ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 03/10/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

"رجيم" الأسد... و"رجيم" الشعب

حميد المنصوري

الاتحاد

تاريخ النشر: الثلاثاء 02 أكتوبر 2012

كلمة رجيم "Regime " تعني النظام السياسي أو السلطة، واستخدام هذه الكلمة يحمل نظرة سلبية للنظام السياسي في اللغة الإنجليزية، ولكن استخدامها في العموم يعني النظام السياسي. ولكن "رجيم" بشار الأسد بحق لا يحمل سلبيات فقط، بل حمل نظام "البعث" السوري ليكون من أسوأ ثلاثة أنظمة عربية عرفتها المنطقة منذ تكوين الدول العربية بعد انهيار الدولة العثمانية واستقلال البلدان العربية من الاستعمار الأوروبي.

فلم يأت "رجيم" بشار الوارث لأبيه في نظام "جمهوعبثية" ليصلح نظام "البعث" السوري كقائد شاب، بل زاد من مظالم النظام وراح به إلى قمة أسوأ الأنظمة العربية، وذلك يعود إلى رجال العسكر المحتكرين للسلطة والربح المادي الفئوي، وأيضاً لأن النظام أصبح شبه طائفي بيد "العلويين" مع العسكر، أضف إلى ذلك الفئة المغردة للنظام "العبثي" حيث امتازت بكلمات ونغمات العروبة والعدو الخارجي، وهم بذلك يغردون لشرعية نظام عبث بدولة وشعبها.

لقد خلق "رجيم" بشار حالة من الرجيم للشعب السوري الذي قَدِم من خلال نظام أبيهِ "حافظ" بحالة من الخوف من أجهزة الأمن الداخلية القاتلة للحرية والعدالة، كما أنه في حالة من الفقر والتخلف عن التطور، وهنا فإن الحمية "الرجيم" لشعب ليس به بدانة الحرية، وسلامة حقوق الجسم والدم، والحق في التطور والنماء، تكون مدمرة لحال الشعب الذي أصبح رافضاً لعمليات تطويعه لنظام سياسي واجتماعي وأمني واقتصادي لا يراعي حال شعبه المزري في الاقتصاد والحرية والعدالة والتطور، كما أنه محكوم عليه البقاء في ظل نظام يحكم ليستمر في الحكم، وليس ليرفع من قدرة ونماء وتطور الوطن والشعب.

لقد انفجر الشعب في وجه النظام، وأصبح هناك المجلس الوطني السوري، وهو جماعة سياسية سورية تضم أغلب أطياف المعارضة منها "الإخوان المسلمين" و"إعلان دمشق" و"المؤتمر السوري للتغيير" ومستقلون، وأعلن عن تشكيله في 2 أكتوبر 2011 في اسطنبول، ويهدف إلى إسقاط "رجيم" الأسد.

ليس إلى هذا الحد، فـ"رجيم" بشار مع الملالي راح يفرض على لبنان قائمة محددة من القابضين والمسيطرين على أمن البلاد، والذي جعل لبنان يعيش حمية سياسية وأمنية بين "الكباب" الإيراني و"المنسف" السوري وتبولة "حزب الله"، كيف لا و"حزب الله" أصبح لا يُدعم من دول وحسب، بل حتى المطاعم تدعمهُ في لبنان وخارجها، أي أصبح أمن ومستقبل لبنان بيد معادلات إيران والأسد الإقليمية والدولية، التي تصل إلى روسيا والصين في مصالح موجهة بالتحديد ضد واشنطن في الشرق الأوسط.

بينما القتال والدماء واللاجئون حالات وصلت أوجها، ومازالت مستمرة بين نظام بشار والمعارضة، إضافةً إلى عجز الأمم المتحدة ودول جوار سوريا في إنهاء هذه الحرب الداخلية، يأتي مؤتمر المعارضة في دمشق كجماعة المعارضة الرئيسية في الداخل، وهي "هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي"، وهذا المؤتمر يأتي كأداة سياسية تدعمها روسيا والصين اللتان عرقلتا محاولات الدول الغربية لفرض عقوبات من الأمم المتحدة على الأسد، والواضح أن بكين وموسكو وطهران تريد التغير من هذه المعارضة كي لا تخسر علاقاتها ومصالحها الجيوسياسية مع دمشق الجديدة، أي دمشق بعد "البعث" السوري. لكن هذه المعارضة ربما تدور في فلك نظام بشار، والذي يقبلها من قاعدة أنها تدعو إلى التحول السلمي من دولة الحزب الواحد إلى الحكم الديمقراطي، ويشير حلفاء النظام إلى المعارضة الداخلية باعتبارها مؤشراً على جدية الرئيس في التغيير.

وقد جاء في المبادئ الأساسية لمؤتمر إنقاذ سوريا "إسقاط النظام بكافة رموزه ومرتكزاته بما يضمن بناء الدولة الديمقراطية المدنية، والتأكيد على النضال السلمي كاستراتيجية ناجعة لتحقيق أهداف الثورة، ويدعو أيضاً إلى الوقف الفوري لإطلاق النار ولتكن هدنة، تفتح الطريق أمام عملية سياسية تكفل الانتهاء من النظام الراهن لصالح ديمقراطية جدية وحقيقية". رغم هذا المؤتمر وما جاء به والدعم الروسي والصيني والإيراني له من خلال حضور المؤتمر والتصريحات التي تدور حول التغير من الداخل ومنع التدخل الأجنبي، فإن نظرة التخوين تندفع إلى القول إن نظام الأسد يحاول دائماً التفاوض مع نفسه، وإنها مجرد خطة سخيفة لتضليل المجتمع الدولي ليظن أن هناك مفاوضات جارية، كما أن موسكو وبكين وطهران تريد كلاً منها استنساخ "رجيم" آخر يحافظ على مصالحها الخاصة، وإنْ كانت تلك المصالح تأتي على حساب ما ينشدهُ الشعب السوري من حرية وتغير سياسي واجتماعي واقتصادي كبير.

أخيراً، تكشف الأزمة السورية المتمثلة في نظام بشار والمعارضة وقائع مهمة تأتي لدعم حقائق مهمة في المنطقة، وعلى المستوى الدولي والعالمي. ومن تلك الوقائع عجز الأمم المتحدة عن حل الأزمة السورية بسبب "الفيتو" الروسي والصيني، وذلك يدعم حقيقة أن الدول الكبرى صاحبة "الفيتو" تضعف من مصداقية ودور الأمم المتحدة، وفي حالة تضاد من هذه الحقيقة، فإن الدول الكبرى صاحبة "الفيتو" تدعم قوة الأمم المتحدة في حالات أخرى.

كما أن الدماء التي ترسم الوضع السوري الراهن ومع تاريخ نظام "البعث" السوري في داخل سوريا ولبنان وعمليات الاغتيال وتخلف الجمهورية السورية عن الركب، تجعل النظام من أسوأ ثلاثة أنظمة عربية مع البعث الصدامي ونظام معمر القذافي.

=================

أعجوبتان: صمود الأسد وتمسّك روسيا به!

سركيس نعوم

2012-10-02

النهار

الحلفاء الأساسيون للرئيس بشار الاسد في لبنان لا يبدون مذعورين من اتجاه الصراع الدموي الدائر في سوريا منذ 15 آذار 2011. فهم يعرفون، ومن متابعتهم اليومية، ان الأسد ليس قادراً على الحسم السريع للثورة، أي على القضاء عليها رغم استعماله حتى الآن كل ما عنده من جيش و"شبّيحة" وعتاد، فضلاً عن الطيران الحربي العمودي والنفاث. لكنهم يعرفون في الوقت نفسه أن الثائرين على الأسد عاجزون عن الانتصار عليه. ويعود عجزهم الى جملة أسباب. أولها، انقسامهم الى ثلاث معارضات. واحدة مقيمة في الخارج، وأخرى مقيمة في الداخل السوري، وثالثة مقيمة في دمشق ومتعاونة مع النظام. وثانيها عدم نجاح "الجيش السوري الحر" في بناء قوة عسكرية موحّدة قادرة  على إلحاق الهزيمة بالاسد ونظامه. فهو لا يزال كتائب متفرقة تعمل كل منها في منطقة أو مدينة أو  قرية. وينقصها الكثير من العتاد ووسائل الاتصال، إذ ان ما يصلها من حلفائها العرب والغربيين، سلاح تستطيع بواسطته الصمود ومنع بشار الاسد من الانتصار عليها، ولكنه لا يوفّر لها امكانات الانتصار عليه الآن. وثالثها دعم روسيا الاسد بالسياسة والسلاح وبوسائل الاتصال وربما بالخبراء. ورابعها، اعتبار ايران الاسلامية سوريا الاسد جزءاً منها، وخسارتها خسارة لها، وانتصارها انتصاراً لها. وانطلاقاً من ذلك فانها لا تتباخل على الاسد بكل ما يحتاج اليه من مال وسلاح وعناصر بشرية أو بالاحرى خبراء رغم الضائقة الشديدة التي اوقعتها بها العقوبات الأميركية والأوروبية بل الدولية عليها. وخامسها، رفض اميركا القيام بعمل عسكري ضد نظام الاسد، وهو الوحيد الذي يسقطه، لأن شعبها يرفض ذلك سواء قبل الانتخابات الرئاسية أو بعدها. اولاً تلافياً لخسائر مهمة بشرياً واقتصادياً. فهو لم ينس بعد خسائر حربي العراق وافغانستان، ولا يريد التورط في حرب جديدة في ظل ازمة اقتصادية عالمية متصاعدة، وأزمة اقتصادية داخلية لا تزال عصية على الانتهاء. وسادسها، رفض روسيا والصين السماح لأميركا  وحلفائها عبر مجلس الأمن بشن حرب عسكرية على سوريا تُسقط نظامها ورئيسها. وسابعها، رفض اميركا دفع الثمن الذي تطلبه روسيا للتخلي عن الاسد لأنه "غالٍ" جداً حتى الآن في رأيها. وهذا الموقف دفع المسؤولين الروس الكبار الى اسماع الأسد واعدائه من العرب كلاماً يطمئنه ويقلقهم من نوع: ان حلفنا مع سوريا الاسد يشابه والى حد بعيد حلف اميركا مع اسرائيل. وثامن الأسباب هو عدم ممانعة اميركا في ظل الوضع المفصّل اعلاه في تجميع "الارهابيين الاسلاميين" في سوريا بل في قضاء الاسد عليهم، الأمر الذي يريح المنطقة منهم وكذلك سوريا الجديدة بعد انهيار النظام الاسدي. اما تاسع الاسباب وآخرها ربما فهو اعتقاد الحلفاء الكبار لسوريا من اللبنانيين ان الموضوع السوري قد يكون بدأ دخول مرحلة التسوية، وخصوصاً بعد اعلان الرئيس "الاخواني" لمصر محمود مرسي مبادرته الرباعية. علماً أنها قد تصبح ثلاثية جراء ابتعاد السعودية عنها، لأن هدفها هو اسقاط بشار ونظامه اياً تكن تكلفة ذلك وخصوصاً مالياً، وقطر معها في ذلك. أما تركيا فان مشكلاتها الداخلية وأبرزها الاكراد والمعارضة الشعبية الداخلية وتململ الجيش بل غضبه، تدفعها الى التخلي عن طموحاتها الكبيرة السابقة والتشارك مع مصر وايران لتسوية الموضوع العربي.

هل اقتناعات حلفاء سوريا واعتقاداتهم المفصلة اعلاه في محلها؟

قد يكون فيها شيء من المبالغة الناجمة عمّا يسميه البعض "التفكير الامنياتي". لكنها لا تخلو من بعض الامور الجدية وخصوصاً في ما يتعلق بموقف روسيا من الاسد ونظامه. فهذه الدولة الكبرى اليوم والعظمى في معظم القرن الماضي، ستتمسك ببشار اذا لم تحصل على مقابل "حرزان" للتخلي عنه وإن تقلصت الجغرافيا التي تسيطر عليها قواته. والأمر نفسه ستفعله ايران، لأن التقلص يبقي لهما ارضا وجيشاً يقاتلان بهما للحصول على مكاسب استراتيجية. ولن يضرهما اتهامهما بالتقسيم. ففي عام 1976 نصح الاتحاد السوفياتي حلفاء الفلسطينيين واللبنانيين باقامة جمهورية وطنية عاصمتها صيدا. وبذلك كان يحاول الرد على دخول جيش الأسد الأب لبنان من دون موافقته وبضوء اخضر اميركي. ولن يضير هذا الواقع اسرائيل اذ سيريحها من سوريا عقوداً طويلة ستحتاج اليها لاعادة بناء نفسها، هذا اذا نجحت في ذلك. في اختصار يلخص لبناني ظريف ومطلع، الحال بالقول: "عجيبة صمود بشار حتى الآن في وجه حرب كونية عليه. وعجيب صمود روسيا في تأييده".

=================

عن السلطان أردوغان!! * ياسر الزعاترة

الدستور

2-10-2012

لم يتوقف شبيحة بشار الأسد خارج سوريا (فضلا عن وسائل إعلامه في الداخل) منذ شهور طويلة عن ترديد حكاية الحلم العثماني لأردوغان، وبالطبع في سياق الحديث عن الموقف التركي من الثورة السورية. ولا شك أن الكلمة المطولة للرجل في مؤتمر حزبه أول أمس الأحد ستمنح القوم مزيدا من الأدلة على صحة المؤامرة التي “اكتشفوها” كعادتهم قبل الآخرين!! لاسيما بعد أن استعاد فيها ذكريات بعض السلاطين العثمانيين.

اللافت بالطبع أن منطق الشبيحة لا يتوقف البتة عند المشروع الإيراني في المنطقة، لكأنه مشروع مبدئي يريد فلسطين والمقاومة والممانعة دون أية أهداف سياسية؛ في حين يعلم الجميع أن شهية التمدد والهيمنة تفوح من سياسات طهران أكثر بألف مرة من سياسات أنقرة التي تأتي في سياق يأس من الانضمام للاتحاد الأوروبي وبحثا عن فضاء إسلامي بديل، من دون أن ننفي وجود طموح سياسي لا يشير المنطق إلى استعادته لأحلام السلطنة العثمانية التي تنتمي لزمن آخر لا يمت إلى زمننا هذا بصلة حتى لو فكر فيه أردوغان أو سواه، ولا أظنهم يفكرون لأنهم أعقل من ذلك بكثير.

أما الأسوأ في منطق أولئك، فيتمثل في الزعم بأن موقف تركيا من الثورة السورية ينتمي إلى أحلام السلطنة العثمانية، لاسيما حين نتذكر كيف ترددت حكومة العدالة والتنمية طويلا قبل حسم موقفها تحت وطأة جزء معتبر من الرأي العام المحلي، إلى جانب غالبية الرأي العام الإسلامي، فضلا عن الاستجابة للبعد الأخلاقي أيضا، لاسيما بعد فشل مساعيها (حكومة العدالة والتنمية) الطويلة لإقناع الأسد بإجراء إصلاحات مقنعة تستوعب الحراك الشعبي. ولا حاجة للتذكير بالعلاقة الحميمة بين البلدين خلال سنوات ما قبل الثورة.

وفي ظل الدعم الإيراني الرهيب لنظام دمشق (يصل حد إدارة المعركة)، مقابل الدعم التركي (الجيد) للثورة؛ عادت الثنائية التاريخية بين الحكم العثماني والصفوي إلى ساحة التداول من جديد، رغم أن ظاهر العلاقة بين أنقرة وطهران لم يغادر مربع الود الذي تدعمه العلاقة الاقتصادية بين البلدين، وتستفيد منها تركيا أكثر من إيران، في ظل اضطرار الأخيرة لإبقاء نافذة مفتوحة لها بسبب العقوبات الدولية.

ما تنبغي الإشارة إليه في ظل هذه الجدل هو أن الصعود الإيراني التركي في المنطقة جاء في ظل غياب عربي شبه كامل عن الساحة الإقليمية لم يسبق له مثيل منذ عقود. وبالطبع إثر التراجع المزري للمحور العربي بقيادة مصر منذ بداية الألفية الجديدة، حيث صارت المنطقة في جزء منها حكرا على التمدد الإيراني، قابله صعود تركي، وإن لم تأخذ العلاقة شكل التناقض.

اليوم يتلمس العرب طريقهم نحو الحرية والوحدة والنهوض بقيادة مصرية، وإذا ما استمرت المسيرة بشكل جيد رغم عقباتها الكأداء بسبب استهدافها من قبل أكثر المحاور الدولية، فإن العرب سيشكلون المحور الثالث، وربما الأكثر قوة في المنطقة.

من اللافت في هذا السياق أن تركيا كانت أذكى بكثير من إيران التي تلبسها غرور القوة على نحو دفعها إلى تجاهل الوضع العربي والإسلامي المحيط، بدءا بالسيطرة على العراق بعد فشل مشروع الغزو الأميركي، وليس انتهاءً بلبنان مع محاولة قوية للتأثير في الملف الفلسطيني.

في المقابل كانت تركيا تمد يد التعاون للعالم العربي، وفي المقدمة سوريا قبل الثورة. وهي حين تمد يدها إلى مصر اليوم، فإنها لا تفعل ذلك من أجل السيطرة عليها، وليس ثمة عاقل يعتقد أن الأخيرة يمكن أن تقبل التبعية لتركيا، فضلا أن تعتقد تركيا أنها ستضم مصر إلى سلطنه عثمانية جديدة.

وحين دعي الرئيس المصري لحضور مؤتمر العدالة والتنمية، فهو لم يُدع بوصفه تابعا، بل بوصفه حليفا وقائدا لدولة كبيرة تشكل الضلع الثالث في قوى الإقليم الكبرى إلى جانب إيران وتركيا، وحين ينسجم الوضع العربي مع مصر، سينشأ محور يتفوق على المحورين الآخرين من حيث القوة والإمكانات، وهو ما يدركه أردوغان وأصحابه دون شك دون أن يعتبروا ذلك خطرا يهددهم.

ثمة فرق إذن بين سياسات التمدد والهيمنة برائحة مذهبية فاقعة كما في حالة إيران، وبين تعاون إيجابي، وإن لم يخل من بعض الطموحات السياسية لبلد كبير بوزن تركيا، وحين يتجاهل الشبيحة الفرق بين الحالتين، فهم إنما يفعلون ذلك لأسباب حزبية، وربما طائفية في بعض الأحيان.

وفي ظل الحشد المذهبي الذي يجتاح المنطقة، فإن تركيا اليوم هي الأقرب للضمير العربي والإسلامي (السني) من إيران التي كتبت على نفسها عزلة ستزداد وضوحا بعد سقوط الأسد، مع أن ذلك قد لا يكون نهاية المطاف، إذ ربما أعادها الوضع الجديد إلى روح التوازن والقبول بعلاقات جوار أفضل مع المحورين العربي والتركي في آن معا، مع أن الهوة معها باتت كبيرة، وستحتاج لجهد كبير لردمها، ومعها حالة الحشد المذهبية الراهنة.

التاريخ : 02-10-2012

=================

سورية والنموذج الافغاني

عبد الباري عطوان

2012-10-01

القدس العربي 

التاريخ يعيد نفسه، ولكن في سورية هذه المرة، والتاريخ الذي نقصده هنا هو التاريخ الأفغاني، وبالتحديد في الفترة التي شهدت ذروة الجهاد الأفغاني ضد النظام الشيوعي، والتدخل السوفييتي العسكري في ذلك الوقت لحماية النظام ودعم وجوده.

الروس يدعمون النظام السوري ومعهم الشيوعيون الصينيون، بينما تقف امريكا والدول الاوروبية الى جانب المعارضة السورية المسلحة، وتقوم دول الخليج والمملكة العربية السعودية وقطر بدور الممول والداعم والمسهل لحركة وصول المجاهدين الى جبهات القتال.

تركيا تلعب حاليا دور باكستان كمركز عبور للمجاهدين والأموال والأسلحة، وانطاكيا التركية تلعب الدور نفسه الذي لعبته مدينة بيشاور، اقرب مدينة باكستانية الى الحدود الافغانية، حيث ممر خيبر الاستراتيجي.

ومن المفارقة ان الذي يشرف على مكتب 'قاعدة المجاهدين' في اسطنبول، ويلعب دور الدكتور الراحل عبد الله عزام ومساعده وتلميذه الأبرز اسامة بن لادن، وهو المكتب المتخصص في استقبال المجاهدين السوريين، مثلما كان يستقبل المجاهدين العرب المتطوعين للقتال في افغانستان، هو نائب لبناني يمثل حزب المستقبل، والذراع اليمنى للسيد سعد الحريري زعيم تحالف 14 آذار.

' ' '

المفارقة انهما 'علمانيان' وليسا اصوليين اسلاميين مثلما هو حال الشيخين بن لادن وعزام، الأمر الذي يكشف تناقضات عديدة في المسألة السورية ويزيدها تعقيدا.

مشكلة المعارضة السورية المسلحة ليست قوة النظام، ولا هي نقص الاموال والاسلحة او تزايد اعداد المجاهدين الاسلاميين الذين يتدفقون الى الاراضي السورية من مختلف انحاء العالم الاسلامي، وانما في الانقسامات الكبيرة وحالة الفوضى التي تسود صفوفها، سواء تلك الداخلية او الخارجية.

واذا صحت الانباء التي ذكرتها صحيفة 'الاندبندنت' البريطانية يوم امس من ان تركيا وقطر اوقفتا ارسال اسلحة الى الكتائب السورية المقاتلة في الداخل السوري، وخاصة منطقة حلب وادلب وغيرهما، بما في ذلك الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات، بسبب تفاقم الخلافات فيما بينها، فإن هذا يعني ان عملية مراجعة تجري حاليا تجاه دعم هذه المعارضة تتسم بالجدية، وتحاول تجنب بعض الاخطاء الكارثية التي وقعت في افغانستان.

الصحيفة البريطانية قالت ان البلدين، وربما بتحريض من واشنطن ودول اخرى، اشترطا توحيد المعارضة المسلحة تحت قيادة موحدة لاستئناف الدعم العسكري والمادي، ولكن لا نستبعد ان يكون هذا التوقف راجعا الى حالة من اليأس من القدرة على الحسم، اي اسقاط النظام في الايام او الاشهر المقبلة، والوصول الى قناعة شبه مؤكدة بأن الصراع قد يطول لسنوات.

هناك بعض المؤشرات التي يجب التوقف عندها في محاولة رسم صورة لمستقبل الصراع في سورية:

الاول: تقدم السيد رجب طيب اردوغان رئيس الوزراء التركي بعرض الى حزب العمال الكردستاني المعارض باستئناف مفاوضات السلام للتوصل الى تسوية توقف الحرب التي تجددت بكثافة في الاشهر الستة الماضية، بفضل الدعم الرسمي السوري كرد على الدعم التركي للمعارضة المسلحة.

السيد اردوغان تقدم بهذه المبادرة اثناء الخطاب الذي القاه يوم الاحد في مؤتمر حزبه الحاكم، الأمر الذي يظهر انزعاجه وخوفه على تركيا واستقرارها وأمنها بسبب تفاقم الأزمة السورية، وتدخل بلاده فيها، وعدم ايفاء امريكا ودول عربية بوعودها في التدخل العسكري واقامة مناطق حظر جوي.

الثاني: انتقال قيادة الجيش السوري الحر من الاراضي التركية الى حلب، او اجزاء منها تقع خارج سيطرة النظام، وبعد اسابيع من قرار السلطات التركية بترحيل لاجئين سوريين من منطقة انطاكيا القريبة من الحدود السورية، بعد حدوث صدامات مع الأقلية العلوية التركية. وهناك من يهمس في انقرة بأن السلطات التركية هي التي طلبت من العقيد رياض الاسعد مغادرة الاراضي التركية، ولم يكن قرار الانتقال الى الداخل رغبة منه.

الضغوط العربية والغربية فشلت في توحيد المعارضة السورية الخارجية بفعل الخلافات المتفاقمة في صفوفها، وهذا ما يفسر التمثيل الضعيف للمجلس الوطني السوري، وتآكل الدعم السياسي له من قبل الولايات المتحدة والدول العربية، وقد تتجدد هذه الصعوبات وبشكل اكبر عندما تتكرر المحاولة نفسها مع فصائل المعارضة المسلحة في الداخل، التي تتكاثر بسرعة هذه الايام، ويتراجع التنسيق فيما بينها.

المشكلة الأصعب في تقديرنا ان هناك جماعات اسلامية مسلحة جاءت من خارج سورية ومن دول اسلامية عديدة، وتملك خبرة قتالية فتاكة باتت تنفذ عملياتها الجهادية الموجعة ضد النظام بمعزل عن الجيش السوري الحر، وخارج سيطرة فصائل المعارضة التقليدية، خاصة جماعة الاخوان المسلمين التي تختلف منهجيا وعقائديا مع هذه الجماعات.

تختلف التقديرات حول عدد ونفوذ وتأثير الجماعات الجهادية في سورية، فبينما يقدرها الرئيس الاسد في آخر احاديثه الصحافية بحوالى خمسة آلاف مقاتل، يرى العاهل الاردني انها ستة آلاف، ومن المؤكد انها تقف خلف التفجيرات النوعية مثل تلك التي استهدفت مقر هيئة اركان الجيش السوري في دمشق وغيره.

الحرب في افغانستان كانت تجسد الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو، حيث ارادت الاولى ان تنتقم لهزيمتها في فيتنام. اما في سورية فتريد الثانية الانتقام من هذا الانتقام الامريكي ومن خسارة حليفيها في العراق وليبيا.

هناك من يقول بانها ايضا حرب اقليمية مذهبية بين السعودية من ناحية وايران من ناحية اخرى، ويتضح ذلك من خلال الانقسام الطائفي حولها في المنطقة العربية بأسرها.

انتصرت امريكا في افغانستان بعد حرب استمرت ثمانية اعوام، وسقط ضحيتها حوالى مئات الآلاف من القتلى في الجانبين، مع التركيز ان الاغلبية كانت في صفوف الشعب الافغاني، ولكنه انتصار لم يكتمل، فقد اضطرت لخوض حرب ضد الارهاب اضطرت خلالها الى احتلال العراق وافغانستان، وخسرت اقتصادها والآلاف من جنودها، وقدمت البلدين هدية للاسلام الجهادي بعد ان انتهت افغانستان في قبضة طالبان.

' ' '

لا نستطيع ان نتكهن بالنتائج في سورية، ولكن من الواضح ان ايام النظام في دمشق ليست معدودة مع اقتراب الأزمة من نهاية عامها الثاني، ولم يعد احد يكرر هذه النغمة في الدول العربية والغربية الداعمة للثورة.

الرئيس الاسد يملك في رأي الكثيرين بوليصة تأمين قوية من اجل البقاء وهي الاسلحة الكيماوية، الى جانب دعم قواته المسلحة وجانب من الشعب السوري، علاوة على ايران وروسيا وحزب الله، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو العمر الافتراضي لهذه البوليصة، وما اذا كانت مفتوحة لسنوات.

التدخل العسكري الخارجي هو العامل الوحيد الذي قد يغيّر هذه المعادلة، ولا يلوح في الافق اي مؤشر عليه في الوقت الراهن، فأوباما لم يرد الحرب في ولايته الاولى، وقد تتعزز هذه القناعة في ولايته الثانية، ولذلك ستظل الأزمة السورية مفتوحة على جميع الاحتمالات والمفاجآت.

=================

سورية الياسمين.. وليست الاسد!

2012-10-01

القدس العربي 

وقف جدي أبو ابراهيم وجها لوجه امام الجنرال الفرنسي غورو (عندما أفرج عنه وكان محتجزا في الميدان لانه كان يقاتل مع الثوار)، وخبط بيده على مكتبه قائلا: ' يا ريت ما دخلت فرنسا ولا شفناها، أنا سوري ودمي بس لسورية. لم يخف من ان يعيده سجانه الى السجن، او ان يقطع لسانه في تلك اللحظة، لانه كان ينطق بالحق الذي ينبع من داخله والذي يسري في عروقه. سورية لابنائها البررة لا لاحد غيرهم.

اي منا كان قبل اكثر من ثلاثين عاما يستطيع ان يصرخ بملء فيه سورية يا حبيبتي وليس سورية الا... ومنذ متى كانت سورية حقا مشروعا لحاكم او لعائلة يستبيحون خيراتها ويتقاسمون مواردها وكلنا صم بكم لا يفقهون.

علمونا ونحن في الصفوف الاعدادية ان الاشتراكية هي ملح الارض وان لهذا الملح اسم علينا ان نبوح به صارخين بالروح بالدم نفديك يا حا... .

اجبرونا ان ننطلق بمظاهرات نؤيد فيها حق الفلسطيني في العودة الى دياره، لا ان نؤيد حق السوري بحياة حرة كريمة يتنسم فيها حقه المشروع بابداء الرأي فللحيطان آذان. وكم من ثائر ذهب الى غير رجعة.

اذكر في احدى المرات وانا ادخل دمشق عن طريق المصنع اوقفنا احد الحواجز العسكرية وسأل ما معنا؟ اجبته معي هاتان التفاحتان الحمراوتان طلبتهما مني ابنتي الصغيرة. خطف الكيس من يدي وقال: 'ليش نحنا ما عنا تفاح'. التصق لساني في حلقي ولم استطع الرد وأنا اشاهد عن يساري احدى السيارات تقطع الطريق العسكري محملة بكل شيء (ولا مين شاف ولا مين دري)!

كنت اريد ان اصرخ في وجهه بأي حق تأخذ مني تفاحتين وهناك سيارة محملة ثمرا تمر بهدوء وكأنك اعمى. ضغط زوجي على يدي كي لا اتكلم وقال: لا تنسي اطفالك. سكت والغيظ يحرق داخلي. ماذا سيقول عني جدي وهو لم يأبه بالمستعمر وصرخ بوجهه وأنا ماذا جبانة جبانة.

هذه هي العروبة التي علمونا اياها: (بلاد العرب اوطاني من الشام لبغدان).

العروبة ماتت منذ زمن طويل. ماتت مع جدي ابو ابراهيم ورفاقه.

يحلو لي دائما ان اقرأ كل ما يقع بين يدي، ولكني لا اعرف ماذا يحدث لي هذه الايام. اقفز بين السطور علني ألمح خبرا يهدىء روعي ويوقف الدموع في عيني. اقرأ واقرأ والغليان يشتد في اعماقي. هل صحيح ما يحدث؟

دمشق عروستي الحلوة تنزف دما. تصرخ مآذنها وصلبانها. تستغيث حاراتها وأبوابها. يئن بردى العظيم وقد اختلطت مياهه بدماء ابنائه. ويهدد قاسيون الشامخ وقد ثقلت عيناه من مشاهد المار. اجيبوني بالله عليكم هل شاهدتم أمّاً تنحر اولادها؟ او أبا يسفك دماء اطفاله؟ او أخا يضرب اخاه حتى الموت؟ هل من المعقول ان يحدث هذا في دمشقي الغالية. لا استطيع ان اصدق ما اسمع وما اقرأ.

الجميع دخلوا عليك يا حبيبتي الحلوة كل يغتصبك كما يحلو له وأنت تأنين ولا من يستجيب. أين حاراتك المسنة وقد اختلطت فيها رائحة الياسمين والفل برائحة البارود والموت؟ أين جوامعك وقد سكتت مآذنها عن التكبير؟ وكنائسك وقد صمتت اجراسها عن الطنين؟ حولوك بؤرة عفنة تتكدس فيها اشلاء الموتى، ولا احد يعرف هوية الآخر.

هذا يقاتل عن حق درسه منذ اكثر من ثلاثين عاما حق سموه الاشتراكية والديمقراطية وهي بعيدة عنهم بُعد المريح عن الارض. والآخر يقاتل لان الحكم ظالم والحاكم اظلم. وهو يريد تحرير الوطن، لذلك يصوب بندقيته الى صدر اخيه ويجلب الموت والخراب لبلده الحبيبة، وهو في نفس الوقت يتصارع على السلطة التي حلم ويحلمون بها قبل ان تصبح بين ايديهم.

وهناك من يقاتل وهو لا يعرف لمصلحة من ولماذا هذه الحرب البشعة.

كل ما يعرفه انهم اعموا عيناه بحفنة لا بأس بها من الذهب وهو لا يعرف ان هذا الذهب مجبول بعرق اخوته العرب هناك الذين لا يرون منه الا القليل لانه كله يصب في خزائن ملوكهم وامرائهم. وهكذا اختلط الحابل بالنابل. الموت يحصد العشرات كل يوم، وكل فئة تشرب من دماء الاخرى حتى الثمالة.

أليس من عاقل حكيم في بلدي يستطيع ان يصرخ عاليا: كفى كفى اوقفوا آلات الموت والدمار لنجتمع معا يدا واحدة وننقذ ما تبقى من بلدنا الجريح علها تهدأ دماء شبابنا وتهمد نفوسهم المتأججة ليعلموا يقينا ان ارواحهم لم تذهب هدرا، فكل نقطة من دمائهم ستغيث ياسمينا وفلا، لتعود سورية الحبيبة كما كانت عاصمة العلم والرخاء، عاصمة العروبة الحقة.

سمراء الدمشقي

 

=================

سوريّة: الامبراطوريّة والجمهوريّة الديموقراطيّة

الثلاثاء ٢ أكتوبر ٢٠١٢

حازم صاغية

الحياة

يُعدّ الشكل الامبراطوريّ للحكم شكلاً سابقاً على الحداثة والدولة الأمّة. لهذا كانت الامبراطوريّات التي استمرّت في زمن الحداثة والدولة الأمّة معاقة ومتأخّرة وموسومة بمواصفات تعيّن إعاقتها وتأخّرها هذين.

فالنفوذ الخارجيّ والاحتلال المباشر لا يعودان يعكسان تقدّماً في داخل البلد الامبراطوريّ الذي ينخر التفسّخ والاهتراء صلبه الاجتماعيّ اقتصاداً وتعليماً وعلى سائر المستويات. كذلك يحتلّ الإنفاق على الجيش والأمن حصّة متضخّمة من مجمل الإنفاق العامّ فيما تحظى المؤسّسة العسكريّة والأمنيّة بموقع مركزيّ، إن لم يكن الموقع المركزيّ، في السلطة. وفي هذا المعنى تلوح الحياة الديموقراطيّة في الإمبراطوريّات المتأخّرة مُصادَرَة أو ممنوعة لا يتّسع لها المكان. فوق هذا، وبسبب التداخل الذي تنهض عليه الامبراطوريّات بين الداخليّ والخارجيّ، المتروبول والمستعمَرات، غالباً ما يأتي انهيارها نتيجة حروب إقليميّة أو عالميّة. ففي استثناءات قليلة كالامبراطوريّة البرتغاليّة التي أنهاها انقلاب ذو أفق ديموقراطيّ أواسط السبعينات، سقطت الامبراطوريّتان العثمانيّة والهبسبورغيّة بنتيجة الحرب العالميّة الأولى، ثمّ سقطت الامبراطوريّة النازيّة الألمانيّة، التي كانت قيد البناء، بفعل الحرب العالميّة الثانية، وأخيراً جاءت الحرب الباردة تسقط الامبراطوريّة السوفياتيّة التي كانت قد أجّلت قسريّاً سقوط الامبراطوريّة القيصريّة مع الحرب العالميّة الأولى.

وفي النهاية، فإنّ سقوط الامبراطوريّة لا يشبه سقوط نظام عاديّ من الانظمة لمصلحة نظام آخر. هنا تمتدّ التحوّلات لتطاول المجتمع والخريطة نفسيهما: فسقوط الامبراطوريّتين العثمانيّة والهبسبورغيّة فسّخهما وفتح الباب للدول الأمم الكثيرة، كما انهارت «الكتلة الاشتراكيّة» وانكمش الاتّحاد السوفياتيّ ذاته إلى فيدراليّة روسيّة بنتيجة انهياره الامبراطوريّ. ومرّة أخرى نجت البرتغال، بعد تحريرها مستعمراتها الأفريقيّة، من مصير كهذا تبعاً لوحدة مجتمعها وتجانسه اللذين تعزّزا باعتناق الديموقراطيّة واحتضان الديموقراطيّات الغربيّة لها.

ولا يخطئ واحدنا إذ يقول إنّ سوريّة كما صاغها حافظ الأسد وهندسها تحظى بالكثير من المواصفات الامبراطوريّة، أكان ذلك تأثيراً في الخارج والمحيط، أم تخلّعاً في الداخل والصلب الاجتماعيّ، أم إعاقةً عسكريّة وأمنيّة لأيّ إقلاع ديموقراطيّ. لكنّ الفارق أنّ الثورة السوريّة تنوب مناب الحرب الإقليميّة أو الدوليّة التي عادةً ما تتكفّل إزاحة النظام الامبراطوريّ. هكذا يحصل من التدخّل حدّه الأدنى الذي يزيد فوضى الصراع وتضاربه من دون أن يحصل التدخّل الذي يحمل الخلاص. وقد رأينا، مثلاً، في التجربة العراقيّة للبناء الإمبراطوريّ كما رعاها صدّام حسين، وقادتْه إلى حرب على إيران وغزو للكويت، كيف أنّ تحالفاً دوليّاً ضخماً في المرّة الأولى، ثمّ تحالفاً أصغر في المرّة الثانية، قاما بهذه المهمّة نيابة عن الضحايا العراقيّين.

بلغة أخرى، تكتسب الثورة السوريّة طابعها الملحميّ والبطوليّ من حقيقة قيامها بما يناط عادة بأحلاف دوليّة جبّارة. غير أنّها، وللسبب ذاته، تختزن وتولّد ما لا حصر له من تناقضات، تعقيداً وطولاً وتدميراً ومصاعب. واليوم تتنافس هاتان السمتان الحاكمتان لتلك الثورة تنافساً نلقاه في كلّ واحدة من الضربات التي تكيلها لنظام مجرم وفي كلّ واحدة من الضربات التي يكيلها لها، بحيث يبدو تدمير حلب وسائر المدن شهادة رهيبة على جيولوجيّة الحدث السوريّ. فما من شيء في الواقع والأفكار سيبقى كما كانه من قبل، لأنّ تحوّل سوريّة من مصغّر إمبراطوريّ إلى جمهوريّة ديموقراطيّة ليس بالأمر البسيط أو العاديّ. إنّه حوار دمويّ مع التاريخ والجغرافيا ومع الكثير من الكذب الذي تراكم على جنباتهما.

=================

ليست تلك هي السبيل!

عبدالعزيز التويجري *

الثلاثاء ٢ أكتوبر ٢٠١٢

الحياة

لا يستقيم عقلاً أن تكون إيران طرفاً في اللجنة الرباعية التي تشكلت باقتراح من الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي، للبحث عن مخرج للأزمة الطاحنة التي تفتك بالشعب السوري، وتقوّض الدولة السورية من الأساس، وتدمّر ما لها من كيان وإنسان. إن إيران طرف أصيل وفاعل ومؤثر ومشارك في صنع الأزمة في سورية. فكيف تكون هي عضواً في لجنة مهمتها إيجاد حل لهذه الأزمة؟

هناك خلل ما في المعادلة التي انبنى عليها تشكيل اللجنة الرباعية من مصر والمملكة العربية السعودية وتركيا وإيران، يؤشر إلى اهتزاز في الرؤية إلى طبيعة ما يجري على الأرض، وإلى الخلط بين ما هو واقعي وما هو نظري. لأن المرحلة الخطيرة التي تمر بها سورية قد تجاوزت مثل هذه الطروحات. كما تجاوزت هذه المر حلة إيفاد المبعوث الدولي السيد الأخضر الإبراهيمي إلى المنطقة. فلن يفلح هذا المبعوث في اختراق جدار الأزمة للوصول إلى تسوية ما مهما تكن براعته الديبلوماسية. ولقد كان صادقاً مع نفسه حينما صرح أياماً قبل وصوله إلى القاهرة ثم دمشق، بأن مهمته شبه مستحيلة، بما يعني أنها مهمة فاشلة ابتداءً. ومع ذلك أقدم على تنفيذها، وكأنه يسوق نفسه إلى الفشل، أو يلقي بنفسه إلى التهلكة. وهو أمر غريب من ديبلوماسي عرك الحياة وعاركته، وتقلّب في مناصب عدة، بدأت من سفير لبلاده الجزائر في القاهرة بعد الاستقلال، ثم سفير بلاده في كل من الخرطوم ولندن، ثم أميناً عاماً مساعداً لجامعة الدول العربية، فوزيراً للخارجية، قبل أن يعيّن مبعوثاً دولياً في مناطق ساخنة شتى من العالم، منها لبنان وأفغانستان والصومال والعراق. وإذا كان قد أحرز نجاحاً في بعض من تلك المهمات الدولية، فلأن الظروف في تلك الفترة كانت تساعد على إحراز قدر من النجاح، وهي تختلف كلياً عنها اليوم، من وجوه عدة، منها أن الأمر يتعلق الآن بالنظام السوري الذي لا نظير له إطلاقاً في الجرائم التي يرتكبها، وفي تعقيداته الغامضة، وفي ارتباطاته المشبوهة، وفي امتداداته عبر الإقليم.

إن هناك قدراً من الارتجال يلف المبادرة التي طرحتها مصر للخروج من الأزمة السورية، وإن كان هذا لا يطعن في صدق النيات. ولكن النيات الحسنة لا تقود دائماً إلى السلامة. ربما يعود ذلك الارتجال إلى نقص في الخبرة السياسية وإلى حداثة التجربة في العلاقات الدولية. وفي كل الأحوال، فإن الوضع في المنطقة يسير في الاتجاه المتصاعد نحو المزيد من التدهور والتأزم، مما يقتضي المصارحة المطلقة والمكاشفة التامة ومواجهة الحقائق على الأرض بمنتهى الشجاعة الأدبية. إن التصريح الذي أدلى به وزير الخارجية الإيراني السيد علي أكبر صالحي باللغة العربية من القاهرة، بأن الأزمة السورية لا سبيل لحلها إلا من خلال السوريين أنفسهم ومن دون تدخل أجنبي، له دلالة واحدة، وهي إعلان فشل اللجنة الرباعية من جهة، والدفع في اتجاه استمرار الأزمة لإطالة عمر النظام القمعي الطائفي الذي أوشك على الانهيار فعلاً، وهو ما يحقق هدفاً من الأهداف التي تخدم مصالح الجمهورية الإسلامية الإيرانية في المنطقة انطلاقاً من سورية ولبنان. فكلما طال عمر نظام عائلة الأسد وعصابتهم في سورية، كان ذلك في مصلحة إيران. وكلما تعثرت الجهود الديبلوماسية التي تبذل لحل الأزمة، توافرت لطهران الفرصة لاستمرار وجودها في المنطقة للهيمنة على شعوبها وللانطلاق منها إلى الدول العربية الأخرى لنشر المذهب الطائفي، وللترويج لمبادئ الثورة الإيرانية، مما يؤدي إلى السقوط في مستنقع الطائفية التي تؤدي إلى خراب الديار وفساد العقول وضياع فرص التنمية. ولذلك، فإن كل اقتراح يرمي إلى إطالة أمد الأزمة المشتعلة في سورية، أياً كان مصدر هذا الاقتراح، يخدم في الأساس مصلحة إيران ومصلحة النظام الطائفي الاستبدادي الذي يقتل شعبه المُطالب بالحرية والكرامة والعدالة.

هنا يُطرح سؤال نرى أنه من الأسئلة الملحّة في هذا الوقت: ما البديل وقد انسد الأفق وأُغلقت الأبواب في وجه الحل الديبلوماسي؟ البديل هو الدعم الفوري غير المحدود وعلى كل المستويات، للمعارضة السورية، والوقوف إلى جانب الشعب السوري الذي يقتل يومياً، وذلك عبر مسارات كثيرة مفتوحة أمام من أراد مساندة هذا الشعب المنكوب، ومساعدة اللاجئين السوريين في دول الجوار بشتى الطرق، ومواصلة الضغط على القوى العظمى المترددة حتى تتخذ موقفاً صريحاً وحاسماً يعجل في إسقاط النظام، مع بذل المساعي لإقناع المعارضة المسلحة بضرورة اليقظة حتى لا يفسح في المجال أمام الجماعات المتشددة ذات التوجهات المتطرفة لفرض وجودها على الثورة السورية، مع السعي من أجل جمع صفوف المعارضة في الداخل والخارج. وجمع الصفوف ليس هو التوحيد الجامع الشامل الذي ليس في الإمكان، لاعتبارات كثيرة منها ما يعود إلى طبيعة النظام السوري الذي ألغى السياسة في البلاد منذ 1963 حين احتكر السلطة وتمسك بها بيد من فولاذ، وعطّل التفكير السياسي، ومنع النشاط السياسي إلا في إطار الحزب الحاكم، فأفسد البلاد والعباد. وإنما المطلوب في هذه المرحلة، هو التوافق حول الأهداف الاستراتيجية، وهي إسقاط النظام وعدم القبول بالتفاوض معه، وإقامة الدولة السورية الديموقراطية المدنية التعددية التي تستوعب جميع أطياف الشعب السوري من دون استثناء ويسود فيها القانون.

لا بد من أن يسقط النظام الطائفي في دمشق. ولا بد من أن يعاقب المجرمون قتلة الشعب السوري. ولا بد من لجم طموحات إيران التوسعية مذهبياً وعسكرياً في المنطقة. وتلك هي السبيل إلى إنقاذ الشعب السوري من القتل الهمجي اليومي، وإنقاذ الدولة السورية من الانهيار التام، وإنقاذ المنطقة من مزيد من التوتر والتأزم وانسداد آفاق الوئام والتصالح والتنمية.

 * أكاديمي سعودي

=================

بقاء الأسد هو أكبر مؤامرة!

حسين شبكشي

الشرق الاوسط

2-10-2012

كنت في استراحة مع بعض الأصدقاء نتبادل الحديث عن تطورات الوضع في سوريا والتداعيات المرعبة الحاصلة في أكثر من مدينة أبرزها الهجوم الوحشي والغوغائي على أكبر المدن فيها حلب واستباحة كل أحيائها وحرق «سوق المدينة» الشهيرة والمعروفة بقيمتها التراثية كونها أكبر وأقدم سوق مغطاة في التاريخ. وحجم الدمار الممارس من قبل النظام السوري بحق شعبه أدخله التاريخ الأسود متفوقا على مجرمين بحجم هتلر وهولاكو.

ولكن هذه الاستراحة التي كنت فيها سرعان ما طرح فيها أحدهم سؤالا مهما وهو: هل من الممكن أن ينتصر بشار الأسد ونظامه ويبقى في الحكم؟ وهو سؤال يبدو منطقيا ومشروعا ولا بأس في الاستعانة في الإجابة عنه ببعض النماذج والأمثلة التي يوردها مؤيدو نظرية أن بشار سيستمر في الحكم ولن يسقط.

فهناك من يستشهد بواقعة قمع صدام حسين للتمرد الشعبي الذي قام ضده في الجنوب العراقي وهناك من يستشهد بما فعله النظام في الجزائر ضد الحركات الأصولية السلفية المتطرفة التي واجهها لفترة طويلة وتكبدت البلاد تكلفة من الخسائر المادية والبشرية لا يمكن الاستهانة بها أبدا، وهناك مثال السودان ومواجهته لمتمردي دارفور.. هذه أهم الأمثلة التي يروج لها داعمو نظرية بقاء الأسد. والإجابة عن هذا السؤال أن كل هذه الأمثلة لم يكن بها هذا الكم من زهق الأرواح وهذا القدر من البطش والقوة من قبل النظام ولا هذا القدر من الرفض الدولي لاستمرار النظام والتلويح بذلك بشكل علني.

يقول نظام بشار الأسد عبر أبواقه الإعلامية ومسؤوليه إن ما يحدث في سوريا هو نتاج «مؤامرة كونية» على البلاد ونظامه وذلك للقضاء على المقاومة والخلاص منها، وبما أن سوريا هي رأس الحربة للمقاومة فهي في وجه المدفع. وطبعا موضوع المقاومة هو كذبة مفضوحة كررها النظام عبر السنين فاقتنع بها وصدقها وبات يروج لها كالأسطوانة المشروخة.

ولكن الحقيقة التي لا تقبل الشك هي أن بقاء نظام الأسد سيكون تحقيقا عمليا لأكبر مؤامرة دولية على سوريا لأن هذا النظام تجاوز بجرائمه الممكن والمعقول واخترق بجرائمه الحدود وعبرها بات مسؤولا عن سلسلة لا حد لها من الاغتيالات والاضطرابات وأصبح رحيله مطلبا أخلاقيا في المقام الأول لا بد منه لأن الشرائع السماوية والأنظمة البشرية لم تعد تقبل ولا تطيق استمراره ولكن يبدو أن «دوره» لم ينته بعد وأن «بقاءه» مطلوب حتى الآن ولكن العنصر الغائب غير المحسوب في كل ما يطرح الآن هو الشعب السوري الذي خرج من القمقم وأنهار الدماء التي سالت والأرواح التي قضت، هذه الكمية من الأرقام لا عودة عنها وما تم شرخه لا يمكن إصلاحه فكيف بما تم كسره وتدميره. حجم الجرائم التي اقترفها نظام الأسد ضد شعبه لم يقم بعمله أحد، وهو تطبيق عملي أرعن متوحش للشعار المرفوع منذ اليوم الأول «إما الأسد أو نحرق البلد» فلم تبق قيمة لروح بشر أو لذكرى حجر.. إنها روح الهمجية الوحشية لإنسان الغاب والغريزة الدموية الموجودة في البشر إذا فقدوا الصواب، وهو يفسر حرفيا ما يقترفه نظام الأسد في شعبه اليوم، فلم يعد من المجدي التذكير بواقعة أو بمجزرة أو بمذبحة أو بحريق أو بدمار، فمن الواضح أن كل هذه الأحداث هي فكرة ونية ورغبة هذا النظام الفاقد للوعي وللأخلاق والمروءة والدين، فلا يردعه طفل يبكي أو شيخ يذبح أو امرأة تحرق.

سوريا ستعيش وكذلك الشعب السوري الأصيل النبيل. نظام الأسد سيرحل كما يستحق ولكن يبقى عذاب الضمير لمن لم يجرؤ على قول كلمة الحق ومناصرة الحق بأي وسيلة ممكنة، ووقتها لن يكون هناك مكان للندم ولا لآهات الحزن. تذكروا جيدا.. لا يوجد أقذر من نظام بشار الأسد إلا من يؤيده ويبرر له وأن كل من يقوم بذلك أو حتى يصمت عن انتقاده إنما هو شريك في كل قطرة دم بريئة وشريفة سالت على أرض سوريا الجميلة.

الأسد راحل لأننا تربينا على أن الباطل دوما زهوق حين يأتي الحق. وساعة الحق أزفت في سوريا!

=========================

التوصيات الختامية لمؤتمر الآثار النفسية والاجتماعية للثورة السورية وآليات التعامل معها

الجمعة 12 ذو القعدة 1433 هـ الموافق 28 سبتمبر 2012 م

الكاتب : المكتب الاجتماعي - هيئة الشام الإسلامية

اختتمت في اسطنبول مساء يوم الجمعة 12 ذو القعدة 1433 هـ ، 28 سبتمبر 2012 م ، فعاليات مؤتمر الآثار النفسية والاجتماعية للثورة السورية وآليات التعامل معها، وذلك بعد يومين من الجلسات المتاالية وورش العمل وحلقات النقاش.

وقد خرج المؤتمر بالتوصيات التالية ، تلاها باللغة العربية د. محمد توفيق الجندي ، وباللغة الإنجليزية د. مأمون مبيّض.

التوصيات الختامية لمؤتمر الآثار النفسية والاجتماعية للثورة السورية وآليات التعامل معها

1)   دعم وتوفير مراكز وعيادات نفسية ومكاتب اجتماعية ثابتة ومتنقلة لتخدم جميع الفئات المحتاجة لها في الداخل والخارج. 

2)   إقامة وسائل تواصل مباشرة (مثل خطوط ساخنة أو استشارات الكترونية أو غيرها) لتقديم الاستشارات النفسية الاجتماعية.

3)   إقامة مشاريع الدعم النفسي الاجتماعي لأهل سورية في الداخل والخارج، لشرائح المجتمع المختلفة، مع التركيز على النساء والأطفال والمسنين والجرحى وذوي الاحتياجات الخاصة.

4)   تيسير وصول الطواقم الطبية النفسية الاجتماعية إلى مناطق تواجد المتضررين في الداخل والخارج.

5)   نشر الثقافة النفسية المتعلقة بالصدمات والكوارث، والقيام بتثقيف الناس حول آليات التكيّف مع الضغوط الناتجة عن الأزمات.

6)   إقامة حملات إعلامية مكثفة تخاطب البلدان (شعوباً وحكومات) المستضيفة لأهل سوريا لتعزيز التكافل الاجتماعي وتيسير سبل الحياة الكريمة (مثل : الصحة والتعليم والإقامة ...).

7)   إقامة حملات إعلامية مكثفة لإبراز الجوانب الإيجابية للثورة السورية وبث ثقافة التفاؤل وتعزيز الصحة النفسية الاجتماعية.

8)   التنسيق مع الهيئات الدولية ذات الخبرة في مجال الدعم النفسي الاجتماعي في تنفيذ المشاريع والاستفادة من خبراتهم.

9)   جمع ودراسة المسائل الشرعية والقانونية المتعلقة بالجوانب الطبية النفسية الاجتماعية في الحروب والكوارث.

10)  دعم الدراسات والمسوح العلمية الطبية النفسية الاجتماعية التي تتعلق بالأزمة السورية.

11)  التأكيد على أهمية التوثيق للانتهاكات الجسدية والنفسية والجنسية على الشعب السوري.

12)  تنظيم وإقامة دورات تدريبية للدعاة والأئمة والخطباء ورجال الدين من كافة الطوائف والناشطين على الجوانب النفسية والاجتماعية المساعدة في التعامل مع الكوارث والأزمات.

13)  إعداد وتأهيل المدربين المتخصصين القادرين على تدريب الداعمين النفسيين في الداخل والخارج.

14)  متابعة هذا المؤتمر بإقامة ملتقيات وندوات ومؤتمرات علمية طبية نفسية اجتماعية دورية لمتابعة المستجدات في هذا المجال.

15) حث أصحاب التخصصات المختلفة على تقديم برامج وإنشاء كيانات متخصصة للتعامل مع الاحتياجات الحالية والمستقبلية للمجتمع السوري (مثل: المهندسون , القانونيون , الاقتصاديون ..)

16) إنشاء قاعدة بيانات تشمل جميع المتخصصين في الطب النفسي والعلوم النفسية والاجتماعية المهتمين بالشأن السوري.

17) السعي لإقامة مرجعية طبية نفسية اجتماعية متخصصة للإشراف على إنشاء وتنفيذ ومتابعة وتقييم البرامج النفسية الاجتماعية المقترحة في مرحلة الثورة وما بعدها.

=======================

"رباعية مرسي» والخذلان العالمي

الأحد، 30 أيلول 2012 00:37

السبيل ـ يومية أردنية ـ

د.إبراهيم البيومي غانم

لم يقبض الشعب السوري من اجتماعات الجمعية العام للأمم المتحدة في نيويورك 19 و20 من سبتمبر 2012 إلا دفعة جديدة من «الخذلان العالمي»، بينما قبض نظام بشار فرصة ذهبية جديدة ليمضي في مزيد من أعمال القتل المنهج، ومزيد من الطلعات الجوية «الشجاعة جداً» في سموات المدن السورية لتقصف البيوت وتهدمها فوق رؤوس أهلها بالصواريخ وبراميل المتفجرات، وتوقع مئات الضحايا كل يوم على مرأى ومسمع من العالم كله.

والإحصاءات تقول إن عدد الشهداء تجاوز الثلاثين ألفاً، وإن هناك ما يزيد على مليوني مبنى قد تم هدمه ما بين بيوت ومنازل سكنية، ومدارس، ومستشفيات، ومساجد، وكنائس. وفي يوم واحد في أثناء انعقاد الجمعية العامة بنيويورك، قتل نظام بشار 300 سوري دفعة واحدة!

لا أظن أن أحدا من المشاركين في اجتماعات الجمعية العامة قد عاد إلى بلاده وهو مرتاح الضمير، أو راض بينه وبين نفسه عما قاله أو استمع إليه بشأن شلالات الدماء البريئة المهراقة ليل نهار في سوريا على يد عصابات بشار منذ أكثر من عام ونصف العام. فالجميع ودون استثناء اكتفى بترديد أنشودة الإدانة الأخلاقية لأعمال العنف ووجوب وقفها، أما كيف يتم وقفها ومتى فهذا وذاك لم يتطرق إليه أحد! وربما لم يأبه له أحد؛ تحسباً لضياع مصلحة حقيرة هنا، أو انتظاراً لتحقيق مصلحة أكثر حقارة هناك مقارنة بدماء الأبرياء. بل إننا استمعنا إلى ما هو أشد وطأة على الضمير الإنساني عندما قال بان كي مون في مجلس الأمن الدولي -وليته سكت ولا نطق- إن المطلوب هو وقف إمداد طرفي الأزمة في سوريا بالسلاح؛ لأن أياً منهما لن يحقق نصراً عسكرياً على الآخر!

 

هذا يعني أن ما يسمى «المجتمع الدولي» يسوي بين المقتول والقاتل، ويرى أن هناك طرفين يجب وقف إمدادهما بالسلاح في نفسٍ واحد. ولا يرى هذا «المجتمع» أن أحد الطرفين شعب أعزل لا حول له إلا الله تعالى كما يهتف الثوار السوريون «يا الله مالنا غيرك يا الله»، بينما الطرف الثاني يمتلك ترسانة من الأسلحة الفتاكة والقوات النظامية والشبيحة التي أنفق عليها من أموال الشعب السوري، واختزنها لعقود طويلة بدعوى تحرير الجولان من رجس الاحتلال الصهيوني، فإذا به يصوبها إلى صدور أبناء شعبه الأعزل. المجتمع الدولي أصابه العمى حتى إنه لا يرى فرقاً بين هذا وذاك!

 

وفيما عدا مطالبة أمير قطر في كلمته أمام الجمعية العامة بتدخل عسكري عربي لإنقاذ الشعب السوري، فإن كلمات آخرين مثل الرئيس الأمريكي أوباماً، والرئيس المصري مرسي، ووزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، إضافة إلى الصمت الرهيب للرئيس الإيراني، هؤلاء وغيرهم من رؤساء وممثلي الدول المختلفة، أوضحت كلماتهم بما لا يدع مجالا للشك بأن ما يسمى «المجتمع الدولي» قد فشل فشلاً ذريعاً في الاختبار السوري، وليس «على وشك الفشل» كما قال وزير الخارجية التركي في كلمته. وإلا فماذا يكون الفشل إن لم يكن هو هذا العجز المزري عن اتخاذ أي إجراء من شأنه وقف نزيف الدم المتدفق منذ أكثر من عام ونصف على أيدي قوات جيش نظامي؟ وماذا يعني الفشل إذا لم يكن هو الزيادة المطردة في أعداد الضحايا الذين تحصدهم آلة الموت كل يوم من 30ـ40 ضحية يومياً في النصف الأول من هذا العام، إلى 150ـ200 ضحية يومياً خلال الشهور الثلاثة الماضية؟

 

قد يقول قائل وهو متبرم من هكذا حديث: لماذا نلقي باللائمة على ما يسمى «المجتمع الدولي»، ولا نلقيها على أنفسنا ومنظماتنا الدولية مثل الجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي؟ أو لماذا نستنهض نخوة وشهامة الأباعد قبل أن نستنهض نخوة وشهامة الأقارب؟

ورغم أن تساؤلاً كهذا يبدو مشروعاً ومؤلماً في آن، إلا أن الإجابة عنه بالأخلاق والعاطفة لا تكفي، ولن تكون صحيحة بأي حال من الأحوال بالنظر إلى حقائق السياسة العالمية وتضارب المصالح الدولية على نحو يجعل مسألة «الثورة السورية» شأناً إقليمياً وعالمياً، وليست فقط شأناً سورياً أو عربياً أو إسلامياً. وعليه فإن من حق الشعب السوري أن يطالب هذا المجتمع الدولي المتنطع، بأن يقدم له يد المساعدة، وأن يتحرك كما تحرك في حالات أخرى لإجبار الحاكم القاتل على الرحيل؛ إنقاذا لأرواح الأبرياء. ومن حق الشعب السوري أيضاً أن يطالب بمحاسبة شركاء بشار في القتل؛ إيران والصين وروسيا وكل من عاونهم.

من حق الشعب السوري ودولته عضو أصلي في الأمم المتحدة منذ 24 أكتوبر سنة 1945، أن يطالب هذا المجتمع الدولي المتنطع بكل ما سبق، وبأن يوفر له حماية عاجلة من قصف الطائرات وقذائف المدافع وبراميل المتفجرات التي يصبها بشار فوق رؤوس الآمنين في بيوتهم. ولن يكون توفير هذه الحماية تفضلاً، وإنما هو واجب لا مفر منه بحكم ميثاق الأمم المتحدة، وبحكم القيم الإنسانية ونداء الفطرة والنخوة والأخلاق وحقوق الإنسان.

ولكن هذا لا يعني أبداً إعفاء الذات العربية والإسلامية، ولا الذات الوطنية السورية من المسؤولية الأكبر عن هذه المأساة. فقط أردت التأكيد أن الشعب السوري الحر له كامل «الحق» في أن يحصل على الدعم والمساندة والحماية باسم المجتمع الدولي، شأنه شأن شعوب أخرى مرت بمحن مشابهة لمحنته. ومن حقه أن يمتد هذا الدعم إلى الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية، الكفيلة بإنهاء هذه المأساة اليوم قبل غد. وادعاء الأمم المتحدة العجز والتنطع والتكاسل في القيام بواجبها، لا يمكن تفسيره إلا على أنه تواطؤ مع النظام الذين يقتلون السوريين ويشردونهم ويدمرون حياتهم.

 

لكن -ويا للعار- فإن الأشد مأساوية وتنطعاً من موقف المجتمع الدولي وخذلانه للثورة السورية الباسلة، هو الموقف العربي المخزي الذي تمثله «الجامعة العربية»، والإسلامي المخزي الذي تمثله «منظمة التعاون الإسلامي». فكلا الموقفين لم يتجاوز مرحلة «الكلام» والتنديد اللفظي، وولدت ميتة كل المبادرات التي تبنتها الجامعة العربية، دون أن يخرج لنا مسؤول من هنا أو هناك يوضح لنا ما الذي ينتظرونه، وكم عدد أرواح الأبرياء يجب أن يحصدها بشار وزبانيته قبل أن تتحرك دول المنظمتين لإنقاذ الشعب السوري.

 

هناك طبعا -ولا ننسى- مبادرة الرئيس مرسي التي انبثقت منها في أواخر أغسطس الماضي ما سمي «اللجنة الرباعية»، وهي تضم مصر والسعودية وتركيا وإيران. هذه اللجنة هدفها نبيل، وهو العمل على إيجاد حل للمأساة السورية ووقف نزيف الدماء. لكنني لست من المتفائلين بها. ولا أرى أن أمامها فرصة أصلاً لعمل شيء إيجابي لمصلحة الشعب السوري، ليس فقط لأن تسميتها «اللجنة الرباعية» تذكرنا بشؤم «الرباعية الدولية» (تشكلت في مدريد سنة 2002) على القضية الفلسطينية، وإنما لأن «رباعية مرسي» ولدت وهي تحمل داخلها من عوامل الفشل، أكثر مما تحمله من فرص النجاح.

 

فإيران وهي عضو في اللجنة، هي أيضاً شريك رئيسي للنظام القاتل في سوريا، وهي وإن كان من المهم وجودها للاستماع بشكل مباشر لوجهة نظرها (من الممكن الاستماع إليها بوسائل أخرى)، إلا إنها قد تنتهز فرصة عضويتها بالرباعية كي تربط أي موقف إيجابي لها بما يمكن أن تحصل عليه، مقابل ذلك لمساعدتها للخروج من عزلتها الدولية ليس فقط من بقية أعضاء الرباعية، وإنما من القوى الغربية المعنية بالمسألة السورية من جهة، والداخلة في مواجهات ممتدة مع إيران من جهة ثانية. وعليه فإن عضوية إيران بالرباعية قد تزيد الأزمة تعقيداً، ولن تكون عامل ضغط على حليفها السوري كما يأمل مصممو هذه «الرباعية الهشة».

هناك إذن خلل حاد وهيكلي في تكوين الرباعية، وبوادر إخفاقها ظهرت أسرع من المتوقع، وذلك عندما تغيبت السعودية عن الاجتماع الأول لوزراء خارجية الرباعية في القاهرة يوم 17/9/2012. ثم تأكدت تلك البوادر مرة أخرى عندما اقترحت إيران ضم «العراق» و»فنزويلا» إلى عضوية اللجنة! بعد أن أعلن الرئيس مرسي في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أن عضوية الرباعية قابلة للتوسع.

 

وسؤالنا الذي كنا لا نتمنى توجيهه للرئيس مرسي، ونتمنى أن تكون لديه عنه إجابة «عملية»: هل «اللجنة الرباعية» هي كل ما قصدته بقولك في قمة طهران عندما قلت  «إن دماء السوريين في أعناقنا جميعاً»؟ نحن ننتظر شيئاً جديداً من اجتماعكم بالرئيس التركي في أنقرة اليوم. وقبل كل ما سبق وبعده سؤالنا للمعارضة السورية: متى ترتفعون إلى مستوى المسؤولية الكبرى تجاه شعبنا الذي هو شعبكم المذبوح؟

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ