ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
نقول
للإبراهيمي: السلام له كلمته الأخيرة! مطاع صفدي 2012-09-16 القدس العربي
عندما شَرَعَ الأخضر
الإبراهيمي للتوسّط في حل معضلة الحرب
الأهلية اللبنانية المتمادية سنوات
بعد أخرى، كان هناك قرارٌ إقليمي مشفوع
بآخر دولي في وقف هذه الحرب. كان ذلك هو
المدخل المساعد من أجل حصر جهد الوسيط،
في فرض شبكة هدنةٍ على مختلف
المقاتلين، أي كانت مهمته محض داخلية
تقريباً، وكان الآخرون الكبار
إقليمياً ودولياً مؤيدين ومساعدين
وداعمين للجهد. في حين أن هذا الشرط
الضروري واللازم معاً للمساعدة في
إنهاء الأزمة في سورية، ليس متوافراً
بعد، بل أن الأمر على العكس، إذ أن هناك
مواقف متعددة متضاربة للقوى الخارجية
المؤثرة، وهذه لم تصل بعد إلى حد أدنى
من الشعور على الأقل بالمسؤولية
الأخلاقية عن النكبة المستمرة، حتى
تتفق على مبادئ معينة تسهّل أمر
الوساطة السلمية. فمن الواضح جداً، أن
بعض القوى العظمى ليست مهتمة بفرض صيغ
معينة من التفاهمات لا تجد فيها مصلحة
مباشرة لها في تضاعيفها، بل ربما هناك
شبه إجماع على جعل هذا الاقتتال بلا
نهاية في المدى المنظور، فماذا تفعل
إرادة رجلٍ واحدٍ في مثل هذا الخضم من
تعارضات الآراء والاتجاهات المحيطة
بظروف الصراع السوري إذا لم يُعَوّض
فراغ الخارج بظهور توجهات داخلية من
قوى فاعلة في الميادين اللاهبة، وتكون
عازمة حقاً على وضع حد للدم المهدور. مثل هذا التصور لن
يصح إلا عندما يدخل في روع الأطراف
المتصارعة نوعٌ من اليقين بأن أحداً
منهم لن يصل إلى الحسم الأخير لصالحه
وحده دون الآخر، هذا اليقين سوف تغذيه
نتائج المعارك العابثة على الأرض،
التي لا تكاد تتجاوز خطوطاً حمراء
أساسية في هذا الصراع، فإذا كان
الاعتقاد سابقاً أن الثورة السلمية هي
الناجحة في المآل الأخير، ولم يتحقق
هذا الأمل، ومن ثم فإن الصراع العسكري
لا يبدو أنه كذلك قادر على فرض نهاية
معينة، فالنصر بالمعنى الرومانسي لهذا
الفريق أو ذاك أصبح أمراً خيالياً
متعذراً، لكن المشكلة هي صعوبة
الإقرار بالواقع المتحصّل فعلاً، كأنه
اعترافٌ بالهزيمة. نعم فالأطراف مهزومة
بالعنف، ولا ضير من الاعتراف بملء الفم
بمثل هذه الهزيمة، لكن الاندفاع
السريع نحو حد أدنى من تلاقي الإرادات
قد يوفر على الجميع، وبالأخص على
الوطن، أهوالاً لا حدود لها. ليست الحرب سوى
الوسيلة الأخيرة لمَنْ فَقَدَ كل
الأسباب العقلانية لمواجهة المشكلة
المستعصية، ولقد التجأ النظام إلى
الحرب ضارباً عرض الحائط بكل الوسائل
العقلانية الأخرى التي كان يمكنه أن
يتبع بعضها لمواجهة الأزمة عندما لم
تكن سوى مجرد احتجاجات شعبية محدودة.
العجيب حقاً في هذا الموضوع هو التمسك
اللامعقول بالعنف بأقصى أشكاله وأشنع
وسائله، كان النظام مستعداً للمغامرة
بكل مسؤوليته السياسية والأخلاقية
أمام شعبه والرأي العام الدولي حوله،
من أجل أن يكبح بعض مظاهرات شبه عفوية
تخرج من قرى ريفية من وقتٍ إلى آخر.
فالطريق الذي اختاره لم يكن ليصل به،
مهما فعل، إلا نحو النهاية المعروفة
التي لا تحتاج إلى براهين جديدة في علم
السياسة أو في وقائعها التاريخية،
فالنظام هو المسؤول عن طريق الأشواك
الذي أراده لذاته وشعبه، والنتيجة
الراهنة هي أنه هو أيضاً مازال المسؤول
عن رسم مخرج لهذه النهاية، وليس صحيحاً
أن إطفاء النار تفيد منه القوى الشعبية
وحدها، بل لا بدّ لأن يفوز النظام بحد
أدنى من سلامة بعض أشخاصه، كما يعتقد.
أما التفكير في أن تستعيد
الديكتاتورية كل أمجادها السابقة، وأن
تحكم البلاد مجدداً كما فعلت خلال نصف
قرن، فهذا أصبح من نوع الأوهام
الجنونية. لقد تغيرت سورية
كلياً خلال هذه المحنة الكبيرة، كل شيء
فيها أضحى معرّضاً لدلالات ومظاهر
وتحولات مختلفة عن سابقاتها،
والاختلاف يمسّ المؤسسات الكبرى قبل
الصغرى.. مؤسسة الحكم لن تكون هي نفسها
أبداً، وبالتالي لا بدّ للعقلاء في هذه
اللحظة الحرجة من التفاهم حول مخطط
لإنهاء الأزمة، ليس اعتماداً على بعض
وسائلها بالذات من أدوات العنف أو
سواه، بل بتحييد هذه الوسائل جملةً
وتفصيلا. إن مستقبل سورية لما
بعد هذا النظام لن يكون من صناعة أية
فئة مخصوصة بعينها، وإذا كانت بعض
القوى الغربية متمهلة حتى الآن
بانتهاج الضربة الحاسمة لخوفها من
ورثة السلطة، فليس من المحتم أن يكون
هؤلاء الورثة هم من الصنف عينه الذي
استولى على حصائل الربيع في أقطار
عربية أخرى. من هنا كان على الوساطة
الدولية الجديدة أن تستفيد كثيراً من
مبادئ التوازن التي نصَّ عليها اتفاق
الطائف بالنسبة لإنهاء الحرب الأهلية
اللبنانية، هذا على الرغم من اعتراضات
ذات قيمةٍ تقوم في وجه هذا الاتفاق،
خاصة من فئة كبرى شعرت بأنها تتلقى
نتائج الهزيمة أكثر من غيرها وهي فئة
المسيحيين. أيُّ منهج يمكن أن
تخرج به هذه الوساطة لا يمكنه أن يُهمل
وزن القوى الحقيقية لمكونات المجتمع
السوري، فالديمقراطية المطلوبة ليست
مجرد نظام انتخابي، ينبغي لها أن تتكيف
بحسب ظروف المجتمعات التي تطبقها، لا
بدّ أن يصاحب التفكيرُ الديمقراطي
عمليةَ الوساطة منذ بدايتها، لا أن يتم
النظر إلى أدوار قوى وفئات دون أخرى،
إلا بقدر تأثيرها الفعلي، مع الاهتمام
بالفئات الاخرى التي ليس لها تأثير حتى
اليوم في مجمل الحياة السياسية
العربية والسورية خاصة. الامتحان الحقيقي
للوساطة المختلفة المطلوبة من الأخضر
الإبراهيمي، قد تتلخص في توفر الفهم
الواقعي والشامل لكثير من خصوصيات
الأزمة السورية. وهذا الوسيط المتميز
ليس غريباً عن هموم القضايا العربية،
فقد عايشها من داخلها كواحد من رواد
دعاتها الإصلاحيين، ولعله يعرف
استثنائية ما يُسمّى بالدور السوري
بالنسبة للحدث السياسي العربي عامة،
فالحلول المفكّر بها قد تتوقف على
اختيار الأفضل منها ليس بالنسبة
لمستقبل الربيع العربي وحده، بل
لمستقبل النهضة المغدورة طيلة نكسات
الربع الأخير من القرن الماضي، التي
لحقت بها وشوّهت الكثير من معالمها،
وحرّفت مسيرتها حتى أمسى أكثر
أدعيائها من أبطال الثورة المضادة
القاتلة لجوهر تلك النهضة، وسوف يتحمل
النظام الأسدي المسؤولية العظمى عن
أخطر انحرافات هذه الحقبة أمام كل نظرة
تاريخية نزيهة تريد أن تطرح سؤال ماذا
حدث لأول نهضة عربية في العصر الحديث؟
كانت واعدة بالتغيير الشامل لذاتها
وحضارة الإنسان معها. سورية اليوم، لا
تحتاج فحسب إلى وقف سيول الدم الجارفة
للأخضر واليابس للناس والعمران، بل
حاجتها تتجاوز لحظة السلام المأمول
إلى ما سوف يعنيه عصر السلام نفسه
بالنسبة لحاضر المجتمع وغده القريب،
ولذلك يعظم الشعور بالواجب الملقى على
عاتق كل وساطة لا تهتم بقشور المشكلة
بقدر اهتمامها بجوهر أسبابها، والعمل
لا من أجل هدنةٍ عابرة بل من أجل عودة
المجتمع إلى رشده وتمكّنه من إعادة
بناء كيانه القانوني والثقافي
والاقتصادي بإرادة معظم طلائعه
المتنورة. فإذا كان الأخضر الإبراهيمي
متهيباً من تعقد الأزمة، فله الحق في
ذلك، لأنه يدرك عظم المسؤولية
المترتبة على كل محاولة لرأب الصدع إن
كانت تبلغ غايتها المنشودة أو أنها تضع
على الجرح غشاوة لا تلبث أن تتمزق عن
عفونة مخيفة. المراقبون العارفون
يدركون أن الوقت قد فات بالنسبة
للتجارب والمحاولات المحدودة، كما أن
الفشل أصبح من الخطر بحيث قد يصل
بالواقع المحلي والإقليمي إلى أسوأ
ظروفه، بهذا المعنى ينبغي القول ان
الفشل ممنوعٌ، ولا بدّ أن يستمد الوسيط
كل طاقةٍ له من أجل أن يُقنع الطرف
المسؤول ليكفَّ عن إجرامه اللامحدود،
وقد قلنا ان النظام كما كان هو البادئ
نحو سلوك المجازر على أنواعها، فإنه ما
زال ممسكاً بمفتاح أول للقفل الدموي.
ينبغي أن يُوقف قتله لشعبه، فإذا ما
تحقق هذا الهدف الذي أمسى أشبه
بالمستحيل نظراً لتضاعف التناقضات
الدولية حول حلوله ووسائله. إذا توقف
النظام عن قصف المدن والأحياء والناس
الآمنين في بيوتهم فذلك مدخلٌ وحيدٌ
لمرحلةٍ أخرى من الحراك السياسي
والدبلوماسي لا بدّ أن تتوصل في
النهاية إلى وضع أقرب الى حكم التاريخ
نفسه. المطلوب في هذه
المرحلة هو هزم العنف كيفما كان ومن
أية جهة أتى، خاصة من الجهة المتملكة
لقوى الإبادة العسكرية الشاملة. لكن السؤال هو، ما
الذي سيدعو النظام حقاً إلى سماع صوت
العقل أخيراً، فيخفي أنيابه وأظافره
ولو مؤقتاً؟ إنه لا يعترف بأقل الحدود
من ضعفه وتمكن الاهتراء من كيانه، وقد
يخيل إليه أنه قادر على تجاوز كل
التحديات ما دامت اللعبة الدبلوماسية
الدولية تخدم أهدافه بطريقتها، وفي
الوقت ذاته ليست الثورة مرشحة لأن
تنقلب كلياً إلى مجرد جيش مقاتل، فهي
لم تخسر سلميتها الأصلية، كما أنها لن
تدع نفسها تقاد بالمليشيات العسكرية،
هذا يعني بكل بساطة أنه لا أمل حقيقياً
للفرد في الإطاحة بالسلطة الغاشمة إلا
بقوة عسكرية من جنسها تكون أقوى منها،
ولن تتوفر هذه القوة إلا من الخارج
فحسب. وهذا أصبح خطاً أحمر ممنوعاً،
فما العمل إذاً. لم يبق ثمة إمكانية
لضغط مادي في يد الوساطة السلمية سوى
قدرة الوسيط ذاته على الاقناع
بالمعقول المتبقي كفرصةٍ أخيرة، لن
يكون بعدها أيُ مجالٍ للتوسط على
أنواعه. كل حربٍ لا بد لها من
نهاية، مهما تفاعلت أحداثها وتشابكت
عواملها المتناقضة، ولقد حان وقت
النهاية بالنسبة لمصير هذه المذابح
المتناسلة من بعضها في سورية. فمن
عقلانية القدر أو من سخريته أحياناً،
أن المتورطين في الدماء لا بد لهم من
منقذٍ أخير من جحيمهم الذاتي، لن يأتي
منهم بل هو منتظرٌ من أية جهة كانت، شرط
أن يكون قادراً على فعل ما يشبه
المعجزات، وإن لم يكن العصر العربي
واعداً بأمثالها في هذه الأيام، لكنه
على كل حال قد أتى بنسائم الربيع،
وحوّل بعضها إلى أعاصير، وكانت سورية
هي الساحة المتميزة بالإعصار الأخطر.
فالتحدي بالغ الأوجه، ولكن محاولة
الحلول السلمية لا تزال أيضاً واثقة
بجدواها.. ' مفكر عربي مقيم في
باريس ================= سورية
قلعة العروبة: تحدي العلمانية ورد
الاسلام صحف عبرية 2012-09-16 القدس العربي
تناول رئيس سورية
بشار الاسد في مقابلة أجراها في آذار/مارس
2009 مع صحيفة 'السفير' اللبنانية، بصورة
مفاجئة ـ علاوة على الاسئلة في امور
الساعة التي تناولت كالعادة قضية
الصراع مع اسرائيل وقضية لبنان ـ سؤال
ما هي العلمانية بحسب تصوره. وذكر من أجروا اللقاء
معه انهم فوجئوا من الصبغة الدينية (المسيحية)
التي اختار السوريون منحها لزيارة
الجنرال الماروني ميشيل عون لسورية في
مطلع كانون الاول/ديسمبر 2008، لأن سورية
كانت ترى نفسها دائما دولة علمانية.
وأجاب بشار قائلا: 'لا تعني العلمانية
في نظري نفي الدين بل حرية التدين.
فحرية التدين بعد كل شيء هي واحدة من
أسس الوجود الاسلامي الذي نحياه
ونجربه'. وبعد ذلك بوقت قصير فسر بشار
في خطبة خطبها أمام مؤتمر منظمة الدول
الاسلامية قائلا: 'الاسلام دين
الانفتاح والعلاقة الحضارية، وهو
يستمد قوته واستمراره من انفتاحه على
محيطه. وقد عاش الاسلام وما يزال يعيش
الى جانب أديان اخرى في منطقة جغرافية
وانسانية واحدة، وقد نجح في ان يستوعب
جميع الشعوب والأعراق التي استمد منها
أفكاره من غير ان يلغي ثقافتهم
وخصائصهم المميزة بل عززها خاصة'. بازاء كلام بشار هذا
لا يفاجئنا كلام وزير الأوقاف السوري
محمد عبد الستار. فقد قال في مقابلة
صحافية أجراها مع الـ 'بي.بي.سي' في
السابع من ايلول/سبتمبر 2009: 'ان سورية
دولة علمانية في الحقيقة لكن هذا لا
يعني أنها ضد الدين، بل بالعكس. فهي
تتقبل كل الطوائف والافكار والأديان.
لكن ينبغي ان نتذكر ان الاسلام بالنسبة
الينا ليس بمثابة قاعدة عمل أو خطة
سياسية، ومن هنا ينبع اختلافنا مع تلك
الحركات الاسلامية التي تستعمل
الاسلام فأسا تحفر به لتدفع الى الأمام
ببرنامجها السياسي'. وقد عبر كلام بشار
وكلام عبد الستار في ظاهر الامر عن
الالتزام بتصور حزب البعث الحاكم في
سورية منذ 1963 عن العلاقة بين الدين
والدولة، التي تربى ونشأ بشار الاسد
عليها. فهذا التصور لم يرفض الاسلام
البتة بل كان مستعدا لتقبله بل لتبنيه
لأنه رآه ثقافة وحضارة، لكنه لم يره
دين شريعة. ويدل كلام بشار في
نفس الوقت على تغيير ما يتعلق بهذا
التصور لأن سورية تحت سلطة حافظ الاسد
أبيه لم تكن حرية التدين مفهومة فيها
من تلقاء ذاتها، أعني القدرة على ان
تحيا حياة متدينة تربى عليها وتدعو
اليها في الأساس. وعلاوة على هذا أراد
النظام في سورية في الستينيات، بل في
مطلع السبعينيات من القرن الماضي ان
يرى العلمانية أو القومية العربية
العلمانية لمزيد الدقة، تصورا يستطيع
ان يدافع الدين عن منزلته ومكانته في
المجتمع بل ان تكون بديلا عنه. قد يكون هذا التصور
المُلطف لبشار الاسد عن علاقة الدين
بالدولة هو الذي جعله في 2003 يلغي منع
وضع النساء الحجاب على رؤوسهن في
مؤسسات التربية والدراسات العليا في
الدولة وهذا مرسوم تقرر في فترة حكم
حافظ الاسد بعد قمع الثورة الاسلامية
بالنظام السوري في أواخر سبعينيات
القرن الماضي. ويبدو ان هذا التصور
جعله يسمح ايضا بفتح مدارس دينية في
أنحاء سورية، بل يسمح باقامة صلوات
وشعائر دينية في معسكرات الجيش. تشهد هذه الاشياء على
تميز سورية وتفردها في مشهد الشرق
الاوسط في أيامنا. وتوجد اسباب كثيرة
لتميز سورية وتفردها في المنطقة
المحيطة بها، وهما علامتان تميزها.
يوجد في السنين الاخيرة من يربطون هذا
الامر بالسياسة الراديكالية التي
تبنتها دمشق الحلف الذي يزداد قوة مع
ايران و'حزب الله' بل مع حماس. فهذا
الحلف جعلها دولة معزولة عن جاراتها
العربيات وعلى رأسها دول المحور
المعتدل في العالم العربي ـ العربية
السعودية ومصر والاردن والمجتمع
الدولي بالطبع بقيادة الولايات
المتحدة. لكن الجذور التاريخية لهذا
التميز والتفرد لسورية ليست كامنة في
ارتباطها بالمحور المتطرف الاسلامي في
الشرق الاوسط، بل تكمن في محاولة سورية
ان تداوم على رفع راية القومية العربية
العلمانية على مذهب حزب البعث. وجاءت
هذه المحاولة لتعرض بديلا عن ظاهرة
أسلمة أكثر المجتمعات العربية في
الشرق الاوسط التي تشتمل على اعتراض
على شعور الالتزام والانتماء الى هوية
عربية عامة جامعة وضعف شعور الهوية
السياسية المناطقية، والعودة بدل ذلك
الى الاسلام باعتباره الهوية العليا
من جديد، والى جانب ذلك العودة الى
الهويات الأساسية الهوية المحلية
والهوية الطائفية والهوية القبلية،
وأهم منها جميعا الهوية العائلية. ان محاولة سورية
المتميزة رفع راية العلمانية العربية
قد تعرضت في العقود الاخيرة لاختبار
تحديات مركبة. وقد استطاعت الدولة
السورية التي انشأها حزب البعث حتى
الآن، ان تصمد لهذه التحديات. والتحدي
الرئيس الذي صمدت له سورية كان الأسلمة
التي جرت على أكثر المجتمعات العربية،
ولم تتجاوز المجتمع السوري أو الجمهور
المدني السني على الأقل، الذي كانت
أجزاء كبيرة منه في الماضي شريكة في
التصورات الأساسية لحزب البعث. وهناك تحد آخر صمدت
له سورية هو قوة الهويات الأساسية ولا
سيما القبلية والطائفية والعائلية.
ينبغي ان نذكر انه يقوم في أساس نجاح
النظام السوري في مواجهة هذه التحديات
مع الاستمرار في التمسك بتصور القومية
العربية العلمانية، واقع اجتماعي خاص
بسورية، وهو حقيقة ان نحوا من 40 في
المئة من سكانها من أبناء طوائف
الأقليات، وفي مقدمتها الطائفة
العلوية التي تبلغ 12 في المئة من
السكان وتستولي على مؤسسات الدولة.
وترى الطائفة العلوية العودة الى
الاسلام تهديدا لمكانتها المتقدمة في
الدولة، بل ربما تراها تهديدا
لاستمرار وجودها في المجتمع السوري
ولهذا ما تزال تقف في مواجهة الطوفان
وتحتفظ قدر استطاعتها بصبغة سورية
بصفتها دولة عربية علمانية أو دولة غير
دينية، على الأقل رغم أنها ترتدي
العباءة الاسلامية. ومع ذلك، منذ
انتقلت مقاليد الحكم في دمشق الى بشار
وربما قبل ذلك، أخذ النظام السوري يبدي
استعدادا يزداد لتملق الدوائر
الاسلامية السنية في الدولة. ومن
الواضح ايضا انه تخلى عن طموحه الذي
كان في الماضي الى علمنة سكان سورية
وعن طموح انشاء 'انسان عربي سوري جديد'،
أي انسان علماني يكون لبنة قوية لا
يمكن ازاحتها في مبنى الدولة السورية
العربية العلمانية. منذ آذار/مارس 1963
عرّض نظام البعث وبخاصة نظام البعث
الجديد في السنين 1966 1970، حركة الاخوان
المسلمين للتحدي، وهي الحركة الجامعة
للدوائر الاسلامية في سورية وكان
تحديا من جهة عقدية وسياسية واجتماعية
اقتصادية. وهذا التحدي هو الذي جعل هذه
الحركة تنهج نهج نضال عنيف كان هدفه
اعادة العجلة الى الوراء وان تُعاد الى
الاسلام مكانته الرائدة في المجتمع
السوري. وهكذا ومنذ منتصف ستينيات
القرن الماضي حدثت مواجهات مكررة بين
ناشطي الحركة والنظام السوري. وكانت
هذه المواجهات العسكرية محدودة
المقدار والقوة اضرابات تجارية
ومظاهرات وشغب في الشارع ولم تكن لها
يد تنظمها وكان أكثرها بمثابة رد محدود
عفوي على اجراءات النظام. نظام حافظ الاسد ـ
النضال من اجل شرعية دينية بعد تولي حافظ الاسد
السلطة في تشرين الثاني/نوفمبر 1970 عمل
على تخفيف النهج المعادي للاسلام الذي
ميز أسلافه، راميا الى فتح صفحة جديدة
في علاقات النظام بالدوائر الاسلامية
في سورية. وكانت هذه الخطوة جزءا من
اجراء شامل للاسد كان هدفه توسيع قاعدة
الائتلاف الحاكم في سورية، وأن تضم
اليه قوى اخرى، لا سيما من أبناء
الطبقة المدنية السنية. وبدأ الاسد
يشارك في الصلاة في مساجد سنية في دمشق
وأدى العمرة، وحسن أجور رجال الدين
وعمل على ادماجهم في اجهزة حكم الدولة.
وفي النهاية، وهو الأهم، عمل الاسد بجد
على احراز اعتراف بأن أبناء طائفته
العلوية مسلمون بحيث يُزال عنها وصم
الكفر الذي التصق بها. كان طموح الاسد الى
شرعية دينية مرتبطا بورطة دُفع اليها
بسبب رغبته في صوغ دستور جديد لسورية.
فحينما عرض أسلافه في 1969 الدستور
المؤقت لم يشتمل على مواد من الدستور
السابق قضت بأن الاسلام هو دين رئيس
سورية ومصدر التشريع في الدولة. وحينما
أراد الاسد في شباط/فبراير 1973 ان يأتي
بهذا الدستور ليجيزه باستفتاء الشعب
نشبت اضطرابات في أنحاء سورية كلها
واضطر الاسد الى التراجع عن نيته وزاد
عليه مواد تتعلق بمكانة الاسلام في
سورية. ان المواجهة
المتعلقة بقضية اشتمال الدستور السوري
على الاسلام سلطت الاضواء على سؤال ملح
آخر وهو: هل يستطيع حافظ الاسد الذي
ينتمي الى الطائفة العلوية ان يكون
رئيسا لسورية، لأنه توجد علامة
استفهام عن التزام هذه الطائفة
بالاسلام وانتمائها في الحقيقة لهذا
الدين. فقد قضى فقهاء من أهل السنة كابن
تيمية (1263 1328) بصراحة بأن هذه 'طائفة
كفار دمها مباح اذا لم يعبروا عن ندمهم
عن كفرهم ويعودوا للاسلام'. وفي منتصف
1973 على كل حال استطاع الاسد احراز
مطلوبه فنجح باقناع زعيم الشيعة في
لبنان موسى الصدر بالاعتراف بأن
العلويين شيعة ومسلمون. لكن جهود الاسد
لمصالحة الدوائر الدينية في سورية
والحظوة بتأييدها لم تنجح وربما تمت
متأخرة كثيرا. وفي 1976 بدأ مسلحون
مسلمون كان عدد منهم ناشطين سابقين في
حركة الاخوان المسلمين تركوا الحركة
وانشأوا مجموعات مستقلة ذات صلة ضعيفة
بالحركة الأم بدأوا نضالا عنيفا
لنظامه بقصد اسقاطه وانشاء دولة
اسلامية بديلة عنه. وكان تحدي الحركة
الاسلامية هذا في سورية لنظام البعث هو
الاول في نوعه في العالم العربي في ذلك
الوقت، بل انه سبق الثورة الاسلامية في
ايران التي أفضت في أواخر سبعينيات
القرن الماضي الى سقوط نظام الشاه. كان
الاخوان المسلمون في سورية اذا هم
الرائد الذي يسير أمام المعسكر والذي
بشر بصعود موجة الاسلام السياسي التي
هددت باغراق العالم العربي والاسلامي
كله. التمرد الاسلامي على
نظام البعث 1976 1982 كان التمرد الاسلامي
الذي بدأ في بداية سنة 1976 واستمر الى
بداية سنة 1982 واحدا من أصعب التحديات
التي واجهها نظام البعث السوري مدة سني
وجوده. بل كان يبدو في ذروة التمرد في
الاشهر الاولى من 1980 ان ايام النظام
معدودة. فقد حظي الاخوان المسلمون
بتأييد كبير من الطائفة السنية ونجحوا
في السيطرة جزئيا على الأقل على عدد من
المدن الرئيسة في الدولة. لكن ذروة
التمرد كانت بدء نهايته ايضا، ومنذ ذلك
الحين أخذ النظام المبادرة من أيدي
الاخوان المسلمين. وفي شباط/فبراير 1982
على أثر قمع الانتفاضة في مدينة حماة
انتهى التمرد الى فشل ذريع. نبع فشل التمرد
الاسلامي من حدود القوة نفسها ونقاط
الضعف التي ميزت حركة الاخوان
المسلمين في مستهل طريقها. وكانت
المشكلة الرئيسة عدم نجاحها في توسيع
مراكز التأييد التقليدية لها، بحيث
تتعدى قاعدة القوة التي كانت لها منذ
نشأت وهي الطبقة الوسطى المدنية
السنية ولا سيما في التجمعات المدنية
شمال الدولة. وقد استطاع النظام السوري
في مواجهة الدوائر الاسلامية ومؤيديها
ان يوحد حوله حلفا واسعا شمل طوائف
الأقليات والسكان السنيين في المناطق
القروية وفي الضواحي بل عددا من السكان
السنيين المدنيين ولا سيما في دمشق.
ووقفت الى جانبه مؤسسات الحكم والحزب
ووحدات الجيش وقوات الامن بالطبع.
واستمر حلف القوى هذا الذي نشأ على أثر
انقلاب البعث في آذار/مارس 1963 الذي
ثبته وقواه الاسد بعد ان تولى الحكم في
سورية في تشرين الثاني/نوفمبر 1970،
استمر في تأييد النظام الآن ايضا ومنحه
النصر على أعدائه. ونجح النظام اذا في
قمع التمرد الاسلامي لا بسبب الخطوات
الصارمة التي خطاها فقط بل وقبل كل شيء
لأنه حصل على تأييد اجزاء كبيرة من
الجمهور السوري، فقد فضل هؤلاء
استمرار وجود النظام على البديل الذي
عرضته الدوائر الاسلامية في الدولة. صار انتصار نظام
البعث على أعدائه نموذجا يُحتذى، بل
مصدر الهام لنظم حكم عربية اخرى واجهت
في ذلك الوقت الموجة الاسلامية التي
أغرقت الشرق الاوسط. وكما كانت الحركة
الاسلامية السورية الرائد الذي يسير
أمام المعسكر الاسلامي بقرارها الخروج
لنضال لا هوادة فيه للنظام في دمشق،
بشر انتصار النظام السوري على هذه
الحركة، في حين كان يبدو ان الموجة
الاسلامية في ذروتها، بشر بانتصار
النظم العربية في نضالها للحركات
الاسلامية في دولها. وقد سادت سورية في
الحقيقة ظروف خاصة سهلت جدا على النظام
نضاله ضد الدوائر الاسلامية، لكن
الحالة السورية أثبتت بوضوح أنه في
الصراع بين الاسلام الاصولي واجهزة
الدولة الحديثة في الشرق الاوسط
ومؤسساتها العسكرية الامنية
والسياسية والاجتماعية الاقتصادية
فان يد هذه الأخيرة هي العليا. نظام البعث ـ حامي
الاسلام ان الضربة التي وجهها
نظام البعث في بداية ثمانينيات القرن
الماضي للاخوان المسلمين تبين بعد ذلك
أنها ضربة ساحقة كسرت العمود الفقري
للحركة وشتتت مؤيديها وقادتها في كل
اتجاه، وهكذا انتهت فترة طويلة تحدت
فيها الدوائر الاسلامية في سورية نظام
البعث. صعب على الاخوان
المسلمين سنين طويلة ان ينعشوا أنفسهم
من الضربة التي وجهت اليهم وان يجعلوا
لأنفسهم موطئ قدم في سورية من جديد. وقد
ضعف نظام البعث في الحقيقة على مر
السنين وصار يبدو انه فقد جزءا كبيرا
من التأييد الشعبي الذي حظي به في سني
انشائه الاولى. ومع ذلك لم يستطع
الاخوان المسلمون استغلال ضعف النظام
وان يحلوا محله في قلوب سكان الدولة.
وامتنع النظام السوري عن مد يد
المصالحة الى الاخوان المسلمين. فقد
كان مستعدا لأن يتقبل قادتهم أفرادا
تائبين مع التعبير عن الخنوع للنظام،
لكنه رفض تمكينهم من العودة الى سورية
جماعة منظمة وتجديد نشاطهم في الدولة. ان نظام البعث من اجل
تعزيز قوته في الصراع مع الاخوان
المسلمين في سورية عقد حلفا مع الحركات
الاسلامية المتطرفة في أنحاء العالم
العربي كله. وقد كانت هذه الحركات ترى
في الماضي ان نظم الحكم العربية
العلمانية هي تهديد للاسلام ولهذا يجب
تقديم نضالها على النضال ضد اسرائيل
والغرب. وكان النظام السوري نموذجا
ممثلا كريها لهذه النظم رأوه نظاما
علمانيا بل معاديا للدين. لكن منذ بدء تسعينيات
القرن الماضي غيرت أكثر الحركات
الاسلامية توجهها وصارت ترى النظام
السوري حليفا مرغوبا فيه في مواجهة
رياح التغيير التي هبت على دهاليز
السلطة في العالم العربي، وهي رياح
مصالحة للغرب ولا سيما اسرائيل
والولايات المتحدة. وعزز هذا الحلف بين
نظام البعث والحركات الاسلامية في
العالم العربي مكانة النظام السوري
الى درجة منح وجوده الشرعية الدينية.
وعبر عن هذا التوجه زعيم حركة حماس
الفلسطينية احمد ياسين في زيارته
لدمشق في أيار/مايو 1998. فقد أثنى ياسين
على سورية بسبب 'الدعم الذي تمنحه
للقضية الفلسطينية والجهد العظيم الذي
تبذله من أجلنا'، وأضاف ان 'سورية وحركة
حماس تقفان في الخندق نفسه في مواجهة
العدو الاسرائيلي'. وينبغي ان نذكر ان
قيادة حماس وقيادة منظمة الجهاد
الاسلامي الفلسطيني بقيادة رمضان شلح (وريث
فتحي الشقاقي) موجودتان في دمشق منذ
سنين كثيرة. كان الحلف بين القوى
الأصولية في العالم العربي ونظام
البعث ضربة شديدة لحركة الاخوان
المسلمين السورية بالطبع. فقد كان لهذه
الحركة في الماضي مواطئ قدم في العراق
والسعودية والاردن ومصر واستعانت بنظم
الحكم وبالناشطين الاسلاميين في هذه
الدول. وقد أُبلغ من عمان مثلا في منتصف
1998 أنهم في مؤتمر للاخوان المسلمين
بادر اليه ناشطو الحركة السوريون بقصد
تجنيد تأييد لنضالهم ضد نظام البعث،
وجه اليهم انتقاد لاذع بل ان أحد
المشاركين الاردنيين في المؤتمر
تحداهم بقوله: 'سورية هي الدولة
العربية الوحيدة التي تواجه اسرائيل
وتقدم مساعدة ودعما لكل مقاومة
للاحتلال الصهيوني. وعلى ذلك فلا يمكن
ان يهاجمها عربي أو مسلم أو يحاول المس
بها وبزعامتها'. العلمانية والاسلام
في حياة الدولة والمجتمع في سورية في بداية
القرن الواحد والعشرين حدث منذ مطلع
تسعينيات القرن العشرين تحول في
معاملة النظام السوري للدوائر
الاسلامية في الدولة وللاسلام أصلا
للدين ومؤسساته. وقوي هذا التحول بعد
ان تولى بشار الاسد الحكم ومهد له
مسارات اجتماعية اقتصادية حدثت في
سورية في العقود الأخيرة، وأسهمت في
تغيير وجه المجتمع في هذه الدولة. قلنا
من قبل ان نظام البعث السوري قام في
بداية طريقه على تأييد السكان
القرويين من الطائفة السنية وطوائف
الأقليات. واستطاع النظام ان يدمج
هؤلاء السكان في منظومات العيش في
سورية وبخاصة الجهاز الامني العسكري
والجهاز السياسي. وقد مكّن هذا الادماج
أبناء القرى من التقدم والحراك
الاجتماعي اللذين لم يعرفوهما في
الماضي، وردوا عن ذلك بمنحه التأييد في
النوائب. لكن مسيرة التمدين المعجلة
التي حدثت في سورية في العقود الثلاثة
الاخيرة بدأت تهدد بقلب الامور رأسا
على عقب، لأن جموع المهاجرين من القرى
الى المدن الكبيرة ما عادوا يشعرون بأي
التزام لنظام البعث، بل بالعكس، أصبح
هؤلاء المهاجرون بسبب صعوبة اندماجهم
في منظومات العيش في المدن الكبيرة
محكومين بحياة الفقر والعُسر والضائقة
التي تثير فيهم شعورا بالغربة عن
الدولة وعن النظام الذي يحكمها أصلا.
وتُسبب هذه المشاعر اتساع ظاهرة
العودة الى الدين باعتباره ملاذا من
ضائقات الحياة اليومية. ان احدى نتائج هذه
العملية هي إفلاس التصور العلماني
الذي كان هاديا للنظام السوري سنين
طويلة لأن هذا التصور فقد صلته بالواقع
السوري. ولهذا تعبر سورية عن توجه أخذ
يسود العالم العربي وهو أسلمة الحياة
اليومية للفرد والمجتمع. ان الاسلام
السياسي الذي جعل هدفه اسقاط نظم الحكم
العربية، فشل فشلا ذريعا اذا لكن
السكان في أكثر العالم العربي وفي
سورية ايضا صاروا يشعرون بأنهم أقرب
للاسلام مما كانوا في الماضي. مقابل هذه التوجهات
بدأ النظام السوري ينتهج بالتدريج
سياسة اسلامية فيها ما يجعل سورية دولة
اسلامية بدل الدولة العربية العلمانية
التي كانتها سنين كثيرة. ومعلوم ان ليس
القصد الى دولة شريعة اسلامية بل الى
دولة فيها وضع كالوضع في مصر والاردن
ودول عربية اخرى في الشرق الاوسط ترى
نفسها دولا مسلمة. فالاسلام في هذه
الدول له دور مركزي في حياة الفرد
والمجتمع والدولة، ويُعرف المجتمع
فيها بأنه مجتمع مسلم. وكان هذا تغييرا
اذا قيس بتوجه نظام البعث التقليدي
وبتوجه نظام البعث الجديد، خاصة الذي
حكم سورية في السنين 1966 1970 والذي طمح
الى إزاحة الاسلام تماما عن حياة
المجتمع والدولة. وجهُ النظامِ
الاسلاميُّ بدأ النظام السوري
اذا يُظهر وجها اسلاميا نحو الخارج على
الأقل، وهكذا أبطل بشار الاسد مثلا بعد
توليه السلطة بزمن قصير منع الحجاب في
مؤسسات التربية ومؤسسات الدراسات
العليا. وقد فُرض هذا المنع في عهد
والده بعد زمن قصير من انتهاء التمرد
الاسلامي في بداية ثمانينيات القرن
العشرين. وبدأت نساء مسؤولي حزب البعث
الكبار مثل رئيس الوزراء ناجي العطري
ونائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات عبد
الرازق الدردري يلبسن الحجاب العصري
على نحو يشبه نساء قادة تركيا (من حزب
العدالة والتنمية). وسمح بشار ايضا
بافتتاح مدارس دينية خاصة وفتح أبواب
المساجد في أنحاء الدولة ايضا بين
ساعات الصلاة، وهو شيء كان ممنوعا
البتة. وأذن بشار ايضا بالاحتفال علنا
بيوم ميلاد النبي. وقد غطت هذه
الاحتفالات التي تمت في العاشر من
نيسان/ابريل 2007 كما أُبلغ من دمشق على
احتفالات مرور يوبيل على تأسيس حزب
البعث التي تمت قبل ذلك بثلاثة ايام في
السابع من ابريل، بل ان النظام ألغى
منع اقامة الصلاة في المعسكرات
الحربية ودعا المعهد العسكري لأول مرة
في تاريخه رجال دين ليحاضروا في الطلاب. يقظة دينية اسلامية
في سورية يوجد اليوم في أنحاء
سورية بحسب تقدير وزارة الأوقاف في
دمشق 9 آلاف 10 آلاف مسجد، ويشارك نحو من
ثلث مواطني الدولة، أي 6 7 ملايين على
الأقل في صلاة يوم الجمعة فيها. ويوجد
في سورية ايضا نحو ألف معهد لتعليم
القرآن تحمل اسم حافظ الاسد. والنظام
هو الذي بادر الى انشاء هذه المعاهد
خلال ثمانينيات القرن الماضي لتكون
معادلة لنشاط الاخوان المسلمين، لكن
يبدو انه فقد منذ ذلك الحين السيطرة
على النشاط الذي يتم فيها. وتوجد الى
جانب المعاهد كليات لدراسة الشريعة،
بعضها باشراف جامعات اجنبية كجامعة
الأزهر وجامعة أم درمان. وأُضيفت هذه
الكليات الى الكلية القديمة لدراسات
الشريعة التي تعمل في جامعة دمشق،
وكانت أيام مجد هذه الكلية في خمسينيات
القرن الماضي، حينما كان يرأسها مصطفى
السباعي ومحمد مبارك، لكنها فقدت منذ
ذلك الحين بعض مجد ماضيها. وينبغي أن
نذكر ايضا مركز أبو نور، وهو مركز
تربوي ديني يدرس فيه نحو من خمسة آلاف
طالب منهم نحو من ألف اجنبي. ويعمل في
سورية بحسب التقديرات نحو من 600 جمعية
دينية وإن تكن كلها أو أكثرها ينحصر
عملها في المجالات الخيرية. مكّن بشار الاسد مع
توليه السلطة كما قلنا آنفا من افتتاح
مدارس دينية مخالفا المنع الذي بدأ منذ
منتصف ستينيات القرن الماضي لنشاط
مدارس خاصة بغير رقابة حكومية. وعلى
أثر قراره افتتحت عشرات المدارس
الدينية؛ افتتح أكثرها وعددها 35 في
دمشق وحلب. لكن وزارة التربية السورية
أصدرت في 2008 أمرا باغلاق هذه المدارس.
وأثار الامر احتجاجا قويا بين رجال
الدين وقدم المسؤول عن تعليم الدين في
وزارة التربية السورية استقالته
احتجاجا. وقد أظهرت وزارة التربية
السورية في البداية تصميما على اغلاق
المدارس الدينية، لكن في أعقاب تدخل
شخصي لبشار الاسد تراجعت عن نيتها تلك.
وينبغي ان نذكر انه تُدرس في المدارس
الرسمية في سورية التعليم الديني
الاسلامي ساعتين أو ثلاث ساعات كل
اسبوع (صف الديانة). ويدرس الطلاب
المسيحيون في تلك الساعات دراسات
مسيحية. وقد استعملت هذه الخطة
الدراسية في سورية ايام الوحدة مع مصر (الجمهورية
العربية المتحدة)، وغرضها منح الطالب
تصورا يرى العروبة والاسلام وجهين
لعملة واحدة. ويبدو أنهم في سورية لا
ينظرون بجدية الى الخطة التعليمية
هذه، فالدرجة الممنوحة للطلاب لا
تُحسب في الدرجة النهائية ولا تؤثر
أصلا في احتمالات القبول لمؤسسات
الدراسة العليا. إدخال الطائفة
العلوية في الاسلام تابع النظام السوري
جهوده بقوة لادخال الطائفة العلوية في
الاسلام. وقد بدأت هذه الجهود كما قلنا
من قبل في 1973 حينما عمل حافظ الاسد في
الحصول على فتوى من زعيم الشيعة في
لبنان موسى الصدر تقول ان العلويين
شيعة خالصون. وأُرسل علاوة على ذلك على
مر السنين الى ايران طلبة جامعات
علويون لدراسة التعليم الديني في
مؤسسات دينية، وفي المقابل جاء رجال
دين ايرانيون الى منطقة العلويين. وفي
1992 بادر حافظ الاسد الى انشاء مسجد في
القرداحة مسقط رأسه قرب قبر أمه أنيسة
التي توفيت في تموز/يوليو من ذلك
العام، وقد دُفن داخل هذا المسجد باسل
ابن الاسد ايضا الذي قتل في حادث سير في
كانون الثاني/نوفمبر 1994، وبعد ذلك حافظ
الاسد، بل جاءنا من سورية وجود حملة من
السلطات على مواقع عبادة شعبية مفرقة
في أنحاء 'جبل العلويين' وفيها 'حُسينيات'.
وتم تفسير هذه الخطوة بأنها موجهة الى
جميل الاسد عم بشار الذي حاول جمع ثروة
سياسية من نشاط ديني بين أبناء الطائفة.
لكن كان هناك من فسروا هذه الخطوة على
أنها موجهة لمجابهة الاتجاه الى
التشيع الذي اتسع بين أبناء الطائفة
اتساعا أثار قلق السلطة نفسها. ومهما
يكن الامر فان زعيم الاخوان المسلمين
صدر الدين البيانوني زعم ان الطائفة
العلوية تجري عليها مسيرة تشيع ترمي
الى تعزيز تأثير ايران في أبناء
الطائفة. وأضاف البيانوني ان قرى كاملة
في منطقة العلويين صارت شيعية. ينجح العلويون في
ارتداء عباءة اسلامية (وإن يكن ذلك
جزئيا) وذلك خاصة بسبب استعدادهم لقبول
حكم الاسلام الصلاة في المساجد والحج
الى مكة وغير ذلك، بخلاف الدروز غير
المستعدين للانضمام الى الاسلام ولا
يُجهدون أنفسهم في عرض أنفسهم على أنهم
مسلمون مخلصون. فعلى سبيل المثال جهد
النظام السوري في بناء مسجد في
القرداحة رغم أنه لا يكاد يعمل. أما في
السُويداء، عاصمة جبل الدروز فلا تكاد
توجد مساجد. ويبدو مع ذلك ان أكثر أبناء
الطائفة العلوية وعلى رأسهم بشار نفسه
ما زالوا يرون أنفسهم علمانيين، وعلى
ذلك فان الهوية الاسلامية التي
يلبسونها منشؤها بواعث انتهازية غير
أصيلة. رعاية رجال دين
معتدلين في خدمة النظام يشجع النظام السوري
رجال دين سنيين معتدلين يُبدون
استعدادا لتأييده، وهكذا مكّنت
السلطات في دمشق مثلا رجال دين
معتدلين، حتى من اولئك الذين هم خارج
المؤسسة الدينية الرسمية الموالية، من
الترشح بل ان يُنتخبوا مرشحين مستقلين
لمجلس الشعب. وعشية الانتخابات لمجلس
الشعب في 1990 بادر النظام الى انشاء حزب
اسلامي معتدل برئاسة محمد سعيد
البوطي، وهو رجل دين مشهور مقرب من
السلطات، لكن هذا الاجراء لم ينجح
نجاحا حسنا. ومع كل ذلك انتُخب منذ مطلع
تسعينيات القرن الماضي رجال دين غير
قليلين في انتخابات المجلس في اطار فئة
النواب المستقلين. الاخوان المسلمون في
طريق بلا مخرج رغم ضعف النظام
السوري لم ينجح الاخوان المسلمون كما
قلنا آنفا بأن يعيدوا لأنفسهم المكانة
التي كانوا يتمتعون بها في الماضي عند
الجمهور السوري، فقد غرقوا الى
أعناقهم في صراعات داخلية بين فصائل
وشيَع متخاصمة. وبقي مركز الاخوان
المسلمين في لندن التي يمكث فيها
قائدهم صدر الدين البيانوني.
والبيانوني في صراع مع اعضاء الحركة
الذين يقودهم عدنان سعد الدين والذين
فروا في ثمانينيات القرن الماضي الى
العراق؛ وطلبوا في أعقاب سقوط نظام
صدام حسين في 2003 العودة الى صفوف
الحركة. وهذا الصراع جزء من الصراع
داخل قيادة الاخوان المسلمين منذ نشأت
الحركة بين كتلة حلب التي يعتبر
البيانوني منها وبين كتلة دمشق التي
يعتبر منها عدنان سعد الدين قائد
الفصيل العراقي من الاخوان المسلمين
الذي يعارض البيانوني عودته الى صفوف
الحركة معارضة قوية. يشهد على ازمة
الاخوان المسلمين وعلى تيه الحركة
استعدادهم للعمل تحت رعاية الولايات
المتحدة، واستعدادهم ايضا للعمل مع
عبد الحليم خدام، نائب رئيس سورية
سابقا الذي انفصل عن صفوف النظام
السوري في أواخر 2005 وجاء الى فرنسا. وقد
انشأ خدام والبيانوني في 2006 جبهة انقاذ
وطني تشمل جميع جهات المعارضة لنظام
بشار الاسد. لكن هذا الحلف بين خدام
والاخوان المسلمين لم يصمد وقتا طويلا
لأن خدام كان في آخر المطاف واحدا من
أساطين نظام حافظ الاسد الذي اضطهد
الاخوان المسلمين بلا هوادة. وصعب على
الاخوان المسلمين كذلك قبول بعض مواقف
خدام من قضايا مختلفة. فقد التزم خدام
اثناء عملية 'الرصاص المصبوب' مثلا
بمواقف معتدلة بهدي من مواقف رُعاته
السعوديين في حين وقف الاخوان
المسلمون الى جانب حماس. وينبغي ان
نذكر ايضا ان عددا من رجال الدين ذوي
المنزلة في العالم العربي ظلوا يعملون
من اجل التقريب بين النظام السوري
والاخوان المسلمين بحجة انه ينبغي
توحيد الصفوف لمواجهة اسرائيل. وأبرز
من تولوا هذا النشاط الشيخ يوسف
القرضاوي. الاسلام المتطرف
يرفع رأسه يواجه النظام السوري
في السنين الاخيرة مرة اخرى تحديا
اسلاميا واجهه في الماضي وهو ظهور
حركات دينية متطرفة أشد تطرفا من
الاخوان المسلمين تعمل بوحي وهابي.
وهذه الحركات وعلى رأسها جُند الشام
استمدت الالهام من الجهاد الذي أعلنه
أسامة بن لادن زعيم 'القاعدة' لمجابهة
وجود الولايات المتحدة في العراق.
واختار النظام السوري ان يتجاهل حقيقة
ان ناس 'القاعدة' جعلوا سورية ارض
انتقال وقاعدة تدريبات من اجل الجهاد
في العراق. لكن تبين للنظام سريعا ان
تأثيرات هذا الجهاد قد بلغت الى سورية.
فقد نفذت هذه الحركات الاسلامية
المتطرفة منذ ابريل 2004 اعمالا ارهابية
موجهة لمنشآت حكومية ومنشآت قوات
الامن في أنحاء سورية حدث آخرها في
الثالث من ديسمبر 2009 قرب قبر الست زينب
وقتل فيها ثلاثة اشخاص. تصرف النظام السوري
في تردد بل اختار ان يُظهر الليونة في
معاملته لهذه الحركات. وقد يكون فضل
اغماض عينه عن نشاطها لأنه استحسن
نضالها لوجود الولايات المتحدة في
العراق، وهو نضال كان يخدم أهدافه
البعيدة الأمد وهي طرد الامريكيين من
العراق. وكانت النتيجة كما قلنا آنفا
تعزز هذه الحركات في سورية باعتبارها
ارضا انتقالية سهلة للمتطوعين
والناشطين في طريقهم للجهاد في العراق.
ولم يحجم هؤلاء بعد ذلك عن تسديد
سلاحهم الى النظام السوري ايضا. ويبدو
ايضا ان النظام في دمشق ظل يرى الاخوان
المسلمين التهديد الرئيس له، رغم
الضعف السياسي لهذه الحركة في ذلك
الوقت. وكان سبب ذلك ان قدّر النظام ان
للاخوان المسلمين جذورا عميقة في
الجمهور السوري بخلاف الحركات
الاسلامية المتطرفة التي كان تأييدها
ضئيلا. وقد نجحت هذه الحركات في
الحقيقة في تنفيذ عمليات ارهابية
محدودة، لكن صعب عليها ان تسوق وراءها
السكان السوريين وعملت على كل حال في
جبهات حرب اخرى مثل العراق ولبنان، حيث
خدمت أكثر من مرة وإن لم يكن ذلك بصورة
مباشرة مصالح النظام السوري. يمكن ان نجد مثالا
بارزا على ازدواجية نظرة النظام
السوري لنشاط حركات اسلامية متطرفة في
سورية هو حالة محمود قول أغاسي المسمى
أبو القعقاع الذي كان يرأس الى ان قُتل
في ايلول/سبتمبر 2007 منظمة 'غُرباء
الشام'، وقد ولد أغاسي لعائلة فلاحين
من أصل كردي في قرية شمال حلب. ودرس
الدراسات الدينية في جامعة دمشق
واستكمل دراسته بعد ذلك للقب الثاني
ولشهادة الدكتوراه في الجامعة
الاسلامية في الرياض، وبعد ان أنهى
دراسته استقر في حلب، حيث عمل مديرا
لمدرسة دينية. وأصبح سريعا خطيبا عظيم
التأثير في مسجد التوابين في المدينة.
واجتمع جمهور من آلاف الناس كل يوم
جمعة للاستماع الى خطبه. وفي منتصف
التسعينيات أسس منظمة 'غُرباء الشام'.
وقد أعدمت السلطات السورية أخاه في
ثمانينيات القرن الماضي بسبب عضويته
في حركة الاخوان المسلمين. اعتقلت السلطات
السورية محمود قول أغاسي إثر أحداث
الحادي عشر من سبتمبر، لكن أُفرج عنه
سريعا. وبعد احتلال العراق جند نفسه
ليناضل ضد قوات الولايات المتحدة في
العراق. وتحدث شباب من أنحاء العالم
العربي كله اعتقلوا في العراق بسبب
مشاركة في اعمال ارهابية عن ان أغاسي
ساعدهم على الوصول الى العراق. وزعمت
عدة وسائل اعلام انه دعا الى 'ذبح
الجنود الامريكيين في العراق كما
تُذبح الشياه'. لكن أغاسي أنكر هذه
المزاعم في مقابلة أجراها مع قناة
التلفاز 'العربية' بل وجه انتقادا الى
بن لادن بزعم ان 'القاعدة' انشأها جهاز
الاستخبارات المركزي الامريكي بقصد
تأجيج الكراهية وإحداث شقاق وانقسام
بين السنيين والشيعة. في 28 سبتمبر 2007
أُطلقت النار على أغاسي حينما خرج من
المسجد الذي عمل خطيبا فيه في حلب.
وتحدث المقربون منه بأن القاتل كان
عضوا في جماعة اسلامية متطرفة أُفرج
عنه من اعتقال طويل في العراق قبل ذلك
بسنين، بل اتهموا الامريكيين بأنهم
كانوا وراء القتل. وجاء عن مصادر سورية
رسمية ان القتل تم كما يبدو لاسباب
شخصية. ومهما يكن الامر فقد غُطي نعش
أغاسي في الجنازة بالعلم السوري وشارك
فيها كبار مسؤولي حزب البعث في حلب. أثارت حادثة أغاسي
تساؤلات وحيرة بالطبع، فكان هناك من
اعتقدوا انه عمل من قبل السلطات
السورية وذكروا في الدلالة على ذلك
حقيقة انه أُبيح له ان يخطب في مسجد
مركزي في حلب، وحقيقة ان المواقف التي
انتهجها لاءمت مواقف السلطات. وقد
اقتبس من كلام أغاسي مثلا وهو يدعو الى
انشاء دولة اسلامية في سورية، لكنه
يرفض البتة استعمال العنف لاحراز هذا
الهدف. ومع ذلك رآه آخرون اسلاميا
متطرفا فقدت السلطات السيطرة على
نشاطه. وقد رأت وسائل اعلام عربية
واجنبية ايضا منظمة 'غُرباء الشام'
بقيادة أغاسي مسؤولة عن هجوم متطرفين
اسلاميين على مبنى التلفاز في دمشق في
فبراير 2006. ليست تصفية أغاسي
الغامضة شاذة. ففي السنين الاخيرة قُتل
في ظروف غامضة رجلا دين سوريان بارزان
آخران. ففي ديسمبر 1998 أطلق مجهولون
النار على محمد امين يكَن، وهو شيخ
معروف من حلب كان متصلا في الماضي
بحركة الاخوان المسلمين لكنه تركها
بسبب معارضته لنضالها العنيف للنظام
السوري، وجاء عن السلطات في دمشق ان
القتل تم بسبب صراع على الارض بين
عائلة يكَن وسكان من قرية قرب حلب. وفي
مايو 2005 اختطف رجل دين من أصل كردي هو
معشوق الخزنوي، من بيته. وبعد ذلك
باسبوعين أبلغت السلطات عائلته أنها
وجدت جثته وأضافت ان الباعث على القتل
هو تصفية حسابات أو صراعات شخصية. الخلاصة يواجه النظام في دمشق
في السنين الاخيرة تحدي عملية الأسلمة
التي تجري على المجتمع السوري. وقد
استطاع النظام في هذه المرحلة مواجهة
هذه المسيرة لاستعداده ارتداء رداء
اسلامي والتعاون مع الدوائر الدينية
في الدولة كي لا تتحداه، وكي تستمر في
منحه شرعية دينية. ويثور بالطبع سؤال:
هل يُمكّن هذا التوجه من التعايش زمنا
طويلا بين نظام البعث والدوائر
الاسلامية الجائعة الى القوة والتأثير
والتي تعمل في جد لصبغ حياة الفرد
والمجتمع والدولة بالصبغة الاسلامية.
ويبدو أنها لم تقل حتى الآن كلمتها
الاخيرة وأنها تستطيع ان تعود لتؤدي
دورا مهما في كل ازمة تنشأ في المستقبل
في سورية لسبب اجتماعي اقتصادي مثلا
لأن وزنها ومكانتها اليوم أخذا يعظمان
بين قطاعات مهمة من السكان. ومع ذلك فان انضمام
سورية الى المحور المتطرف في الشرق
الاوسط يعزز مكانة النظام في الأمد
القصير على التأكيد لأنه رغم انخفاض
وزن العروبة العلمانية باعتبارها
تصورا عاما قائدا في المنطقة العربية،
بقيت الهوية العربية ذات معنى وأهمية.
ولهذا فان رؤية بشار 'فارس العروبة'
الذي يحمي حقوق العرب ويناضل ضد الغرب
واسرائيل تقويه في الداخل والخارج. ان الانفتاح للاسلام
والاستعداد لارتداء رداء اسلامي ليسا
اتجاه عمل النظام الوحيد. فنظام البعث
يُبدي اليوم انفتاحا مفاجئا ايضا
للحزب القومي السوري، وهو عدوه اللدود
من الماضي. وما يزال هذا الحزب يحافظ
على برنامج عمل وعلى فلسفة علمانية،
وما يزال معظم تأييد هذا الحزب يأتيه
من طوائف الأقليات ومنها المسيحيون
والدروز والعلويون. ما يزال نظام البعث
اذا يرفع راية القومية العربية. ومع
ذلك يبدو انه لم يبق الكثير من التصور
العلماني الذي كان في الماضي عنصرا
مهما من فلسفته العامة. وقد أصبح في
الأكثر شعارا فارغا يُمكّن النظام بل
يشجع به لمسار بطيء لكنه منهجي لأسلمة
المجتمع السوري أو الطائفة السنية في
الدولة على الأقل. وبقي بشار يلتزم
بالعلمانية بصورة شخصية فهو علماني
خالص وليست الهوية الدينية أصيلة
بالنسبة اليه. ومع ذلك غير في السنين
الاخيرة من عادته الامتناع كوالده عن
بدء خطبه بعبارة 'بسم الله'. ففي الخطبة
التي خطبها في نوفمبر 2005 مثلا وهاجم
فيها ادارة جورج بوش اختار بشار ان
يختم خطبته بالاتكال على الله: 'ستبقى
وحدتنا بعون الله. وسيظل الشعب السوري
وحكومته يحافظان على الوطن لكن الله هو
حامي سورية قبل كل شيء'. إيال زيسر ' مركز موشيه ديان
لدراسة الشرق الاوسط وافريقيا ================= دلالات
مهمة للموقف البابوي من سوريا وتوقّع الوضوح
الكامل لم يكن في محله روزانا بومنصف 2012-09-17 النهار خصّ البابا
بينيديكتوس السادس عشر سوريا بكلام
قوي وذات دلالات رمزية ثلاث مرات في
ابرز محطاته في زيارته للبنان لثلاثة
ايام والذي وجه منه رسائل اليه والى
دول المنطقة على نحو شكل دليلا قويا
على مدى القلق الذي يساور الكرسي
الرسولي من الوضع في سوريا ككل ومصير
المسيحيين فيه. لكنه لم يشف في اي من
هذه المحطات غليل المتعطشين الى معرفة
موقف الكرسي الرسولي من الاحداث
السورية والى اي جانب يتعين على
المسيحيين السوريين ان يكونوا اي الى
جانب النظام ام الى جانب الثورة
باعتبار ان ثمة التباسا كبيرا في موضوع
المسيحيين في سوريا في ظل كلام عن
توظيفهم من النظام لمصلحته على اساس
انه يحميهم وكلام اخر عن كونهم جزءا
اساسيا من الثورة جنبا الى جنب الثوار
ومعهم. لذلك كان هناك تطلع قوي الى موقف
الكرسي الرسولي من اجل المساعدة في هذا
الشأن على قاعدة ان موقفه يمكن ان
يساعد او يساهم في تسريع الامور وحسمها
في سوريا. وهناك انتقادات يسوقها من
يتابع مواقف الفاتيكان ويهمه ايحائه
بدفع ما في هذا الاتجاه او ذاك عطفا على
الارجح على مواقف الكنيسة الارثوذكسية
في روسيا التى رجعت صدى الدعم الذي
يقدمه النظام الروسي للنظام السوري
تحت شعار الدفاع عن المسيحيين في سوريا
ضد غلبة محتملة للاسلاميين. وقد سرى
هذا الانطباع على نطاق واسع قبل اشهر
قليلة الى حد طغيان هذه الفكرة في
السياسة الروسية ايضا ازاء ما يجري في
سوريا. البعض يقول ان الكلام
الذي تحدث فيه رأس الكنيسة
الكاثوليكية في العالم عن "الربيع
العربي" وهو في الطائرة التي قادته
الى بيروت قائلا ان "الربيع العربي
امر ايجابي ويعبر عن رغبة بالمزيد من
الديمقراطية والحرية والتعاون وبهوية
عربية متجددة وهي صرخة الحرية الصادرة
من شباب يرغب في المشاركة في الحياة
السياسية والاجتماعية" هو دعم قوي
من الكرسي الرسولي للثورات القائمة
ومن بينها الثورة في سوريا التي ادرجها
في اطار الربيع العربي وفق التسمية
التي سرت على كل الثورات التي شهدها
العالم العربي ووضعها في السياق الذي
وضعته الثورات القائمة. وهو قال انها
"امر ايجابي جدا وكانت موضع ترحيب
تحديدا من قبلنا كمسيحيين" داحضا
بذلك ما يذهب اليه النظام السوري في
وصفه للثورة والثوار واتهامهم
بالارهاب وداحضا الكلام على حياد
للمسيحيين وعدم دعمهم الثورات العربية.
وفي دعوته في الحديث نفسه الى عدم
توريد السلاح الى سوريا على اساس ان
توريد السلاح خطيئة يعتبر معنيون ان
كلامه حمال اوجه باعتبار انه امر قد
ينطبق على الثوار كما ينطبق على النظام
ايضا علما ان المقصود وفقا لما قد يفهم
البعض ويسعى الى توظيفه قد يكون عدم
توريد السلاح للمعارضة الامر الذي قد
يفيد منه النظام بحيث يتمكن اكثر من
استهداف الثوار والمعارضين. في حين
يقول اخرون ان نبذ العنف والدعوة الى
الحوار والسلام تعني في كلامه منع
السلاح من اي جهة ولاي جهة اتى وما
معناه منع تسعير الحرب من الخارج
بتوريد السلاح للافرقاء المتحاربين.
وبذلك يبدو الكلام البابوي موازنا في
هذا الاطار على نحو غير حاسم بالنسبة
الى من علل النفس بموقف واضح للفاتيكان
في هذا الاطار. وفي الاشارتين
الاخيرتين الى سوريا حيا البابا في
اللقاء مع الشبيبة "شجاعة الشباب
السوري" قائلا "انا حزين لالامكم
وان الاوان لوقف العنف". وهي الرسالة
نفسها التي حملها كلامه في عظته في
اثناء القداس في وسط بيروت حيث سأل "لماذا
كل هذا العنف داعيا المجموعة الدولية
والدول العربية الى اقتراح حلول تحترم
كرامة كل شخص وحقوقه وداعيا الى السلام
في سوريا". وتقول
مصادر معنية ان توقع مواقف اكثر وضوحا
من البابا قد يكون في غير محله ولن يكون
لبنان على الاقل المكان المثالي
لاعلان مثل هذه المواقف في حال قرر
الذهاب ابعد مما قاله معتبرة ان ما قيل
هو اكثر ما يمكن ان يقترب منه
الفاتيكان من الموضوع السوري علنا على
الاقل علما انه اقترب اكثر ما يمكن من
سوريا جغرافيا من خلال زيارة البابا
للبنان. فالكرسي الرسولي يدرك جيدا
الاصطفافات السياسية اللبنانية مع
النظام السوري وضده والتداعيات
السورية على لبنان تبعا لما يجري هناك
بما يجعل صعبا لا بل مستحيلا عليه ان
يخوض غمار مثل هذا الموضوع خصوصا ان
احد ابرز محاور زيارته ورسالته الى
لبنان والمنطقة هو السلام والتعاون من
اجل السلام. لا بل ان بعض حلفاء النظام
من المسيحيين اللبنانيين كان استبق
زيارة البابا بايام عدة بحيث ربط مصير
المسيحيين ومصير لبنان بمصير النظام
سلبا او ايجابا في محاولة للتأثير في
مواقف الكرسي الرسولي وتوجيه رسالة
مسبقة في هذا الاطار. وبحسب المصادر
نفسها فان الخطوط السياسية حددها
البابا وفقا لمبادىء الكنيسة وقيمها
والقيم الانسانية تاركا للدول
والانظمة المجال لتحمل مسؤوليتها في
هذا الاطار وفقا للدعوة الصريحة التي
وجهها الى كل من المجموعة الدولية
وللدول العربية اكثر من اجل المساهمة
في هذا الاطار وتقديم الحل السياسي. فهل سيخضع هذا الجانب
من زيارة البابا الى التجاذب التقليدي
الذي تخضع له الامور في لبنان على وقع
الاصطفاف السياسي المعروف؟ ================= رأي البيان التاريخ: 17
سبتمبر 2012 البيان جاءت تصريحات الموفد
الدولي الخاص إلى سوريا الأخضر
الإبراهيمي، والتي وصف فيها الأوضاع
هناك بأنها «تتفاقم وتشكل خطراً على
الشعب السوري والمنطقة والعالم»،
لتزيد من تعقيد الواقع الذي يحياه
السوريون، لا سيما في ظل تدهور الوضع
الإنساني يوماً تلو الآخر. هذا الواقع الذي
يعيشه السوريون وتحبس المنطقة أنفاسها
إزاء تداعياته، يتطلب جهداً مضاعفاً
من المجتمع الدولي لمعالجته. يؤخذ في
الاعتبار «الفجوة الكبيرة بين الأطراف
السورية»، وهو الوصف الذي اختاره
الموفد الدولي للتعبير عن تباين وجهات
النظر في معالجة هذه الأزمة. كذلك، فإن
الموفد الدولي السابق كوفي أنان
والمراقبين الدوليين من قبله، أخفقوا
في وقف إراقة الدماء التي يرتفع معدل
وتيرتها يوماً تلو الآخر، حتى باتت
حصيلة القتلى تفوق 26 ألفاً. ومع كل يوم يمر
ويزداد النظام في قمعه للتظاهرات
المناوئة له تزداد الأوضاع الإنسانية
تدهوراً، فالفارون من النزاع في تركيا
وصل عددهم إلى نحو 70 ألفاً، وضعفهم في
الأردن، حيث تشير التقديرات إلى وجود
حوالي 150 ألف لاجئ سوري في الأراضي
الأردنية، فضلاً عن اللاجئين في
العراق ولبنان. إن الوضع الإنساني
السوري ينذر بكارثة حقيقية ربما يكون
من الصعب تفادي آثارها في المستقبل،
فالمنازل التي تهدم والبيوت التي تقصف
والأحياء التي تدمر والمستشفيات التي
تئن تحت وطأة نقص الدواء والأدوات
الطبية، نماذج على تدهور الأوضاع بشكل
يدعو الجميع للتكاتف من أجل البحث عن
أفق حل لهذه الكارثة. إن مجلس الأمن مدعو
للعب دور أكبر في سبيل وصول المساعدات
الإنسانية للمدنيين الذين يعانون من
نقص في كل شيء، من الغذاء والدواء وحتى
الحاجات الأساسية الضرورية، ويجب على
أعضاء المجلس تحقيق الحد الأدنى، على
الأقل، من التوافق على السماح بوصول
المساعدات الإنسانية العاجلة. كذلك فإن الجامعة
العربية يقع على عاتقها بذل جهد أكبر
في هذا الإطار، وبذل كل المساعي
الممكنة من أجل إيصال المساعدات
الإنسانية لمستحقيها من أبناء الشعب
السوري الشقيق، فالتقارير الحكومية
السورية الرسمية تشير إلى أن حوالي 1.2
مليون شخص يقيمون في مبان عامة
كالمدارس، بينما يقيم آخرون مع
أقاربهم وأصدقائهم. ================= الإثنين
١٧ سبتمبر ٢٠١٢ غسان شربل الحياة ماذا أراد الجنرال
محمد علي جعفري أن يقول لأهل المنطقة
والدول الكبرى؟ هل أراد التأكيد أن
مسألة الوجود الإيراني في سورية
ولبنان هي مسألة حياة أو موت لبلاده؟
وأن إيران ستذهب في هذا النزاع إلى
آخره حتى ولو تحول حرباً أهلية
إقليمية؟ وأن الاحتفاظ بسورية في محور
الممانعة يستحق مجازفات من نوع توسيع
التوترات والتهديدات وربما
المواجهات؟ وأن طهران لا موسكو هي
الحامي الميداني للنظام السوري وعلى
كل المتعاملين مع هذا الملف أن يدركوا
«أن إسقاط النظام السوري خط أحمر»؟. المواكبون للهجوم
الإيراني في الإقليم يعتقدون أن لا
قدرة للنظام الإيراني على احتمال
خسارة سورية. لا المرشد يستطيع احتمال
خسارة بهذا الحجم ولا «الحرس الثوري»
يستطيع. وأن أكلاف الدفاع عن النظام
السوري تبقى على فداحتها أقل بكثير من
ثمن ضياع الحلقة السورية. خسارة سورية
تعني أيضاً عودة «حزب الله» لاعباً
محلياً مفتقراً إلى القدرة على إطلاق
حرب أو صدها. لافت أن يطل الجنرال
جعفري القائد الأعلى لـ «الحرس الثوري»
الإيراني ليعترف أن «عدداً من أعضاء
قوة القدس موجودون في سورية لكن هذا لا
يمثل وجوداً عسكرياً»، مشيراً إلى أن
دورهم يقتصر على تقديم المساعدة
الفكرية والمشورة وحتى المساعدة
المالية. لكنه أوضح أن إيران ستقدم
أيضاً الدعم العسكري إذا تعرضت سورية
لهجوم عسكري. كذلك أكد جعفري وجود
المستشارين في لبنان. لم يكن وجود
المستشارين الإيرانيين سراً، لا في
سورية ولا في لبنان. لكنها المرة
الأولى التي تؤكد فيها إيران رسمياً
وعلناً مثل هذا الوجود في البلدين.
والأكيد أن الإعلان ليس زلة لسان. إنه
رسالة للمعارضة السورية ولداعميها على
الصعيدين الإقليمي والدولي
والمطالبين بـ «الانتقال السياسي». وإذا كان لا بد من
الالتفات إلى توقيت الإعلان الإيراني
يمكن إيراد ملاحظات عدة. جاء الإعلان
في وقت تنشغل فيه المنطقة بذيول الفيلم
المسيء واستهداف السفارات الأميركية
خصوصاً في بلدان «الربيع العربي». جاء
أيضاً بعد اللوم الذي وجهته وكالة
الطاقة الذرية إلى إيران بسبب عدم
تعاونها. كما جاء غداة استقبال الرئيس
بشار الأسد مبعوث الأمم المتحدة
والجامعة العربية الأخضر الإبراهيمي
الذي يعتقد أن الانتقال السياسي يعني
بالضرورة تنحي الأسد وبغض النظر عن
التوقيت. ويمكن القول أيضاً إنها جاءت
عشية اللقاء المفترض للجنة الرباعية
الإقليمية التي اقترحها الرئيس محمد
مرسي. وإذا كانت مواقف مرسي التي تطالب
برحيل الأسد سددت ضربة إلى الرباعية
قبل انطلاقها فإن تصريحات الجنرال
الإيراني أطلقت عليها رصاصة الرحمة. لا يمكن فصل تصريحات
جعفري عن تصريحات الجنرال يحيى رحيم
صفوي مستشار مرشد الجمهورية الإسلامية
للشؤون العسكرية. قال:»إن نفذ الكيان
الصهيوني أي شيء ضدنا، فإن مجموعات
المقاومة، خصوصاً حزب الله لبنان،
سترد بكل سهولة على هذا الكيان
باعتبارها تشكل عمق دفاعنا
الاستراتيجي». وإذا كانت إيران تفرد
مثل هذا الدور لترسانة «حزب الله» فكيف
ستسمح بتغيير في سورية يقطع شريان
الاتصال بهذه الترسانة التي يقول
السيد حسن نصرالله إنها قادرة على
إلحاق أفدح الأضرار بإسرائيل وعشرات
آلاف الإسرائيليين. إننا أمام مأزق دموي
رهيب في سورية. النظام لم يعد في وارد
التراجع بعد كل الذي فعل. والمعارضة
ليست في وارد التراجع بعد كل ما قدمت.
إيران ليست في وارد التراجع.
والمطالبون بتنحي الأسد يصعب عليهم
التراجع أيضاً. الإعلان الصريح عن تمتع
النظام السوري بمظلة «الحرس الثوري»
ومستشاريه سيجتذب إلى الساحة السورية
مزيداً من المتطوعين والجهاديين،
خصوصاً أن لهذه المظلة امتداداتها
العراقية واللبنانية. لم يفعل كوفي أنان
أكثر من إضافة فصل إلى مذكراته. لا
نتمنى لمهمة الإبراهيمي مصيراً
مشابهاً لكن الرسائل توحي أن عذابات
الشعب السوري ستتفاقم. ================= فادي سعد * الإثنين
١٧ سبتمبر ٢٠١٢ الحياة أظهر الشبيحة
السوريون وحشيتهم في تعاملهم مع
جيرانهم وأبناء منطقتهم، ومع الضعفاء
من أبناء عشائر أقل عدداً وأضعف. وهم
يظهرونه اليوم بأقصى عنف ووحشية
عرفتهما سورية ربما في تاريخها
السياسي. ينتمي الشبيحة
الأوائل، في كل قياداتهم، إلى المذهب
الكلازي، وهو القسم الأكبر من
العلوييين، مقابل المذهب الحيدري، وهم
كعائلة أقل عدداً وقوة ومكانة
اجتماعية من بقية العلويين. وعلى رغم أن البحث في
الأصول العائلية لقيادات الشبيحة
والذين يعودون في معظمهم الى بيت الأسد
يبعث على استهجان أهالي اللاذقية
ريفاً قبل المدينة، فما من أحد يعرف
أصول عائلة الأسد ما قبل الجد الأول
لهم، وهو والد سليمان الأسد أو جده على
أبعد تقدير. وهذا سبب في تكوين
الشبيحة النفسي: البحث عن مجد ضائع، عن
كيان ما يحميهم وجودياً كاسم. ولأجل
ذلك كانت العصابة هي الملاذ والتعويض
النفسي والوجودي عن الاسم الضائع. وعدا الأسباب
النفسية في تكوينهم، والوظيفة
السياسية التي سنتعرض لها تالياً، كان
للشبيحة منذ ان وجدوا في مدينة
اللاذقية وريفها ومن ثم جبلة، دور
اجتماعي سياسي مزدوج، يتجلّى في تجميع
الشباب العاطل من العمل في إطار ممسوك
بقسوة، يمنعهم من ممارسة أي دور سياسي
ضد النظام القائم باعتبارهم ينتمون
الى الطائفة نفسها. وبهذا يصار إلى
إفراغ الطائفة من المقاومة والمعارضة
السياسية للنظام القائم، الأمر الذي
لو حصل لكان إدانة للنظام من قلبه
وصميمه وبداية لانهياره: ذاك أن معارضة
الطائفة تفقده مبرّر وجوده المزعوم
عندها وهو تمثيلها وحمايتها. لقد كان من الواضح ان
«القيادة السياسية» وضعت منذ البداية
حدوداً لنطاق انتشار عصابات الشبيحة
جغرافياً، أقصاها محافظة اللاذقية،
وتمّ الحفاظ على ضوابط واضحة في
التعامل مع المختلفين من العلويين «الحيدريين»
ومن سنّة اللاذقية ومسيحييها، فكانوا
الكتلة الخانعة الصامتة عن ممارسات
هؤلاء مقابل عدم التطاول عليهم. لقد
تمّ توظيف الشبيحة كميليشيا من
الزعران والقتلة لإخضاع مجتمع
اللاذقية الذي يملك غير قليل من بذور
ومظاهر المعارضة السياسية ممثلة آنذاك
بحزب العمل الشيوعي وبقية الحركات
السرية المناهضة لحكم الأسد، وهذه
كانت الغاية الحقيقية غير المعلنة
لمليشيات الشبيحة المختلفة والمرتبطة
كلها بقيادات من آل الأسد وأقاربهم،
والمدعومة من أجهزة الأمن في
اللاذقية، او الصامتة عنها على الأقل.
وكان حافظ الأسد مدركاً أن هذه
المليشيات سلاح وقوة احتياطية يحتاجها
في إخضاع علويي اللاذقية، باعتبار أن
علويي طرطوس منخرطون بشكل واسع في
أجهزة المخابرت والجيش أو هم مأمونو
الجانب لأنهم مرتبوطون بالنظام في
لقمة عيشهم، وبولاء بعثي يضاف إليه
ولاء عشائري وطائفي. هكذا تكوّن الشبيحة.
وها هو النظام اليوم يعمّم ويطوّر
استخدام هذه العصابات ليجعل منها
ذراعه المرعب في ارتكاب مذابح شنيعة ضد
الشعب السوري علّه يردعه أو يرهبه
فيوقف ثورته. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |