ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 06/09/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

ألغام ستفجر مهمة الإبراهيمي

بقلم/أنور صالح الخطيب

الراية

5-9-2012

استبق المبعوث العربي والدولي المشترك الأخضر الإبراهيمي زيارته المرتقبة إلى دمشق مطلع الأسبوع المقبل بالاعتراف أن مهمته في سوريا "شبه مستحيلة"..!!

الدبلوماسي المخضرم الذي اشترط في بداية تكليفه بمهمة الوساطة في سوريا - بعد فشل سلفه كوفي أنان ومن ثم استقالته - للقيام بمهمته في سوريا حصول توافق دولي على دعم مهمته وهو ما لم يحصل عليه كما هو واضح يعرف انه يسير في حقل الغام يمكن ان يفجر مهمته في أية لحظة فالموقف الدولي مازال منقسما حول الحل في سوريا ومجلس الأمن الدولي فشل في اجتماعه الأخير في فرض مناطق آمنة لاستقبال اللاجئين السوريين .كما ان الطرفين النظام والمعارضة كل من جانبه يضعان شروطا للتعاطي مع مهمته.

الأوضاع في سوريا تشهد هذه الأيام تصعيدا ميدانيا كبيرا في المدن والبلدات السورية سواء من قبل النظام او قوات المعارضة وتشهد أيضا ارتفاعا في أعداد الضحايا المدنيين الذين يسقطون بفعل غارات طيران النظام السوري وقصفه لبيوت المواطنين السوريين فأعداد الضحايا باتت تلامس مائتي قتيل يوميا غير مئات الجرحى وآلاف المشردين واللاجئين.

الإبراهيمي يتحدث برعب عن خطر الحرب الأهلية المندلعة في سوريا وعن أن المجتمع الدولي لا يقوم بما يجب في مساعدة الشعب السوري والضغط لوقف العنف والقتل ويتحدث في نفس الوقت عن ضرورة التغيير في سوريا دون الإشارة فيما إذا كان يشمل ذلك رئيس النظام بشار الأسد.

الإبراهيمي في أحاديثه الصحفية لم يطرح حلولا بل قام بتوصيف ما يجري في سوريا من وجهة نظره وهو لم يكشف عما في جعبته من حلول وأشك شخصيا انه يحمل حلولا أو أفكارا مقنعة للطرفين النظام والمعارضة -هذا إذا كان يملك حلولا أصلا- وأظن أن الإبراهيمي الذي سيلتقي الأسد خلال زيارته لدمشق سيكون مستمعا أكثر منه متحدثا وسيسمع بالضرورة حديثا عن المؤامرة الكبرى التي يتعرض لها النظام في سوريا الذي يحارب عصابات إرهابية خارجة عن القانون وان مهمته حماية البلاد من هذه العصابات..!!

النظام السوري استبق بدء مهمة المبعوث المشترك بالتأكيد على انه ماض في تطهير سوريا من "العصابات الإرهابية"قبل الدخول في أي حوار والمعارضة أعلنت صراحة أنها لا توافق على إجراء حوار مع نظام يقتل شعبه وان قبولها بوساطة الإبراهيمي يرتبط بأن تكون مهمته التفاوض على مرحلة ما بعد الأسد وتسليم السلطة إلى الشعب السوري.!!

هذه المواقف المسبقة والتي تأتي بعد انهيار مهمة المبعوث السابق كوفي أنان وفشل تطبيق مبادرته تجعل نجاح مهمة الإبراهيمي مستحيلا وتحوله من وسيط إلى مجرد "ناقل رسائل" وهي المهمة التي لا أتوقع أن يقبلها الإبراهيمي أو يستمر بها طويلا.

لى الجانب الآخر فإن الاختراق الحقيقي للأخضر الإبراهيمي يتمثل في نجاحه في إقناع النظام السوري بوقف العنف والقتل ولو لفترة مؤقتة والسماح لمنظمات الإغاثة الدولية بالدخول إلى المدن السورية وتقديم المساعدات للمواطنين السوريين النازحين الذين بلغت أعدادهم حسب آخر الإحصائيات نحو ثلاثة ملايين ونصف مليون مواطن فقبول النظام "بهدنة " مؤقتة سيضغط على المعارضة لوقف إطلاق النار وسيعيد ترتيب الأوراق ويمكن الإبراهيمي من البناء عليها وإطلاق مبادرة سياسية يمكن في حال تطبيقها بوجود ضمانات دولية إخراج سوريا من عنق الزجاجة الذي دخلت فيه.

الإبراهيمي يدرك أن تحقيق هذا المطلب الذي فشل في تحقيقه سلفه كوفي انان لعوامل داخلية وخارجية ليس مهمة سهلة أو هينة وان مغادرته دمشق دون قبول النظام بمبدأ وقف العنف والقتل فورا ودون شروط يعني الفشل المبكر لمهمته وان جهوده وتحركاته لن تأتي بنتيجة وانه سيظل يدور في حلقة مفرغة في وقت تتصاعد فيه أعداد الضحايا وتتواصل فيه المأساة الإنسانية في سوريا .. وبالتالي فإن الأكرم لتاريخه أن يعلن فشل مهمته مبكرا حتى لا يتحمل وزر الدماء السورية التي تسيل وستسيل أثناء مهمته المستحيلة.

================

تلفزيونات تقطر دما !

خلف الحربي

عكاظ

5-9-2012

في مشهد سوريالي ليس له مثيل في تاريخ التلفزيون، قامت مذيعة قناة «دنيا» الموالية لسفاح دمشق بالتجول وسط جثث الأبرياء الذين قتلوا في مجزرة داريا بحثا عن أمرأة أو طفل لم يلفظوا أنفاسهم الأخيرة بعد، وبكل وقاحة أجرت حوارا مع أمرأة عجوز فقدت أولادها، ثم تجري حوارا أشد وحشية مع طفلة تواجدت بالقرب من جثة أمها!.. هذه حقيقة بشار وكل من يتعاطف مع جرائمه.

**

ملالي طهران الذين شاركوا بشار في حرب الإبادة ضد الشعب السوري الشقيق أثبتوا من خلال فضيحة التلاعب بترجمة خطاب الرئيس المصري أن عقيدتهم الوحيدة هي الكذب والخداع، حيث تمت ترجمة مفردة «سوريا» إلى «البحرين»، ما يؤكد استغباءهم لشعبهم واستهتارهم بضيوفهم وخيانتهم الدائمة للأمانة، وقد فاتهم شيء صغير جدا في هذه الترجمة المضحكة أن كلمة «البحرين» هي ذاتها بالفارسية، باستثناء نطق حرف الحاء، حيث تنطق «بهرين»!.. لذلك نستطيع أن نقول بأن من تسبب في هذه الفضيحة الدبلوماسية والإعلامية «همار»!.

**

السيد حسن نصر الله أكد في حوار مع قناة الميادين أنه في حال هاجمت إسرائيل إيران فإن الرد الإيراني سوف يطال القواعد الأمريكية في المنطقة، نحتاج إلى مترجم بالفارسية كي يقول لسيد المقاومة أنه مواطن لبناني يعيش في «الضاهية الجنوبية»، وليس في قم، وأن مثل هذا التصريح الكارتوني يفترض أن يصدر عن وزير الدفاع الإيراني!.

**

وزير الإعلام السوري عمران الزعبي هاجم الرئيس المصري، مؤكدا أن الفرق بين مرسي ومبارك هو اللحية فقط، وبغض النظر عن القراءات المتعددة لمواقف مرسي ومبارك، إلا أن التاريخ يثبت أنهما أشرف ألف مرة من بشار وأبيه حافظ، حيث دافع مبارك ومرسي عن وطنهما بشجاعة، بينما جند بشار وأبوه نفسيهما لحماية الحدود الشمالية لإسرائيل، ووجها الدبابات والطائرات لقتل أطفال ونساء سوريا!.

**

وزير الدفاع الإيطالي قال إن بمقدور بلاده المشاركة بأي تدخل عسكري في سوريا بعد رحيل الأسد!... أين المترجم الإيراني كي يقول له «الشرهة على اللي يسمع تصريحاتك.. أصلا ما أحد طلب تدخل إيطاليا»؟!.

=================

دولة الممانعة

د. عبد الرحمن سعد العرابي

الأربعاء 05/09/2012

المدينة

* «نلمس اليوم أن مواطني دمشق المسلمين يُرغمون اليهود القاطنين بين ظهرانيهم على توقيع وثيقة يتعهدون بها بعدم إرسال المواد الغذائية إلى إخوانهم اليهود المنكوبين في فلسطين».

هذا ما نصت عليه وثيقة كتبها زعماء الطائفة العلوية في سوريا ومنهم جد الرئيس الحالي بشار الأسد وهو سليمان الأسد.

وذلك في عام 1936م عندما كانت المفاوضات جارية بين دولة الاحتلال «فرنسا»، والوطنيين السوريين لاستقلال سوريا.

* الوثيقة أثيرت أكثر من مرة...

نشرتها جريدة «الأهرام» المصرية قبل (28) عامًا كما كتب عنها صحافي لبناني «انطوان صعب» في صحيفة النهار العام الماضي.

وأعادت «العربية نت» نشرها الجمعة الماضية...

والسبب...

الجدل الذي حدث بين كل من:

وزير خارجية فرنسا الحالي لوران فابيوس ومندوب سوريا في الأمم المتحدة بشار الجعفري...

عندما ذكَّر فابيوس المندوب السوري بالوثيقة وأن زعماء العلويين كانوا يترجّون فرنسا ألا تنسحب من سوريا وتُديم احتلالها.

* الوثيقة كما تشير «العربية نت» محفوظة في سجلات وزارة الخارجية الفرنسية تحت رقم 3547 وتاريخ 15/6/1936م.

وقد أشار إلى وجودها الوزير الفرنسي وعرض على المندوب السوري إبرازها له إن أنكر…

* لكن هل هذا المديح لليهود والذم للمسلمين هو فقط تلك الجزئية «المهمة» من الوثيقة…

الجواب طبعًا لا…

وهذه ميزة الوثائق…

ودراسة التاريخ…

* الزعماء العلويون يواصلون تنديدهم بالإسلام والمسلمين في قولهم:

«إن أولئك اليهود الطيبين الذين جاؤوا إلى العرب المسلمين بالحضارة والسلام ونثروا فوق أرض فلسطين الذهب والرفاه، ولم يُوقعوا الأذى بأحد، ولم يأخذوا شيئًا بالقوة، ومع ذلك أعلن المسلمون ضدهم الحرب المقدسة، ولم يترددوا في أن يذبحوا أطفالهم ونساءهم بالرغم من وجود انكلترا في فلسطين وفرنسا في سوريا… لذلك فإن مصيرًا أسود ينتظر اليهود والأقليات الأخرى في حالة إلغاء الانتداب وتوحيد سوريا المسلمة مع فلسطين المسلمة. هذا التوحيد هو الهدف الأعلى للعربي المسلم»…

* هذه وثيقة لم يكتبها…

متطرِّف مسلم…

أو مسلم معتدل…

ليزوِّروا الحقائق...

بل خطتها يد زعماء العلوية…

الذين كانوا وما زالوا..

حُكَّام سوريا...

فهل سيبقى لدى البعض شك في ممانعة سوريا وأتباعها وأذنابها المزعومة لإسرائيل؟!...

أم أنه خنوع ومشاركة ومصير واحد...؟!

=================

إيقاف القتال أولوية حتمية في سوريا

المصدر: صحيفة «إندبندنت» البريطانية

التاريخ: 05 سبتمبر 2012

البيان

تصعب رؤية فائز واضح يخرج من الحرب الأهلية المتزايدة في اتسامها بالطابع الدموي في سوريا، حيث اعترف الرئيس السوري بشار الأسد مؤخرا، بأن حكومته تحتاج مزيدا من الوقت "لكسب المعركة" ضد الميليشيات التي تتصدى لقواته. وقد فعل ذلك فيما كان القصف المدفعي يدوي في أرجاء دمشق وحلب، وكانت أجزاء واسعة من البلاد قد وقعت تحت سيطرة الثوار. وعلى الرغم من تفوقها في القوة النارية، فإن القوات الحكومية السورية تتعرض لهجوم مستمر.

وقد لا يكون الأسد في غمار إحراز الفوز، ولكن ليس هناك مؤشر إلى انهيار نظامه، على الرغم من انشقاق رئيس الوزراء السوري واغتيال قادة أمنيين بارزين. والوضع مختلف جدا عن الوضع الليبي، حيث انهار دعم الزعيم الليبي السابق معمر القذافي فجأة في العام الماضي، تحت وطأة غارات "ناتو" الجوية وعزلته الخاصة، وليس بفعل الضغط من جانب الثوار.

وأظهر الثوار السوريون أنهم يستطيعون الاستيلاء على أحياء كاملة من دمشق وحلب، إلا أنهم لم يتمكنوا من الاحتفاظ بها. وفي حين أنهم يمكن أن يفوزوا على المدى الطويل، فإن ذلك قد يحدث في المستقبل البعيد، بعد أن يقتل عشرات الألوف من السوريين. وتشير آخر الأخبار حول مجزرة "داريا"، إلى أن كلا الجانبين يشعر الآن بأنه يستطيع ذبح أضعف أنصار عدوه، وهناك احتمال كبير بأن يتفاقم سفك الدماء.

وأحد الأسباب الكامنة وراء حقيقة أن الحرب السورية دموية للغاية، ويمكن أن تستمر لفترة طويلة، هو أنها في الحقيقة ثلاثة صراعات مغلفة في صراع واحد. فهناك نضال الشعب السوري ضد الحكومة، والمواجهة بين العلويين والسنة، وبين حلفاء إيران وخصومها.

وفي حواره التلفزيوني الأخير، استبعد الأسد فكرة إنشاء "ملاذات آمنة" للاجئين على الأراضي السورية. ومن الصحيح أن إنشاء تلك الملاذات والدفاع عنها، سيعني على الأرجح نزاعا مسلحا بين سوريا وتركيا. وفي هذه المرحلة، يعتقد كل من عناصر الحكومة والثوار أن لديهم فرصة لتحقيق نصر واضح، مهما كانت تلك الفرصة مستبعدة. ولا يمكن لسائر دول العالم أن توقف الحرب، ولكن ينبغي لها أن تبذل قصارى جهدها للحيلولة دون انتشارها إلى لبنان، وزعزعتها لاستقرار بقية المنطقة.

ومن جهة أخرى، فإنه من المنطقي أن نفترض أن مزاعم القاعدة بلعب دور قيادي في النضال من أجل إسقاط نظام الأسد، مبالغ فيها. ولكن وجود خلاياها الانتحارية، بأعلامها البيضاء والسوداء المميزة، في صفوف الثوار الأمامية، لا يبعث حتما على الثقة بأن سوريا ما بعد الأسد ستروق للغرب. وهذا هو أحد الأسباب وراء امتناع جميع الدول الكبرى الغربية، بما فيها فرنسا، عن تسليح الثوار.

وفي حين أن الإخوان المسلمين قد لا يتبعون الأجندة البغيضة نفسها التي يتبعها متعصبو القاعدة، فإنه من المستبعد جدا أن إنشاء حكومة إسلامية في دمشق، سيجعل موقف سوريا من الغرب أفضل مما هو عليه في ظل النظام الحالي.

=================

المعارضة وليس الإبراهيمي

عمر العمر

التاريخ: 05 سبتمبر 2012

البيان

في سبتمبر من العام السابق، اكتشف نبيل العربي اصطدام مهمته المكلف بها من الجامعة العربية في دمشق بجدار صلب من العناد والغطرسة.

مقاربة النظام السوري للثورة الشعبية العارمة، جعلت نجاح العربي في فتح كوة عبر الجدار مهمة مستحيلة.

على الرغم من الكلفة الباهظة المدفوعة من أرواح الشعب السوري ودمائه وممتلكاته، لم يحاول النظام الحاكم في دمشق إحداث تغيير في مقاربته تجاه الثورة، ومن ثم التجاوب مع شعاراتها.

والنظرة الأحادية فرضت على النظام التوغل في التدمير والتقتيل.

كلما أمعن النظام في العنف، اتسع صبر الشعب، وتدفق بذله السخي من أجل قضيته الوطنية.

الشعب السوري ينسج كل يوم، بنكران الذات والتضحية والفداء، ملحمة إنسانية نادرة. على قدر ما يفاجئنا النظام بزيادة وتائر القصف، يباغتنا السوريون بالقدرة على الصمود والتصدي.

الثورة السورية تدخل العام الثاني، وهي قادرة على الاتساع الأفقي والنمو الرأسي واشتداد العود.

هو الجدار الصلد نفسه، حيث اصطدم الموفد الأممي كوفي أنان بعد المبعوث العربي. أنان لم يواجه فقط تصلب النظام السوري كما حدث مع العربي، بل عانى من تشقق الجدار الدولي، حيث ينبغي إسناد ظهره.

مهمة الموفد الأممي لم تثقل فقط بالتصدع في الجدار الدولي، بل تحملت كذلك عبء فوضى المعارضة السورية.

النظام عمد إلى الاستثمار في الهامش المكثف بتصدع الموقف الدولي وانقسامات المعارضة، فذهب بعيداً في الشراسة.

داخل الهامش نفسه، لجأ كوفي أنان إلى المناورة على نحو جعله جزءاً من الأزمة السورية، وليس أحد عناصر المساهمة في إيجاد المخارج والحلول. الموفد الأممي اكتشف بعد زمن مهدر طويل خوضه مهمة مستحيلة.

ما لم يستوعب الإبراهيمي عناصر إخفاق سالفيه، يصبح الرهان على نجاح مهمته خاسراً لا محالة. منذ قبوله المهمة، يراهن الموفد الأممي الجديد على موقف دولي موحد داعم. تلك أمنية تتطلب انتظاراً يرتكب النظام إبانه مزيداً من المجازر والتدمير.

وفي ظل الأزمة السورية المستفحلة، يحضر سلباً تصدع المعارضة، كما هي شراسة النظام. نجاح المعارضات السورية في تجميع أطرافها المتشظية تحت مظلة موحدة، يختزل انتظار الإبراهيمي الفوز بموقف دولي موحد، ويزيد في انكسار النظام.

تشظي المعارضات السورية يثير أكثر من سؤال على غير جبهة واحدة.

في حين تبدو درجة الوعي السياسي أعلى لدى الشعب السوري، أكثر من دولتين على الأقل في مدارات الربيع العربي يحار المرء في التناقض بين قدرة أولئك على الاصطفاف الموحد في وجه الأنظمة الظالمة وتبعثر هؤلاء.

إذا كان هناك من يراهن على حل خارجي للأزمة السورية، فلابد من إدراك دور المعارضة الأساسي في صياغة ذلك الحل

الصراع بين النظام السوري والمعارضة تجاوز مرحلة كسر العظم إلى كسر الإرادة، بل إلى التصفية والفناء.

سوريا لن تتراجع إلى الوراء. ثمة نظام جديد يتشكل من بين ركام البيانات والقبور الجماعية. لا أحد يستطيع الجزم حالياً بشكل النظام الجديد، غير أن في وسع المعارضة تخليقه حالة اتحادها.

رهان التفاؤل بيد المعارضة، وليس على كاهل الإبراهيمي. على إيقاع اصطفاف المعارضة المتشرذمة بتشكل الموقف الدولي الضاغط وينهار النظام.

توغل المعارضة في الفوضى ربما يدفع الشعب إلى الثورة على الجيش الحر، كما هو ثائر ضد النظام في وقت واحد.

=================

سوريا...كل يوم مذبحة

تاريخ النشر: الأربعاء 05 سبتمبر 2012

د.خالص جلبي

الاتحاد

حالياً ما يحدث في سوريا ثورة مسلحة وغير مسلحة، بجناحين من مظاهرات وقتال شوارع. الجو النفسي جدير بالتحليل لأثره المدمر أو الباني في المستقبل.

هناك العديد من التجليات النفسية سلبية وخطيرة. حالياً نجح الأسد الابن بجر الثورة من منطلقاتها الثلاثة إلى عكسها وضدها تماماً. كانت الثورة تقول ثلاثاً: لا للعنف والتسلح. فتسلحت وأصبح لها أنياب وأظافر ومخالب.كانت الثورة تقول لا للطائفية وحالياً المعركة نصفها طائفي، والعلويون لم ينفضوا أيديهم بعد من عائلة الأسد وهو موقف سيدفعون ثمنه في المستقبل.

ليس كل الثوار متسامحون وعقلانيون. ليس غريباً إذن تصريحات بني صهيون عن احتمال نزوح علوي إلى أراضيهم. أو قول الطفيلي مؤسس حركة "حزب الله" باحتمال تحالف صهيوني مع "حزب الله" بتدفق المقاتلين المتشددين من السنة.

هناك العديد من الشرفاء والشريفات من العلويين والعلويات ولكن الكتلة الضاربة من العلويين مازالت في صف النظام إيجاباً بالقتال في صفوفه أو سلباً بالصمت مع غالبية الصامتين وهم ليسوا علويين بالضرورة.

كانت الثورة تقول إنها ضد التدخل الأجنبي، وهي حالياً تطالب بإلحاح بالتدخل الأجنبي بعد أن قفز الأسد الابن إلى مستوى القسوة المفرطة بدك المدن بالمدافع والطائرات. ما يجري حالياً في سوريا هو حرب أهلية بامتياز. الحرب تختصر بثلاث كلمات: جنون وإفلاس أخلاقي وجريمة.

في الحياة العادية إذا خدش جار سيارة جاره اعتذر وتقدم بالتعويض.

في الحرب يقتل الإنسان أخيه الإنسان، فلا يحاسب بل يكافئ ويعتبر بطلاً قومياً.

أكثر المجانين من جنرالات الحروب وضعت على صدورهم النياشين.

من أبرز المظاهر السلبية في الثورة السورية الحالية تجليات الكراهية، نحن نعيش حالياً في وسط مشبع بالكراهية والأحقاد المتبادلة وتحييد العقل وروح السلام والتسامح والحلول الوسطية. إننا نعيس وسطاً غير صحي البتة.

الحديث الآن للبارود والقوة والنار والعضلات وخناجر الشبيحة، هناك الكلفة الباهظة للثورة السورية. إنه يذكرني بالجراح الذي يدخل في عملية جراحية بسيطة، فيحسب حسابه أنها ستنتهي في نصف ساعة، فتطول خمس ساعات مع نزف شديد ودماء غزيرة وأخذ المريض للعناية الفائقة المركزة. نحن هنا في سوريا ليس ثمة مكان اسمه عناية فائقة والمشافي الميدانية تقصف والأطباء تقتل والجرحى في المشافي العامة يذبحون. إنه التجلي الأعظم للحقد المتبادل. يجب أن نعترف للأسد الأب وحالياً الابن أنه فجر نوازع الشر وأخرج من بطون الناس أقذر ما فيها، وفتح صندوق "باندورا"، ففاحت الشرور واعتمد الحل الأمني فلم ينجح بل قاد خصمه إلى نفس المنزلق.

ماذا تتوقع من أناس تهبط بيوتهم فوق رؤوسهم وينكبون بقتل أحبابهم تحت قصف الطائرات. إنها مظاهر لا يرويها الأجداد عن حملة غورور الفرنسية ولا مذابح بني صهيون.

سوريا تعيش كل يوم في مذبحة: درعا، الصنمين، الحولة، القبير ،داريا، وعشرات عشرات المذابح. فقط تتحرك في الذاكرة مذابح المغول من العصور الوسطى في الوقت الذي نعيش القرن الواحد والعشرين. الزمن لا يهم المهم العقلية.

=================

هذا الصمت الدولي المريب!

الياس الديري

2012-09-05

النهار

بقدر ما تبدد التطورات العاصفة في سوريا اي امل في نجاح مهمة الاخضر الابرهيمي التي يقرأ عنوانها من الفشل الذريع الذي منيت به جهود سلفه كوفي انان، تبدو المنطقة بأسرها كأنها مقبلة على زلزال كبير يمهد لحرب اقليمية مفتوحة.

وان كانت حرب كهذه مستبعدة من الحسابات والترتيبات الدولية وحتى الاقليمية فان رسائل التحدي المتبادل بين اسرائيل وايران، وقد تلقت قبل يومين دعما من الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، و خصوصا بتلويحه بعزيمة دخول الجليل... اذا ما انطلقت شرارة الحرب في هذا الاتجاه او ذاك.

الا ان ذلك كله، على اهميته، في كفة والموقف الدولي مما تشهده سوريا منذ 17 شهرا في كفة اخرى وطابشة، وهوموقف اقل ما يقال فيه انه يتصف بالغرابة المطلقة بل انه يعبر شكلا ومضمونا وجوهرا وكلاما عن اللاموقف، واللامبالاة، واللارغبة في الاقدام على اية مبادرة او خطوة.

للمرة الاولى، ومنذ اندلاع شرارة "الربيع العربي"، يظهر المجتمع الدولي بهذا التوصيف المطلق والمبهم ومعه الشرعية الدولية، كما لو انهما بعيدان بالنظر والسمع عما يحصل من فظائع واهوال في المدن والارياف والحارات والزواريب، على امتداد الجغرافيا السورية وتخومها.

اجل، للمرة الاولى، وسط دهشة اوروبية وعربية من هذا الامر المريب.

مجرد استنكارات خجولة، تعرضها كلمات باردة، خالية من اي اهتمام فعلي بما يحصل، او بأي تأثر لسقوط هذه المئات من الضحايا. ويومياً. ونتيجة قصف عنيف، متواصل بكل انواع الاسلحة الثقيلة جوا وبرا.

ناطق باسم الامين العام للامم المتحدة، او مساعد لوزيرة الخارجية الاميركية، او متحدث باسم الاتحاد الاوروبي.

مجرد كلمات، من باب رفع العتب، ولئلا يقال ان الجميع لاذوا بالصمت المطبق فيما الموت والدمار يتآزران على الشعب السوري والمدن السورية.

كلام كثير قيل، وتحليلات بمختلف اللغات انتشرت الا ان احدا لم يتمكن من اختراق جدار الحيرة الذي يلف معظم العواصم الكبرى والصغرى في هذا الصدد.

فما الذي يحاك في الكواليس الدولية، وماذا تخبئ موسكو ليوم "الصفقة الكبرى" التي كثر الحديث عنها؟ وهل صحيح ان القرار الحاسم حول الوضع السوري و"الحالة الايرانية" ينتظر نتائج الانتخابات الرئاسية في اميركا؟

والى ذلك الحين يبقى كل شيء على حاله، ام ان الزمام قد يفلت؟

=================

من يتصدى للاعتداءات السورية؟

عبد الوهاب بدرخان

2012-09-05

النهار

أصبحت الانتهاكات السورية للحدود اللبنانية بوتيرة يومية، بل أصبحت الاعتداءات السورية على البلدات والقرى مبرمجة ومتعمدة قتل المدنيين. ويوم الاثنين طلب رئيس الحكومة من سفير لبنان في دمشق "إبلاغ" السلطات السورية استمرار القصف، مجرد ابلاغ لا احتجاج، اعتقاداً منه بأن هذه السلطات ليست على علم بما يحصل بأوامر صريحة منها. أما وزارة الخارجية فلم تُشعر اللبنانيين يوماً بأنها معنية بالتعامل مع الانتهاكات السورية وفقاً للقوانين الدولية إن لم يكن بموجب المعاهدات، والاتفاقات بين البلدين. وأما القوى السياسية في الحكومة، وعلى رأسها "حزب الله"، فلا ترى في الاعتداءات ما يستحق الذكر، ذاك ان المعتدي هنا هو "دولة شقيقة"، ثم ان الموطنين والمواقع المعتدى عليها مصنفون مع "14 آذار"، أي مع المعارضة.

لم يُسجل لأي قيادي في أحزاب "8 آذار" أي موقف من هذه الاعتداءات، رغم ان هناك مواطنين ابرياء يقتلون. ولما كانت الادانة غير متوقعة منهم، فإنهم لم يغامروا حتى بشيء من الاستنكار، ما يعني انهم موافقون ومؤيدون لقتل مواطنيهم، تماماً كتأييدهم قتل أبناء الشعب السوري بأيدي قوات النظام. وفي المقابلة التلفزيونية الأخيرة، لم يسأل الأمين العام لـ"حزب الله" عن الاعتداءات السورية، ولا هو تطرق اليها، رغم ان المقابلة خصصت عملياً للرد على تهديدات اسرائيلية باعتداءات محتملة على لبنان.

متى أصبحت الانتهاكات مستحقة الاهتمام؟ عندما قدمت المعارضة مذكرة الى الدولة تطالبها فيها بالقيام بأبسط واجباتها، وعندما طرحت الافكار والوسائل التي يتيحها القانون الدولي ومنها مثلاً نشر قوات من "اليونيفيل" على الحدود بين لبنان وسوريا. عندئذ ارتفعت الاصوات بالتحذير والتهديد، مذكرة بالخطوط الحمر والمحرّمات. اي ان المشكلة صارت "داخلية"، باعتبار ان الحدود بين مربع أمني وآخر، وليست بين بلدين. وحتى حين تداول الاعلام "اعتذاراً" سورياً و"وعداً بعدم التكرار" استعظم انصار النظام الاسدي وروّجوا أن رئيس الجمهورية راكم لتوّه غضباً سورياً جديداً عليه.

كل ذلك يحيل مجدداً الى النقاش حول الدولة ودورها. لم تطلب المعارضة ان ينبري الجيش للتعامل مع الاعتداءات، رغم ان هذه وظيفته الأولى، وانما تطلب خطوات بديهية لا بد ان يكون اللجوء الى الامم المتحدة أحدها. فالسكوت والخوف يشجعان على التمادي. لا شك أن طرد السفير السوري وتجميد العلاقات خطوتان رمزيتان واجبتان، أما تحريك القرار 1701 لنشر "اليونيفيل" فهو خطوة عملية لا تكون الدولة دولة اذا لم تقدم عليها. وأي نتائج سلبية يمكن ان تترتب عنها ستبقى أقل كارثية لاحقاً من أن ترضخ الدولة للاعتداء على مواطنيها واراضيها لمجرد أن هناك في الداخل من يستقوون عليها.

=================

عن التدخل التركي في المسألة السورية * ياسر الزعاترة

الدستور

5-9-2012

قبل أيام شن رئيس الوزراء التركي أردوغان هجوما عنيفا على معارضي سياسته في سوريا، واتهم بعضهم بأنهم “بعثيون” يرفعون صور بشار الأسد في اعتصاماتهم، ودافع عن تلك السياسة مع هجوم حاد على النظام السوري ورئيسه.

لم يتدخل أردوغان في المسألة السورية بسهولة، إذ تردد كثيرا قبل أن يتخذ موقفه الحاسم لصالح الثورة، فقد جاء الربيع العربي، وتبعا له الثورة السورية بينما كانت العلاقات السورية التركية في أحسن أحوالها منذ عقود طويلة في ظل سياسة “صفر مشاكل” التي ابتدعها وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو، وتطورت العلاقة التجارية والسياسية على نحو لافت، بينما تدفق الناس على جانبي الحدود بشكل استثنائي، وبقدر كبير من الرضا والفرح.

عندما اندلعت الثورة السورية تردد أردوغان كثيرا في حسم موقفه، ليس فقط لاعتبارات تتعلق بالعلاقات التجارية الواسعة بين الطرفين، ومعها العلاقة السياسية الحميمة، بل أيضا لأن حسابات الداخل التركي كانت حاضرة أيضا.

في تركيا ثمة حضور لافت للطائفة العلوية يختلف الناس حول نسبتها من مجموع السكان، وهي في معظمها تميل إلى المعارضة أكثر من الحزب الحاكم ذي الجذور الإسلامية، فيما لا يؤيد الجيش تدخلا عسكريا في الشأن السوري، وإن قال البعض إنه يؤيد، وأقله لا يمانع.

في الشهور الأولى حاولت تركيا الدخول على خط الأزمة واستثمار العلاقة الخاصة مع بشار الأسد على أمل إيجاد حل سياسي من خلال إصلاح سياسي يقنع الشارع السوري مع وقف للعنف ضد المحتجين، وكانت الوعود تنهال من دمشق على الدبلوماسيين الأتراك، لكنها ما تلبث أن تطحن تحدت جنازير الدبابات التي تجوب الشوارع وتقتل الناس، في وقت لم تكن هناك أية مظاهر عسكرية في الثورة.

يوما إثر آخر بدأ الموقف التركي يندد بالمجازر، وأخذ يبتعد عن حليفه السابق، وصولا إلى حسم الموقف. ولا شك أن حضور الشارع العربي والإسلامي في القضية كان كبيرا، إذ توالت المناشدات من القوى السياسية العربي لأردوغان باتخاذ موقف ما يجري. ولما كان الرجل قد حاز مكانة كبيرة بين المسلمين خلال المرحلة السابقة بسبب جملة من المواقف حيال القضية الفلسطينية، فلم يشأ أن يضيعها، لاسيما أنه لمس اصرارا من الشعب السوري على الانتصار. مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن سياسة العدالة والتنمية قد ذهبت خلال السنوات الماضية نحو تعزيز علاقاتها العربية والإسلامية بعد يأسها من الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي.

اليوم، وفي حين لا يجد كثير من قادة المعارضة السورية حرجا في الإشادة بالموقف التركي، فإن كثيرين في الشارع السوري والعربي والإسلامي، وبينهم سياسيون وكتابا لا يتوقفون عن هجاء الموقف التركي الذي لا يرقى إلى مستوى طموحهم فيما خصَّ نصرة الشعب السوري الذي يتعرض لمجازر يومية، لاسيما بعد أن تحولت الثورة إلى صراع مسلح مع جيش النظام وشبيحته.

والحال الذي لا ينكره سوى العقلاء هو أن تركيا تقدم الكثير للثورة السورية؛ لا أعني فقط استيعاب بعض اللاجئين، بل استيعاب نشطاء الثورة والكثير من فعالياتها مع دعم لوجستي واضح، إلى جانب السماح بتدفق المقاتلين المؤيدين، وكذلك المال والسلاح.

كل ذلك لا يبدو كافيا بنظر البعض، وهو ربما لا يكفي بالفعل لمنح الثورة فرصة الحسم السريع، وإن أمكن الحديث بكل بساطة عن انتصار حتمي في نهاية المطاف، لكن ذلك لا يأتي لأن أردوغان لا يريد لبشار الأسد أن يسقط، بل لأنه يخشى من تجاوز الموقف لما تحتمله موازين القوى الداخلية والخارجية.

في الداخل لا يبدو أردوغان قادرا على تجاهل حقيقة أن 49 في المئة فقط يؤيدون سياسته في تركيا رغم أنها لم تصل حد التدخل العسكري (13 في المئة يعارضون والباقي بين بين)، فضلا عن وجود العلويين المؤيدين لبشار الأسد لأسباب طائفية، كما لا يمكنه تجاهل المشكلة الكردية التي يحركها النظام السوري عبر دعم حزب العمال الكردستاني.

الذي لا يقل أهمية عن ذلك كله هو ما يتعلق بالموقف الأمريكي والغربي (تركيا عضو في الناتو) الذي يرفض رفع مستوى التسليح والدعم للثورة السوري، بدعوى الخوف من وقوع الأسلحة بيد متطرفين، رغم أن ذلك إنما يتم بسبب المطالب الإسرائيلية المعنية بإطالة الصراع لتدمير سوريا وإشغالها بنفسها لعقود.

لذلك كله لا يمكن القول إن ما يقدمه حزب العدالة والتنمية يُعد قليلا إذا ما أخذت العوامل الداخلية والخارجية بنظر الاعتبار، لكن ذلك كله لا يبرر أبدا الإبقاء على الوضع القائم، إذ لا بد من تنسيق تركي مع داعمي الثورة العرب من أجل تمرد مشترك على الشروط الأمريكية، وصولا إلى دعم أكبر وتسليح أقوى يمنح الثوار فرصة الحسم السريع قبل أن يدمر بشار الأسد البلد برمته.

لتاريخ : 05-09-2012

=================

ممانعة الشام وضاحية صلاح الدين

نهى المصري

2012-09-04

القدس العربي

'شعورنا بالأمان' كشعوب عربية وإن كان في الأساس منتهكا بفعل خروقات تاريخية وسياسية، لازمتنا لعقود،غير أن عملية القضاء التام على هذا المعطى بعد تقويضه باتت اليوم مفضوحة بشكل مؤلم، ربما لأن الهوة التي صنعها اغتصاب فلسطين في كيان أمتنا والتي عمقــتها ممارسات أنظمة دكتاتورية داست على رقابنا، باسم المقاومة والممانعة، تزداد اليوم اتساعا مع كل قطرة دم تراق من جسد سوري، على أيدي ممانع مقاوم وهنا تكمن قمة المأساة، ليس فقط لأن اللعبة تضع خواتمها بل لأن نهاية المسلسل تكشف أن بطل الملحمة مجرد أخرق وان العدو وإن كان واحدا لكنه ليس الأوحد، فالأقنعة سقطت وبالرغم من ذلك فالعرب منقسمون ما بين مستلب بمنـــتج المقاومة، وفاقد للأمان بعد سقوط اليقين الذي قوضته الاصطفافات التي احدثتها الأزمة السورية، في حين ان المشهد على المستوى السياسي يتوزع باقل تقدير بين محورين، في المحور الأول هناك منظومة المقاومة التي تقف اليوم ضد نفسها بعد ان داست على شعاراتها التي تمحورت يوما حولها أحلام الملايين ولعقود قبل أن يسقطها وبسرعة البرق دعمها لوحش دمشق بل تعدى الأمر الدعم الى وصم كل من لا يحذو حذوها بربقة الخيانة والعمالة، وكأن للطريدة مأمن بين فكي مفترس.

بفعل هذه الهلوسات تزعزع عرش المقاومة وتمزقت مصداقيتها والخسارة بفعل هذا الانهيار كبيرة ليس فقط على المقاومة واتباعها بل ايضا على عشرات آلاف البشر ممن اعتمدوا على مقياس 'حسن نصرالله' ليسترجعوا معنى الكرامة يوم هزم العدو الصهيوني شر هزيمة، هؤلاء اليوم يشعرون بالعري لأنهم تلحفوا لعقود بشعارات المقاومة التي حشدت الملايين لمناهضة العدو الاسرائيلي وها هي اليوم ترفع الشعارات نفسها وهي تظن بأنها قادرة بتلك العصا السحرية على توجيه شوارعنا وفق غاياتها كأن يتغاضى على سبيل التأكيد الشارع العربي عن جرائم سفاح دمشق وشبيحته وهم الذين ينحرون الاطفال ويغتصبون النساء ويقومون بتصفية الشباب والشيوخ وهدم البيوت فوق رؤوس قاطنيها بدم اسود لماذا لأن كل هؤلاء تجرأوا على النطق بشهادة الحرية أمام من أضاع من عمرنا حقبة بعد أن صدقنا وهم أنه محرر فلسطين من الرجز الصهيوني اذا نحن أمام من ينادي بكل صلف 'لا حرية لكم الا وفق معاييري' دون أن يعي انها العبارة المقبرة التي ستدفن كل هرطقاته المعيارية التي غزت قلوبنا لعقود كى نكتشف اليوم أن شوارعنا العربية تخدرت بفعلها لكنها لم تتراصف ولم تتحد يوما عبرها، لذا من يخشى الانسحاب من تلك المنظومة المتهاوية بعد أن تبين

أن صلاح الدين لا يسكن الضاحية بعد اليوم ،أقول له أن لا مساحة للمفاضلة بين شرين سيما ان الحلال بين والحرام بين، ناهيكم عن أن فهم الآلية التي يعمل وفقها العدو وإدراك اهدافه أمر ليس متعثرا مادام عالمنا اليوم يترنح بين عدوين، الأول ناصب العداء لنفسه يوم داس على ما تبقى من مبادئه والآخر يقف على الضفة الأخرى متسلحا بخطط تنتظر احتراق منظومة المقاومة بعد زلزال حزبها علما أن رصد الأضرار ما زال متعثرا على حزب الله نفسه ربما لأن معركة الوجود ليست مقتصره عليه وحده فهي تشمل إيران وإسرائيل يتخللها تداخل مصالح كل من روسيا والصين من جهة وامريكا وفرنسا وبريطانيا من جهة أخرى اذا حرب قد تصبح إقليمية بأقل تقدير على أرض سورية قد لا يتبقى بعدها الكثير لقوله او للدفاع عنه أوحتى لتبريره، لذا مهما كانت نتائج هذه الحرب ووساطتها سواء أكانت بالمدافع المباشرة ام بالوكالة فالمحصلة واحدة سيما أن شعوبنا العربية مستلبة الوجدان والكينونة، بسبب تحولها الى شاهد زور على مايشبه التطهير المذهبي الذي مازال يرتكب بحق الشعب السوري هذا من جهة، ومن جهة أخرى بسبب سقوط القدوة الذي أفقدته حجم المأساة السورية براعته ومصداقيته على الأقل لدى الكثير من بعض حيث تبين أن صورة العملاق ماهي سوى خطأ تقني في اختيار الزاوية المضاءة التي سلطت عليه لفترة، اذا الخسارة واقعة مهما فعلنا حتى وإن استخدمنا النوايا كمبرر لأنها لن تخدم لا ايران ولا حزب الله الذي اعلن أمينه العام مرات عدة أنه يتصرف وفق 'موانعه الشرعية' والتي لن يتم النظر إلينا الا وفقها، ولن نعرف كنهها مهما تجمع لدينا من معلومات، بسبب الخلط وضياع الحدود لديهما بين ماهو ديني وماهو سياسي بأقل تقدير، في المقابل هناك الغرب الذي ينظر إلينا من خلال مقياس رأسمالية الكـــوارث القائم على المبدأ القائل بأن 'الأزمة فقط هي التي تنتج تغييرا حقيقيا' وهو الأمر الذي تناولته نعومي كلاين في كتابها 'العقيدة الصدمة' حيث قامت بتعرية التاريخ السري للسوق الحرة الذي يعتبر أن أي أزمة أو كارثة هي بمثابة فرصة كى يقوم السياسيون بتسويق كل أجندات سياساتهم المؤلمة، قبل أن يتمكن الناس من استعادة وعيهم، وذلك من خلال التمسك بأفضل الطرق والتوقيت لترويج أفكار السوق الحرة الراديكالية ،انطلاقا من فكرة أن الصدمات تلين مجتمعا بأكملة وتشوشه، اذا استغلال الكارثة سواء أكانت طبيعية أو من صنع البشر هو عقيدة صانعي سياسات السوق الحرة وصبيتهم.

من الواضح أننا أمام معركة تسعى لخلق نفوس نكرة، تقبل بأي خلاص بفعل يأسها وعلى مايبدو هذا هو حالنا اليوم، ولكن هل هذا يعني أننا جاهزون للدخول الى سوق النخاسة من خلال لوحة معلقة حول رقابنا تقول 'إشترى العبد والعصا مجانية؟ أم ان الوقت قد حان لإحداث تغيير ما بالرغم من براعة عدونا؟.

علينا ان نعي وحسب رصد نعومي كلاين أن هناك أشكال مختلفة لممارسة الصدمة التي يستخدمها السياسيون لتطويعنا 'كالصدمة الاقتصادية' عملا بالمثل القائل 'جوع كلبك بيلحقك' أو 'صدمة الجسم' عن طريق الصعقة الكهربائية والتي قد تؤدي الى فقدان االذاكرة، وهناك ايضا استعمال العقاقير الذي مورس في مختبرات جامعة ماكغيل الكندية بالتعاون مع وكالة المخابرات المركزية الامريكية وذلك لفهم وإحداث طرق التعذيب الجسدية والنفسية التي تؤدي الى تدمير الشخصيات وارتدادها الكلي ،حيث يتحول الهدف من شخصية رجل بالغ الى شخصية طفل أي غسل ادمغتهم وجعلها ناصعة البياض لكى تكون قابلة لكل أضافة ،بهدف السيطرة ،اذا من الواضح أن سياسة الأوراق البيضاء هي حاجة لأصحاب الياقات البيضاء كى يمرروا مشاريعهم بأي ثمن، لهذه الغاية وضع دليل طرق التعذيب التي مورست ضد معتقلي سجن غوانتنمو وسجن أبو غريب ولعل الأمر المقزز هــــو ما ذكـــرته تسريبات ويكيليكس حول أن الرئيس الامريكي السابق بوش الابن كان يستعين بالسجون السورية عبر أرسال السجناء المهمين اليها كونها قادرة على سحب الاعترافات بسبب فعالية طرق تعذيبها، قد لا نعرف من المستفيد الاكبر من هذا التعاون ولكن لا يهم بعد ان تبين ان الطرفين يعرفان جيدا أن 'صدمة التعذيب' هي آلية مساندة للعاجز عن ارتقاء أجندته ديمقراطيا من خلال إحداث صدمة، ولعل المبكي في الأمر أننا قبلنا أن نتحول بين أيدي تلك الأنظمة المنافقة الى أكياس رمل لا يستفاد منا الا كعوائق في أفضل الأحوال لذا و في ظل هذا التماهي بين من ناصب العداء لنفسه وهو يهذي بفقه المقاومة، وبين الغرب الذي لا يسبح الا بحمد مصالحه لن يتبقى لنا الا هذا الاصرار الجبار للمواطن السوري على حريته الذي خرج آلاف المرات بصدر عاري ليصرخ 'ماالنا غيرك يا الله' كمرجعية، ربما لأن تجربة فلسطين على مرارتها لم تتمكـــن من لعــب هذا الدور لأن قـــادتها تحولوا بفعل السمسرة من مقاومين الى مقاولين قـــبل أن ينـــتهي بهم الأمر كمزارعين في حقول الكوارث يزرعون الرياح ويحصدون العواصف في حين أن القضية مرهونة بثمن بخس ولا تجد من يفك رهنــــها، لذا وكى لا تدخـــل الثـورة السورية ذاك الدرك وكى لا تتفرق قوانا بين شتاتين علينا أن نعي متطلبات المرحلة المقبلة.

قد لا نعرف كم حرب سنخوض كى تصبح علاقتنا بالحرية كعلاقة الروح بالجسد علاقة مصيرية غير قابلة للتجزئة وقد لا نعرف كم من مرة سندفن رؤوسنا بالرمال خوفا من مواجهة حقائق تتطلب منا مواقف ومراجعات نحن أضعف من الاقرار بها، لكن علينا اليوم أكثر مما مضى معرفة أي نعم نريد، ووفق أي 'لا' تكمن مصالحنا، كيف نصبح رقيبا على من يفترض به رعاية حرياتنا عندها فقط لن تكون تضحياتنا مجانية، حينها فقط تستحق فلسطين ان تكون أرضنا لأننا سنكون قادرين على حمايتها ،عندها فقط لن نقبل ظلم أحد كى لا نصبح ضحايا بتاريخ مؤجل، لأن المحافظة على الدول كما بتنا نعرف وكما يقول ميكافيللي أمرلا يتم بالكلام فقط فهل شعوبنا جاهزة لتحدي كهذا؟ إعتقد أن من لم يفهم اليوم ويعي سيكون غده دون ملامح ومن لم يلحق بقطار الرحلة الأخيرة كان الله في عون براغيثه.

' كاتبة من فلسطين

=================

ايتام النظام السوري

محمد كريشان

2012-09-04

القدس العربي

الأرشمندريت الأب عطا الله حنا الناطق الرسمي باسم الكنيسة الأرثوذكسية في القدس والأراضي المقدسة على شاشة التلفزيون السوري الرسمي. رجل الدين المسيحي صاحب الطلة المحببة واللسان الفصيح يسهب قبل يومين على هذه الشاشة في حجم المناورة الكونية ضد نظام بشار الأسد المقاوم والممانع. المشهد صادم فعلا إذ لم يكن من السهل أن ترى صاحب قولـة 'إن اولئك الذين يصفون مقاومة الاحتلال بالارهاب هم اعداء لدودون للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني' يقف مدافعا عن نظام أسرف في قتل شعبه أكثر من الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.

بعض التونسيين مثلا ممن كانوا يتذمرون من حكم بن علي وفخورين بإسقاطه، وكذلك بعض المصريين المفتونين بثورة شعبهم على مبارك نراهم اليوم يدافعون بشراسة عن بشار الأسد ونظامه في حين أن نظامي بن علي ومبارك كان يمثلان، على تعاستهما، حلما بعيد المنال لأي سوري. بعض هؤلاء رقصوا في تونس والقاهرة طربا لانتصارهم على الاستبداد والفساد وتغنوا باسترجاع الحرية والكرامة لكنهم الآن يستبسلون في الدفاع عن الأسد بعد القذافي !! إنهم يستكثرون على السوريين ما يرون أنه حق مشروع لهم افتكوه بتضحيات لا تقارن أبدا بما يدفعه السوريون الآن. لكن أن يتخذ هؤلاء هذا الموقف شيء وأن يتخذه الفلسطينيون شيء آخر تماما.

كيف يمكن لمن يرزح تحت احتلال إسرائيلي بغيض أن يدافع عن نظام عربي ارتكب من البشائع بحق أبنائه ما لم يرتكبه الصهاينة ضد أعدائهم تحت حكمهم الاستعماري؟ّّ!! وباسم ماذا؟... باسم مقاومة وممانعة لا وجود لهما حقيقة إلا في أذهان من يتحدث عنهما . المزاج الفلسطيني العام ليس واحدا في هذه المسألة لكن الغريب أن يكون الفلسطينيون داخل الخط الأخضر الأشرس في الدفاع عن الأسد وممارساته بحيث صارت لهم قدرة عجيبة على تبرير أي شيء وبأي لغة... المهم أن يخرج الأسد منتصرا من هذه المعركة التي استعمل فيها ضد أطفال شعبه ونسائه في بيوتهم وفي طوابير المخابز الطيران والدبابات. وسائل لو استعمل بعضها لكفانا مؤونة الحديث الآن عن جولان محتل وربما حتى عن فلسطين محتلة!! نظام لم يطلق رصاصة واحدة في الجولان وكثيرا ما خذل من حارب الإسرائيليين في لبنان من الفلسطينيين واللبنانيين إما بالانسحاب المبكر من المعارك وإما بالتفرج عن هؤلاء يقاتلون (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ(. هذا دون أن نتحدث عمن اغتالهم من الفلسطينيين مباشرة أو بالواسطة ودون أن نتحدث عن تل الزعتر وحصار المخيمات ومحاولاته المحمومة لعقود الاستحواذ على الورقة الفلسطينية لكي يلعب بها كما يشاء وهي المحاولات التي أفشلها الزعيم الراحل ياسر عرفات بكل اقتدار. نظام لم يرد مرة واحدة على ما ألحقته به إسرائيل من إهانات حين قتلت مناضلين على أرضه وحلقت فوق قصر الرئيس وقصفت مشروعه النووي الجنين. كان دائما يقول بأنه سيرد في التوقيت والمكان المناسبين وأنه، برجاحة عقله، لن يُــجر إلى معركة لم يحددها هو. هذا التوقيت وهذا المكان لم يأتيا أبدا... أما المعركة التي حددها بعد طول تفكير فكانت ضد شعبه!!

كان موقف القيادة الفلسطينية وحركة حماس والحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر في التعامل مع الثورة السورية موقفا مناسبا وجريئا بدرجات متفاوتة ومن الصعب أن يحمل المرء هؤلاء أكثر من طاقتهم في التنديد بقمع الشعب السوري وتطلعاته إلى الحرية والكرامة، أما مواقف القوى السياسية الأخرى في الداخل الفلسطيني فكان عجيبا غريبا. وإذا كان الإمام علي رضي الله عنه يقول إن الرجال يعرفون بالحق ولا يعرف الحق بالرجال، فإن القياس يقول بأن الأنظمة تعرف بالحق ولا يعرف الحق بالأنظمة تماما كما يعرف الرجال بالنضال ولا يعرف النضال بالرجال.

=================

الأزمة السورية تطبيق أول لسياسة «القوة الذكية»

غازي دحمان *

الأربعاء ٥ سبتمبر ٢٠١٢

الحياة

تعددت تفسيرات الموقف الأميركي تجاه الأزمة السورية، ربما لتعدد المقاربات وأنماط التحليل المستخدَمة، بين كلاسيكية ترتكز على نظريات بعينها، ومستحدَثة تسعى لفهم تعقيدات هذه الظاهرة. يعود السبب في الاختلاف إلى خطأ واضح في توصيف الظاهرة، الذي نتج عنه اختلال في التفسير وتعطيل القدرة على التنبؤ، إلا ما حصل بالصدفة.

على مدار الأزمة السورية وأزمة الموقف الأميركي تجاهها، استغرقت التحليلات المختلفة عن الموقف، إطلاقَ توصيفات ظهر أنها غير ذات فعالية، لا في تفسير هذا الموقف ولا في القدرة على استشراف تطوراته ومعرفة فتراته الزمنية، والواقع أن هذه التوصيفات وقعت في أغلبها في فخ التصريحات الإعلامية ذات المصادر المتعددة (ديبلوماسية، سياسية، عسكرية)، والتي كانت في الغالب الأعم إما تراعي مأسوية الحدث، عبر رفع سقف الإدانة اللفظية، أو تسعى إلى تحقيق غايات لا يدركها غير صانع القرار الأميركي. المهم أن هذه التوصيفات لم تراع السياق الأميركي العام في السياسة الخارجية، الذي يتبع مبدأ «القوة الذكية».

لا شك في أن النسق الأميركي الراهن فيه الكثير مما يدعم هذا التوجه، ويجعله خياراً ضرورياً، وحتى منطقياً في الواقع، فالولايات المتحدة التي أرهقتها الحروب وعاد آخر جنودها من العراق قبل بضعة أشهر ولا تزال التزاماتها بأفغانستان مستمرة، لن ترغب بالدخول في مغامرات غير ضرورية، وفي ساحات -مثل الساحة السورية- يتميز الصراع فيها بالنمط المعقد، حيث التشابكاتُ الإقليمية -من إيران إلى إسرائيل- والواقعُ الجيو إستراتيجي الصعب، ما يجعل لأي مغامرة بُعد وأثمان دولية، هذا فضلاً عن التركيبة الاجتماعية الحساسة للمنطقة.

غير أن هذا الواقع لم يدفع الولايات المتحدة إلى التنحي عما تعتبره دورها الرائد، وخصوصاً في ثورات الربيع العربي، بل حاولت ضبط سيرورة هذه الثورات بحيث تضمن لها حضوراً فاعلاً، وقد اتبعت نمطاً تدخلياً ناعماً في مصر وتونس واليمن، وخشناً في ليبيا، فيما تطرح الحالة السورية نموذجاً آخر لتفاعل الإدارة الأميركية مع الربيع العربي، هو في حقيقته تطبيقاً عملانياً لسياسة القوة الذكية، التي تركز على استخدام الوسائل غير العسكرية.

المؤشرات في هذا السياق عديدة، ولعل أهمها ما توفره تجربة البرنامج التدريبي الذي أعده كل من الولايات المتحدة وبريطانيا للمعارضة السورية في إسطنبول، والذي يهدف إلى تدريب الناشطين للحكم على صعيد محلي، في القرى والمدن السورية، خلال المرحلة الانتقالية عقب سقوط الأسد. ويأتي هذا البرنامج في إطار مشروع أكبر، هدفه بناء الطبقة الحاكمة التالية في سورية، وهو المشروع الذي يلاقي توافقاً غربياً. وكان فريق خبراء ذو صفة تمثيلية أصدر في نهاية شهر آب (أغسطس) الماضي في برلين، الصيغةَ الأولية المفصلة لخريطة طريق مرحلة ما بعد الأسد بعنوان «اليوم التالي: دعم انتقال ديموقراطي في سورية».

بالطبع، لا يقف المشروع عند هذا الحد، بل ثمة جوانب ذات طبيعة عسكرية غير مباشرة، من نوع توفير معلومات استخبارية مهمة حول القوات السورية، فضلاً عن تقديم مساعدات سرية بهدف إنهاء الحرب الأهلية، وهذا سلوك مناسب للمصالح الأميركية وأقل كلفة من الناحية السياسية والاقتصادية، فيما يبدو أنه نتاج استفادة واضحة من تجربتي العراق وأفغانستان، حيث يشكو الأميركيون من عملية الهدر الكبيرة في الأموال من دون تحقيق مكاسب متطابقة أو موازية.

من ناحية اخرى، يعتبر هذا العمل بمثابة استثمار مستقبلي في سورية القادمة، والتي وفق هذه الرؤية ستكون شريكاً أكثر منها عدواً، ذلك أن الأميركيين يعتقدون أن ثورات الربيع العربي الأخرى لم تنتج أنظمة تؤيد الولايات المتحدة، حتى في البلدان التي ساهم فيها الأميركيون مباشرة في نجاح المشاركين بالثورة.

ولكن الأهم من كل ذلك، أن هذا النمط من السياسة الأميركية يركز على الجدوى والفعالية بطريقة حسابية صرفة، فهو -إضافة إلى ما سبق- يتضمن سياسة إرهاقية لحلفاء النظام السوري، وخاصة أولئك الداعمين المباشرين له، إذ إنه في التقديرات الأميركية، يخلق واقعاً لا تستطيع روسيا وإيران مجاراته، يملأ حيزَه الخبراء والتقنيون والحكام المدربون والإعلاميون وقادة الرأي الذين توفرهم بيئة الثورة وكل المتحمسين لسورية أفضل، في إطار عملية توليدية تتضمن زخماً في النتائج بتكاليف قليلة.

ومتابعةً لهذا النمط من التفكير، ينحصر الدوران الروسي والإيراني في إطار النشاطات المكلفة، مثل تقديم الأسلحة والمساعدات المالية في حرب استنزاف لحاضر البلدين ومستقبلهما في المنطقة، وهو أمر لا تستطيع الدولتان تحمله كثيراً، نظراً لظروفهما الداخلية والاقتصادية.

لا شك في أن المعطيات على الأرض السورية ساهمت بدرجة كبيرة في تطبيق هذه السياسة الأميركية، ذلك ان عجز النظام الواضح عن حسم الأمر لصالحه، والتطور الجريء لمسار الثورة، يجعل من إمكانية التطبيق أمراً ممكناً واستثماراً من شأنه تحقيق نتائج مفيدة في سورية المستقبلية، وفي حال نجاح هذه التجربة، وهي متوقَّعٌ لها الاستمرار أيّاً تكن طبيعة الإدارة الأميركية الحاكمة، باعتبارها أفضل خيار أميركي ممكن ومتاح، فإنها ستشكل تأسيساً عملانياً لهذا النمط في السياسة الخارجية الأميركية. صحيح أن واشنطن كانت مهدت لهذا النمط منذ ما قبل نهاية ولاية بوش الابن الثانية، وصرفت أموالاً وبذلت جهوداً معتبَرة في سبيل تطبيقه في أكثر من مكان في العالم، وخصوصاً في منطقتنا، في إطار ما أطلق عليه (الشرق الأوسط الكبير)، لكن نتائجه لم تكن واضحة بشكل قاطع.

لكن يبقى ان أميركا لن يكون لديها مشكلة في حال تعثُّر مشروعها أو فشله، فالأمر كله سيتحول إلى حكم التاريخ، ويمكن صانعَ القرار الأميركي ان يجد لنفسه المبرر المناسب. إلا أن ثمة فرقاً هائلاً بين من يجرب تطبيق نظريات ونماذج سياسية، وبين شعب ينزف كلَّ يوم آلافٌ من أبنائه موتاً واعتقالاً ونزوحاً، ويخسر عمرانه وتراثه وماضيه وحاضره، في حين يتلصص العالم على عذابه، ويطمئن قاتله بأن أحداً لن يتدخل طالما بقي السلاح الكيماوي في المستودعات ولم يتحرك لتهديد أمن إسرائيل.

=================

هل سينجح النظام في إفشال الثورة السوريّة؟

براء موسى *

الأربعاء ٥ سبتمبر ٢٠١٢

الحياة

كثيرة هي الأقلام التي تبشّر بسقوط نظام الأسد عاجلاً أو آجلاً، ومعها كلّ الحقّ من وجهة النظر الأخلاقية والمعنوية وحتى الاستشرافية، ولكن العيون من هذه الزاوية تستحضر فقط الثورات الناجحة، حتى لو اقتصرت الرؤية على سقوط النظام الأسدي فقط (السياسي بأفراده ورجالاته)، وفي المقابل يستحضر الطرف الثاني الموالي للنظام كلّ التجارب التي روّضت الثورات في التجارب البشرية، وبينما يستعين المبشّرون بأمثلة مكثّفة وقريبة العهد كتونس ومصر، فليبيا واليمن، يستعيد الموالون أيضاً ذاكرتهم القريبة في إيران 2009 على وجه الخصوص، ويستعينون بذاكرتهم الشخصيّة في ثورة الثمانينات على النظام ذاته.

في تلك الجملة الأخيرة ستكون لفظة «ثورة» مدعاة للنبش في المواقف منها سواء لدى النظام أو بعض الأحزاب المناهضة له أيضاً، وكذلك مثقفين، لعبوا دوراً مهمّاً في إرساء ثقافةٍ عامّة جرّمت «الإخوان المسلمين» الذين ألبسهم النظام آنذاك جريرة الخطيئة، مع أن معظم الأحزاب تلك كانت قد استنكرت على النظام وحشيّته في قمع الظاهرة (التي ليست ثورة وفق وجهة نظرهم)، بكل الأحوال ستكون مهمة المؤرخين الجدد لتلك الأحداث العابرة برسم الانتظار الذي طال نيفاً وثلاثة عقود.

لكنّ تلك الأحداث هي تماما ما ينطلق منه النظام حاليّاً مع الاستعانة بخبرات الحليف الايراني ودعمه اللّامحدود كما يتكشّف تباعاً.

في البداية حاول النظام جاهداً الاستفادة من المناطق التي نجح سابقاً في «أخونتها»، وسعى بكلّ ما أوتي من تذاكٍ إلى إزاحة النظر عن درعا المنتفضة إلى جسر الشغور وجبل الزاوية فحماة، إلّا أنّ حمص ودير الزور ودرعا كذلك فاجأت مخطط «أخونة» الثورة، كما فشل عموماً بأسلمتها على أقلّ تقدير.

في الثمانينات ذاكرة مغيّبة لعب الدور الأبرز في تغييبها من هم متّهمون بها أولاً، ثم أحكم النظام الخناق على الاتهام، وحاكم المتهمين بأشنع العقوبات وأقساها على مرّ التاريخ، وكذلك قطاع كبير جدّاً ممّن انحسبوا عليهم، بينما راحت بعض الأحزاب المناهضة كذلك للنظام بجرائر متنوّعة كان النظام قد نجح بخنقها هي الأخرى قبل أن يحتار منظّروها في معتقلاتهم بجدليّة كلمة الثورة عن أحداث الثمانينات، ومن المفارقات التي كانت إحدى نتائج تلك الجدليّة في ساحاتها الشعبيّة الأوسع على المستوى اللغوي أنّ كلمة «أحداث الثمانينات» هي التي بقيت من الجدل كنتيجة على أرض الواقع.

لأسباب داخليّة وخارجيّة معاً عُتِّم على تلك «الأحداث» ومع مرّ السنين الطوال بدا للبعض أنّها ضاعت بين غياهب النسيان، لكنّها ما لبثت أن ظهرت فجأة في «الأحداث/ الثورة» اليوم على ألسنة المتظاهرين ولافتاتهم، بل على ألسنة خارجيّة كذلك أبرزها التصريح الأردوغانيّ الشهير «حاليّاً» – «لن نسمح بحماة أخرى» – ولكن زبدة القول هنا أن النظام لا يزال يعوّل على نجاحه بوأد الثورة مرّة أخرى بالطريقة ذاتها، فهو أدرك تماماً أنّ لا شيء يضيع عن التاريخ وبخاصّة مع هذه التكنولوجيا الحديثة الهائلة، لكنّه يراهن بالدرجة الأولى على الموقف العالمي المشابه – حتى الآن - من السكوت على أوضاع داخليّة سيسكت عنها العالم مثل سابقتها طالما أنّ المهمّ هو السياسة والتوافقات المصلحية وليس الأخلاق. في الواقع انخدع جيلان وبقايا من ذاكرة السوريين «بذكاء» ودهاء الراحل حافظ الأسد في معالجته تلك الأحداث، وبساديّةٍ مريرة راح يستعرض ذلك الذكاء «القاتل» أمام العالم مقدّماً النصائح تلو الأخرى لمعالجة أزمة الإرهاب العالمية ومن بعده جاء الوريث كذلك ليصرف من «شيك» النصائح الموروثة، وزاد عليها بالتعريف اللفظي للإرهاب ما يشهده الشارع السوري حاليّاً، فالإرهاب هو بالقاموس الأسديّ: «تفجيرات 11 سبتمبر، وكلّ من يحاول المساس بالسلطة المطلقة في سورية»، وها هي العصابات الإرهابيّة المسلّحة تعيث فساداً على الأراضي الوطنيّة السوريّة الناعمة في الأمن والاستقرار.

الموقف العالمي آنذاك كان غارقاً في حروبه الباردة بغير غفلة عن انتصار الثورة الخمينيّة على الشاه في إيران، وقبلها كان قمع حركة الإخوان وغيرهم في مصر وبعدها تحقيق حلم كيسنجر لوقف ما سمّي بحرب الاستنزاف على الجبهة السورية الإسرائيلية لتتوج الجهود بعدها بكامب ديفيد مع السادات في مصر، ومن ثم استنزاف القوى الناشئة في الحرب العراقية - الإيرانية على طريقة «الفخار الذي يكسّر بعضه»، والسعي للتخلص من منظمة التحرير الفلسطينية عمليّاً في بيروت،

استغلّ الأسد الأب كل تلك المعمعة لتثبيت كرسيّه الذي هزّته تلك «الأحداث، وأمعن في الانتقام من الشعب المقهور داخليّاً وخارجيّاً، وتمادى في استثمار انتصاره على الشعب السوري لتحقيق السبق في تمهيد مؤكد لتوريث الحكم فائزاً كذلك على أقرانه الحالمين، وحفاظاً على السجل السوري في السبق بالانقلابات وكذلك الأحزاب الشوفينيّة.

التساؤل الذي يطرح نفسه الآن: هل من متغيرات على الساحة العالميّة والإقليمية وحتى الداخليّة ما يفيد باستثمار الابن ليكون ابن ابيه؟

ثمّة متغيرات اعترت الكون لم يعِها بعد النظام الوريث في سورية كما يبدو، أولها سقوط المنظومة السوفياتيّة كحاملٍ نظريّ، وامتداداته المستمرة في الغرق كما في الحالة الجنينيّة في روسيا، وثانيها الموقف العالمي من الإرهاب وكيفيّة احتوائه بدءاً من حدث 11 سبتمبر وتطوراته سواء في التعاطي الأميركي البوشي وبعده الأوبامي، أو خطة الاحتضان الأوروبي للدول القريبة من جغرافيّتها، وكذلك أمن إسرائيل وهو الهاجس الأكبر للعالم وخطّه الأحمر. أمّا على الصعيد الداخلي وهو الأهم، فلعلّ النظام لم يلحظ انهيار المنظومة «المشيخيّة» بأجنحتها المتنوعة (المتطرفة والصوفية وحتى ما يسمّى بالإسلام السياسي) كمؤثّر في ضبط الشارع المولع بالتكنولوجيا العمليّة، وكذلك منظومات الحرس العقائدي بكل شعاراته الإنشائيّة، وليس انتهاء برغبة التحدي المذهلة في النجاح لأجيالٍ منكسرة، غذّاها هو ويغذّيها بعنجهيّته كلّ يوم من عمر الثورة السورية الراهنة. ثمّ وهذا أهمّ ما في الأمر عودة السياسة إلى المجتمع وبقوّة كعودة الروح والوعي معاً.

الجواب عن عنوان المقالة لن يرضي الموالين وكذلك المتشائمين بالتأكيد.

=================

إيران والخليج والصراع على سورية

الأربعاء ٥ سبتمبر ٢٠١٢

عبدالله اسكندر

الحياة

تشهد المنطقة مناورات سياسية كبيرة تتضمن رسائل متعددة الاتجاهات، في سعي الى ارساء ميزان قوى جديد، في انتظار مرور الوقت الضائع الفاصل عن الانتخابات الرئاسية الاميركية. فالجميع يدرك ان الشهرين المقبلين يجعلان من الادارة الاميركية بطة عرجاء إزاء اي مبادرات خارجية، وأن هذا الواقع ينسحب على الغرب، سواء كدول او على حلف شمال الاطلسي.

هذا «الفراغ»، وفي ظل احتدام الصراع على سورية، يدفع ايران الى رفع سقف هجومها السياسي على المنطقة. وذلك بالاستناد الى ان هذه الفترة هي النموذجية من اجل ارساء ميزان القوى الجديد، كما يشرح المرشد خامنئي وأنصاره في كل مكان. وتنطلق هذه النظرية من كون ان القطبية الواحدة في العالم انتهت، وبدأت تتشكل مرحلة القطبية المتعددة التي تتيح نشوء قوى اقليمية جديدة صاحبة استراتيجية ومصالح تتعدى المصالح الوطنية الى الاقليم. ونموذج هذه القوى هو ايران التي تقول انها تحوز على قوة عسكرية ضاربة وأن مصالحها الاستراتيجية تصل الى البحر المتوسط، مروراً بالخليج والعراق، وصولاً الى سورية ولبنان.

في موازاة ذلك، تربط ايران ربطاً محكماً بين مسألة ملفها النووي ومفاوضاتها مع الغرب وبين هذه المصالح الاستراتيجية المعلنة حديثاً، خصوصاً تلك التي تدعيها طهران في سورية ولبنان. وبات ملفا الازمة السورية، واستطراداً لبنان حيث لايران النفوذ العسكري الاقوى بواسطة «حزب الله»، والازمة النووية وجهين لعملة واحدة في الاستراتيجية الايرانية.

وعندما تتهم ايران، ومعها الحكم السوري، الدول الخليجية وتركيا والغرب بتمويل المعارضة السورية وتسليحها، فإنها تعتبر ان هذه الدول «تعتدي» على مصالحها الاستراتيجة. ويختبئ الرد على هذا «العدوان» وراء اثارة الملف النووي الايراني.

في ظل الضجيج الاسرائيلي في شأن البرنامج الايراني وتصعيد التهديد باستهداف عسكري للمنشآت الايرانية، تربط طهران بين هذا الضجيج ونيات اميركا وقواعدها في الخليج. حتى انها لم تتردد في التصريح بأنها سترد على هذه القواعد والدول الخليجية المتحالفة مع اميركا، وذلك بعد التهديد بإغلاق مضيق هرمز حيث يمر النفط الخليجي.

هكذا تصبح البلدان الخليجية هي الهدف في «رد العدوان» على ايران. ومع اتساع رقعة السيطرة الميدانية للمعارضة السورية وتصاعد قوة «الجيش السوري الحر» والتوجه نحو تشكيل حكومة انتقالية، تشعر طهران اكثر فأكثر ان استراتيجيتها بدأت تشكو من خلل. وينبغي عليها الدفع في اتجاه تحريك جبهة اخرى تشكل عنصر تفاوض في تشكل ميزان القوى الجديد.

وهذا ما صرح به الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، في مقابلته اول من امس مع فضائية «الميادين». اذ اشار الى تعثر تشكل ميزان القوى الجديد، حيث الكلمة العليا لايران، مع اندلاع الازمة السورية واحتمال خسارة ما سمّاه «استراتيجية المقاومة» موقعاً اساسياً. لكنه في الوقت نفسه لفت الى ان استعادة الخسارة يكون عبر «استمرار المقاومة» عبر قتال مع اسرائيل ترد فيه ايران على الخليج والقواعد الاميركية فيه. وهذا هو معنى «المقاومة والممانعة»، والذي بات الشعار لمساعي خلق ميزان قوى اقليمي لمصلحة ايران.

هكذا تدخل ايران الخليج في معادلة الصراع على سورية. اذ ان هذه المعادلة، اضافة الى طموحات الهيمنة الاقليمية، تضع الغرب امام مأزق موارد الطاقة، في الوقت الذي يعاني هذا الغرب التباطؤ الاقتصادي الى حد الركود. كما تسعى الى ان تفرض عليه تنازلات في الملف النووي، سواء لجهة الرقابة والتخصيب او لجهة العقوبات.

=================

أنقرة وحسابات واشنطن السورية

سمير صالحة

الشرق الاوسط

5-9-2012

أنقرة التي كانت بين السباقين في المطالبة برحيل النظام السوري وبنت كل حساباتها على ذلك، تعيش في هذه الآونة خيبة أمل كبيرة ليس فقط بسبب فشلها أمام مجلس الأمن الدولي في تمرير اقتراح إنشاء منطقة عازلة داخل الأراضي السورية يتم فيها توفير الحماية الدولية للاجئين هناك وليس بسبب حجم المشاركة والتمثيل الضعيفين اللذين رأت حكومة أردوغان فيهما انعدام الجدية واللامبالاة الأممية حيال جهودها، بل هي تعيش ذلك بسبب المواقف والتصريحات الصادرة عن شخصيات سياسية وعسكرية تعكس وجهة نظر الشريك والحليف الأميركي التي تقطع الطريق على تحركاتها في الملف السوري.

كلام رئيس الأركان الأميركي مارتن ديمبسي ووزيرة الخارجية السابقة كونداليزا رايس حول صعوبة توفير الغطاء الذي تريده أنقرة من قبل حلف شمال الأطلسي في مسألة المنطقة العازلة ورد أسباب ذلك إلى شرط موافقة مجلس الأمن والنفقات المالية المكلفة وتقديم مسألة مخاطر ملء الفراغ المحتمل من قبل جماعات دينية متطرفة تعكس حقيقة التباعد التركي الأميركي في قراءات مسار الأزمة السورية على الرغم من زيارة كلينتون الأخيرة إلى أنقرة والإعلان عن تنسيق السياسات حول مرحلة ما بعد سقوط الأسد الذي قال ديمبسي إنه ما زال قويا ومتماسكا.

الإدارة الأميركية تعرف أكثر من غيرها أن استراتيجية إنشاء منطقة أمنية عازلة داخل الأراضي السورية وعلى مقربة من الحدود التركية لإيواء اللاجئين لن تقود في أحسن الأحوال سوى إلى مواجهة مباشرة بين أنقرة ودمشق. فهل هذا هو ما تريده واشنطن لضرب أكثر من عصفور بحجر واحد من خلال تذكير الجميع بموقع ودور مجلس الأمن الدولي الذي تدرك استحالة تفاهمه والتقائه أمام خيار وسط في الموضوع السوري؟

واشنطن تريد أن يأتي الحل من الداخل السوري ودون أي دعم حقيقي للمعارضة أو تريد من الحلفاء أن يسقطوا هم النظام وتكتفي هي بتقاسم قطعة الجبن مع ضمانات تقدم حول أن الخارطة السياسية السورية المستقبلية لن تهدد مصالحها ومصالح إسرائيل في المنطقة. واشنطن وكما هو معلن تسعى لإضعاف الجيش السوري وحرمانه قدراته العسكرية والحربية عبر إطالة المواجهة غير عابئة بعدد الضحايا والدمار والخراب الذي يلحق بسوريا. لا بل هي تريد كما فهمنا تسليح المعارضة السورية لقطع الطريق على إيران في لبنان والعراق غير عابئة بحسابات وسياسات اللاعبين الإقليميين والدوليين الآخرين.

ربما من الأولى تذكير واشنطن، التي تحاول جني ثمار الأزمة السورية على حساب مواقف حلفائها وشركائها مستفيدة كما تعتقد من دروس أفغانستان والعراق ولبنان، أن المجتمع الدولي والمنظمات العالمية التي تم تجاهلها تماما في قرار شن الحرب على العراق قبل 9 سنوات سيسألونها عن ازدواجية المواقف وأن الجميع يرصدون كل شاردة وواردة في خطواتها وتحركاتها وأن لا هدايا مجانية تقدم لأحد أمام هذا الكم الهائل من التعقيدات والتداخلات.

لا يمكن لحكومة العدالة والتنمية التراجع بعد هذه الساعة عن مواقفها وسياساتها حيال الأزمة السورية وهي التي تعرف أن المطلوب هو ليس رأس داود أوغلو بل رأس أردوغان نفسه. من هنا فما قصده ربما أردوغان عندما قال إن إنشاء المنطقة العازلة لا بد أن تسبقه موافقة مجلس الأمن الدولي وهي مسألة شبه مستحيلة اليوم هو تذكير الحلفاء وواشنطن تحديدا بخيار شبه وحيد لا بد أن يتقدم على غيره من الخيارات في هذه المرحلة.. نقطة البداية فيه أن يقود المجتمع الدولي تحركا من هذا النوع يسبقه خطوة إعلان الحكومة السورية في المنفى بالتنسيق مع قوى المعارضة في الداخل والخارج ومطالبة هذه الحكومة الهيئات الدولية بتوفير الحماية اللازمة للشعب السوري وإنشاء منطقة حظر جوي على طيران النظام في إطار القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان الدولي وتحريك محكمة الجزاء الدولية والاستفادة من صلاحيات الجمعية العامة للأمم المتحدة في إطار بند التوحد من أجل السلام أمام عجز مجلس الأمن ووصوله إلى الطريق المسدود بسبب انقسامه، وهي لن تكون لا المرة الأولى ولا الأخيرة في التحرك بهذا الاتجاه والتعامل مع أزمات من هذا النوع.

تباعد المواقف التركية الأميركية في الموضوع السوري لن يدفع بأنقرة إلى تبديل سياساتها لكنه سيقود حتما إلى تراجع علاقاتها بواشنطن فأنقرة التي تشعر أنها تركت وحيدة تواجه الضغوطات الإيرانية والروسية قبل أن تقاوم الحملات السورية ضدها على أكثر من جبهة.

=================

نصر الله اقتنع بأن الأسد انتهى

طارق الحميد

الشرق الاوسط

5-9-2012

من يقرأ بتمعن، وأقول «يقرأ» ولا أقول «يشاهد»، مقابلة حسن نصر الله مع قناة «الميادين»، المدافعة عن بشار الأسد وإيران في المنطقة، يدرك من قراءة نص المقابلة الذي نشرته مواقع حزب الله أن نصر الله قد بات مقتنعا أكثر من أي وقت مضى بأن نظام طاغية دمشق إلى نهاية قريبة.

فرغم طول مقابلة نصر الله، وكثرة ما طرح فيها من قضايا، وتضليل، دفاعا عن مصالح إيران في المنطقة، حيث قدم زعيم حزب الله قراءته لأحداث المنطقة، ورؤيته تجاه بعض الدول العربية وفق منظور إيران وحزبه، فإن المتأمل لذلك الحوار سيلفته أمر مهم جدا، وهو إجابته على السؤال التالي الخاص بسوريا، إذ سأله المذيع قائلا: «إذا حصل تدخل عسكري في سوريا بهدف إسقاط النظام وإنقاذ الشعب السوري كما تقول المعارضة، ما الذي يمكن أن تفعله إيران في هذه الحالة؟». وهنا كانت إجابة نصر الله نصا: «لا أعرف»! نعم، قال نصر الله: «لا أعرف»، بينما عندما سئل نصر الله عما سيكون الوضع عليه في حال هاجمت إسرائيل إيران، استهل إجابته بنقل ما سمعه مباشرة من المسؤولين الإيرانيين، ولم يكتفِ بذلك، بل هدد إسرائيل، وتوعدها!

لكن لم يكن نصر الله في حديثه هذا، وخصوصا في الشق المتعلق بالأوضاع السورية، منفعلا كعادته، أو متشددا، بل كانت إجاباته تدل على أنه بات مدركا بأن الأوضاع في سوريا لا تسير على هوى حليف إيران وحليفه الأسد، خصوصا حين قال نصر الله: «لأكون منصفا وفي النصف، لا تستطيع أن تطلب من النظام أن يستسلم وهو نظام وليس شخص، ولا تستطيع أن تطلب من المعارضة أيضا أن تستسلم»، وهذا ليس الاقتباس الوحيد من الحوار الذي يظهر أن نصر الله بات أكثر واقعية تجاه سوريا، وحتى أكثر من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. فنصر الله يقول على خلفية أزمة المختطفين اللبنانيين في سوريا: «إذا أراد أحد إقناعنا في الموقف مما يجري في سوريا، نحن حاضرون للنقاش، نحن لا نغلق مع أحد ولا نقفل الباب بوجه أحد»! كما قال مخاطبا من يختطفون اللبنانيين في سوريا، وهذا الأهم: «ليس هذه هي الصورة التي تستطيعون أن تقنعوا بها عن المستقبل الآتي إلى سوريا»، مما يعني أن نصر الله ليس مقتنعا بسقوط الأسد وحسب، بل إنه بات يتحدث حتى عن شكل سوريا المستقبل!

ولذا نقول إن نصر الله بات أكثر واقعية من الوزير لافروف بالنسبة إلى سوريا، رغم أنه من اللافت أيضا دعوة روسيا مواطنيها لعدم السفر إلى سوريا، ومغادرتها عبر مخارج آمنة، مما يعني أن البعض في روسيا قد أدرك بأن ساعة الأسد تقترب، ولم يعد يتحكم لا في المنافذ، ولا الأرض.

ومن الطبيعي هنا أن يتساءل القارئ قائلا: ومن علم نصر الله الحكمة في سوريا؟ والإجابة بسيطة جدا: رأس الأسد المترنح في دمشق!

=================

جيش وحكومة بديلة للأسد

عبدالرحمن الراشد

الشرق الاوسط

5-9-2012

قبل أقل من 11 شهرا مضت شكل على التراب التركي شبه حكومة سورية في المنفى، المجلس الوطني، وكان ذلك أشبه بالتحدي لنظام بشار الأسد. كما أسس ما سمي بالجيش الحر بديلا لجيش الأسد. وإذا كنتم تتذكرون الظروف والمناخ السياسي العام فإن الكثيرين سخروا من تلك الفكرة ليس لأن النظام السوري قوي وصامد فقط، بل أيضا من قبيل التشكيك في المعارضة السورية التي كانت بلا هوية، أشباح ونكرات، ربما باستثناء جماعة الإخوان المسلمين القديمة والمنضبطة.

ولإفشال تلك الحركة عمد النظام إلى اختراع جماعات معارضة مكنها من عقد اجتماعات في دمشق وإرسال مندوبيها إلى عواصم العالم تزعم أنها تمثل المعارضة. كان هدفها التشويش على النظام السوري البديل في الخارج وتخريبه، لكنها لم تنجح. أيضا المجلس العسكري وفي ساعات ولادته تم خطف أول رموزه، حسين هرموش، من تركيا حيث اختفى ويعتقد أنه قتل في سوريا. وهذه أيضا لم تفلح في وقف مشروع سوريا الجديدة، النظام السياسي والعسكري البديل.

وفي السويد التقى أعضاء المجلس الوطني ليومين اتفقوا على توسيع مجلس المعارضة، وكما يقول جورج صبرا: «عدد أعضاء المؤتمر العام للمجلس سيرتفع من نحو 300 إلى 400 عضو وستتمثل كل مجموعة معارضة بعشرين عضوا». وسيعتمد نظام الانتخاب في اختيار قيادته.

ومع أن هناك الكثير من الانتقادات لأداء المجلس، إلا أن الجميع يعلم أن المعارضة السورية مهنة جديدة، وليس غريبا أن توجد اختلافات في الرؤى والتوجهات لكن الهدف الأخير بإسقاط النظام واعتماد نظام سوري وطني من اختيار الشعب السوري أمر متفق عليه. وهذا التوافق رغم الاختلاف السياسي يؤكده أن الجميع اختار كرديا سوريا ليرأسه هو عبد الباسط سيدا في خطوة عملية للتأكيد على أن سوريا ليست حصرا على فئة أو طائفة أو عرق بعينه. واجتماعهم في السويد لأنه البلد الثاني لسيدا حيث احتضنه ويعمل أستاذا في إحدى جامعاته.

وأكد القبول بالمجلس أيضا، رضوان زيادة، الذي يدير المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية في واشنطن، قال: إنه ملتزم «بالمجلس الوطني السوري رغم كل الأخطاء، لأنه يعد التكوين السياسي الأكثر تمثيلا للمعارضة السورية ولا يوجد بديل عنه داخل سوريا».

وبالتالي، فإن الاختلاف السياسي لا يبرر إفشال هذا التكوين الجامع لكل السوريين. ولا يقل لم شمل المنشقين من أبناء الجيش السوري في جيش بديل صعوبة، وكان الجيش الحر عنوانا عريضا انضوى تحت هذا الاسم كل المقاتلين والعسكر المنشقين. وقد رأينا في مرات مختلفة ينسب مقاتلون أنفسهم للجيش الحر مع أنهم لم يتصلوا به ويقاتلون دفاعا عن مناطقهم. الآن بدل اسمه إلى الجيش الوطني وصاغ هيكلا جديدا يجعله أكثر تأهيلا للعمل كمؤسسة محترفة مسؤولة تحمل على عاتقها أخطر المهام سواء بإسقاط نظام الأسد وقوته الجبارة أو في اليوم التالي بالمحافظة على البلاد، وحدتها واستقرارها.

ولا أعتقد أن أحدا يجهل المخاطر التي تواجه المشروع السوري الجديد من قبل نظام الأسد أو من حلفائه من إيرانيين وروس وغيرهم، وكذلك من المخاطر التي تواجه البلاد للمرحلة التأسيسية من مخاوف الحرب الأهلية والاقتتال الطائفي والعرقي ومواجهات الجماعات الإرهابية التي تسللت إلى سوريا خلال الأزمة. كلها معروفة ومحسوبة وتحتاج إلى إجماع السوريين على العمل ضمن نظام جديد يحترم تطلعات الشعب السوري.

==========================

إيران وربيع الإخوان (2-2)

د. محمد عياش الكبيسي

العرب القطرية

2012-09-04

لم يكن يوم الخميس الماضي يوما عاديا على إيران، حيث تجرأ الرئيس محمد مرسي ليقول في قمة عدم الانحياز المنعقدة في طهران: «ورضي الله عن ساداتنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي»!

تناقلت الفضائيات هذا الحدث! وتتابعت التصريحات والتعليقات في كل وسيلة من وسائل الإعلام والتواصل الشخصي والاجتماعي، حتى كتب أحدهم: «هل سيسجل التاريخ أن أول من ترضى عن أبي بكر وعمر في إيران هو محمد مرسي؟».

ولو أردنا أن نحلل هذا الحدث تحليلا علميا بعيدا عن الأجواء العاطفية فنقول: هل كان لهذه العبارة أن تحدث كل هذه التفاعلات لو أن مرسي قالها في القاهرة أو الخرطوم أو حتى في طوكيو أو واشنطن؟

ألا يحمل هذا دلالة قاطعة أن مرسي قد انتهك في نظر الإيرانيين ثابتا من ثوابت هويتهم وثقافتهم الدينية والقومية؟ فأين دعاة التقريب الذين كانوا يضللون الرأي العام في الأمة بقولهم مثلا: إنهم لم يروا في مصادر الشيعة ما يثبت بغضهم للصحابة، وإن المسألة لا تعدو بعض المتطرفين الذين لا يمثلون الشيعة!

هل اتضح الآن أن إيران بالفعل تنتمي لهوية أخرى غير الهوية التي تنتمي إليها هذه الأمة من جاكرتا إلى نواكشوط، وأن التعايش بين هاتين الهويتين في ظل المعطيات الحالية أصبح ضربا من المستحيل، وأن الانقسامات السياسية الحادة في تقويم الوضع السوري أو العراقي وحتى البحريني واليمني ما هي إلا نتاج طبيعي ومتوقع لهذا التباين في الهوية والتاريخ والثقافة؟

في يوم الخميس أيضا كانت «الفضيحة الكبرى»، حيث مارس الإعلام الإيراني الرسمي نوعا من التزوير والتضليل غير المسبوق، فكلمة محمد مرسي لم يسمعها الإيرانيون كما هي، وهذا يعكس مدى الحرج أو الورطة التي ألجأتهم إليها كلمة محمد مرسي! وربما سيكون لنا وقفة أخرى مع هذه الفضيحة.

وعودا على أصل الموضوع، فإن مواقف القادة الإخوان ومفكريهم والتي اتسمت بالتناقض تجاه الثورة الإيرانية وهويتها الطائفية، تعكس في الحقيقة جانبا آخر من المشهد، فالإخوان العراقيون والسوريون والخليجيون ينتمون إلى ذاكرة في التعامل مع الجيران الفرس مختلفة تماما عن ذاكرة الإخوان في مصر والشمال الإفريقي، وهذا ما تناولناه في مقالة سابقة على صحيفة «العرب» بعنوان «المواقف العربية والذاكرة التاريخية المنقسمة»، ومختلفة أيضا عن ذاكرة الإخوان الفلسطينيين الذين أشغلهم العدو الصهيوني عن أي مشهد آخر من مشاهد الصراع حتى لو كان حول هوية الأمة وعقيدتها وتاريخها، وقد كان يكفي إسماعيل هنية الذي احتفل في طهران مع الإيرانيين بانتصار الثورة!! أن يسأل قادة الثورة هؤلاء عن عمر بن الخطاب فاتح القدس وقياداته الميدانية أبي عبيدة وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة، ويسأل عن عبدالملك بن مروان باني قبة الصخرة، وعن صلاح الدين الأيوبي الذي تتغنى به المقاومة الفلسطينية ليل نهار، هل يجوز أن نسحق كل ذلك التاريخ لقاء فتات باهت ورخيص يلقيه لنا الولي الفقيه؟ وهل أن الله سيبارك لنا في جهادنا ونحن نتنكر للفاتحين الأوائل وقادة الجهاد الحق؟ حتى وصل الأمر إلى كاتب فلسطيني «إسلامي» يقول: إذا كان الصحابة قد اقتتلوا فيما بينهم فإن السب والشتم أهون من القتل!! أليس القادة الإسلاميون في فلسطين مسؤولين عن هذه الثقافة العابثة بديننا وتاريخنا ومقدساتنا، وكأنه لم يعد هناك ما نقدسه إلا القضية الفلسطينية فهي معيار الكفر والإيمان والحق والباطل.

هذا الانقسام في ذاكرة الأمة وما انبنى عليه من انقسام في المواقف قابله انقسام آخر في الطرف الآخر، حيث انقسمت السياسة الإيرانية في تعاملها معنا انقساما حادا زاد من تعقيد المشهد، بل وأضفى عليه نوعا من الطلسمية التي يصعب فهمها أو حلّها، وقد تعامل البعض معها بطريقة ساذجة ومبسطة حتى قال أحدهم: ليس لنا إلا أن نقول هنا أحسنت إيران، وهنا أساءت، أحسنت في فلسطين، وأساءت في العراق، هذا هو الإنصاف!

الحقيقة أن الانقسام في السياسة الإيرانية مختلف عن الانقسام عندنا، فالانقسام عندنا ناتج عن اختلاف في الثقافات تبعا لاختلاف المواقع الجغرافية وطبيعة التحديات، فالإخوان في مصر وتونس مثلا عانوا الكثير من الظلم الديكتاتوري ولم تتح لهم فرصة الاحتكاك مع المشروع الصفوي، وربما ما زالوا يعتبرون هذا العنوان «الصفوي» نوعا من التنابز بالألقاب كتعبير عن تعصب طائفي أو تشدد مذهبي، لكن إخوانهم في المشرق والذين جربوا أيضا أشد أنواع الديكتاتوريات لكنهم لا يعدون هذا شيئا أمام الخطر الصفوي، ليس بمنظور الهوية والثقافة فحسب بل حتى في وسائل التعذيب والتنكيل وانتهاك الحرمات والأعراض.

أما الانقسام الإيراني فهو سياسة مركبة تعتمد على تقسيم الأمة تقسيما جغرافيا، فالمنطقة رقم (1) العراق وسوريا ولبنان والخليج، وهذه تخضع لمشروع الهيمنة المباشرة واستخدام كل عناصر القوة المطلوبة لفرض هذه الهيمنة ولو استعانة بالشيطان الأكبر كما حصل في العراق، أو دعما للشيطان الأصغر كما يحصل اليوم في سوريا.

أما المنطقة رقم (2) فتبدأ من فلسطين حتى موريتانيا غربا، ومن طاجيكستان وبنجلاديش حتى ماليزيا وإندونيسيا شرقا، وخطة إيران هنا خطة ناعمة تهدف إلى نشر «التشيع السياسي» والذي يعني مجرد الإعجاب بشعارات المقاومة التي يرفعها أحمدي نجاد أو حسن نصر الله، ولا بأس هنا باختطاف أسماء إسلامية وجهادية كبيرة مثل اسم الشيخ أحمد ياسين وربطه برموز المشروع الصفوي في كل مناسبة، مستغلين حالة الوفاق السياسي مع المقاومين الفلسطينيين، وقد رأيت صورا عديدة تجمع صورة أحمد ياسين بحسن نصر الله يرفعها إخواننا في المغرب العربي، والإيرانيون على علم يقيني أن الإعجاب السياسي يقود حتما إلى الإعجاب الثقافي، وهذا ما وقع فيه راشد الغنوشي وسليم العوا وفهمي هويدي وغيرهم كثير، وإيران ترى أن أحلامها في إعادة الدولة الفاطمية لن تكون إلا عبر هذه المقدمات! وقد دعمت إيران هذه الخطة بميزانية ضخمة إما على شكل رشاوى سياسية أو مساعدات إنسانية أو منح دراسية.

وبناء على هذا التقسيم، تعمد إيران إلى استخدام سياسة مزدوجة مع الإخوان المسلمين أنفسهم، ففي منطقة رقم (1) تعمل إيران على سحق الإخوان وإنهاء وجودهم، وهذا ما مارسته بالفعل مع إخوان سوريا في مطلع الثمانينيات، حيث تعاونت مع حافظ الأسد لإبادة مدينة حماة والقضاء على حركة الإخوان بالكامل، وهو ما تكرره اليوم مع بشار. أما في العراق فإن قادة الإخوان الكبار كعبدالكريم زيدان وعدنان الدليمي وطارق الهاشمي وغيرهم لا يحصون عددا كلهم قد أصبحوا مهجرين في ظل حكومة المالكي، أما الذين قتلوا أو الذين ينتظرون حكم الإعدام في سجون المالكي من أهل السنة والجماعة ومن الإخوان بالتحديد فهذا يحتاج إلى أرشفة خاصة.

على خلاف ذلك، تتعامل إيران مع الإخوان الفلسطينيين والمصريين والتونسيين، فالزيارات والدعوات والمؤتمرات لا تكاد تنقطع، وفي تقديري فإن إيران نفسها ربما لا تستطيع أن تفهم السبب الذي يجعل قادة الإخوان في المنطقة رقم (2) لا يتعاطفون مع إخوانهم في المنطقة رقم (1)، وحقيقة لهذه اللحظة فإن الكاتب نفسه مع أنه ليس بعيدا عن هذه الأجواء قد عجز عن العثور على أي مبرر شرعي أو أخلاقي أو سياسي لهذه الحالة الشاذة والغريبة، فجماعة واحدة نصفها يقتل ويعذّب ويشرّد ونصفها الآخر يبارك القاتل ويتبادل معه التهاني والتبريكات! بل إن رجلا مثل طارق الهاشمي يستقبل في قطر والسعودية وتركيا ولا يستقبل في مصر وتونس! بل على العكس تقوم تونس باستقبال حزب الله وممثلي الولي الفقيه وأيديهم تقطر من دماء أهل السنة في دمشق وبغداد!

نعم، ربما تمثل كلمة الرئيس محمد مرسي وتداعياتها خطوة واسعة لتصحيح الوضع الإخواني، خاصة بعدما كشف الإخوان بأنفسهم جانبا من حقيقة «الإسلام الثوري» الذي يبشر به الولي الفقيه.. وإنا لمنتظرون.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ