائع بالنسبة له ليطلق التصريحات المكابرة وهو سائر في عد عكسي غير قابل للانرداد نحو الهاوية.

وقت ضائع حقاً بالنسبة لحاكم دمشق لكنه مشبع بالدماء والأشلاء والحرائق والركام للشعب السوري الذي تزج معارضته البطلة بالمزيد من قواها المسلحة وفصائلها الثورية في طول سوريا وعرضها.

فالأسد يعتبر أن الحسم العسكري الموهوم المعتمد على الدعم اللوجستي والتقني للروس والإيرانيين بحاجة لوقت حتى يتمكن من انجازه. فهو يعتقد أن الوقت لمصلحته، يعض على الجراح التي أثخنته بها المعارضة الثورية من ضربات عسكرية نوعية: من الإطاحة بخلية إدارة الأزمة حيث أردت الرؤوس المدبّرة للجرائم ضد الانسانية التي تفتك بخيرة مناضلي الشعب السوري بل بالبسطاء الطيبين من نساء وأطفال وشيوخ، فتدير المجازر من بابا عمرو الى الخالدية في حمص الى حولا الى الرستن الى اعزاز الى بصرى الحرير والحراك وداريا حتى قلب دمشق، الى سقوط مواقعه الحدودية في البوكمال والقائم ودير الزور... ويلجأ الى نور المالكي الذي يستضيفه طيرانه الحربي فتغير طائراته مستخدمة المجال الجوي العراقي. وتتساقط مواقعه في حلب فيحوّل أحياء كاملة منها الى ركام. وها هو الآن يقاتل داخل دمشق من المزّة الى القابون الى جوبر الى الحجر الأسود الى القدم وصولاً الى أبو رمانه أكثر أحياء دمشق رقياً وعصرية.

إلا أن الحصان الواحد الذي يراهن بكل أمواله ورصيده عليه هو نفسه ليتعاطى معه على قاعدة أن نظامه متّجه بوتيرة متسارعة نحو السقوط. فلا تصريحات قدري جميل في موسكو، ولا تصريحات حلفائه الايرانيين حول الحوار المستحيل والعبثي تمهيداً لاستصدار توصيات لمصلحته في قمة دول عدم الانحياز في طهران بعد يومين لقادرة على إطالة عمر نظامه المتداعي المنهوك: لبعض الوقت؟ نعم الثورة السورية بحاجة لبعض الوقت لإنجاز مهمتها الرئيسة: اسقاط العاصمة وسقوط نظامه الدموي البربري الجاثم على صدور السوريين.

أما حديثه على أن الانشقاقات التي زعزعت كيان نظامه من رأسه الى أخمص قدميه "ليست سوى عملية تطهير" فليس سوى مكابرة ومحاولة ايهام ما تبقى له من أنصاره ان النظام ما زال متماسكاً صامداً. فعندما يلجأ رئيس وزرائه نفسه الى الخارج، وينشق العديد من السفراء وعدد متزايد من القادة العسكريين، فعن أي تطهير يتحدث حاكم دمشق وقد وصلت المعارك الى عقر داره، وأي تفسير يقدم للضربات الموجعة التي ألحقها به الثوار؟

لعل الأسد يدور بخلده اللجوء الى السلاح الكيماوي كورقة أخيرة وهو يعلم أن التفاهم الأميركي الروسي حول هذا الخيار الأقصى يعطل عملياً هذا الاحتمال الجنوني، لأن خياراً غبياً كهذا سوف يؤدي الى تداعيات خطيرة ليس بمقدور نظامه المتهدم تحمل نتائجها الاقليمية والدولية. وإذا كانت أوساطه قد سرّبت للاعلام احتمال نقلها الى لبنان وفي حال جرى استخدامها في مغامرة عسكرية جديدة عندنا دفاعاً عن النظام الايراني، فمعنى ذلك وقوع لبنان في كارثة العصر، على المغامرين التبصر كثيراً قبل الانزلاق الى هاوية بلا قرار.

أما المناطق العازلة أو الآمنة التي تشدد على وجوب استحداثها أنقرة وباريس والتي تلوح تركيا باللجوء إليها بعد تدفق اللاجئين السوريين الى أراضيها، فإن ذلك يتطلب موافقة حلف الناتو ومن ورائه واشنطن المنهمكة في انتخاباتها الرئاسية. ويعتمد الأسد على الفيتو الروسي الصيني لتعطيل هذا الاجراء بقرار من مجلس الأمن. ولم تلجأ تركيا لفرض غطاء جوي فوق حلب حتى الآن، مما يعطي النظام السوري فرصة لصب حمم طائراته الحربية على احيائها السكنية. ولعل من الضروري في هذا المجال الاقرار بأن عجزاً فاضحاً يحكم المجتمع الدولي والرأي العام العالمي الذي يتفرج على معركة حلب الضارية دون أن يبادر الى نجدة المعارضة حتى بالحد الأدنى من صواريخ أرض جو وهي ما زالت تقبع في عنابر الجيش التركي.

إن قلقاً عميقاً يسود أوساط المعارضة السورية والجيش السوري الحر حيال احتمال إطالة حرب التحرير حتى نهاية العام الحالي، ذلك أن ثمة اختلالاً فاضحاً في ميزان الأسلحة على ساحات القتال حيث ما زال الجيش السوري الحر بحاجة ماسة ليس للصواريخ أرض جو فحسب بل ايضاً للأجهزة الإلكترونية القادرة على تعطيل أو تشويش وسائل اتصال الجيش الأسدي. فلا بد من انجاز هذا الملف وذلك ضناً ورفقاً وحرصاً على دماء السوريين. وهو شرط رئيسي للإسراع بكنس نظام الأسد الذي يترنح وهو بحاجة للضربة القاضية لتنهيه.

=================

سوريا التي نريدها: دولة ديموقراطية وعادلة (2)

ميشيل كيلو

السفير

1-9-2012

لن تكون سوريا التي نريدها دولة فوضى وتسيب، دولة كل من يده له، بل ستكون على قدر من التنظيم يماثل في حداثته وتطوره ما هو قائم في البلدان المتقدمة. إنها ستكون دولة منتجة، تستثمر ثرواتها ومواردها بعقلانية وحرص، وتفيد إلى أقصى حد ممكن من عمل مواطناتها ومواطنيها، فتعطيهم مقابله حقوقا اقتصادية واجتماعية متساوية، وتقدم لهم خدمات وافية، مفتوحة الفرص من تعليم وسكن وصحة وشغل، وتتيح لهم الحصول على ما يريدونه من فرص تقدم شخصي وعام، ومن معارف لا يستطيع أن يقدمها لهم غير مجتمع تواصلي يتكاملون ويتفاعلون في إطاره بطرق حرة، مبدعة وخلاقة، يرى في عملهم مصدر ثروته الرئيس، فلا يسمح ببطالتهم أو بافتقارهم إلى قدر من الدخل يحولهم إلى منتجين ومستهلكين ومدخرين في آن معا، يحرر قدراتهم على العمل والملكية ضمن أنماط مدروسة ومراقبة من توزيع الدخل، تقلص فوارقه إلى الحدود التي ينتفي معها الظلم الاجتماعي، فلا يبقى المجتمع مشطورا إلى طبقة هائلة العدد، فقيرة أو معوزة، وطبقة قليلة من المميزين يتعاظم بلا انقطاع الفارق بينها وبين بقية الشعب، تلم ثرواتها الطائلة دون أن تعمل، وتستمتع بحياة تحرم الأغلبية الساحقة منها، تعيش في قصور بينما يعيشون هم في منازل تزداد تواضعا أو في العراء في حالات كثيرة، بينما تأكل ما لا يأكلون، وتلبس ما لا يلبسون، وترداد أماكن يحرم عليهم الاقتراب منها ... الخ.

ستعيد سوريا الحرة الاعتبار لفكرة أن العمل يجب أن يكون مصدر دخل كاف وعيش كريم، وأن الإنسان لا يجوز أن يكون عاطلا عن العمل، وأن الثروة يجب أن تكون نتاج الجهد المنتج والتفكير الابتكاري والتراكم والادخار، وأن توضع في خدمة الجماعة الوطنية، مع احترام حق مالكيها فيها، ولا يجوز أن تترتب على السرقة والتهريب والفساد ووضع اليد بقوة السلطة أو السلبطة على ارزاق وعمل الآخرين، أو نهب الدولة والمجتمع والاستئثار بثرواتهما والتصرف فيها وكأنهما ملكية خاصة، وأن المواطن يجب أن يتمتع بجميع الخدمات التي تحسن حياته وتحفظ كرامته كالتأمين على الحياة والرعاية الصحيه والحصول على عون مادي يساعده على استئجار او شراء مسكن وإنشاء أسرة وتربية أطفال، ويجب أن يعامل باحترام ورعاية بعد بلوغه سن التقاعد، فلا يتعرض للترك اجتماعيا، أو للحرمان من حقوق كانت له خلال الفترة التي أمضاها في العمل، وأسهم خلالها في زيادة الثروة الوطنية، واشتغل لتحسين حياته وحياة جماعته الوطنية. ستولي سوريا الحرة رعاية مكثفة للأجيال الجديدة، وستفتح أمامها أبواب التقدم الشخصي والعام، المعرفي والمجتمعي والسياسي والثقافي، وستمكنها من استثمار طاقاتها وقدراتها إلى أقصى الحدود،وستوفر لها فرص الدراسة في شروط ملائمة، وتتكفل بتأمين فرص الشغل لها حين ترغب في العمل، بينما سترى في كل من يبلغ الثامنة عشرة من العمر شخصا مستقلا قانونيا، له ما لغيره من حقوق وواجبات، تحظى خياراته بكل ما يلزم القانون الدولة ومؤسساتها به من رعاية واحترام.

لا داعي للقول: إن المرأة ستكون مساوية في هذا كله للرجل، وانها ستكون سيدة قرارها ومصيرها، حرة قدر ما هو حر، متعلمة مثلما هو متعلم، وعاملة على غرار ما هو عامل، ومالكة مثله، ومتمتعة بحماية القانون باعتبارها مواطنة تتعين هويتها هي ايضا بحريتها، فلا بد أن تحدد شؤونها الخاصة وتتحكم بمصيرها، وأن تتصرف بما تملك، وتتمتع بالخدمات التي تتيح لها الاستقلالية والكرامة والمساواة التامة مع غيرها: ذكرا كان أم انثى.

لن تحقق سوريا هذا بضربة واحدة. لكنها ستجعل منه هاديا يوجه سياساتها وخياراتها وسلوكها كمجتمع وكدولة ،وسترسم في ضوئه خطواتها العملية، فلا تحيد عنها أو تتراخى في تطبيقها، بعد أن تكون قد رسمت لنفسها سياسة اقتصادية عقلانية تغطي عموم الاقتصاد وكل قطاع منه، فلا تبدد ثروة مهما كانت صغيرة، ولا تضيع فرصة تقدم ونماء مهما بدت قليلة الأهمية، ولا تفرط بما تملك، أو تتجاهل فرصة، بل تعرف كيف توطن نفسها في مكان ملائم داخل تقسيم العمل العربي والدولي، وكيف توسع موقعها فيه، انطلاقا مما تملكه من ثروات بشرية وطبيعية، ومن طاقة عمل ومهارة وخبرة في مختلف مناحي الإدارة والتخطيط الإرشادي والتوجيهي، ومن قدرة على عقلنة إنفاقها، وتعظيم عوائد عمل مواطنيها، وتطوير تتركز أولوياته على زراعتها وصناعاتها التحويلية والزراعية، واستثمار لقدراتها السياحية والعبورية، ولمواهب أجيالها الصاعدة في مجالات المعلوماتية والخدمات والصناعات الالكترونية، وفق ما تحدده لجان خبراء موصوفين يرسمون استراتيجيات تنمية مدروسة لها، تغطي الحاضر والمستقبل. لن تترك سوريا شيئا من إنتاجها واستهلاكها وادخارها للمصادفة أو للعشوائية والفوضى .

لن تتخلى سوريا عن دورها في المجال القومي والإقليمي، وستقيم أحسن علاقات حسن جوار وتعاون مع جيرانها الأقربين والأبعدين. ولن تعمل خارج أطر الشرعية المحكومة بتعاون ثنائي ومتعدد الجوانب مع بقية العرب، تنظمه اتفاقيات ومعاهدات رسمية يقرها برلمانها، من الضروري بمكان أن تؤسس وحدة مصالح تستند إلى أعلى اشكال التكامل والتفاعل، وتبني مشتركات تتسع إلى أن تصير ساحة يتم انطلاقا منها إنتاج واقع جديد يعرف نفسه بمصالح جديدة تتناسب وطبيعتها كساحة تشمل كل شيء، بما في ذلك المجال السياسي، دون أن يعني ذلك اختفاء الدول الراهنة، مع أن وظيفة هذا المجال ستتغير ما دامت وظيفة التي تحمله والمعبرة عنه لن تبقى على حالها، وإنما ستتركز على تعميق وتعزيز فاعلية أدوات وقوى سياسة غدت الموجه الأعلى لتقارب وتفاعل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية والأمنية و... الخ،

ستقبل هيئات مختلطة تتكون من قادة وخبراء وساسة وتقنيين من البلدان العربية المختلفة، التي لن تفقد استقلالها، كما سبق القول، رغم أنه سيشهد إعادة تعريف وقراءة تطاول مفرداته الوطنية والقومية. ستعمل سوريا على إقامة ساحات عربية مشتركة مختلفة الاختصاصات، يؤدي توسعها التدريجي المدروس إلى أن ترى كل دولة مصلحتها فيها، وتعمل على تطويرها وتحويلها إلى رافعة وجودها، التي ترى كل شيء بدلالتها. ذلك سيكون البديل الذي ستطرحه سوريا للتصور الوحدوي الذي طرحه الاستبداد، وأدى إلى الإمعان في تمزيق العرب بدل توحيدهم، بلغ وسوغ نشوب الحروب بينهم وتدمير المقومات والعلاقات الطبيعية، التي أورثهم إياها التاريخ.

لن تقاطع سوريا إقليمها أو تعاديه، بل ستعيد له وظائفه التاريخية كإطار تواصلي بين العرب والمسلمين، وستعمل على إخراج علاقاتها مع إيران من راهنها الأمني الصرف إلى طابعها الإنساني / الثقافي / الديني / الاقتصادي والسياسي، كما ستنفتح على تركيا كجارة وشقيقه، مع مراعاة المصالح الخاصة بكل من الدولتين، وعدم الانخراط في صراعات أية دولة إقليمية مع بقية العالم، لأن سوريا ستقيم أفضل العلاقات مع الجميع، عدا إسرائيل، التي ستبقى مصدر الخطر الرئيس على الديموقراطية وسوريا الجديدة، ليس فقط لأنها تحتل أرضها، وإنما لأنها تواصل كذلك احتلال فلسطين والاعتداء على حياة وحقوق شعبها.

لن تخاصم سوريا روسيا لأنها تساند اليوم حرب النظام الاستبدادي ضد شعبها،ولن تعادي أميركا لأنها تتفرج على مأساة مواطناتها وموطنيها، ولن تقطع ما أقامه التاريخ من أواصر مع أوروبا، جارتها على الجانب الآخر من المتوسط، ولن تتراجع عن صداقتها مع الصين، التي لا تشعر بما يتعرض له شعبها المظلوم. إنها ستكون صديقة الجميع، انطلاقا من مصلحتها الكبيرة في الالتزام بالقيم والمثل العليا، التي ستعمل وسعها كي تنهض الحياة والعلاقات والمصالح الدولية عليها ،فلا تتكرر مأساتها عند أي شعب آخر، ولا يستمتع العالم بمراقبة موته دون اكتراث.

هذه هي سوريا الجديدة، سوريا التي نحلم بها، فهل يتحقق حلمنا وتصير ما نريد لها أن تكونه؟. ذلك هو السؤال المهم، الذي ستتعين الإجابة عليه بإرادة شعبها المضحي النبيل، الذي سيهزم اليوم واحدا من اعتى نظم الاستبداد التي عرفها التاريخ، ولن يقصر بحق نفسه ووطنه، ولن تهزمه الصعوبات الكثيرة التي سيجدها أمامه، وسينتصر عليها مهما تطلب الانتصار من صبر وصراع مع إرث الاستبداد، الذي سيبقى حيا وفاعلا لسنوات عديدة قادمة!

 

=================

سفير قاتل الأطفال

علي حماده

2012-09-01

النهار

الحملة الطالبية لطرد سفير نظام بشار التي انطلقت مع طلاب الكتائب، وتواصلت مع طلاب ١٤ آذار، لتنتهي البارحة مع طلاب الحزب التقدمي الاشتراكي، اعادت الى الاذهان حقبة مضيئة من حقبات التحرك ضد الوصاية الاحتلالية في المرحلة التي سبقت اغتيال رفيق الحريري والمرحلة التي تلتها عندما توحدت الشعارات والتقت القوى الحية في البلاد على مطلب خروج الوصاية الاحتلالية من لبنان.

طبعاً تغيرت الامور منذ ذلك الوقت، لكن شعلة ثورة الارز لم تنطفئ رغم كل العثرات التي اصابتها، وكل الضربات التي تلقتها، وحتى رغم خروج التقدمي من صفوف ١٤ آذار كفريق، لكنه لم يخرج من "ثورة الارز"، وان ١٤ آذار التي كان رأس الحربة فيها وقادها وليد جنبلاط لم تخرج من صفوفه، ولا من قواعده، فتغيرت التحالفات السياسية المرحلية للحزب لكن روح "ثورة الارز" ظلت راسخة في العقول والقلوب. ومع ان المصالحة الحزبية مع "حزب الله" مفهومة لاسباب تتعلق بالحفاظ على السلم الاهلي، فإن القاعدة لم تقتنع يوما بما يمثله "حزب الله" إن في سياساته او في سلوكياته التي، بدل ان تتحاشى اثارة حساسيات الناس، ظلت الحياة المتداخلة حينا والمتجاورة حينا آخر مع قاعدة "حزب الله" مشوبة بارتكاباتها المتكررة، ونشاطها التوسعي الذي لم يهدأ يوما ولم تخفف منه المصالحات حتى قال البعض "إن عدوانية "حزب الله" وسلوكه التوسعي يذكراننا بالاستيطان في فلسطين".

على مستوى الموقف من النظام في سوريا، وشعار طرد سفير النظام، ثمة تلاق عضوي بين التقدمي وكل مكونات ١٤ آذار، وهذا اكثر من واضح. ولعل سلوك هذا السفير هو ما يزيد حساسية الناس حيال بقائه في بلادنا. فنحن لا ندعو الى قطع العلاقات الديبلوماسية مع الدولة السورية، لكننا ندرك ان هذه الاخيرة مخطوفة من زمرة قتلة على رأسهم بشار الاسد وبطانته الذي فاق الكثيرين من طغاة الارض الذين سبقوه في الجريمة ضد الانسانية باكثر وجوهها قتامة. اكثر من ذلك نحن نعتقد لا بل نؤمن بأن نظام بشار لا يحكم سوريا بل انه يحتلها، والشعب يخوض ضده حرب تحرير ينبغي لنا نحن اللبنانيين ان نقف فيها بجانبه.

 وقوفنا دفاعا عن استقلال بلادنا وسيادتها والحرية، ووقوفنا نصرة لشعب سوريا الثائر ضد قتلة الاطفال، يحتمان علينا ان نرفض بقاء مندوب القتلة بيننا.  عار على لبنان كله ان يتحول، كما قال صديقنا احمد فتفت، وزير خارجية لبنان مجرد "باش كاتب" عند سفير قتلة الاطفال. وهذا بالضبط ما يتناقض مع مواقف رئيس الجمهورية الاخيرة خصوصا بعد فضح مؤامرة سماحة - مملوك. وان عدم حصول لقاء بين الرئيس ميشال سليمان ووفد بشار في قمة عدم الانحياز يعتبر في هذا المجال نقطة ايجابية تسجل لرئاسة الجمهورية.

بناء على ما تقدم، سنواصل حملتنا لطرد سفير القتلة لا بل قاتل الاطفال في سوريا لأن بقاءه على ارضنا عار علينا.

=================

هل تخلّت روسيا عن الأسد؟!

راجح الخوري

2012-09-01

النهار

لماذا تتوارى روسيا عن المسرح السوري الذي اضطلعت فيه بدور المدافع عن النظام السوري في مجلس الامن وعبر الاساطيل وشحنات السلاح، واين هو سيرغي لافروف ولماذا غاب صوته وتصريحاته اليومية وزياراته المتلاحقة الى دمشق، وهل انسحبت موسكو الى كواليس المسرح الدموي تاركة الايرانيين وحدهم يدعمون النظام الذي يتخبط في رمال متحركة ستنتهي بانهياره؟

انها الاسئلة المطروحة الآن بعدما لاحظ المراقبون ان روسيا تنسل بهدوء خارج الازمة السورية التي ربما ادركت اخيراً انها ستسبب لها خسارة كبيرة في العالمين العربي والاسلامي من دون اي ضمان لنجاح الاسد في تجاوز الأزمة.

سبب هذا الكلام ليس غياب الصوت الروسي عن قمة عدم الانحياز، ولا غياب سيرغي لافروف عن المشهد بعدما كان يقال انه صار وزير خارجية سوريا. السبب الحقيقي هو الحديث المتواتر عن امكان انسحاب السفن الروسية من طرطوس وحتى من المياه السورية!

ما يشجعني على طرح هذه الاسئلة هو التناقض الواضح في التصريحات الاخيرة للقيادات العسكرية الروسية وكذلك قرارات وقف استعراض القوة البحرية امام الساحل السوري في مواجهة التهديدات "الكلامية" الغربية. ففي 22 آب الماضي اعلن قائد الاسطول الروسي فيكتور تشيركوف انه "إذا وصلت الحرب ضد سوريا الى ميناء طرطوس فمن المحتمل ان تخلي موسكو قطعها البحرية من الميناء وكذلك من السواحل المقابلة لسوريا".

طبعاً ليس في وسع تشيركوف ان يقول كلاماً بهذه الاهمية من دون مباركة او ايعاز من فلاديمير بوتين، وطبعاً ليس في وسع بوتين اعطاء فكرة سلبية عن تراجع روسيا عن موقفها في سوريا بهذه السهولة، ولهذا جاءت تصريحات قائد اركان الجيش الروسي الجنرال نيكولاي ماركوف بعد "انتظار" ستة ايام على كلام تشيركوف، لتعلن انه "لم يطرأ اي تغيير على جدول اعمال الجيش الروسي الموجود في سوريا ولن يتم اخلاء قواعد الاسطول من طرطوس ومن السابق لأوانه الحديث عن "الهروب" من سوريا"، بما يعني ضمناً ان هناك على الاقل تفكيرا في احتمال "الهروب" عندما يحين الأوان!

اضافة الى هذه التصريحات المتناقضة يجب التوقف امام قرار موسكو الغاء المناورات الواسعة التي كان من المقرر اجراؤها هذه السنة في المنطقة، وكذلك عودة السفن الروسية الـ11 من سوريا الى المواقع التي تحركت منها في اساطيل الشمال والبلطيق والبحر الاسود، وكذلك الحديث عن ان موسكو ابلغت الاسد انها جمّدت المساعدات العسكرية له وستكتفي بتقديم المساعدة اللوجستية.

والسؤال: هل قفز الروس من سفينة الاسد المشرفة على الغرق بعدما وجدوا انهم سيخسرون المنطقة من دون ضمان "ربح" بقاء النظام؟

=================

صعوبة الحظر الجوي في سورية

عبد الباري عطوان

2012-08-31

القدس العربي 

التصريحات التي ادلى بها الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الاركان المشتركة في الجيش الامريكي يوم امس اثناء توقفه في لندن وقال فيها 'ان اسوأ نتيجة محتملة للأزمة في سورية ستكون حالة من الفوضى وعدم الاستقرار' ستشكل صدمة للدول العربية ومعظم فصائل المعارضة السورية، التي راهنت، ولا تزال، على تدخل عسكري خارجي لتغيير النظام.

فما يقلق الادارة الامريكية هذه الايام، حسب ما ورد في العديد من التقارير الاستراتيجية، هو تزايد نفوذ الجماعات الجهادية الاسلامية على الارض السورية، وصعوبة السيطرة عليها بالتالي. وهذا الموقف الامريكي المتردد دفع بعض جماعات المعارضة السورية الى مهاجمة الادارة الامريكية، واتهامها بخذلان الشعب السوري وثورته، والتهديد بالتحالف مع الجماعات الاسلامية المتطرفة ضد الولايات المتحدة.

ومن الواضح ان الضغوط التي مارستها وتمارسها حكومة السيد رجب طيب اردوغان التركية على امريكا، وحلف الناتو ايضا، بإقامة مناطق عازلة داخل سورية لاستيعاب عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين، لم تجد آذانا صاغية لصعوبة اقامة مثل هذه المناطق في ظل الدعم الروسي ـ الصيني المطلق والمفتوح للنظام السوري.

الجنرال ديمبسي بعث رسالة واضحة الى الحكومة التركية بعدم وجود الرغبة والحماس لدى إدارته لإقامة مناطق الحظر الجوي هذه عندما قال بالحرف الواحد 'ان المقارنة المتكررة للحالة السورية مع ليبيا، حيث تم فرض منطقة حظر طيران بموجب قرار من منظمة الامم المتحدة، هي في احسن الحالات مصدر للتسلية'.

وربما تكون مثل هذه التصريحات الصادرة عن الرجل الأقوى في المؤسسة العسكرية الامريكية، الى جانب اسباب اخرى، هي التفسير الاكثر منطقية لخفوت صوت السيد اردوغان وابتعاده عن الملف السوري، علنيا على الأقل، وللهجوم الشرس الذي خصّه به وحكومته الرئيس بشار الاسد في مقابلته الاخيرة مع قناة الدنيا المملوكة للسيد رامي مخلوف.

الموقف في سورية يختلف كليا عن نظيره في ليبيا، فتدخل حلف الناتو في الاخيرة كان 'مجرد نزهة'، ومعدوم المخاطر، لأن الجيش الليبي كان ضعيفا، بل غير موجود اساسا، بعد ان حلّه العقيد القذافي واستبدله بكتائب امنية بقيادة ابنائه وأفراد خُلّص من قبيلته.

الجيش السوري ما زال قويا، ويملك قدرات دفاعية هائلة وفق التقديرات الغربية، علاوة على بطاريات صواريخ روسية حديثة يمكن ان تتصدى لأي غارات جوية من قبل حلف الناتو، والأهم من ذلك ان النظام السوري يجد كل الدعم من روسيا والصين كما قلنا (بوارج الاولى ما زالت ترابط في ميناء طرطوس) وايران وحزب الله في دول الجوار.

' ' '

القلق الأكبر لدى واشنطن هو من قيام تنظيمات جهادية اسلامية متشددة على نمط 'القاعدة' بملء اي فراغ يمكن ان ينشأ في حال تحوّل سورية الى دولة فاشلة، في حال سقوط النظام، خاصة ان تجارب في دول مثل افغانستان والعراق بعد الاحتلال، واليمن وليبيا بعد سقوط النظام، تؤكد مثل هذه المخاوف، بصورة او بأخرى.

الأمر المرجح ان الوضع الراهن يناسب واشنطن والدول الغربية الاخرى، وان كان لا يناسب المعارضة السورية والدول العربية الداعمة لثورة الشعب السوري. فالتحالف الغربي العربي المناوئ للنظام يرى ان حرب الاستنزاف الدائرة حاليا على الارض السورية، بعيدا عن اي تدخل اجنبي مباشر، قد تؤدي الى اضعاف الجيش السوري، وتقويض قواعد التأييد للنظام من الداخل، وإحداث انشقاقات اكبر داخل المؤسسة العسكرية السورية.

المعادلة على الارض، او بالأحرى في ميادين القتال، تميل لصالح النظام في الوقت الراهن، لأن تسليح الجيش السوري الحرّ ما زال ضعيفا بالمقارنة مع القدرات العسكرية الهائلة التي يملكها النظام وقواته، ولكن اذا صحّت بعض التسريبات الغربية والعربية التي تقول بأن دولا غربية قد تلجأ الى تزويد الجيش الحرّ بصواريخ حديثة لإسقاط الطائرات السورية التي تهاجم تجمعاته في حلب وإدلب ودير الزور وريف دمشق، فإن هذا قد يُحدث تحوّلا خطيرا في الحرب، على غرار ما حدث في افغانستان.

صواريخ 'ستينغر' الامريكية المضادة للطائرات والتي تحمل على الكتف شلّت الطيران الحربي السوفييتي في افغانستان عندما زوّدت بها واشنطن المجاهدين الافغان في الثمانينات، وجعلت من معظم افغانستان منطقة حظر جوي، فهل تتكرر السابقة نفسها في الايام والأشهر المقبلة؟ ثم ما هو الرد الروسي والصيني والايراني على هذا السيناريو المرعب في النهاية؟

وانا اجري ابحاثا لتأليف كتابي الاول عن 'القاعدة'، قال لي مصدر موثوق مقرب من التنظيم، ان عناصره عندما حاولت استخدام صواريخ ستينغر ضد طائرات امريكية اثناء الهجوم الامريكي على افغانستان بعد هجمات الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) لم تنطلق هذه الصواريخ لأنها كانت مبرمجة لإصابة طائرات غير امريكية. واضاف ان بعض خبراء التنظيم نجحوا في فك الشفرة وتمكنوا من استخدامها في اسقاط عدة طائرات عمودية امريكية. ولست خبيرا عسكريا لأجزم بدقة هذه المعلومة.

الاستراتيجية الامريكية الجديدة في المنطقة تتمحور حول كيفية اضعاف، ان لم يكن تدمير الجيوش العربية وانهاء قدراتها القتالية حتى تظل اسرائيل هي القوة الاقليمية الأعظم في المنطقة دون منافس، والجيش السوري بلا شك هو على رأسها.

وليس صدفة ان العراق وبعد عشر سنوات على غزوه واحتلاله وتفكيك جيشه ما زال بلا اي جيش قوي، ولا سلاح طيران، والشيء نفسه ينطبق على ليبيا. وعندما سئل وزير الداخلية الليبي عن اسباب تصديه للجماعات التي دمرت الاضرحة ومساجد الصوفية في طرابلس ومدنا اخرى، قال بالحرف الواحد: لا يوجد لدي جيش او قوات كافية للتصدي لهذه الجماعات.

' ' '

المسؤولون الغربيون يهربون من اتخاذ اي مواقف جدية دعما للمعارضة وقوات الثورة السورية، ليس بسبب الاسباب المعلنة مثل ضعف المعارضة وانقساماتها وتناسل فصائلها، وانما من منطلق الخوف من السقوط في مستنقع دموي لا يمكن الخروج منه بسهولة.

وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس هدّد بالأمس بان الرد الغربي سيكون ساحقا في حال استخدام النظام السوري اسلحة كيماوية وبيولوجية ضد قوات الجيش الحرّ. النظام السوري اكد انه لن يستخدم هذه الاسلحة، ولكن الانطباع الذي يتبادر الى ذهن اي انسان يستمع الى هذه التهديدات، ان القتل بالاسلحة التقليدية مقبول اما بالاسلحة الكيماوية فهو خط احمر!

الثقة التي ابداها الرئيس بشار الاسد اثناء مقابلته مع قناة الدنيا، ولهجة التحدي التي عبر عنها في اجاباته ربما تعود الى معرفته بالمخاوف العميقة لدى القادة الغربيين من مخاطر التدخل في سورية.

الغرب، وبعض العرب، صعّدوا آمال الشعب السوري بإظهار استعدادهم للتدخل على غرار ليبيا، ثم قطعوا بهم الحبل وهم في منتصف الطريق.

مرة اخرى نقول إن الشعب السوري هو ايضا ضحية مؤامرة خارجية!

=================

تداعيات الحرب السورية على لبنان والأردن وتركيا

سليم نصار *

السبت ١ سبتمبر ٢٠١٢

الحياة

كثرت مرويات البطولة التي فاخر بها اللبنانيون عقب معركة الفنادق (كانون الأول/ ديسمبر 1975). وهي معركة شرسة استمرت أسابيع عدة تنازع خلالها «المرابطون» وشبان «الكتائب» على احتلال فنادق الفينيسيا والكازار والهوليداي – إن. وكانت رايات المتقاتلين ترفع من الشرفات المحترقة لتبلغ الإعلاميين في الخارج عن هوية المنتصر. وقد سقط أثناء تلك الجولات العنيفة فتيان في مقتبل العمر، دفعتهم الحماسة لرسم خطوط تماس تفصل بين لبنانيين ومنطقتين ومنطقين.

ومع ولادة «المرابطون» في المنطقة الغربية من بيروت، ولدت في المنطقة الشرقية ميليشيات مختلفة كانت متعاطفة مع نهج «الكتائب و «الأحرار» بينها حراس الأرز وحركة التنظيم.

وحدها الطائفة السنّية اعتمدت على سلاح المقاومة الفلسطينية لحماية الأرواح والممتلكات، ولم تدخل في «بازار» الميليشيات التي تقاسمت مؤسسات الدولة، بدءاً من بنت جبيل في الجنوب حتى نهر البارد في الشمال. وقد أرضى هذا الدور ياسر عرفات الذي تفيأ في لبنان ظلال السنّة ودروز كمال جنبلاط، كي يتقي بهما احتمالات الأخطار التي واجهته في الأردن سنة 1970.

المهم أن معركة الفنادق التي خاضها «المرابطون» إلى جانب القوات المشتركة للحركة الوطنية، أبرزت إبراهيم قليلات كزعيم بيروتي جديد بسط سلطته على كل المنطقة الممتدة من شارع المزرعة حتى المتحف.

حدث مرة أن زاره الرئيس تقي الدين الصلح ليعاتبه على سلوك جماعته على المعابر الحيوية. ولما اشتدت حدة النقاش، وشعر قليلات بالإحراج أمام أنصاره، انبرى للدفاع عن موقفه بتوجيه سؤال إلى منتقده، قال فيه: أنا يا تقي بك... أمثل المقاتلين. ممكن أعرف أنت مين بتمثل؟!

وأجابه الصلح فوراً: أنا أمثل المقتولين... ونحن في لبنان الأكثرية.

ومثل هذا الوضع المؤلم الذي خبره اللبنانيون طوال خمس عشرة سنة، ودفعوا ثمنه دماراً شاملاً، إضافة إلى موت 120 ألف نسمة... هذا الوضع لا يحاكيه في التعاسة سوى وضع سورية حالياً. لذلك، وصف مراقبو الأمم المتحدة الذين غادروا دمشق، الأحوال الأمنية بأنها ستزداد سوءاً بسبب تنامي روح الانتقام بين النظام والمعارضة. خصوصاً أن سيد النظام مقتنع بأن الثورة التي اندلعت قبل 17 شهراً ليست أكثر من مسرحية دولية يمثل فيها أناس مأجورون ومرتزقة يجب تطهير البلاد من رجسهم. وهذا ما كرره في حديثه الهادف عبر «قناة الدنيا»، عندما قال إن مسألة تحرير البلاد من العدو الداخلي تتقدم على مسألة تحرير الجولان من العدو الإسرائيلي. ووعد بتصفية هذا العدو الذي ينشط في حماة وحمص وحلب ودرعا ودمشق، في أقرب وقت ممكن.

وعلق على كلامه رئيس المجلس الوطني السوري الدكتور عبدالباسط سيدا، معتبراً «أن الثورة لن تتوقف إلا إذا رحل بشار الأسد مع عصابته الحاكمة». ورأى أن العجز الدولي عن التدخل العسكري سينسف مهمة الأخضر الإبراهيمي قبل أن تبدأ.

ومع إصرار الفريقين على تطبيق أسلوبهما، تزداد مخاوف الدول المجاورة من ازدياد أعداد اللاجئين الذين فروا إلى تركيا والأردن ولبنان والعراق وكردستان. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن عدد الهاربين من ساحات القتال في سورية، تخطى المئتي ألف نسمة قامت تركيا باستيعاب ثمانين ألفاً منهم. ونقل عن وزير الخارجية أحمد داود أوغلو قوله: «إذا زاد عدد اللاجئين عن مئة ألف شخص، فإن تركيا مضطرة إلى عرض اقتراح يقضي بإقامة منطقة آمنة تحرسها قوات أجنبية».

وقد أيدت الوزيرة الأميركية هيلاري كلينتون الاقتراح التركي مشيرة إلى وجود عقبات قانونية تحول دون تنفيذه. كذلك، عارضت روسيا فكرة إنشاء منطقة حظر جوي شبيهة بالمنطقة التي أقامها حلف شمال الأطلسي في ليبيا تمهيداً لإطاحة نظام معمر القذافي. وأعلن الوزير الروسي لافروف أن بلاده ترفض استخدام المخاوف الإنسانية مبرراً لإقامة مناطق حظر جوي.

ودعت فرنسا إلى مناقشة فكرة المنطقة العازلة بناء على اقتراح الرئيس فرنسوا هولاند، ولكنها استبعدت في الوقت ذاته احتمال حصول تفويض من مجلس الأمن نظراً إلى استعداد روسيا والصين لاستخدام حق النقض. وفي السياق ذاته، طالب الوزير التركي داود أوغلو مجلس الأمن بضرورة تنسيق المواقف إزاء مشكلة أصبحت دولية، كونها صدرت أزمتها إلى الدول المجاورة مثل تركيا ولبنان والأردن.

وتشهد الساحة اللبنانية يومياً اشتباكات متواصلة على الحدود الشمالية في طرابلس امتداداً إلى منطقة البقاع. ولبنان من دون شك من أكثر الدول تضرراً وتأثراً بالحرب الأهلية في سورية. ذلك أن الدولة ترزح تحت مسؤولية استضافة 40 ألف نسمة. وهذا رقم ضخم بالنسبة لبلد صغير توقفت مصادره السياحية والمصرفية منذ 17 شهراً. وبدلاً من أن يساعده النظام في دمشق على صيانة وحدة لبنان، رمى في أحضانه كل ما يؤدي إلى تمزيق أواصر الحياة السياسية الهشة. وكان من الطبيعي أن يقود هذا الوضع المشوش إلى مقاطعة الدول الخليجية التي تعرض مواطنوها إلى الخطف والتهديد كجزء من الانتقامات التي تطلبها سورية ضد أعدائها وأعداء إيران. وقد ساهمت الخطب الاستفزازية التي تطلقها جماعة 8 آذار، في توسيع شقة الخلاف الداخلي، الأمر الذي يمهد لتفجير حرب مفاجئة إذا استمر نصف لبنان في تغليب مصلحة سورية على مصلحة الوطن الصغير. ويتردد في أوساط الأمم المتحدة أن انطلاق الصواريخ من جنوب لبنان، سيكون المؤشر إلى انهيار النظام السوري. وهذا ما تنتظره إسرائيل لتوجيه الضربة إلى المفاعلات النووية الإيرانية.

صحيح أن الأردن حتى اليوم، نجا من عواقب الحرب السورية. ولكن عمّان ترزح تحت أعباء التحديات المتأتية عن استقبال لاجئين ومهاجرين عراقيين وفلسطينيين. وهي حالياً ترزح تحت أثقال أكثر من 180 ألف لاجئ سوري. ويعترف وزير الدولة لشؤون الإعلام سميح المعايطة بأن تدفق اللاجئين يفوق قدرات الدولة على استيعابهم، خصوصاً أن العام الدراسي الجديد سيبدأ الأسبوع المقبل. وفي رأيه، أن توافر مستشفيات ميدانية أمّنها المغرب وفرنسا، لا تغني عن استخدام المستشفيات الوطنية في الرمثا والمفرق.

الرئيس اللبناني السابق رئيس حزب الكتائب أمين الجميل، طالب بضرورة الابتعاد عن كل ما يورطنا بمعارك هامشية لا تعني لبنان. ومثل هذه النصيحة تندرج في سلم الأولويات التي اختارتها الحكومة اللبنانية شعاراً للمرحلة الصعبة. أي شعار النأي بالنفس. ولكن الشيخ أمين يعرف أكثر من غيره، أن اللاجئين الفلسطينيين الذين استقبلهم لبنان سنة 1948 تحولوا إلى مصدر لنزاعات لبنانية داخلية. كما استغلت إسرائيل نشاطاتهم لغزو لبنان ولاحتلال جزء من جنوبه.

تقول مصادر رسمية في بيروت إن لاجئي سورية في لبنان، لم يجدوا الأمان الذي ينشدونه بسبب تزايد عمليات الخطف وعجز الدولة عن حمايتهم. وقد وجد الفقراء منهم الملاذات الآمنة في مدارس الشمال ولدى أنسبائهم في المناطق الحدودية. بينما انتشر المنتمون إلى الطبقة الوسطى في بيروت وفي الضواحي البعيدة من أعين المسلحين.

ويرى المراقبون في تأثير الحرب الأهلية السورية، مصدراً للقلق والتوتر على طول الحدود الفاصلة بينها وبين تركيا. ويواجه رجب طيب أردوغان من تبعات هذا التأثير، تحديات خارجية لم يسبق أن واجهته من قبل. فهو من جهة، أمر بانتشار الجيش على طول الحدود... ومن جهة أخرى، أرسل قواته للمرابطة على المثلث الحدودي الإيراني – العراقي – التركي لمواجهة حزب العمال الكردستاني. كذلك أرسل وزير خارجيته داود أوغلو إلى أربيل للاجتماع برئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني، بهدف طلب مساعدته على مواجهة حزب عبدالله أوجلان.

وفي تطور ملفت، زادت الفرقة السورية الرابعة من استخدام الطيران في معركة حلب بعدما سيطر «الجيش الحر» على الكثير من أحيائها الداخلية. ولكن القصف المركز الذي قام به الطيران الحربي أجبر أربعمئة مقاتل على الانسحاب باتجاه تركيا.

واشنطن حذرت أنقرة من التورط في نزاع الحدود لأن دمشق تسعى إلى جرها إلى حرب إقليمية يستفيد منها النظام لتوحيد الصفوف في مواجهة قوات أجنبية. ومع أن أردوغان ينظر بعين القلق إلى تعاظم نفوذ «القاعدة» في حلب وشمال سورية، إلا أنه أمر بمنع تزويد «الجيش الحر» صواريخ مضادة للطائرات خوفاً من تحول ريف حلب إلى بازار لبيع الأسلحة.

واتهمت دمشق الاستخبارات الغربية بعملية التفجير التي استهدفت القادة الأمنيين الأربعة المقربين من الأسد. كذلك اتهمت أنقرة بالاشتراك في التخطيط لأن تركيا في تصورها، تحاول تفكيك سورية إلى ستة أقاليم، مثلما كانت في العهد العثماني. ومن خلال ذلك التفكيك يمكنها السيطرة على نصف سورية.

الرئيس التركي عبدالله غل ينفي وجود خطة من هذا النوع، لأن بلاده لن تبقى بمأمن من تداعيات التحول الجغرافي. وبما أنها مؤلفة من مجموعات إثنية ومذهبية كالعلويين والأكراد والسنّة، فإن تفككها هي الأخرى يبقى من المسلمات. خصوصاً أن الحدود البرية بين البلدين تبلغ 911 كيلومتراً.

وفي رأي الرئيس غل، أن الحرب الأهلية في سورية لن تتوقف ما دام النظام لا يقر بحق المواطنين في طلب الحرية والمساواة والانتخابات النزيهة الشفافة.

وفي تعليقه على هذه الطروحات رفض الرئيس بشار الأسد هذا المنطق، مؤكداً في الحديث الذي أجراه هذا الأسبوع مع قناة «الدنيا»، أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين سياسة هذه الدولة وعقيدة الشعب السوري، وبسبب هذا التلاحم، وبسبب القوات المسلحة، استطاع هذا البلد أن يصمد.

ورأى رئيس المجلس الوطني السوري الدكتور عبدالباسط سيدا، في تحليل الرئيس الأسد افتراء على الحقيقة، لأن غالبية الشعب السوري تلتف حول المعارضة، ولأن استمرار النظام رهن الفيتو الروسي – الصيني. وقد فسر إطلالة بشار عبر قناة تملكها الدولة، تسلطاً غير مقبول واستخفافاً بعقول المواطنين الذين يضحون بأنفسهم من أجل استرداد حريتهم المصادرة لا من أجل عقيدة بعثية عتيقة تحكمت في مصير البلاد والعباد مدة نصف قرن.

مطلع انفجار حركة التمرد في سورية، كتب أحد المختصين في الشأن العربي مقالة أكد فيها اتساع نطاق الانتفاضة، مذكراً بأن النظام كان قد عقد صفقة مع الشعب مفادها: «أنا أوفر لكم الاستقرار مقابل التنازل عن الحرية». وقال الكاتب في سياق المقالة: إن الشعب السوري قرر إلغاء تلك الصفقة، لأنه يطالب باستعادة حريته المصادرة ولو أدى ذلك إلى فقدان الاستقرار.

وهذا ما يحدث بالفعل.

=================

بشّار قاتل الأبوين؟

السبت ١ سبتمبر ٢٠١٢

حازم صاغية

الحياة

تنهض الموضوعة الأساسيّة في سيكولوجيا سيغموند فرويد على «عقدة أوديب». إنّها القصّة المستعارة من الميثولوجيا الإغريقيّة، والتي قال فرويد إنّه، من خلال ممارسته العياديّة، اكتشفها (في 1897) كنوع من العواطف التي يحسّها الأبناء حيال آبائهم.

في تلك الميثولوجيا العائدة إلى القرن الخامس قبل الميلاد، يقتل أوديب أباه لايوس ويتزوّج أمّه جوكستا. وهذا النزاع على الأمّ، وصولاً إلى «قتل الأب»، هو ما غدا، في علم النفس كما في الأدب، رمزاً للتجاوز والتخطّي، استيلاءً على صيت أو على دور أو على مكانة وموقع.

ولقائل أن يقول إنّ بشّار الأسد قاتلُ أبيه الذي كان، بدوره، بعيد الكفاءة في القتل. أي أنّ ما فعله الوالد الراحل في حماة وغيرها يطويه النجل ويجعله لحظة مُتجاوَزة في تاريخ العنف والجريمة. يصير هذا التجاوز أكبر وأشدّ تظهيراً بقياس تحوّلات الزمن وتغيّراته. ففي زمن حافظ الأسد، في السبعينات والثمانينات خصوصاً، كان تنفيذ الجريمة سهلاً نسبيّاً: لم تكن أدوات التواصل الاجتماعيّ ولا حتّى شاشات التلفزيون قويّة وفاضحة، ولا كانت حركات حقوق الإنسان وتيّارات الرأي العام العالميّ ناشطة أو مؤثّرة، كما هيمنت على الكون حرب باردة تحمي المستبدّين وأفعالهم وتعقّد إطاحتهم والتخلّص منهم بذريعة «السيادة الوطنيّة». أمّا اليوم، وعلى رغم كلّ التحوّلات التي يُفترض أنّها لمصلحة الشعوب والحرّيّة، فإنّ النجل يرتكب عنفه الهستيريّ غير هيّاب ولا متردّد.

فإذا كان «الشبل من ذاك الأسد»، جاز القول أيضاً إنّ ذاك الأسد والد هذا الشبل، أي أنّ الكبير الراحل بات يُكنّى بصغيره ويُعرّف. وهذه حاجّة ماسّة لبشّار الذي لم يصبح رئيساً للجمهوريّة في 2000 إلاّ لأنّه ابن أبيه، من دون أيّة ميزة أو صفة أخرى على الإطلاق. هكذا إذاً يُكتسَب المعنى المستقلّ والشخصيّة المستقلّة.

لهذا، ربّما، نرى بشّار يبزّ أباه لا في القتل فحسب، بل في الكلام القاتل أيضاً، إذ أنّ إسباغ الضخامة وقضايا المصير على المفردات امتدادٌ للتجاوز والتخطّي يليق بعظمة مَن يمارسهما. فالكلام الكبير شرط الكبر ودلالة عليه. هكذا رأيناه منذ حضوره أوّل قمّة عربيّة تنعقد بعد رئاسته يعلّم الرؤساء والملوك تاريخ المنطقة الحديث وسجلّ «المؤامرات» عليها. وهكذا نراه، مثلاً لا حصراً، يقول في المقابلة الأخيرة التي أجرتها معه قناة «الدنيا»، إنّ بلاده «تخوض معركة إقليميّة وعالميّة»، وإنّ «القضيّة معركة إرادات». ومن يملك الإرادات الفولاذيّة ويخوض المعارك الإقليميّة والعالميّة يصير أباً لأبيه بدل أن يبقى ابناً بلا ميّزات تتعدّى البنوّة الطبيعيّة.

وقد يندرج في هذه الخانة إنكار الواقع أيضاً. فبشّار، المتجاوز أباه، لا يعبأ بواقع كالذي كان أبوه يعبأ به حتّى الامتثال والإذعان. إنّه، في المقابل، يحلّق في سماوات لا ترقى إليها إلاّ مخيّلات «العظماء» المتعالين.

لكنّ قتل الأب، والحال على ما هي عليه، لا يقف عند الوالد البيولوجيّ المباشر. فهناك أب ثانٍ لجميع الطغاة العرب اكتسب مرتبته تلك من استخدامه السلاح الكيماويّ في حلبجة ضدّ الأكراد. واستخدام السلاح الكيماويّ هو ما لم يقدم عليه سواه في منطقتنا. إنّه صدّام حسين.

وربّما فكّر بشّار في قتل صدّام أيضاً بالمعنى الذي قتل فيه حافظ. ركّزوا أعينكم إذاً على الترسانة الكيماويّة، وليضع العالم كلّه يده على قلبه.

=================

هل اعتمد الأسد «النأي بالنفس» عن سورية؟

عادل مالك *

السبت ١ سبتمبر ٢٠١٢

الحياة

أيضاً وأيضاً عن لبنان نكتب. فبعد استيراده الحرب في سورية ولو مرغماً (الحياة 18 آب/ أغسطس 2012)، وعملاً بمبدأ «وحدة المسار والمصير» بات الحديث عن تطورات ما يجري على الساحات السورية، هو نفسه الحديث عما تشهده الساحات اللبنانية. في هذا المجال ومع اشتداد حدة المواجهات وضراوتها بين النظام والثوار، وحده عدّاد الموت الذي يسجل عدد الضحايا لا يهدأ فيها الآلاف من السوريين الذين يهربون من جحيم المعارك والاشتباكات في أكثر من اتجاه وأبرزها تركيا، والأردن ولبنان، وقد تجاوزت أعداد المهاجرين والمهجرين كل التوقعات الأمر الذي ضاقت به كل الأماكن في دول الجوار السوري والذي حمل بعض الأطراف المعنية في شكل مباشر أو غير مباشر وفي الطليعة تركيا أردوغان للمطالبة بإنشاء منطقة عازلة أو أكثر لممارسة مزيد من الضغوط على النظام السوري. وتلقف الرئيس الفرنسي الجديد فرنسوا هولاند الفكرة معلناً تأييده لها، مقابل الأطراف الدولية الأخرى الفاعلة والمؤثرة في أحداث سورية، التي رفضت السير في هذا الخيار نظراً إلى ما ينطوي عليه من تعقيدات وأخطار على غير صعيد. ومثلاً لا حصراً، فما شهدته مدينه طرابلس في الأيام الأخيرة بين «معسكري باب التبانة وجبل محسن هو الدليل القاطع والواضح على تحريك الجبهة الجاهزة دائماً للاشتعال «غب الطلب».

وما الهدنة الهشة التي أمكن التوصل إليها بموافقة الفاعليات الطرابلسية، وتنفيذ الجيش اللبناني، إلا هدنة بين عاصفتين، واحدة انقضت وخلفت عشرات الضحايا بين قتيل وجريح وأخرى قابلة للاشتعال في كل لحظة. وحول مجمل ما يجري هناك بعض الكلام الذي يجب أن يقال ولو في عناوين رئيسة.

أولاً: إن الشعار الذي طرحه لبنان الرسمي وهو «النأي بالنفس» عما يجري في سورية هو شعار من طرف واحد غير ملزم للأطراف الأخرى المتدخلة والمتداخلة في تفاصيل الوضع اللبناني. وأكدت الأحداث أن رفع هذا الشعار لا يضمن الأمن والاستقرار في لبنان، والدليل على ذلك ما تشهده الساحات اللبنانية منذ بضعة أسابيع وما هو مرتقب حدوثه في الآتي من الأيام والأسابيع والشهور قياساً على الوضع القائم. وما الذي تشهده طرابلس من مواجهات بين طرفي «الباب» و «الجبل»، إشارة واضحة للوضع المشتعل، هذا الوضع المفخخ القابل للتفجير في كل لحظة «تدعو إليها الحاجة». والجانب المخزي في كل ما يجري هو حال الاستقالة أو «الإقالة» من الجانب الرسمي من الدولة اللبنانية، وهو الأمر الذي شكل حالة العجز التي تعاني منها يومياً في أكثر من منطقة من مناطق الجمهورية. وهو الأمر الذي أوجد حالة من الإرباك الشديد حيال تعاطي أجهزة الدولة، الأمني منها والمدني مع ما يشهده الوطن.

ثانياً: وعندما تنحسر سلطات السلطة وتنكفئ وتتراجع إلى الوراء، تبرز الحالات الشعبية التي تريد أن تعبّر عن مطالبها بشتى الوسائل وفي طليعة هذه الوسائل اللجوء إلى قطع الطرقات وإشعال مجموعة من الإطارات وهي الذخيرة «المزدهرة» هذه الأيام، الأمر الذي أدى إلى عزل حركة التنقل بين المواطنين، وهو يطرح الواقع الآتي:

يحق لأصحاب المطالب المحقة التعبير عن هذه المطالب لكن الذي يحدث فعلياً هو تعطيل حياة العاديين من الناس وخصوصاً المتنقلين من مطار بيروت وإليه. ونشرت بعض الصحف الأميركية صورة لعدد من المسافرين الذيي أرغمتهم ظروف قطع طريق المطار على السير على الأقدام مع حمل حقائبهم، حتى لا تفوتهم الرحلة، وكذلك كانت الحال مع العائدين إلى الوطن، وحمل تعليق الصورة: «إذا كنت تريد أن تذهب إلى لبنان، فهذا ما ينتظرك!». وفي هذا المجال صرخة من الأعماق من مواطن لبناني عادي إلى قاطعي الطرق، ولا نريد استعمال عبارة قطاع الطرق! للقول: أنتم تريدون ممارسة الضغوط على السلطة كي تحفزوها على الاهتمام بمطالبكم، وهذا حق مشروع لكن اللجوء إلى الدواليب المشتعلة وإقفال الطرقات يدفع ثمنه المواطنون العاديون الذين لا علاقة لهم بالأزمة من قريب ولا من بعيد. وحول قطع الطرقات، علمنا أن رئيس الجمهورية ميشال سليمان قال بالصوت العالي خلال جلسة مجلس الوزراء إن إقفال طريق المطار خط أحمر ولا يجوز تكراره مهما كانت الأسباب والدوافع، كذلك نسب إلى الرئيس نبيه بري القول إنه يجب أن تقطع يد كل من يحاول قطع طريق المطار. وعلينا الانتظار لكي نرى مدى جدية وضع هذه التهديدات موضع التنفيذ حتى لا يسود الوضع ما يأتي: إن قطع الطرقات هو من قطع الأرزاق والأعناق! ويصبح الوضع بالغ الخطورة عندما يطلق المسؤولون، أو بعضهم على الأقل، صيحات الاستنكار والاحتجاج كسائر المواطنين العاديين فأين وكيف يمكن العثور على مسؤولين يتمرسون بالسلطة لا يأخذون دور المواطن في إطلاق الشكاوى وتحميل «الدولة مسؤولية العجز الناشئ» عن الإشكاليات القائمة وكأن الأمر لا يعنيهم؟

ثالثاً: على صعيد الوقائع وبمعزل عما سيتحمله الآتي من الأيام من مفاجآت بعضها في الحسبان، وبعضها الآخر ليس في الحسبان، يبدو أن الأمر الواضح نتيجة الوضع الإشكالي القائم أن التجاذب ولعبة شد الحبال بين «الأكثرية» و «الأقلية» تؤشر إلى ممارسة المزيد من الضغوط على الحكومة الميقاتية في سبيل إحراجها وصولاً إلى إخراجها.

ونذكر جيداً قصة «الانقلاب الدستوري» الذي أطاح الرئيس سعد الحريري وأتى بالرئيس نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة. لذا، تشعر المعارضة بأن الوقت قد حان لممارسة أقصى الضغوط لحمل الرئيس نجيب ميقاتي على تقديم استقالته إنقاذاً لمبدأ «الثأر» ورد الاعتبار لتيار «المستقبل» وتجمع 14 آذار. مع العلم أن هذا التطور إذا ما حدث وأرغمت الحكومة على تقديم استقالتها فإن مسألة تأليف حكومة جديدة هي من المهام الصعبة إن لم تكن المستحيلة، وعليه تبقى الحكومة الميقاتية في دور تصريف الأعمال، وعدم الحاجة إلى اتخاذ قرارات كبيرة قد تضطرها الظروف إلى مواجهتها.

رابعاً: إذاً، في ضوء الواقع الحافل بألف همّ وهمّ يأتي السؤال: كيف سيتمكن لبنان بالتركيبة القائمة والأوضاع الإشكالية والمعقدة من مواجهة تداعيات تصدير سورية الثورة بكل مآسيها إلى لبنان؟

هل عاد شعار وحدة المسار والمصير بين لبنان وسورية إلى التنفيذ عندما كانت سورية في حال السلم وقبل اندلاع الثورة؟

لكن الأمور تغيرت ولبنان أمام وضع جديد يبعث على القلق وإن أي قراءة غير متأنية لهذا الموقف المستجد قد توقع الوطن الصغير ضحية لعبة أمم كبيرة قد لا يستطيع تحمل ما ستنتهي إليه الأزمة في سورية. ومع استيراد الثورة باتت مواكبة الأحداث في سورية أكثر إلحاحاً لمتابعة ما ستؤول إليه الثورة الشعبية. آخر تصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما: «لم أتخذ أي قرار حتى الآن في شأن سورية، لكن إذا بلغ الأمر مرحلة استخدام الأسلحة الكيماوية من جانب نظام بشار الأسد، فهذا خط أحمر لن نسمح بتجاوزه». هل نحن أمام «صيغة» جديدة من «أسلحة الدمار الشامل» في العراق بطبعة سورية؟ وفي سياق متصل لا بد من رصد كل التحركات المتعلقة بالكيماوي «السوري» والنووي «الإيراني» حيث يطلق بنيامين نتانياهو هذه الأيام، ومع فشل عملية الائتلاف الداخلي مع حزب «كاديما»، التهديدات بتوجيه ضربه عسكرية إلى إيران.

خامساً: مع بدء الوسيط العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي مهمة الوساطة، على رغم أنه لم يمارس مهمته عملياً بعد، وهو الأمر الذي عجز عن القيام به كوفي أنان، ما هي نسبة حظوظه في النجاح؟ الرجل صاحب تجربة عريقة في الوساطات العربية وأبرزها المسأله اللبنانيه التي تُوجت باتفاق الطائف في التسعينات، فهل يمكن اقتباس الفكرة واستخدامها في سورية قد تنتهي بـ «طائف سورية»؟ وحول آخر المستجدات على الساحة السورية لا تزال المواجهات والمنازلات بين كرّ وفرّ وبين مذبحة وأخرى. فقد فشلت حتى الآن جميع محاولات روسيا على تغيير موقفها، وهذا يؤكد القرينة القائلة ليس بالإمكان التوصل إلى أي تسوية في سورية من دون صفقة «متكاملة» بين الغرب الأميركي منه والأوروبي وروسيا.

... وبعد

في مجال المواقف والمزايدات من هنا وهناك لا يجوز قيام بعض الأطراف في لبنان أو عبر لبنان المضي في المواقف التي تعمل على المزيد من تأجيج النيران في كل مكان السوري. وعلى السلطة في لبنان أن تعيد النظر في كيفية تطبيق شعار النأي بالنفس، وتصويب ما هو مطلوب كي يتلاءم واقعياً مع متطلبات المرحلة الحالية البالغة الخطورة والحافلة بالمفاجآت السار منها للبعض وغير السار للبعض آخر. وفي الختام، ملاحظة لافتة تتجلى في تصرفات الرئيس بشار الأسد، فهو عندما يتحدث عما يجري في بلاده وكأنه يتحدث عن كوكب آخر! فهل اقتبس الأسد شعار «النأي بالنفس» كي يمارس نأيه بنفسه عما يجري في سورية؟

قال الآتي رئيس النظام السوري في ظهوره التلفزيوني الأخير وعندما سئل رأيه في تفسير ظاهرة الانشقاقات التي تحدث عمداً: «إنها عملية تنقية ذاتية للدولة أولاً وللوطن ثانياً». وفي ضوء فشل جميع المحاولات التي جرت لوقف الحرب والدمار وسيلان شلالات الدم، على الأطراف التي راهنت على سقوط أو إسقاط النظام بسرعة، عليها مراجعة كل الحسابات السابقة.

=================

لماذا على بشار أن يرحل!

محمد الرميحي

الشرق الاوسط

1-9-2012

للعربي مائة سبب تجعله يطلب من بشار الأسد أن يرحل، وللسوري ألف سبب، أما كاتب هذه السطور فله سبب واحد يقنعه بأهمية رحيل بشار بجانب كل الأسباب الموجبة. قبل أن أشرح السبب أذكّر القارئ الكريم بالنكتة التي تداولها اليمنيون قبل سنوات - على قلة الأسباب التي تجعل اليمني يستملح النكتة - يقال إن علي صالح قبل سنوات خلت قرر أن يرشح ولده أحمد من بعده إلى سدة الرئاسة اليمنية، فلما فاتحه أحد رفاقه أن ذلك لا يجوز، قال: ولماذا جورج بوش الأب سلم الرئاسة في أكبر بلد في العالم، إلى ابنه جورج بوش الابن؟ فقيل له - استمرارا للطرفة - إن بين الأب والابن في أميركا شخصا اسمه بيل كلينتون! أتم علي صالح، وكان في مجلس للقات: يعني، هل تريدون محللا! سوف نأتي بمحلل قبل تسلم الابن أحمد سدة الرئاسة. إذا لم تكن الرسالة وصلت حتى الآن، فإن السبب الذي أريد لبشار أن يرحل من أجله، هو كونه الشخص الذي بدأ بدعة (التوريث في الجمهوريات) - هذا الداء الذي تبين للبعض تدريجيا سُميته في الحكم العربي وكاد ينتشر في عالمنا.

فقد قرر علي صالح - كما سبقت الإشارة - أن يبقى الابن أحمد بعد عمر طويل على العرش الجمهوري اليمني، كما قرر القذافي أن يبقى الابن سيف الإسلام على عرش الجمهورية الليبية (العظمى)، وقد تلفت بن علي حوله لفعل ذلك كما اتضح الآن، أما الابن عدي صدام حسين، فقد دخل في صراع مع أخيه الأصغر قصي على الوراثة، أما حسني مبارك فقد التهى بالفكرة العجيبة في توريث الابن جمال وأخذت معظم وقته في سنواته الأخيرة، وقيست المواطنة المصرية بمدى موافقتها على توريث جمال أو عدم توريثه! لا داعي أن أستطرد هنا كيف عاث الأبناء المرشحون فسادا في الأرض، فتاريخهم مسجل معروف!

لقد نكب العالم العربي بما حدث في دمشق في مطلع القرن الواحد والعشرين حتى كاد ينتشر إلى كل جسم الجمهوريات المعروفة، ونسي كثير في هذا الخضم المتشابك أن هناك (تناقضا في المفهوم) واضحا جليا بين (الجمهورية) و(التوريث). لست على يقين بأن المدرك لدى مؤسسي الجمهوريات العربية الأول هو توريث الحكم لأبنائهم، ولكن تاريخ رؤساء الجمهوريات التابعين، يقول لنا إن المدرك لديهم كان البقاء في الحكم حتى الممات، فلم يرتح أحدهم راغبا في التنحي للآخر من خلال انتخابات حرة ونزيهة. الكل - ولا أستطيع أن أستثني أحدا - إما أجبر على التنحي، في الغالب بسبب القتل بطريقة شنيعة، أو بسبب ثورة شعبية أهانت الرئيس وتركته معزولا في شبه سجن. كل من وعد بأنه سوف يكمل مدته القانونية ثم يمضي أخلف ذلك الوعد، ثم ظهرت بعد تجربة بشار في دمشق فكرة التوريث.

علي صالح مرة أخرى - قرر علنا أنه لن يرشح نفسه، ويا ليته فعل، لدخل التاريخ من باب غير الباب الذي دخله، ولكن بعد فترة (ضغطت عليه الجماهير على أن يقبل مشكورا العودة عن قراره). بالمناسبة قرار التنحي والعزوف، وقرار العودة، لم يكونا إلا محط تندر للعارفين، وقد تردد ذلك التندر في كتابات عربية، سُجّل أصحابها في السجلات السود للدولة اليمنية، على قاعدة المساس بالرئيس هو مساس بالدولة! حكم بورقيبة نحو ثلث قرن الجمهورية التونسية، بدا من منتصفها لم يكن هو يحكم، كانت إما زوجته أو بنت أخته - وسيلة بن عمار وسعيدة ساسي، اللتان تحكما في الرجل العجوز، فعجزت الدولة التونسية كلها ووقعت في مؤامرات القصر، وذلك مرصود بالتفاصيل في تاريخ تونس الحديثة. فاجأ الموت أو القتل رؤساء الجمهوريات العربية في الأغلب الأعم، كما تغيرت الدساتير أكثر من مرة، فقط من أجل التمديد للرئيس. وتكونت بعد ذلك ظاهرة سياسية لها خصوصية عربية، هي أن الجمهور في انتظار موت الرئيس أو قتله، فلربما حصل بعض التغيير في السياسات إلى الأفضل، كما استقر في ذهن الجمهور ضرورة أن يبقى الرئيس مدى الحياة، على الرغم من أن أول مبادئ الجمهورية كما عرفها العالم، هو أن تكون هناك انتخابات حرة ينتظرها الرئيس (وحزبه)، متى ما استقر ذلك الانتظار غير معروف النتائج، تحسنت الإدارة السياسية.

بوصول السيد بشار الأسد إلى سدة الرئاسة، تغيرت أصول اللعبة بشكل فج؛ تغيير في مواد الدستور التي تسمح لشاب صغير في السن بحكم بلد له تاريخ طويل في السياسة، فوق ذاك إدخال متغير آخر جديد هو ما سماه أستاذ الاجتماع المصري سعد الدين إبراهيم (الجملوكية)! وربما لم يفاجأ العالم، لا العربي ولا العالم ككل، بهذا الاستقبال من النخبة السياسية السورية التي تم تدجينها إلى العظم لقبول الوراثة، كما لم يعجب كثيرون بأن السيد حسني مبارك لم يجد في الثمانين مليون مصري و(يقال تسعون مليونا) من به سمات تؤهله نائبا للرئيس. فانتقلت الجمهوريات العربية من عصر استمرار الشخص، إلى عصر استمرار العائلة، ولأنها عائلة لم تمارس السلطة إلا من خلال القهر والهيمنة، كانت المفاهيم التي أطلقت على الشعب مناسبة لهذه التربية السياسية، قال الأسد إنهم جراثيم، وقال القذافي قبله إنهم جرذان! لقد اجتمعت الوحشية مع الدونية. وأصبحت الدولة الجمهورية العربية تحكم بإيجابية الشك لا يقين إقامة الدولة الحديثة.

لقد صفى صدام حسين وحافظ الأسد والقذافي وغيرهم عشرات الآلاف من المواطنين بسبب الشك والتقارير. فليس من المستغرب أن يقوم بشار الأسد بهذا القتل المبرمج، لو كان هناك سباق أولمبي في القتل، لحاز السيد بشار الميدالية الذهبية دون منازع. ويذهب بشار إلى إعادة جديدة للنازية في أبشع صورها عندما يقول إن المنشقين - أيضا المقبوض عليهم والقتلى - هم عبارة عن (عمليات تنظيف ذاتية)! وهل هناك أبشع من تلك التعبيرات لمؤسس ما كاد يسمى في تاريخنا التوريث الجمهوري! إذن، بذهاب الأسد ينقطع عصر استمرار التوريث، فرحيله ليس لإصلاح ماض عربي كئيب، ولكن الأهم لبناء عصر جمهوري عربي عادي مثل خلق الناس، تنتفي فيه كلمات التمديد والتوريث والتأليه، ويعلو فيه تبادل السلطة وإنسانية الحاكم، فإن لم يتم ذلك، فكل التضحيات قد تكون ذهبت عبثا.

آخر الكلام:

الخلافات بين بعض فئات المعارضة السورية لا أفهمها، لا أفهم أن يقال إنها طبيعية أو بسبب انقطاع أربعين عاما من عدم الممارسة السياسية، كل ذلك غير مقنع. أخشى من أن يكون النظام قد خلق معارضة في بعض أوجهها على شاكلته.

=================

الأسد يعي ما يقول تماما!

طارق الحميد

الشرق الاوسط

1-9-2012

على عكس ما يعتقد كثر ممن تابعوا حديث بشار الأسد التلفزيوني الأخير، فإن الأسد كان يعي ما يقول، وإن طغت الدراما السوداء على بعض إجاباته، خصوصا حول الانشقاق والمؤامرة؛ فالأسد لم يكن منفصلا عن الواقع، كما يبدو، بل إنه كان يوجه رسائل محددة لأناس محددين.

وما يجب التنبه له هنا أن حديث الأسد التلفزيوني جاء عشية قمة عدم الانحياز بطهران، وكل ما أراد الأسد قوله في ذلك اللقاء التلفزيوني إنه يحقق تقدما على الأرض، لكنه بحاجة للوقت، لا أكثر ولا أقل، فالأسد كان يتحدث وعينه على إيران، وعلى مريديه أيضا، وعملائه، في سوريا ولبنان، فطاغية دمشق قال بكل وضوح: «الكل يتمنى أن يكون الإنجاز أو الحسم خلال أسابيع أو أيام أو ساعات.. هذا كلام غير منطقي. نحن نخوض معركة إقليمية وعالمية، فلا بد من وقت لحسمها، لكن أستطيع أن أختصر كل هذا الشرح بجملة أننا نتقدم إلى الأمام والوضع عمليا هو أفضل، ولكن لم يتم الحسم بعد، وهذا بحاجة لوقت»! فالأسد يعد بالنصر، لكنه يريد من مناصريه وحلفائه الانتظار، وعدم التخلي عنه، أو اليأس من أنه قادر على إنجاز ذلك النصر.

ومن يتأمل ما حدث بإيران، وتحديدا في قمة عدم الانحياز، سيدرك أن الأسد كان يعي تماما ما يقول، والدليل أن وليد المعلم اضطر للانسحاب من المؤتمر، وفي طهران، بعد أن شن الرئيس المصري هجوما على الأسد وأمام المرشد الأعلى والرئيس الإيراني، وبقلب العاصمة الإيرانية التي تعتبر الملاذ الآمن للأسد ونظامه، وهذا يقودنا إلى التأمل في أمر آخر مهم أيضا. فحديث الأسد يدفع المتابع للتشكيك فعليا في ما دار بين الأسد وزواره الإيرانيين مؤخرا، فيبدو أن تلك الاجتماعات انطوت على معطيات مختلفة عما تم تسريبه، حيث يشعر المرء بأن تلك الاجتماعات لم تكن للتفاوض على حيثيات المبادرة الإيرانية المزمعة تجاه سوريا، كما قيل حينها، بل يبدو أن طهران قد أبلغت الأسد بأنها تريد إنجاح قمة عدم الانحياز بأي شكل من الأشكال، وإلا فكيف نفهم أن يتجرأ نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي، على طرح مبادرة تجاه سوريا خلال قمة عدم الانحياز، في الوقت الذي أعلن فيه وزير الخارجية الإيراني عن أن بلاده تنوي إطلاق مبادرة خاصة تجاه سوريا؟

والأمر الآخر المهم هنا هو أن المرشد الأعلى وأحمدي نجاد تفاديا الحديث عن سوريا بقمة عدم الانحياز، علما بأن كلمة نجاد جاءت بعد كلمة الرئيس المصري الذي شن هجوما على الأسد ونظامه، مما اضطر وليد المعلم لتكذيب قناة «العالم» الإيرانية التي قالت إنه لم ينسحب من القاعة احتجاجا على الرئيس المصري، فالواضح أن الإيرانيين كانوا حريصين على إنجاح مؤتمرهم، وكسب مصر، أكثر من الحرص على الأسد بكثير! ولذا فالواضح أن طاغية دمشق كان يعي ذلك تماما، ولذا لجأ للمقابلة التلفزيونية ليقول لحلفائه وعملائه إنه بحاجة للوقت، مما يعني أن الأسد بات يعي خطورة قادم الأيام، فحديثه لم يكن حديث المغرور، بل المذعور!

=================

مهمة المنشق السوري

ديفيد اغناتيوس

الشرق الاوسط

1-9-2012

يرى أبرز منشق عسكري سوري أن مفتاح التحول السياسي في سوريا يكمن في توفير «شبكة أمان» لإقناع العلويين بأنهم لن يتعرضوا لمذابح إذا ما قرروا الانفصال عن الرئيس بشار الأسد.

وقال العميد السوري مناف طلاس، الذي انشق عن الجيش السوري في شهر يوليو (تموز) الماضي: «يتمثل عملي الرئيسي في إقناع العلويين بأنه لا يتعين عليهم الانتحار مع النظام». وأدلى طلاس بهذه التصريحات يوم الثلاثاء الماضي من فرنسا التي لجأ إليها عقب انشقاقه. وتعد هذه أول مقابلة شخصية مفصلة معه منذ انشقاقه عن نظام الأسد الذي كان صديقا مقربا له في الماضي.

وأضاف طلاس أنه لن تكون هناك عملية تحول سياسي من دون وجود جسر من الثقة بين الجيش السوري الحر وأعضاء المصالحة من الجيش النظامي والذين أبدوا استعدادهم للانشقاق عن الأسد كما فعل طلاس، مشيرا إلى أنه من دون وجود مثل هذه الثقة ستؤدي الإطاحة بالأسد إلى انزلاق البلاد إلى حالة من العنف الفوضوي، فضلا عن احتمال سقوط الأسلحة الكيماوية في الأيدي الخاطئة.

وأضاف طلاس: «الكثير من العلويين ليسوا سعداء اليوم بما يحدث على الأرض، ولكن أين الأمان بالنسبة لهم؟ العلويون بحاجة إلى معرفة أن هناك جهة قوية تضمن سلامتهم في حالة انشقاقهم عن النظام».

وعلى الرغم من أن طلاس ينتمي للطائفة السنية، فإنه كان يقود وحدة من الحرس الجمهوري الخاص، التي يشكل العلويون – وهم من الأقلية العرقية التي ينتمي إليها الأسد ودائرته الداخلية - ما يقرب من 80 في المائة منها.

وتحدث طلاس (49 عاما) بشكل مؤثر عن انشقاقه عن الأسد، الذي، حسب تصريحاته، أصبحت يده ملوثة بدماء الشعب السوري ولن يكون قادرا على حكم سوريا مرة أخرى على نحو فعال. وفي ربيع عام 2011، خرج المحتجون بأعداد كبيرة وعرض طلاس عقد لقاء مع المتظاهرين، وأخبر الأسد عن عقد اللقاء في شهر أبريل (نيسان) الماضي في داريا مع المتظاهرين الشباب الذين التزم آباؤهم الصمت ولكنهم كانوا فخورين بثورة أبنائهم. وحذر طلاس قائلا: «هذه ثورة الآباء من خلال أبنائهم»، مشيرا إلى أنه من المستحيل أن يتم وضع حد لهذا الصراع من خلال القوة.

وكان الأسد شخصية متقلبة وغير جديرة بالثقة وتميل بشكل متزايد إلى تبني الاتجاه المتشدد لعائلته، ولا سيما شقيقه ماهر الأسد وابن خاله حافظ مخلوف، الذي يترأس فرع التحقيق في المخابرات العامة السورية. وكان مخلوف قد قال لطلاس: «إذا ما فرضت القوة سوف يخاف الناس ويتراجعون».

ويقول طلاس إنه في مايو (أيار) 2011، تم تجاهل نصيحته بالتواصل وألقي القبض على من يجري اتصالات معهم بعد لقائه بهم. كان ذلك هو الحال حتى في الرستن، المدينة الواقعة وسط سوريا، حيث ولد أبوه. وبعد أن حاول طلاس إرساء السلام هناك، وبخه مخلوف. بعد ذلك، توقف طلاس عن قيادة وحدته في الجيش.

بدأ طلاس ابتعاده عن النظام في يوليو 2011، وذلك عندما استدعاه الأسد وسأله عن سبب عدم قيادته لقواته, فأجابه طلاس بأن بشار نفسه ورجاله لم يكونوا صادقين بشأن التسوية التي بدأها. وأضاف: «أنتم تصنعون مني كاذبا. أنتم وسوريا تنتحرون». فرد الأسد بأن كلامه هذا «مبالغ فيه» وأنه سيتحول إلى «الخيار الأمني».

«أنت تحمل عبئا ثقيلا على كاهلك - وإذا ما أردت الطيران، عليك إسقاط ذلك الحمل»، هذا ما يقول طلاس إنه أخبر به الأسد في ذلك الاجتماع الأخير. وأضاف: «لكن يبدو أن الحمل الثقيل - الأسرة والحلقة المقربة - قد انتصر».

يقول طلاس إنه ظن في البداية أن بإمكانه البقاء في دمشق، في حالة معارضة صامتة للسياسات المتعسفة. لكن مع تصاعد العنف ليصل إلى حد مذبحة تشمل مختلف أنحاء الدولة، يقول: «لم يستطع ضميري تحمل ذلك الوضع». بدأ التفكير في نهاية العام الماضي بشأن كيفية الهروب.

لا يزال الجنرال السابق يملك المظهر القاسي الذي جعل منه قائدا عسكريا صاحب شخصية ساحرة، الأمر الذي أدى بالبعض إلى التكهن بأنه ربما يلعب دورا في المرحلة الانتقالية في سوريا. غير أن طلاس يقول إنه لا يرغب في شغل أي منصب في حكومة مستقبلية وإن تركيزه منصب فقط على «خارطة الطريق» التي وضعها لتجنب النزاع الطائفي. ربما يكون من الحكمة بحيث يتخلى عن طموحه السياسي، إذ إن ثروته ونمط حياته العلماني وخلفيته البارزة (شغل والده منصب وزير دفاع) تجعله هدفا لحركة معارضة إسلامية شعبية.

التقيت طلاس لأول مرة قبل ست سنوات في دمشق، الأمر الذي ربما يمثل أحد الأسباب وراء اتخاذه قراره بالحديث بصراحة وإجراء المقابلة. حينما سألته عما سيقوله للأسد إذا ما تسنى له أن يبعث إليه برسالة أخرى، غلبته العواطف للحظة وغادر الغرفة. وعند عودته، أجاب: «كيف يمكن لأحد الاعتقاد أنه يحمي دولته، في الوقت الذي تضرب فيه قواته الجوية ودباباته أرض بلاده؟».

=======================

دور إيران في الصراع في سوريا: الطريق إلى طهران- كفاح النظام الإيراني لبقاء الأسد

القيادة في طهران تبذل الآن قصارى جهدها من أجل الحفاظ على النظام في دمشق لأن سقوط بشار الاسد سيدخل إيران في عزلة خطيرة للغاية ولن يكون باستطاعتها الالتفاف على العقوبات، كما يرى باهمان نيروماند.

باهمان نيروماند

ترجمة: فلاح آل ياس

مراجعة: هشام العدم

حقوق النشر: قنطرة 2012

24/8/2012

ربما تكون الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي الدولة الوحيدة المتبقية، التي مازالت تدعم النظام السوري دون تحفظات. وحتى روسيا والصين اللتان لا تزالان تعارضان فرض عقوبات على سوريا حتى الآن، بدأتا تدريجيا بإعادة التفكير في موقفهما.

ورغم أن طهران أعلنت عن استعدادها لدعم أي خطة سلام، ولكن فقط إذا كان الأسد سيبقى في السلطة. ويبدو أن التحالف مع نظام الأسد مهم جدا لإيران لدرجة أن مسعود جزائري، مساعد رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، قال إن إيران لن تسمح بتغيير النظام في دمشق من قبل "حكومات الشر"، مثل المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا. فهل يعني ذلك بأن إيران مستعدة للدخول في حرب من أجل الأسد؟

بالنسبة للجمهورية الإسلامية فإن هناك الكثير من الأمور الهامة المرتبطة بالأسد، لأن انهيار نظامه يعني انهيار كامل الهيكل الذي عملت إيران على تشييده في السنوات الأخيرة في الشرق الأوسط.

 

الدين لا يلعب أي دور

دعم للميليشيات المتطرفة: مع الدعم الإيراني والسوري تمكن حزب الله من الصعود ليكون قوة سياسية مهيمنة في لبنان. ومن شأن سقوط سقوط الأسد أن يعرض وضع هذه القوة للخطر

 

 

العلاقة الوثيقة بين سوريا وإيران ليست وليدة اليوم، فهي بدأت بعد وقت قصير من استقلال سوريا في عام 1946. وأصبحت أكثر عمقا مع مر السنين. ولكن الملفت في الأمر هو أن عوامل هذا التقارب، لم تكن القواسم المشتركة الدينية أو العرقية أو الثقافية ولاحتى السياسية، وإنما الأعداء المشتركون.

سوريا هي دولة عربية ذات غالبية سنية، بينما يشكل الشيعة الأغلبية في إيران. أما من الناحية السياسية فسوريا انتمت للجبهة العربية المضادة لإسرائيل، وكان توجهها خلال الحرب الباردة مع القومية العربية والاشتراكية والكتلة السوفياتية. بينما كانت إيران، حتى قيام الثورة الإسلامية، في المعسكر المضاد بإقامتها علاقات جيدة جدا مع إسرائيل، وكانت جزءا لا يتجزأ من التحالف الغربي. ولكن كلي البلدين وقفا معا موقف العداء من البعثيين العراقيين.

ومع استيلاء الإسلاميين على السلطة في إيران جاء الدور على إسرائيل لتكون عدوا مشتركا. ومنذ ذلك الحين اكتسبت العلاقة أهمية استراتيجية للدولتين. خصوصا وأن البلدين يتعرضان لانتقادات وتهديدات الغرب، بقيادة الولايات المتحدة. ونتيجة لذلك كانت سوريا، خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980- 1988)، الدولة العربية الوحيدة التي دعمت إيران. قامت آنذاك بفرض حظر على نقل النفط العراقي عبر أراضيها، وسمحت لإيران بنشر قوات من الحرس الثوري على الأراضي السورية قرب الحدود اللبنانية. ومقابل ذلك قامت إيران بتصدير كميات من النفط، بقيمة مليار دولار أمريكي، مجانا إلى سوريا. وبعد الحرب كثفت سوريا وإيران علاقاتهما الاقتصادية والعسكرية. وقبل عامين، وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى خمسة مليارات دولار أمريكي.

 

سوريا كجسر نحو العالم العربي

أخوة وتحالف: حزب الله الشيعي ونظام الأسد على تحالف وثيق جدا منذ سنوات. سوريا تتصرف هنا كجسر لإيران نحو لبنان، وعبرها يتم تزويد ميليشيات الحزب بالأسلحة.

في عام 2006 وقعت الدولتان على معاهدة للتعاون العسكري في البر والبحر (معاهدة الدفاع المشترك). وفي عام 2010 بنت إيران نظاما حديثا للمراقبة بالرادار في سوريا، مما مكن سوريا من رصد الصواريخ الاسرائيلية، مما عاد بالفائدة على قوة الدفاع الجوي في سوريا ولبنان وكذلك إيران أيضا.

الأهمية الاستراتيجية التي تمثلها سوريا بالنسبة لإيران، تتجلى على وجه الخصوص في وظيفة الجسر التي تؤديها سوريا بفتحها الطريق للجمهورية الإسلامية للوصول إلى شعوب الدول العربية، إلى لبنان وفلسطين والأقليات الشيعية في دول الخليج. في الثمانينات، قام حوالي 1500 من أعضاء الحرس الثوري الإيراني بالعمل على تأسيس حزب الله في لبنان ودربوا الميليشيات التابعة له. ومنذ ذلك الحين وإيران تدعم الحزب بالمال والسلاح. واليوم يعتبر حزب الله الأقوى في لبنان، وهو مرتبط بعمق بالجمهورية الإسلامية، التي تدعم أيضا المنظمتين الفلسطينيتين حماس والجهاد الإسلامي.

وأخيرا تحاول إيران توسيع نفوذها بين الأقليات الشيعية في دول الخليج، وخاصة في البحرين، حيث يشكل الشيعة الأغلبية، ولكن أيضا بين الأقلية في المملكة العربية السعودية. بعد سقوط نظام صدام حسين واستيلاء الشيعة على السلطة، بات العراق خاضعا أيضا للنفوذ الإيراني. لقد أصبحت إيران قوة إقليمية كبرى.

 

تشكيل جبهة ضد المحور الشيعي

أكبر خصم لإيران في المنطقة: بمساعدة من الغرب، رفعت المملكة العربية السعودية من مستوى تسليحها بشكل ضخم، لتكون قادرة مع بقية دول الخليج على خلق ثقل مضاد لإيران.

وهذا بالتحديد ما يولد عداء الدول العربية لإيران، لا سيما المملكة العربية السعودية. وأيضا الغرب يرى مصالحه مهددة في منطقة الخليج العربي. ولهذا بنت السعودية، والتي أصبحت الآن إلى جانب إسرائيل أهم شريك للغرب في المنطقة، ترسانتها من الأسلحة بدعم كبير من الولايات المتحدة وألمانيا أيضا، وشكلت السعودية مع بقية دول الخليج جبهة ضد الجارة الشمالية إيران.

الحديث بات يدور حول "محور شيعي" في مواجهة السنة. في لبنان يحاول السعوديون جذب حزب الله إلى جانبهم، وفي العراق يتم تزويد السنة بالأسلحة في مواجهتهم ضد الشيعة، وفي دول الخليج يجري قمع الاضطرابات الشيعية بشكل عنيف، كما حدث في العام الماضي في البحرين.

العقبة الأكبر في محاولة إضعاف وعزل إيران تتمثل الآن في سوريا. ولا عجب أن السعوديين يقومون بالاشتراك مع قطر، بتزويد الثوار في سوريا بالسلاح، وتساعدهما تركيا أيضا، والتي ترى في حالة الفوضى فرصة لتحقيق طموحاتها بأن تصبح قوة إقليمية عظمى.

طهران لا تألو الآن أي جهد من أجل الحفاظ على بشار الأسد. لأنه في حال سقوط الأسد فستدخل إيران في عزلة خطيرة للغاية، ولن تتمكن من التغلب على الضغوط والعقوبات. وحتى شن هجوم عسكري على المنشآت النووية الإيرانية سيكون عندها أسهل بكثير. وإذا ما فكرت إيران بالدخول في حرب في سوريا فلن يقل ذلك خطورة عن مسألة سقوط الأسد. والظاهر الآن أن الأسد لن ينجح على المدى القصير في هزيمة الثوار. وخطة إيران هي: حرب أهلية طاحنة طويلة الأمد، على غرار الحرب الأهلية في لبنان التي استمرت لمدة 15 سنة.

_____________

*باهمان نيروماند: من مواليد عام 1936 في طهران، كاتب وصحافي مقيم في برلين. ومؤخرا صدرت سيرته الذاتية عن دار نشر Rowohlt تحت عنوان: "بعيدا جدا عن المكان الذي كان يجب أن أكون موجودا فيه".

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ