ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 10/09/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

إشكالات "اتفاق جنيف" مع الشعب السوري

2012-09-09 12:00

الوطن السعودية

تشير تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى أن بلاده تسعى لمنح النظام السوري مزيدا من الوقت على احتمال أنه يستطيع إخماد الثورة أو تحقيق مكاسب على الأرض تجعل المعارضة تنزل قليلا في سقف مطالبها، أو وضع المعارضة في ورطة أمام المجتمع الدولي إذا رفضت إنهاء الأزمة.

وحين يعلن لافروف أمس أن روسيا ستدفع مجلس الأمن الدولي للمصادقة على اتفاق جنيف من أجل انتقال سياسي في سورية خلال اجتماع يعقد الشهر الجاري، فهو أولا يتجاهل الشعب السوري الثائر الذي دفع عشرات الألوف من الضحايا من أجل الخلاص من نظام قمعه طوال أربعة عقود، ولافروف نفسه صرح من قبل، أكثر من مرة، أنه لا يحق لأحد التدخل في الشأن السوري، لأن الشعب هو من يقرر مصيره ويحدد من يحكمه. وكأنه لم يسمع بالجموع المليونية التي كانت قد حسمت أمرها وقررت وراحت تتظاهر ضد النظام في مختلف المدن، ليظهر لافروف كمن يعيش خارج الواقع، فيما هو في الحقيقة يتواطأ مع النظام ضد الشعب.

إلى ذلك، يعلم لافروف كما يعلم النظام أن الحل لم يعد لدى المعارضة ولا النظام ولا المجتمع الدولي "المتفرج على المشهد"، فالأمور تطورت ووصلت إلى ما كان يرسم له النظام منذ بداية الثورة وهو حمل البعض للسلاح ليبرر قتل المتظاهرين، غير أنه صعق حين هبّ عشرات الألوف من المنتمين للجيش السوري الحر للدفاع عن أهلهم في كل المدن والقرى، واكتشف أن ما خطط له صار واقعا، لكن بصورة أكبر بكثير مما أراد. فالجنود المنشقون عن جيش النظام يتزايد عددهم مع مرور الأيام، وفيما جيش النظام يتناقص تدريجيا فإن استخدامه للأسلحة المدمرة على مواطنيه يزداد، أما الدبلوماسية الروسية فتريد إعادة "اتفاق جنيف" الذي تبنته إلى الأضواء، وهي تعلم يقينا أن الشعب السوري يصعب تقبله لخطة انتقال سلمي سياسي للسلطة لا تتضمن تنحي "بشار الأسد" ومحاكمة القاتلين وسقوط النظام وبناء نظام جديد يحترم الإنسان وحقوقه. لذلك فإن "اتفاق جنيف" بصيغته الروسية مجرد منح النظام وقتا إضافيا لقتل المئات كل يوم، حتى وإن ادّعى النظام لاحقا تعاونه لإنجاحه.

==================

لا تدخّل عسكري في سوريا من دون الولايات المتحدة

المستقبل

الاحد 9 أيلول 2012

مجلة "الاكسبرس" الفرنسية (3 ايلول 2012) طرحت على الجنرال جان باتريك غافيار، القائد العسكري للعمليات الحربية، أسئلة عن احتمالات التدخل العسكري في سوريا وأشكاله. هنا نص المقابلة:

[ بماذا يختلف التدخل العسكري في سوريا، لو حصل، عن التدخل الغربي في ليبيا عام 2011؟

ـ الجيش الليبي أضعف من الجيش السوري، سواء من ناحية التجهيز بالمعدات أو بعدد الأفراد أو بالتدريب. القدرات الدفاعية السورية، خصوصا الدفاعات المضادة للطائرت، هي بدورها قوية جداً. فالسوريون يملكون عددا كبيرا من صواريخ أرض جو وأنظمة التقاط الصواريخ الجوية. أما أفراده، فقد علمهم الروس، وهم يتقنون جيدا استخدام معداتهم. الجيش التركي أدرك ذلك على حسابه الخاص، عندما خسر طائرة فانتوم في حزيران الماضي بنيران القوات السورية النظامية.

[ ما هي إمكانات نجاح تدخل عسكري غربي في سوريا؟

ـ من دون مشاركة الولايات المتحدة، يصعب علينا تصور هذه الامكانية. بما ان الطاقة القتالية السورية فعالة، فان التدخل يتطلب طاقات قتالية مقابلة متفوقة عليها. وسوف تكون الأولوية في هذه الحالة تدمير القدرات الجوية السورية، وهو ليس بالأمر الهيّن، نظرا لعدد صورايخ أرض جو التي سوف تواجهه والتدريب الجيد الذي يتمتع به الجيش السوري، خصوصا على مستوى مراكز القيادة. حتى منطقة حظر جوي تفترض تفوقا جويا لا تتمتع به القوات الفرنسية والأوروبية، خصوصا على مستوى طائرات الأواكس وطائرات التزويد بالوقود، وتتطلب أيضا قدرات استخباراتية عالية، ومعدات الكترونية، خصوصا عند استخدام الطائرات من دون طيار.

ـ يبدو هكذا تدخل صعباً من دون المشاركة الأميركية...

ـ الطريقة الوحيدة للتغلب على الدفاعات الجوية هي استخدام الطائرات الخفية، مثل طائرات اف 22 الأميركية، شرط ان تترافق مع ضربات صاروخية بحرية. ولكن الاميركيين منشغلين الآن بالحملة الانتخابية وهم من جهة ثانية بصدد الانسحاب من أفغانستان، ولا يبدو انهم مستعدين لخوض هكذا مغامرة.

من دون القدرات الأميركية، ليس بوسع أي قوة غربية ان تفرض تفوقها الجوي، وأن تحافظ على هذا التفوق. هذه المشكلة كانت أصلاً مطروحة في ليبيا. وسوف يكون الأمر أكثر صعوبة في سوريا. قد تأتي هزيمة النظام من داخل الجيش السوري نفسه، الذي قد يصيبه الوهن والهزيمة؛ وهذا بدوره مشروط بتزايد أعداد المنشقين عن الجيش النظامي.

[ كيف يمكن تحييد السلاح الكيميائي؟

ـ ان اشكالية السلاح الكيميائي معقدة، يصعب حلها، لأن الأهم فيها هو معرفة موضعها في الوقت الصحيح، الحيّ، ما يتطلب طاقات فضائية واستطلاعية عالية الأداء. اذا كشف عن استخدامها، فسوف يكون لزاما علينا إرسال قوات خاصة إلى الموقع الذي وضعت فيه، وسوف يفترض بنا أن نكون قادرين على "محاصرتها" بغية جرّها الى مكان آمن. هذه المهمة الدقيقة جدا سوف تتطلب ايضا التمتع بتفوق جوي، على الأقل في المرحلة الأولى من العملية. لا يمكننا تصور عملية من هذا القبيل من دون الأميركيين.

[ ما رأيك بطلب تركيا إقامة منطقة آمنة؟

ـ ينطوي هذا الاقتراح على "تطويق" الفيتو الصيني والروسي.

من الناحية الإجرائية، فان منطقة كهذه سوف تسمح باجلاء العديد من اللاجئين، وسوف تبعد التهديدات السورية النظامية عن الحدود التركية. ولكن الأسد يعارض بقوة هذه الفكرة.

أما من الناحية العسكرية، فان مهمة كهذه تتطلب قوى عسكرية أرضية عديدة، بمعنى آخر... إنزلاق عسكري غربي محتمل. يجب أن لا ننسى أن قوات التحرير السورية المعارضة ترفض قدوم قوات أرضية غربية إلى سوريا.

أخيراً، فان منطقة حظر جوي سوف تكون ضرورية لحماية اللاجئين والقوات العسكرية البرية المعارضة. وفي هذه الحالة، نعود إلى الإشكالية الخطيرة القائمة على تفوق المضادات السورية النظامية...

==================

شهادات من جحيم المعتقلات السورية

الثورة على لسان أنثاها المستقبل

- الاحد 9 أيلول 2012

المستقبل

صبر درويش

"تفضلي معنا بلا شوشرة" يصرخ رجل الأمن بعد اقتحامه، هو وباقي أفراد الدورية، المكتب الذي تعمل فيه السيدة عتاب.

في الحقيقة، لا توجد أرقام إحصائية دقيقة حول عدد المعتقلين في السجون السورية، إلا أن الرقم المتداول يقترب من المائتي ألف معتقل. يتوزع على كافة الفئات العمرية، بدءاً بالأطفال دون سن الخامسة عشرة، وصولاً إلى الكهول، كما أن الاعتقال طال النساء أيضاً إلى جانب الرجال، ولو بأعداد أقل بكثير، وبذلك يكون الاعتقال قد طال أغلب أفراد المجتمع السوري من دون استثناء.

داخل أقبية المعتقل عالم آخر، عالم يصحّ أن نسميه بالجحيم؛ تقول عتاب: "بعد أن أصبحت داخل السيارة قام رجال الأمن بمصادرة جميع أشيائي الشخصية، ومن ثم قاموا بعصب عيني، عندها علمت بأنني ذاهبة إلى المجهول.. بعد أن وصلنا إلى أحد الأفرع الأمنية تم تقييد يدي، فيما ظلت عيناي معصوبتين، وأجبرت على الوقوف ووجهي للحائط لمدة أربع ساعات، بعدها أدخلوني إلى غرفة التحقيق. هناك قام المحقق بطرح بعض الأسئلة عليّ، وعندما لم يلقَ الإجابة التي ترضيه باشر بالصراخ وتوجيه أقذع الألفاظ لي، وأمر عناصره بضربي على يدي، وعلى بعض الأماكن الأخرى من جسدي. وعندما لم يجدِ ذلك نفعاً، قاموا برميي في إحدى الزنازين، حيث الإضاءة الخافتة ورائحة أوجاع من مروا قبلي تملأ المكان.. وبقيت هناك ثلاثة أيام".

تقول عتاب إنها شخصياً لم تتعرض لتعذيب شديد بالمعنى الجسدي للكلمة، إلا أن سماعها لأصوات التعذيب القادم من الخارج، وأصوات الأنين، والتوسلات.. كل هذا كاد يصيبها بالجنون. تقول: "بكيت وبكيت لا لشعوري بالاشتياق لعائلتي ولعالمي المفقود، بل على هؤلاء الشبان الرائعين، الذين كانوا يخضعون للتعذيب لساعات مطولة لا لذنب ارتكبوه سوى أنهم طالبوا بالحرية.. كنت أتساءل كيف لهؤلاء أن يختزنوا كل هذا الحقد؟ ألم يكونوا أطفالاً في يوم من الأيام؟ ألم يرضعوا حليباً من أمهاتهم؟" تتابع بسخرية مريرة.

تشير أغلب الشهادات التي حصلنا عليها إلى أن الوضع في المعتقلات السورية يقترب من مفهوم "جرائم ضد الإنسانية" فهنا، داخل هذه الأقبية، لم يعد من تمييز على مستوى التعذيب، كبيراً كان المعتقل أو صغيراً، رجلاً أو امرأة. يقول أبو الحكم، وهو ممن أفرج عنهم مؤخراً: "رأيتهم بأم عيني، رأيتهم كيف أجبروا النساء على ارتداء البيجامات كي يخضعوهن للتعذيب، حتى إنني صادفت إحدى المعتقلات وقد وضعوها في "الدولاب" وبدأوا بجلدها".

ليس التعذيب داخل المعتقلات السورية بالشيء الجديد حقاً، فمن خبر مرحلة الثمانينيات يدرك تماماً الخبرة التي اكتسبتها أجهزة المخابرات السورية في قمع الناشطين السياسيين؛ إلا أن الجديد نسبياً- في المرحلة الراهنة يتجسد في الوحشية المنفلتة من عقالها، التي راحت تتعامل فيها أجهزة الأمن مع المعتقلين، في ظل صمت عالمي ودولي، راح يشجّع النظام السوري على الإيغال في سلوكه الوحشي.

يحدثنا أبو الحكم بمرارة واضحة: "ما رأيته كان شيئاً مثيراً للرعب، ترى الأظافر كيف تتطاير من شدة الضرب، تتكسّر أطراف الأصابع، تتشوّه الوجوه بفعل التعذيب، تتأذى الأماكن الحساسة من الجسد كالأعضاء التناسلية، أو حلمتي الثديين.. يجري اغتصاب الرجال بعصي وأدوات مخصصة لذلك على مرأى من الجميع، ومن يبقى صامداً ولا يفارق الحياة يصبح الموت مطلباً له لأنه أفضل من هذا الجحيم".

لا شيء يدعو إلى التشكيك في هذا الوصف، فعشرات الشهادات، بل المئات منها، راحت تؤكد الوحشية التي تمارسها الأجهزة الأمنية على المعتقلين، والغاية من كل ذلك كسر روح هؤلاء الشبان وتدمير إراداتهم؛ والعمل هذا يقوم وفق أسس منهجية فبعد أن تنتهي فترة التحقيق، والتعذيب الجسدي المرافق له، تبدأ عملية ما دعوته في مكان آخر "بالتعذيب الناعم".

بعد انتهاء التحقيق يحشر العشرات من المعتقلين داخل غرفة صغيرة، وبسبب الازدحام الشديد يصبح كل شيء هناك يعمل وفق مبدأ "الورديات"، إذ لا مكان يتسع لجلوس أو نوم الجميع، فيتناوب المعتقلون على ذلك، هناك من ينام وهناك من يجلس ومن يبقى واقفاً. في بعض الأحيان لا تتجاوز حصة الفرد من النوم ساعة واحدة على مدار اليوم. الوقت هناك يمر ببطء شديد، والعالم يتضاءل حتى يكاد يتلاشى.. إنه عالم من التفاصيل المميتة.

يقول أبو الحكم: "كان الخروج إلى الحمام يشكل عبئاً كبيراً علينا، فمن جهة يستمر السجانون بضربنا ونحن في طريقنا إلى الحمام، ومن جهة أخرى لا يسمح للمعتقل بالدخول لأكثر من عشرين ثانية، فنضطر، وبسبب حالات الإمساك الدائمة، إلى وضع خرطوم المياه في فتحة الشرج، حتى ينزل كل شيء وبشكل سريع". يرتجّ صوت أبو الحكم وهو يحدثنا، ويقول: "هناك الكثير من التفاصيل الأخرى التي يصعب عليّ روايتها، والحديث عنها".

تتنوع أساليب التعذيب الناعم، إذ يقول أحد المعتقلين: "في إحدى المرات وضعوا لنا على ما يبدو مادة مسهلة في الطعام، وخلال دقائق قليلة بدأت تظهر حالات الإسهال، وبما أننا كنا ممنوعين من الخروج إلى الحمامات، رحنا نفرغ حاجاتنا بقمصاننا الداخلية أو أي كنزة أو قميص يمكن ربطه واستخدامه. بعدها رحنا نكوّم تلك المخلفات بالقرب من الباب، كانت القذارة والروائح الكريهة شيء يصعب تحمله، وكثيرون منا أصيبوا بالجفاف نتيجة ذلك".

كل ما ذكرناه لا يعدو كونه غيضاً من فيض، ومن المؤكد أن كل تلك التفاصيل ستوثّق على أيدي خبراء ومختصين، ولكن من المؤكد أيضاً أن تجربة الاعتقال في السجون السورية تجربة لن تنسى بالنسبة لمن كتب له النجاة منها. إنها تفاصيل سترافق المعتقلين لسنوات طويلة.

إنها جريمة عابرة للسنوات والأجيال.

==================

أفكار إسرائيلية وسيناريوات محتملة

ماذا في جعبة اليوم التالي لسقوط النظام السوري؟

الاحد 9 أيلول 2012

المستقبل

ماجد الشّيخ

من بين تقديرات مؤتمر هرتسليا الأخير (كانون الثاني 2012)، هناك تقدير أن إسرائيل تعيش هواجس حقيقية وجدية في عين العواصف، بل في قلبها. فقد رأى الجنرال احتياط داني روتشيلد وطومي شتاينر أنه خلال العام الفائت وقعت في العالم ما أسمياها "سلسلة أحداث دراماتيكية وسيرورات تشكيلية"، تخلق على ما يبدو نقاط تحول استراتيجية تغير الواقع، خصوصا في المحيط الاستراتيجي لإسرائيل. وقد أشار جدول أعمال مؤتمر هرتسليا إلى ثلاث سيرورات تأسيسية أساسية، تقيم علاقة تبادلية مركبة في ما بينها وتبلور الواقع الاستراتيجي لإسرائيل في هذا الوقت: الأزمة الاقتصادية العالمية، الهزة السياسية - الاجتماعية في الشرق الأوسط (الربيع العربي، حركات الاحتجاج العالمية من قبيل احتلوا وول ستريت، ومن ضمنها الاحتجاج الاجتماعي في إسرائيل) و"السيرورة العالمية للمجد المدني".

وبالنسبة لإسرائيل، تصعب المبالغة في أهمية منظومة العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة في هذه الآونة. فالهزة في الشرق الأوسط كان يفترض أن تبرز القيمة الاستراتيجية لإسرائيل بالنسبة لواشنطن والغرب، لكنها لم تفعل. وقد ذهب روتشيلد وشتاينر إلى أنه لا يمكن التهرب من الانطباع بأن الولايات المتحدة ترى في إسرائيل بخطواتها المستقبلية "خطرا استراتيجيا" أكثر مما تراها "حليفاً استراتيجياً". فالصورة التي أعطيت لحكومة إسرائيل الحالية في أوروبا وفي الولايات المتحدة، بالغة القسوة، والانتقادات ضدها في العالم ليست نزيهة دائما. لكن من ناحية إسرائيل، هذا إخفاق دبلوماسي مدوّ، لجهة "أن نطرد من المدينة وأن نأكل السمك النتن"، حسب تعبيرهما.

وعلى الرغم من تطمينات قوى الإسلام السياسي ورعاتها هنا وهناك، فقد رأى روتشيلد وشتاينر، إن تحول الشرق الأوسط إلى معقل للإسلام السياسي الراديكالي، المرتكز على دعم جماهيري متين، وضع حدا لتوقعات تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، وإنشاء علاقات استراتيجية مع دول مركزية في المنطقة. كذلك رأيا إن التقديرات الإسرائيلية بشأن المخاطر الكامنة في الهزة التي يعيشها الشرق الأوسط والتي أثارت انتقادات دولية ثاقبة، تزداد تحققا، فيما خابت التقديرات المتفائلة الغربية. ومقلق على وجه الخصوص نفوذ الإسلام السياسي الراديكالي، البارز جدا ليس فقط في دول تجري فيها انتخابات. وبالحذر المطلوب يمكن التقرير أنه، لا تتوفر ظروف تسمح بتحول واستقرار سياسي - اجتماعي - اقتصادي في دول جرت وتجري فيها انتخابات وتبادل سلطة، ربما عدا المغرب. وعدا ذلك، فإنه في السنوات المقبلة قد تشهد خريطة الشرق الأوسط تغييرات: إذ لا يمكن اعتبار سلامة الوحدة الإقليمية لعدد من الدول، بينها سوريا والعراق ولبنان واليمن، أمراً مضموناً. وفي معظم الحالات، سيكون لهذه التغييرات المحتملة آثاراً إقليمية لا بأس بها. كما أن مستقبل اثنتين من جارات إسرائيل في الشمال، سوريا ولبنان يكتنفه الغموض. في حين يقوم النظام السوري برئاسة بشار الأسد، بمساعدة نشطة من إيران وحزب الله، وعلى ما يبدو أيضا بمساعدة روسية في الميدان السياسي، بكل ما يقدر عليه للبقاء في سدة الحكم.

وتشير معظم التقديرات المنشورة، إلى أن نهاية نظام الأسد قريبة، وأن الأمر مسألة وقت. ومع ذلك، فإن غياب رد الفعل الدولي والعربي الجدي ضد الوسائل الوحشية التي ينتهجها النظام السوري منذ شهور طويلة، لا تشهد فقط على إفلاس روسي، وإنما تشكل أيضا إسنادا للنظام وتزيد عزمه على الاستمرار في محاولة قمع الانتفاضة بكل طريقة ممكنة. وعلى خلفية انعدام الوحدة في صفوف المعارضة السورية، وقدراتها العسكرية المحدودة مقابل القوة العسكرية الأكبر للنظام، يتوقع استمرار سفك الدماء. ومن دون تدخل عسكري دولي، لا يبدو في الأفق، ستكون هزيمة النظام السوري على ما يبدو صعبة وأطول من المعركة في ليبيا. ومنذ نشوب الاضطرابات في سوريا، تمنح تركيا رعايتها وتقدم مساعدات مادية للمعارضة، وبذلك تعمل على موضعة نفسها كعامل قوة مهم في بلورة مستقبل سوريا ما بعد الأسد. لكن، لا شيء يؤكد قدرة تركيا على المحافظة على سوريا موحدة.

سيناريوات سلبية

وأخيراً وفي ما يتعلق بالسيناريوات المحتملة، وجميعها سلبية بالنسبة لإسرائيل، رأت دراسة لمركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، أن السيناريو الاول: تفتت الدولة السورية واندلاع حرب أهلية طائفية ومذهبية لا تعرف الرحمة، والثاني أن النظام الحاكم يُحكم سيطرته على محور دمشق ـ حمص ـ حلب، وأن تبقى سورية تتصرف كدولة، والسيناريو الثالث هو إسقاط النظام ووصول قيادة جديدة، على فرضية توحد المعارضة، والرابع انتشار الفوضى العارمة في جميع أنحاء سورية، وسقوط الأسد وعدم وجود البديل لإدارة البلاد، الأمر الذي سيُحول سورية إلى حلبة للنزاعات من قبل قوى متشددة، تعمل بتأييد من الخارج، مثل إيران، السعودية، الولايات المتحدة الأميركية وروسيا. أما السيناريو الخامس، فهو تدخل عسكري خارجي بعد وقوع حادث دراماتيكي، وهذه العملية العسكرية ستؤدي إلى سقوط الأسد، وبحسب وجهة النظر الإسرائيلية فإن جميع السيناريوات التي ذُكرت تضع إسرائيل أمام تحديات جديدة، تجلب لها تهديدات لم تكن في الماضي، وتحديدا تحوّل هضبة الجولان إلى منطقة مشابهة لسيناء، ولكن الخوف الأكبر لدى تل أبيب هو حصول حزب الله على أسلحة غير تقليدية من سورية، أو وصول هذه الأسلحة إلى تنظيمات متطرفة، أو قيام حزب الله، بإيعاز إيراني بشن هجوم على إسرائيل.

وأخيراً، وبالتزامن مع تقديم التقرير الاستخباراتي السنوي للحكومة الإسرائيلية، أبرزت وسائل الإعلام الإسرائيلية يوم الإربعاء 29 آب/أغسطس الماضي، التصريحات التي أدلى بها رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في جيش الاحتلال (أمان)، الجنرال أفيف كوخافي، والتي أكدت على أنها عرضت صورة قاتمة لما ستواجهه إسرائيل خلال العام الجاري، وحسب صحيفة "إسرائيل اليوم" فقد قال رئيس الاستخبارات العسكرية إن إسرائيل ستواجه في السنة المقبلة شرق أوسط غير آمن، وغير مستقر ومتوتر، وتُسيطر عليه الجماعات الإسلامية المتطرفة، على حد تعبيره.

حرب قصيرة الأجل

وفي السياق، فإن منطقة الشرق الأوسط ملزمة بمواجهة تحديات وأزمات كثيرة، منها الداخلية ومنها الإقليمية، الأمر الذي يؤدي إلى رفع درجة الحساسية لدى اللاعبين، مما قد يقود المنطقة إلى حرب، حتى من دون تحضير مسبق. ولفت الجنرال إلى أن التقرير الاستخباراتي السنوي هو نتيجة عمل دؤوب وطويل، أساسي وشامل، شاركت فيه جميع الهيئات المختصة في جمع المعلومات.

وحذر كوخافي من أن هناك أكثر من 200 ألف صاروخ وقذيفة صاروخية مختلفة المدى موجهة إلى إسرائيل، ومنها صواريخ قادرة على إصابة أهداف في عمق الأراضي "الإسرائيلية" وفي منطقة تل أبيب الكبرى. وأن هذه الصواريخ موجودة في سورية ولبنان وإيران، ويتم إخفاؤها في مناطق مأهولة بالسكان في لبنان. وأشار إلى أن الرؤوس الحربية لهذه الصواريخ والقذائف هي أكثر فتكا وأكثر دقة. وفي الشأن الإيراني قال إن كمية اليورانيوم التي تمتلكها طهران حاليًا تمكنها من إنتاج 4 قنابل نووية، وذكر انه بعد اتخاذ القرار بإنتاج القنبلة النووية ستحتاج إيران إلى فترة سنة واحدة لإنتاجها. وتوقع كوخافي أنْ تجعل الهزة، التي تضرب الشرق الأوسط، هذه المنطقة أكثر عداوة لإسرائيل.

أما رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال بيني غانتس، فقد أعرب عن قلقه العميق من تعاظم القوة العسكرية للدول المجاورة، مشيراً إلى أن أسلحتها تغطي جميع أنحاء إسرائيل، وزعم أن كلاً من غزة ولبنان تعتبران أكبر مخازن للأسلحة، وأن منطقة الشرق الأوسط هي الأكثر تسلحاً في العالم، ونحن المستهدفون الرئيسيون من هذا التسلح. وتابع غانتس موضحًا أنه إذا اندلعت الحرب المقبلة؛ الأمر الذي لا نحبذه أن نرى أنفسنا أمام جيوش ضخمة التسلح موجهة ضدنا. وتوقع أن تكون الحرب القادمة قصيرة الأجل، حيث أن هدف العدو سيكون موجها إلى قلب المدن، من أجل إحداث الخوف والفزع. ما دفع صحيفة "معاريف" للتعليق على تصريحات رئيس الأركان، موضحة أن غانتس بذلك يعترف بأن العدو أينما وجد، يستطيع أن يوجه صواريخه إلى أية نقطة في إسرائيل، وربما لن يكون هناك مكان محصن، بما في ذلك الأماكن الإستراتيجية التي تقوم بإمداد البلاد بالماء والكهرباء.

تحديات جديدة

أما الجنرال غيورا آيلاند، فقال إن سقوط نظام الأسد، ودخول سورية في حقبة طويلة من عدم الاستقرار والصراعات الداخلية، من شأنه أن يضعف سورية، ويزيد من نفوذ إيران داخلها، ويضاعف احتمال إقدام مجموعات مختلفة على استفزاز إسرائيل. لافتًا إلى أنه صحيح أن هذا السيناريو لن يزيد الخطر العسكري السوري على إسرائيل، لكنه سيؤثر في استمرار الهدوء على الحدود الإسرائيلية ـ السورية، كما تطرق الجنرال إلى حزب الله اللبناني قائلاً: إن العوامل التي من شأنها أن تكبح حزب الله هي اليوم أقوى بكثير من تلك التي كانت موجودة في نهاية سنة 2010.وعلى الأرجح، سيسعى حزب الله لتفادي مواجهة مباشرة مع إسرائيل في المستقبل المنظور، لافتًا إلى أنه ثمة احتمال ضئيل أن تحاول سورية تحويل الأنظار عما يجري في داخلها، من خلال إقناع حزب الله وإيران بالعودة إلى أعمال الاستفزاز على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية. كما يمكن، في ظل الأوضاع الراهنة أن يؤدى غموض الوضع في سورية إلى عدم الاستقرار في لبنان، لكن هذا يبقى احتمالا ضئيلاً للغاية.

هكذا في منطقة تهتز على وقع العديد من زلازل الثورات العربية وارتداداتها، واهتزاز عروش وكراسي انظمة تسلطية واستبدادية، ومخاطر سقوط بعضها على إسرائيل، اعتبرت العديد من مراكز الأبحاث والدراسات والتقديرات الخاصة بالوضع في المنطقة، أن إسرائيل باتت تعيش في قلب العواصف، من دون يقين بإمكانية خلاصها أو نجاتها بالعودة إلى ما كانت عليه الأمور، وبالتالي انتقالها إلى ضفة من استقرار قصير أو متوسط المدى. لكن الصورة الأكثر قتامة هي صورة الوضع السوري، وهو ينتقل من ضفة إلى أخرى في يوم تال لسقوط النظام، وهي الصورة التي يُشار إليها كونها صورة شرق أوسط غير مستقر وغير آمن، بحسب تعبير رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية. وفي القلب من تلك الصورة صورة تحديات جديدة غير مسبوقة، تتناقض وتلك الصورة التي عاشتها إسرائيل أكثر استقرارا وأمنا في السابق، تحت حماية حراسها من الأنظمة الاستبدادية.

==================

تهافت الخطابات المعادية للثورة السورية

المستقبل -  

الاحد 9 أيلول 2012

ماجد كيالي

يخلو معظم الخطاب السياسي المعادي للثورة السورية من الفكرة والجدية والعمق، بل انه يتميز بالخفّة والضحالة والزيف، باتكائه على مجرّد الردح المعيب، وكيل الاتهامات، وطرح الادّعاءات، بحيث يمكن تمييز اصحابه بإنكار الواقع، والإنحطاط الأخلاقي، وضحالة الأفق السياسي.

أهم ميزة لهذا الخطاب أنه لا يرى شعب سوريا، او لا يريد ان يراه، حتى لا يرى مطالبه المشروعة بالحرية والكرامة والمشاركة السياسية. فعند هؤلاء هذه مجرد قضايا ثانوية، او ليست في جدول الأولويات، لأن سورية عندهم مجرد موقع جيوبوليتيكي، أو مجرد ساحة للصراع الدولي والإقليمي، وضمن ذلك فهي مرصودة لمشروع المقاومة. واستتباعا لذلك، فإن هؤلاء غير مستعدين لرؤية عذابات الشعب السوري ومعاناته، في ظل نظام الاستبداد والفساد الذي تحكم في البلد لأكثر من أربعين عاما، فهمش شعبها، وبدد مواردها، ومصادر قوتها، من دون أن يتمعنوا ولو قليلا بالفكرة ذاتها، أي فكرة المقاومة بدون مجتمع، او مقاومة في ظل مجتمع يكابد الحرمان ومعاناة الحرية ومن الحقوق السياسية!

طبعاً لا يهّم هؤلاء في النقاش الخاص بالصراع والمقاومة، لا يهمهم البتة، حقيقة ان النظام السوري لم يطلق ولا رصاصة من جبهة الجولان منذ أربعين عاما (اي منذ حرب تشرين 1973)، ولا انه انهى قواعد الفدائيين منذ وقتها، كما ولا يهمهم كل المساومات والمعادلات التي تشتغل على الضد من هذه الفكرة، منذ دخول هذا النظام الى لبنان في مواجهة الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، ولا مشاركته في "حفر الباطن" (1991) ضد العراق، ولا غير ذلك من حسابات. بل إن هذه العقلية مستعدة ان تتسامح مع هذا النظام حتى مع انكشاف ما كان يدبره مع ميشال سماحة، من تفجيرات، تفتح على صراعات اهلية في لبنان، فكل شيء يهون عندهم في سبيل بقاء هذا النظام.

ويطيب لهؤلاء استدعاء خطاب المؤامرة في الدفاع عن النظام السوري، على رغم ان هذه المؤامرة لا يبدو انها تشتغل بالطريقة المناسبة، وحتى بعد مرور 18 شهرا على اندلاع الثورة السورية، وكل هذا القتل والخراب في انحاء سوريا، باستخدام الدبابات والمدفعية والطائرات، فضلا عن الشبيحة وأجهزة الأمن ورجال القناصة.

لا يعني ذلك أنه لا يوجد قوى دولية وإقليمية وعربية تتوخى الخلاص من النظام القائم في سوريا، فهذا النظام لم يترك طرفا لم يعاده، في سياق سعيه لإرضاء طموحاته بفرض نفسه لاعبا إقليميا، لكن هذا شيء، وقيام تلك الدول بخطوات فاعلة لإسقاط هذا النظام، شيء آخر، وكما بات معلوما فهذا لا يحصل لا بالطريقة العراقية أو الصربية، ولا بالطريقة الليبية، ولا بأي طريقة. وهذا يعني أن السوريين، في حقيقة الأمر، إنما يخوضون صراعهم بصدورهم العارية، وأن المساعدات التي تقدم لهم، لا تتناسب البتة مع المستوى المطلوب، الذي قد يمكّنهم من تحقيق مكتسبات ملموسة على الأرض، فحتى الآن لم تتوفر لهم حتى مضادات طائرات، فما بالك على منطقة عازلة او منطقة حظر جوي، لا سيما ونحن نتحدث عن انقضاء عام ونصف. وبعد 30 الف شهيد وربع مليون معتقل وأزيد منهم لاجئين، وحوالى مليون ونصف مليون متشرد في الداخل، وخسائر مادية تقدر بعشرات بلايين الدولارات، نتيجة الدمار الحاصل في المدن السورية.

ويبدو التهافت في قمته في الخطاب المذكور في الحديث عن مصادر التمويل من الدول الخليجية، باعتبار ذلك عيباً، او مأخذاً، على الثورة، لكأن هذه الثورة محرّم عليها أي مصدر تمويل، وهو ادعاء متهافت وينطوي على سخافة، لا سيما حين يجري ربط التمويل باعتبارات مذهبية او سياسية. وفي الواقع فإن اصحاب هذا الخطاب يحاولون التذاكي بتناسي واقع ان الثورة الفلسطينية المسلحة كانت تعتمد في مواردها على الدول النفطية الخليجية، وليس على الكرملين أو بكين أو هافانا، وأن الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات كان يعطي من هذه الاموال النفطية، و"اليمينية"، للفصائل اليسارية وللأحزاب الشيوعية، والقومية؛ فضلا عن ذلك فإن المال الإيراني هو ايضا مال نفطي وتنطبق عليه ذات الاشتراطات المتأتية من المال الخليجي.

ويأخذ اصحاب هذا الخطاب على الثورة السورية جنوحها نحو العسكرة، ويطيب لهم سبغها بالطابع الطائفي، والتهويل ببعض مظاهر التدين فيها، لكأن الشعب السوري ينبغي ان يكون نرويجيا، مثلاً. وفي الحقيقة فهذه ليست سوى ذرائع، لأن هؤلاء اصلا ضد الثورة على النظام الاستبدادي، حتى لو كانت سلمية وعلمانية وحداثية، وهي أيضا مجرد ادعاءات لإرضاء الذات، والتغطية على التنكر لعذابات السوريين، وعلى القتل والتنكيل والتدمير الاجرامي الذي يتعرضون له. وهذا يمكن تبينه من حقيقة ان هؤلاء كانوا ضد الثورة منذ لحظة بدايتها، اي عندما كانت التظاهرات سلمية خالصة، في درعا والقابون وبرزة والزبداني والميدان والحجر الاسود وحمص وحماه وبانياس والرستن، فهؤلاء لم ينبسوا ببنت شفة حينما سحقت تلك التظاهرات بالدبابات. كذلك فإن هؤلاء لم يصدر عنهم اي شيء يدين القتل والتدمير الذي ينتهجه النظام، ولم يظهروا اي حساسية اخلاقية إزاء معاناة السوريين وعذاباتهم.

والحال فإن المعادين للثورة السورية النبيلة والمدهشة. لا يستحقون أي نقاش، فهم لا يبحثون عنه أصلا، فلديهم وجهات نظرهم المسبقة، والجاهزة، لذا لايهمهم ان النظام الذي يدافعون عنه بات له 42 عاما يحتكر الحكم في سوريا، بالحديد والنار، ولا أنه حوّل هذا البلد العريق والحيوي الى مزرعة خاصة يجري توارثها بين الاباء والأبناء، ولا أن العائلة الحاكمة تتحكم بحوالى 25 مليونا من السوريين، وتحرمهم حقهم في الحرية والكرامة الى الأبد، بل انهم يسبغون نوعا من الشرعية على كل ما يقترفه النظام من جرائم، ومن أعمال مشينة، رغم كل ما تقدم.

ومن الأصل فإن هؤلاء ينكرون حقيقة ان النظام الذي يدافعون عنه حوّل "المقاومة" الى مجرد كذبة، وشعارا للاستهلاك، والتوظيف، والابتزاز عربيا وإقليمياً ودولياً، فضلاً عن اعتباره لها مجرد حجة للتغطية على مصادرة الحريات ونهب البلاد والعباد، وهو الأمر ذاته الذي فعله بشعاراته الأثيرة المتعلقة بالوحدة والحرية والاشتراكية.

بالمحصلة فإن ما يهم اصحاب الخطاب المعادي للثورة السورية مجرد القضية، وبقاء سوريا كساحة صراع، فهذه هي عدة الشغل (قل النصب)، فليس مطلوبا اكثر من ذلك، أما الشعوب ومصائرها فليست على رأس جدول الأعمال، على أي حال.

==================

سوريا.. ثورة أم حرب؟

حين يهدم الحرّاس الهيكل ليصيروا كهنته

نجيب جورج عوض

المستقبل/ الاحد 9 أيلول 2012

لا يسع المراقب لتطورات الثورة السورية في الشهرين الماضيين بالتحديد إلا أن يستنتج أن كافة الحلول السياسية للأزمة السورية قد آلت للفشل، فقد راحت تتهاوى أصوات الداعين لحلول سياسية أو المؤيدين لضغوط دولية أوعربية أوأقليمية أواتفاقيات ومبادرات متعددة الأطراف أو أو، كما تتهاوى أوراق الخريف على الطرقات الخاوية. دخلت الثورة السورية شتاء طويلاً جداً يخنقه الدم والموت والعنف والعنف المضاد والقتل. بدأت الثورة كحراكٍ سلمي لشعبٍ متعطشٍ إلى الحرية والكرامة والمستقبل، وتحولت إلى معاناة قاسية وقمع وعنف عسكري أمني دفع المواطنين إلى الدفاع اليائس القسري عن النفس والحياة والعرض والعائلة والحق بالوجود الإنساني بكل الوسائل التي طالتها اليد، وأولها السلاح. إلا أنها راحت تتحول في الشهور الأخيرة إلى حرب ضروسٍ طاحنة لا صوت فيها يعلو فوق صوت المعركة، ولا كلمة فيها إلا للسلاح والموت، ولا قانون فيها إلا قانون "إما قاتل أو مقتول"، ولا "ثائر" فيها بل "مقاتل"، ولا "متظاهر" فيها بل "مقاوم"، ولا هدف لها سوى تحطيم النظام المجرم السفاح والبشع والانتقام منه. أما صوت الثورة الأساس المنادي بالحرية والعدالة والكرامة والديموقراطية والدولة المدنية فقد اختنق بيد الدمار الكامل والشامل لسوريا البلد والشعب والكيان والدولة.

في الفترة الراهنة، ترافق خفوت صوت الثورة في قلب تعالي قعقعة المعركة وصراخها مع اندحار الخطاب الثوري السياسي، والعمل الدبلوماسي والعلاقاتي والتخطيطي الفاعل والملحوظ لمختلف المعارضات السورية، بل وانحسار الاهتمام والإصغاء في الأوساط السورية والعربية والعالمية لكل ما يمت بصلة لخطاباتها المعلنة. حدث هذا النكوص المبين بيد أولئك المعارضين أنفسهم قبل سواهم، والذين، بدل أن يحموا الثورة ويدعموها ويقفوا في الصفوف الأمامية لعملية من أجل الاشراف عليها وإرشادها، باتوا اليوم يقفون بالكاد في الصفوف الخلفية الهامشية ويحاولون بالجهد الجهيد أن يقدموا أنفسهم كأتباع وخدام ورعايا عملية استبدالها بالقتال والمعركة المفتوحة، التي بات فيها المواطن السوري دريئة الصراع الميداني الأولى والمسدد الأول والأساس لفاتورة المعركة من دمه وحياتها، من ممتلكاته. وبات مصير المعركة، من مصيره ومن لقمة عيشه، لا بل ومن وجود الإنسان السوري برمته. من يراقب الإعلام العربي المرئي والمسموع والمكتوب يلاحظ انحسار حضور الوجوه المعارضة السياسية، وعدم اكتراث أي طرف من الأطراف، المعنية بالشأن السوري، بالاستماع لرأيها، أو بالالتفات لمحاولاتها، وجهودها المناهضة للنظام، أو لأي شيء تقوم به من نشاطات ولقاءات ومحاولات، وما تطلقه من مواقف وبيانات. كل أوساط الإعلام العربي والعالمي تركز اهتمامها وتسلط أضواءها هذه الأيام على نقل تقارير الكتائب المقاتلة على الأرض، وعلى تسويق خطاب التنسيقيات الداخلية، كونها تعمل على تماس مباشر مع المقاتلين والكتائب المسلحة، في حربها الضروس مع النظام. بات المقاتلون هم الناطقون باسم سوريا الثائرة، ولم يعد هناك صوت مدني فعلي يمثل صوت الثورة. ما عاد أحد يكترث لمؤتمر أو لبيان أو للقاء أو لموقف أو لرأي يصدر عن أي طرف من أطراف المعارضة السورية، الداخلية والخارجية. وما عاد لهؤلاء حضور ملحوظ أو ذو قيمة يعوَّل عليه في مشهد الحالة السورية الحالية.

أسمح لنفسي بالقول إن انتصار السلاح وتفرد خيار المعركة بالساحة لا يبرهن، في الواقع، على أنَّ الثورة السورية نجحت بالاستمرار والحفاظ على وجودها كل هذه الشهور في وجه النظام المجرم، أو أنها برهنت للعالم على نجاحها الباهر، في الوقوف في وجه الآلة العسكرية الدموية الساحقة. لا شك أن النظام السوري كبنية وككيان وكتأثير قد سقط أمام الثورة السورية الشعبية العظيمة، ولا شك أنه بدأ هذا السقوط المبين منذ لحظة درعا الخالدة. ولكن، الدليل على هذا لا تمثله الحرب الدائرة اليوم في كل مدن وقرى وشوارع وأطراف سوريا بين الكتائب المقاتلة تحت اسم "الجيش السوري الحر" وقوات النظام. فالسؤال الأساسي هنا هو: هل تلك الكتائب هي الثورة، وهل "الجهاد المسلح" و"الثورة" شيء واحد أو وجهان لعملة واحدة، أم أنهما ضدان وحالتان مختلفتان بالطبيعة والذهنية والهدف، ناهيك عن المآلات والنتائج؟ جوابي على هذا السؤال هو أن انتصار السلاح وخيار المعركة في سوريا يعلن في الدرجة الأولى عن فشل سياسي واستراتيجي وعملاني كامل وذريع وفاضح، لا بل وتاريخي، لكل أطياف وأجسام وتيارات وشخصيات المعارضة السورية، سواء الخارجية منها أو الداخلية، مجالس أم هيئات، أجسام أم حراكات، أفراد أو شخصيات أو رموز، قديمة تقليدية أم شابة راهنة، أصيلة أم طارئة. كلها فشلت فشلاً ذريعاً في خدمة الثورة ورعايتها أو في خلق هوية سياسية وشعبية ووطنية وقيميَّة لها. فشلت المعارضة السورية، لا بل وفشلت فكرة المعارضة السياسية في سوريا وسُلِبَت وجودها في ساحة الثورة السورية، التي تحولت إلى حرب.

بالكاد، بل وبالجهد الجهيد، نسمع اليوم عن أي موقف سياسي أو دبلوماسي أو ثوروي جديد أو حقيقي، يمكن التعويل عليه من أي طرف من أطراف المعارضة السورية، ولا حتى طرفيها الأكثر بروزاً. فهيئة التنسيق غرقت في الرمال المتحركة لهوسها بانتزاع اعتراف بوجودها ودورها وفاعليتها في الثورة من قبل أطراف المسألة في الداخل والخارج. أما المجلس الوطني فغرق بدوره في الرمال المتحركة لأدائه الغوغائي المراهق سياسياً والمتهافت مؤسساتياً والفضائحي تنظيمياً وبشرياً. أما باقي التيارات المعارضة والأفراد فلم نأخذ منهم سوى التنظير والسفسطات والنرجسيات واحتقار العقول، إما انطلاقاً من، أو بالتعويل على، اللعب بالعواطف وتحفيز المشاعر والغرائز بكل أنواعها، أو إغراق الرأي السوري العام في ثقب أسود من الكلام الفوقي والتنظيري أوالاستهلاكي أوالمنافق أوالمخادع أو المهادن أو المتملق.

لم يعد صناع القرار في العالم، كما هو واضح، يستمعون لأي من تلك المعارضات أو يعّولون عليها أو يأخذونها بعين الاعتبار. خرجت المسألة السورية برمتها من يد من قدموا أنفسهم على أنهم الممثلون الوحيدون الرسميون للثورة السورية أمام الجميع؛ من يد من كان يُفترض بهم أن يكونوا فعلاً لا قولاً الرافعة السياسية والتنظيمية والتمثيلية والمؤسساتية والتأسيسية والتقويمية الأساس للثورة السورية. غرقت الثورة السورية في بحر الدم والموت والدمار الشامل، وغرقت معها كل المعارضات السورية وادعاءاتها التمثيلية والمرجعية في طوفان المعركة. نجح النظام بإصراره على القتل والعنف والإجرام بأن لا ينحدر لوحده إلى هاوية موته، بل أن ينحدر إليها ويدُفن في مزبلة التاريخ هو ومعه كل المعارضات السورية، مُخرِجاً إياها، كما نفسه، من معادلة المستقبل في سوريا.

واحدة من أهم دلائل انهيار المعارضات السورية وفشلها الفادح والذريع هو حلول ما يسمى بالجيش الحر محلها في قلب دائرة التخطيط وصنع القرار حول سوريا ما بعد الأسد. طلع علينا الجيش الحر ومجالس الكتائب المسلحة منذ فترة بمشروع متكامل عن سوريا ما بعد الأسد فيه بنود ومشاريع سياسية وقانونية ومدنية وتشريعية واقتصادية ودولتية تتعلق بطبيعة السلطة في سوريا الانتقالية. بات الحوار اليوم في غرف العمليات المتعلقة بالحرب في سوريا والتخطيط لمجرياتها ومراحلها يدار من قبل رجال الأمن والمخابرات والعسكر والمقاتلين والمخططين العسكريين الاستراتيجين الأجانب والمحليين. بات مصير سوريا بين يدي المقاتلين والكتائب المسلحة؛ لا مصير الصراع مع النظام فقط، بل، وهذا هو الأخطر، مصير سوريا في المستقبل. كل ما كان يفترض بالمعارضات السياسية أن تقوم به وبتطويره وبلعبه من دور تخطيطي وحواري وتأسيسي وعملياتي كي يكون هو بنية سوريا البديلة، يقوم اليوم القادة المشرفين على العمل العسكري الحربي بالإشراف عليه والتقرير فيه (ولنتذكر أن المقاتل يعرف كيف يواجه الموت، لا كيف يصنع الحياة). بات "الجيش الحر" ومجالس قيادات الكتائب المسلحة تلعب دور الصانع والراعي لعملية خلق سوريا القادمة، ولم تعد مجرد مدافعٍ عن الشعب وحارسة له (أية حراسة وحماية والشعب بات دريئة تلك الكتائب وخط دفاعها الأول؟) باتت الأوساط الدولية الداعمة للحراك السوري تتعامل مع الكيانات المقاتلة، ممثلة بمن يمولها ويدعمها وينظر لها ويمدها بالديمومة، لا كأداة لإسقاط النظام فقط، بل وكعرَّاب وصانع البديل الوحيد والواقعي والقادر لسوريا المستقبل. باتت حلقة التفكير والتخطيط والتحضير لسوريا ما بعد الأسد تضم فقط من جعلوا من المشروع البديل عن النظام في سوريا مقاومة مسلحة، لها استطالات تمثيلية تأتمر بها وتخدم مشروعها، كما تخدم من حوّل الثائرين في سوريا إلى مقاتلين والصرخة السلمية الحرة إلى سلاح مقاوم واستشهادي.

نعم، لم يعد هناك ثورة بالمعنى الحقيقي للكلمة في سوريا. هناك فقط حرب مفتوحة، شعواء ومدمرة. نعم، لم يعد هناك صرخة حرية في سوريا، بل صرخة "النصر أو الشهادة". نعم، لم يعد هناك النظام الذي نعرفه في سوريا، فهو انهزم وسينهار قريباً إلى غير رجعة. ولكن لم يعد هناك أيضاً أي حضور فعلي أو ملموس لأي نوع من أنواع المعارضات السياسية والمدنية في قلب فضاء إرهاصات ومآلات المشهد السوري. حاول النظام أن يلعب دور شمشون وأن يهدم الهيكل عليه وعلى المعارضة المعادية له. ولكن، للأسطورة التوراتية الشهيرة نسخة مختلفة في سفر سوريا: من هدم الهيكل على رأس شمشون وأعدائه، بل على رؤوس الجميع، كانوا حراس الهيكل؛ أولئك المنوط بهم حماية الهيكل من عنجهية شمشون ومحاولته تهديم الهيكل على رؤوس الجميع. حراس الهيكل السوري هم من هدمه على رؤوس الجميع. وقريباً سنسمع أنهم لم يعودوا حراسه فقط، بل باتوا كهنة الهيكل الجدد، والناطقين بدينه والحاملين لمفاتيح أبوابه.

تمضي سوريا نحو موت ودمار وحالة من النهلستية الوجودية والانطولوجية والدولتية والمصيرية الشاملة والمؤجلة الختام على الطريقة الديريدائية (من جاك دريدا) حيث الخاتمة تكمن دوماً في عدم تحققها، وتأجيل وصولنا إليها وانفلاتها من أفق إدراكنا، أخروياً ولا نهائياً. وكلما استمرت هذه الحالة، ترسخت أكثر حقيقة تفكك المعارضات السياسية، من جهة، وحقيقة تعزيز الواقع المسلَّح والعسكري وهيمنته على صنع القرار ومشروطاته، وسيطرته لا على الواقع الميداني فقط، بل وعلى المشهد السياسي والدولتي المستقبلي لسوريا ما بعد الأسد. في ظل هذا الواقع الجديد المهيمن، وفي قلب سيرنا في تشييع جنازة كل المعارضات السورية، أو إذا شاء البعض، في ضوء وقوفنا أمام مشهد الحرب الدائرة في سوريا وازدحام الشوارع السورية (أو ما بقي منها) بالمقاتلين والكتائب وجولات القتال حتى الموت، عوضاً عن امتلائها بالمواطنين السلميين الأحرار والتظاهرات والاعتصامات والحراكات الجماعية التي بدأت بها الثورة وأدت إلى هزيمة الخوف والخنوع إلى الأبد في قلوب الناس.. يتساءل أمثالي الذين وقفوا من دون تحفظات، وبكل الروح والعقل والطاقات والقيم والوطنية التي تضج داخلهم، هل مازالت الثورة السورية على قيد الحياة؟ هل من سينتصر على نظام القتل والإجرام والفساد والوحشية هو ثورة شعب سوريا البطل، أم معارك مجاهدين وصراع مقاتلين؟ هل سيعيد بناء الهيكل خدامه الأصيلون المدنيون السياسيون والمواطنون الأحرار السلميون، أم حرّاسه الذين هدموه على رأس من قرر أن يحطمه على نفسه وعلى كل من يعاديه؟ أي سوريا ستخرج من جعبة المقاتل الحربية ومن جيوب بزة المجاهدين؟ أي سوريا ستولَد من المعركة الجهادية، بدلاً من النضال الثوروي السياسي؟ أي سوريا يمكن أن يؤسسها المقاتلون بعد أن فشل المعارضون في خدمتها؟

في سوريا المستقبل، أنا السوري الليبرالي المسيحي، الذي يؤمن بعلمنة الدولة وتعدديتها ومدنيتها الصرفة، والذي يدعو لاحترام أديانها وحريتها، في سوريا المستقبل تلك لا أخاف من الإسلام السياسي، بل يرعبني السلاح السياسي؛ لا أخاف من المعارضة الأيديولوجية، بل أخاف من أدلجة التسلح وتدغيم (من دوغمائية) العسكرة؛ لا أخاف من الثوار وأحلامهم مهما كانت جامحة وحماسية، بل أخاف من عنجهية المقاتلين واشتراطاتهم؛ لا أخاف من التنافس على السلطة ومن انتصار من لا يحمل مبادئي وأفكاري وتصوري لسوريا المستقبل، بل أخاف من الذي ينتصر بفضل سلطة الاقتتال وسطوة الأقدر على الجهاد، لأنَّ من لا يعرف سوى الجهاد والقتال لا يحمل لا أفكار ولا تصورات بل مسلمات وفرائض؛ لا أخاف من تعدد وشرذمة الرؤى والمشاريع السياسية، بل ارتعد من دمج كافة المشاريع واختزالها بعقيدة جديدة، يفرضها من يعتقد أنه بسبب قتاله وتضحيته بالغالي والثمين في أرض المعركة نال صكاً بملكية البلد، وبتقرير مصيرها، وبات يعتقد أنه وحده يقرر لمن يعطي وماذا يعطي؛ لا أخاف على سوريا ما بعد المعركة من هيمنة بدائل سياسية أحادية أو جمعية أو"نيو-شمولية" يقودها جموح جارف للسلطة، بل أخاف على سوريا من أن لا تتمكن من الخروج أبداً من ذهنية وظروف وقوانين وردود أفعال حالة المعركة ومنطق الاقتتال و"العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم". أحلم بسقوط النظام البارحة قبل الغد وأنتظر خروج رموزه إلى مزبلة التاريخ، ووصولهم إلى قوس العدالة. لكنني أرتعد وأنا أرى في الأفق كابوس سقوط وأفول المعارضات في سوريا، وفشل مشاريعها الثوروية. يخيفني أفول شمس الثورة، وبزوغ ليل المعركة الداكن. يخيفني أن حراس الهيكل بدأوا يعدّون أنفسهم ليصيروا كهنته.

 

==================

تحول حاسم تجاه الأزمة السورية

المصدر:صحيفة «غارديان» البريطانية

اتجاهات

التاريخ: 09 سبتمبر 2012

يشهد الشرق الأوسط حاليا تحولا حاسما تجاه الصراع في سوريا.

فقد لقيت دعوة الرئيس المصري محمد مرسي لإجراء حوار عربي- إيراني- تركي حول الأزمة والانتقال الآمن للسلطة في سوريا وهو ما ردده في كلمته في قمة حركة عدم الانحياز في طهران - ترحيبا في كل من تركيا وإيران. ولدى هذه الدول جميعها مصلحة قوية في إنجاح مثل هذا الحوار، الأمر الذي يجعل فرص النجاح أكبر بكثير مما كانت عليه في أي وقت مضى.

والسياق واضح بما فيه الكفاية. فقد حقق الثوار السوريون مكاسب كبرى. إذ انتقلت الثورة إلى مرحلة جديدة بعد هجوم 18 يوليو الماضي في دمشق، الذي أودى بحياة العديد من كبار المسؤولين الأمنيين، وأعطى دفعة معنوية قوية للجيش السوري الحر.

ومنذ ذلك الحين، حاول هذا الجيش تأمين عدد من المعابر الحدودية السورية مع تركيا والعراق، وكرس مقاتلوه وجودا عسكريا لهم في دمشق وحلب، وهما المدينتان اللتان كانتا تحت سيطرة النظام المطلقة.

أما بالنسبة للنظام السوري، فقد شهد انهيارا لروحه المعنوية، تمثل في مجموعة من الانشقاقات الكبرى، أهمها انشقاق رئيس الوزراء السابق وعدد من القادة الأمنيين والعسكريين.

وقد ولد ذلك حالة من الخوف داخل نظام الرئيس السوري بشار الأسد، مما أثار ردود فعل وحشية، كما تبين من خلال الاستخدام غير المسبوق للقوة الجوية لقصف مراكز سكانية.

وكانت النتيجة ارتفاعا مذهلا في عدد الضحايا، وتدفقا غير مسبوق للاجئين إلى البلدان المجاورة. وتشير مقابلة الأسد الأخيرة التي طلب خلالها المزيد من الوقت لهزيمة الثوار إلى أن سفك الدماء سيتفاقم.

وعقدت قمة حركة عدم الانحياز الأخيرة، التي حضرها أيضا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، على خلفية العجز الدولي عن الوصول إلى توافق في الآراء بشأن سوريا، نظرا لموقف روسيا والصين من جهة، وتردد الولايات المتحدة في السماح بتدفق أسلحة مضادة للطائرات أكثر فعالية إلى الجيش الحر، خوفا من أن هذه الأسلحة يمكن أن تشكل خطرا مستقبليا على أمن إسرائيل.

وقد أوحى هذا الموقف بجلاء لجارات سوريا بضرورة التوصل إلى نتيجة مقبولة للصراع الدموي قبل أن يهدد باجتياح المنطقة بأسرها. أما بالنسبة لتركيا، فقد بدأت تدرك أن الأزمة السورية يمكن أن تضر بأمنها القومي، لا سيما مع تصاعد الأنشطة الكردية المعادية لها في المحافظات الحدودية السورية.

وعلاوة على ذلك، فإن انهيار نظام الأسد سيسبب عبئا أمنيا واقتصاديا ثقيلا، في حال لم يتم الاتفاق مع إيران والدول العربية على عملية انتقال سلسة.

والخوف المشترك هو أن سوريا يمكن أن تتحول إلى ساحة حرب إقليمية بالوكالة، في صراع يستمر لسنوات.

وتعد المبادرة المصرية مهمة لأنها أول مبادرة من جانب رئيسها المدني المنتخب حديثا، وكذلك لأنها تأتي بعد تمكن مرسي من تكريس سلطته داخليا من خلال عزل القيادة العسكرية السابقة. وهذا يعطي مبادرته وزنا أكبر في الخارج، ويشير إلى عودة مصر إلى لعب دورها الريادي التاريخي.

==================

سوريا المستقبل بين الإسلام والليبرالية

المدينة

من الضرورة بمكان بناء سوريا تتسع لكل أبنائها وتستوعب جوهر هويتها وثقافتها التاريخية بينما تعيش في الحاضر وتتطلع للمستقبل

د. وائل مرزا

الأحد 09/09/2012

رغم التحديات التي تواجهها الثورة السورية، تفتح مجرياتها نوافذ فرصٍ تاريخية يمكن الاستفادة منها على طريق رسم ملامح المستقبل القادم.

وعلى عكس مايعتقد الكثيرون، تتمثل واحدةٌ من أهم هذه الفرص في عملية (التعارف) الحقيقية التي يمكن أن تحصل بين أصحاب الرؤى المختلفة لهوية سوريا الجديدة ومنظوماتها السياسية والثقافية والاقتصادية.

لامجال للتهرب من الحديث عن اختلاف الرؤية، ذلك أن تطور أحداث الثورة، وتحليل ماجرى ويجري، يفرضان مقاربة هذا الموضوع بصراحةٍ ووضوح.

فلأشهرَ طويلة، كان ثمة إجماعٌ في التركيز بين الثوار على القواسم المشتركة بدءاًبإسقاط النظام وانتهاءً بالعناوين العامة لسوريا القادمة التي تتمحور حول الحرية والتعددية والمشاركة وسيادة القانون ومبدأ المواطنة.

كانت القيم المذكورة في نظر الثوار تعبّر عن نموذجٍ معاصرٍ للدولة يحترم إنسانية الإنسان وكرامته، ويُحقق أشواقه وتطلعاته. وكان المفترض أن هذا النموذج موجودٌ عملياً في العالم المعاصر، وأن الدول التي تمثله تلتزم حقاً بمقتضيات تلك القيم، ولو في حدها الأدنى.

لكن مجريات الأحداث خلقت مشهداً سورياليا غرائبيا يصعب تصديق حصوله في هذه المرحلة من تاريخ البشرية، خاصة فيما يتعلق بممارسات النظام تجاه الشعب. وحين تكتفي الدول التي تحمل شعارات الليبرالية بالنظر إلى هذا المشهد والتعامل معه بدرجةٍ مُبتذلةٍ في نفاقها، فإنها تصبح جزءاً منه. ويصبح سهلاً الشكُّ بكل شعاراتها ومايكمن خلفها من قيمٍ نظرية.

كان هذا عنصراً رئيساً في أن تُظهر الثورة السورية بشكلٍ متزايد تجلياتٍ متنوعة تُنسب إجمالاً إلى الإسلام، وأضحى الاهتمام فيها أكبرَ بمقتضيات الخصوصية وقيمتها في الوصول إلى (حل)، في واقعٍ بات أقرب لصراعٍ وجودي لم يعد (المشترك) يلبي طلباته، وصار يبدو نوعاً من الترف الفكري والثقافي لا مكان له فيه.

ليس لدينا شكٌ أن العالم المعاصر بمنظومته الليبرالية يعاني أزمةً حضارية باتت تجلياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية واضحةً للمتابعين. لكن التعامل مع هذا التحدي، على صعوبته، لايكون بردود الأفعال أو بالغرق في خصوصيةٍ انعزاليةٍ لاتنسجم أصلاً مع الرؤية الإسلامية الأصيلة. ورغم بعض المظاهر، لايبدو مجتمع الثورة في عمومه على طريق الانغماس في ذلك المأزق.

لهذا، يصبح ضرورياً الخروجُ من مأزقٍ آخر يتمثل في الهاجس المتزايد لدى (الليبراليين) تحديداً من مظاهر (الإسلامية) في الثورة السورية. ففي حين يوسع الهاجس المذكور دوائر المشكلة، ويوقع الجميع في متواليةٍ سلبيةٍ من ردود الأفعال، يمكن ضبط الموضوع عبر انفتاحٍ حقيقي على الرؤية الإسلامية لمحاولة فهمها بشكلٍ أكثر شموليةً وعمقاً.

وكما أن كثيراً من الإسلاميين مقصرون في فهم منظوماتٍ ثقافية مثل (الليبرالية)، فقد شهدت سوريا عملية (سوء فهم) تاريخية كبرى للإسلام من قبل الليبراليين بمختلف شرائحهم. وتم اختزال عملية الفهم في قراءة دلالات بعض الممارسات الخارجية لمن ينسبون أنفسهم للرؤية الإسلامية. وفي أحسن الأحوال، اقتصر الأمر على محاولات للاطلاع على مضمون تلك الرؤية من خلال كتاباتٍ خارجية عنها. ومن النادر أن تجد جهداً علمياً متطاولاً لدراسة المضمون المذكور بحيادية وموضوعية.

لقد كان هناك إجماعٌ منذ بداية الثورة على الطبيعة الإسلامية (المحافظة) للمجتمع السوري، وعلى أن تطبع الثورة بهذا الطابع ليس غريباً. وثمة إقرارٌ اليوم بأن رؤيةً إسلاميةً ما للإنسان والحياة والكون ستضحي مكوناً رئيساً من مكونات الهوية الجديدة لسوريا المستقبل. من هنا، حريٌ بكل من يهمه مستقبل البلاد أن يبذل جهداً ثقافياً مقدراً لفهم مصدر تلك الرؤية بجديةٍ تليق بهذا الموضوع الحساس، بدلاً من التعامل معه بمنطق الشعارات والعموميات، بينما يبقى الهاجس من الإسلام هو المحرّك الحقيقي للمواقف والممارسات.

سيكون مخالفاً للمنطق لأي إنسانٍ يدرك ألف باء العلاقة بين التاريخ والحاضر، ويعرف شيئاً عن أساسيات التفاعل بين مقومات الهوية ومقومات المعاصرة، أن يعارض الليبرالية في منطوقها الواقعي المتوازن.. تماماً كما أن من مخالفة المنطق معارضةُ الإسلام في فهمه الواقعي المتوازن.. لا بل إن النظر إلى هذه التصنيفات أصلاً على أنها تصنيفاتٌ حدّية تعبّرُ عن منظومات متضاربةٍ كلياً هو أمرٌ بات أبعد ما يكون عن النظرة المنهجية للتطور الثقافي والسياسي للمجتمعات.

وإذا أخذ على كثيرٍ من الإسلاميين أنهم كانوا يعيشون على شعار (الإسلام هو الحلّ)، فإن من المفارقة أن يتصرف البعض وكأنه يرفع شعاراً جديداً مشابهاً يقول (الليبرالية هي الحل)! وفي ظلّ الأزمة التي تعيشها الليبرالية على المستوى العالمي، يُصبح مُعيباً التعاطي مع المصطلح بنوعٍ من الرومانسية، وكأن كل المطلوب والمنتظر الآن هو إلغاء الشعار السابق وتبنّي الشعار الجديد.

إن شيوع هذه الظاهرة يبين حقيقة المشكلة الأصلية لإنسان المنطقة،وأنها في نهاية المطاف مشكلة طريقته في التفكير، قبل أن تكون مشكلة انتمائه الأيديولوجي المعيّن.. أو بمعنى آخر، أن المشكلة هي مُشكلة منهجٍ عقليٍ معين في فهم الحياة وفي إدراك كيفية التعامل معها، من خلال الشعارات والعواطف والأمنيات والنيات الطيبة. وبالتالي فإن من الممكن لتلك المشكلة أن توجد عند كثيرٍ ممن يسمون أنفسهم إسلاميين، بنفس القدر الذي يمكن أن توجد فيه عند كثيرٍ ممن يسمون أنفسهم ليبراليين أو قوميين أو حداثيين .

من الضرورة بمكان بناء سوريا تتسع لكل أبنائها وتستوعب جوهر هويتها وثقافتها التاريخية بينما تعيش في الحاضر وتتطلع للمستقبل.

ثمة حاجةٌ لثورةٍ أخرى في هذا المجال تهدف إلى تجاوز مرحلة الطفولة الأيديولوجية التي تنظر إلى العالم من خلال أحادية الانتماء إلى الدوائر الضيقة المُحيطة بالإنسان، والعبورَ إلى مرحلةٍ أخرى ينفتح فيها العقل والقلب على ذلك العالم ليرى ما فيه من فُسحةٍ هائلة للتنوع والتعددية والاختلاف الإيجابي.

إن رسالة هذا المقال ليست الدفاع عن أحد أو الهجوم على أحد، وهي على وجه التحديد أبعدُ ما تكون عن الخوض في مداخل الفرز والتصنيف، لأنها على العكس من ذلك دعوةٌ للخروج من الحصار الذي تفرضه علينا عقليةُ الفرز والتصنيف، مهما أطلقَ عليها من تسميات. وفضلاً عن ذلك فإن الرسالة تتلخص في الإشارة إلى أن التحديات الكبرى الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي نواجهها كسوريين هي تحديات معقّدة وكثيرة، وهي تتطلب نظرةً أكثر واقعيةً وشمولاً إلى الأمور تتجاوز مجرد استبدال منظومةٍ فكريةٍ بمنظومةٍ أخرى أو استبدال شعارٍ بشعار.

==================

الأخضر الإبراهيمي

معنى الأحداث

المدينة

إبراهيم عباس

الأحد 09/09/2012

يمكن وصف هذا الدبلوماسي العربي المخضرم بأنه رجل المهمّات الصعبة، وأنه دبلوماسي محنّك، يعتمد الواقعية والصبر والحكمة أساسًا في حل الأزمات، إلى جانب أنه إنسان عاقل وحصيف من الصعب، حتى على الخصم، أن يبغضه. ولا يملك الإنسان وهو ينصت إليه إلاَّ أن يعجب بطريقته وأسلوبه في السرد والنقاش والإقناع. وقد حظيت بشرف الجلوس إليه، والتحدّث معه في أحد مواسم الحج في بدايات الثمانينيات، وكان دائم التردد على بعثة الحج الفلسطينية، وشدّني إليه تواضعه الجم، وخلقه الرفيع، وما يتمتع به من هدوء وحصافة، إلى جانب إلمامه الكبير بكافة جوانب القضية الفلسطينية، وإخلاصه الشديد لكل ما يتعلّق بفلسطين وعدالة قضيتها، وحقوق شعبها.

الأخضر الإبراهيمي، عادت الأضواء تسلّط عليه من جديد، وتضعه في قلب الحدث العالمي، عندما عُيّن مؤخرًا مبعوثًا للأمم المتحدة والجامعة العربية للتوسّط في الأزمة السورية خلفًا للمبعوث السابق كوفي عنان، ضمن مهمّة تردد كثيرًا في قبولها، ثم قبلها على مضض، وأعلن وهو يتسلم أعباءها، بأنها مهمّة شاقة، لكنها ليست شبه مستحيلة، وهو ما يعني أن نسبة نجاحها قد تصل في أفضل الأحيان إلى 50%، لكنها تعني أيضًا أن الرجل يعطي وعدًا صادقًا بأنه سيبذل قصارى جهده كي ينجح في تلك المهمّة. وهو إن نجح فلن تكون تلك معجزة على أية حال، لأنه سبق وأن نجح في مهمّات صعبة كثيرة، قد لا ترقى في صعوبتها إلى ما وصل إليه الملف السوري من تعقيد، لكن ينبغي الملاحظة أن المهمّات السابقة كانت تتدرج في صعوبتها، حتى وصلت إلى ذروتها في المهمّة الجديدة.

الأخضر الإبراهيمي الذي دشّن مهمته بمحطة القاهرة في وقت وصلت فيه الأزمة السورية إلى حد المأساة بعد أن تحوّلت المدن والقرى السورية إلى مدن أشباح، ولقي أكثر من 5000 شخص غالبيتهم من الأهالي الأبرياء حتفهم في الشهر الماضي فقط، ووصل عدد اللاجئين داخل سوريا وخارجها إلى 3 ملايين لاجئ، وأصبح القتل والدمار والتفجير يجمع في مشاهده الدموية بين عراق (2003- 2006)، ولبنان (1975- 1990). وربما أن هذا الفرق الرئيس بين مهمّة عنان والإبراهيمي، الإبراهيمي تسلّم المهمّة بعد أن وصلت إلى ذروة تعقيدها. لكن بالرغم من كل ذلك، فإن الرجل يدرك أن هنالك نقاط ضعف شديدة يعاني منها الرئيس الأسد في موقفه الراهن، يتمثل أهمها في أنه يبحث عن مخرج مناسب لحفظ ماء الوجه إدراكًا منه، أن الأزمة لابد وأن تنتهي في نهاية المطاف في غير صالحه، وأن التجارب أثبتت في هكذا صراعات، حتمية انتصار إرادة الشعوب. وأعتقد أن الإبراهيمي سيركز على نقطة الضعف تلك، وأنه سيوظف خبرته وحنكته السياسية لتحقيق الانتقال السلمي في سوريا، معتمدًا -إلى جانب ذلك- على رصيد الاحترام البالغ الذي يحظى به من قِبل كافة الأطراف، وهو ما يدعو إلى التفاؤل، لاسيما وأن هنالك الكثير من العوامل المساعدة التي قد تدعم مهمته خلال الفترة المقبلة، من أهمها ازدياد عدد المنشقين من السياسيين والعسكريين على النظام، والانتصارات التي يحققها الثوار، إلى جانب التأييد المتزايد الذي تحظى به المعارضة السورية من قِبل الرأي العام العالمي. سنضع ذلك كله في الاعتبار، ونحن نتابع بكل الاهتمام كيفية تعامل الإبراهيمي مع الأزمة، دون أن ننسى جهوده السابقة (الشاقة) في جنوب إفريقيا، ولبنان، والعراق، وأفغانستان، وغيرها، حيث كان النجاح حليفه في أغلب الأحيان.

==================

حزب «الشعب» اتهم حكومة أردوغان بتدريب الإسلاميين الراديكاليين

تركيا والأزمة السورية: أسئلة داخلية محرجة!

الاتحاد

الأحد 09 سبتمبر 2012

بعد أن أدركت أن دعوتها لإقامة ملاذ دولي آمن للاجئين الفارين من سوريا لم تلق آذاناً صاغية، تندفع تركيا في الوقت الراهن لإيواء عدد هائل يقدر بنحو 80 ألف لاجئ سوري تدفقوا على أراضيها. وفي مناطقها الشرقية، يكثف المسلحون الأكراد الذين تزعم تركيا أنهم يصطفون مع نظام الأسد، هجماتهم المميتة، أما في هذه المنطقة الحدودية ذات الأغلبية العلوية، والتي تمثل مركزاً للراحة وإعادة التزود بالإمدادات للمتمردين السوريين فتتزايد المخاوف من انتقال عدوى الصراع الطائفي السوري إلى تركيا.

ويقف المسؤولون الأتراك وراء سياسة حكومتهم تجاه سوريا، علماً بأن المشكلات الناتجة عن هذا الموقف لم تمثل حتى الآن سوى تهديد محدود لحكومة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، أوحتى لسمعة تركيا وشعبيتها التي عملت على ترسيخها بحرص ودأب في المنطقة. لكن نظراً لما تشير إليه استطلاعات الرأي من تناقص الدعم المحلي لموقف الحكومة التركية، فإن أنقرة لا تجد أمامها سوى مساحة محدودة للحركة، أي لتدبير ومعالجة التداعيات الناتجة عن الأزمة السورية، والتي يجمع المحللون السياسيون على أن تركيا لم تتوقعها عندما قررت تبني موقف مضاد للرئيس السوري العام الماضي.

وقد باتت أنقرة تدرك الآن أنه لا تتوافر لديها القدرة على إعادة ترتيب الأمور،"ليس في المنطقة ككل كما كانت تعتقد في السابق، وإنما في سوريا أيضاً"، وذلك بحسب "جوكهان باجيك"، مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية في جامعة "زيرفي التركية"، والذي يرى أن تركيا تجد نفسها في مواجهة هذا الوضع "بحاجة ماسة للدعم الأميركي، غير أنه دعم لا يأتي".

عندما زار وفد أميركي تركيا الشهر الماضي، فإن الأتراك عرضوا نفس وجهات النظر التي كانوا قد عرضوها قبل أسبوعين من هذه الزيارة، أمام وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون. وبحسب مسؤول كبير في الإدارة الأميركية فإن الأتراك اشتكوا من أنهم "لم يعودوا قادرين على تدبير شؤون اللاجئين السوريين الذين تدفقوا على البلاد بأعداد لم تكن متوقعة في البداية، وقد طلبوا من الحكومة الأميركية والآخرين أن يتدخلوا من خلال تأسيس منطقة ملاذ آمن محمية بحظر طيران داخل سوريا نفسها". وأشار ذلك المسؤول إلى أن الأتراك خلال اللقاء المذكور، حذروا من أن أقصى عدد للاجئين يستطيعون التعامل معه هو 100 ألف لاجئ.

وفي مواجهة المناشدات التركية، ردت كلينتون بالقول إن فرض منطقة حظر طيران سوف يتطلب تدخلا عسكرياً أجنبياً، لا تعتقد الولايات المتحدة أنه سيساعد في الوقت الراهن، بحسب ذلك المسؤول الكبير الذي اشترط عدم الكشف عن هويته حتى يخوض في مناقشة ذلك الموضوع الحساس. لكن وزيرة الخارجية، وبدلاً من أن ترفض المطالب التركية صراحة، دعت إلى أجراء المزيد من المباحثات الثنائية بين الدولتين، وإلى إنشاء بنية قيادة وسيطرة بينهما لتنسيق ردود أفعالهما واستجاباتهما للأزمة السورية.

وموقف تركيا تجاه الأسد جاء عقب تراجعها عن "سياسة تصفير المشكلات" التي تبناها وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو في التعامل مع دول المنطقة. وقبل الانتفاضة السورية، كانت دمشق تمثل حجر الزاوية في تلك السياسية، حيث شهدت العلاقات بينهما، سواء في السياسة الخارجية، أو في التجارة، أوالسياحة، ازدهاراً غير مسبوق.

وفي الوقت الراهن تستضيف تركيا "المجلس الوطني السوري" المعارض لنظام الأسد، كما توفر الملاذ لأعضاء "الجيش السوري الحر" وللمئات من الجنود السوريين الفارين. ويوم الأربعاء الماضي وصف أردوغان سوريا بأنها "دولة إرهابية"، وهو موقف عزز من مصداقية أنقرة في العالم العربي، لكنه عقّد في نفس الوقت من علاقاتها مع إيران وروسيا اللتين تدعمان نظام الأسد.

ويشار إلى أن تركيا قد أقامت سلسلة مكونة من 11 معسكراً للاجئين على امتداد حدودها مع سوريا، وتشرع حالياً في بناء المزيد منها، تحسباً لنزوح لاجئين جدد ، تقول مصادر حكومية إنهم يتدفقون بمعدل4000 لاجئ في اليوم. واللاجئون الموجودون في تركيا يكتظون في فصول المدارس الحكومية وأفنيتها، وفي عنابر النوم داخل المدارس الداخلية، كما أن هناك المئات منهم يتلقون العلاج في المستشفيات التركية.

وقد تراجعت تركيا عن بيان صدر عنها مؤخراً قالت فيها إنها ستغلق حدودها عندما يصل عدد اللاجئين السوريين الذين دخلوا أراضيها رقم 100 ألف لاجئ، بيد أن وزير الخارجية أوغلوا الذي يواجه انتقادات متزايدة في بلاده، ألمح -مع ذلك- إلى ندم بلاده على سياسة الباب المفتوح التي كانت تتبناها. وقال أوغلو في هذا الخصوص، في كلمة له أمام الأمم المتحدة: "هناك إحساس متزايد في تركيا مؤداه أننا من خلال قيامنا بهذه التضحية والتعامل مع مسألة ضخمة للغاية مثل المسألة السورية بمفردنا تماماً، فإننا نشجع بذلك المجتمع الدولي على التساهل وعدم الفعالية".

وعلى الرغم من إدانة تركيا لنظام الأسد وقلقها من فراغ القوة المتفاقم في سوريا، ومناشدتها المجتمع الدولي بالتدخل، فإن المسؤولين والمحللين يقولون إنه لا توجد لديها شهية لاستخدام قوتها العسكرية لمواجهة الأسد أو تأمين منطقة لاجئين.

وهناك معارضة واسعة النطاق في تركيا للعمل العسكري في الوقت الراهن. ففي هذا السياق يقول المحللون إن تركيا متخوفة من تعريض سمعتها في المنطقة للخطر، وحيث لا يزال إرث الخلافة العثمانية ماثلاً في الذاكرة، خصوصاً وأن الجيش التركي ليس مجهزاً لخوض حرب طائفية طويلة على الطراز العراقي، كما يقول "هنري باركي"، الخبير في الشؤون التركية في جامعة لي بنسلفانيا. ويقول "باركي" إن حدود تركيا مع سوريا التي يبلغ طولها 566 ميلاً، جعلت من الصراع "صراعاً غير قابل للكسب من قبل الأتراك منذ البداية".

وقد تمسك المعلقون والساسة الأتراك المنتمون للمعارضة بهذه النقطة واعتبروا أنها تمثل فشلاً في سياسة بلادهم. وفي هذا السياق ذهب بعض المحللين والمسؤولين الأميركيين للقول إن تركيا قد فاقمت من الصعاب التي تواجهها عندما حدت من تدخل منظمات الأمم المتحدة في معسكرات اللاجئين، وسمحت للمتمردين واللاجئين السوريين بالتركز في مقاطعة "هاتاي" التي تسكنها أغلبية علوية.

ويتجلى المأزق الذي تواجهه تركيا بشكل محسوس في مدينة أنطاكيا التي لا تبعد سوى أقل من ساعة واحدة من الحدود. فكثير من سكان هذه المدينة ذات المناظر الخلابة ينتمون للطائفية العلوية التي ينتمي إليها نظام الأسد (بينما ينتمي غالبية السكان في تركيا وسوريا للطائفة السنية). فتلك المدينة التي كانت سوقاً جاذباً للسوريين قبل الانتفاضة، تحولت بعدها إلى قاعدة للمتمردين واللاجئين الذين يُلاحظ أن بينهم الكثير من الرجال كثي اللحى، وهم يتجولون في شوارع هذه المدينة التي تكثر فيها أعداد السياح الذين يرتدون ملابس خفيفة وشورتات قصيرة.

وفي أنطاكيا، لا يزال الدعم والتأييد لنظام الأسد قوياً: وهناك قلق متزايد بين سكانها من أن أرودغان يساند التمرد ضد الأسد كي يكرس للسيادة السنية المطلقة في المنطقة. وهذه المخاوف عبّر عنها "حزب الشعب الجمهوري"، وهو حزب المعارضة الرئيسي في تركيا، والذي اتهم الحكومة صراحة بتدريب الإسلاميين الراديكاليين في معسكرات قريبة مخصصة للفارين من الجيش السوري، وهو ما تنفيه أنقرة.

ورغم المخاوف التي عبّر عنها بعض سكان أنطاكيا من العلويين من تحول المتمردين السوريين ضدهم عقب سقوط نظام الأسد، فإن قادة "الجيش السوري الحر"، المتواجدين في المدينة، يحاولون تبديد تلك المخاوف.

وفي هذا الصدد قال أحد قادة المتمردين، ويكني بأبي هشام: "نحن نبذل قصارى جهدنا من أجل احترام القواعد السائدة في تركيا". ورأي أبو هشام أن الجدل الدائر حول هذه المسألة يجب أن يدفع الحكومة التركية للإسراع في مساعيها الرامية لوضع نهاية للحرب، حيث قال: "من الأفضل للحكومة التركية أن ترسل لنا الأسلحة حتى نتمكن من إنهاء الحرب بحيث يتمكنوا هم من تجنب الضجة المثارة حول هذا الموضوع هنا".

كارين بروليارد

 

==================

الأسد يدير سوريا كما أدار لبنان

الشرق الوسط

9-9-2012

طارق الحميد

من يتأمل كيفية إدارة بشار الأسد للأزمة بسوريا سيلحظ أن طاغية دمشق يدير المعركة هناك، معركة البقاء بالحكم، كما أدار النظام الأسدي، الأب والابن، الأوضاع في لبنان طوال العقود الثلاثة الماضية، واللافت أن النظام الأسدي لا يفعل ذلك بالأطراف السورية بل ولا حتى بدمشق!

بالأمس نشرت وكالة «رويترز» تقريرا مروعا عما سمته انتشار الميليشيات المسلحة في دمشق، ولجميع الطوائف، من مسيحيين، ودروز، وعلويين، وانتشار ما سمته نقاط التفتيش، واللجان، بالأحياء الدمشقية، المحسوبة على النظام الأسدي الذي يقوم بتوزيع الأسلحة على تلك الجماعات، وبث كل ما من شأنه الفرقة بينهم، أي الطوائف، ومحاولة إيهامهم بأن المعارضة والثوار ما هم إلا إرهابيون سُنّة مدعومون من الخارج، حتى إن بعض هؤلاء الشباب، بحسب ما نقلته «رويترز»، اكتشفوا لاحقا أن من قتلوهم ما هم إلا ناشطون معارضون ولا يحملون السلاح! كل ذلك يتم في العاصمة السورية اليوم على يد نظام الأسد الذي يقوم ببث الفرقة، والتشرذم الطائفي بالعاصمة السورية، فقط من أجل محاولة الصمود والبقاء بعد أن بات الثوار يخوضون مع الأسد معركة النهاية في أهم مدينتين؛ حلب العاصمة الاقتصادية، ودمشق العاصمة السياسية.

ولذا، فبعد أن دمر الأسد جلّ سوريا فها هو اليوم يخوض معركة تمزيق النسيج المجتمعي لدمشق، وهو ما فعله الأسد، الأب والابن، في لبنان على مدى ثلاثة عقود؛ ففي لبنان أدار الأسد المعركة بالأكاذيب، والترهيب، والتصفيات، وضرب الأطراف بعضها ببعض، وتسليح هذا ضد ذاك، وترسيخ الانقسام الطائفي، ومن باب «فرّق تسد»، كما أدار لبنان بالتواطؤ مع جماعات خلقت لهذه الأهداف، وأبرز حالة هنا حزب الله، كحزب وليس الطائفة، واستخدم النظام الأسدي بعض الفلسطينيين لنفس الأمر، سواء بالمخيمات، أو حركة حماس الإخوانية، كما استخدم النظام الأسدي الإعلام، والمال، بلبنان أسوأ استخدام، والحق أنه أفسد كل شيء بلبنان؛ المؤسسات، والقيادات، والأحزاب، وها هو الأسد يفعل الأمر نفسه اليوم بدمشق. وبالطبع فإن ما يفعله الأسد اليوم بالعاصمة الدمشقية يعني أن الأسد نفسه قد أدرك أن النهاية اقتربت، وأنه بات يواجه قدره المحتوم، لكن ما يفعله بدمشق اليوم يعني أيضا أن التئام النسيج الدمشقي الاجتماعي، والسوري ككل، سيكون أمرا صعبا، ومعقدا، كلما تأخر سقوط الأسد الذي يقوم اليوم بأعمال لا تقل خطورة عن تحريك الأسلحة الكيماوية التي تشغل الغرب، مما دفعهم إلى وضع خطوط حمراء للأسد قد تستوجب التدخل العسكري في سوريا.

تمزيق النسيج الاجتماعي بسوريا، واليوم في دمشق، على الطريقة التي كشفها تقرير «رويترز»، يعني أن الضرر سيكون كبيرا، ولمرحلة مقبلة قد تطول، سواء على سوريا، أو لبنان، أو العراق، أو المنطقة برمتها، ولن تكون تركيا بمعزل عن ذلك، وهذا كله يستوجب تحركا دوليا، يشارك فيه الغرب والعرب الآن من أجل ضمان التسريع بإسقاط الأسد الساقط لا محالة، فإذا كان العرب، والمجتمع الدولي، لا يريدون نموذجاً سورياً مشابهاً للنموذج اللبناني أو العراقي، فلا بد من التحرك الآن، وعلى غرار الدبلوماسية الفرنسية النشطة، والمتقدة.

==================

متى كانت الأقليات مضطهدة؟

الشرق الوسط

9-9-2012

ميشيل كيلو

لم تضطهد الأقليات السورية في الماضي. لو أخذنا الكرد لوجدناهم من مؤسسي الدولة السورية الوطنية، ومن الذين تولوا أعلى المناصب فيها: من أول رئاسة وزارة إلى أول رئاسة جمهورية وأول رئاسة أركان جيش. لم يتعرض الكرد للاضطهاد في بلاد تعرّب خلال تاريخها كرد كثيرون، كما تكرّد بالمقابل عرب كثيرون ضمتهم القبائل التي عرفت بالموالي. لكنهم عانوا الأمرين بدءا من عام 1963، عندما وضع النظام خطة بالغة اللؤم والإجرام قامت على فصل وتطويق مناطق يعيشون فيها عبر ما عرف بـ«الحزام العربي»، الذي أحل قبائل عربية محلهم، وبدل أسماء قراهم وبلداتهم، وجعلهم جسما غريبا ومعاديا في وطن كانوا دوما جزءا تكوينيا منه، خدموه بإخلاص وتفان كسائر المخلصين من أبنائه، بينما حرض بقية السوريين عليهم بذريعة أنهم غرباء غادرون يتحينون فرص الانقضاض على الوطن، ولا بد من تعريضهم لقمع مكثف ووقائي يسعى إلى الحد من أذاهم ويقضي على شرورهم.

مثلما حرض نظام العسكر البعثي الشعب ضد المواطنين الكرد من أبنائه، حرض جميع السوريين بعضهم ضد البعض الآخر، وأثار شكوكا مدروسة وموجهة بينهم، زرعت وعززت أحكاما مسبقة متنوعة ومؤثرة حيال الآخر، وسمت وعي العامة ولعبت دورا مهما في تكوين آرائهم ومواقفهم، التي صار من السهل على أهل النظام شحنها بأي قدر يريدونه من العداء حيال غيرهم من المواطنين. لم يستطع النظام كسب المواطنين، بعد دوره في هزيمة العرب وسوريا خلال عدوان يونيو (حزيران)، ولم يحقق أي وعد من وعوده بل حقق عكسها، فلعب لعبة «فرق تسد» الاستعمارية، ورسم استراتيجية كاملة لتمزيق المجتمع قامت على تأليب المواطنين بعضهم ضد بعض، واستغلال أي نقطة من نقاط الخلاف أو الاختلاف وجدها بينهم أو نجح هو في إحداثها، طائفية كانت أو طبقية أو فئوية أو مناطقية أو تاريخية، ولا غرض له غير تحويل مجتمع سوريا إلى جماعات متنافرة متصارعة يمنع عليها الالتقاء حول أي مبدأ جامع أو فكرة مشتركة غير تلك السخافات المتعلقة بصحة سياسات النظام وعبقرية وعصمة قائده الفريد من نوعه بين خلق الله، وحتمية الولاء له في سائر الظروف والأحوال، والانقياد له انقياد العميان باعتباره الأساسي والباقي الذي يدين الشعب الزائل والعديم الأهمية بذاته له بكل شيء، بما في ذلك وجوده.

هذه الاستراتيجية كانت جوهر سياسة النظام الداخلية خلال قرابة نصف قرن، وقد استمات لغرسها في وعي المواطنين بجميع وسائل السيطرة والتدجين، ليصير من الطبيعي أن يرى السوريون أي شيء يصدر عنه وكأنه أمر طبيعي لا يتسع عالم الواقع والاحتمالات لأي أمر طبيعي أو منطقي آخر سواه، بل إن سوريين كثرا صدقوا ما كان النظام يقوله عن خلود الأسد الأب، «قائدنا إلى الأبد»، وعندما مات مروا بأزمة حقيقية، أو أنهم لم يصدقوا أصلا أنه مخلوق يموت، واستمروا في الإيمان بخلوده، خاصة في بعض الأوساط التي كانت قريبة منه في الحرس الجمهوري، والتي كانت تسميه «المقدس».

حين بوغت النظام بوحدة الشعب خلال انتفاضته الأخيرة، لم يجد رأسمال قابلا للاستثمار غير ما زرعه فيه من فرقة وأحدثه من تمزق، فكان أول ما راهن عليه هو الطائفية، وقد تبين من أول يوم أنه رسم خطة محكمة الغرض لإثارة نعراتها، فكان يرسل الأمن إلى القرى المسيحية والعلوية لتخويفها من جيرانها السنة، ويرسل إلى القرى السنية من يخوفها من جيرانها العلويين والمسيحيين، ويعلن في الحالتين استعداده لحراسة الخائفين، أي لاحتلال قراهم وبلداتهم للسهر على إثارة عوامل التفجر والاقتتال بينهم. هذا ما فعله مثلا في الغاب، حيث خوف أهل الصقيلبية المسيحية من جيرانهم أهل قلعة المضيق السنة، وبالعكس، حين ذهب وفد من الصقيلبية إلى قلعة المضيق لاستيضاح الأمر، التقوا في الطريق بوفد من القلعة آت إليهم لمعرفة الأسباب التي تدفعهم إلى مهاجمة بلدتهم. عندما تبينت حقيقة ما جرى للوفدين، عاد كل منهم إلى بلدته محاولا التخلص من المخابرات التي انتشرت فيها.. وفي النهاية، عندما فشل النظام في إثارة الناس بعضهم ضد بعض، بطش بأهل القلعة، التي لم يجد قسم كبير منهم مكانا يذهبون إليه غير منازل إخوانهم وأصدقائهم مسيحيي الصقيلبية.

لم ينجح النظام في إثارة فتنة طائفية بين السوريين، رغم ما وزعه من سلاح ونشره من أكاذيب. في الآونة الأخيرة، بدأ خوف الناس من المستقبل يتراجع، ووقع تحول حقيقي في مواقفهم من السلطة وسياساتها، وصدرت مواقف واضحة عن جهات كنسية مهمة تدين العنف وتطالب بوقفه وبإيجاد حل يلبي مطالب الشعب، ونشرت أرقام فائقة الدلالة حول حجم مشاركة العلويين والمسيحيين والدروز في الحراك الثوري، وحصتهم الوازنة من قتل وقمع السلطة، وشروع بعضهم في تشكيل كتائب للجيش الحر أو للمقاومة الشعبية، ودورهم في إغاثة السكان داخل المناطق المنكوبة وخارجها، بينما انخرط أهل السلمية الإسماعيليون في الحراك بقوة وكثافة منذ بدايته، وتعرضوا لحملات قتل وقمع متتابعة، حتى إنهم تحركوا قبل مدينة حماه، ولعبوا دورا مهما في تحريكها.

يعرف السوريون اليوم فضائح وفظائع حقيقية عن سياسات النظام التمزيقية والتفريقية، ويشعرون بأهمية انتمائهم المشترك بالنسبة إلى نجاح مطالبتهم بالحرية أو إسقاط نظام العنف الفئوي، الذي ورط أبرياء من طوائف وفئات مختلفة في سياسات ألحقت بهم أفدح الضرر، لكنهم يكتشفون اليوم أن علاقاتهم وأحوالهم قبل النظام كانت أفضل بكثير منها بعده، وأنهم لم يكونوا مضطهدين قبل السلطة الحالية، وأن ظاهرة الطائفية كانت في طريقها إلى التلاشي والاختفاء أمام روح وطنية جامعة، في حين جعل هو الطائفية حامل نظامه وأداة لقتل أي وطنية عليا تضم الجميع تحت لوائها من دون تمييز أو تفرقة.

ليس تاريخ سوريا مع النظام غير تاريخ الاضطهاد الذي مارسه ضد جميع مكوناتها الوطنية والدينية والإثنية؛ تاريخ إحياء العصبيات المتخلفة والدنيا، التي كانت تتراجع وتذوب، فليس من الخطأ إطلاقا القول إن الأقليات لم تعرف الاضطهاد قبله، وإن اضطهادها سيزول بزواله، وإنه ستقوم بعده علاقات ندية بين المواطنين جوهرها احترام خياراتهم الشخصية وحمايتهم قانونيا وتربيتهم على خيارات عامة تحفظ النسيج الوطني وتعزز تماسكه.

سينتهي اضطهاد الأقليات بنهاية نظام الفتن الطائفية وتوريط السوريين في نزاعات وصراعات كانوا يتجاوزونها بنجاح، وإلا لما صار حافظ الأسد وأعداد هائلة من الشباب العلوي ضباطا في الجيش، ولما تمكنوا من المشاركة في قلب السلطة والاستيلاء على الحكم. وستنتهي الأقليات والطوائف، لأن النظم الديمقراطية لا تقر بوجود أقليات غير سياسية، وترى في الطائفية مجرد انتماء خاص إلى مذهب ينضوي تحت الانتماء العام إلى المجتمع والدولة ولا يحل محله أو يراه بدلالته. عندئذ، سيكون للمواطن الحق في أن يكون من طائفة معينة من دون أن يكون طائفيا، وستشرق شمس زمن سوري جديد لن يعرف التمييز بين المواطنين، وسيحمي القانون حقوق السوريين المتساوية مهما كانت خياراتهم الخاصة أو الذاتية، وستواصل سوريا مسيرتها نحو المجتمع الواحد، الحصين ضد الفرقة والتمييز والانقسام، وسينقلب ما فيها من تنوع إلى مصدر ثراء وطني لا ينضب. عندئذ، سيعرف السوريون أن نظام الأسد لم يحمهم بل عرضهم لأفظع الأخطار وتلاعب بحياتهم ومصالحهم، وأنهم لا حماية لهم خارج الحرية والعدالة والمساواة.

==================

«بيان جنيف» والحل السحري

الأحد ٩ سبتمبر ٢٠١٢

الحياة

يبدو أن المقتلة السورية مستمرة، وستزداد اتساعاً مع انعدام أفق الحل السياسي الذي يعتبر شرطه الأساسي الوقف الملزم للقتل. ومع اقتراب أي موعد يتعلق بالأزمة السورية يزيد النظام حجم القوة المستخدمة ضد المعارضة والمدنيين. وذلك ليس فقط انسجاماً مع استراتيجية الحل الأمني المعتمدة منذ بدء الأزمة، وإنما أيضاً من أجل إظهار أنه لا يزال قوياً وتمكن المراهنة على استمراره.

وإذا كان سلوك النظام في ذاته يحمل أسباب عدم قدرته على استعادة زمام المبادرة السياسية والميدانية، وعلى العودة على حكم البلاد كما كان قبل اندلاع الحركة الاحتجاجية، فإن التعثر الدولي أمام توافق على حل ملزم يرتبط بالهاجس الروسي في الحفاظ على موطئ قدم مضمون في سورية، كتعبير عن الاعتراف بالمصالح الروسية في المنطقة.

فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يرغب في ضمان سلامة القيادة السورية في أي حل ممكن، يتزامن مع اعتراض وزير خارجيته سيرغي لافروف على العقوبات المفروضة على كل من إيران وسورية، لأنها تضر بمصالح الشركات الروسية خارج البلدين.

أي أن روسيا، في سبيل حماية مصالحها، لا ترى سوى النتائج من غير أن تدقق في الأسباب، علماً أنها شريك في مفاوضات الملف النووي الإيراني وأبدت أكثر من مرة نقدها لسلوك طهران في إدارة هذا الملف. فمن أجل رفع العقوبات عن إيران عليها أن تحصل منها أولاً على الضمانات الضرورية في شأن برنامجها النووي العسكري الذي جاءت العقوبات لمنعه. ومن أجل رفع العقوبات عن سورية، عليها أن تقنع النظام بالتراجع عن الحل الأمني واستخدام القوة المفرطة، وهو السلوك الذي حمل الغرب لفرض عقوبات علها تؤثر في القدرة العسكرية على القتل والتدمير.

فالمشكلة الروسية هي، في هذا المعنى، مع حلفائها الذين تدافع عنهم، وإن كانت تبدي تحفظاً بين وقت وآخر على سلوكهم.

وفي عودة موسكو إلى طرح «بيان جنيف» كحد أدنى يمكن التوافق عليه في مجلس الأمن، استمرار للالتباس الحاصل بين مصالحها الاستراتيجية والسياسية والتجارية وبين «سلامة» القيادة السورية، إذ منذ صدور «بيان جنيف»، قبل أكثر من شهرين، والذي شكل بالمناسبة نهاية مهمة كوفي أنان ونقاطه الست، ازداد حجم القتل في سورية على نحو مروع. وعمد النظام إلى استخدام كل ترسانته التقليدية في مهاجمة المدن وأحيائها وأريافها، على نحو جعل هذه المدة الأكثر دموية وتهجيراً ودماراً في مواجهة المعارضة. علماً أن النظام يعلن باستمرار أنه يوافق على بنود هذا البيان، في تكتيك سياسي يتعارض كلياً مع سلوكه الميداني.

وإذا كان البيان، لدى صدوره، لم يتحدث عن رحيل النظام، فإن سلوك قيادته منذ ذلك الحين وما تقوم به قواته، كما توثقه الهيئات الدولية والإنسانية، يفرضان بالحد الأدنى التساؤل عن مدى القبول في استمرار النظام، إن لم يكن الدفع في اتجاه محاكمات مرتكبي جرائم موثقة ضد الإنسانية.

بذلك، يتحول «بيان جنيف»، كما تريده موسكو، حلاً سحرياً لطمس عناصر المعضلة السورية ولإغفال أسبابها ولإخفاء آثار نتائجها الكارثية. ولن يكون في مقدور مثل هذه الحلول التي تريد التوفيق بين مصالح استراتيجية و «سلامة» النظام، التقدم ولو خطوة واحدة نحو إنهاء المأساة، حتى لو صدرت عن مجلس الأمن، ما لم تتضمن عنصري الإلزام والمحاسبة.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ