ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 19/09/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مستقبل مهمة الإبراهيمي

محمد مجاهد الزيات

عكاظ

التاريخ: 18 سبتمبر 2012

قام الأخضر الإبراهيمي المبعوث العربي والأممي الخاص بالأزمة السورية بزيارة إلى دمشق التقى خلالها بشخصيات من هيئة التنسيق المعارضة، وكذلك برئيس النظام السوري. وصرح عقب هذا اللقاء بأنه سيقوم بزيارات للدول المعنية بالأزمة( إقليمية ودولية)، كما سيلتقي ببان كي مون، وبعدها سيقوم بوضع خريطة طريق لحل الأزمة. حديث الإبراهيمي يشير إلى عدد من الحقائق الجديرة بالاهتمام منها: أنه لا يوجد أي آفق سياسي لحل الأزمة السورية حتى الآن. وثانيا: إن الإبراهيمي يتحرك من نقطة الصفر، كأنه لم تسبقه جهود لأطراف مختلفة، وأنه سيتشاور مع الأطراف المختلفة لصياغة استراتيجية للحل، وهو ما يعني أن يتواصل نزيف الدماء، وأن الجهود السياسية لا ترقى إلى خطورة ما يجري على الأرض وممارسات النظام. هكذا يتضح أن مهمة الإبراهيمي والتي لا تزال في بدايتها، لا تحمل الكثير من التفاؤل. وعلى الناحية الأخرى عقد أطراف المبادرة الرباعية التي اقترحتها مصر أول اجتماع لها في القاهرة، فهل تملك هذه المبادرة فرصا أوسع مما امتلكه الإبراهيمي.

الحقيقة أن المبادرة تضم دولا إقليمية لها وزنها وتأثيرها الإقليمي هي مصر، والمملكة، وتركيا، والدول الثلاث لها وجهات نظر واضحة تطالب النظام السوري بوقف ممارساته والرحيل حقنا لدماء السوريين. إلا أن إيران وهي الطرف الرابع تساند وتدعم النظام بصورة كبيرة. وبالتالي من الصعب تصور حدوث اتفاق بينها وبين دول المبادرة الأخرى، بل إن مطالبة إيران بضم العراق التي تمتلك طهران نفوذا كبيرا في عملية صنع القرار فيها، وكذلك ضم فنزويلا ذات الصلة الوثيقة بنظام الأسد يكشف عن طبيعة النوايا الإيرانية ودورها المحتمل خلال اجتماعات دول المبادرة، ويطرح علامات استفهام حول الحرص الإيراني على تفعيل اجتماعاتها. وإذا ما كان المقصود بذلك الوصول إلى حل حقيقي للأزمة السورية، أم توفير المزيد من الفرص للنظام، واستثمار ذلك كله لخروج إيران من العزلة والمقاطعة التي تواجهها.

 

=================

البقاء خارج سوريا

المصدر: صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» الأميركية

التاريخ: 18 سبتمبر 2012

البيان

يعتبر الاستياء من استمرار العنف في سوريا أمراً مفهوماً، وينبغي له أن يدفع الولايات المتحدة وغيرها من "أصدقاء سوريا"، والأمم المتحدة إلى دعم إجراءات الإغاثة، بما في ذلك إنشاء ملاذات آمنة للاجئين إذا لزم الأمر. ولكن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، محقة في امتناعها عن تسليح الثوار السوريين ـ الذين، وفقا لمسؤولي الاستخبارات الاميركية، تسلل إلى صفوفهم متطرفون من خارج البلاد ـ أو الانخراط في تدخل عسكري مباشر. ويميل مؤيدو التدخل العسكري إلى المبالغة في السهولة التي يمكن للولايات المتحدة أن تشكل بها الأحداث في سوريا، والتقليل من المخاطر.

وتعد الحرب الأهلية في سوريا، التي تمثل صدى للربيع العربي، وفي الوقت ذاته صراعا طائفيا ومعركة بالوكالة بين أطراف خارجية، كارثة إنسانية. فقد قتل في أغسطس الماضي ما يصل إلى 5,000 شخص، ويقول مكتب المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إن أكثر من 100 ألف سوري فروا من بلدهم خلال ذلك الشهر، مضاعفين عدد اللاجئين إلى 235 ألف لاجئ. وقد يحتاج ما يزيد على مليون سوري، إلى معونة غذائية طارئة.

مؤيدو تسليح الثوار السوريين أو فرض "منطقة حظر للطيران" كتلك التي فرضت في ليبيا، وهو الإجراء الذي، نظرا للدفاعات الجوية السورية، سيحتاج على الأرجح إلى حملة قصف كبرى ليكون فعالا، يعتبرون أن قلب المعادلة العسكرية هو أفضل وسيلة لوضع حد لمعاناة الشعب السوري. ووفقا لهم، فإن روسيا والصين ستمنعان، في نهاية المطاف، أي محاولة دبلوماسية من جانب الولايات المتحدة وجامعة الدول العربية للضغط على الرئيس السوري بشار الأسد للتنحي.

ولا تنفك تبوء بالفشل جهود الوساطة التي تبذلها الأمم المتحدة، التي تولاها مؤخرا مبعوث خاص جديد، هو الدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي. وفي غياب ضغط عسكري على النظام السوري، كما يجادل مؤيدو التدخل، فإن تخطيط السوريين المنفيين لمستقبل ما بعد الأسد، سيكون ضربا من العبث. وفي هذه الأثناء، سيزداد عدد الضحايا واللاجئين السوريين.

وبلا شك، فإن بعض مؤيدي التدخل لديهم دوافع جيوسياسية لمساعدة الثوار السوريين. ومع ذلك، فإن حجة التدخل الإنسانية تتسم بالمنطقية. ويدور السؤالان الرئيسيان حول ما إذا كان التهديد لسلامة المدنيين قد أصبح خطيرا بما يكفي لتبرير التدخل الأميركي في حرب اختيارية، على الجانب الآخر من الكرة الأرضية، وحول ما إذا كان من الممكن اتخاذ خطوات أخرى للحد من الخسائر في الأرواح، دون تسليح الثوار أو مهاجمة نظام الأسد.

ويتمثل أحد البدائل للحرب، في زيادة الضغط على الأسد ـ وهنا يمكن لروسيا أن تتخذ موقفا داعما ـ للموافقة على مطالب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، باتخاذ تدابير لحماية المدنيين (وبالتالي إبطاء موجة اللاجئين، بل وعكسها). وإذا لزم الأمر، فقد يتم وضع المناطق المدنية تحت حماية قوات دولية لحفظ السلام.

=================

الأخضر الإبراهيمي: الرجل والمهمة

د. أحمد يوسف أحمد

تاريخ النشر: الثلاثاء 18 سبتمبر 2012

الاتحاد

بدأ الأخضر الإبراهيمي– ذلك الدبلوماسي العربي المخضرم ذو الخبرة الدولية العريضة الذي يحمل عبق الثورة الجزائرية- مهمته كمبعوث أممي عربي إلى سوريا في نهاية الأسبوع الماضي. يرى البعض أن مهمة الإبراهيمي شبه مستحيلة، أو هي مستحيلة بالفعل، وقد حرص الإبراهيمي أن يبدأ مهمته بأفكار عامة توضح منطلقاته، فهو لن يفعل شيئاً إلا إذا كان يحقق مصلحة الشعب السوري، والأزمة خطيرة ومتفاقمة، وخطرها لا ينسحب على سوريا وحدها، وإنما يمتد إلى محيطها العربي والإقليمي بل والعالمي، وأولويته هي وقف نزيف الدماء. يُصَعِّب من هذا أن مواقف الأطراف الداخلية متباعدة، لكن الأمل معقود على أن ثمة أرضية مشتركة تجمع بينها وهي حب سوريا.

بدأ الإبراهيمي أولى خطواته بزيارة إلى سوريا دامت أياماً ثلاثة التقى فيها وزير خارجيتها ثم رئيسها، كما التقى ممثلين عن معارضة الداخل ومنظمات المجتمع المدني. يلفت النظر أن تصريحات الرئيس السوري بعد اللقاء كانت امتداداً لتكتيك المراوغة الذي يتبعه النظام منذ بدء الأزمة، فآلية الحل لديه هي حوار سوري يرتكز إلى رغبات "جميع" السوريين، وهو يضمن بهذا أن يكون أنصاره في قلب الحوار، لكن الغامض في هذا الصدد هو مدى جدية مشاركة المعارضة في هذا الحوار طالما أن الرئيس السوري ما زال يتحدث عن "الإرهابيين" بما يوحي بأنهم يشكلون قوام المعارضة لنظامه، ويتسق مع هذا قوله بأن نجاح العمل السياسي مرتبط بالضغط على الدول التي تقوم بتمويل "الإرهابيين" وتدريبهم، وتهريب السلاح لسوريا لوقف القيام بهذه الأعمال، وأخيراً فإن الرئيس السوري حرص على أن يبين أن موقفه من مهمة الإبراهيمي هو الالتزام الكامل بالتعاون مع أي جهود جادة لحل الأزمة طالما التزمت "الحياد والاستقلالية"، أي أن تعاون النظام مع الإبراهيمي ومهمته سوف يتوقف فور ظهور أي بادرة تُشتَم منها رائحة الانحياز لخصوم النظام. فيما يتصل بمعارضة الداخل فقد اجتمع الإبراهيمي مع ممثلي "هيئة التنسيق للتغيير الوطني والديمقراطي"، وهي تضم أحزاباً عربية وكردية واشتراكية وماركسية، وصرح الناطق باسمها بأنه تم إطلاع الإبراهيمي على وجهة نظرها ووسائل الحل، وأن الهيئة تؤيد مهمته.

لم تدخل مهمة الإبراهيمي بعد في الدروب الخطرة، وتكتنف السير في هذه الدروب بأمان صعوبات جمة أتخير منها اثنتين رئيسيتين أولاهما أن الإبراهيمي يواجه أزمة بالغة التعقيد، وقد أظهرت السطور السابقة عينة صغيرة من الطريقة التي يفكر بها الرئيس السوري، والخطورة أن هذه الطريقة لم تتغير على الرغم من كل ما أسال من دماء شعبه تحت زعم أنه يواجه إرهابيين، ولا يدري المرء كيف يتخيل هذا الرئيس أن بمقدوره أن يواصل حكم شعبه بعد تلك الأنهار من الدماء التي باتت حاجزاً لا سبيل للتغلب عليه بينه وبين هذا الشعب. من ناحية أخرى فإننا نعلم أن المعارضة السورية منقسمة على نفسها أشد الانقسام، ولا حل دون التنسيق بينها، كذلك فإن المواقف الإقليمية والعالمية تمثل عنصراً مهماً يضيف إلى تعقد الأزمة، فالنظام السوري ما زال يحظى بدعم جاد وفعال من النظام الإيراني، وإسرائيل لا شك سعيدة باستمرار الأوضاع في سوريا على ما هي عليه طالما أنها تؤدي إلى استنزافها، وربما إلى تفكيكها لا قدر الله، وروسيا والصين تعوقان صدور أي قرار من مجلس الأمن يتحدث عن تغيير النظام السوري أو حتى رئيسه فحسب، أو يفرض مزيداً من العقوبات عليه، أما الدول الغربية الكبرى التي تقول إنها ضد النظام السوري فهي تبدو مكتفية بالتصريحات الصحفية والتهديدات اللفظية، وحتى إن كان بعضها مشاركاً في تهريب أسلحة للمعارضة السورية، فإن الغرض ليس نصرة الثورة السورية بالضرورة بقدر ما هو إضعاف سوريا.

أما الصعوبة الثانية، فهي أن مهمة الإبراهيمي تمثل فرصة ذهبية "للمزايدة السياسية" سرعان ما استغلها بعض فصائل المعارضة في الخارج الذي يشعر بتدني نفوذه في الساحة السورية، وفي التأثير على مجريات الأمور فيها، ولذلك فهو يسارع إلى رفض مهمة الإبراهيمي بل والإساءة إلى الرجل، ووصم أعماله بأنها تخدم مصلحة النظام القائم، والسخرية من لقائه بفصائل من معارضة الداخل التي لا تعمل لديهم إلا بوحي من النظام أو من سنده الإيراني، والتلميح واضح إلى أن الإبراهيمي لن يكتب له النجاح إلا إذا التقى أمثال هذا البعض وكأن تأثيره في الساحة السورية أشد من تأثير الجيش الوطني السوري.

وربما يساعد على هذه المزايدة أن البعض غائب تماماً عن إدراك طبيعة مهمة الإبراهيمي، فهو يتصور أنها نصرة المعارضة وتقويض نظام الأسد، ولا شك أن هذا هو المطلوب من وجهة النظر الغالبة عربياً على الأقل، لكن الإبراهيمي كما سبقت الإشارة ليس لديه تفويض دولي بذلك، ومن ثم فلا مهمته ولا هو مطلوب منهما تحقيق هذا الهدف المرغوب بالضرورة، وإنما يتعين على الرجل أن يتصل بكافة أطراف الأزمة إن كان الحديث أساساً عن حل سياسي، والمهم هنا أن الخط الأحمر هو ألا تفضي مهمته إلى حل على حساب الشعب السوري، وقد كان الإبراهيمي أكثر من واضح في هذا الصدد منذ البداية كما سبقت الإشارة، وينطبق المنطق نفسه على اتصالاته الممكنة بمؤيدي النظام السوري إقليمياً وعالمياً، فطالما أنه يتصل بممثلي هذا النظام لابد من الاتصال في الوقت نفسه بمؤيديه الخارجيين كي تكتمل ملامح حل ما.

ما زال الوقت مبكراً للحكم على مدى نجاح الإبراهيمي في مهمته أو فشله لا قدر الله، ويصادر البعض على إمكانية نجاحه أصلاً لاعتبارات أشارت السطور السابقة إليها، لكن الملفت في شخصية "الأخضر" أنه يقبل على مهمته غير متهيب على الرغم من إدراكه صعوبتها الفائقة، ويعكس هذا في تقديري شعوراً عالياً بالمسؤولية العربية -وهو ما يميزه عن كوفي عنان- لأنه يعلم أن الفشل قد يكون نصيبه ومع ذلك فهو يبحث عن مخرج ولو من خلال "ثقب إبرة"، ولهذا فهو يحسن الإعداد لمهمته، ويتحسس مواقع أقدامه جيداً قبل الإقدام على أي خطوة، وقد يتمكن الإبراهيمي من حلحلة مواقف الأطراف الإقليمية والدولية المؤيدة للنظام السوري انطلاقاً من مبدأ المصلحة الوطنية، بمعنى أن هذه الأطراف إنْ كانت تتصور أن مواقفها تحقق مصلحتها الوطنية بالإبقاء على النظام السوري، فإن الثمن قد يكون خسارة مصالحها في الوطن العربي كله، وهو ما يحتاج الإبراهيمي فيه إلى دعم بقرارات أو حتى تلميحات من الجامعة العربية بهذا المعنى، وقد يضيف إلى مهمته بعداً إنسانياً يُحسب النجاح فيه لصالحها، ذلك أن مئات الألوف من السوريين يعيشون الآن لاجئين خارج وطنهم في دول الجوار في ظروف مزرية، ويستطيع الإبراهيمي أن يلح على الأمم المتحدة والجامعة العربية أن تضطلعا بمسؤولياتهما في هذا الصدد، وقد تكون مهمة الإبراهيمي إن فشلت لا قدر الله نافذة للرأي العام العربي والدولي على المتسببين الحقيقيين في خلق الأزمة وإدامتها، وسوف يكون لهذه الشفافية في حد ذاتها دور كبير في التأثير على مجريات أزمة تفاقمت أضرارها بالنسبة للشعب السوري، وبدت نذرها المخيفة في تقويض استقرار دول جواره.

=================

الإبراهيمي والدرس التاريخي

تاريخ النشر: الثلاثاء 18 سبتمبر 2012

د.طيب تيزني

الاتحاد

وصل الأخضر الإبراهيمي إلى دمشق للقيام بمهمته المتمثلة في إيجاد حل لأزمة سوريا. وإذا كنا نُرحِّب بهذه الزيارة، التي تأتي خصوصاً من رجل حكيم دفعت بلاده مليوناً ونصف المليون من أهلها ثمناً لانتصارها في ملحمة الاستقلال الوطني عن فرنسا، فإننا في الوقت نفسه نتمنى أن يكون قد بحث قبل ذلك (وكذلك بسياقه) في ما سبق تاريخ هذه الثورة (أو الانتفاضة السورية)، فإن ذلك يسهم في فتح الطريق أمام فهم الظاهرة المذكورة تاريخياً وعلى نحو دقيق، بعيداً عن الاكتفاء بتناول الجانب الدبلوماسي منها أو العسكري الأمني...إلخ. فالبحث في تجليات القطاعات الأربعة من المجتمع السوري على امتداد العقود الأربعة المنصرمة، أمر على غاية الأهمية النظرية والمنهجية. لأن ناتج هذا البحث من الصعب أن يكون دقيقاً، إنْ جاء غير ذي علاقة بتلك القطاعات، بمثابتها شبكة موحدة بالمعنى الذي يُفضي إلى ما وضعنا يدنا عليه تحت "قانون الاستبداد الرباعي" القائم على الاستئثار بالسلطة والثروة والإعلام والمرجعية السيَّا-الاجتماعية، أي المبدأ القائل بأن الحزب الوحيد الحاكم، هو الذي يقود الدولة والمجتمع، وهو الذي يقف على رأسه "قائد المسيرة" إلى الأبد.

وقد عزّز ذلك القانون الرباعي في سوريا وغيرها حضور المعسكر الاشتراكي وعلى رأسه الاتحاد السوفييتي، الذي انتصر فيه على صعيد القيادة السياسية مفهوم "الحزب الواحد من طراز جديد" على حساب مفهوم الديمقراطية القائمة على قاعدة التعددية الحزبية وركيزتها المؤسَّسة البرلمانية. وقد تفكك الاتحاد السوفييتي بعد أن جرى اختزاله إلى الحزب القائد الوحيد واختزال هذا إلى اللجنة المركزية فيه، وهذه إلى المكتب السياسي، وهذا أخيراً إلى الأمين العام، الذي ظهر بمثابته "قائد المسيرة"، ومن الدلالات المأساوية على ذلك أن الاتحاد السوفييتي نفسه سقط، ولم يدافع عنه إلا قلة، بعد أن أتى كتجربة أولى في التاريخ الاقتصادي والسياسي الاجتماعي لتحرير المجتمعات من الاستغلال الاقتصادي والإفقار النفسي والأخلاقي وغيره.

كان درساً غير مسبوق في أن المُثل العليا إنْ أتت مجردة من الحريات الديمقراطية السياسية والثقافية وغيرها، فإنها تفقد شيئاً فشيئاً رُواءها ومصداقيتها فيما يخص الحرية والديمقراطية القائمتين على التعددية الحقيقية.

لقد أخذ النظام السوري بالتجربة السوفييتية شكلياً وبعموم الموقف في بداية مرحلة البناء، ولم يتعظ من سقوطه المدوي، فهنا جاءت المعاندة التاريخية والقصور المعرفي، ضارباً عرض الحائط بتجارب البشر التاريخية، وبالتطور العلمي السوسيولوجي والتاريخي، بدءاً مما قبل ابن خلدون في "مقدمته" الخالدة، ثم في التطور العاصف للعلوم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية السياسية منذ عصر النهضة والتنوير والنهوض التكنولوجي...إلخ، في أوروبا الحديثة، ولكن شيئاً من ذلك لم يؤثر في مسلك النظام السوري باتجاه الإصلاح الوطني الديمقراطي والتحديث العلمي والدخول في عصر البشرية التقدمية الجديد.

ولعلنا هنا نوجه نقداً لما حدث على الصعيد الجامعي خصوصاً، إضافة إلى الصُعُد المتصلة بالبحث العلمي وبمراكزه التي ظهرت خالية من القيمة العلمية، لأنها ظلت شكلية يُشغلها أي واحد لا علم له ولا يحمل منظومة قيمية أخلاقية. إن تجفيف المجتمع السوري تحول إلى عملية قاتلة، (وقد كتبنا عن ذلك مطولاً منذ ثلاثة عقود ونيف كتاباً صدر في سوريا بعنوان: من ثلاثية الفساد إلى قضايا المجتمع المدني، وغيره). لقد غابت الحكمة والعقلانية، والوطنية عند الكثيرين، ممّا خلق شرخاً هائلاً بين الخطاب الأمني دون السياسي، وبين الممارسة الواقعية التي جعلت الإصلاح الديمقراطي يظهر هزيلاً وزائفاً وعاراً.

إن تلك مأساة عظمى، خصوصاً حين تحولت إلى كارثة في سوريا الجميلة الجريحة، ولنقل إن من يتَّعظ متأخراً، قد يُسامح، ولكن إن لم يحدث ذلك؟

=================

قاتل الأطفال في تظاهرة النبي!

علي حماده

2012-09-18

النهار

أتت اطلالة الامين العام لـ"حزب الله" في الساعة التي تلت مغادرة البابا بينيديكتوس السادس عشر ارض لبنان متعجلة بعض الشيء كأنه اراد ان يستعيد شيئا من البريق الذي استقطبه البابا والوحدة التي احاطت به لبنانيا، وكأنه اراد ايضا ان يقول لمن هم في اعلى السلطة ان في لبنان مرشدا اعلى على غرار ايران، واللياقات لا تلغي حقيقة ان الارض في لبنان يملكها من يملك القوة على الارض.

وعلى رغم استعجال نصرالله الخروج على الاعلام وان في قضية كبيرة ومحقة فإننا ايدنا موقفه في ما يتعلق بالفيلم المسيء للاسلام، ومدى خطورته. الحال اننا لم نكن ننتظر نصرالله لكي نرى في هذا الفيلم المقيت عملا تخريبيا كبيرا في حق مئات الملايين من اهل هذه الكرة الارضية، في عقيدتهم، وفي دينهم.

وحسنا فعل سيد حسن نصرالله في الدعوة الى تظاهرات حضارية احتجاجا على الفيلم. وبالفعل كانت التظاهرة الاولى في الضاحية حضارية سلمية لا غبار عليها، خصوصا اذا ما قارناها بالفاجعة التي حصلت في بنغازي، او بالتظاهرات السخيفة في القاهرة، او الخرطوم، او صنعاء او حتى طرابلس.

ولكن بصرف النظر عن الجانب الاحتجاجي المحق - وكنا وددنا لو دعانا نصرالله نحن اللبنانيين الى ملاقاته في التظاهرة لنضم غضبنا على الاعتداء السافر الذي شكله الفيلم على كل مسلم في العالم، وعلى كل مؤمن الى اي ديانة او مذهب انتمى - بصرف نظر عما تقدم ندرك ان "حزب الله" بتنظيمه هذا النوع من التظاهرات في هذه المرحلة له اهداف جانبية لا تخفى على احد: فهو يريد تذكير بقية اللبنانيين بقوته الجماهيرية. ويريد التأكيد ان المتغيرات في منطقة ولا سيما في سوريا لم تضعف من قوة "حزب الله" وقدرته على حشد جماهير تمثل خزانا شعبيا واحتياطي مقاتلين في حال طرأ شيء ما دراماتيكي على المعادلة المشرقية. ان التظاهرات من ناحية اخرى هي تذكير بأن ايران تملك قاعدة متقدمة في المشرق العربي على شاطئ البحر المتوسط وعلى حدود اسرائيل، وان القاعدة قطعة من ارض ايران حيث لا ينفك مسؤولوها يعلنون المرة تلو الاخرى تبعية لبنان (عبر "حزب الله") لقرارهم واستراتيجيتهم. ومن ناحية اخرى تشكل هذه التظاهرات عملا استنفاريا ضروريا للقواعد الشعبية التي بدت عليها في المدة الاخيرة علامات التعب من ادارة الحزب لأمورهم الحياتية، ولا سيما ان الفساد تغلغل الى قلب الحزب.

لقد احسن نصرالله بالدعوة الى التظاهرات دفاعا عن كرامة الإسلام، لا سيما ان حرية التعبير المكفولة في الدستور الاميركي لا تعطي الحق في الاعتداء على الاديان والمعتقدات، في الوقت الذي يعتبر الفكر النازي مدانا وملاحقا بالقانون. من هنا ضرورة ان تقوم الادارة الاميركية بعمل ما وحاسم. ولكن "حزب الله" ارتكب معصية كبيرة عندما رفع صور بشار الأسد قاتل الاطفال في سوريا وشعارات مؤيدة للنظام هناك: ما هكذا يُدافع عن النبي وكرامة المسلمين يا سيد حسن!

=================

هل تُخرِّب الثورةُ السوريةُ تركيا

كما خرَّبت الحـروبُ الأفغـانيةُ باكستان؟

جهاد الزين

2012-09-18

النهار

هل باتت تركيا اليوم بالنسبة إلى الوضع السوري الناتج عن الثورة ضد النظام البعثي ما كانَتْهُ باكستان وما استمرت عليه إلى الآن بالنسبة لأفغانستان منذ وقعت تحت الاحتلال السوفياتي؟ وما نتائج ذلك المحتملة على تركيا؟ هنا محاولة للإجابة على السؤال على حلقتين اليوم وبعد غدٍ الخميس.

تركيا بحكم إنجازات الحداثة فيها هي بلدٌ واسعُ النخبِ البورجوازية والطبقة الوسطى الحاملةِ لتقاليد التماسك الداخلي الآتية من مصدرين: الدولة – الأمة التركية وثقافة الدولة الغربية. ولكنها نخبٌ متَرَسْمِلة ومتعولمِة لم تَأْمَن بعد إلى طاقة الشرائح الدنيا الأكبر في المجتمع على التماسك.

اليوم عادت تكْثر مواقف التحذير من ارتفاع درجة خطر التفكك الداخلي. لا تصْدُرُ أصواتُ التحذير هذه عن بعض المعلّقين الصحافيين والسياسيين المعارضين فقط – على الأهمية الأكيدة لهذه الأصوات – بل باتت تشمل الهيئات الإقتصادية من جهة، كما باتت تمس من حيث المضامين مستوياتٍ غير مسبوقة العلنية كمدى كفاءة الجيش التركي لمواجهة التمرد المسلّح الكردي وبالتالي الدعوة إلى إعادة النظر في تركيبته القتالية والتدريبية من جهة أخرى.

ففي كلمةٍ ألقتها رئيسة تجمع الصناعيين ورجال الأعمال الأتراك (توسياد) السيدة أوميت بوينر تخوّفت من عودة "السلطوية" إلى الحياة السياسية في تركيا قائلة يوم الجمعة المنصرم (14 أيلول) ان الإستقطاب الحاد والكراهية والعدائية يمكن أن تدمِّر كل المنجزات التركية في المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. هذا النوع من التحذير يعني أن هذه الهيئة المعتبرة الأقوى في تمثيل كبار رجال الأعمال باتت تستشعر خطر المرحلة على المصالح الاقتصادية العليا وحتى على بنية البلد برمتها.

بين المواضيع التي بات توتّرُها أو تصاعدُ توتُّرِها يفاجئ العديد من المتابعين للشأن التركي (ويفاجئني بصورة شخصية) هو موضوع العلويين الأتراك. ففي الآونة الأخيرة - لاسيما منذ اندلاع الثورة السورية وبدء المواجهات بين الثوار والسلطة – أخذت تظهر فعلا مواقفُ وتحركاتٌ بين العلويين الأتراك وتحديدا في محافظة "هاتاي" (لواء اسكندرون) وصلت إلى حد التظاهر وأحيانا العنف مع بعض اللاجئين السوريين. في المناطق الأخرى في الأناضول  تعيش أقليةٌ علويةٌ تركيةٌ (وكرديةٌ) كبيرةٌ تمتدّ إلى اسطنبول وتتراوح تقديرات عددها من أصل الـ75 مليونا الحاملين للجنسية التركية بين 12 إلى 15 بالماية من وجهة نظر بعض غير العلويين إلى 20-25 بالماية من وجهة نظر بعض المؤسسات العلوية التي باتت تتكلم باسم هؤلاء. وكالعادة كما أكرر دائما يجب البحث عن حقيقة الرقم العلوي داخل تركيا في "الوسط" بين الأرقام المتضاربة  مثلما هي حال نسبة الأقباط في مصر أو الشيعة في باكستان!

غير أن النقطة الجديرة بالطرح هنا هي المتعلقة بالفكرة الشائعة التي غالبا ما يتداولها شفاهةً أو كتابةً بعضُ المتابعين العرب والغربيين للشأن التركي والقائلة ان العلويين العرب في منطقة اسكندرون وأنطاكيا وأرسوز مختلفون دينياً عن العلويين الأتراك - أي ليسوا "طائفة" واحدة.

هذه الفكرة الشائعة أزعم بتواضع في حدود ما ألاحظه وأقرأه أنها غير صحيحة. قد تكون هناك بعض التمايزات في الطقوس الناتجة عن الاختلاف القومي التركي العربي الكردي (والألباني) لكن مضمون التعاليم واحدٌ كما يدل العديد من شهادات علماء اجتماع أتراك وغربيين لديهم مؤلفات باللغة التركية أو مترجمة إلى اللغة الإنكليزية موجودة في المكتبات التركية. وبعض هؤلاء حضر جلسات دينية وَصَفَها ونَقَل بعضَ نصوصِها.

هنا يجب أن نقف عند أمرين:

الأول هو أن تَقَدّمَ الدولةِ التركيةِ الحديثةِ منذ عام 1923 وانتقال ملايين الفلاحين الأناضوليين للعيش في المدن الكبرى لاسيما اسطنبول وإزمير وأنقرة بمن فيهم الفلاحون العلويون قد أديا إلى بدء تكريس ظاهرة جديدة أو كانت جديدة في أوساط العلويين وهي قيامُهم بافتتاح مراكز عبادة علنية في المدن الكبرى يُسمّونها "دِرجة" يقومون فيها بأداء صلواتهم الخاصة أو الجزء المقرر إعلانه من طقوسهم الخاصة أو ما يحب أن يسمّيه ناشطون بينهم وبتصريحات علنية "مفهومنا للإسلام" أو "قراءتنا للإسلام" (Our Interpretation of Islam). بهذا المعنى هذا القدرُ المستجدُّ من العلنية العلوية هو إحدى نتائج تَقدّم الحداثة التركية بمستوياتها الديموقراطية والإجتماعية والإقتصادية. وتبعا لما شاهدته شخصيا في إحدى "دِرْجات" الجزء الآسيوي من اسطنبول برفقة الصديقة التركية فوليا أتاسان استاذة علم الاجتماع والباحثة المتخصصة في علم الاجتماع الديني (والسنية المذهب)... ما شاهدتُه في تلك الجلسة  ليس قليلا أبدا قياسا على ما يمكن أن نعتبره "شديد الخصوصية" الدينية ومع ذلك فهو علنيٌ وليس سريا.

الثاني هو أن التقسيم التاريخي لتشكّل العلويين في تركيا خلال العهد العثماني يأتي من مصدرين شعبي ونخبوي: الشعبي هو جماهير الفلاحين الجبليين المعزولين تاريخياً في الجبال وهم الأكثرية العددية والثاني نخبوي من حيث أصوله السنية المسلّم بها وهو الطريقة الصوفية البكتاشية التي كانت الطريقة المعتمدة لدى الفرق الإنكشارية السنية والتي تحوّلت بعد ضرب الإنكشارية في اسطنبول سنة 1826 وحلِّ فِرَقِهم إلى مذهب باطني علوي منتشر في المدن لاسيما البلقانية.

لقد آلت حصيلة التجربة التركية على هذا الصعيد إلى نتيجتين متلازمتين إذن: من جهة، نقلُ العلويين إلى مزيد من الإندماج الاجتماعي ليس الانتقال إلى علنية الطقوس المذهبية سوى احد تجلّياته الأساسية، ومن جهة ثانية بلورةُ شخصيةٍ مذهبيةٍ موّحدةٍ مناطقيا وعابرة للقوميات داخل تركيا أي ضمن الوعي الوطني التركي. هكذا فإن الهيئات العلوية باتت متشعبة على كل المناطق التركية. من هنا يجب عملُ حسابٍ لتبلور الشخصية المذهبية العلوية ولو أنها كانت دائما في تركيا صاحبة مطلب الاعتراف الديني بها ضمن هيئة إدارة الشؤون الدينية التابعة للدولة وليست صاحبة مطالب سياسية. هذا المستوى السياسي تنبغي مراقبتُه من الآن فصاعدا في ظل الجو العام لصعود التيارات الدينية الأصولية السنية في المنطقة وما إذا كان سيتغيّر سلبا أو ايجابا في التعبير عن نفسه على ضوء الانخراط الحيوي التركي في التحولات العربية.

هذا خطرٌ بعيد الأمد على تجربة التماسك الحداثي التركي او على الأقل هو ليس في الواجهة حالياً رغم تصاعد تحذيرات معلّقين أتراك.

العنصر الذي يبدو أخطرَ اليوم على التماسك وحتى على وحدة الأراضي التركية هو الموضوع الكردي المتفاقم يوميا في مواجهات عسكرية في مناطق عديدة.

 لقد ذهب إحسان داغي المعلّق في صحيفة "زمان" إلى حد اعتبار أن "الآخر الجديد" هو "الكردي" بالنسبة لحزب العدالة والتنمية بعد أن استطاع الانتصار على "الآخر الأول" وهو الوصاية العسكرية على الدولة والمجتمع. وأن الصراع في تركيا سيكون محكوما بهذه المواجهة لفترة طويلة. ولم يكن صعبا منذ تصاعد العمليات الكردية المسلّحة وتبني رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان لخطاب قومي متشدد حيالها أن نلاحظ تحوّلَ حزب العدالة والتنمية المتزايد نحو خطاب "أتاتوركي" كلاسيكي في المسألة الكردية. حتى أن بعض المثقفين الأتراك ذهب إلى حد الحديث عن "تغيير في هوية الحزب". 

 

=================

الأخضر... يا حصرم الأسد!

راجح الخوري

2012-09-18

النهار

كثر الطبّاخون ولكن ليس على النار سوى أجساد السوريين ومنازلهم. واضح ان الطبخ طويل، وواضح ان النفخ في النيران أطول، فبعد 18 شهراً من الدمار والمآسي بات من المؤكد ان العالم مستقيل من المأساة وان كل البيانات والاجتماعات ملهاة تافهة على حافة نهر من الدم.

هكذا يخرج الاخضر الابرهيمي من دمشق "يا حصرماً" خالي الوفاض من أي تصوّر للحل تماماً كما دخلها. فاذا كان يريد فعلاً "الاستماع الى كل الاطراف الداخليين والاقليميين والدوليين"، كما اعلن يوم السبت بعد لقائه بشار الاسد، فإن ذلك يعني انه سيدخل في متاهة ومن الصعب ان يصل الى حل لا يصطدم باعتراضات، ولا بد انه يتذكر جيداً ان الجامعة العربية فشلت على امتداد اشهر، وان مجلس الامن عطّل بالفيتو الروسي - الصيني، وان اجتماعات "اصدقاء سوريا" لم تؤد الى شيء، وان عليه الا يشتري مزيداً من الوقت للنظام لتصبح مهمته "رخصة جديدة للقتل" كما تتخوف المعارضة!

ان العودة الى تصريحات الابرهيمي عشية قبوله خلافة كوفي انان تؤكد انه كان في نزاع ذاتي بين"الوضع الانساني" الذي لا يجوز للمرء ان يرفضه وبين "السياسي الميداني" الذي لا يستطيع المرء ان يجد حلاً له، ولهذا قال:"كيف يستطيع المرء ان يرفض القيام بمهمة توقف المأساة في سوريا"؟

ولكن بعد اربعة ايام في دمشق لم يتمكن من ان يوقف رصاصة واحدة، بينما استغل النظام زيارته للحديث تكراراً عن مؤتمر لمعارضة الداخل التي يضعها في ثلاجته، في محاولة لاسقاط معارضة الخارج والمضي في القول ان "الجيش السوري الحر" مجموعة من "الارهابيين"، ولهذا اعلن الاخير: "نحن واثقون من ان الابرهيمي سيفشل كما فشل الموفدون الذين سبقوه لكننا لا نريد ان نكون السبب، فالفشل مرده الى ان المجتمع الدولي لا يرغب في مساعدة الشعب السوري".

عملياً، كشفت مواقف النظام انه استغل زيارة الابرهيمي لدفن خطة كوفي انان ونقاطه الست، وخصوصاً الدعوة الى وقف النار وسحب الدبابات من المدن ليذهب الى الحديث عن "مواصلة محاربة المتمردين والبحث عن حل يرتكز على رغبات السوريين" الذين يخرجون من عباءته طبعاً!

مهمة الابرهيمي ستضيع في خضم المبادرات الكثيرة الفاشلة وآخرها مجموعة الاتصال الرباعية (مصر، تركيا، السعودية، ايران) التي اطلقها محمد مرسي والتقطتها طهران، التي تؤكد علناً مساعدتها للنظام عسكرياً وتريد ضم العراق وفنزويلا الى هذه المجموعة لتعطيلها، اضافة الى تحرك روسيا مجدداً في اتجاه مجلس الامن في محاولة لتمرير"اعلان جنيف" الذي تريده ان يسقط الجوهر"المبادرة العربية" بالغاء مبدأ الانتقال السياسي!

=================

إيران حين تتحدى!! * ياسر الزعاترة

 الدستور

18-9-2012

في مؤتمر صحفي يوم الأحد الماضي، قال القائد الأعلى للحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد علي جعفري “إن عددا من عناصر فيلق القدس موجودون في سوريا ولبنان. غير أن ذلك لا يعني أن لنا وجودا عسكريا هناك. إننا نقدم (لهذين البلدين) نصائح وآراء ونفيدهم من تجربتنا”. وفي نبرة تحدٍ واضحة، أضاف جعفري “نحن فخورون بالدفاع عن سوريا التي تشكل عنصرا مقاوما “ضد إسرائيل” عبر تزويدها بخبرتنا بينما لا تخجل دول أخرى من دعم مجموعات إرهابية في سوريا”.

وفي حين يعلم الجميع أن عناصر الحرس الثوري الإيراني يتواجدون منذ عقود في لبنان في إطار مساعدة حزب الله، فإنها المرة الأولى التي يعترف فيها مسؤول إيراني كبير بوجود عناصر في الساحة السورية يساعدون النظام السوري في مواجهة الانتفاضة الشعبية التي تحولت منذ شهور إلى مسلحة، وإن لم يختف الجانب الشعبي.

لم نكن في حاجة إلى كلام جعفري لكي نعرف أن الخبراء الإيرانيين موجودون في الساحة السورية منذ شهور بعيدة، وقد أكدنا ذلك مرارا وتكرارا هنا وفي منابر أخرى، بل قلنا -أيضا-: إنه لولا المساعدة الإيرانية لما كان بوسع النظام الصمود كل هذا الوقت. طبعا إلى جانب السلاح الذي يُضَخ بلا توقف، مع مساعدات اقتصادية كبيرة.

من الصعب القول: إن هناك جنودا إيرانيين يتحركون في الشوارع، وإن لم نستبعد وجود بعضهم في سياقات معينة تتعلق بالإشراف على بعض العمليات، لكن الجيش السوري المترهل لم يكن له أن يصمد لولا المساعدة الإيرانية التي بدأت منذ انطلاق الثورة المسلحة عبر تشكيل كتائب علوية بالكامل تحت إمرة ماهر الأسد تبعا للشكوك التي ساورت النظام حيال الآخرين، بخاصة السنَّة الذين صار كل واحد منهم برسم الشكوك بعد توالي انشقاقهم عن الجيش النظامي.

ولكن لماذا قررت القيادة الإيرانية الإفصاح عن طبيعة وجودها في الساحة السورية في هذه المرحلة بالتحديد؟

ما ينبغي أن يقال قبل الإجابة عن السؤال هو أن التوضيحات التي قدمها جعفري حول طبيعة المساعدة التي تقدمها بلاده للنظام السوري لا قيمة لها؛ لأن الجميع يدرك أنه لولاها لما كان بوسع النظام أن يصمد كل هذا الوقت، فضلا عن أن جعفري لم يكن ليعترف بكل الحقيقة في هذه المرحلة، لكن الرسالة وصلت على أية حال.

الجانب الأول للرسالة التي بعث بها جعفري هي للداخل السوري، أعني للعلويين على وجه التحديد، وربما للأقليات التي لا زالت تقف إلى جانب الأسد، وهي رسالة خلاصتها أن النظام ليس برسم السقوط (لأننا معه بكل قوتنا)، وأن عليكم أن تحافظوا على تماسككم حتى تجاوز الأزمة، وبالطبع بدل أن تقعوا في قبضة قوىً تعاديكم وتتربص بكم الدوائر. هذا البعد ليس سهلا بحال، ذلك أنه من دون تماسك العلويين والأقليات من حول النظام، فسيكون برسم الانهيار خلال وقت قصير.

الرسالة الثانية التي حملتها تصريحات جعفري هي للوضع العربي والتركي بشكل خاص، وخلاصتها أن النظام لن ينهار، وأنه ليس بوسعكم إذا أردتم تجنب المزيد من التدمير وإطالة المعركة هو التفاوض مع إيران على حل سياسي مقبول.

هي رسالة للعرب، وفي مقدمتهم مصر التي تحاول لعب دور مساند للثورة، أقله على الصعيد السياسي. كما هي رسالة لتركيا أيضا، لاسيما أنها تأتي معطوفة على مساعدات واضحة لحزب العمال الكردستاني الذي صعّد من عملياته ضد القوات التركية على نحو قد يزيد في رفض الشارع التركي لدور بلاده في الأزمة السورية، فضلا عن تحريض الطائفة العلوية التركية ضد تدخل بلادها لصالح الثورة.

هي إذن غطرسة تتجاوز الحدود، كما أنها استفزاز استثنائي للمحيط العربي والإسلامي يزيد في الحقد العام على إيران وسائر حلفائها في المنطقة، ولو تدبر القوم الموقف لأدركوا أن خسارة غالبية الأمة لا تساويها خسارة، حتى لو كان بوسع نظام الأسد البقاء، مع أنه ليس كذلك بحال، حتى لو استمرت المعركة أعواما أخرى.

على أن الأهم من ذلك هو ضرورة الرد العربي والتركي على هذا المستوى من الغطرسة، وبالطبع عبر رفع مستوى التسليح والمساعدة متعددة الأشكال للثورة السورية، لاسيما أن السماح لإيران بالانتصار في هذه المعركة سيعني لهم الكثير، أقله في المدى القريب.

ستدرك إيران، ولو متأخرة أن وقوفها إلى جانب بشار الأسد هو القرار الأكثر رعونة في تاريخها منذ انتصار الثورة ولغاية الآن، والأيام بيننا.

=================

سنة ونصف السنة على الثورة!

أكرم البني *

الثلاثاء ١٨ سبتمبر ٢٠١٢

الحياة

بعد سنة ونصف السنة على الثورة، يلحّ السؤال: أين صارت سورية اليوم، وأي أفق ينتظرها؟

ثمة ما يشبه اليقين بأن تغييراً لن يحصل في سياسة النظام وأن منطق العنف والمزيد من العنف هو لغته الوحيدة، ولسان حالة يقول، إذا لم ينفع الرصاص تنفع المدافع والدبابات، وإن عجزت هذه الأخيرة عن إرهاب الناس وإخضاعهم، فهناك الطائرات والتدمير المعمم والمجازر المروعة.

وللأسف، فإن سيادة هذا المنطق أو الإصرار على اعتبار ما يحصل مؤامرة مزعومة تنفذها جماعات سلفية إرهابية مصيرها السحق والاجتثاث، بدأ يعطي ثماره المرّة في تأجيج النزاعات الطائفية وتسييد لغة السلاح، ويزداد رداً على المسلكيات العنيفة والموتورة الاحتقان الأهلي وتتشجع العصبيات وتنشأ فئات متخندقة تحكمها نزعات إقصائية تهدد وحدة المجتمع وعناصر تماسكه ومفاهيم المواطنة والأخوة والشعب الواحد.

منذ البداية عمد النظام الى حرف الاحتجاجات عن مسارها السلمي والسياسي الى مسار عنفي وأهلي، وراهن على دور القمع المفرط في شحن الغرائز والانفعالات وتأجيج ردود الأفعال الثأرية لدفع الناس نحو تبني أساليبه العنيفة، مغذياً ما يمكنه من صراعات متخلفة وقوى طائفية عمياء، حتى لو أدت إلى تفكيك المجتمع وتقويض الدولة وجر البلاد إلى حرب أهلية قد لا تتوقف فور سقوطه، وإنما تهدد صحة المرحلة الانتقالية وعافية العملية الديموقراطية التي يتوق الناس اليها.

سنة ونصف السنة مرت ويبدو أن قدر الشعب السوري أن يواجه مصيره وحيداً بينما يحظى النظام بأفضل أشكال الدعم، فإلى متى سيبقى العالم كأنه لا يكترث بما يحصل من فظائع وأهوال، وكأنه بشعوبه وحكوماته يتفرج على هذا الفتك اليومي، من دون أن يتحرك جدياً لمنعه، أو على الأقل للتخفيف منه؟! وكم هي معيبة المعايرة بين غزارة الدم المراق وبين الدعم اللفظي والوعود الخلّبية، وآخرها التصريح «المثير» لهيلاري كلينتون بأنها ستعمل على دعم المعارضة في حال استمرار الخلاف مع روسيا حول الشأن السوري!

سنة ونصف السنة مرت والوضع الاقتصادي السوري صار في الحضيض. فسياسة الفتك والتدمير العشوائي أفضت إلى انهيار القطاعات الانتاجية والخدمية، لقد خربت حمم القذائف والآليات الثقيلة الأراضي الزراعية، ومنع الانتشار الأمني الكثيف نقل المحاصيل بصورة آمنة إلى الأسواق، وأفضى شح المواد الأولية جراء وقف الاستيراد، وضعف التسويق ومنافذ التصدير، إلى انهيار الصناعة، فأغلقت مئات المصانع أبوابها أو قلصت إنتاجها، وسرّحت الآلاف من عمالها، وقد لاقى قطاع السياحة المصير الأسوأ، فانتهى دوره اليوم تماماً، مثلما انتهت فرص الاستثمار، فرأس المال لا يأمن لساحة معرّضة لمزيد من الفوضى والاضطراب، ناهيكم عن تعطل غالبية المشاريع الاستثمارية التي كانت تسير بصورة طبيعية، وتراجع دور البنوك العامة والخاصة جراء العقوبات وهروب الكثير من رؤوس الأموال إلى الخارج، والأهم تدهور معيشة المواطن، إن لجهة عدم توافر السلع الأساسية والتي تُفتقد تماماً في المناطق الساخنة، كالخبز والمواد الغذائية والأدوية والغاز والمازوت، أو لجهة انهيار القدرة الشرائية، مع خسارة الليرة السورية أكثر من 40 في المئة من قيمتها، أو لجهة تهتك وتفكك شبكات الخدمات التعليمية والصحية، من دون أن ننسى معاناة المهجرين داخل البلاد الذين آثروا الانتقال من المناطق الخطرة، أو اللاجئين في البلدان المجاورة حيث أفضى تسارع الزيادة في أعدادهم إلى انحسار القدرة على توفير أهم الاحتياجات الانسانية لهم!

ويبقى المدهش أن غالبية السوريين وعلى رغم سوء عيشها وما تكابده، لا تزال متحمسة للثورة وللتغيير وتتطلع للتخلص من الاستبداد أياً تكن الآلام، في إشارة إلى تكيفها السريع مع شح الموارد بخاصة في المناطق التي خرجت عن سيطرة السلطة، حيث يتقصد النظام ترك هذه المناطق بلا كهرباء ولا ماء ويحرمها من أبسط الحاجات الحيوية للعيش، الأمر الذي يضع على عاتق اللجان الأهلية مسؤوليات خاصة، في خلق نمط من التعاون الصحي بين الناس والتوزيع العادل للاحتياجات المعيشية، والأهم الحد الحازم من التجاوزات والخروقات التي يمكن أن تنشأ في ظل غياب دور الدولة، بهدف المجالدة لإظهار صورة إيجابية عن مجتمع واعد ينسجم مع شعارات الحرية والكرامة التي تبناها، ويقطع الطريق على المتصيدين في المياه العكرة، والمشككين بقدرة الحراك الثوري على إدارة البلاد وتنظيم حياة الناس.

سنة ونصف السنة مرت ولا تزال المعارضة السورية في رحلة البحث عن ذاتها ودورها، تنوء تحت ثقل نزاعاتها وصراعاتها المؤلمة، وتحت عبء تقصيرها في خلق قنوات للتواصل مع الحراك الشعبي، ومدّه بأسباب الدعم السياسي والمادي... ولحسن الحظ يعوض هذا التقصير ما تشهده مرتكزات السلطة من تخلخل مستمر مع تكاثر حالات التهرب من المسؤولية والانسحاب من صفوف الجيش والأمن ومن الحزب وملحقاته النقابية، وهي انشقاقات لم تعد تقتصر على أفراد كانوا على الهامش أو في دوائر بعيدة، بل شخصيات مهمة عاشت جلّ تاريخها كجزء من تركيبة النظام، وهو أمر يكشف عمق الأزمة التي يعاني منها ويظهر تراجعاً ملموساً في قدرته على استمالة أقرب أنصاره ونيل ثقتهم.

لكن وللأسف لا يزال ينظر إلى هذه الانشقاقات من القناة الطائفية ربطاً بطابع أو نوعية المنشقين وخلفياتهم الدينية، وهو أمر يضعف بلا شك مردودها ودورها في تفكيك الدوائر المحيطة بالنواة السياسية والأمنية المقررة.

سنة ونصف السنة مرت، ما يكفي للاعتراف بأن مخاض الثورة سيكون صعباً جداً أمام آلة عسكرية مدججة بأفتك الأسلحة، وسيكتظ بالضحايا والآلام وبمعاناة ومكابدة لم يشهد شعب ثائر لها مثيلاً، لكن ما قد يخفف من وطأة هذا المخاض وثقله، هو وعي الناس وقوى المعارضة لعظمة ما أنجزوه ولروعة ما يقومون به... فلا وهم بانتصار سريع ولا رهان على تدخل خارجي حاسم، بل الثقة بجدوى استمرار الثورة ورصّ صفوفها وتصويب أخطائها، هو ما قد يصل إلى تحقيق أهداف الناس وما يتطلعون إليه.

=================

عن إيران وسورية و «حزب الله» ... في ضوء كلام صفوي!

محمد مشموشي *

الثلاثاء ١٨ سبتمبر ٢٠١٢

الحياة

ليس من دون معنى، ولا هو مجرد مصادفة، أن يكشف مستشار القائد العام للقوات المسلحة الإيرانية اللواء يحيى صفوي في هذا الوقت بالذات سراً حاول «حزب الله» دائماً أن يخفيه، أو أقله أن يبقيه ملتبساً، فيقول بعبارة لا تقبل التأويل: «إن لبنان وسورية يشكلان عمق الدفاع الاستراتيجي لإيران، وإن «حزب الله» سيرد إذا ما هاجمت إسرائيل الجمهورية الإسلامية».

في الشق الأول من الكلام، قد يكون مفهوماً أن تعمد طهران، تساوقاً مع موقفها من سورية، إلى إبلاغ من يهمه الأمر بأنها مستعدة للذهاب بعيداً في دفاعها عن نظام بشار الأسد، وبأنها لن تسمح بسقوطه (قال ذلك مراراً المرشد الأعلى الإيراني السيد علي خامنئي، وينفذه عملياً على الأرض) في مواجهة الثورة الشعبية المستمرة ضد هذا النظام منذ أكثر من سبعة عشر شهراً. فأن تكون سورية «عمق الدفاع الاستراتيجي لإيران»، كما قال صفوي، من شأنه أن يبرر لإيران موقفها هذا أمام شعبها وحتى أمام العالم بوصفها تدافع عن عمقها الاستراتيجي وليس عن أي شيء آخر، بما في ذلك نظام الأسد والأسد نفسه.

لكن السؤال يبقى عن الشق الثاني من كلام صفوي، واعتباره لبنان عمقاً استراتيجياً لإيران من ناحية، وأن «حزب الله» سيكون أداتها للرد على أي اعتداء إسرائيلي عليها من ناحية ثانية. والسؤال عن توقيت إطلاق هذا الكلام بينما لبنان والحزب يمران في مرحلة بالغة الدقة والتعقيد بسبب الحدث السوري، ثم عن إدراك (أو عدم إدراك؟!) ولي الفقيه الإيراني لانعكاساته على صورة الحزب اللبنانية الآن... ولاحقاً بعد وصول هذا الحدث إلى نهايته، أياً كانت هذه النهاية.

فلم ينكر الحزب يوماً علاقته البنيوية بالنظام في إيران، تسليحاً وتمويلاً من جهة، وفكراً دينياً لجهة ولاية الفقيه وسياسياً لجهة معاداة الاستعمار ومشروعه للمنطقة من جهة ثانية، إلا أنه سعى دائماً للفصل بين ما يقوله عن دوره المقاوم - وأخيراً المدافع فقط – في لبنان وبين قضايا إيران الداخلية بما فيها ملفها النووي وتهديداتها لدول الخليج العربية وعلاقاتها مع دول العالم الأخرى. وفي أكثر من مناسبة، كان الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله يبادر إلى إعلان أن إيران لم تطلب منه شيئاً في أي يوم، لا في لبنان ولا في سورية ولا طبعاً في إيران أو في أي مكان آخر، لأن قرار الحزب لبناني مئة في المئة ودوره يقف عند حدود تحرير المحتل من أراضي لبنان والدفاع عنه، وإن كان يجمعه مع إيران وسورية والعراق وغيرها (فنزويلا وكوبا وكوريا الشمالية، على سبيل المثال) تحالف سياسي واستراتيجي واسع.

هذا في العلن وبشكل عام، كما تحرص أدبيات الحزب على القول بغض النظر عن موقفه الفعلي سواء في لبنان أو في سورية بشكل خاص. لكن التطورات الأخيرة في البلدين، وفي المنطقة، وفرت للحزب فرصة تقديم نفسه (أو أقله الظهور) في صورة أكثر تماهياً مع ما يقوله عن قراره اللبناني... غير الإيراني وغير السوري تحديداً، إذا كانت إيرانيته أو سوريته تنعكس عليه سلباً داخل لبنان وحتى داخل طائفته كذلك.

وتظهر المؤشرات التالية بعض هذه المعاني:

أولا، حرص السيد حسن نصرالله في أكثر من مناسبة أخيراً على القول إن وظيفة سلاحه هي الردع أولا وقبل كل شيء، ثم الرد على أي عدوان إسرائيلي على لبنان، فضلاً عن تهديده بإلحاق خسائر فادحة في قواته المسلحة وبنيته التحتية والصناعية والعلمية. بل إنه، عندما تحدث عن تحرير ما تبقى من الأراضي المحتلة، ربط ذلك بوضع استراتيجية للتحرير من قبل هيئة الحوار الوطني وبالتنسيق مع الجيش اللبناني.

وقد أشاد السيد حسن، في كل أحاديثه هذه، بالجمهورية الإيرانية والولي الفقيه «الذي نلتزم آراءه» ودعمهما للحزب ومعاداتهما لإسرائيل والولايات المتحدة، لكنه لم يشر ولو تلميحاً إلى أنه قد يستخدم سلاحه للدفاع عن إيران في حال اعتداء إسرائيل أو الولايات المتحدة عليها.

ثانياً، على رغم ما يقال عن مشاركة عناصر من الحزب في قمع الثورة السورية، وحتى في ملاحقة واعتقال بعض أفرادها الذين لجأوا إلى لبنان، لم تتورط قيادته في أي من المحاولات التي قام بها النظام السوري لتصدير أزمته إلى الداخل اللبناني على امتداد الشهور الـ17 الماضية. وفي بعض التحليلات، أن دمشق لم تكن لتلجأ إلى الوزير السابق ميشال سماحة لو أن «حزب الله» أبدى أدنى استعداد للتجاوب مع خطط النظام فيها لجعل لبنان نسخة أخرى من أزمتها الداخلية.

والفارق كبير في أي حال. فالحزب لا ينكر دعمه لنظام بشار الأسد، وقد تكون له عناصر أو حتى كتائب تقاتل إلى جانب قواته في قمع الثورة (يقول الثوار إن لديهم وثائق تثبت ذلك) إلا أن موقفه الممانع لتصدير الأزمة إلى لبنان، كما أراد النظام وحاول مراراً في عكار وطرابلس والبقاع وبعلبك وبيروت، إنما يستحق الوقوف عنده وأن يسجل لقيادة الحزب.

ثالثاً، لعله في السياق ذاته، وليس في أي سياق آخر، خرج السيد نصرالله على الناس ليقول في خطابه يوم 17 آب (أغسطس) الماضي: «إن الأمور خرجت عن السيطرة... وافهموها كما تشاؤون».

حدث ذلك بعد ثلاثة حوادث تمت في وقت واحد تقريباً: الإعلان في دمشق عن خطف شاب من آل المقداد والرد عليه مما أطلق عليه «الجناح العسكري» للعائلة باختطاف رهائن في بيروت، وإطلاق مدافع ودبابات النظام السوري قذائفها على مدينة أعزاز حيث يوجد المخطوفون اللبنانيون الـ11 وشيوع أنباء عن مقتلهم، وقيام عدد من أقارب هؤلاء المخطوفين بقطع طريق المطار وبعض الطرق الأخرى.

رابعاً وأخيراً، موافقة قيادة «حزب الله» على دخول الجيش إلى منطقة الرويس في الضاحية الجنوبية حيث قام باعتقال الخاطفين وتحرير المخطوفين السوريين والأتراك، وسط كلام من الدولة والجيش والحزب معاً بأن ما تم لن يكون موقتاً بل ستتلوه مبادرات أخرى في الضاحية وفي غيرها من المناطق اللبنانية.

وبالعودة إلى كلام اللواء يحيى صفوي، هل يريد النظام في طهران أن ينزع عن «حزب الله» ما بقي له من هوية لبنانية، وأن يجعل منه بالتالي حزباً إيرانياً (وربما سورياً الآن) خالصاً؟.

=================

«الحرس النووي» في سوريا!

عماد الدين أديب

الشرق الاوسط

18-9-2012

بشكل واضح قررت طهران أن تحمي مفاعلها النووي من خط دفاع أول يبدأ من العاصمة السورية!

مسرح أحداث المواجهة مع الغرب اختارته إيران ليس على أراضيها ولكن على مساحة جغرافية من سوريا إلى لبنان، مستخدمة في ذلك تحالفا بين جيش سوريا النظامي وكتائب شبيحة النظام ينضم إليهم كتائب من حزب الله مدعومين بوحدات مسلحة من الحرس الثوري الإيراني، وفي رأيي أنه يجب أن يعدل اسمه من الحرس الثوري إلى الحرس النووي! ولم يعد سرا وجود قادة إدارة معارك من الحرس الثوري ومقاتلين إيرانيين مدعومين برجال من حزب الله اللبناني على الأراضي السورية منذ عدة أشهر. الجديد في هذا الملف أن اللواء محمد علي الجعفري القائد الأعلى للحرس الثوري الإيراني، أعلن شخصيا ولأول مرة أن «عددا من قوة القدس المسؤولة عن تنفيذ العمليات الخارجية السرية للحرس الثوري الإيراني موجودون بصفة مستشارين» وأضاف أنه «في حالة تعرض سوريا لهجوم عسكري فإن إيران ستقدم بدورها الدعم العسكري». إذن إيران أصبحت على الخط طرفا صريحا بالوجود الأمني والعسكري في الأزمة السورية مما يجعل الصراع الحالي أكثر تعقيدا، ويجعل مهمة الأخضر الإبراهيمي أشد صعوبة.

ويبدو أن الإعلان الإيراني عن أمر واقع مر عليه أكثر من 18 شهرا، جاء الآن وكأنه عرض من التاجر الإيراني الذي يعاني من أزمة الحصار الدولي المفروض عليه، بأن لديه الآن أوراقا مهمة في الأزمة السورية، ومن يرغب في البيع أو الشراء أو المقايضة فعليه أن يتصل بنا في طهران.

إنه منطق تاجر الفستق والكافيار والسجاد الإيراني الماهر الذي يحاول دائما أن يساوم في سعر البيع بعد عملية تشدد طويلة من أجل تحسين شروط التفاوض والحصول على أفضل سعر ممكن.

للأسف مقادير الشعوب أصبحت ورقة تفاوض وكأنه يتعين على سكان حلب أن يدفعوا ثمن جنون البعض في طهران، وعلى سكان إدلب أن يعانوا من أجل المشروع النووي الإيراني، بينما المئات يقتلون يوميا وأكثر من مليون ونصف المليون سوري يعيشون في معسكرات إيواء داخل وخارج وطنهم. ولست أعرف لماذا لا يستفيد خبراء الحرس الثوري الإيراني من وقت فراغهم في دمشق ويقومون بإدارة معارك على هضبة الجولان ضد العدو الصهيوني، خاصة أن الفيلق الذي ينتمون إليه اسمه فيلق القدس؟ ولست أعرف لماذا لا يقوم هؤلاء أيضا بـ«عمليات استشهادية» عظيمة عبر الحدود اللبنانية - الإسرائيلية من خلال الدعم المتوفر من قوات وجنود حزب الله الصديق لفيلق القدس؟

الحرب من أجل المشروع النووي الإيراني يجب ألا تتم حتى آخر طفل سوري، وآخر عجوز لبنانية وحتى آخر ليرة سورية أو لبنانية.

حرب إيران، إن أرادت لها أن تستمر، فلتكن على أرض إيرانية، بواسطة جنود وضباط وضحايا وتكاليف إيرانية فقط!!

=================

ميشال يطلب التوضيح والأسد يطلب المساعدة!

طارق الحميد

الشرق الاوسط

18-9-2012

أراد سفير طهران لدى لبنان تدارك تصريحات قائد الحرس الثوري الإيراني التي قال فيها إن قواته موجودة في كل من لبنان وسوريا، إلا أنه - أي السفير - وقع في شر أعماله، فبدلا من أن يكحلها أعماها، حيث اعترف دون أن يشعر بأن القوات الإيرانية موجودة فعلا في سوريا، من أجل قمع السوريين العزل ونصرة للأسد!

فعلى أثر مطالبة الرئيس اللبناني ميشال سليمان للسفير الإيراني، غضنفر ركن أبادي، بالتوضيح الرسمي حول تلك التصريحات، صدر بيان رئاسي رسمي صادر من لبنان يقول إن السفير «نفى ذلك، موضحا أن الكلام أتى جوابا عن سؤال يتعلق بوجود عناصر الحرس الثوري الإيراني في لبنان وسوريا، وكانت إجابة قائد الحرس محمد علي جعفري تتناول الوضع السوري»، أي إن قوات «فيلق القدس» موجودة في سوريا، وليس لبنان، علما أن تصريحات قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري كانت واضحة، حيث أقر بوجود عناصر من «فيلق القدس»، التابع للحرس الثوري، في سوريا ولبنان، مشيرا إلى «إننا نقدم لهما نصائح وآراء ونفيدهما من تجربتنا»!

والمفارقة هنا في إيضاح السفير الإيراني لدى لبنان أنه يقر بوجود قوات «القدس» في سوريا دون أن يشعر، والمفارقة الأخرى أن ما يحدث في سوريا اليوم على الأرض يوضح أن الأمور قد تبدلت، والموازين اختلفت، وإلا فكيف نفهم أن يقوم الرئيس اللبناني بطلب السفير الإيراني لدى لبنان إلى قصره طلبا للإيضاح الرسمي عن تلك التصريحات الإيرانية، بينما يقوم الأسد بطلب المساعدة من إيران، بل إن الأمر تجاوز طلب المساعدة، فالواضح اليوم أن إيران هي من تدير دفة الأمور في سوريا. فرئيس الحرس الثوري يصرح بوجود قوات لـ«فيلق القدس» في سوريا دون أن يكترث بردود الفعل، ودون أن يفكر في أي حرج قد تسببه تلك التصريحات لبشار الأسد نفسه.

والواضح اليوم، وبعد تصريحات قائد الحرس الثوري، أن إيران باتت تشعر بالحرج أكثر من الأسد نفسه، فمنذ تصريحات جعفري وإيران تحاول إدارة الأزمة التي تسبب فيها، ففي البدء قال قائد الحرس الثوري الإيراني، وأمام الكاميرات، أن ليست لبلاده نية بالتدخل في سوريا في حال حدث تدخل خارجي هناك، وهو ما اضطر إيران إلى أن تصدر بيانا تقول فيه إن حديثه أُخِذ خارج سياقه. والآن نرى السفير الإيراني لدى لبنان يحاول أيضا معالجة تصريحات قائد الحرس الثوري عن وجود قوات من «فيلق القدس» في كل من لبنان وسوريا، إلا أنه أيضا وقع في شر أعماله، أي السفير الإيراني، حين أقر ضمنيا بوجود تلك القوات الإيرانية في سوريا.

وبالطبع، يحدث كل ذلك والنظام الأسدي غارق في صمته، حيث لم ينف، أو يوضح، حتى كتابة هذا المقال، أو يعترض حتى على التدخل الإيراني من أجل قمع السوريين نصرة للأسد، ولكل ذلك معنى واحد وهو أن الأسد بات أضعف مما يتخيل حلفاؤه، أو أنصاره، فإيران باتت تتحدث عنه بطريقة لا تفعلها حتى مع حسن نصر الله بلبنان، وهو ابنهم المدلل، وذراعهم العسكرية بالمنطقة، بل تحاول إظهاره، أي نصر الله، كجزء من التركيبة اللبنانية!

=================

هل أفسدت «بنغازي» على ثورة سوريا؟

عبد الرحمن الراشد

الشرق الاوسط

18-9-2012

بعد هجوم بنغازي دقت أجراس الخطر في عدد من العواصم العالمية. فـ«القاعدة» ظهرت في ليبيا، والجهاديون في سيناء، وسلفيون مسلحون في تونس. في أسبوع واحد بدا كما لو أن المتطرفين خرجوا من القمقم وهم الآن يدمرون العالم. أحد المحللين على قناة «روسيا اليوم» علق بابتسامة ماكرة، «لقد قلنا لهم إن ما يحدث في ليبيا وسوريا ليس إلا من عمل الجماعات الإسلامية الإرهابية وليست ثورات شعبية، وأن تأييدها سيكون وبالا على الغرب والعالم، لكنهم لم يستمعوا لنا، وما قتل السفير الأميركي سوى ثمار ما زرعته السياسية الأميركية في ليبيا».

هذا الاتهام ليس جديدا لكنه الآن يحك جلد الكثيرين بعد صدمة أحداث بنغازي وتونس. بسبب هذه المخاوف، قالت التقارير الصحافية إن الرئيس الأميركي باراك أوباما باتت «تتنازعه احتمالات عدة»، وأن الإدارة تعيد النظر في التعامل مع الثورة السورية! هذا كلام كبير وخطير، إن كان صحيحا. طبعا يصعب عليّ أن أشرح بإيجاز أهمية الحصول على تأييد الدول الكبرى للشعب السوري في ثورته، أو لأي ثورة مسلحة. من دون تأييد دول كبرى قد تصنف المنظمات السورية الثورية إرهابية، ويمكن أن تمنع من العمل في تركيا والأردن، وسيستحيل عليها جمع الأموال والسلاح من الكويت والسعودية وقطر. عمليا ستنتهي مثل الحركات المسلحة كالكردية؛ موجودة منذ عقود لكنها محاصرة وبلا شرعية.

وهنا أريد أن أكون واقعيا، وأعترف أن في الثورة السورية إشكالات قد لا تقل عن ليبيا، ومخاطر مستقبلية لا يمكن تجاهلها عند تغيير نظام بشار الأسد. ولكن يخطئ الغرب إن نظر إليها من منظور مخاوفه من الأصولية المتطرفة. سوريا ليست مصر، والأسد ليس مبارك. كما أن فشل الثورة السورية أخطر من نجاحها حيث ستنتشر الجماعات الإسلامية المتطرفة المسلحة مثل الفطر لأنها تقتات على فشل الحكومات، وعلى الفوضى، وتجمع المهزومين والمحبطين خلفها. ولأنه بعد عام من المواجهات المسلحة هشمت المعارضة النظام ومؤسساته، وحتى يعيد بسط سلطته سيزداد نظام الأسد شراسة ضد مواطنيه، وضد الدول الإقليمية، والمصالح الغربية. وبالتالي ستضطر الدول الغربية إلى العودة إلى سوريا لمحاربته كما فعلت في العراق. فهي كسرت نظام صدام في عملية تحرير الكويت عام 1991، ثم تركته جريحا لتضطر للعودة والإجهاز عليه في عام 2003. النتيجة أن دبت الفوضى حتى الآن، والنظام العراقي يتم ابتلاعه من قبل إيران.

الجانب الثاني، أن إسقاط نظام بشار ضرورة سورية وإقليمية ودولية أكثر من إسقاط القذافي أو صدام. هو اليد الطولى لإيران في المنطقة العربية، أدار معظم الجماعات الإرهابية على مدى أربعين عاما ضد دول المنطقة وكذلك الغرب. وهناك كم هائل من الأدلة تربط تنظيم القاعدة بالنظامين السوري والإيراني، ومعظم العمليات الإرهابية التي نفذت في العراق خلال السنوات الثماني الماضية كان النظام السوري طرفا متواطئا فيها. ولا أستبعد أبدا أن يتضح لاحقا أن «القاعدة»، أو إحدى الجماعات المسلحة، التي نفذت عملية الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي عملية مدبرة من قبل نظام الأسد أو حلفائه، خاصة أنها صممت ليتوافق تنفيذها مع ذكرى هجمات الحادي عشر من سبتمبر، بهدف التشويش وتخويف الولايات المتحدة.

الجانب الثالث، هو شعبية القضية في المنطقة. أنا لا أعرف قضية، توازي القضية الفلسطينية، هيمنت على مشاعر العرب في نصف قرن مثل القضية السورية. فحجم التعاطف للشعب السوري هائل في المنطقة، بسبب بشاعة الجرائم التي يرتكبها النظام الوحشي يوميا بلا توقف ويشاهد الناس أخبارها وصورها كل مساء مصدومين وغاضبين. لهذا انقلب غالبية العرب ضد إيران وروسيا وهم غاضبون من بقاء الغرب على الحياد.

عودة إلى الهجوم على القنصلية في بنغازي، الذي أثار مخاوف الغرب، صحيح أنه في عصر الطاغية معمر القذافي عاشت السفارات والمصالح الأجنبية في أمن وحماية تامة، لكن لا ننسى أن القذافي، مثل الأسد، كان وراء الكثير من الجرائم الإرهابية في أنحاء العالم. وعلى الغرب أن يدرك أن إسقاط هذه الأنظمة المجرمة لن يمر بسهولة لأنها ستدبر عمليات انتقام، وستظهر جماعات تحاول أن تحل محلها، لكن في نهاية الأمر نهاية هذه الأنظمة السيئة تبقى خيرا للعالم.

=======================

محاكمة الهاشمي.. دلالات ومفارقات

د. محمد عياش الكبيسي

العرب القطرية

2012-09-18

بعد تردد طويل وتأجيلات متكررة صدر الحكم بإعدام نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي.

وقد حمل الحكم مفارقات لا يمكن تصورها إلا في ظل القضاء «العراقي» الجديد الذي تشكل ونما في ظل الاحتلال الأميركي الإيراني المزدوج.

أولى هذه المفارقات أن الهاشمي كان قد فقد ثلاثة من أشقائه غدرا، وكان من المفترض أن يتلقى الهاشمي من المؤسسات المعنية ما يطمئنه أن التحقيق آخذ مجراه، وأن الجناة سيكونون في قبضة العدالة، لكن الهاشمي فوجئ بأنه هو هو المطلوب للعدالة وليس أولئك الجناة!

في هذه المفارقة لا يحتاج المراقب إلى كثير من الذكاء ليكشف أن «إعدام الهاشمي» بسكين «القضاء» لا يختلف عن إعدام أشقائه بسكين الغدر، بل ربما لم يكن إعدام أشقائه إلا محاولات لإقناعه هو بالتنحي عن طريق المالكي، لكن إصراره على مواصلة المسير لم يترك فرصة للمالكي ومؤسساته «القضائية» إلا أن يستخرجوا الملفات التي كانت تجمع لسنوات طويلة لتؤدي دورها المطلوب في الوقت المناسب.

أما المفارقة الثانية فإن الهاشمي كان أول مسؤول عراقي يضع يده على شاربه –وهي تعني عند العراقيين الكثير-ليقول للمعتقلين: «أنتم بهذا الشارب» وهو ما يعني أنه سيمارس دوره كنائب للرئيس في فتح ملفات هؤلاء المعتقلين والتحقيق فيها وربما استصدار قانون العفو العام، خاصة أن غالبهم لم توجه له أي تهمة قضائية، لكن قبل أن يتمكن الهاشمي من فتح هذه الملفات فتح المالكي ملفات أخرى من شأنها أن تزج بالهاشمي في صفوف هؤلاء المعتقلين بل وفي مقدمتهم لتحكم عليه قبل غيره بالإعدام!

وأيا ما كان قصد الهاشمي بهذا التعهد الجريء والحازم فإن المالكي قرر ألا يمنح هذا الشرف للهاشمي، فلو تمكن الهاشمي من الوفاء بتعهده هذا لأصبح رمزا للمظلومين وأملا لهم، وهذا من شأنه أيضا أن يحفّز كل المظلومين ليلتفّوا حول قياداتهم ومن ثم تتوطد أواصر الثقة بين الجمهور السني وقياداته السياسية، وسيكون لهذا تداعيات لها أول وليس لها آخر في حسابات المالكي. من هنا كان رد المالكي سريعا وعنيفا، وربما تحقق له بهذا الرد بعض ما خطط له خاصة مع وجود حالة من الفوضى وتضارب المواقف والمعلومات في الشارع السني إلى الحد الذي جعل بعض أقرباء المعتقلين وذويهم يرددون اليوم: أين تعهدات الهاشمي؟! وقد كان سياق الأحداث وتسلسلها يقضي بتعاطف هؤلاء أكثر من غيرهم مع الهاشمي.

وهنا لا بد لنا من وقفة جادة مع الشارع السني الذي يتعرض اليوم للظلم ومحو الهوية ويتعرض أبناؤه للاضطهاد والاعتقال بل وللتعذيب والقتل، هذا الشارع الذي لم يحرك ساكنا في الفضيحة الكبرى التي فجرها ليث الدليمي والتي كشف فيها على شاشة العراقية عن أبشع أنواع التعذيب التي يتعرض لها شباب السنّة في سجون المالكي لنزع الاعترافات القسرية منهم، ولم يحرك سواكنه أيضا وهو يسمع قرار الحكم بإعدام الهاشمي والذي تزامن مع قرارات أخرى تقضي بإعدام ما يزيد على مئتين وخمسين شابا من خيرة شباب أهل السنّة.

إن هذه التحديات المتراكمة والمتصاعدة كان من شأنها أن تطيح بأعتى حكومة مهما كان نظامها الأمني والبوليسي، فما الذي جرى لهذا الشارع؟ وهو قبل أيام كان يناجز المارينز وآلياته الجبارة في كل حي وزقاق من ذلك المثلث أو المستطيل السنّي!

إن التعذر بأخطاء القادة وإخفاقاتهم واختلافاتهم لن يغير من الواقع شيئا، وإن ثقافة التشفي واستذكار الأخطاء مع كل عدوان يحصل على هذا الطرف أو ذاك ليس من شأنه إلا أن يعمق في الشارع السني روح السلبية، وإذا كان ما تعرض له الهاشمي يصح دليلا بذاته على فشل تجربته فإن غير الهاشمي ممن يحملون رؤى مخالفة لرؤيته قد أصابهم ما أصاب الهاشمي وهاهم اليوم يعيشون خارج الحدود وبحماية الدول المجاورة تماما كما هو حال الهاشمي اليوم.

الحقيقة التي لم تعد محجوبة إلا على من حجبته أحقاده الشخصية أن الجميع مستهدف مهما كان مشروعه وتوجهه طالما أنه ينتمي لاسم السنّة، كما أن الجميع لم يعد قادرا على تحريك الشارع، وقد مرت حوادث كثيرة ومتنوعة وبعناوين مختلفة وكانت ردة فعل الشارع السني تسير بنسق واحد من السلبية واللامبالاة، وقد طالت حملات الاعتقال كل ألوان الطيف السني بعلمائه وشبابه وسياسييه وقبائله، بإسلامييه وعلمانييه ومستقليه فلم تختلف حركة هذا الشارع، وإذا كان الهاشمي أو الدليمي لا يستحقان ردة الفعل المطلوبة من هذا الشارع فلماذا لا يتحرك هذا الشارع لإنقاذ عشرات الآلاف من المعتقلين والذين قد يواجهون الإعدام الفعلي ويتعرضون قبل الإعدام لما تشيب له الولدان من الانتهاكات؟

أما المفارقة الثالثة فإن الهاشمي والذي كان يحمل رتبة عسكرية مرموقة في الجيش العراقي السابق لكنه اختار طريقا آخر قد لا يتناسب مع وظيفته العسكرية؛ حيث اختار غير ذات الشوكة وانحاز للعمل السياسي وربما كان هذا بضغط من جماعة الإخوان المسلمين وقراراتها الشورية الملزمة فما الذي حصل؟

أولا: أن يحاكم الهاشمي بتهمة الإرهاب المسلح؛ حيث ألصقت به الكثير من عمليات الخطف والتفجير! وأن يقع تحت طائلة المادة الرابعة- إرهاب، وهو بالوقت ذاته يتعرض للوم والاتهام من قبل التيارات الجهادية بتخذيله للمجاهدين وتمريره للدستور وللاتفاقية الأمنية والمتضمنة للمادة الرابعة نفسها! وهذا وحده يعطينا صورة عن حجم الفوضى في المعلومات والتحليلات والاتهامات، وهو لا شك سبب أساس من أسباب اللامبالاة والسلبية التي تلف الشارع السني؛ حيث لم يعد هذا الشارع قادرا على فرز الصور والأسماء والمواقف، ومع ازدياد مقولات الشك والاتهامات المتبادلة أصبح الشارع لا يثق بالوعود والشعارات ولم يعد مستعدا للتضحية ليس لأنه يفتقر إلى الشجاعة بل لأنه يفتقر إلى الثقة.

والنقطة التي لا بد من التنبه لها في هذا السياق أن المالكي الذي تمكن من فتح كل هذه الملفات «الإرهابية» بوجه الهاشمي وهو الشريك الأبرز في العملية السياسية فما الذي يضمره المالكي لأهل الفلوجة مثلا وهم الذين حملوا السلاح رجالا ونساء صغارا وكبارا وخاضوا معركتين من أشرس معارك التاريخ المعاصر؟

ثانيا: أن يلوذ الإخوان المسلمون بالصمت وعلى كل المستويات وهم الذين دفعوا الهاشمي إلى هذه المشاركة والتجربة المريرة، سواء منهم من اشترك معه في «العراقية» واستفاد من فائض أصواته الانتخابية أو من التحق به فيما بعد تحت هذا العنوان نفسه، أو الذين كانوا معه في الأُسر التنظيمية والمحاضن التربوية العريقة.

وإذا كان إخوان العراق قد آثروا الصمت لحسابات سياسية أو شخصية معقدة فإنه ليس من المتوقع ولا من المفهوم أن لا يعبر إخوان مصر أو إخوان تونس مثلا عن أي موقف ولو من باب الالتزامات الإسلامية العامة، أو على الأقل أن يقوموا بدعوته كما قامت قيادة النهضة التونسية بدعوة «الإخوة» من قيادة حزب الله وحكومة الولي الفقيه في إيران.

إن أهل السنّة في العراق ليسوا ضعافا إلى هذا الحد فما زالوا يمتلكون من أسباب الصمود والتماسك الشيء الكثير وكل المطلوب منهم اليوم أن يعيدوا قراءتهم للواقع الذي يعيشون فيه وللتجارب التي خاضوها بحلوها ومرها، وأن يعيدوا تقويم مواقفهم الذاتية وعلاقاتهم الخارجية بما يمكنهم من وضع الحد المطلوب لهذا التداعي والذي لم يسجل له التاريخ مثيلا إلا في تلك الأيام السوداء التي أعقبت سقوط بغداد على يد هولاكو.

إن التضامن السنّي السنّي مهما اختلفت الآراء والتوجهات أصبح الآن ضرورة ليس لدفع الظلم عن هذا الطرف أو ذاك وإنما للحفاظ على أصل وجودهم وهويتهم وإلا فإن مستقبل السنة في العراق لن يكون بأحسن الأحوال بأفضل من حال السنّة في إيران اليوم.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ