ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
زين
الشامي / عن الشعب الإرهابي ... عن سورية
الأسد الرأي العام 30-9-2012 «الى روح مؤيد
الشربجي الذي كنت أقص شعري عنده لعشر
سنوات في حي القابون وكان يحكي لي
القصص ويرشني بالعطر» بحكم عملي وبحكم
اشياء كثيرة فأنا متابع مواظب لوسائل
الاعلام السورية جميعها منذ سنين
طويلة رغم انها وسائل اعلام مملوكة
للحكومة ووظيفتها الاساسية تمجيد
النظام الحاكم وتكريس عبادة «القائد
الحكيم، القومي،المناضل، الاصلاحي،
المؤمن، الفريد، الفذ، الذي يتصدى لكل
المؤمرات العربية والدولية والكونية
التي تحاك ضد سورية...». لكن ومنذ اندلاع
الاحتجاجات الأولى في درعا وسوق
الحميدية في دمشق منذ نحو ثمانية عشر
شهرا او اكثر، لاحظت الغربة الحقيقية
لهذا الاعلام عن شعبه وما يجري في
الشارع السوري. ربما يبدو هذا الكلام
قديما للبعض لكن بعد الاحداث
والتطورات المرتبطة بالثورة السورية
وانتفاضة غالبية السوريين ضد النظام
الحاكم، تطورت العلاقة بين هذا
الاعلام وشعبه بحيث لم يعد ممكنا
توصيفها بالغربة او القطيعة بل
بالعداوة.نعم العداوة بكل ما في الكلمة
من معنى. يكفي ان تتابع الشريط
الاخباري للفضائيات السورية كلها اذا
كنت لا تستطيع تحمل الخطاب الاعلامي
الرسمي بكل لغته الخشبية، واذا كنت لا
تحتمل سماع خطاب اعلام يقوم فقط على
البروباغندا فقط، يكفي ان تلقي نظرة
سريعة على عناوين الوكالة العربية
السورية للأنباء «سانا» لتعرف ان
المصطلح الأنسب لوصف علاقة هذه
الوسائل الإعلامية الحكومية بشعبها هي
علاقة عداوة فقط وليس وسائل اعلام
شعبية او وسائل اعلام تنتمي للقرن
الواحد والعشرين، ربما تجد شبيها لها
فقط في ألمانية النازية او الاتحاد
السوفياتي في الأربعينات والخمسينات
من القرن الماضي او اليوم في جمهورية
كوريا الشمالية او كوريا الديموقراطية
الشعبية حسب الاعلام السوري أيضاً. غالبية الاخبار
اليومية او الطبق الاخباري اليومي في
وسائل الاعلام هذه تتحدث عن «القضاء
على مجموعة إرهابية كاملة» في ريف دمشق
او حلب او دير الزور او درعا، لكن حين
تشاهد غالبية القنوات الفضائية
العربية والدولية فإنك ستشاهد أخبارا
وصورا مختلفة تماماً. فحين تقرأ او
تسمع ان «قواتنا المسلحة قضت على
مجموعة الإرهابيين» في مدينة داريا
غرب دمشق منذ نحو شهر تقريبا، ستجد في
اليوم التالي ان العالم كله استفاق
ليرى مجزرة رهيبة ومؤلمة وصورا تقشعر
لها الأبدان لنساء وأطفال وشيوخ وشبان
تجاوز عددهم اربعمئة ضحية.؟ وحين تشاهد قناة
الدنيا او تقرأ الشريط الاخباري
للفضائية السورية او تتصفح وكالة سانا
ستقرأ ان «جنودنا البواسل تصدوا
لمجموعات إرهابية مسلحة في مدينة
الباب في محافظة حلب بعد ان تلقوا
شكاوى من الأهالي تطلب من السلطات
المساعدة في القضاء على الإرهابيين
الذين يعيثون فسادا وتنكيلا وتخريبا
بالأهالي «لكن ما هي إلا ساعات حتى يبث
ناشطون سوريون شرائط فيديو لدمار هائل
في تلك المدينة وشبان يرفعون الأنقاض
بحثا عن قتلى دفنوا تحت الابنية
المتهدمة بفعل غارة جوية للطيران
الحربي السوري. ثم لتكتشف لاحقا ان
اكثر من سبعين شخصا قتلوا جراء تلك
الغارة الجوية على المدينة ومن بينهم
أيضاً أطفال ونساء وشيوخ ورجال وشبان
وبنات... ذات مرة قرأت على
وكالة سانا ان القوات الأمنية لاحقت
مجموعة إرهابية في حي القابون في دمشق
وأنها قتلت عشرات الإرهابيين، في
اليوم التالي اخبرني قريب كان ما زال
يسكن في الحي قبل ان يغادر ويهرب الى
الأردن ان اولاد «طه الصادق» الثلاثة
قد وجدوهم محروقين في منزلهم وان امهم
أصيبت بالجنون حين سمعت الخبر. كذلك
انتشرت صور على مواقع التواصل
الاجتماعي لمجزرة في الحي نفسه وفي
الوقت نفسه راح ضحيتها اكثر من عشرة
أشخاص وقد وجدوا مربوطي الأيدي من
الخلف والرصاص اخترق رؤوسهم وظهورهم
من الخلف، رأيت تلك الصور لأولئك
الإرهابيين المفترضين حسب وسائل
الاعلام السورية، ورأيت لاحقا في
مجزرة أخرى صورة «مؤيد الشربجي» الذي
كان يملك صالونا لحلاقة الشعر في مقابل
البناء الذي كنت اسكن فيه، وهو الشاب
الوسيم الاشقر الذي قص شعري ورش علي
العطر لمدة اكثر من عشرة اعوام، وقص
الشعرات الناعمة الاولى لكل أولادي. ذات يوم أخبرتني
صديقة تعمل في احد التلفزيونات
العربية انها تشعر ان غالبية الشعب
السوري بات إرهابي حين تتابع
التلفزيون السوري، ومرة كتب لي صديق من
داخل سورية بسخرية مرة، وهو بالمناسبة
كاتب روائي: اشعر يا صديقي حين اتابع
قناة الدنيا ان ابي إرهابيا وامي
إرهابية وعمتي فاطمة إرهابية والحاجة
ام مصطفى القابلة التي ولدت كل أبنائي
إرهابية أيضاً، واستاذ المدرسة
وحبيبتي الاولى، ومختار الحي وابو
عبدو بائع سندويش الفلافل القريب من
مبنى السجن المركزي في ادلب... كلهم
إرهابيون. النظام السوري ربما
هو الوحيد في العالم الذي يقصف المدن
الكبرى والعريقة مثل حلب ودمشق ودرعا
ودير الزور بالطيران الحربي ويلقي
عليها براميل «التي ان تي» الشديدة
الانفجار لملاحقة وقتل الإرهابيين.
وهو النظام الوحيد في العالم الذي
يرتكب جنوده وشبيحته المجزرة تلو
المجزرة ويعلن بعد دقائق او ساعات
قليلة ان إرهابيين عملاء للخارج هم من
ارتكبوا المجزرة، وهو الوحيد الذي
يحضر في اليوم التالي المتهمين ويجري
معهم مقابلات تلفزيونية يعترفون
خلالها بارتكابهم للمجزرة بكل أريحية
ودون ضغوط او تعذيب. لن نتحدث هنا عن تلك
المذيعة في قناة الدنيا التي مشت
برجليها وكعب حذائها العالي بين جثث
ضحايا مجزرة داريا بكامل اناقتها
الصارخة، بعيونها المكحلة، بأظافرها
المطلية بالأحمر، وأجرت مقابلات مع
أطفال يجلسون قرب جثث أمهاتهم وآبائهم...
هذا يحدث فقط في مكان واحد في العالم...
في سورية الاسد. ================= رأي البيان التاريخ: 30
سبتمبر 2012 البيان ما يحدث في سوريا
يبدو إلى الخيال أقرب، فآلة القتل تحصد
بشكل راتب مئات الأرواح وتسيل شلالات
دماء المدنيين أنهاراً، والعالم يتابع
الأحداث بوتيرة إلى البرود أقرب، لا
تختلف شكلاً أو مضموناً عن مشاهدة فيلم
عنف شديد الدموية والفتك، إنها مأساة
شعب لم يجد نصيراً غير إيمانه بمقدراته
في استشراف مستقبل نزف من أجله الكثير. منذ بدء الانتفاضة
السورية والمجتمع الدولي، ممثلاً في
الأمم المتحدة وذراعها مجلس الأمن
الدولي، يقف عاجزاً عن الاضطلاع
بواجباته في حفظ السلم والأمن
الدوليين، يرى بأم عينه دماء تسفك
وأرواحاً تزهق بلغت حدود الــ30 ألف
قتيل وما زال العرض مستمراً، فضلاً عن
نزوح يتوقع بلوغه حاجز 700 ألف وفق
إحصائيات دولية، ونزوح داخلي فاق
حواجز المليونين. ولعل وصف قوى دولية
كثيرة مجلس الأمن بــ«الشلل» إزاء
الأزمة السورية، يثير كثير استغراب
وأسئلة لا تنفك تلح على إجابات صعبة،
تتلخص في مخرج يوقف النزيف السوري، وهل
باستطاعة المبعوث الأممي العربي
الأخضر الإبراهيمي، النجاح في ما فشل
فيه سلفه كوفي أنان في ظل أدوات
متشابهة، وتكتلين أحدهما لا يزال يرى
مصالحه مع النظام السوري ويقف حائلاً
أمام مجلس الأمن بــ«الفيتو»، وآخر
تملكته الحيرة فلم يجد غير إدانات
المجازر والتهجير سبيلاً. إذا أراد العالم
النجاح لمهمة الأخضر الإبراهيمي،
فعليه التوافق أولاً وتزويد الأخير
بأدوات يستطيع من خلالها اختراق هذا
الملف المأزوم، والتوصل إلى نقاط
التقاء بين طرفي الصراع، على الرغم من
تباعد المواقف وإصرار الطرفين على
الحسم العسكري، إن كان النظام عبر
تمسكه بالإجهاز على ثورة يسميها «عصابات
مسلّحة»، أو ثوار يرفضون غير خروج
الأسد من المعادلة السياسية في البلاد
مخرجاً للأزمة. لا مخرج للأزمة إلاّ
بتوافق دولي يشرع أبواب الخلاص أمام
السوريين لتجاوز أزمة طالت حتى بلغت
العامين أو كادت، إذ إن لعب دور
المتفرج أضحى معيباً أمام شعب توزّع
بين المقابر والمنافي وما بينهما. ================= الوطن القطرية التاريخ: 30
سبتمبر 2012 لا يختلف العقلاء في
ضرورة أن يغادر المجتمع الدولي مقعد
المتفرج الذي التزمه طول الوقت منذ
نشوء الثورة السورية، ولا بد من حراك
جديد ينقل الأزمة باتجاه الحل الذي
ينقل سوريا بدوره إلى طور آخر، لا يبقى
فيه النظام يمارس سلوكا ثأريا، متشبثا
بالسلطة، ولينهض هذا البلد من كبوة طال
أمدها ومن صراع دام يعيد سوريا إلى
القرون الوسطى. الحراك الدولي
المنشود يجب ألا يرتهن بظروف داخلية في
الدول الكبرى، مثل الانتخابات، وذلك
لأن النظام السوري يستغل لعبة الوقت في
سياسة الأرض المحروقة التي تجعل
السوريين يعيشون جحيما لا يطاق، كما أن
الحراك الدولي يجب ألا يقتصر على
مساعدات مليونية يقدمها الغرب إلى
المعارضة السورية، لأن الثورة السورية
لا تحتاج إلى المال بقدر ما تحتاج إلى
ما يعزز عملياتها على الأرض. ألا يدعو كل ذلك إلى
بحث جدي لفكرة «قوات حفظ الأمن العربية
والدولية» التي طرحتها قطر، لوقف سفك
الدم، ولإنقاذ سوريا من أزمة حالكة
تدمر كل شيء على أرضها؟ وكيف يصاب الحراك
الدولي والأممي بشلل، لمجرد أن الفيتو
المزدوج الروسي ــ الصيني تم إشهاره
مرات، تحقيقا لمصالح موسكو وبكين وعلى
حساب سوريا وشعبها ومستقبلها؟ هل نضبت الأفكار
ليضيع مستقبل هذا البلد، لحساب توافق
أو تعارض دولي من دون النظر إلى
المهانة والرعب الذي يعيشه السوريون
في بلدهم، وعلى يد نظام يحكمهم بالحديد
والنار؟ وهل هب الشعب السوري
ثائرا متطلعا للحرية والكرامة
والعدالة الاجتماعية، ليترك القصور
الدولي الواضح الفرصة سانحة لقوات
النظام لتذبح أسراً وعائلات من دون
رحمة، وليضيع دم آلاف الشهداء هباء،
ولمجرد أن العالم قرر انتهاج ما يشبة
النأي بالنفس عن الأزمة وتداعياتها
المقيتة؟! ================= تاريخ النشر:
الأحد 30 سبتمبر 2012 د. رضوان السيد الاتحاد كانت الخطابات التي
أُلقيت في افتتاح الدورة الجديدة
للهيئة العامة للأُمم المتحدة، بالغة
التعبير عن تكاثر مشكلات العرب
وتعقُّدها. فقد كانت هناك موضوعات
ثلاثة هي الرئيسية في أكثر كلمات
الرؤساء، وكلُّها عربية: القضية
الفلسطينية، والقضية السورية، وقضية
أو قصة الفيلم المسيء للإسلام. وفي هذه
المسائل كُلها جاء كلام الرئيس
الأميركي قوياً، لكنه غير مؤثّر، لأنه-
شأنه خلال السنوات الثلاث الماضية-
يقول كلاماً جميلاً، ثم لا يكاد يفعل
شيئاً بعدها. فقد حاول منذ مطلع عام 2009
إصلاح العلاقة بين أميركا والمسلمين،
من خلال خطاباته في القاهرة وإسطنبول
وإندونيسيا، لكنه ما غيّر السياسات
البوشية تغييراً جذرياً. فقد انسحب من
العراق وسلَّمه لإيران، ولم ينسحب من
أفغانستان، وأضاف لفضائل بوش المعروفة
فضيلة اغتيال الناس من خلال الطائرات
بدون طيار! وقد كانت ردود فعل العرب
والمسلمين على الفيلم المسيء مسيئة
لنا، أكثر مما هي مُسيئةٌ لمن صنعوا
تلك التمثيلية التي ربما كان من
مقاصدها إحداث ردود مثل تلك التي حصلت.
لكنّ الأميركيين كانوا يستطيعون أن
يفعلوا الكثير، بيد أن شيئاً من ذلك لم
يحدُث! والأبلَغُ من ذلك على
عدم جدوى سياسات أوباما، إن كانت له
سياسات بالفعل، ما قاله عن القضية
الفلسطينية. فقد تمنى أن يسود السلام
بين الشعبين، وأن تقوم الدولة
الفلسطينية المستقلة. ونحن نتمنى ذلك
أيضاً، لكن أوباما تخلى منذ عامين عن
محاولة إنقاذ مفاوضات السلام، واستسلم
لنتنياهو والمستوطنين اليهود، كما
استسلم لإلغاء أو محاولة إلغاء القدس
العربية. واستسلم قبل ذلك وبعده
لتوقُّف مساعي جورج ميتشل مبعوثه
للقضية بعد عملٍ مُضْنٍ لأكثر من عام
ونصف العام. وما اكتفى بذلك، بل أضاف
لفضيلة الانهزام أمام نتنياهو الحملةَ
على السلطة الفلسطينية لإصرارها على
وقف الاستيطان وعلى الذهاب إلى الأُمم
المتحدة: فكيف وماذا يكون معنى الأماني
والآمال، ما دام الرئيس الأميركي لا
يفعل شيئاً بالاتجاه الذي يرغبه
ويدّعي أنه يسعى إليه؟! وإذا وصلْنا إلى قضية
الثورة السورية، نجد موقفاً من جانب
أوباما، لا يختلف عن موقفه وموقف وزيرة
خارجيته منذ أكثر من ستة أشهر: الرئيس
السوري ينبغي أن يتنحى، والشعب السوري
ينبغي أن يأخذ مصيره بيديه. لكنّ الروس
والصينيين منعوا التقدم بمجلس الأمن،
والأميركي قال إنه لا يمكن فعل شيء من
خارج مجلس الأمن. وقد سبق له أن فعل
الكثير من خارج المجلس وفي ظروفٍ أصعب،
مثل البوسنة وكوسوفو والعراق. وقد
اعتذر المسؤولون الأميركيون في الشهور
الماضية، بأعذارٍ مختلفة، مثل وجود
"القاعدة" في سوريا، وانقسام
المعارضة، وحساسية الموقف بالنسبة
لتركيا والأردن والعراق ولبنان. أما
الواقع فهو أن الأميركيين يجاملون هنا
أيضاً إسرائيل؛ إن لم يمكن بقاء الرئيس
السوري، فلتخرب سوريا ولتنشغل بنفسها
خلال السنوات القادمة! لدينا إذن احتمالان
لا ثالث لهما: إما انتظار أميركا، وإما
البحث عن حل عربي. ولانتظار أميركا
أنصار كُثُر هم الذين دعموا تكليف
الإبراهيمي للتحرك في الوقت الضائع أو
وقت الانتظار. لكني أرى أن مصلحة
إسرائيل لن تتغير بعد الانتخابات
الأميركية، وكذلك مصالح روسيا وإيران.
وكما قاد هذا الإدراك أُناساً
للانتظار، دفع أُناساً آخرين إلى
محاولة إقناع روسيا وإيران للمشاركة
في الحل. وإذا كان أبو نُواس يرى أنه
يكونُ علينا التداوي بما هو الداء؛ فإن
هذا إن صحَّ في الخمور على أنواعها، لا
يصح في المسائل السياسية ومسائل قتل
الناس. وما فعله الرئيس المصري الجديد
المنتَخَب يدخل في هذا الباب. فقد
اقترح اللجنة الرباعية للحلّ
والمكوَّنة من إيران وتركيا ومصر
والسعودية، واجتمعت اللجنة مرتين بل
ثلاثاً (الاجتماع الثالث في نيويورك)،
وما أنتجت شيئاً، فبعد الاجتماع
الثاني بالقاهرة مضى وزير الخارجية
الإيراني إلى سوريا وأعلن عن دعمه
للأسد، رغم أن المصريين قالوا إنه يحمل
له اقتراحاً بنشر مراقبين عرب ومسلمين
في البلاد. فالإيراني يقاتل ويقتل في
سوريا الآن، ولا مصلحة له في وقف
النار، وسيظلُّ على هذه الحال حتى
يطرده الشعب السوري من سوريا. إن لدينا في المقلب
الآخر، وبدلاً من انتظار الأميركي
والإيراني، اقتراحاً واقعياً من
الفرنسي والقطري. فالرئيس الفرنسي
تحدث عن حكومةٍ مؤقتةٍ، يعترف العرب
وبعض الدوليين بشرعيتها، ويقدمون لها
المساعدة بشتى أنواعها في الداخل
والخارج، إلى أن تتمكن من إسقاط النظام.
ورئيس دولة قطر تحدث عن حل عربي، يقوم
على التدخل سياسياً وعسكرياً في صيغة
قوات سلام، تتوصل للدخول في مرحلة
انتقالية تُزيل الأسد ونظامه، وتسمح
للشعب السوري بممارسة خياراته
الديمقراطية. ولهذا الحل صعوباته
بالطبع. فما دام الحل عربياً لا طريقةَ
للتدخُّل إلا عن طريق الأردن. وهذا
يتطلب قراراً عربياً، بالجامعة أو
بالقمة، ويتطلب أيضاً قبول الأردن. وما
أظهر الملك عبد الله الثاني رغبةً
بالتدخل في سوريا حتى الآن. لكن الأمر
يمكن أن يتغير إذا كانت له مظلة عربية
ودولية، وقد أَظهرت فرنسا رغبةً في
ذلك، وقد تنضم إليها بريطانيا أيضاً. يقول الثوار
السوريون، والضحايا المدنيون
السوريون، إنهم يئسوا من لفْت اهتمام
المجتمع الدولي لقضيتهم الإنسانية،
فكيف بالقضية السياسية. لكن الحل
العربي منطقي بالمجتمع الدولي أو
بدونه. فسوريا بلد عربي، والخوفُ من
التدخل في الشؤون الداخلية، لا يَرِدُ
على العرب، لأننا جميعاً في الجامعة
العربية، ولأننا جميعاً أبناء أمة
واحدة، والشعب السوري يتعرض للإبادة.
ثم إذا كان التدخل خطِراً إلى هذا
الحد، فلماذا لا تخش إيران ذلك؟!
الجعفري قائد الحرس الثوري قال إن
الحرس موجود في سوريا ولبنان. ونجيب
ميقاتي، رئيس حكومة لبنان، يقول إنه ما
وُجد في هذه الدنيا إلا لصَون لبنان من
تداعيات الأزمة السورية! لكننا نعلم
أنّ "حزب الله" المتدخِّل في
سوريا هو الذي يسيطر على ميقاتي
وحكومته، وأنّ ميقاتي كان شريكاً
للأسد، وهو الذي دفع باتجاه ترؤسه
للحكومة الحالية، فلماذا يجرؤ ميقاتي
والمالكي و"حزب الله" على التدخل
في سوريا إلى جانب إيران، ويتردد العرب
بحجة خطورة التدخل لمنع الأسد من إبادة
شعبه؟! إن الحل الفرنسي
القَطَري هو الوحيد المُتاح. وهو
الأَجدى كما ظهر في عدة مناسبات؛ منها
لبنان قديماً واليمن حديثاً. أو نبقى
ننتظر لحين تتغير ظروف أوباما، أو تشفق
إيران على الشعب السوري. نحن ما نزال
نأمل بحضور مصر التي غابت لأكثر من
ثلاثة عقود. وقد أخطأ مُرسي في إدخال
إيران على الملف السوري باسم العرب،
كما أخطأ بالتسوية بين السلطة
الفلسطينية و"حماس" في فلسطين.
لكن مصر دولة العرب الأكبر، هي التي
تختار طريق الحضور وطريقته. فلا ينبغي
أن يطول انتظارنا أو ندخل في مجموعة
المنتظرين لأميركا أو لروسيا أو
لإيران: وما شرُّ الثلاثة
أمَّ عمروٍ بصاحبك الذي لا تصبحينا. ================= المستقبل -
الاحد 30 أيلول 2012 - العدد 4475 - نوافذ -
صفحة 16 على الرغم من إنقضاء
ثمانية عشر شهراً على الحرب، لم تُصغْ
حتى الآن وجهة نظر شاملة عن وضع
المسيحيين في الشرق. حتى اللحظة، هذه
المهمة تبدو مستحيلة، لأن لا
الصحافيين ولا الجمعيات الأهلية... "إلا
الانتحاريين من بينهم، يمكنهم الدخول
الى أحيائنا. نحن محبوسون في بلادنا
والمسيحيون يخشون التعبير عن رأيهم،
خوفاً من الأعمال الإنتقامية". هذا
ما قاله لنا لدى مروره في فرنسا، الأب
مروان، وهو راهب يسوعي أصله من حمص،
يبلغ حوالي الأربعين من العمر. وهو
الآن في طريق عودته، عبر بيروت، الى
بلدته حمص، حيث ينتظره أبناء رعيته
لرئاسة قداس، و"لأبقى بالقرب من
أكثرهم فقراً، أكثرهم حرماناً،
وغالبيتهم على كل حال من أبناء الطائفة
السنية". لا يود الراهب اليسوعي
الاسترسال في الكلام، "لكي تسمح لي
السلطات بالمرور من لبنان إلى سوريا". ربة عائلة انضمت
إلينا عبر الهاتف، تعيش في حي
السليمانية الحلبي، وترفض الاعلان عن
اسمها، تقول: "أنا منذ البداية رفضت
الاشتراك في هذه الحرب، لأن الصراع
فيها غريب عنا تماماً، نحن المسيحيين".
وهي تختم حديثها الينا بالقول: "ليس
عندي شيء إضافي أقوله. نحن تحت رحمة
القنابل وكنائسنا تدمَّر. أنتم
الصحافيون تنظرون الى افراد الجيش
الحر كأنهم محرِّرين، ولكن هذا ليس رأي
المسيحيين". راهب كاثوليكي شرقي
أصله أيضا من حمص التقيناه في باريس
الأسبوع الماضي، ويرفض بدوره الافصاح
عن هويته، يقول: "ليس صحيحاً القول
بأن أبناء الطائفة المسيحية موالين
للنظام... يقفون خلفه. هناك بالأحرى
طائفة خائفة، سواء في حمص أو حماه أو
دمشق، عالقة بين جبهتين، ويمكن
اعتبارها رهينة حرب". راهب سوري آخر،
يسوعي، تكلمنا معه عبر الهاتف، مقيم في
حي العزيزية الحلبي، يبرر عدم الإفصاح
عن اسمه بالقول: "اذا اعلنتُ عن
هويتي، فذلك قد يضر بأبناء الطائفة،
لأن البطاركة والقساوسة لا يقاسموني
بالضرورة رأيي". ماذا يقول هذا الأب
اليسوعي بخصوص زيارة البابا بنديكتوس
السادس عشر للبنان؟ "الوضع في سوريا
لا يقارَن بذاك الذي عرفه لبنان، الذي
شهد مواجهات مباشرة بين مسلميه
ومسيحييه. هنا، المسلمون السنة لا
يأخذون شيئا على المسيحيين. يبدو لنا
بأن البطاركة وأصحاب المقامات الدينية
مترددون، مرتبكون، لم يعوا تماما حجم
ما يحصل في حلب أو حمص. انها حرب أهلية،
ولكنها ليست صراعا دينيا. القذائف التي
يطلقها الجيش الحر ليس سقوطها في
الأحياء المسيحية مقصوداً، كما يحاول
البعض ايهامه منذ بعض الوقت. فهذه
القذائف تسقط فوق رؤوس سوريين، وهي
تقتل سوريين". يوم الجمعة الفائت،
نالت القذائف المدفعية من كنيسة
القديس ميشال وكنيسة "الخلاص الدائم"
في حيّ العزيزية في حلب، حيث هاجر 70
بالمئة من ابنائه الميسورين، بحسب
إحدى الابرشيات الكاثوليكية. ولكن الأب اليسوعي
يرى بأن هذه النسبة هي ما دون الحقيقة،
ويتابع: "مقابل هجرة الميسورين، فان
70 بالمئة من أبناء الأحياء الفقيرة لم
يتحركوا من مكان سكنهم، فهم لا يملكون
المال للهروب الى لبنان أو أوروبا".
وهو يحذر من فصول "تسميم الاجواء"،
موضحاً: "سمعت على الفور "انهم
يستهدفون المسيحيين". من هم "هؤلاء"؟
تسألهم، فيجيبونك انهم "الجيش الحرّ".
ان هذه المعلومة عارية تماما عن الصحة،
فالمستهدف كان مقرا للشرطة ملاصق
لكنيسة القديس ميشال. ولكنني لست ساذجا
ايضا. وانا أعلم بأن هناك جهاديين بين
افراد الجيش الحر". وهو يتابع بأنه
سبق له ان اتصل بمقاتلين من المتمردين
دخلوا الأحياء المسيحية مثل الميدان.
هل شعر، عندما قابل المتمردين
المسلحين، بأنهم يشكلون خطرا على
ابناء طائفته؟ "لم يتهيأ لي بأنهم
حاقدون على المسيحيين"، يجيب، ثم
يتابع: "كل ما فعلوه انهم سألوني عما
نحتاجه. وأجبتهم بأننا بحاجة الى أدوية
لمهجرينا، سواء كانوا مسلمين او
مسيحيين". حسب صحيفة "التلغراف"
اللندنية، فان هذه الأحياء شهدت تكوّن
ميليشيات مسيحية خلال الأسبوعين
الأخيرين. لكن الأب اليسوعي يوضّح: "بعض
أبناء الطائفة المسيحية حملوا السلاح
لحماية أنفسهم. ولكنهم من الشبيحة،
والنظام هو الذي سلحهم. كررتُ لهؤلاء
بأن الكنيسة لا تؤيد استخدام السلاح،
حتى لحماية الصروح الدينية. وأعدت
عليهم القول بأنهم اذا اشتركوا في
القتال، سواء مع هذا الطرف أو ذاك،
فانه لا يمكن لهم الاعتداد بالانتماء
لأية كنيسة". يبقى ان الوضع
العسكري "يطغى عليه الجمود التام".
وهذا بالضبط ما يردده الأب زياد، الذي
تكلم معنا من حمص: "نحن بين نارين.
القوات النظامية تدفع الهجمات عن
نفسها، وهي في حالة انتظار. يوم تستولي
على شارع، ويوم آخر تخسره. وفي اليوم
التالي تعود الحركة نفسها... هكذا. ومن
بقي من أبناء الطوائف المختلفة هو تحت
النيران". الأب زياد يقدّر بأنه
"بقي ثلاثون ألف مسيحي في المدينة
وضواحيها، من أصل مئة ألف كانوا يعيشون
فيها قبل اندلاع القتال". يقول مصدر
لبناني قريب من مسيحي الشرق بأن
الخدمات الديبلوماسية الاميركية قامت
مؤخرا باحصاء "حول امكانيات استقبال
السوريين المسيحيين النازحين وسط
الطوائف الارمنية والمارونية
والارثوذكسية والكاثوليكية في لبنان.
وكان سؤالها لهم "كم من المسيحيين
يمكنكم ان تستقبلوا؟ ما هي قدراتكم
الاستيعابية؟". [ جان لوي لوتوزت ـ
صحيفة "ليبراسيون" (17 ايلول 2012) ================= عن
المتشابهين الذين قد يتحولون إلى
جهاديين في حلب وأوهام "المناظرة
الثقافية" بعد ثوانِ من
سقوط القذيفة..أشعل المقاتل سيجارته
وسط الغبار حلب ـ حسين جمو المستقبل -
الاحد 30 أيلول 2012 - العدد 4475 - نوافذ -
صفحة 16 بعد رحلة ماراثونية
قطعنا فيها ما يقارب 200 كيلومتر داخل
الأراضي السورية، وصلت وزميلي
الاعلامي الملقب بـ"أبو فؤاد" إلى
قلب المدينة. يواجه الصحفي إشكالية في
أسماء الأشخاص هنا، فالاسم الحركي لأي
شخص يبدأ بـ"أبو"، هناك أبو أحمد
وأبو محمد وأبو تميم وأبو عبيدة وأبو
علي ووو..ربما هنا 40 اسماً من تلك التي
تبدأ بـ"أبو" يستخدمها آلاف
المقاتلين، فهناك "أبو محمد" في
كل مجموعة من الجيش الحر، وكذلك "أبو
عبدو". بعضهم اتخذ أسماء تاريخية من
الصعب أن تتكرر، مثل "أبو رواحة" و
"أبو طلحة". كنت أفكر بالأسماء
عندما كنت على الطريق الطويل إلى
المدينة، فقد زودني الناشطون بعشرات
الأسماء من قادة الكتائب والألوية
ودونتها في هاتفي الجوال، لكن الأمور
تغيرت بمجرد وصولي إلى المدينة: "هنا
حلب". الحرب العالمية
الثانية مررنا بسرعة جنونية
من "جسر الحج" جنوب المدينة
لتفادي قناصة النظام الذين يرصدون
الطريق من مكان ما. ترجّلنا من الشاحنة
لنتجه إلى حي بستان القصر. كان لا بد لي
من الالتفات قبل دخولي في الشوارع
الضيقة المؤدية إلى هناك، فدوي
القذيفة التي سقطت على حي الإذاعة
المقابل لنا أرعبني.. كانت القذيفة
الأولى التي أعاينها عن قرب في حياتي.
عدت أمتاراً لأطل على المشهد وأملأ
عيني بها، فطالما أن القذائف تسقط
رغماً عنا، إذاً لا مانع من أن نوجه
إليها الكاميرا.. كان لدي خوف من أن
أفقد ذلك الشعور التصالحي مع القصف، أو
ما نسميه بـ"الألفة"، وهو ما حدث
مع سقوط القذيفة الثانية بعد أقل من
دقيقة. حينها فقط نلت الاعتراف الذاتي
بأني واحد من سكان هذه المدينة. يحترم الناس في شوارع
حلب الصحافيين. فنظرات إعجابهم بي وأنا
أحمل حقيبة ظهر صغيرة مع كاميرتين،
واحدة في يدي والأخرى معلقة على كتفي،
زادتني شجاعة. كانوا يدركون هوسنا
كإعلاميين بملاحقة الصواريخ والقذائف
التي تنهال على مدينتهم، ولم يتردد بعض
الشبان في تهجئة كلمات باللغة
الانكليزية فهمت منها أنه نوع من
الترحيب بـ"الأجنبي" الذي هو أنا! حركة النزوح في بستان
القصر هي أقل من 50 في المئة، ما زالت
الأبنية السكنية تعج بالقاطنين من
أهلها، وهي حاضنة كبيرة للجيش الحر. من
هناك، يمكن مشاهدة مقاطع حية من الحرب
العالمية الثانية. وخاصة مشاهد
الطائرات الحربية والمدفعية التي كانت
تقصف مدن لندن وبرلين وطوكيو. كثافة ما
يتساقط على حي الإذاعة من القنابل
الضخمة لا يماثله سوى ما كنا نشاهده
عبر التلفاز عن الحرب العالمية
الثانية، حيث العبثية وغياب التخطيط
والدقة في القصف هي سمة الحروب التي
يسقط فيها عدد كبير من الضحايا غير
المنخرطين في الصراع. ما يجري أشبه
بغزو فاشل من النظام للمدينة وليست
حرباً يتقاتل فيها طرفان. نصبت حامل الكاميرا
في شارع مطل مباشرة على الأبنية التي
يتم قصفها على بعد كيلومتر واحد.
الرصاص الطائش الذي ضرب الجدار بقربي
استدعى تنبيهاً من القائد الميداني
بأن ألتزم الالتصاق بالجدار وعدم
الوقوف في منطقة مكشوفة. الاقتراب من
حي الاذاعة هو تذكرة سفر إلى الموت،
لكن أحياناً يتأخر المسافر عن موعد
رحلته، وهذه هي نسبة النجاة للصحافي
الذي يدخل إلى هذا الحي. المخرج تامر
العوّام دخلها بعد عودتي من حلب بثلاثة
أيام وغادر من هناك! تماهي الأيديولوجيات ولكي لا تبدو هناك
مبالغة عن حي "الإذاعة" الواقع في
جنوب غرب المدينة، على تلة مرتفعة عن
محيطها، فإن سيطرة النظام عليها سيجعل
تلقائياً أحياء الزبدية والمشهد
وبستان القصر والفردوس والسكري هدفاً
في غاية السهولة للمدافع والدبابات،
أي أن انسحاب الجيش الحر من كل هذه
الأحياء سيكون الاحتمال الأكبر بحسب
قيادي منشق. لذلك فإن أشرس الكتائب
ترابط على خط جبهة الإذاعة، وهؤلاء
بينهم مقاتلون يحملون فكراً جهادياً،
لكن الخطوط الأيديولوجية تكاد تختفي
هنا بين من يواظب على الصلاة والذي لا
يعرف شيئاً من الفرائض الدينية.
الأيديولوجيا لا وزن أو مكان لها في
حلب حتى الآن، فقط خارج الحدود هناك من
يجعل الحديث عن موضوع الجهاديين
أولوية من بين كل ما يجري. قبل جولاتي على معظم
خطوط الجبهة في أحياء حلب، كنت محرجاً
مما يمكن أن أراه وما سأنقله مما قد
أراه من مقاتلي تنظيم "القاعدة"
وغيرهم. كان لدي هاجس مؤرق بأن لا أكذب،
وأن يكون كذبي في حده الأدنى إذا
اضطررت لذلك. لم أعرف معنى "انشراح
الصدر" إلا في اليوم الثاني، حيث
التقيت ثلاثة مقاتلين شباب جاؤوا من
ليبيا، وقبلها 34 مقاتلاً عربياً من "جبهة
النصرة"، التقيت أيضاً بشاب مغربي
جاء لوحده وانضم إلى كتيبة للجيش الحر. هؤلاء جميعاً جاؤوا
بدافع الجهاد، وقد يبدو الأمر مفاجئاً
للبعض، لكن حجم تواجدهم ونفوذهم يجعل
منهم مجرد أرقام في الجيش الحر الذي
يزيد عدد مقاتليه في مدينة حلب من دون
الريف، عن عشرة آلاف مقاتل. الليبيون
الذين يقاتلون في حلب هم جنود في الجيش
الحر، ينتظرون الأوامر ليبدؤوا الهجوم
أو الانسحاب. ما يميز هؤلاء المقاتلين
الذين تبدو مهمة البحث عنهم كالبحث عن
إبرة بين "كومة قش" هو اختيارهم
للصفوف الأمامية للقتال، ويرفضون
مثلاً التواجد في حي يسوده الهدوء منذ
بضعة أيام، لأنهم يشعرون بـ"الملل".
إذا لم يتحدث أحد هؤلاء المقاتلين عن
نفسه فلا يمكن التعرف على توجهاتهم
الأيديولوجية. وبإيجاز يمكن القول:
هناك بضع عشرات من المقاتلين يحملون
فكر القاعدة.. لكن لا وجود لـ"تنظيم
القاعدة".. المشكلة أن وسائل إعلام
تبحث عن هؤلاء، وعندما تجد أحدهم تصبح
لديهم قصة خبرية مثيرة، ينالون عليها
الثناء من القائمين على هذه المؤسسات
الاعلامية. الجهادي هو جندي يوجه ضابط منشق نداء
إلى مجموعة من المقاتلين العرب في
الغرفة، وعددهم ثمانية، ويأمرهم
بالتوجه فوراً إلى حي العامرية حيث كان
يجري اشتباك مع القوات الموالية
للنظام، يحمل الجميع أسلحتهم على عجل
وينطلقون مسرعين في "بيك أب".
رافقتهم إلى هناك: كان نحو 60 مقاتلاً
سورياً يتواجدون في نقطة تماس
العامرية، وهذه الإضافة من العرب لم
تغيّر من المعادلة، بقي أبو الليث قائد
المقاتلين هناك، وأمر اثنين من
المقاتلين العرب باعتلاء مبنى في
الشارع لمحاولة كشف مكان القناص في
الطرف المقابل. ما شاهدته لم يضطرني لـ"اللف
والدوران"، فأعداد الجهاديين العرب
قليلة جداً، ولا قرار مستقلاً لهم،
يخدمون كجنود في صفوف الجيش الحر ولا
مجال للحديث عن "دولة الخلافة". في
الظروف الحالية كل مقاتل، علماني من
"شّريبة الكأس" أو مدني غير واضح
في ملامح أيديولوجيته أو جهادي، هم
مجرد جنود، وظيفتهم الوحيدة هي إطلاق
النار على قوات النظام التي تحاول
إبادة "الجميع". إلى متى ستبقى الأمور
تحت السيطرة؟ بحسب أحد القادة
الميدانيين، وهو ضابط منشق برتبة
ملازم، فإن السيطرة على الجهاديين
مضمونة حتى الربيع المقبل، وإذا لم
يتغير شيء حتى ذلك الحين فإنهم قد
يتقدمون أكثر ويزداد عددهم بحيث
يصبحون قادة ميدانيين. ولدى سؤاله عما
قصده بقوله :"إذا لم يتغير شيء"،
قال: "السلاح..ينقصنا السلاح
والذخيرة.. نحتاج إلى مواجهة الطيران..
لو أن هناك ضوء أخضر من الدول التي
تدّعي دعم الثورة بوصول صواريخ ستينغر
أو مضادات متطورة للطيران الحربي فإن
ما سيأتي من ليبيا وحدها سيقلب عالي
المعادلة سافلها". مساعد لهذا الضابط
أوضح أمراً مهماً للغاية، فالجيش الحر
يسيطر على خطوط الامداد من تركيا إلى
حلب، وكذلك على الطرق الرئيسية، لذلك
لا خوف من فقدان السيطرة على الموقف،
لكن في حال استمرار التآمر من "حلفائنا"
على الثورة فإنه ليس مستحيلاً أن يتمكن
الجهاديون من إدخال شحنات متطورة من
الأسلحة إلى البلاد، حينها قد تتنافس
الكتائب على إرضائهم لينالوا حصة من
الذخيرة والسلاح المتطور. هذه ليست مناظرة
ثقافية الجهاديون الذين لا
يتجاوز عددهم العشرات في كل جبهة
يدركون هذا الأمر، ويبدو أنهم يتفقون
تماماً مع رؤية القائد الميداني حول
إمكانية تغير المعادلة، بل يراهنون
على ذلك. "الناتو خيّب امل السوريين..وبات
عليهم الاعتماد على قواهم الذاتية..ومن
هنا ستنبثق الشريعة التي هي فطرة
المؤمن". هذا كلام سمعته، ولا وزن له
حتى الآن، لكن هؤلاء لهم رؤيتهم
واستراتيجيتهم. وأهم ما لاحظته هو
مراهنتهم على عدم تلقي الجيش الحر
للدعم العسكري من الخارج، ونشوء طبقة
سورية جهادية، إضافة إلى استمرار
الطبقة المتعلمة والمثقفة في النأي
بنفسها عن "الميدان". ولكي لا
أتحمل ذنباً في إخفاء ما قد يجري
مستقبلاً، أقول إن خارطة الطريق لبناء
دولة مدنية في سوريا واضحة، وخارطة
الطريق لمحاولة بناء دولة دينية أيضاً
واضحة، والاحتجاج من على صفحات "الفيسبوك"
لا يغير شيئاً. البعض بدأ الغرور يقوده
إلى القول: "لقد حذرت من هذا الوضع
قبل 13 شهراً.. لكن احداً لم يصغِ".
ونسي أنه هو نفسه لا يصغي إلا إلى ما
يكتبه. نسي البعض أن هذه حرب وليست
مناظرة ثقافية..غسان ياسين هو ناشط
مدني وسجين سياسي سابق، ورأيت كم يحظى
بالاحترام من قادة الجيش الحر، لأنه
يتواجد هناك بين حين وآخر. مجرد الحضور
يخلق فارقاً مهماً. مانيفستو الثورة! ناشط إعلامي في حي
الكلاسة تحدث بما يشبه "مانيفستو"
للثورة رغم سنه الذي لا يتجاوز 25
عاماً، قال لي: "أنت كردي وذهبت إلى
كل الجبهات الساخنة، ثق تماماً أن كل
من عرف أنك كردي وتحدث بالسوء سابقاً
عن الأكراد فإنه يشعر بالخجل من نفسه.
الأمر ذاته ينطبق على الجهاديين
وأصحاب الفكر المدني..الجائزة التي
نقدمها للجهاديين يومياً أننا نجعل
المقاتلين يتشابهون مع بعضهم البعض.
عندما لا يجدون دعاة الدولة المدنية
بالقرب منهم فلن يجدوا حرجاً في الدعوة
إلى دولة الخلافة..وعندما لا يجدون غير
العرب فإنه ليس مفاجئاً أن يطالبوا بـ"الجمهورية
العربية السورية" على مستوى آخر..
لأننا تركنا الجبهة للذين يشبهون
بعضهم البعض، ومن ثم نطالبهم بأن
يساهموا في بناء دولة وفق مقاسنا
ورؤيتنا..عندما تكون هناك مجموعة
مقاتلة من 20 شخصاً، عشرة منهم جهاديون
وعشرة علمانيون فإن هناك صيغة وسط
ستنشأ داخل المجموعة، لأنهم سيكونون
غير متشابهين.. حتى الآن الأمور مفتوحة
على كل الاحتمالات". ثغرة التشابه
أدركه طلاب ومثقفون في حي بستان القصر،
هؤلاء أسسوا "سرايا أمن الثورة"،
وهي تشكيلات شبه مقاتلة مؤلفة من
متعلمين وخريجي جامعات. ولا تتسع هذه
السطور للتعريف بهم. على خط الجبهة في حي
العامرية، اندلع القتال. احتميت بجدار
والتقطت بضعة صور لمقاتلين سوريين
تتراوح اعمارهم بين 18 إلى 30 عاماً وهم
يطلقون الرصاص باتجاه دبابة تتهيأ
للقصف. تقصف الدبابة الجدار المقابل لي..
كان الغبار كثيفاً بحيث لم أر شيئاً
سوى نار صغيرة..كان مقاتل يشعل سيجارته
في ذلك التوقيت القاتل حيث كانت
الدبابة تتهيأ لإطلاق القذيفة الثانية. ================= "الرابطة
الأدبية" مجلة دورية لرابطة الكتّاب
السوريين المستقبل -
الاحد 30 أيلول 2012 - العدد 4475 - نوافذ -
صفحة 16 بعد انطلاقة الثورة
السورية تم تأسيس "رابطة الكتّاب
السوريين" من قبل المثقفين والكتّاب
السوريين المؤيدين للثورة، معلنين
بذلك انجاز أولى المؤسسات الثقافية
لسوريا ما بعد الأسد ـ البعث. ومنذ أيام
صدر العدد صفر من مجلة "الرابطة
الأدبية". من مقدمة العدد نقتطف: هو عدد وثائقي
وتوثيقي، جل ما فيه يعبر عن قلق الفكر
والثقافة في سوريا ومن حولها
وتفاعلهما الخلاق مع الثورة السورية
على نحو حر وقيم ومبدع. "الرابطة"
ومجلتها اسمان على مسميين، الأول يعود
الى خمسينيات القرن العشرين حيث
تفتحت، وللمرة الأولى، أزهار الحرية
في سوريا الخارجة من عهود الاستعمار
والانتداب، وقامت جماعة من الكتاب
السوريين سنة 1951 وفي ظل عهد ديموقراطي
وليد، بتأسيس ما سمي برابطة الكتاب
السوريين" اطاراً حراً لأصوات أدبية
ذات ميول واتجاهات مدنية ويسارية لعبت
دوراً في تطوير مختلف الأجناس الأدبية
في سوريا. لكن هذه التجربة وما
قام بعدها على أنقاضها عشية الوحدة
السورية المصرية 1958 من كيان ثقافي تحت
مسمى "جمعية الأدباء العرب"لكن
هذه التجربة وما قام بعدها على أنقاضها
عشية الوحدة السورية المصرية 1958 من
كيان ثقافي تحت مسمى "جمعية الأدباء
العرب" ضم ايضاً لفيفاً قومياً
وديموقراطياً، وما تبع ذلك من تطورات
أدت بعد فشل الوحدة الى ظهور "اتحاد
الكتاب العرب" سنة 1966". كل هذه
التطورات المتلاحقة من الحراك الثقافي
القلق في اطار مجتمع مدني سرعان ما جرت
تصفيته مع وصول دبابات العسكر الناصري
والبعثي لتسحق الديموقراطية الوليدة
وجعلت كل شيء في سوريا ينتمي الى لون
واحد، فانتهت التجارب الديموقراطية في
الثقافة لصالح اتحاد عبر بالضرورة عن
التسلط الديماغوجي المبكر للحزب
الواحد، وقد اسفر عن نفسه في ما بعد،
بصورة بالغة الشناعة والوحشية، محققا
ذلك التطابق بين ديكتاتور على رأس
البلاد لم يتزحزح حتى مات، وبين ظل له
في الثقافة، يرزح على رأس "اتحادها
المفرد" أداة تكمم المثقف وتصادر
الثقافة وتخضعهما لعقود في مملكة
الصمت والجريمة، منفذة سياسات
الديكتاتور العسكري "ثقافة"
تتسلط على المجتمع وثقافته، ساعية
طوال عقود الى تجميل الوجه البشع لحكم
استبدادي عائلي مافيوي عسكري بذيء
تقنع بشتى اقنعة الثورة وشعاراتها في
الحرية والاشتراكية وبقية الاسطوانة
الكاذبة والمشروخة فيما يحيل الشعب
الى عبيد والبلاد الى مزرعة عالمية
متجهاً بالجميع الى خراب كامل. اما الاسم الثاني،
وتعني به "الرابطة الأدبية" اسم
المجلة فيعود بنا عقوداً الى الوراء،
عندما استجابت سنة 1921 جماعة من الكتاب
السوريين الى نداء جبران خليل جبران
وجماعة "الرابطة القلمية" في
نيويورك وقامت بتأسيس اول رابطة أدبية
في بلاد الشام، ومقرها دمشق، وجعلت لها
منبراً دوريا رصيناً حمل اسم "الرابطة
الأدبية" وعرف من بين مؤسسي الرابطة
ومجلتها كل من ماري عجمي، خليل مردم بك.
احمد شاكر الكرمي، المطران ابيفانيوس
زائد، محمد الشريقي لكن المجلة
ورابطتها لم تعمرا طويلا، وسرعان ما
داستهما عربات العسكر الفرنسي. وبهذا التطابق بين
فعل الاستعمار في المجتمع المستعمَر،
وبين فعل المستبد بالمجتمع المستبد به
يقع التطابق بين الأفعال وتكتمل
الدائرة والدلالة لتكشف بعد نحو 70
عاماً على احتلال فلسطين ان الاستبداد
هو الحاضنة الكبرى للاستعمار ولننطلق
من هذه المسلمة في فهم وقراءة ما يجري
في سوريا والمنطقة اليوم. على هذه الخلفية، وفي
ظل الثوة السورية العظيمة وقد اندلعت
بطاقة سلمية جبارة تحدت صنوف الموت
والعذابات، وتفاعلا من الكتاب
السوريين مع ثورة شعبهم، تنادى عدد
منهم الى "تأسيس رابطة الكتاب
السوريين" منبراً ديموقراطيا
للكتاب ومنصة للجهر بالرأي والمشاركة
الفعالة في الحراك الثوري وبذلك
اعتبرت الرابطة اول مولود ديموقراطي
للثورة السورية في الفيتنا الثالثة
وقد تنادى الى تأسيسها كل من صادق جلال
العظم، ياسين الحاج صالح، فرج
بيرقدار، مفيد نجم، خلدون الشمعة،
حسام الدين محمد ونوري الجراح (كاتب
هذه السطور). الروابط والاتحادات
الأدبية المبكرة عبرت من جملة ما عبت
عنه عن الحاجة الى تطوير الأدب من خلال
بحث اجتماعي ذي تطلعات مدنية، ولم يقف
على رأسها مؤسس، ولكن لجان تأسيسية
جَماعية. ورابطة اليوم تشترك
مع التجارب السابقة بمكوناتها وببعض
تطلعاتها، وتذهب لتعبر عن أصوات
الثقافة السورية وقد توشت سجادتها
واغتنت بخيوط شتى، وتطلعات تتقاطع
وتتلاقى، وكلها تؤمن بحرية التفكير
والتعبير والتطلع والحوار بين أصوات
المجتمع على اختلاف مرجعياتها
ومشاربها الفكرية والجمالية. وبالتالية فهي حسب
بيانها التأسيسي المنشور "رابطة
ثقافية حرة، عضويتها متاحة لكل الكتاب
السوريين من مختلف التيارات الأدبية
والفكرية الراغبين في أن يكونوا اعضاء
فيها والرابطة مفتوحة لكتاب عرب وغير
عرب مساندين الشعب السوري كأعضاء شرف،
او كاملي العضوية اذا كانوا يقيمون في
سوريا بصفة دائمة، كما هو الحال
بالنسبة الى الكتاب الفلسطينيين ممن
يقيمون في سوريا فهم "يتمتعون
بالعضوية الكاملة في الرابطة، وينطبق
عليهم ما ينطبق على اخوتهم من الكتاب
السوريين". ومن بين أهم مبادئ
الرابطة، وهو ما جعلها تصر على اسمها
رابطة سورية اعترافها بالتعددية
الثقافية التي ينهض عليها المجتمع
السوري، وقد وضعت نصب عينيها "إزالة
الاسباب التي غيبت لأجيال المكونات
الثقافية المختلفة وفتح المجال امام
هذه المكونات للتعبير عن ذواتها
المبدعة بلغاتها الخاصة، وفي المقدمة
منها اللغتان الكردية والآشورية
والسريانية. ================ فلسطين و«البعث»
والثورة السورية خالد الدخيل * الأحد ٣٠
سبتمبر ٢٠١٢ الحياة ليس
هناك ما يبرر الافتراض بأن قيادة
النظام السوري لا تدرك أنها بعد أكثر
من سنة ونصف من القتل والدم لا تحكم
باسم الشعب. هي تدرك ذلك حتى قبل الثورة:
ظاهرة الانقلابات والاغتيالات
والسجون، ثم ثورة حماة 1982 تؤكد ذلك. على
مدى أكثر من أربعة عقود لم تجد لغة
السياسة العادية مكاناً لها في قاموس
علاقة هذا النظام مع شعبه، اللغة
الوحيدة المهيمنة على هذه العلاقة
كانت ولا تزال لغة الخوف والعنف والدم،
ونظام حاكم يلجأ إلى التمسك بمثل هذه
اللغة أول من يدرك دلالة ذلك، ولهذا
السبب يعطي النظام الانطباع بأنه
يتحرك في حله الأمني الحالي ضد الثورة
بخليط من مشاعر خوف الأقلية ووهم
الحسم، معطوفاً عليهما وهم استعادة
الوضع كما كان قبل الثورة، وهذا خليط
مدمر لأنه حتى لو افترضنا جدلاً بقدرة
النظام على الحسم العسكري، فما الذي
سيحصل في هذه الحالة؟ سيحكم النظام على
مزيد من تراكمات طويلة وعميقة من الدم
والظلم والقهر، وهذا أمر مستحيل، ولا
يوجد إلا في مخيلة قيادة فقدت حسها
السياسي. لاحظ أن الثورة لا تحظى في
واقع الأمر بدعم عسكري حقيقي من خصوم
النظام العرب وغير العرب، لا تحظى في
الغالب إلا بدعم سياسي باذخ، ودعم مالي
محدود، فحتى اللاجئون السوريون الذين
هربوا من ويلات الحل الأمني يعانون
الأمرين وبخاصة في الأردن ولبنان، وفي
المقابل يتمتع النظام بدعم سياسي
ومالي وعسكري من إيران، وبدعم عسكري من
حزب الله اللبناني، ودعم سياسي وعسكري
من روسيا، ودعم سياسي من الصين، لكن كل
ذلك لن يجديه في الأخير شيئاً. تجاوز
الأمر مرحلة حماة حين استطاع النظام
وقتها أن يحسم الأمر لمصلحته، قد يكتشف
النظام أنه ترك داخل هذه المعادلة حتى
يتم استنزافه، واستنزاف حلفائه في
طهران الذين يجدون أنفسهم الآن تحت
عقوبات تضعهم وجهاً لوجه أمام ضرورتين:
البرنامج النووي، وبقاء «حلف المقاومة»،
والمأزق أن أياً من الضرورتين لا معنى
لها من دون الأخرى، وهذا على الأرجح هو
السبب الحقيقي وراء ترك الثورة
لمقدراتها حتى الآن. كيف وصلت سورية إلى
مأزقها الحالي؟ للأمر علاقة بحقيقة أن
سورية، مثل بقية الدول العربية، لا
تزال تعيش مخاض ما قبل الدولة، وهذه
مفارقة كبيرة أمام حقيقة أن تاريخ
سورية مع التحضر والمدن، ومع الدولة
تاريخ قديم. يفاخر السوريون بذلك
كثيراً، لكنهم لم يتجاوزوا في ذلك حدود
التفاخر. تنبئ الثورة الحالية
بانعطافة تاريخية مختلفة. تبرز في
تاريخ سورية أسماء كثيرة لأحداث
وأفكار وقيادات وإمارات وأوطان، ويأتي
في مقدمها في أيامنا هذه فلسطين والبعث
والثورة. ما الذي يجمع بين
فلسطين والبعث والثورة السورية؟ يجمع
بينها أولاً: منطقة الشام بتاريخها
الطويل، وبنيتها الاجتماعية المركبة،
وثقافتها المرتبكة، وموقعها
الاستراتيجي. كل الخطابات التي تناوبت
على الشام، الإسلامي منها والبعثي
واليساري بكل ألوانه، تعكس ارتباك
الثقافة السياسية للشام: مرتبكة بين
الإسلام والعروبة، وبين القومية
والانتماء الطائفي، بين طموح قومي
وواقع الارتهان للعائلة المتداخلة مع
الطائفة، بين توق للتحرر من
الاستعمار، وحلم بمنصب سياسي يحفظ
للطائفة حقوقها وللعائلة مكانتها. كل
ذلك ينتمي لمرحلة ما قبل الدولة، ويجمع
بين العناصر الثلاثة. ثانياً: المأزق
الخانق الذي فجرت مكنوناته الثورة،
وأخذه النظام إلى مداه الأوسع، مأزق
المراوحة الذي بات مكشوفاً للجميع،
فلا الثورة تستطيع بمقدراتها وظروفها
إسقاط النظام، ولا النظام بقدراته
العسكرية الهائلة - مقارنة مع الثورة -
يملك سحق الثورة. عادة ما تكون
المراوحة والجمود السياسي في الصراعات
الكبرى مثل الثورة السورية نتيجة
لتوازن القوة العسكرية على الأرض، لكن
ميزان القوة العسكرية في سورية هذه
الأيام يميل لمصلحة النظام في شكل واضح
وفاضح، ومع ذلك هناك مراوحة مدمرة، ما
يشير إلى أن النظام فاقد لكل عناصر
القوة غير العسكرية كالقاعدة الشعبية،
والشرعية، والغطاءين الإقليمي
والدولي. يستند النظام في أساسه إلى
فكرة تحالف الأقليات داخلياً
وإقليمياً. يسميه النظام «تحالف
المقاومة»، لكنه ليس أكثر من غطاء شفاف
لسياسات وخيارات لا علاقة لها في العمق
بالمقاومة. من ناحية أخرى، تشير مراوحة
الأزمة السورية إلى المسؤولية
السياسية والأخلاقية الضخمة للنظام في
ما آلت إليه الأمور. هو الطرف الأقوى
الذي يسيطر على مقدرات الدولة
ومصادرها، وهو الذي بادر بحل أمني بشع
عندما اندلعت شرارة الثورة في درعا.
فعل ذلك كما يبدو متوهماً أنه كان
بإمكانه وأد الثورة في مهدها كما فعل
في حماة عام 1982، لكن الحسم لم يتحقق
والوأد صار بعيد المنال. كان بإمكان
النظام عندما أخذ نطاق الاحتجاجات
يتسع استعادة زمام المبادرة بالتراجع
التدريجي عن الحل الأمني، واستبداله
بحل سياسي حقيقي مع كل ما يتطلبه ذلك،
لكن الأحداث أثبتت ما كان معروفاً من
أن النظام بتركيبته الطائفية وطبيعته
الأمنية وتحالفاته الإقليمية
المغلقة، غير قادر على اتخاذ خطوة للحل
تتجاوز حدود إصلاحات شكلية ومزيفة.
الثورة تريد إسقاط النظام، والنظام
يصر على البقاء مهما كان الثمن، آخر من
أدرك المأزق ممثل الجامعة العربية
والأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي،
عندما قال بأن الوقت في سورية لم يعد
وقت إصلاحات بل وقت تغيير حقيقي،
والتغيير الحقيقي غير ممكن مع بقاء
الأسد وقيادات النظام التي دفعت
بسورية إلى مأزقها الحالي. لكن أهم وأخطر ما
يجمع العناصر الثلاثة المذكورة في
أيامنا الحالية أنها جميعاً ضحية فكرة
مدمرة بدأت في الشام، ثم انتشرت لبقية
العالم العربي، وهي فكرة، بل وهمُ «تحرير
فلسطين قبل تقرير مصير الدولة التي
ستتولى التحرير». وفلسطين قضية عربية
بامتياز، ولها رمزية تاريخية كبيرة في
الوجدان العربي، لكنها تحولت مع الوقت
إلى قميص عثمان آخر - وما أكثر القمصان
العربية - يتدثر به نظام مثل النظام
السوري. اندفع العرب منذ 1948 لتحرير
فلسطين، وفشلوا مرة بعد أخرى. فشلوا في
خيار الحرب، كما فشلوا في خيار
المفاوضات والسلام، وكل ذلك يدل على أن
العرب لم يكونوا مهيئين لا فكرياً ولا
سياسياً لإدارة الصراع، وهم غير
مهيئين لأنهم يريدون التحرير، لكنهم
لا يريدون الدولة. التحرير إما أن يكون
بحركة تحرير حقيقية أو بدولة حقيقية،
أو بهما معاً، وهذا ما افتقدته التجربة
العربية وبخاصة في الشام. كانت هناك
حركة تحرير، لكن لم تكن هناك دولة،
وكان هناك نظام سياسي رثّ يجمع بين
الفئوية والاستبداد. تحالفت الحركة مع
الاستبداد، وتطبع كل منهما بشيء مما
لدى الآخر، من دون أن يغلب أحدهما
الآخر. بقيت كل من العشيرة والطائفة
محافظة على امتيازاتها وأساساً
للمعادلة السياسية. الصراع العربي
الإسرائيلي صراع دول وإرادات، على
الجانب العربي لم يكن كذلك، بل على
العكس، تحول الصراع مع الوقت إلى غطاء
لمصالح فئوية، وطموحات فردية للقيادة
والتجبر، ولتحالفات آخرها تحالف
الأقليات. تبعاً لذلك غدت فلسطين
مبرراً للاستبداد والتوريث في سورية
تحت شعار «المقاومة والممانعة»،
واللافت في هذا تحالف دولة دينية تتبنى
ولاية الفقيه الطائفية، مع دولة يفترض
أنها علمانية تحكم باسم حزب البعث. في
الظاهر هذا تحالف سياسي، لكنه في العمق
تحالف طائفي لأهداف سياسية. كان البعث
بقوميته وعلمانيته في يوم ما - إلى جانب
اليسار والناصرية - غطاء لصراعات فئوية
امتدت من أواخر الأربعينات وحتى أوائل
السبعينات في سورية. مع سيطرة الضباط
العلويين على السلطة في سورية تآكل حزب
البعث، وحل محله شعار المقاومة الذي
كان أصلاً أحد شعارات البعث نفسه. ما مؤدى كل ذلك؟
مؤداه أن الزمن دار دورته، فعادت سورية
إلى ما كانت عليه ميداناً للصراع، بعد
أن حاولت لثلاثة عقود أن تكون طرفاً
فيه، وليس ميداناً له وحسب. تغيرت
طبيعة الصراع هذه المرة، فلم يعد
العسكر ولا أعيان المدن ولا كوادر
الأحزاب يحتكرون الصراع السياسي. بدأت
الثورة في الريف، وزحفت إلى المدن،
دخلت فيها مختلف أطياف الشعب: الفلاح
والليبرالي والإسلامي والطالب
والعامل. لم تعد هناك أحزاب قوية، ولا
قيادات سياسية مؤثرة، ولا نظريات
يسارية أو قومية، ولا ندوات تستقطب
أحداً. التغيير هو شعار المشهد، وهو
مطلب الجميع. وحده النظام يلوك شعاره
القديم عن «المقاومة». أعاد حافظ الأسد
بناء النظام أولاً مع صلاح جديد في لجة
صراعات القرن الماضي، ثم أعاد بناءه
ثانية بعد حركته «التصحيحية». مشكلة
الوريث أنه لم يدرك على رغم تعليمه
وشبابه أن أحداث درعا كانت المؤشر
الأول على أن النظام الذي أرساه والده
قد استنفذ أغراضه، وانتهت صلاحيته.
الكل أدرك ذلك، حتى الفلسطينيون داخل
سورية وخارجها، ما عدا بشار الأسد ومن
حوله، يصرون على القتال. *
كاتب
سعودي ================= هاني البنا الشرق الاوسط 30-9-2012 شهد شهر أغسطس (آب)
زيادة مأساوية في حدة الأزمة السورية،
إذ أشارت التقارير إلى مصرع أكثر من 5000
سوري، وجرح أعداد لا تحصى، وفرار 100,000
من البلاد. وكان يوم الأربعاء الماضي
هو اليوم الأكثر دموية حتى اليوم،
بمقتل 343 وإعلان الأمم المتحدة نزوح
نحو ألفين إلى ثلاثة آلاف مواطن خارج
الأراضي السورية كل يوم. ومنذ بداية
أعمال القمع الوحشية في مارس (آذار) 2011،
أجبر 10% من الشعب السوري على ترك
منازلهم، وأصبح ربع مليون سوري – ومن
بينهم أطفال بلا عائلات – لاجئين،
فروا إلى مخيمات مؤقتة رثة في الدول
المجاورة، الأردن، وتركيا، ولبنان،
وغيرها من البلدان القريبة. لكن الغالبية العظمى
من السوريين نزحوا داخل البلاد نفسها،
لتتسم حياتهم اليومية بالمعاناة
المستمرة جراء محاولات الهروب من
أعمال العنف، ومواجهة غياب المأوى
المناسب، والزيادة الرهيبة في أسعار
الطعام، وقلة النفاذ إلى وسائل
النظافة الشخصية الأساسية. المرافق
الطبية تنهار بوتيرة يومية، وكثير من
المدنيين الذين ألقت بهم الظروف وسط
النزاع يلقون حتفهم لمجرد الافتقار
للرعاية الصحية المناسبة. العيادات
الطبية إما مدمرة، وإما تحتلها جماعات
مسلحة، والإمدادات الطبية منع وصولها،
وعلاج مرضى الحالات المزمنة توقف.
ويعاني السوريون من صدمة ما مروا به
وشاهدوه من مذابح وقصف جوي وفقد لذويهم.
ليس هذا فحسب، بل إن الأخضر الإبراهيمي
- المبعوث المشترك للأمم المتحدة
والجامعة العربية إلى سوريا - حذَّر،
في إفادته أمام مجلس الأمن يوم
الاثنين، من أزمة غذاء وشيكة في سوريا.
كذلك لفتت وكالات الإغاثة، بشكل
متكرر، إلى أن الاستجابة الإنسانية
الحالية في سوريا غير كافية، إذ إن
الهلال الأحمر السوري، الباسل، لا
يمتلك القدرات ولا الإمكانات
اللوجستية الضخمة اللازمة للوفاء
باحتياجات النازحين السوريين. على مدار أكثر من 18
شهرا، ومع استمرار زيادة وتيرة العنف
في سوريا، ظل المجتمع الدولي منقسما،
وظلت حكوماته تتبادل الاتهامات
بالتعاطف مع النظام أو مناهضته. هذه
الحالة أفضت إلى انسداد سياسي وزيادة
عسكرة النزاع، ليصبح المدنيون
السوريون العاديون هم الخاسر الأكبر.
يتمثل الهدف الأهم، حاليا، في حمل
الحكومة السورية على وقف هجماتها في
شتى أنحاء البلاد، وإرساء وقف إطلاق
نار دائم، ووقف العنف من قبل جميع
الأطراف. بيد أن المنظمات الإنسانية
الدولية غير المنحازة، الغربي منها
والشرقي، إن أتيح لها النفاذ،
فستستطيع، بما لها من مهارات وخبرات،
أن تخفف كثيرا من آثار العنف وترفع
الكثير من معاناة مئات الآلاف من
السوريين. فتلك المنظمات قادرة على
تقديم الإغاثة الطبية الأساسية،
وتوزيع الغذاء، وإعادة تأهيل إمدادات
المياه والرعاية الصحية للمدنيين
الضعفاء، مهتدية في ذلك بالمبادئ
الإنسانية واتفاقيات جنيف، وفي نأي
تام عن أي أجندات سياسية. وبإمكانها
أيضا أن تنسق جهودها مع منظمات المجتمع
المدني السورية المحلية الشعبية، التي
ظهرت خلال عام ونصف مضت، وتعزز عملها
بشكل كبير، حتى تلعب دورا إنسانيا
حيويا وتتواصل بشكل فريد مع السكان
المحليين. تستطيع روسيا والصين
وإيران، اليوم، بوصفهم الحلفاء
الرئيسيين للنظام السوري، أن يضغطوا
على الحكومة السورية لرفع قيودها عن
المنظمات الإنسانية المستقلة القادرة
على توفير الإمكانات المتخصصة،
اللازمة لعلاج الوضع المتزايد سوءا.
ومن شأن قرار كهذا أن يدلل على أن دولة
مثل روسيا لم تعد تريد أن تظل حياة
ومعيشة مئات الآلاف من النازحين
والضعفاء في سوريا رهينة للانسداد
السياسي الحالي. ومع اقتراب الشتاء
السوري القاسي سوف يزداد الوضع
الإنساني السيئ سوءا، وبسرعة كبيرة،
ما لم تتخذ تحركات جدية تجاهه. في أوائل سبتمبر (أيلول)
التقى الرئيس الجديد للجنة الدولية
للصليب الأحمر، بيتر مورير، بالرئيس
السوري بشار الأسد، وأعلنت الحكومة
السورية، بعد اللقاء، أن «الرئيس أكد
تأييده لعمل الصليب الأحمر على الأرض،
طالما حرص على الاستقلال والحيادية».
كذلك أكدت الحكومتان الروسية والصينية
على أن المساعدات الموجهة إلى سوريا
يجب أن تتسق بصرامة مع المبادئ
الإنسانية الخاصة بالحيادية وعدم
التحيز. وعلى الرغم من ذلك، فالطلبات
التي تقدمت بها منظمات إنسانية مستقلة
وغير منحازة للسماح لها بالعمل في
سوريا، وقفت في وجهها عراقيل المطالب
الإجرائية المعوقة من قبل وزارة
الخارجية السورية. هذا فضلا عن أن
المنظمات الموجودة في سوريا بالفعل
أعاقت نشاطها القيود التي فرضتها
السلطات السورية على السفر والتنقل،
مما منعها من نشر خدماتها في مناطق من
سوريا تشتد فيها الحاجة إلى تلك
الخدمات. شهد اجتماع الجمعية
العامة للأمم المتحدة، الأسبوع
الماضي، في نيويورك، إدانة الكثير من
قادة العالم لما يحدث في سوريا، في نفس
الوقت الذي يستمر فيه الوضع على الأرض
في التدهور. لقد آن الأوان ليرى الشعب
السوري أن حلفاء النظام لن يتركوه
وحده؛ فتوفير نفاذ غير معوق وآمن
ومستدام للخدمات الإنسانية إلى سوريا
ليس بالخيار السياسي، بل هو بالأحرى
مسؤولية أخلاقية. * رئيس المنتدى
الإنساني ومؤسس منظمة الإغاثة
الإسلامية ================= الشرق الاوسط 30-9-2012 طارق الحميد في الوقت الذي يقدم
فيه السوريون تضحيات مذهلة للصمود
أمام آلة القتل الأسدية التي تعمل على
هدم كل شيء بسوريا، فقط من أجل أن يبقى
طاغية دمشق في سدة الحكم، يقوم
الأميركيون، بحسب ما كشفته صحيفتنا
بهذا العدد، بالتواصل مع الجيش السوري
الحر عبر «سكايب»! والمذهل أن المبعوث
العربي والدولي السيد الأخضر
الإبراهيمي قام أيضا بمحاورة الجيش
الحر عبر «سكايب»، فهل هذا هو المطلوب؟
أو هل يمكن القول إن هذا يكفي لإنصاف
الثورة السورية التي قدمت قرابة
الثلاثين ألف قتيل إلى الآن على يد
النظام الأسدي، ناهيك عن المفقودين،
والمهجرين، وكل الدمار؟ بالطبع لا،
فالمطلوب هو دعم الجيش الحر عسكريا،
وليس لتأجيج الصراع كما يردد البعض،
وعلى رأسهم موسكو، بل لتسريع سقوط ما
تبقى من نظام الأسد الساقط لا محالة،
والذي لا يتوانى عن استخدام كل أنواع
العنف.. فدعم الجيش الحر، وتحديدا
بمضادات الطائرات، هو ما سيضع حدا
لنظام الأسد الذي لم يعد يمتلك إلا
الردع الجوي، وخصوصا أن الجيش الحر بات
يعارك قوات الأسد في جل المدن السورية
الأساسية، ويفقد الأسد السيطرة على
الأرض. والملاحظ اليوم أنه
على الرغم من نقص الدعم العسكري للجيش
الحر، فإن الثوار باتوا يقاتلون الأسد
المدعوم عسكريا وماليا من قبل الروس
والإيرانيين في كل اتجاه، وعلى عدة
جبهات مفتوحة، بشجاعة باهرة، ولذا فمن
المفاجأة أن يكون التواصل مع الجيش
الحر فقط عبر «سكايب»، فالمفروض،
والمطلوب، هو الدعم العسكري النوعي،
وما سمعته من مطلعين على سير الأحداث
على الأرض أنه بمجرد وصول الدعم
العسكري النوعي، وتحديدا مضادات
الطائرات، فإن التوقعات تشير إلى
عملية حسم سريعة، خصوصا، وكما أسلفنا،
أن قوات الأسد تعتمد على القوات
الجوية، وعملية إسقاط الطائرات
الأسدية من قبل الجيش الحر ليست إلا
اجتهادات تخطئ وتصيب، لكنها لا تنم عن
امتلاك أسلحة كفيلة بتعطيل قوة الأسد
الجوية التي تحرق المدن السورية بشكل
جنوني يدل على يأس الأسد أساسا. وكما هو معلوم،
ومتوقع، وكما أكدته لي مصادر مطلعة،
فإن واشنطن لن تتحرك إلا بعد
الانتخابات المقبلة، وهو ما ناقشناه
من قبل، إلا أنه لا يمكن التخلي عن
السوريين، والجيش الحر، في الوقت الذي
بات يصعد فيه الأسد عملياته العسكرية
بشكل كبير على أمل تحقيق تقدم على
الأرض قبل الانتخابات الأميركية،
وبدعم روسي وإيراني، مما يستوجب من
أصدقاء سوريا تقديم الدعم العسكري
النوعي للجيش السوري الحر، وبإشراف
واضح من قبل ما يجب أن يكون غرفة عمليات
مشتركة للمجموعة الفاعلة من أصدقاء
سوريا، لا أن يكون لكل دولة جماعة، أو
فريق، بل تكون هناك غرفة عمليات، ودعم
عسكري واضح، وليس تواصلا عبر «سكايب»،
فالأسد لا يستخدم «فيس بوك» لقمع
الثورة حتى يكون الرد عليه عبر «سكايب»،
بل هو يقتل ويدمر بكل الأساليب
الإجرامية. وعليه، فإن الرد يكون
على الأرض، وبدعم الجيش الحر، أما «سكايب»
فيترك للأصدقاء، والمعارف. ================= الشرق الاوسط 30-9-2012 فايز سارة تتصاعد حدة المعارك
في حلب عاصمة الشمال السوري بين القوى
الأمنية والعسكرية من جهة، وقوى
المعارضة وقوات الجيش الحر من جهة
أخرى، والهدف من التصعيد، حسم سيطرة
واحد من الطرفين على حلب، كأن تقوم
قوات الجيش والأمن باستعادتها إلى ما
تحت السيطرة وتصفية قوات المعارضة
فيها، أو أن تقوم الأخيرة بإخراج قوات
الجيش والأمن منها وإعلانها «مدينة
محررة». والحق أن الوضع
القائم من حيث حدة معارك حلب ليس جديدا.
فالمعارك هناك تتواصل متصاعدة للشهر
الثاني على التوالي، وفكرة الحسم هناك
من جانب الطرفين ليست جديدة هي الأخرى،
فقد سبق أن تم إعلان السعي إليها مرات
من الطرفين، لكن الحقائق على الأرض، لم
تتغير تقريبا من حيث توزع أحياء
المدينة ومحيطها على الطرفين بنسب
متفاوتة وحسب نتائج العمليات العسكرية
اليومية التي تحقق تقدما هنا وتراجعا
هناك. ومن الواضح، أن معارك
حلب مستمرة في ذات السياق في الفترة
القريبة المقبلة، ليس بسبب تجربة وإرث
الشهرين الماضيين، وإنما بفعل أسباب
عسكرية وسياسية قائمة، ولعل الأبرز في
الأسباب العسكرية، التفاوت الكبير في
قدرات الدعم اللوجستي وفي ميزان القوى
وخاصة لجهة الأسلحة، ذلك أن سلاحي
المدفعية والطيران لهما تأثير كبير في
سير المعارك الجارية، وأن لم يستطيعا
حسم المعركة لصالحهما، فإنهما سيظلان
يمنعان حسم المعركة لصالح الطرف الآخر
في ظل قدرتهما التدميرية الكبيرة. والأمر الثاني في
الأسباب العسكرية، هو تفاوت في مستوى
السيطرة على القوات وتوجيهها من جهة،
وفي العمل المركز على أهداف العملية
العسكرية، وفي الوقت الذي تحظى فيه
القوى العسكرية الرسمية بقيادة واحدة
توفر لها سيطرة وضبط وأهداف محددة،
يجري العمل من اجلها، فإن الأطراف
الأخرى تفتقد الوحدة بسبب تعدديتها
التنظيمية بل والسياسية، ويحيط الضباب
بهدفها خارج الشعار الكبير وهو «تحرير
حلب». أما الأسباب
السياسية التي تؤشر إلى استمرار الوضع
في حلب على ما هو عليه في الأفق
المنظور، فأبرزها أن الوضع في حلب سوف
يحسم في إطار حسم عام في موضوع الأزمة
في سوريا وليس بمعزل عنه. وواقع الحال،
أن حسم الأزمة في سوريا مؤجل لأن
الأزمة صارت أزمة دولية وحسمها صار بيد
الأطراف الدولية، التي من الواضح أنها
غير متوافقة على حلها وحسمها بالإبقاء
على النظام حسبما يرغب أنصاره من الروس
إلى الصينيين إلى الإيرانيين أو
إسقاطه وتغييره كما يفضل الغرب والعرب
وتركيا. وإذا كانت معارك حلب
في معطياتها الراهنة، لن تحسم مصير
المدينة وجوارها، فإن السؤال عن جدوى
ومحتوى استمرار تلك المعارك، هو سؤال
ضروري، بل إن الإجابة عنه، يمكن أن
تكشف أو تؤشر إلى جوانب أخرى من مجريات
الوضع السوري. السلطات السورية
بمجريات معاركها في حلب، إنما تتابع
ذات المسار في محاولة إعادة سيطرتها
على المدينة كما كل المناطق المعارضة
أو المتمردة، وتصفية القوى المسلحة
التي تصفها بالسلفية والإرهابية هناك،
وهي إضافة إلى ذلك تقوم بتأديب المدينة
التي شقت عصا الطاعة باستخدام القوة
العسكرية المفرطة على نحو ما تفعل مع
مناطق سورية أخرى لم تشهد وجودا مسلحا
معارضا ولا سلفيا جهاديا ولا عصابات
إرهابية. وقوى المعارضة
المسلحة بما فيها الجيش السوري الحر
تسعى من وراء معارك حلب وتصعيدها إلى
تثبيت وجودها، والسيطرة على حلب
ومحيطها لتصير قاعدة انطلاق نحو
المناطق السورية الأخرى، وهو هدف لا
يبدو أنه يأخذ بعين الاعتبار الظروف
المحيطة بصورة جدية، الأمر الذي يمكن
أن يؤدي إلى نتائج عكسية، وثمة تجارب
في مناطق سورية أخرى، تستحق التوقف
عندها والتدقيق بمجرياتها ونتائجها. إن معارك حلب تفتح
الأبواب على الأسئلة بالنسبة للمعارضة
المسلحة وللجيش الحر، لكنها تعطي
أجوبة واضحة بالنسبة لقوات السلطة،
حيث الأخيرة تمضي بالمعارك إلى غايتها
وأهدافها، فيما الغموض يحيط بمعارك
المعارضة والجيش الحر هناك. ================= الفيلم
السوري السيئ والفيلم الأميركي الأسوأ الشرق الاوسط 30-9-2012 فؤاد مطر كادت هيبة الأمتين
العربية والإسلامية تضيع بين الفيلم
السوري السيئ، المتواصل عرضه للشهر
التاسع عشر على التوالي والمحقق خسائر
للبلاد والعباد لا مثيل لها، في ويلات
الخسائر المادية والبشرية الناشئة عن
رهانات يمارسها أشخاص في قمة السلطة،
والفيلم الأميركي المنشأ الأكثر سوءا،
الذي رماه في صيغة فخٍ أرباب السوء
استباقا لأحداث ربما تشكل حسما لقضايا
كثيرة عالقة، من بينها موضوع الدولة
الفلسطينية الذي بات لزاما على
المعنيين بالموضوع، فلسطينيين وعربا
وأجانب، إنجاز خطوات في شأنه خلال
الدورة الجديدة العادية للجمعية
العمومية للأمم المتحدة هذا الشهر (سبتمبر/
أيلول 2012)... إننا بين هذا الفيلم المسيء
للرسول العربي الكريم وذاك الفيلم
المسيء لفكرة الوحدة الوطنية والعيش
المشترك ومبادئ تعامل الذين في السلطة
مع المواطنين والأخذ في الاعتبار
شكواهم ومطالبهم وكذلك التأمل في
انتقاداتهم - رأينا الأمتين، ومعهما
الدولة الأعظم أميركا، تعيشان أكثر
الارتباكات في صفوف صانعي القرار. وعلى
الطريق ارتباك محتمل الحدوث في فرنسا
بعد الفخ الكاريكاتيري المنشور في شكل
رسوم مسيئة لمشاعر المسلمين، نشرتْها
يوم الأربعاء (19 سبتمبر) مطبوعة غير ذات
أهمية اسمها «شارلي إبدو». بل قد يجوز القول: إن
الفيلمين أحدثا جراحا عميقة في
النفوس، تكاد الآلام الناشئة عنها
تتساوى مع الآلام التي تسببها قذائف
تأتي بتوجيهات أهل السلطة ضد مواطنين
أصحاب مطالب مشروعة واحتجاجات محقة. ما زلنا - بالنسبة إلى
الفيلم السوري - نرى أن المنتج، وهو هنا
النظام البشاري، غير موفق في فيلمه
هذا، وأن الرهان على الحليف الإيراني
الخائر ومورد السلاح الروسي المتشاطر
والصديق الصيني الحائر لن يحقق له
مبتغاه، وأن هذا المثلث لا يقدم للنظام
البشاري سوى المزيد من الإحراجات، ذلك
أنه مع انقضاء كل يوم - والأزمة تراوح
مكانها - يزداد الوضع السوري تعقيدا،
ويتواصل رجحان كفة التعامل بالعنف مع
أزمة، لا مجال لغير المرونة وتعديل
المفاهيم في علاجها. وعندما لا يخرج
الوسيط، الأخوي والدولي في وقت واحد،
الأخضر الإبراهيمي من لقائه الرئيس
بشار الأسد بغير الانطباع السوداوي
الذي خرج به - فهذا معناه أن الرئيس
بشار، الذي لم يأخذ سابقا بتمنيات
الصديق الأفريقي الدولي كوفي أنان، لم
يأخذ أيضا بنصائح الأخ العربي الدولي
الأخضر الإبراهيمي. وهنا، تصبح كل
المسالك مغلقة في اتجاه التعقل، ولا
يعود واردا توقع أن الرئيس بشار سيتخذ
على الأقل نصف خطوة في اتجاه وقف
العنف؛ أي ما معناه يبقي الآليات في
الشارع، لكنه يأمر بوقف الظاهرة
المخيفة والمخجلة والمتمثلة في إشراك
السلاح الجوي في قصف أبنية أو تجمعات.
لكن، لا بادرة تصدر عنه، كما لا رحمة في
تعامل غير شجاع مع أزمة، طرفاها أبناء
من الوطن. ويكاد يخالجنا شعور
بأنه كلما اشتدت الأزمة، فإن رؤية
الرئيس بشار من جهة ورؤية الأطياف
المعارضة من الجهة المقابلة - لن تقودا
إلى تسوية ينتهي بموجبها هذا النزف
اليومي، بحيث إن الحال باتت مثل حال
البورصة التي يرتفع فيها الخط البياني
ويهبط بين عملية وأخرى. ففي الصباح،
يكون عدد القتلى عشرة على سبيل المثال،
وفي آخر النهار يصبح فوق المائة أو
تحتها وهذه هي الحال يوميا، عدا الخط
البياني الآخر المتعلق بالبنيان الذي
يتم تدميره قصفا من الجو أو من الأرض،
وعدا الخط البياني المقابل من جانب
الطيف المعارض المتمثل «الجيش السوري
الحر» الذي يتباهى هو الآخر - مع شديد
الأسف - بأنه يحقق مكاسب ضد رفاق السلاح
وأبناء الوطن، ومن دون أن يأخذ جنود
وضباط جماعة النظام والجماعة المنشقة
في الاعتبار أنهم يقاتلون إخوة في
السلاح، ودون أن يأخذوا في الاعتبار
أيضا أن نهاية المطاف مأساوية للطرفين. وكم كنا نتمنى -
بالنسبة إلى الفيلم السوري - أن يكتب
الأخضر الإبراهيمي، من خلال المسعى
الذي يقوم به، مادة المشهد الأخير من
هذا الفيلم، وبما معناه أن يكون الأخضر
هو المخرج الناجح الذي يحد من خسائر
النظام البشاري، المنتج المغامر
والسيئ للفيلم، المراهن في ميدان
اختلطت فيه العلاقات والأوراق
والمصالح أغرب اختلاط، على جياد
متعَبة (بفتح العين) داخليا بقدر ما هي
متعِبة (بكسرها) لسوريا الوطن والشعب،
ولذا فلا أمل لها في كسب الجائزة التي
هي سوريا والتي أيضا باتت كتلة من
التعب المادي والنفسي والاقتصادي بعد
التدمير الذي ترافق مع إزهاق للأرواح
وتشريد لعائلات، وبحيث إن ظاهرة
اللاجئين السوريين باتت شبيهة بظاهرة
اللاجئين الفلسطينيين، وربما قد تصل
الحال ذات يوم إلى أن المجتمع الدولي -
العربي الذي أخفق في حسْم الموضوع
السوري يقرر استحداث «أونروا»
للملايين من السوريين الذين دفعهم
العلاج الأمني البشاري إلى حياة
اللجوء المذلة على أعتاب أراضي تركية
وأردنية وعراقية ولبنانية، هذا عدا
الذين بدأوا يخططون لهجرة شبيهة
بهجرات لبنانية ومصرية على سبيل
المثال لا الحصر، وهؤلاء من الميسورين
الذين تركوا المنازل بما فيها وغادروا
حاملين جوازات السفر - غير المرحب أصلا
بها - في بعض بلاد الله الواسعة، إلا
إذا كانت كندا وأميركا وأستراليا ودول
أوروبية خاب ظنها في النظام البشاري
سترحب باستيطان هؤلاء السوريين، كونهم
أعزاء قوم أذلهم العلاج الأمني للأزمة
التي كانت تحتاج إلى علاج يأتي من حاكم
متعقل لا يركب مركب العناد والتحدي.
وهو لو اعتمد التعقل لكانت هانت الأمور
ولما كان للمشهد السوري، المتكون من
جماعات هائمة على وجهها وجثث مرمية على
الطرقات وأبنية تحولت إلى ركام، أن
يكون على نحو ما بات عليه. وما قاله
الشاعر العربي في الزمن الغابر (ربما
يوم بكيت منه فلما... صرت في غيره بكيت
عليه) - خير توصيف للحال والمآل. وثمة ما يخشاه
اللبنانيون والأردنيون، وإلى حد ما
الأتراك، وهو أن يلجأ النظام البشاري -
وربما في ضوء نصائح المستشارين من
الحرس الثوري الإيراني الذين أتوا
للنجدة إلى سوريا ولبنان، وكان
الاعتراف رسميا من جانب إيران
بابتعاثهم مستهجنا كل الاستهجان
وبنسبة استهجان الخطوة نفسها - إلى
توسيع دائرة المغامرة، كأن يفاجئ سكان
بيروت وسكان عمان وسكان بلدات في تركيا
أو إسطنبول نفسها بصواريخ تتساقط
عليهم، وهو احتمال بقي مستبعدا إلى أن
فعل النظام البشاري الشيء نفسه في
مناطق سورية عدة. وعندما يفعل النظام
ذلك في بلاده، المؤتمن بموجب الدستور
على حمايتها ورعاية شعبها، لا يعود
هنالك ما يمنعه من تكرار الأسلوب نفسه
على جيران يعملون من أجل التسريع في
إسقاط نظامه، وبالذات في حال اشتداد
الطوق على العنق، وتحديدا الطوق
الاقتصادي والمالي والمواصلاتي
والنفطي والتمويني الناشئ عن العقوبات
التي لا يقتنع الناس بطروحات تطمينية
في شأنها، تأتيهم بأسلوب التعبئة من
وسائل الإعلام الرسمي، سواء في إيران
حيث ينحدر سعر العملة أسوأ وأسرع
انحدار، أو في سوريا التي ينضب احتياط
عملاتها وتجف أسواقها شيئا فشيئا.
وعندما يصل الانحدار ونضوب الاحتياط
إلى ما هو أدنى من القدرة على التحمل -
فإن الذراع الروسية ومثيلتها الصينية
لا تعودان كما الحال الآن. ففي نهاية
الأمر، إن الدولة تكون قوية باقتصادها
واحتياطها النقدي، إلى جانب طمأنينة
المواطن وإحساس النظام الحاكم
بالمسؤولية المشتركة - مسؤوليته أمام
الشعب ومسؤوليته تجاه المجتمع المنتسب
إليه أو المجاور له أو المتعاطي معه.
ومن خلال التأمل، نجد أن المسؤولية
المشتركة هذه ضامرة إلى حد الوهن. وبالنسبة إلى لبنان
تحديدا، فإن الذي يتمناه المرء هو ألا
يقترف النظام البشاري ما نشير إليه، أي
ألا تهز الاستقرار النسبي الذي تعيشه
العاصمة بيروت رسالة صاروخية كتلك
التي يفاجئ بها، من حين إلى آخر، بلدات
الجوار اللبناني بقاعا وشمالا، ذلك أن
رسالة من النوعية المشار إليها من
شأنها وضع الحليفين القويين حزب الله و«حركة
أمل»، ومعهما الحليف شبه القوي في
طائفته الجنرال ميشال عون، في وضع كفيل
بإحراج الأطراف الثلاثة أمام الناس
وأمام المجتمع الدولي الذي سيعتبر
لبنان دولة من الضروري وضعها تحت وصاية
دولية. ومن الجائز الافتراض أن إطلالة
الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر
الله شخصيا، وليس عبر شاشة تلفزيونية،
على الجمع الألوفي، وهذا يحدث للمرة
الأولى منذ يوليو (تموز) 2006 عندما بات
ضروريا اتخاذ الإجراءات الأمنية
الوقائية خشية تمكين إسرائيل وعملائها
من إلحاق الأذى بسيد المقاومة - لها
أكثر من هدف؛ أهمها أن المناسبة جليلة
ما دامت لاستنكار الإساءة للرسول
الكريم، ومن الطبيعي عندما سيقول
السيد حسن في الكلمة التي ألقاها ويطلب
من الجمع الهائل الترداد معه: «يا رسول
الله، فداك يا رسول الله نفسي ودمي،
وأبي وأمي، وأهلي وولدي، وكل مالي، وما
خولني ربي، فداء كرامتك وعرضك وشرفك..»
- ألا يعلن ذلك عبر شاشة تلفزيونية كما
اعتاد أن يفعل من باب الوقاية، وإنما
يخاطر وبهذا كان في قمة الشجاعة، لأنه
مهما أحاط به الحرس المدرب أفضل تدريب،
فإن الدقائق الاثنتي عشرة تكفي لعمل
غادر يأتي من إسرائيل، التي ترصد كل
تحركاته. وإلى ذلك، فإن المناسبة، من
حيث ظروفها وجوهرها، تتطلب من السيد
حسن بالذات، الذي طالما اعتاد في
مناسبات عدة ترداد عبارة «فداك يا حسين..»
وغدت العبارة هذه ومثيلتها على لسان كل
شيعي وشيعية، أن يستحدث ما يجوز
اعتباره توازنا يقطع الطريق على
اجتهادات الأطياف الشيعية في شأن
تعظيمات الأدوار، ويقلل من ظنون غير
الشيعة التي طالما أوجدت في مفهوم
الإسلام الموحد الكثير من التنظيرات
المذهبية والفتاوى. كما أن إطلالة
السيد حسن أحدثت حالة نفسية طيبة في
نفوس جماهير الطائفة، التي لا تزال
تعيش هاجس احتمال أن تفقد المقاومة
سيدها الثاني بعد سيدها السابق عباس
الموسوي الذي سبق أن جرى اغتياله.
وبالإضافة إلى الحالة المشار إليها،
فإن إطلالة السيد حسن تركت انطباعا بأن
احتمال العدوان الإسرائيلي بات
مستبعدا، بدليل أن رمز المقاومة تخلى
عن ضرورات الاختفاء. كما أن «ظهور
السيد حسن» كان ضروريا في نظر أبناء
الطائفة، لكي يتساوى حضور الشأن
الشيعي مع الحضور الطاغي للشأن
المسيحي خلال زيارة البابا بنديكتوس
السادس عشر للبنان. وبالعودة إلى الفيلم
الأسوأ، وما رافق تعميمه ونتج في صفوف
الأمتين من تداعيات لهذه الإساءة، فإن
الذي كان يتمناه المرء هو أنه بدل رد
الفعل الغوضائي (بمعنى نصفه غوغاء
مكروه ونصفه الآخر ضوضاء مشروع) - تدعو
منظمة المؤتمر الإسلامي إلى اجتماع
استثنائي لوزراء الأوقاف الإسلامية،
يشارك فيه المفتون وعلماء، ويصدر عنه
موقف موحد يتحول إلى ترشيد روحي
إسلامي، مثل «الإرشاد الرسولي» الذي
أعلنه من لبنان رئيس الكنيسة
الكاثوليكية البابا بنديكتوس السادس
عشر. و«الترشيد الإسلامي»، يرفع إلى
الأمم المتحدة كوثيقة يتم اعتمادها،
لا يعود هناك موجب للتعبير الاحتجاجي
كما عايشناه وما رافقه من فواجع
وتشوهات للسلوكيات التي لا تنسجم
إطلاقا مع «خير أمة أخرجت للناس»، فضلا
عن أنه بموجب الترشيد - الوثيقة
الممهورة من الجمعية العامة تصبح
الإساءة إلى الأنبياء والديانات في
نظر الدول جرما يستحق أقصى العقاب وليس
مجرد إساءة تحمل المزيد من التأويل
والتبرير. والله الهادي إلى
سواء السبيل، وبالذات لمن هم في حاجة
إلى الهداية، كي يتوقف نهائيا عرض
الفيلم السوري السيئ، ولا يتكرر
الفيلم الأميركي الأسوأ... كما لا يضاف
إلى الفيلمين فيلم فرنسي بالسوئية
والسوقية اللتين اتسم بهما الفيلم
الأميركي. ===================== سيناريوهات حل
الأزمة السورية- من التعددية إلى
احترام حقوق الأقليات يرى ملهم الدروبي
أحد مؤسسي المجلس الوطني السوري في هذا
التعليق أن ما يحتاجه السوريون حاليا
من المجتمع الدولي هو تدخل عسكري لفترة
زمنية، مقترنا أيضا بأشكال أخرى من
الدعم والمساندة للتخلص من نظام الأسد
الدموي. 24.09.2012 ملهم الدروبي* ترجمة: يوسف
حجازي مراجعة: هشام
العدم حقوق النشر:
تسايت أونلاين/ قنطرة 2012 ُشكل سوريا حالة
فريدة، فهي محط الاهتمام بسبب موقعها
الجيوسياسي المهم. كما أنَّ كثيرًا من
القوى الدولية تسعى وراء مصالحها
الخاصة في سوريا. فهل من ثورة في هذا
البلد الهام؟ كانت مفاجأة للجميع، إذ
ساد الاعتقاد بأنَّ بشار الأسد ووالده
من قبله قد أنشآ دولة أمنية منيعة لا
يمكن تجاوزها. ولم يعتقد سوى قلـَّةٍ
بأنَّ الانتفاضة في سوريا ستستمر أكثر
من بضعة أسابيع. لكنَّ الشعب السوري
جاء بالخبر البيِّن. وقد بدأت حركة
الاحتجاجات سلمية وظلت كذلك على الأقل
مدة سنة تقريبًا بالرغم من العنف الذي
مارسته قوات النظام وعصابات الشبيحة.
بعدها قام ضباطٌ وجنودٌ منشقون ممن
رفضوا قتل شعبهم بتأسيس الجيش السوري
الحر، ومن ثم انضم مدنيون كثرٌ إلى
الثورة المسلحة. يحمي الجيش السوري
الحر الأطفال والنساء والمسنين، ولكنْ
بالرغم من ذلك أدى وجوده إلى تحول
الثورة السلمية بالتدريج إلى صراعٍ
مسلح. بيد أن المعركة تبقى غير
متكافئة، فبشار الأسد يحظى بدعمٍ غير
محدود من موسكو وطهران، بينما لا يحظى
الجيش السوري الحر سوى بوعودٍ فارغةٍ
وخطاباتٍ خاويةٍ تطلقها الدول المؤيدة
له. تقف سوريا أمام
تحدياتٍ مهولةٍ أكبرها على الإطلاق
الأزمة الإنسانية، حيث يُقتل البشر
ويتعرضون للإصابات والاعتقالات
والاغتصاب والتهجير ويفقدون منازلهم
ويهاجرون بمآت الآلاف من وطنهم ليأووا
إلى معسكراتٍ للاجئين، ويُعتبر عدم
اتفاق المجتمع الدولي في هذا السياق من
أكبر معوقات تجاوز هذه الأزمة، وإذا لم
يتم التوافق فقد ينتهي الأمر بسوريا
إلى أن تصبح بلدًا منهارًا ومقسمًا. التقسيم بوصفه أسوء
السيناريوهات المحتملة التحول من الثورة
السلمية إلى الصراع المسلح: يحمي الجيش
السوري الحر الأطفال والنساء
والمسنين، ولكن ْبالرغم من ذلك أدى
وجوده إلى تحول الثورة السلمية
بالتدريج إلى صراعٍ مسلح. إضافةً إلى ضرورة حل
المشاكل الإنسانية المأساوية هناك
لائحة تحدياتٍ طويلةٍ يجب مواجهتها،
بدءًا بإعادة بناء البلاد مرورًا
بمعالجة تبعات الحرب والتعامل مع
الضباط والجنود وعناصر أجهزة الأمن
وبناء المؤسسات الحكومية وصولاً إلى
لإعادة إحياء الاقتصاد والصناعة
وتطوير نظام التعليم والاعتناء
بالعلاقات الدولية. لا أحد يعلم إلى أين
مآل سوريا، فعناصر التأثير الداخلية
والخارجية عديدة ومتنوعة. لكن في
النهاية يتجلى سيناريوان: إما أنْ
تنتهي الأمور ببناء دولةٍ حرةٍ موحدةٍ
ديمقراطيةٍ يعيش فيها جميع المواطنين
متساوين في الحقوق والواجبات وبدون
أيِّ تمييزٍ واضطهاد، أو تتقسم سوريا
وتستمر الصراعات بين المجموعات
والتكتلات المختلفة. إنّ من مصلحة الجميع،
المجتمع الدولي والفاعلين المحليين
على السواء، أنْ يعملوا على تحقيق
السيناريو الأول، وللوصول إلى هذا
الهدف هناك سبيلان: إما التعاون مع
الضباط العلويين بغية إجبار بشار
الأسد على الاستقالة، أو التدخل
العسكري من أجل الانتصار عليه. وإذا
وقع الفشل في إلحاق الهزيمة ببشار
الأسد بأيِّ شكلٍ من الأشكال لن يمكن
تجنب تقسيم سوريا. ومن أجل التقدم
بسوريا نحو مستقبلٍ مستقرٍ لا بدَّ من
إنجاز سلسلة من التغييرات الأساسية.
وقد صاغ الإعلامي والسياسي الكوسوفي
"فيتون سوروي" الشروط الثلاث
الأساسية لتحقيق انتقال المجتمع إلى
ما بعد مرحلة الصراع على الشكل التالي: أولاً: الانتقال من
نظام الحزب الواحد إلى نظامٍ دستوريٍ
يلتزم بمبادئ الديمقراطية ودولة
القانون. ثانيًا: احترام
الأكثرية الناتجة عن الانتخابات
الديمقراطية وكذلك احترام حقوق
الأقليات، وهم في سوريا العلويون
والأكراد والمسيحيون والدروز وكثيرون
غيرهم. ثالثًا: التحول من
مجتمع سِمته العنف إلى مجتمع سِمته
اللاعنف. التحول من عدوٍ للغرب
إلى صديقٍ له يُعقد الأمل على
دولةٍ حرةٍ موحدةٍ ديمقراطية: سكان
مدينة يبرود السورية يحتفلون بتحرير
مدينتهم على أيدي وحدات الجيش السوري
الحر. لا يسع أحدٌ غير
السوريين أنْ يحقق هذه التغييرات،
ولكنهم يحتاجون للمساعدة الخارجية
لفعل ذلك. سوريا بحاجة إلى دعم المجتمع
الدولي لها، وفي المقام الأول دعم
الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد
الأوروبي وتركيا ومجلس التعاون
الخليجي والجامعة العربية وباقي
أصدقاء الشعب السوري. ويجب أن يشمل هذا
الدعم تدخلاً عسكريًا لفترةٍ زمنيةٍ
محددةٍ، لكنْ لا ينبغي أنْ يقتصر عليه،
إنما يجب توفير المساعدة لتطوير نظام
التعليم ونقل المعرفة وتوفير العون
الإنساني والطبي وكذلك التقني والمالي
لإعادة بناء البلاد. وبهذا ستتحول
سوريا من عدوٍ للغرب إلى صديقٍ له. حوَّل الربيعُ
العربي ثلاث دولٍ كانت تحكمها
الديكتاتورية إلى دولٍ ديمقراطية:
تونس ومصر وليبيا، أما سوريا واليمن
ففي طريقهما نحو الديمقراطية.
والعملية الديمقراطية مهدت الطريق
لانتصار الإسلاميين المعتدلين في
الانتخابات في مصر. كما استطاعت
الأحزاب الإسلامية أنْ تحقق نجاحاتٍ
لافتةٍ في الانتخابات في كلٍّ من ليبيا
وتونس. ولكن ماذا عن سوريا؟ يُتوقع أنْ
تحصل القوى ذات التوجهات الإسلامية
على جزءٍ كبيرٍ من الأصوات، لكنها لن
تحظى بالأغلبية. _______________ *ولد ملهم الدروبي
عام 1964 في محافظة حمص السورية، كان من
أعضاء قيادة الإخوان المسلمين – فرع
سوريا، وهو من مؤسسي المجلس الوطني
السوري. وكان من المشاركين في مشروع
"اليوم التالي" الذي مهد له معهد
الدراسات الدولية والأمنية (الألماني)
ومعهد الولايات المتحدة الأمريكية
للسلام. هذه المبادرة التي حازت دعم
حكومات كلٍّ من ألمانيا والولايات
المتحدة الأمريكية وسويسرا وكذلك دعم
"المعهد الإنساني للتعاون التنموي"
الهولندي وهو منظمة غير الحكومية
والمركز النرويجي لبناء السلام هي
مبادرة غايتها وضع خطط للمرحلة التي
تلي سقوطًا محتملاً لنظام الأسد. أما
مشاركة الدروبي بهذا النص فتأتي في
سياق سلسلة مقالاتٍ تنشرها "دي
تسايت أونلاين" الألمانية بالتعاون
مع مؤسسة كوربر. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |