ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
يوسف الكويليت الرياض 2-9-2012
سوريا لا تغيب عن الذهنية العامة،
فهي حدث متجدد، وطبيعي أن تأخذ حجماً
كبيراً على كل المستويات العربية
والدولية، ولعل وقائع الأسابيع
الماضية، تكشف أن النظام بدأ يفقد
اتجاهه، فمن مأزق جوزيف سماحة الذي كشف
مؤامرة تفجير وقتل مجموعات وقيادات
إسلامية ومسيحية لبنانية، إلى القبض
على عناصر إيرانية متورطة عسكرياً مع
النظام والذين أسرهم الجيش الحر،
وتعدد الهاربين من القيادة العليا
والجيش، إلى خطاب الأسد المرتبك والذي
قال إنه يريد تنظيف المجتمع السوري،
وهو كلام لا يقوله عامل في تنظيف
الشوارع العامة.. وتأتي الطامة الكبرى
بين مندوب سوريا في الأمم المتحدة بشار
الجعفري ووزير خارجية فرنسا لوران
فابيوس الذي قال للمندوب السوري: «إن
جد رئيسكم الأسد طالب فرنسا عدم الرحيل
عن سوريا أثناء استعمارها، وعدم منحها
الاستقلال بموجب وثيقة محفوظة في
وزارة الخارجية الفرنسية»!! تتالي هذه الوقائع
يكشف عري السلطة، وأن خيانة سوريا لم
تبدأ مع الأبناء والأحفاد بل مع الجد
وقبل ستة وثمانين عاماً من هذا العام،
وهذا الكشف ليس جديداً فقد نشر في
العديد من المصادر حتى أن الترحم على
اليهود الطيبين والمسالمين ورد بنفس
نص الوثيقة وهم وقتها يرسمون خطط
الاستيطان وبلورة الدولة اليهودية،
وهذا الطور المبكر من الخيانة، هو ما
يكمل سيناريو اليوم، أي أن عقدة
الطائفة تعالت على الوطن، واستهدافه
من بيع الجولان إلى قتل الشعب. لقد وصل الحكم
الطائفي بغفلة من القيادات العائلية
السورية الشهيرة التي مهدت إلى أن يقفز
العلويون للجيش ومن ثم السيطرة على
جميع واجهات الدولة وملئها بعناصر
الطائفة، وطالما ظل الجميع يعامل
الأقليات السورية بالقدر الذي يعامل
به أي مواطن، فقد لا يكون الأسد يمثل كل
الطائفة، وبالتالي فالعداء مع جانب من
التشكيل الوطني السوري خطأ، حيث لا
تؤخذ أقلية تلاحمت روحياً وعملياً مع
الأسد، لتعميم ذلك على كل العلويين،
فحتى بالطوائف الكبرى والصغرى، هناك
عناصر مماثلة انتهازية، وضرورة أن
تعطي المعارضة والجيش الحر ضمانات
التعامل مع العلويين وفق الحق الوطني
بحيث لا تنشأ خلافات تجر إلى حروب تدخل
فيها قوى أخرى، لأن المحافظة على
الوحدة الوطنية، إحدى مهمات من يسعون
إلى انتزاع حرية سوريا من قبضة
الدكتاتورية القائمة. إيران الحليف المعلن
لسوريا، حاولت تسويق قضية الأزمة
السورية في قمة عدم الانحياز، لكنها
فوجئت بأن ادارة التدليس لم تنطل على
القيادات والوفود، لأن مشاهد الواقع
أقوى من شهادات الزور والتزوير،
وبالتالي كان انسحاب الوفد السوري
ضربة للطرفين مما كرس العزلة الحقيقية
والاستنكار العالمي للمجازر والتعدي
على حقوق وطن بملايينه وثرائه وإنسانه. المشهد السوري بدأ
يأخذ اتجاهات تتناقص فيه قدرة السلطة
على الصمود، وحتى مع المواقف غير
الإنسانية في مجلس الأمن ومعاناة
الشعب، برهن المواطن السوري أنه فصل
الخطاب والمعادلة الصعبة في قهره أن لا
يكون حراً مهما تضاعف شلال الدم وأعداد
الشهداء. ================= حسم
الصراع على الهوية مدخلاً لحسم مصير
الثورة السورية لامفرّ من
إعادة الاعتبار إلى دور الإسلام في
صياغة هوية سوريا القادمة. ولامهرب من
وجود طرحٍ جديدٍ عن ذلك الدور يختلف عن
الطرح التقليدي السائد د. وائل مرزا الأحد 02/09/2012 المدينة هل يُعقل أن يكون
الصراع على الهوية الحضارية لسوريا
المستقبل عاملاً رئيساً في تأخير
الحسم بالنسبة للثورة السورية؟ نجزم أن الجواب هو
نعم. لايقتصر الأمر على
القوى الخارجية وإنما يشمل كثيراً من
قوى المعارضة السياسية السورية. فثمة هاجسٌ يبلغ
أحياناً درجة الهوس يتعلق بالإسلام
ودوره في تشكيل تلك الهوية لدى القوى
المذكورة. من الضرورة بمكان أن
نتفهّم الهاجس المذكور، وأن نتعاون
على صياغة ذلك الدور بتوازنٍ يُنجينا
من أي تطرفٍ قادم، لكنه في نفس الوقت
يتجاوز أخطاء الماضي القاتلة، والتي
وقعت فيها أغلب النخب السياسية
السورية خلال العقود الماضية. فالمعروف أن هذه
النخب حاولت تشكيل هويةٍ حضارية
مختلفة عن تلك التي كانت سائدة مع
نهاية الدولة العثمانية.تفاوتت صور
الهوية الجديدة المطروحة بتفاوت
طارحيها، لكنها اتفقت على القطيعة
بدرجةٍ أو أخرى مع عنصر أساسي من عناصر
الثقافة السابقة يتمثل في الإسلام
كدين وكطريقة حياة. ومنذ تلك اللحظة،
زُرعت بذور الفشل القادم.. لم تكن القطيعة على
الدوام نابعةً من معرفةٍ بكمون
الإسلام الحضاري. ولم تكن بالضرورة
صادرةً عن عداوةٍ ورفضٍ له عن سابق
تصميمٍ وإصرار كما يعتقد البعض. على
العكس من ذلك. حصلت القطيعة في كثيرٍ من
الأحيان بسبب الجهل المأساوي بحقيقة
ذلك الكمون. فمن ناحية، كان
التطبيق العملي السائد لتعاليم الدين
من قِبل من يدّعون تمثيله في حقول
الاجتماع والثقافة والسياسة متخلفاً
وظالماً للكمون الذي نتحدث عنه. لأن
التطبيق كان أصلاً مبنياً على جملة
أفهام جزئيةٍ تقليدية للدين حاصرت
مقاصده الكبرى التي تحرر الإنسان
وتطلق طاقاته الهائلة على كل صعيد. ومن ناحية أخرى، كانت
عملية صياغة الهوية الجديدة تتم بشكل
رئيس على يد نخبٍ ثقافية وسياسية
محدودة العدد. كانت تلك النخب (طليعيةً)
ومتقدمةً في رؤيتها للمتغيرات
العالمية على الفهم (السكوني) السائد
في المجتمع. فأصبحت من خلال ذلك
الإدراك قادرةً على المبادرة والحركة
والتأثير أكثر من غيرها من شرائح
المجتمع السوري. وحصل أن مارست تلك
النخب فعلاً عملية قيادة التغيير في
معزلٍ عن حراكٍ اجتماعي وثقافي شامل،
خاصةً على صعيد تغيير الهوية الثقافية
التي أدركت أنها منطلق كل تغيير آخر. لكن الخطأ القاتل
تمثل في أن تلك النخب اعتقدت أن فهمها
للعالم ومتغيراته وانفتاحها على
الثقافات والأفكار الجديدة يكفي بحد
ذاته لصياغة الهوية الثقافية الجديدة. لم تلتفت تلك النخب
كثيراً إلى أهمية وحساسية المكونات
التاريخية للهوية الثقافية. ولم تدرك
ضرورة بل وحتمية استصحاب تلك المكونات
في عملية بناء الهوية المطلوبة،خاصةً
فيما يتعلق بالمكوّن الإسلامي، وإن من
خلال رؤيةٍ ثورية جديدة له. لكن الحصيلة
النهائية كانت بعيدةً عن آمال تلك
النخب الثقافية والفكرية. خاصةً حين
دخلت على الخط نخبٌ عسكرية استلمت
قيادة التغيير. اختلط بعدها الحابلُ
بالنابل. تداخلت المصالح بالمبادىء.
وتم توظيف الشعارات التقدمية لإعادة
إنتاج المنظومة العائلية والمناطقية
والعشائرية في صورة معاصرة. لكن المصيبة الكبرى
تجلت في إصرار النخبة العسكرية التي
تفتقد للخلفية الثقافية على إعادة
صياغة الهوية بشكلٍ قسري هذه المرة.
وجاء هذا وفق فهمٍ مشوهٍ لرؤية النخب
الثقافية والسياسية السابقة التي كانت
أصلاً ناقصةً ومجتزأة. وفي ظلّ الهاجس
التاريخي من الإسلام، رضيت النخب
الثقافية بالبقاء على الهامش، وظنّ
بعضها أن مجرد حذفه من مسألة صياغة
الهوية إنجازٌ مقبول. لم يكن بدٌ من أن نصل
بوجود تلك المقدمات الخاطئة إلى نتيجة
كارثية: فظهرت آثار الانفصام الثقافي
على كل صعيد في الحياة العربية. فتحت شعاراتٍ مختلفة
تبحثُ عن نَسبٍ إلى (التقدمية)، من (الشيوعية)
إلى (القومية) إلى (الليبرالية)، برزت
إلى الوجود الأشكال الخارجية
والظاهرية للحداثة على مستوى الفرد
والجماعة البشرية والدولة، وعلى مستوى
المنظومات الاقتصادية والسياسية
والإدارية. لكنها ظهرت خاليةً من
المضمون. إذ كان الجوهر الثقافي
للإنسان يزداد ضياعاً وتمزيقاً بين
انتماءات وولاءات بدت في كثير من
الأحيان متناقضةً ومتضاربة، وبين
مصادر عديدة لتشكيل الهوية لم يتمكن
أحد من تحديد نسب وتوازنات التعامل
معها. بكلامٍ آخر، لم يستطع
المتحدثون التقليديون باسم الإسلام
إظهار جوانب كمونه الحضاري الكبير على
مستوى النظرية وعلى مستوى التطبيق،
ولم يستطع رافعو لواء الحداثة إظهار
مصداقيتهم في إيجاد حدٍ أدنى معقول من
مقتضياها العملية على أرض الواقع. الأسوأ من هذا.
انحصرت نظرة الشريحة الأولى إلى
الشريحة الثانية في مدخل تصنيفهم على
أنهم دعاة تغريب يقودون البلاد
والعباد للحياة في حضن (الآخر). بينما
انحصرت نظرة الشريحة الثانية إلى
الأولى في مدخل تصنيفهم على أنهم دعاةُ
رجعيةٍ يأخذون البلاد والعباد للحياة
في (الماضي). لهذا، تبدو الأسئلة
المطروحة اليوم في الساحة السورية
وكأنها نفس الأسئلة التي طُرحت منذ قرن
من الزمان. ويبدو وكأن الجميع عادوا
إلى نقطة الصفر أو إلى خط البداية! وفي
مسألة الهوية بالذات، يظهر وكأن
الإنجاز توقف عند (طرح) سؤال الهوية،
دون الحصول على أي إجابات نهائية له
على الإطلاق. وهانحن اليوم في خضمّ
الثورة السورية نعاني من هذا المأزق،
وإن حاول الكثيرون تجاهله والقفز على
وجوده. والأخطر من هذا، التغاضي عن
دوره الكبير في تأخير حسم مصير الثورة. وبدلاً من أن يتمّ
التعامل معه بجديةٍ يقتضيها المقام،
تتكرر محاولات الالتفاف عليه
بالشعارات المزوّقة والبيانات
الإعلامية. نقولها بكل وضوح. ثمة
صراعٌ حقيقي يجري في أوساط العاملين
للثورة السورية، من السياسيين على وجه
التحديد، فيما يتعلق بالهوية الحضارية
لسوريا القادمة. لاتُصرّح الغالبية
العظمى بهذا الموضوع، وفي حين تعتقد
أنها تتجاوزه بمحاولات التأكيد العلني
على المشترك الآني المتمثل في إسقاط
النظام، يعمل كل طرفٍ وسعه لخلق واقعٍ
يتناسب مع هاجسه، بكل الوسائل
السياسية والإعلامية والدبلوماسية
الممكنة، بل وبمحاولة خلق وقائع على
الأرض تخدم رؤيته في المستقبل. وفي نهاية المطاف،
يبقى هذا الصراع سبباً أساسياً من
أسباب تأخير الحسم فيما يتعلق بالثورة
السورية. لامفرّ من إعادة
الاعتبار إلى دور الإسلام في صياغة
هوية سوريا القادمة. ولامهرب من وجود
طرحٍ جديدٍ عن ذلك الدور يختلف عن
الطرح التقليدي السائد. ولامخرج من
المأزق دون اعتراف جميع الأطراف
بالدور المذكور. وفي معزلٍ عن هذا،
سيصبح الساسة تدريجياً جزءاً من
المشكلة بدل أن يكونوا جزءاً من الحلّ
المنشود. ================= رستم محمود المستقبل 2-9-2012 في أغلب اللقاءات،
منذ بدء الثورة، يبدي أصدقاء غير
سوريين رغبتهم الجمة بزيارة سوريا بعد
انتصارها، أصدقاء من منابت ودول
وتوجهات شتى. لا تجذبهم في ذلك رغبة
السائح، بل إغراء المستكشف. فسوريا
بتاريخها الحديث، وبثورتها، بلاد
غريبة غامضة بالنسبة لهم، على اختلاف
نوعيات وطبقات وعي هؤلاء الاصدقاء،
وعلى اختلاف مستويات علاقتهم المباشرة
وطبيعة مواقفهم السياسية، من سوريا
وشعبها ونظامها الحاكم. فالجذر
المشترك لهوية وعي كل الأصدقاء لسوريا
كيانا وشعبا هو الغموض والغربة. يريد
هؤلاء الأصدقاء إن يمارسوا في
استكشافهم المتأمل في سوريا المستقبل،
رغبات بسيطات وغريبات في الآن ذاته.
يريدون المشي في شوارع دمشق القديمة،
وتناول الطعام في مطاعمها، يرغبون
بمحادثة بسطاء الناس، هؤلاء الذين
باتوا حديث العالم بأسره في ثورتهم
النبيلة. يريد هؤلاء الأصدقاء فهم تلك
البلاد بالأساس، علاقة الناس ببعضهم
البعض وبالطوائف والقوميات والمذاهب
والحكايات والذاكرة، تلك الأشياء التي
تعج بها تلك البلاد أكثر من غيرها بما
لا يقارن. ويريد الأصدقاء في الآن ذاته
فرز رؤيتهم التي اكتشفوا مدى وهمها، مع
بدأ الثورة، وهمٌ كان يفهم تلك البلاد
وكأنها أقبية مخابرات وغابات لأجهزة
الأمن فقط، حقلاً عظيمة لفرز العمال،
وجغرافيا ضخمة لإنتاج البؤساء
والخانعين. ليتكشف هؤلاء الاصدقاء،
بأنه في المكان نفسه، ثمة أغنيات لا
توصف، أغنيات تسرّ أمهات الشهداء، وفي
تلك البلاد ثمة استماتة لطلب الحرية،
وبأي ثمن كان، وثمة استعداد لبذل كل
شيء في سبيلها، كما في تلك البلاد
الكثير من الضحكات والرقصات والأشعار
والسينما والنكات والمآذن والأجراس
والرسوم والمفارقات.. الخ، واشياء أكثر
وأكثر، تغري كلها بالاستكشاف. على خطى هؤلاء
الأصدقاء غير السوريين، الرغبة نفسها
تملي قلوب غالبية غالبة من السوريين
أنفسهم. كثيرون هم السوريون الذين
يريدون زيارة أكثر من بلدة ومدينة
نائية من أماكن بلدهم، يريدون المشي في
حواري مدن سوريا الكبيرة للتعرف على
ناسها والعيش معهم. يريد السوريون
معرفة بلادهم خارج رهاب المخيلات
والمقولات الجاهزة والمتبادلة فيما
بينهم، يريدون القفز فوق حيطانهم
النفسية ومغادرة سجونهم الداخلية التي
بنيت لهم لعقود مديدة. كثيرون هم
السوريون الذين يريدون قضاء شهر عسلهم
على تلك التلة عند تخوم بلدة كفر نبل،
يريدون معرفة شاعر بلدة عامودا أو
شعرائها، يريدون زيارة كل الناس في
بابا عمرو، وسماع قصص الناس كلها هناك.
ثمة رغبة لا توصف في قلوب السوريين
للعدو ذهابا وإيابا مثل شباب بلدة صيدا
الحورانية، كيف سبقوا الرصاص بعدوهم،
وبعضهم آثر الموت في سبيل سحب جثة
صديقه الذي وقع بالقرب منه، يريدون
زيارة بلدات دمشق وقرى حلب وتلال حماة
وحجارة حوران، وقبل كل شيء، معرفة سر
الماء في حمص . على خطى الأصدقاء، يرغب
السوريون كسر وهمهم عن أنفسهم وعن
بلادهم. أنفسهم التي قالوا أنها منذورة
لهذا الشكل المنحط من الحياة فحسب،
وبلادهم التي قالوا عنها جغرافيا
للتباغض والخشية فقط. سوريا خزان الهويات
المشرقية، ومعبر هجرات العالم
التاريخية العظيمة، وسوريا بلاد
الانتشار الجغرافي المديد، من سهول
الجزيرة إلى سهول الحوران، مرورا
بالصحاري، والجبال الساحلية، من ريفها
العامر إلى مدنها الداخلية التي تحمل
كل الإرث الروحي والاجتماعي والثقافي
المركزي لمساحة تفوقها بأضعاف، كانت
خلال عقود حكم الأسدين، تسمية مجردة
وصماء، لا أحداث فيها ولا تغيرات بنمط
جريانها، مكان من دون عالم داخلي
أوخيارات أوهويات أوعوالم، نادرا ما
يظهر خبر عنها في نشرات الأخبار، عنها
ككيان إنساني وحضاري. كانت تتدخل بكل
تفاصيل وسياسات جيرانها، لكن لا داخل
لها أبدا، ربما كان ذلك بالضبط ما يسمح
لها أن تتدخل بكل ثقة وجبروت. سوريا
التي لم يتمرد فيها أحد على أحد (مرة
تمرد الأخ على أخيه، حلت عائليا، ولم
يخرج الموضوع حتى لنشرة الأخبار
الرئيسية). وفي سوريا لم يعرف أحد كيف
كانت تسير شؤون البلاد، اين تذهب
أمواله وكيف تجبى، ماذا يصرف منها وبأي
اتجاه ولماذا ذلك ؟؟!!، ولم يعرف أحد
كيف ينقل الموظفون من أماكنهم ولماذا،
ووفق أي معايير يوظفون. في سوريا لم
يعرف أحد أعداد الموتى والمواليد
والمنتحرين وحالات الاغتصاب، لا اعداد
المجرمين ولا سنوات سجن المسجونين. لم
يعرف أحد في سوريا أسباب مواقف بلادهم
الخارجية وتبدلاتها، كان السوريون
يصابون بالبكم حينما يسألهم لبناني
ما، في سنوات الوصاية غير المجيدة:
لماذا تحتلون بلادنا ؟؟!!، وطبعا كان
السائل رب العمل دوما، والمسؤول
عامله، وتكفي تلك التراتبية المختلة
للعلاقة بين المحتل والمُحتل لتصيب
المرء بالبكم. لم يكن السوريون يعرفون
أحدا من وزراء بلادهم أو نوابهم أو
مدراءهم، وعلى خطى ذلك، لم يكونوا
يعرفون مما يتألف دستورهم وقوانينهم
وحقوقهم وواجباتهم. فكل شيء كان يسير
ويُسير في حياتهم بقدرة لب متمحور حول
ذاته غير عليم، هو بالضبط ما يثورون
عليه. انكشاف سوريا على
اهلها، سوريا بما هي جغرافيا ومواطنين
وذاكرة وحاضر وحدث، سيكون معيارا
مناسبا لمدى تحقيق الثورة لأهدافها.
وانكشاف سوريا، بالمحددات ذاتها، على
غير السوريين، سيكون معيارا لتحقيق
سوريا لكيانيتها الطبيعية، كيانيتها
التي تحولت لجهاز أمني فحسب. ففهم
سوريا ليس حاجة ثقافية فحسب، بل هي
بالنسبة للسوريين وجيرانهم مطلب سياسي
عميق، فهذا الكيان الأكثر أثرا
وفاعلية في كل محيطه، يكاد أن يكون
أكثرهم غرابة وغموضا. سيبقى النظام
ومواليه أكثر من سيحتاج لفهم سوريا
مستقبلا، ليعيدوا دمج ارواحهم في
روحها الأعلى. ================= الثورة
السورية وحيدة... شريدة قدرها
الجيوستراتيجي دلال البزري المستقبل 2-9-2012 غزى الشيب، حرفياً،
شعر فريال الثلاثينية في أسبوعين،
قامت خلالهما بزيارة الى أهلها في دمشق.
"شفتْ الجثث مكوّمة على بعضها. كلهم
مقتولين بالرصاص...! كلهم مقطّعين
مشوهين...!"، تكرّر، لاهثة، كلما
باشرت وصفها لواحد من الأحياء
الدمشقية المشتعلة، إثر التجول فيها،
من ضمن يوميات هذه الزيارة. "شابْ
شعري...! فيهم أطفال وشباب ونساء وكهول...!
مكوّمين... مكدّسين... مقطّعين... مشوهين!
ما بتقدري تتعرفي عليهم!"، تردّد،
متفجعة، فاقدة السيطرة على هدوئها
المعهود، ولازمتها "هيك يا دلال! هيك...!":
أي بالبساطة المجنونة، يقتلون ذبحا أو
بالرصاص، ثم يقطّعون. وشهادة فريال،
الشخصية، غير "المغطاة إعلامياً"،
ليست الأولى من نوعها. قبل فريال، كان
هناك اللقاء الشخصي مع مروان وهيام
وغيرهم... جميعهم كان وصفهم يفوق ما
يمكن أن تعرفه مواطنة مثلي، تتابع
أخبار سوريا وتلاحق التغطيات
الإعلامية حول مجريات ثورة شعبها ضد
ديكتاتوره. لذلك، كان سؤالي،
المكرّر بدوره، يقطع وصف فريال: "هل
هذا يعني بأن التغطية الاعلامية
لجرائم النظام هي أقل من واقعها
الدقيق؟"، وإجابتها الواحدة، كل
مرة، مثل صرخة لاهبة: "بكتيييير!"،
وتتابع "ما يحصل على أرض سوريا من
قتل وتدمير على يد قوات النظام، يفوق
بكثير ما يغطيه الإعلام، خصوصاً ذاك
المتعاطف مع الثورة". طبعا هذا يتناقض
تماماً مع ما يروجه النظام السوري
وحلفاؤه الميامين، وهم لا يتوقفون عن
لصق ثورة الشعب السوري بـ"إعلام
متآمر"، "مزيِّف للحقائق"،
ممْعن في "المبالغات والفبْركات"،
"محرّض".... إعلام، هو الذي أشعل
هذه الثورة؛ لولاه، كانت "الإصلاحات"
أو "الحلول السلمية" التي يتقدم
بها النظام "بكل جدية وصدق"، كانت
أخذت طريقها الى التطبيق... هكذا يقول
النظام وحلفاؤه، زارعا الشك والحذر
بروايات الناجين من المحرقة البعثية.
شك وحذر ضروريان، ولكن لأسباب نقيضة.
فبدل "لماذا تضخّم المنظومة
الاعلامية المؤيدة للثورة السورية
وقائع مجازر النظام"، يصبح السؤال
الصحيح: "لماذا تقلّل هذه المنظومة
من وقائعها؟". بعد إستبعاد براءة
عدم المعرفة، أو العجز عن الوصول الى
المعلومة، بسبب "خطورة الاوضاع"،
اذ نعتقد بأن الاقمار الصناعية
والتقارير الاستخباراتية تستطيع أن
تلتقط كل ترددات كوكب الأرض، بما فيها
ارتدادات المجازر الجماعية الحاصلة في
سوريا، بعد ذلك اذن ثمة إجابتان على
هذا السؤال: الأولى ان "أصدقاء"
ثورة الشعب السوري هم في الواقع
ممتنعين عن مساعدته، ديبلوماسيا
وعسكريا وإغاثياً، وان كل ما يقال عن
"تهريب سلاح ومسلحين الى الداخل
السوري..." هو عين الخطأ؛ وان
المنظومة الاعلامية التابعة لهؤلاء
"الأصدقاء" ليس بوسعها غير تغطية
محدودة، بهذا الحجم، هي مضطرة لها،
نظراً للامتناع. هذه الاجابة ضعيفة
مجانبة للواقع، لأن هناك فعلا مساعدة،
ولكن من أي نوع؟ هنا نأتي الى الاجابة
الثانية: من أن المساعدة التي يقدمها
"الأصدقاء" مرهونة بسياسات دولها
التي بدورها تحددها جملة من
الاعتبارات، وبالتالي لهم سياسة
إعلامية تقلّل من الفظاعات البعثية كي
لا تضطر الى مواجهة رأيها العام، الذي
سوف يتحرك بقوة ويضغط عليها ليكون
تدخلها أقوى، أفعل وأقدر على إنقاذ
سوريا والسوريين من هذا الاستشراس
البعثي المنفلت من عقاله. هو أصلاً، من دون
النقل الاعلامي الدقيق للمجازر
الحاصلة بحق الشعب السوري، هناك سجال
في الغرب حول نوعية هذا التدخل؛ في
القمة السياسية، بين الجمهوريين
الراغبين بالعودة الى رئاسة الولايات
المتحدة والديموقراطيين العاملين على
البقاء فيها، بين الرئيس الفرنسي
الخاسر للانتخابات الاخيرة وغريمه
الجديد الذي فاز فيها. ثم في سلم أدنى،
بين مثقفين ومعلقين ومحللين: جميعهم
يتناقشون حول ضرورة التدخل من ضرره،
بعضهم يزايد، يأتون بالحجج والبراهين
التي يعتقدونها مفحمة... من أبرزها،
مؤخراً، تلك التي ساقها واحد منهم، اذ
أعلن بغضب "كيف ندعم طرفاً في حرب،
سوف تأتي بالسلفيين لو انتصر"؟ تصوَّر، ساعتئذ، لو
كان حال منظومتهم الاعلامية على وفاق
دقيق مع الوقائع التي تنقلها! هل
ستتبدل الأصوات؟ باراك أوباما، هل
يبقى، عشية الانتخابات الرئاسية التي
ننتظرها جميعاً كأنها مفتاح النصر
القادم، على نفس الموجة الروتينية من
الإدانة اللفظية ودعوة بشار الى
التنحي؟ على نفس نوعية "المساعدة"
التي يرسلها الى "الجيش السوري
الحرّ"؟ بناء على هذه
الفرضية، لماذا لم يوجد "أصدقاء"
سوريا المنظومة الإعلامية التي تكفل
انتصار شعبها من دون ذبح نصفه وتدمير
بناها وتشريد أهلها في الداخل
والخارج؟ ما هي إعتباراتهم السياسية
العليا؟ طبعا هناك
الجيوسياسة، وحدود سوريا الحساسة،
وحلفاؤها المتشبثين بنظامها،
المنصهرين به، والفشل في أفغانستان
والعراق، وتراجع الجبروت الأميركي الخ.
وهناك سبب جوهري آخر؛ وآيته ان القضية
السورية ليست من الثقل على مصالح هؤلاء
"الأصدقاء" بما يدفعهم الى وضع كل
طاقاتهم، ومقايضاتهم وتسوياتهم
العالمية، بوجه خصومهم المتدخلين
قلباً وقالباً لنصرة النظام. سوريا
عندهم مثل فقير وهامشي، قريب لنائب هو
زعيم العائلة، يطلب منه "واسطة"
محقة؛ لماذا يعذب نفسه؟ ماذا يربح منه؟
بما يفيد كرسيه لو "خدمه"؟ ماذا
يربح الغرب؟ ماذا يجني لو قايض مثلا
حرية الشعب السوري بإعطاء حيز
جيواستراتيجي لروسيا، حليف النظام، في
القوقاز مثلا؟ ماذا يجني لو عرّض نفسه
لخطر، أو لمعارضة دولية عنيفة، وعمل
بكد على خلق منطقة حظر جوي على الحدود
مع تركيا؟ أو أمدّ الثوار السوريين
بالسلاح النوعي، أو أقله بالصورايخ
المضادة للطائرات الحربية التي تقصف
اللحم الحيّ عشوائيا... فيما وهو يدين،
يتفرج، ينتظر؟ منذ بداية الثورة، لم
نسمع من "الاصدقاء" غير دعوات
بشار الى التنحي، غير توقع نهاية قريبة
لبشار، غير إدانة صارمة للروس
والصينيين بوضعهم الفيتو ضد أي قرار له
معنى مع سوريا. لم نشاهد غير خلوات مجلس
الامن المعروفة النتيجة سلفاً، ولكن
الضرورية لكي يبدو للعالم بأن والله...
الغرب "حاول"، لكن الشر الروسي،
وخلفه الصيني، "أكبر"! بسيناريو
محفوظ، تعرف نتيجة مجرياته سلفا... ومع
ذلك تتأمل. (أقل من ذلك بكثير... عام 1982،
وقت كان الجيش الاسرائيلي يحاصر
بيروت، تدخل شخصياً الرئيس الاميركي
السابق، الجمهوري رونالد ريغان، ليعيد
هذا الجيش المياه الى بيروت بعدما
قطعها عن أبنائها!). المشهد السوري على
درجة عالية من العبثية: من جهة نظام،
يتدخل في تلابيبه الأمنية والعسكرية
نظامان حليفان أجنبيان، الروسي
والايراني، يمدّانه بالسلاح والخبرة
والرجال معحربه على شعبه، يسميها "حربا
أهلية"، ويوافق على هذه التسمية "الأصدقاء"،
فيرتاح ضمير الاثنين... ومن جهة أخرى
شعب يشحذ المساعدات الديبلوماسية
والإغاثية والعسكرية، دفاعاً عن حياته
وكرامته، أو مجرد حماية... يأتيه منها
الرذاذ. ثم في الوقت عينه: هو النظام
نفسه الذي يتهم شعبه بأنه منساق لتدخل
عسكري خارجي، "مؤامرة"، غرضها
إضعاف "محور الممانعة" الخ. كل هذا ليس لإنكار
التدخل الخارجي، ديبلوماسي وعسكري
واغاثي: الديبلوماسي من طرف شفاه،
إدانات ومؤتمرات وعقوبات وما شابه...
العسكري يقتصر معظمه على "اللوجستي"،
من مناظير وألكترونيات تعقب ونقل
ومراقبة الخ. فيما الإغاثي، في الداخل
خصوصاً، هو أصلاً دون الخبر المعتمد في
التغطية الاعلامية الخاصة به. مساعدات
مبرمجة، مقطرة، كأن غرضها التأكيد على
تسمية ما يحصل بأننا ازاء "حرب أهلية"،
وليست حرب نظام مدجج بسلاح كان يفترض
به ان يقاتل اسرائيل، واذا به يقتل
شعبه. مساعدات تديم المقتلة تحت إسم
"حرب اهلية"، تمكن الثوار،
وبتضحيات بشرية خارقة، من التصدي
لقوات النظام، تصديا إستنزافياً، من
دون ان يتغلبوا عليها، ولا حتى ان
يسقطوا الطائرات أو المروحيات التي
تقصفهم وتقصف ما حولهم من بشر وحجر، بـ"عشوائية"
مدروسة. هكذا... حتى تهلك سوريا وتصبح
دولة قاصرة، تضج بأصحاب اللحى من
متطرفين جهاديين وأصوليين، لا يحبون
شيئا قدر حبهم للكراهية. الآن، يتصدّر موضوع
التدخل الخارجي، قصة السلاح الكيماوي
الذي بحوزة النظام. من ان هذا السلاح
سوف يكون الذريعة للتدخل. قد يكون هذا
التوقع صحيحاً، ولكن بشرط، ان يتأكد
المتدخلون، بأن هذه المرة، انما
يتدخلون لحماية مصالحهم وقدراتهم
واستراتيجيتهم، الحيوية كلها. وهذا
بدوره مشروط بأن لا تكون "الاسلحة
الكيماوية" السورية مثل "أسلحة
الدمار الشامل" العراقية، أي مجرد
ابتزاز بعثي معهود، مجرد دعوة الى
الموت الجماعي، الى الانتحار، ذودا عن
أسطورة الديكتاتور. الجهة الوحيدة التي
وضعت كل ثقلها حتى الآن للإطاحة
بالنظام البعثي هي الشعب السوري،
الشعب السوري وحده؛ وهو الآن وحيد،
شريد قدره الجيوستراتيجي. ================= علي حماده 2012-09-02 النهار بداية في الاساس: ثمة
حقيقة ماثلة امام اعيننا وهي ان بشار
الاسد سيسقط مهما فعل، ومهما قتل،
ومهما استخدم من الاسلحة الفتاكة ضد
شعبه. والاهم انه سيسقط مهما ارتفعت
فاتورة الدم لان مشكلته ليست وجود
مؤامرة "كونية " كما يزعم في خطابه
الخشبي انما مشكلته التي لا حل لها هي
ثورة شعب ضده، وتصميم الثوار وهم
بالملايين على الانتهاء
من "جمهورية حافظ الاسد" وانجاله
و بطانتهم المافيوية. النظام في سوريا لا
يواجه مؤامرة خارجية بقدر ما يواجه
ثورة شعبية وطنية بكل ما في الكلمة من
معنى. ولو كان الامر مختلفا لما تأخر
بشار في حسم المعركة. فقد مارس كل صنوف
الاجرام واستخدم اكبر آلة قتل في
المشرق العربي لتنفيذ مخططه، ولم يفلح.
ففي مرحلة الثورة السلمية نزل
السوريون بالملايين وكادوا يطيحون
النظام عبر المد الشعبي. وفي مرحلة
عسكرة الثورة التي اتت كرد فعل على
توغل بشار في القتل لم يحسم معركة واحد
حتى انتهى به الأمر اليوم الى خوض حرب
دفاعية، في حين تواصل الثورة على
فوضويتها وانقساماتها و ضعف امكاناتها
التقدم يوما بعد يوم. وللدلالة
المنطقية نحيل المشككين بما نقول على
ما سماها بشار بـ"ام المعارك " في
حلب. وقد مضى اكثر من خمسة اسابيع عليها
والثورة تقضم المدينة الكبرى يوما بعد
يوم. اذكر تماما اني كتبت
هنا قبل ستة عشر شهرا ان "جمهورية
حافظ الاسد" انتهت في اللحظة التي
سقط فيها جدار الخوف في قلوب السوريين.
ففي تلك المرحلة عرفنا ان النهاية لن
يغيرها بشار لا بالسياسة، ولا
بالمناورة، ولا بالقتل الجماعي الذي
مارسه ولا يزال. في لبنان ثمة من لم
يصدقوا ان بشار ساقط. على سبيل المثال
رأينا الجنرال ميشال عون يكرر تنبؤاته
مرة تلو الاخرى بانتهاء الازمة
السورية خلال ايام! و رأينا الامين
العام لـ"حزب الله" ينظر لقوة
النظام ليعود فينظر للحل السياسي في
حين كان يزيد تورطه بدماء احرار سوريا.
ولن نأتي على ذكر مهرجي سياسة في لبنان
المعروفين الذين تبارزا شهوراً عدة في
نظم معلقات سطحية عن منعة بشار ونظامه.
وفي النهاية تغيرت صورة الواقع. وبدأنا
نلمس تغييرا في لهجة كثيرين، ومحاولات
غير معلنة لإعادة التموضع على قاعدة إن
النظام في سوريا انتهى ولا امل يرجى
منه. وثمة قنوات تفتح يوميا بين ايتام
النظام في لبنان وقوى سياسية كانت حتى
الامس القريب توصف بالعميلة لاسرائيل
واميركا والصهيونية العالمية. ولعمري
فإن العديد من منظري الممانعة و
المقاومة (على طريقة بشار) ينفذون في
هذه المرحلة استدارة كاملة من دون
تطبيل. اللافت اكثر هو عدم
اكتراث هؤلاء لموقف "حزب الله"
الذي يهدد الجميع بعواقب تغيير "قواعد
اللعبة" بينما يغيب عن بال قادته "انصاف
الالهة" ان تلك القواعد سقطت منذ امد
بعيد بما يحتم عليهم هم اجراء مراجعة
وعدم التورط بزرع مزيد من الاحقاد هنا
وفي سوريا. ================= رأي
الدستور إنقاذ الشعب السوري مسؤولية
المجتمع الدولي الدستور 2-9-2012 لم يعد من نافلة
القول، التأكيد ان انقاذ الشعب السوري
الشقيق، من مسؤولية المجتمع الدولي،
وان بقاء الحريق مشتعلا، هو ادانة لهذا
المجتمع. وللعواصم صاحبة القرار،
ودليل اكيد على ان هذا المجتمع، وهذه
العواصم كافة لم ترق الى مستوى خطورة
الحدث، ولم تعمل مخلصة لاطفاء الحريق،
ونزع فتيل الحرب التي توشك ان تتحول
الى حرب اهلية قذرة مدمرة، تشي بتقسيم
القطر الشقيق الى دويلات متناحرة،
تنذر بوصول شررها الى دول الجوار، اذ
لا احد مطلقا ببعيد عن نار هذه الحرب. لقد بات واضحا ان
وصول الأزمة الى مرحلة الاستعصاء يرجع
الى التدخلات الدولية والاقليمية،
وتحول القطر الشقيق الى ساحة مفتوحة
للحرب الباردة، وهذا ما يعني استمرار
الازمة لوقت طويل، واكثر مما يتوقع
الجميع. ومن ناحية اخرى فان
التقصير الدولي هذا، يبدو واضحا جليا
في بعده الانساني، اضافة الى ما
ذكرناه، فرغم الحديث الذي لا ينقطع،
ولا يتوقف بضرورة مساعدة الاشقاء في
محنتهم، والعمل على انقاذهم من الظروف
الصعبة، التي يمرون بها، والتخفيف من
معاناتهم، الا ان هذا الحديث - مع الاسف
- لم يترجم الى افعال حقيقية على الارض،
وتنفع الالاف من اللاجئين السوريين
الذين يتدفقون عبر الاسلاك الشائكة
على دول الجوار، وبخاصة على الاردن
وتركيا، هربا من الموت الذي يلاحقهم،
وادى حتى الان الى مقتل اكثر من 25 الف
انسان، واصابة كثيرين باتوا في امس
الحاجة للعلاج، اضافة الى تدمير
الاقتصاد الوطني، والبنية التحتية،
واغتيال الاستقرار والامن، بعد ان
سيطر على وقع الحياة في القطر الشقيق
الموت والدمار، ولم يعد يسمع في فضاء
الشام الا صوت المدافع، وازيز
الطائرات، ولغة الرصاص القاتل. وبشيء من التفصيل،
فلا بد من الاشارة الى موقف الاردن
المبدئي، بضرورة مساعدة الاشقاء
تماهيا مع دوره القومي، وواجبه
الانساني الذي يفتخر به هذا الحمى
بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني،
ففتح صدره لاستقبال اللاجئين حتى
تجاوز عددهم تقريبا 177 الفا مقدما لهم
المساعدات المطلوبة سواء من خلال مخيم
الزعتري، الذي امتلأ عن اخره، او
باستقبال الاسر الاردنية للاشقاء في
المدن والقرى الاردنية، للتخفيف من
المأساة التي تعتصرهم، والعمل على
الاخذ بيدهم حتى يقضي الله امرا كان
مكتوبا. ان استقبال هذه
الالاف، واستمرار تدفق الاخرين يوميا
يستدعي دعما ماديا سريعا من المجتمع
الدولي في ضوء الكلفة العالية، التي
تترتب على تأمين المأوى والمأكل
والمشرب والعلاج والمدارس.. الخ وهو
اكبر من طاقة الاردن في ظل الظروف
الاقتصادية الصعبة التي يجتازها،
والتي حتمت على الحكومة اتخاذ اجراءات
تقشفية للتخفيف من عجز الموازنة. مجمل القول: المجتمع
الدولي مسؤول مسؤولية مباشرة عن انقاذ
الشعب السوري الشقيق من الكارثة التي
تحيق به، ومسؤول ايضا عن مساعدة دول
الجوار لتنهض بواجباتها في استقبال
الاف اللاجئين بتقديم الدعم المادي
السخي وباسرع وقت ممكن، بعد ان وصلت
اعداد اللاجئين الى ارقام كبيرة مرشحة
الى التزايد، وهو ما لا تقدر عليه دولة
كالاردن في ضوء ظروفها الاقتصادية
الصعبة. وسيبقى الاردن
بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني
الحضن الدافئ للاشقاء ، ولن يتراجع
مطلقا عن دوره وواجبه القومي
والانساني، الذي نذر نفسه له. “فأما الزبد فيذهب
جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في
الارض”. صدق الله العظيم. التاريخ : 02-09-2012 ================= الإبراهيمي
الحاضر.. والنصاح المغيبون فؤاد مطر الشرق الاوسط 2-9-2012 لو أن الرئيس بشار
الأسد استحضر يوم ولي الحكم وريثا
لوالده الرئيس الراحل حافظ الأسد قول
أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) للجمع
المبايع له: «إن أحسنت فأعينوني وإن
زغت فقوموني» لكان تفادى هذه البلية
التي انتهى إليها حكمه، ولما كانت وصلت
الحال بسوريا إلى أنها باتت محظية ثلاث
دول ذات أحلام إمبراطورية هي إيران
الثورة الخمينية التي تتطلع إلى
انبعاث الإمبراطورية الفارسية
الماقتة لكل ما هو عربي، وروسيا بوتين
التي لا تزول غصة قيصرها الجديد من
حلقه ويتطلع إلى استعادة شأن الكرملين
الحاضن لجمهوريات مغلوب على أمر
شعوبها، والصين التي تزداد تضخما
ويتطلع ورثة ماو تسي تونغ نحو الانتقال
إلى مرتبة القيادة في المجتمع الدولي،
وليس هنالك مهرة يمتطون صهوتها سوى
المهرة السورية التي فاجأتهم أنها
تريد الانطلاق من عتمة الإسطبل إلى
الهواء الطلق. إنه تشبيه قد يبدو عليه
شيء من التجريد، ولكن تطورات المحنة
السورية وتداعياتها والمشاهد المفزعة
على مدار الساعة منذ عشرين شهرا تجعل
التشبيه ليس فعل تجريد، وإنما هو
المأساة في أفجع حالاتها، إذ يكفي أن
ينفذ العسكري البشاري ومن دون تردد،
إلا في حالات صحوة، التعليمات بقصف
مواقع ومن دون رحمة أو استفسار، وهو ما
يحصل في زمن الحروب مع أعداء، لكن ليس
مع أبناء الشعب الواحد، كما يكفي أن
يهلل الطيف المنتفض على النظام ويكبر
بأنه دمر دبابة لجيش البلاد، أو أسقط
طائرة مروحية، أو فجر مستودعات ذخيرة
وأسلحة. إنها ذروة المأساة تصيب نظاما
لم يستحضر رئيسه الوارث عندما حظي
بانتخاب له صفة الأمر الواقع قول
الخليفة أبي بكر مخاطبا الجمع المبايع
«إن أحسنت فأعينوني وإن زغت فقوموني»
فكان أن بادر المنتفضون بعد سنوات
وبالأسلوب الديري والإدلبي والدمشقي
والحلبي وبقية ديار الانتفاضة إلى
استحضار ما قاله الجمع المبايع
للخليفة أبي بكر «والله لو وجدنا فيه
اعوجاجا لقومناه بحد سيوفنا». في الزمن الغابر كان
ولي الأمر يخاف ربه ويهتدي بما قاله
الرسول (صلى الله عليه وسلم) في مجالسه
مثل «عدل ساعة في حكومة خير من عبادة
ستين سنة» و«أشد الناس عذابا يوم
القيامة من أشركه الله في سلطانه فجار
في حكمه». ونحن هنا نتحدث عن ولاة الأمر
الصالحين المصلحين الذين يأخذون بمبدأ
النصح على قاعدة «وأمرهم شورى بينهم».
كذلك نتحدث عن زمن كان ولي الأمر
يستنجد بأهل النصح والحكمة يرفدونه
بالرأي السديد الذي يقيه المخاطر،
وهؤلاء كانوا حتى عندما لا يستدعيهم
ولي الأمر يبادرون من تلقاء أنفسهم إلى
طرق باب ديوانه فيقول هؤلاء لهذا
الممسك بالسلطة العليا ما من الضروري
أن يقال له، وبذلك يتقي مصيرا عبر عنه
الرسول بالقول: «إن الله يعذب الذين
يعذبون الناس في الدنيا». ومن مصلحة
هذا الممسك بالسلطة أن يصغي، فلا يبقى
الحقد عليه أسير أسلوب معالجته وذلك
عملا بقول المقنع الكندي أحد شعراء
الزمن الغابر «... وليس رئيس القوم من
يحمل الحقدا». كذلك من مصلحة الممسك
بالسلطة أن يصغي أحسن الإصغاء إلى أهل
النصح والحكمة، ذلك أن هؤلاء يأخذون
فيما يفعلون بالآية الكريمة «وَمَا
رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا
تَعْمَلُونَ» ويستأنسون في أدائهم
واجب النصح بقول الإمام علي (رضي الله
عنه): من حذرك كمن بشرك. انطلاقا مما
أوردناه، نجد أنفسنا ونحن نتابع
تطورات المحنة السورية وتداعياتها
نتساءل: هل أفاد سوريا في شيء هؤلاء
الذين يتعاملون مع سوريا الفاجعة
والمفجوعين على أنها المحظية التي
تحقق لهم نشوة التحول من الدولة
المنتفخة العضلات إلى الدولة القادرة
على الهيمنة على نحو ما هي عليه قدرات
الولايات المتحدة؟ علما بأن الإخفاقات
الأميركية بجناحيها الجمهوري
والديمقراطي وبالنجوم ا«الكومبارس»
في أوروبا تشكل حيثية لكل دولة،
وتحديدا هنا للدول السائرة على طريق
التنمية مثل إيران وروسيا والصين
للنأي عن خوض سياسة التلاعب بمصائر
الآخرين، وبالذات سوريا التي جعلوها
تنزف على لحن ثلاثي مشترك لخصه علاء
الدين بروجردي يوم الأحد 26 أغسطس (آب)
2012 أمام الرئيس بشار في دمشق بالقول: «أمن
إيران من أمن سوريا» قابله الرئيس بشار
بما معناه أنه سيواصل الفعل الأمني
مهما كلف الثمن، متكلا على وهم أن حدود
روسيا تبدأ في طرطوس وأن ترسيم حدود
الصين مع المنطقة العربية سيبدأ ذات
يوم من قلب عاصمة الأمويين. كما نجد أنفسنا
نتساءل: هل من المعقول أنه ليس في أهل
العقيدة البعثية المتمكنة من سوريا من
يدعو إلى التصحيح ليس على نحو ما سبق أن
فعله الأسد الأب؟ لأنه لو صحح كما هي
أصول التصحيح واعتمد هو الآخر ما قاله
أبو بكر: «إن أحسنت فأعينوني وإن زغت
فقوموني» وأجابه سامعوه الذين بايعوه
«والله لو وجدنا فيه اعوجاجا لقومناه
بحد سيوفنا» لما كان للأسد الابن
الوارث أن يمعن عنادا فتخبطا، ولكان هو
بنفسه استنفر العقلاء في العقيدة
البعثية فخرج هؤلاء عليه شاهرين
النصيحة، ولكان سأل النصاح في مجتمع
الطائفة استنباط الحلول الحكيمة
للمأزق الذي وضع نفسه فيه غير متنبه
للآية الكريمة «وَمَا رَبُّكَ
بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» وإلى
الحديث الشريف « اتقوا الظلم فإن الظلم
ظلمات يوم القيامة» المكمل للحديث
القدسي «يا عبادي إني حرمت الظلم على
نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا». ومثل هكذا دواء من
حروف مضيئة كان كفيلا بتبديد الظلام
السوري المستديم الحامل في ثناياه
ظلما لا عهد للأمتين بقسوته. عسى ولعل
في ضوء المسعى الذي أخذه الأخضر
الإبراهيمي على عاتقه تحدث بعض
الانفراجات فيأخذ الحل السياسي فرصته
عوضا عن الحل الأمني الذي لا جدوى منه.
ونجيز لقلمنا التسطير استنادا إلى ما
نعرفه في الأخضر من مزايا بأن إمكانية
تحقيق الانفراج ليست مستحيلة في حال
انتقل الرئيس بشار من فضاء التحدي إلى
فضاء الواقعية، وأدخل رموز مثلث
التدعيم (إيران، روسيا، الصين) تعديلا
جذريا في مسألة التطلعات الإمبراطورية
والهيمنة. وبالأهمية نفسها هنالك
المؤهلات المتوافرة في شخص الإبراهيمي
وليست متوافرة في السلف الطيب النية
كوفي أنان. فالأخضر الإبراهيمي يعربي
ومتدين وابن الجزائر التي أبدى رئيسها
عبد العزيز بوتفليقة من المراعاة
لظروف النظام السوري ما جعل قرارات
العزلة عربيا أو تعليق العضوية
إسلاميا لا تؤخذ بالإجماع، فضلا عن أن
أخلاقيات الأخضر الإبراهيمي وماضيه
الدبلوماسي المنزه عن التلاعب تجيز له
أن يصارح الرئيس بشار ويصارح بالمنطق
نفسه رموز أطياف الانتفاضة، وأن يرفق
المصارحة بالنصيحة. وأما في الموضوع
الثوري ومتطلباته وظروفه فإن
الإبراهيمي قادر على أن يقول للرئيس
بشار وفي معرض النصح والتنبيه ما معناه:
إن الجزائر دفعت من أجل استقلالها
مليون شهيد على مدى عقود من المقاومة
الباسلة للوجود الفرنسي، لكنكم في
سوريا تقتلون دون وجه منطق أبناء شعبكم
وتدمرون بالآلة الحربية بيوت الناس
وهو ما لم يفعله نظام ضد حالة اعتراض،
إذ حتى في إيران التي تحثكم على مواصلة
العلاج الأمني الحربي لم تذهب في
التصدي للانتفاضة الموسوية –
الكروبية إلى ما وصلتم إليه، وفي
استطاعة الإبراهيمي أن يضيف أن الحل
السياسي لا يبدأ من دون عودة الجيش إلى
ثكناته، والآليات والطائرات إلى
قواعدها، والاعتذار من الشعب، واعتبار
الضحايا شهداء، ومخاطبة المجتمع
الدولي والأشقاء العرب بمفردات غير
تلك التي اعتدت عليها يا أخ بشار فأضرت
ونقلت سوريا من دائرة الالتفاف حولها
إلى دائرة الالتفاف عليها. وعلى هامش ضرورة
المصارحة ووجوب النصح في استطاعة
الأخضر الإبراهيمي أن يقول للرئيس
بشار ما معناه: إن مهمته لن تكون أفضل
من مهمة أنان إذا كنت مقتنعا يا أخ بشار
فعلا بتوصيف الحليف الصديق الإيراني
بروجردي للموقف وقوله: «إن سوريا
وإيران كالفولاذ الصلب لن تستطيع
القوى الخارجية مهما بلغت مؤامراتها
النيل من دورهما المقاوم في المنطقة».
وبتوصيف إحدى وسائلكم الإعلامية (صحيفة
«الثورة» عدد الأحد 26-8-2012) لصديقكم
السالف أردوغان بالقول: «لم يعد شر
البلية يضحك ما دام كومبارس الإرهاب
الأميركي والإسرائيلي أردوغانيا
ويتنطح في ادعاءاته إلى حد تسيد القضية». ومرة أخرى نجدد
التساؤل، إنما بصيغة الاستهجان إزاء
الهلع الحاصل وكيف أن قطاف الرؤوس يتم
بالأسلوب الحجاجي، وتدمير البنيان
بالأسلوب التتري: أليس في أهل العقيدة
البعثية عقلاء وأليس في الطائفة
العلوية نصاح أم أنهم كثيرون لكنهم
مغيبون؟ ================= فايز سارة الشرق الاوسط 2-9-2012 في خطوة رسمية مكررة،
صدرت دعوة للحوار بين السلطة
ومعارضيها، وهذا ما تضمنته أقوال نائب
رئيس الوزراء قدري جميل، وعلي حيدر
وزير المصالحة الوطنية، وهي وزارة جرى
إحداثها في آخر تشكيل وزاري، قيل إنها
تشكيل إصلاحي، تم بموجبه ضم قدري جميل
وعلي حيدر إلى الحكومة من خارج إطار «البعث»
وتحالفاته التقليدية. دعوة الحوار
الرسمية، التي أكدت رفض الشروط
المسبقة من جانب المشاركين في الحوار،
تتناغم مع دعوات حلفاء دمشق الأقرب،
التي تكررت على لسان مسؤولين روس
وإيرانيين وزعيم حزب الله في لبنان حسن
نصر الله، وكلها ركزت، كما الدعوة
الرسمية، على رفض الشروط المسبقة في
إشارة واضحة، تعني استبعاد طرح موضوع
الرئاسة السورية قبل بدء الحوار، بل
وبعده ضمنا. فكرة الحوار حول
الوضع في سوريا وآفاق حله ليست جديدة،
بل هي بدأت مع بداية الأحداث، حيث فتحت
حوارات بتسويات متعددة بين السلطة
وأطراف معارضة؛ بعضها من المعارضة
السياسية وآخرين من المتظاهرين ومن
القيادات الأهلية والميدانية في
الحراك الشعبي، وتفاوت مستوى ومحتوى
وشكل تلك الحوارات، وأغلبها اتخذ شكل
جلب المتحاورين المعارضين للتدقيق
والتشاور من جانب مسؤولي السلطة
وأجهزتها. وفي مستواها، تراوحت بين
مستوى الرئاسة وموظفين صغار في
الأجهزة أو مبعوثين لها، وكان بين
هؤلاء مدنيون وعسكريون ورجال أمن. أما
في المحتوى، فإن الأغلب فيها ركز على
المطالب التي يرغب المعارضون
السياسيون وقادة الحراك تحقيقها، وهي
مطالب تتعلق بما يراه النظام من
إصلاحات أو احتياجات محلية، وربما
شخصية للأشخاص المجلوبين أو المدعوين
للحوار، وفي نادر الأحوال، كان موضوع
الحوار يصل إلى السياسة بعمقها
المطلوب، وكان إذا بلغت ذلك الحد، فإن
المحاورين الرسميين إما أن يسدوا
آذانهم أو يدخلوا في أحاديث الأوضاع
الصعبة التي تعيشها البلاد والتحديات
التي تواجهها وضرورة أن يتحمل الشعب
المسؤولية... إلى آخر ما يقال عادة في
حملات الديماغوجيا السورية المعروفة. إذن ثمة تجربة في
الحوار السوري بين السلطة ومعارضيها،
هي تجربة عرجاء، بل مشوهة، تمت أغلب
فصولها بطريقة الجلب والفرض لا
الإقناع، أو تحت تأثير الحاجة
المشتركة للحوار، وهي تقوم بين طرفين
غير متساويين لا في الموقع ولا في
المسؤولية، وغالبا فقد تمت إدارتها
بطريقة أمنية هدفها المعلومات، والبحث
عن مسارات ممكنة في تفتيت قوة معارضي
السلطة من السياسيين وقادة الحراك،
أكثر من البحث عن حلول جدية لمشاكل
وتحديات كبرى تواجه سوريا والسوريين. لقد سعى النظام وفي
عملية واحدة للقيام بعملية حوار، وهي
العملية التي أدارها نائب الرئيس
فاروق الشرع في دمشق مع أوساط مقربة من
النظام بعد فشله في جلب المعارضة
إليها، وتمخضت تلك التجربة رغم
مشاكلها الكثيرة عن مقررات وتوصيات،
رفضت السلطة الأخذ بها وتنفيذها
جميعا، بل وجرى التنكر لتلك النتائج،
ثم التهجم بسببها على الشرع نفسه في
وقت لاحق. غير أنه ورغم بؤس
فكرة وتجربة السلطة في الحوار وما أحاط
بها، فقد ساهمت في كشف جوانب مختلفة في
موضوع الحوار، ولا سيما من حيث أهميته
وضرورته ومستلزماته، أو ما جرى تسميته
ببيئة الحوار، التي تعني ضرورة طرح
فكرة الحوار بكل جدية ومسؤولية عبر
تحديد أطراف الحوار ومواضيعه ونتائجه،
والتأكيد على ضرورة الالتزام بنتائجه
والوفاء بها، بل توفير كل الإمكانات
المادية والسياسية لأجل ذلك. لقد ذهبت الأوضاع
والتطورات في سوريا وعبر تجربة السلطة
في الحوار ومن خلال السياسات الأمنية -
العسكرية التي تبناها النظام في
مواجهة حراك السوريين وثورتهم، إلى
الإضرار الشديد بفكرة الحوار، وجعلها
شديدة الصعوبة إلى درجة الاستحالة
بفعل ما ألحقته تلك السياسات من قتل
وتشريد ودمار شديد للسوريين
وممتلكاتهم ومصادر عيشهم، وهو أمر،
إذا أضيف إلى فقدان مصداقية السلطات،
فإنه يجعل الكلام الرسمي السوري عن
الحوار بلا معنى، خاصة أنه يصدر عن
مستويات حكومية ضعيفة يمثلها نائب
رئيس الوزراء ووزير المصالحة الوطنية
وكلاهما من خارج حزب النظام والأبعد عن
النواة الصلبة في السلطة. ورغم ما سبق، فإن
تحريك موضوع الحوار من جانب السلطات
بالتزامن مع طرح الفكرة من جانب حلفاء
النظام الإقليميين والدوليين مع مجيء
المبعوث الدولي والعربي إلى سوريا
الأخضر الإبراهيمي، يمكن أن يكون
مهما، إذا توافرت بيئة الحوار
العملية، التي تتضمن في الأهم من
محتوياتها وقف كل العمليات العسكرية
والأمنية في أنحاء سوريا، وإطلاق
المعتقلين على خلفية الأحداث الجارية،
وسحب الجيش إلى مواقعه الأساسية،
وإعادة المهجرين الموجودين في
المحافظات وفي خارج البلاد إلى
مناطقهم، وتسوية عاجلة وجدية لأوضاعهم
الحياتية، والقبول بالحوار مع
المعارضة بما فيها «الجيش الحر»،
وكلها نقاط موجودة في خطة كوفي أنان،
التي كان الجميع قد توافقوا عليها،
والإضافة الوحيدة في هذا الجانب، هي
الإعلان عن أن هدف الحوار تشكيل حكومة
انتقالية، مهمتها تهيئة البلاد
للانتقال إلى نظام ديمقراطي تعددي عبر
مهل زمنية محددة وقريبة وبكل
الضمانات، التي تكفل تنفيذ ما يتم
التوصل إليه من نتائج. إن من شأن بدء عملية
حوار بهذا المحتوى أو بالقرب منه،
توفير فواتير المعاناة الإنسانية
والتكاليف البشرية والمادية الكبيرة،
التي سوف تتكلفها سوريا في الفترة
المقبلة من الصراع وصولا إلى تسويته،
بل إن تحقيق عملية كهذه من شأنها إخراج
المجتمع الدولي من حيرته في التعامل مع
الوضع السوري، حيث أنصار النظام في
الإقليم والعالم وخصومه في المستويين،
يعانون إرباكات في أشكال ومحتويات
ومستويات التعامل مع الوضع. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |