ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 13/10/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

11-10-2012

الشرخ السوري ـ التركي

صحف عبرية

2012-10-11

القدس العربي 

في أحد التصريحات العلنية الأخيرة قال رئيس وزراء تركيا، طيب اردوغان، إن على بلاده 'ان تستعد للحرب'. وقد جاء هذا التصريح على خلفية تبادل اطلاق النار المستمر بين سوريا وتركيا، ورغم الإعراب عن الاعتذار السوري على الحدث الذي قتل فيه خمسة مواطنين أتراك، وفي اعقابه قصف الجيش التركي أهدافا في الأراضي السورية.

ومع أنه واضح بما يكفي أن ليس الاتراك او السوريين معنيين بمواجهة جبهوية في الوقت الحالي، ولكن الطرفين يتقدمان وإن كان ببطء نحو نقطة اللا عودة. وبينما لم يرد الاتراك على حادثة اسقاط طائرتهم القتالية بخطوات عنيفة، فانهم هذه المرة، بعد حادثة اطلاق النار التي انتهت باصابات، كان هم رد كهذا. وفي ضوء استمرار اطلاق النار يبدو ان في المرة القادمة التي تقع فيها اصابات بين الاتراك فان الرد التركي سيكون أكثر حدة.

المشكلة في سوريا أيضا تنبع من أنه سواء كان اطلاق قذائف الهاون مبادرة من الجيش السوري أم هو عمل من الثوار فان بوسع الاتراك ان يروا في ذلك مبررا لرد عسكري. واذا لم يعد للنظام الان سيطرة على ما يجري في شمالي الدولة فان للاتراك دافعا للعمل، كون الفراغ السلطوي يشجع بداية متجددة لاعمال التنظيم السري الكردي، حزب العمال الكردستاني، من شمالي سوريا ضد تركيا.

وعليه، لا يمكن أن نستبعد امكانية أنه مثل الشكل الذي يرى فيه الاتراك منطقة الحدود مع شمالي العراق كمنطقة يحق لهم فيها العمل بين الحين والاخر ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني، هكذا أيضا ستشكل منطقة شمالي سوريا في المستقبل القريب مجالا لعمل عسكري تركي. ومع أن الاتراك كانوا يفضلون العمل في سوريا كجزء من ائتلاف دولي، ولا سيما من خلال الناتو، الا انه في ضوء حقيقة انه لا يبدو انهم سيحققون من شركائهم الغربيين سوى الاسناد اللفظي، فواضح أنهم اكثر انفتاحا على امكانية عملية مستقلة. مثل هذه العملية، ولا سيما اذا ما وجهت ضد تلك العناصر المتماثلة مع حزب العمال الكردستاني في اوساط الاكراد السوريين، ليست هذه هي التي ستؤدي بالضرورة الى انهيار نظام الاسد. كما أنه ليس واضحا اذا كانت ستغير ميزان القوى القائم في سوريا اليوم، والذي بموجبه يردع الدعم الروسي والايراني لنظام الاسد الغرب، الذي على أي حال لا يرغب في التدخل الدولي في ما يجري في الدولة.

الى جانب ذلك، ينبغي الانتباه أيضا الى الميول البطيئة والواسعة. هكذا، حادثة اطلاق النار الاخيرة مع القتلى في الجانب التركي كانت هي التي أدت بمجلس الامن الى الخروج لاول مرة باعلان (وان كان ملطفا، حسب طلب الروس) ضد سوريا. فضلا عن ذلك فان تركيا، التي شهدت خيبات أمل حتى الان من مستوى التزام حلف الناتو بأمنها في الماضي (مع أزمات في العلاقات في حروب الخليج في 1991 و 2003)، يمكنها هذه المرة أن ترفع طلبات اكثر اهمية من الناتو كشرط لمواصلة عضويتها في الحلف، وان تضع قادة الدول الغربية أمام معاضل غير بسيطة. في مواجهة تكون فيها للاعبين الاقليميين والدوليين مصالح هامة، يوجد غير قليل من عناصر الكبح، ولكن الكثير أيضا من مساحة الاخطاء. توجد دوما ايضا امكانية توسع غير مرغوب فيه لمواجهة موضعية من اطلاق النار لتصبح معركة أكبر.

 

د. غاليا ليندنشتراوس

معاريف - 11/10/2012

=================

'يسار' الانتفاضة السورية: تصفيق... فارتباك... فانحطاط!

صبحي حديدي

2012-10-11

القدس العربي 

بين الاتهامات التي تُساق ضدّ الانتفاضة السورية، وتتعلل بها دوائر يسارية وعلمانية متعددة المشارب، متباينة الأهواء أيضاً، داخل سورية وخارجها، ذاك الذي يقول التالي: كانت الانتفاضة حركة شعبية وسلمية علمانية (والبعض يضيف: ثورية، وتقدمية)، ثم سقطت تدريجياً في أيدي الإسلاميين، ثمّ الإسلاميين المتشددين، ثمّ السلفيين، وصولاً إلى 'الجهاديين' الآتين من أربع رياح الأرض. خلاصة الاتهام تنتهي، كما يُنتظر منها وينتظر منتظروها، إلى التحسّر على الخصال الطيبة التي اتسمت بها الانتفاضة في مطالعها، والتباكي على خصالها السيئة التي تنامت وطغت، تمهيداً لنفض اليد من تأييدها، أو الاكتفاء فقط بالتضامن مع سلمييها وعلمانييها وتقدمييها وثورييها...

العنصر الثاني المكمّل في دائرة هذا الاتهام هو الافتراض الذي يقول بوجود اقتران تامّ، وحتمي، بين 'تأسلم' الانتفاضة وعنف إسلامييها؛ الأمر الذي يفترض مواجهة من نوع ما، أو مصادمات من كلّ نوع، بين أهل السلم وأهل الحرب، داخل صفوف المعارضة السورية. وهكذا، لا يُفترض بأنّ الانتفاضة سُرقت، أو صودرت، أو حُرّفت عن مساراتها السلمية والعلمانية والتقدمية والثورية، فحسب؛ بل يرتقي الافتراض إلى مستوى الجزم بأنها فقدت مشروعيتها الشعبية، وأنها استطراداً لم تعد جديرة بالتضامن والتأييد (الأمر الذي ينقل المياه إلى طاحونة النظام السوري، عملياً، فتصبح حال اللاتأييد للانتفاضة، بمثابة حال تأييد غير مباشر لفئات 'الطرف' الموازي، أي النظام السوري.

والحال أنّ هذا 'اليسار'، ولا مناص هنا من حصر المفردة داخل أهلّة، يسقط في الحمأة ذاتها التي اعتاد التمرّغ فيها يمين متعدد المشارب، والأهواء أيضاً، ليس سياسياً فحسب، بل هو أقرب إلى رجعية ثقافية ودينية. وتلك حمأة تغيب عنها ـ خاصة في مسائل العلاقة بين الإسلام والعنف، والروابط الوثيقة بين الإسلام والإرهاب ـ سلسلة الأبعاد السياسية والثقافية والتاريخية والاجتماعية لظواهر (لأنّ من السخف اعتبارها محض ظاهرة واحدة، متماثلة متطابقة) ذات تركيب معقد وشائك ومتباين؛ ليس من الحكمة أبداً ردّها إلى باعث عقائدي أو عقيدي واحد، أو حتى سلسلة أسباب ذات صلة بما يُسمى صراع الحضارات وحروب الثقافات. في عبارة أخرى أشدّ اختزالاً للمشهد: ثمة السياسة أوّلاً، وقبل العقائد؛ وثمة ميزان القوّة الكوني الراهن، في تجلياته العقائدية والدينية والثقافية، ثانياً؛ وثمة، ثالثاً، ذلك التاريخ الطويل من حروب الإخضاع والهيمنة والغزو، على الجانبين؛ وثمة، أخيراً، ذلك التواطؤ بين العناصر السابقة، من جهة، وأنظمة الاستبداد والفساد التي ثارت، وتثور، عليها الشعوب العربية هذه الأيام، من جهة ثانية.

وهكذا، حين يستسهل 'اليسار' تجريد التيارات الإسلامية ـ المنخرطة في الانتفاضة السورية اليوم، بصرف النظر عن جنوح فئاتها إلى السلمية، أو يقينها بأنّ البندقية هي وحدها وسيلة إسقاط النظام ـ من المضامين السياسية والاجتماعية والثقافية التي كفلت صعودها؛ فإنّ النتيجة التالية هي التقاء 'اليسار' ذاك مع المقاربة الأكثر يمينية في السوق، والتي ناهضها ويناهضها جميع اليساريين والتقدميين والثوريين: صمويل هنتنغتون! وإذا كان المسلمون لا يعرفون سبيلاً إلى ردّ التهمة القائلة إن الإسلام (بوصفه ديناً وعلاقة بين العابد والمعبود، وليس فلسفة سياسية) هو بالضرورة المطلقة حاضنة خصبة لتوليد صنوف وأفانين الإرهاب؛ فكيف إذا جاءهم مَنْ يقول: ليت البلية تنتهي هنا... المشكلة ليست في الحاضنة كدين يشجع على الأصولية والعنف، بل في الإسلام نفسه، في حدّ ذاته، وبوصفه ثقافة للدنيا قبل أن يكون ديناً للآخرة؟

ويكفي المرء أن يتذكر أنّ روسيا بوريس يلتسين، التي كانت مدججة بالسلاح النووي والمافيات الوحشية والفقر الرهيب، بدت في نظر هنتنغتون أقلّ خطورة بكثير من وضعية الإسلام المعاصر، لا كدين وديانة مرة ثانية، بل كثقافة مرشحة أكثر من سواها لتدشين صدام الحضارات، الصيغة القادمة لاندلاع الأزمات والحروب والتحالفات في العلاقات الدولية. وإذا لم يكن مدهشاً أن يعود التفكير اليميني والرجعي والمحافظ إلى أطروحات هنتنغتون كلّما ثارت خصومة بين الإسلام والغرب، أو بالأصحّ بين المؤسسات التي تحسن إدارة هذه المعارك وتتقن فنون تأجيجها، في الغرب كما في الشرق، وفي المسجد كما في الكنيسة، وفي الشارع كما على الفضائيات؛ فإنّ عودة 'اليسار' إليها، حتى على نحو مستتر أو مقنّع، ليست مدهشة فقط، بل فاضحة ومخزية.

مخزٍ، على منوال مماثل، أن ينخرط 'اليسار' إياه في كلّ هذا الشدّ والجذب، الإيديولوجي والعقائدي، حول انتفاضة شعبية تتعرّض كلّ يوم لأسوأ ما عرفه التاريخ البشري من أفانين العنف ضدّ الشعب، المدني والأعزل والشريد والطريد غالباً، بأقذر الأسلحة وأشدّها فتكاً (بما في ذلك تقنيات إفناء رهيبة، مثل براميل الـ 'تي إن تي'، لا تقلّ فتكاً عن الكثير من صنوف الأسلحة الكيماوية). وفاضح، في السياقات ذاتها، أن ينبثق الكثير من تذبذب 'اليسار' ـ بين إحجام عن تأييد الانتفاضة، ومآل عملي ينتهي إلى تأييد النظام ـ من سفسطة جوفاء حول إسلام بات ملجأ المؤمن المعذّب ودريئة الإرهابي في آن، خصوصاً بعد افتضاح برامج العقائد الأخرى اليمينية واليسارية والقوموية، أياًَ كانت درجة الصدق في علمانية فلسفاتها.

ألا يلتقي ذلك 'اليسار' مع شرائح واسعة في صفوف اليمين الرجعي والمحافظ والمحافظ الجديد، تعلن دفاعها عن قِيَم الحقّ والحرّية والاختلاف، شريطة أن لا تأتي هذه بإسلامي من أي طراز ('جبهة الإنقاذ' في الجزائر، مثلاً؛ أو 'حماس' في فلسطين...)؟ وبِمَ تختلف معتقلات النظام السوري عن معتقل غوانتانامو (ما خلا أنّ هذا الأخير لا تُمارس فيه الإعدامات الميدانية، وحرق السجناء أحياء، وتدمير الزنازين فوق رؤوس المعتقلين...)، حتى يدين اليسار غوانتانامو، ويتأتىء أو يدمدم او يغمغم حول أفاعيل أكثر وحشية يرتكبها النظام السوري؟

محزن، إلى هذا، أن يذكّر خطاب بعض أهل 'اليسار'، المشتكين من صعود الإسلاميين داخل الانتفاضة السورية، بخطاب ألقاه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن، بتاريخ 6 تشرين الأوّل (أكتوبر) 2005 في 'المعهد الوطني للديمقراطية' (كان خطيراً للغاية، وتحديداً في جانب هذه الغلواء العقائدية ضدّ المسلم بوصفه هوية، ولم تجانب أسبوعية 'نيوزويك' الأمريكية الصواب حين اعتبرته 'قنبلة عقائدية'). وفي مستهلّ خطابه ذاك، قلّب بوش الرأي في التسميات والمصطلحات والتعريفات، قبل أن يستقرّ على الصيغة المفضّلة عنده: 'البعض يطلق على هذا الشرّ تسمية الراديكالية الإسلامية، والبعض الآخر يعتبره جهادية إسلامية، ويوجد كذلك مَنْ يسمّيه إسلامو ـ فاشية. هذا الشكل من الراديكالية يستغلّ الإسلام لخدمة رؤيا سياسية عنيفة عمادها التأسيس، عن طريق الإرهاب والإنحراف والعصيان، لإمبراطورية شمولية تنكر كلّ حرّية سياسية ودينية. هؤلاء المتطرفون يشوّهون فكرة الجهاد فيحوّلونها إلى دعوة للإجرام الإرهابي ضدّ المسيحيين واليهود والهندوس، ولكن أيضاً ضدّ المسلمين من مذاهب أخرى، ممّن يعتبرونهم هراطقة'.

وراهنوا أنّ هذه الفقرة السابقة لا تحتاج إلا إلى تعديلات بسيطة (كأن يُستبدل اليهود والهندوس بأيّ من الأقليات الدينية أو المذهبية السورية)، لكي يوقّع عليه هذا 'اليساري' أو ذاك، في سورية والأردن وفلسطين، كما في فرنسا وبريطانيا وألمانيا... والحال ذاتها يمكن أن تنطبق على فقرة أخرى، من الخطاب ذاته: 'إنّ الراديكالية الإسلامية، مثل الإيديولوجيا الشيوعية، تحتوي على تناقضات موروثة تحتّم فشل تلك الراديكالية. وفي كراهيتها للحرّية، عن طريق فقدان الثقة في الإبداع الإنساني ومعاقبة التغيير والتضييق على إسهامات نصف المجتمع، تنسف هذه الإيديولوجيا السمات ذاتها التي تجعل التقدّم الإنساني ممكناً، والمجتمعات الإنسانية ناجحة'. بدّلوا 'الإيديولوجيا الشيوعية' بأية تسمية أخرى ترضي مزاج 'اليساري' إياه، وراهنوا هنا أيضاً أنه سيوقّع على الفقرة بلا تردد، وربما براحة ضمير قصوى!

يسير على المرء أن يأبى تصديق الرئيس الأمريكي (الجزّار الأوّل المسؤول عن كلّ ما حاق بأهل فلسطين والعراق ولبنان من عذابات على امتداد رئاستَيْن)، وقد انقلب نصيراً لفقراء المسلمين ضدّ أغنيائهم، وليس الأغنياء من طراز فاسدي الأنظمة العربية من حكّام وأتباع وعملاء، بل ذلك الغنيّ الذي يُدعى أسامة بن لادن! صعب، أكثر، أن يصدّق المرء دفاعه الشرس عن المسلمين من مذاهب أخرى (شيعة قانا وعيتا الشعب وعيترون والجنوب اللبناني بأسره، مثلاً!)، ضدّ 'المسلمين الراديكاليين الفاشيين'. فهل أقلّ يسراً، وصعوبة، أن نتخيّل هذا 'اليساري' الذي يرفض انخراط الإسلاميين في الانتفاضة الشعبية ضدّ نظام دكتاتوري؛ أو ذاك 'اليساري' الآخر الذي يريد من الشعب السوري أن يكون علمانياً تقدمياً ثورياً صافياً طاهراً من كلّ إسلامي، وأن تكون الانتفاضة على هذه الشاكلة حصرياً، وإلا سُحب عنها التأييد ورُفع التضامن؟

بيد أنّ السياسة في أبسط معانيها، وتأمّل المجتمع السوري في تركيبته التعددية، واستعراض وقائع 18 شهراً من عمر الانتفاضة، كلها عوامل كاشفة عن هذه الحقيقة الحاسمة: أنّ الإسلام السياسي، المعتدل أو المتطرف، لاعب بارز على الساحة السورية، ولكنه ليس اللاعب الوحيد البارز، ولا اللاعب الأبرز؛ وهو في قلب المعارضة، شاء المرء أم أبى، ومن الخير بالتالي اجتذابه، أكثر، إلى مشروع النضال من أجل سورية الديمقراطية؛ ولا هو البديل الوحيد عن سورية الاستبداد والنهب والمافيات وحكم العائلة، حتى إذا التقى هذا 'اليسار' مع كلّ مشارب اليمين في الجزم بهيمنة الإسلاميين.

وليس بخافٍ على أحد أنّ تنسيقيات الإنتفاضة تضمّ العلمانيين والإسلاميين، الليبراليين والمحافظين، النشطاء المتمرسين والنشطاء المتدربين، أنصار رياض الترك وأتباع الشيخ العرعور... ولكن، أهذا عيب في التنسيقيات، واعتلال، أم مظهر عافية واغتناء؟ وكيف للتنسيقيات أن تمثّل الأطياف الأعرض من المجتمع السوري، في مستوى الخطّ السياسي أو الفكري أو الثقافي مثل الموقع الاجتماعي أو السنّ أو الانتماء الإثني أو الديني، إذا كانت لا تتصف بكلّ ذلك التنوّع، ولا تسعى إلى سواه أيضاً؟ ليس خافياً، من جانب آخر، أنّ البيانات والأدبيات التي أصدرتها تلك اللجان لم تخرج، حتى في أصغر التفاصيل، عن مفردات شعار الإجماع: سورية وطنية، ديمقراطية، مدنية، تعددية، عصرية.

ليس بخافٍ، أخيراً، أنّ 'اليسار' الذي يغضّ البصر، والبصيرة، عن خلاصة سياسية ـ اجتماعية مثل هذه، هو ذاته اليسار الذي صفّق للانتفاضة بادىء ذي بدء، ثمّ ارتبك في تحليل مآلاتها اللاحقة، حتى جُوبه بتعقيدات المشهد، فحملق في 'أخطاء' الانتفاضة، وغضّ البصر عن جرائم النظام؛ ثمّ ارتبك، وهرب إلى أمام، نحو 'نقد بنّاء' هو محض غطاء لتنميطات إيديولوجية مسبقة الصنع، فكان محتوماً أن ينحطّ إلى... حاضنة النظام!

' كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

=================

اردوغان والاسد: من يصرخ اولا!

عبد الباري عطوان

2012-10-11

القدس العربي 

لا احد يريد ان يكون مكان السيد رجب طيب اردوغان رئيس وزراء تركيا هذه الايام، فنيران الأزمة السورية وصلت الى طرف ثوبه، والمعجزة الاقتصادية التي حققها في سنوات حكمه العشر مهددة بالتآكل.

الدهاء الشامي، او ما تبقى منه، وضع رئيس الوزراء التركي في مأزق خطير للغاية، فهجمات حزب العمال الكردي في جنوب شرق البلاد تفاقمت، والحدود مع سورية ملتهبة بفعل القصف المتبادل، والمعارضة التركية بزعامة حزب الشعب عادت الى الواجهة وبقوة بعد ان وجدت في الأزمة السورية الذخيرة التي افتقدها طوال السنوات الماضية للطّخ بفاعلية على حزب العدالة والتنمية.

الرئيس بشار الاسد، الصديق الذي تحوّل الى عدو شرس بالنسبة للسيد اردوغان، نجح ولو الى حين، في استفزاز الثعلب التركي، وايقاعه في مصيدة رد الفعل، بإخراجه عن طوره وحكمته التقليدية، مثلما تأتى ذلك بوضوح من خلال اجبار المقاتلات التركية لطائرة مدنية سورية قادمة من موسكو على الهبوط في احد مطارات انقرة بحجة حملها مواد عسكرية ممنوعة.

لا نعتقد ان الهدف من 'خطف' الطائرة السورية المدنية واجبارها على الهبوط بالقوة هو بسبب حمولتها غير المشروعة، وانما للانتقام من النظام السوري، والرّد على استفزازاته التي بدأت بإسقاط طائرة استطلاع تركية فوق المتوسط في ايار(مايو) الماضي، وانتهت بقصف قرية تركية على الحدود ادى الى مقتل امرأة واطفالها الاربعة، ومن المفارقة انهم من اصول عربية سورية.

فالطائرة لا يمكن ان تحمل قنابل نووية، ولا اسلحة كيماوية، لان الأخيرة موجودة في ســــورية، والاولى تحملــــها الصواريخ وليس الطائرات المدنية، كما ان هـــناك خــــطا جـــويا مباشرا بين موسكو ودمشق، ولا نعتقد ان السلطات التركية، ومهما بلغـــت قـــوة جيشها، ستجرؤ على تكرار هذه العملية لو كانت الطائرة المستهدفة روسية.

' ' '

الحكومة التركية وضعت نفسها في ازمة مزدوجة، احداها قديمة اي مع سورية، والثانية مع موسكو التي جاء رد فعلها غاضبا، سواء من خلال الغاء فلاديمير بوتين زيارة مقررة هذا الشهر الى انقرة، او مطالبة الحكومة الروسية تركيا بتوضيحات عاجلة ومقنعة عن اجبار الطائرة على الهبوط وتهديد حياة 17 راكبا روسيا للخطر.

تركيا اردوغان تقف فوق برميل بارود متفجر ولا تستطيع التراجع بعد ان قطعت نصف المسافة في دعم المعارضة السورية المسلحة، وقطع كل شعرات معاوية مع النظام السوري، واختارت حلفا عربيا غربيا يريدها ان تخوض حرب اطاحة الرئيس الاسد نيابة عنه، بينما يكتفي هذا الحلف بالمراقبة عن بعد.

السيد اردوغان يقف وحيدا، والارض تميد تحته، فلا مؤتمرات اصدقاء سورية باتت تعقد، ولا الحليف الامريكي مستعد لإقامة مناطق آمنة وحظر جوي، والاهم من ذلك ان هناك فيتو امريكيا احمر يمنع ارسال صواريخ متطورة مضادة للدروع والطائرات لشلّ فاعلية السلاح الجوي السوري.

كلمة السر تتلخص في 'المجاهدين الاسلاميين' الذين تدفقوا على سورية منذ اليوم الاول لبدء الأزمة، حيث باتت لهم اليد العليا في ميادين القتال حتى الآن، والجملة المعترضة المكملة لها تشتت المعارضة السورية، وفشل جميع محاولات توحيدها في جسم واحد يتمتع بقاعدة تمثيلية اوسع.

الامريكان يخشون الجماعات الاسلامية اكثر مما يخشون النظام نفسه، بعد ان تكبدوا، وما زالوا، خسائر ضخمة على ايدي مقاتليها في افغانستان والعراق والصومال واخيرا في ليبيا، وربما غدا في اوروبا الذين يتمركزون قبالتها وبكثافة في دول المغرب الاسلامي والساحل الافريقي.

اجبار السيد اردوغان لطائرة مدنية سورية على الهبوط في مطار انقرة سينزل بردا وسلاما على حاكم دمشق، بل انه ربما يكون هو من سرّب انباء عن وجود شحنة غير قانونية على ظهر الطائرة المعنية ليوقعه في هذه المصيدة، ويورطه في عداء مع موسكو، وهو الذي وقع معها اتفاقا تجاريا بعدة مليارات من الدولارات قبل عشرة ايام.

' ' '

التوتر على الحدود، ودخول البلدين في حرب خطف او اسقاط الطائرات يفيد النظام السوري اكثر من غريمه التركي، وستتضاعف هذه الاستفادة اذا تطورت الأمور الى حرب كاملة، مما يعني كارثة اقتصادية عظمى لتركيا ونسفا لكل انجازاتها واستقرارها، ناهيك عن نظرية 'صفر مشاكل' مع الجيران التي صاغها واصبحت علامة تجارية لوزير خارجيتها احمد داوو اوغلو.

الخطأ الاكبر الذي ارتكبه السيد اردوغان يتمثل في امرين مرتبطين، الاول هو حساباته وتقديراته الخاطئة بأن هذه الحرب في سورية لن تدوم اكثر من اسابيع او اشهر معدودة وبعدها يسقط النظام، والثاني الاعتقاد بان التحالف العربي الغربي العريض الذي تكون بمبادرة تركية يمكن ان يسقط النظام السوري مثلما اسقط النظام الليبي، ومن قبله العراقي.

التوتر سيستمر على الحدود وفي الاجـــواء، وربما يتفاقم لدرجة الوصول الى حد الانفجار، والمسألة باتت مســـألة عود ثقاب يتولى عملية اشعال الفتيل، سواء من الجانب التركي او السوري، او طرف ثالث مجهول يقوم بذلك نيابة عنهما وهو موجود حتما.

قلناها سابقا، ونكررها، بأن النظام السوري في حال حرب اهلية طاحنة تأخذ شكل الحرب اللبنانية التي استمرت 15 عاما، اي ليس لديه ما يخسره، اما السيد اردوغان فلديه الكثير مما يمكن ان يخسره، ولذلك ننصحه بضبط النفس لانه سيكون الخاسر الاكبر حتى لو انتصر في الحرب ضد سورية، فخوض الحروب سهل والانتصار فيها احيانا كذلك لكن ما بعد الانتصار هو المشكلة الحقيقية، وعليه ان يسأل حلفاءه الامريكيين الذين يملكون جواب المجرب.

===================

العلاقات اللبنانية ـ السورية سيرة تدخّل دائم في شؤون لبنان وضرب سيادته (1)

جورج أبو صعب ()

المستقبل

12-10-2012

انطلاقاً من أنّ الماضي هو دائماً مصدر العبر للحاضر والمستقبل، وانطلاقاً من أن إقامة أفضل العلاقات بين لبنان وسوريا يستوجب تفهم كلا البلدين هواجس الآخر ونقاط شكه وتردده، بخاصة عندما يكون الماضي الذي عرفته هذه العلاقات غير مشجع منذ قيام دولة لبنان الكبير وحتى أيامنا هذه، حيث بيّنت الحقائق التاريخية والسياسية أن سوريا كانت منذ البداية بعيدة كل البعد عن الإقرار بلبنان مستقل عنها، له ما له من سيادة واستقلال أسوة بأي دولة من دول المجموعة الدولية، وعليه ما عليه من التزامات دولية انطلاقاً من مصالحه العليا التي لا تتفق بطبيعة حال الأمور والمصالح بين كل الدول ولكل الدول دائماً مع مصالح سوريا ونظرة سوريا إلى الأمور والقضايا المطروحة.

إن تحليلنا التاريخي السياسي الحالي ينطلق من ضرورة فهم الماضي جيداً كي نستطيع فعلاً بناء حاصر ومستقبل أفضل بين البلدين، لأن وحدها الحقيقة تحررنا جميعاً وتجعلنا أكثر قدرة ومناعة في رؤية الأمور والفصل فيها وقول كلمة الحق ومعرفة حقيقة ما نطلبه وما نريده.

وفي ما يلي محطات سياسية وتاريخية أساسية في العلاقة بين البلدين، علنا نساهم في استكشاف نقاط الخلل الحقيقية التي لطالما يحاول السياسيون في لبنان وسوريا القفز فوقها أو طمرها وإخفاء معالمها، ما زاد التكاذب تكاذباً والتآمر تآمراً والأزمات أزمات.

 

أولاً: العقدة اللبنانية الأساسية

في النظرة السورية إلى لبنان:

لطالما تحكمت بالعلاقات اللبنانية السورية هذه الازدواجية في الرؤية العقائدية لتلك العلاقات: ففي حين برز التيار المشدد على الخصوصية اللبنانية التي لا تتناقض مع العروبة طالما أن تلك العروبة في مفهومها الموضوعي لا تندمج بالعقيدة الإسلامية والإسلام، بحيث أن العروبة لا تعني الإسلام وحده بل المسيحية والإسلام في آن في هذا الشرق، فيما الإسلام دين سماوي يعتنقه المؤمن بغض النظر عما إذا كان عربياً أو أعجمياً (كما تركيا وإيران وماليزيا واندونيسيا..) في مقابل تيار عقائدي فكري لا يرى لبنان إلا من خلال انتمائه الى محيطه العربي فكرياً وعاطفياً وسياسياً واقتصادياً، ما أدى الى وقوع سوء التفاهم التاريخي بين البلدين، كان لا يلبث أن ينفجر عند كل محطة مفصلية تصل اليها تلك العلاقات الثنائية عبر التاريخ السياسي الحديث كما سنرى.

بعد الاستحصال على الاستقلال في كلا البلدين تحكمت بالعلاقات الثنائية هذه الصدامية بين النهجين أعلاه واللذين تم تظهيرهما: الأول في لبنان من خلال اتباعه لنظام ديموقراطي برلماني ليبرالي قائم على الحريات العامة وصيغة التعايش المسيحي الإسلامي والليبرالية الاقتصادية في مقابل نظام قومي عروبي وحدوي يرتكز على الاقتصاد الموجه والفكر النضالي.

ففي ظل هذه الثنائية التصادمية فكرياً وعقائدياً انطلقت العلاقات اللبنانية السورية في تاريخ حافل من التقلبات التي تراوحت بين أقصى التوتر وأقصى التعاون، لكن ضمن معادلة ثابتة هي: تأثر وتأثير متبادل غالباً ما انعكس سلباً على العلاقات وأوصل الأمور الى حد القطيعة.. فالعداء.

 

ثانياً: اعتبار سوريا لبنان جزءاً منها:

فقرة أولى: الدستور السوري لعام 1928 وتداعياته:

على اثر انتخاب الجمعية التأسيسية السورية لهاشم الأتاسي رئيساً للبلاد السورية في 9 أيار 1929 وتلاوة مواد الدستور في 11 آب 1928 أقرت الجمعية التأسيسية نفسها مواد الدستور كافة والتي نصت المادة الثانية منها: "... إن البلاد السورية المنفصلة عن الدولة العثمانية هي وحدة سياسية لا تتجزأ ولا عبرة بكل تجزئة طرأت عليها بعد نهاية الحرب العالمية" في إشارة واضحة الى رفض الفكر السوري لوجود أراضي مسلوخة عن البلاد السورية بتكوين مستقل عن الأرض السورية، وقد أدت هذه المادة المشار إليها الى أزمة بين السوريين والفرنسيين عندما أقدم المفوض السامي الفرنسي على تعطيل اجتماعات الجمعية التأسيسية السورية وحلها من ثم عام 1930.

فبرزت أول أزمة اعتراف بدولة وأراضٍ لبنانية مستقلة (الملحقات أو الأقضية الأربعة التي سلختها بنظر السوريين السلطنة العثمانية من الدول السورية)، على أساس عقيدة سورية تعتبر لبنان جزءاً منها وأن أراضيه كانت سورية وقد سلختها السلطنة العثمانية. وقد نسي الفكر ذاته بأن الأراضي اللبنانية لم تكن يوماً إلا كياناً مستقلاً استقلالاً ذاتياً منذ إمارة فخر الدين، مروراً بالإمارة المعنية، وصولاً الى أنظمة المتصرفية والمقائماميتين وجبل لبنان وترتيبات شكيب افندي، حيث لم تكن الأراضي السورية إلا جزءاً من السلطنة العثمانية فيما كان جبل لبنان يتمتع بحكم ذاتي وحيد في المنطقة العربية.

فقرة ثانية: سياسة السوريين عام 1927 تجاه معضلة الدستور اللبناني:

بحسب المؤرخ فيليب خوري في كتابه "سوريا والانتداب" وعلى إثر انقسام الحركة الاستقلالية السورية عام 1927، كان جناح لطف الله الشهبندر (اللجنة التنفيذية للمؤتمر السوري الفلسطيني) مستعداً للإقرار والاعتراف بلبنان الكبير، في مواجهة التيار المتشدد المتمثل بحزب الاستقلال والعروبيين الراديكاليين المناصرين له (حزب الاستقلال كان ينادي في فكره السياسي بوحدة الدول العربية سياسياً مطالباً باللامركزية في سوريا لتقسم المقاطعات حسب الأقاليم كلبنان وفلسطين تحت إمرة الأمير فيصل).

لكن الاعتدال عاد سيد الموقف لدى الزعماء الوطنيين السوريين عندما صدر الدستور اللبناني وتضمن ما كان مشكلة ومعضلة كبيرة لهم متمثلة بـ"استقلال لبنان سياسياً وإدارياً عن سوريا وتشريع وجود منفصل للبنان عن سوريا."

وفي برنامجها السياسي حددت الكتلة الوطنية في سوريا مطالبتها بتحقيق الوحدة السورية بما فيها المناطق الساحلية والداخلية التي ألحقت بلبنان عام 1920 على أن يترك للبنان الصغير حرية تقرير مصيره ضمن حدوده المعترف بها دولياً.

 

ثالثاً: الفكر السياسي البعثي السوري

تجاه لبنان عام 1943

على إثر الأحداث السياسية الاستقلالية التي عرفها لبنان عام 1943 قام حزب "البعث" السوري بالتدخل في الموضوع اللبناني من خلال الدعوة الى قيام نضال موحد ضد المحتل الفرنسي لإجلاء الغرباء عن الأرض، وقد طالب الحزب بتضامن شعبي وحكومي سوريين في سوريا ولبنان للإجلاء.

فضلاً عن ذلك فإن دستور حزب "البعث" ومنذ انعقاد مؤتمره القومي التأسيسي الأول عام 1947 ركز في بند أساسي من بنوده على أن: "... الأمة العربية أمة واحدة روحياً (نسف للتعددية الدينية اللبنانية) وثقافياً (نسف للتعددية الثقافية اللبنانية) واقتصادياً (نسف خصوصية النظام الليبرالي اللبناني)، ولا يمكن لأي جزء أن يستكمل شروط حياته بمعزل عن القطر الآخر ....

فالفكر البعثي كان يعتبر أن قضية الوحدة أعمق وأشمل من الحرية القطرية (ضرب مفهوم استقلال الأقطار عن بعضها ولبنان من بينها) والأساس المادي للاشتراكية لا يتحقق ألا في ظل الوحدة (عدم الإقرار بالحدود السياسية والجغرافية للدول العربية ومنها أولاً لبنان)، وهذا ما تؤكده المصادر البعثية تماماً (انظر هاني خليل حافظ الأسد: الايديولوجية الثورية والفكر السياسي طلاس للدراسات والترجمة والنشر سوريا 1992).

 

رابعاً: التدخل البعثي المباشر

في الحياة اللبنانية الداخلية

كانت الجامعة الأميركية في بيروت مسرح التقاء وتجمع الشباب البعثي في لبنان بعد تأسيس الحزب عام 1947 بعد دمشق، وقد دخل بعض المنضوين الى البعث من الشباب اللبناني الى حركة القوميين العرب وكتائب الفداء العربي.

ومع اندلاع حرب فلسطين انضم البعثيون الى جيش الانقاذ بقيادة فوزي القاوقجي اللبناني فاجتمعوا مع المقاتلين في شبعا الجنوبية. وتؤكد المصادر البعثية نفسها (حمدان حمدان في كتابه "أكرم الحوراني رجل للتاريخ" بيسان للنشر بيروت 1996) أن علي جابر قصد دمشق لدراسة الطب في الأربعينات وحضر المؤتمر التأسيسي الأول للحزب في دمشق، فحمل فكرة البعث العربي من دمشق الى لبنان، فشكل أول خلية بعثية في الجنوب اللبناني، حيث طرحت مبادئ إلغاء الطائفية والمذهبية والعروبة. ثم توسعت الخلية الى بيروت ليصل انتشار الحزب الى الشمال اللبناني وبخاصة في قضاء عكار في أوساط الفلاحين.

وفي عام 1953 بدأ البعث يركز نشاطاته في لبنان، مبشراً بعلمانية الدولة وايديولوجية الوحدة والاشتراكية، وعنها يقول باتريك سيل في كتابه "الصراع على سوريا دراسة للسياسة العربية بعد الحرب: 1945-1958": "إن قيادة الحزب ترجمت ايديولوجيتها بتمسكها بلبنان بلداً عربياً، وبالنظر الى القضية اللبنانية من ناحية قومية عربية للقضاء على الفتنة الطائفية والانعزالية من خلال النضال الشعبي.."

وبحلول العام 1954 كان الحزب قد نما في لبنان بين الأوساط الطالبية والمثقفين. وفي عام 1956 عقد الحزب في لبنان مؤتمره التأسيسي الأول وانتخب قيادة لبنانية له، وقد تصادم الحزب مع الرئيس كميل شمعون وتولى قيادة الشارع اللبناني لتأييد الثورة المصرية عام 1952 ومشروع الوحدة السورية المصرية لاحقاً..

 

خامساً: التدخل الشيوعي السوري المباشر

في الشؤون اللبنانية في الثلاثينات

بموازاة التدخل البعثي المباشر في الحياة والشؤون اللبنانية السياسية كان للحزب الشيوعي السوري حصته من التدخل في الشأن الداخلي اللبناني.

ففي 7 تموز 1930 أعلن الحزب الشيوعي في سوريا. وعلى إثر صراعاته مع خصومه أقدم على إصدار كتب عدة لشرح عقيدته وأهدافه، وقد جاء في أحد هذه الكتب في كلامه عن أهداف الحزب ما نصه:

"... الغاء الدساتير التي فرضها المستعمرون على الشعب السوري (سوريا، لبنان، بلاد العلويين، جبل الدروز ولواء الاسكندرون)... إلغاء حكومتي سوريا ولبنان العاملتين على خدمة المستعمرين الافرنسيين في جبل الدروز والعلويين والاسكندرون... إلغاء المجلس النيابي اللبناني الذي هو آلة بيد المستعمرين...(انظر الحزب الشيوعي السوري لماذا يناضل الحزب الشيوعي السوري؟ - 7 تموز 1931).

وعام 1936، كان الشيوعيون السوريون قد أنشأوا في بيروت "العصبة المناهضة للفاشية". ونظم الحزب حملة في بيروت لتأييد الانتفاضة الفلسطينية، ونشط الحزب في لبنان علناً وفتح مكتبين له في بيروت وطرابلس وخاض عام 1937 معركة الانتخابات النيابية اللبنانية بقائمة مشتركة مكرساً بذلك تدخله المباشر في الحياة السياسية اللبنانية .

 

سادساً: الصراع بين الرئيس بشاره الخوري

والسوريين (أيلول 1952)

بالعودة الى كتاب الرئيس بشاره الخوري "حقائق لبنانية"، يتبين بوضوح أن الرئيس الخوري يتهم السوريين بالوقوف الى جانب المعارضة في معركة استقالته والأزمة السياسية التي اندلعت في لبنان في أيلول 1952 والتي عرفت بـ"الانقلاب المدني" على خلفية اصطفاف المسلمين ضد الخوري ومطالبته بالاستقالة ورفضه اياها بداية وتشكيله حكومة الحاج حسين العويني، ثم اضطراره تحت ضغط الشارع المسلم الى التراجع والاستقالة وتسليم رئاسة الحكومة للواء فؤاد شهاب. فعن هذه الحقبة يزعم الرئيس بشاره الخوري أن أديب الشيشكلي حاكم سوريا آنذاك قد تدخل في الأحداث في أيلول 1952 لإقفال الأسواق التجارية في لبنان. ويشير السفير البريطاني آنذاك الى أن الرئيس بشارة الخوري لم يكن في ذهنه سوى السوريين. ولا يشك السفير في أن المسلمين كانوا في الأسابيع التي سبقت استقالة الخوري على اتصال بدمشق، ما يبرر المخاوف المسيحية اللبنانية ولا سيما الموارنة من أن المسلمين بتعاونهم مع دمشق إنما يعملون من أجل دولة عربية موحدة أو فدرالية، وهذا هو الكابوس الدائم لدى جميع المسيحيين اللبنانيين، وهم بحسب السفير البريطاني نفسه يرغبون في طمأنتهم الى أنهم إذا قاوموا حركة كهذه بالقوة، ستأتي القوى الغربية الثلاث (بريطانيا، أميركا، فرنسا) لمساعدتهم... (راجع أرشيف وزارة الخارجية البريطانية ووثائقها الرسمية رقم 556 تاريخ 20 أيلول 1952 ورقم 559 تاريخ 23 أيلول 1952).

والجدير الإشارة اليه هو أن الرئيس الشيشكلي كان قد تدخل مباشرة لدعم وصول كميل شمعون الى رئاسة الجمهورية اللبنانية، على حد ما يقوله حميد فرنجية منافس كميل شمعون للرئاسة آنذاك (انظر كتاب نبيل وزينة فرنجية حميد فرنجية ج.1).

 

سابعاً: محطة حلف بغداد والتدخل السوري

في سياسة لبنان الخارجية

انطلاقاً من سياسة الحياد الذي انتهجها لبنان إزاء الانقسام العربي العربي حول حلف بغداد عام 1954، انتفضت الحكومة السورية بسبب بيان زيارة الرئيس اللبناني لتركيا والصادر في 6 نيسان 1955، والذي احتوى على بنود هادفة الى إنماء الصداقة اللبنانية التركية والتركية العربية في ظل احترام متبادل لاستقلال وحقوق كل الدول المعنية ومساندة الدول العربية لتركيا وبالعكس، فحاولت سوريا فرض قطيعة ومقاطعة على لبنان تجلت من خلال بيان خالد العظم رئيس وزراء سوريا آنذاك بتاريخ 13 نيسان 1955، والذي أبدى فيه قلق سوريا من البيان المشترك اللبناني التركي، معتبراً أن لبنان خرج من حياده المعلن في مواجهة الاصطفافات حول حلف بغداد، ذاهباً الى حد اعتبار أن لبنان لم يعد وسيطاً في النزاع السوري التركي حول لواء الاسكندرون بعد أن أصبح بنظر السوريين طرفاً في النزاع. ومن ثم شنت الصحافة السورية حملة على الحكومة اللبنانية واتهمت لبنان بأنه أصبح مركزاً للمتآمرين على سوريا والمتصلين بالعراق ضد النظام السوري (هكذا هو الفكر الشمولي: فإما معنا وإما ضدنا) (انظر جريدة الحياة تواريخ 10 13 14 نيسان 1955 وجريدة الشرق تواريخ 1 11 13 نيسان 1955- وكتاب سامي الصلح "احتكم للتاريخ" دار النهار للنشر 1970).

وقامت سوريا بتحريك الشارع اللبناني الموالي لها من حزب شيوعي وقوميين عرب وحزب البعث والحزب التقدمي الاشتراكي آنذاك ضد مشاريع الأحلاف ولمحاولة قطع الطريق على لبنان إن هو أبدى تجاوباً مع القيمين على حلف بغداد وأطرافه. وعقدت هذه الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية أوائل 1955 مؤتمراً وطنياً أعلن في ختامه معارضة حلف بغداد والطلب الى الحكومة اللبنانية اتخاذ موقف واضح لجهة عدم القبول بالدخول في أي حلف عسكري أجنبي حفاظاً على لبنان واستقلاله (تهديد واضح من خلال القوى الموالية لسوريا للدولة اللبنانية بضرب الاستقرار الداخلي إن انحازت الدولة الى حلف بغداد أو إن اتخذت قراراً سيادياً يستجيب لمعايير مصالح لبنان العليا بمعزل عن مصالح سوريا) وقد ذهب الحزب الشيوعي الى حد اتهام سياسة الدولة اللبنانية والحكم اللبناني بالغوغائية (انظر الحزب الشيوعي اللبناني تقرير اللجنة المركزية أمام المؤتمر الثاني للحزب ص. 184- 186).

(يتبع جزء ثان)

 

() محام وخبير قانوني

 

 

=================

ميشال بثينة

عيسى الشعيبي

الغد الاردنية

12-10-2012

تكنّى ثلاثة من كبار الشعراء العرب، قبل نحو ألف وأربعمائة عام، بأسماء حبيبات لهم، وعرف كل منهم باسم فتاته، في سابقة لم تألفها الأنساب في زمن الجاهلية وصدر الإسلام؛ فصار قيس ابن الملوّح قيس ليلى، وحمل كثيّر الخزاعي اسم كثيّر عزة، أما ثالث الاثنين من شعراء الحب العذري هؤلاء فكان جميل بن معمر الذي اقترن اسمه بابنة عمه بثينة.

وأحسب أن حساداً ومنافسين غيورين لهؤلاء العشاق المعاميد هم من نسبوا الشعراء الثلاثة كلاً إلى معشوقته، ولا ضير في ذلك. فقد فاء فشل حبهم على الأجيال المتعاقبة بسلاسل طويلة من قصائد الغزل، وملأوا ذاكرة الأدب العربي بأبيات عذبة، وصور جميلة من التشبب بالمحبوبة، وغير ذلك من تجليات لوعة الفراق والعشق والهيام، لم تدانِها رقة سوى الموشحات الأندلسية فيما بعد.

وبالاستناد إلى هذا الإرث الشعري الخالد، ظلت أسماء ليلى وعزة وبثينة حاضرة بقوة في الذاكرة التاريخية، تتجدد في الخيال الشعبي، وتحتفظ بوقع رائق جميل في الأسماع عبر سائر الحقب الزمنية الماضية، حيث درج الكثير من الآباء والأمهات على تسمية بناتهم بمثل هذه الأسماء المحببة اجتماعياً، باعتبار أنها تسميات ملائمة لكل الأحقاب، في الحضر والريف والبادية.

وإذ أستعيد اليوم من خزانة الذاكرة أسماء المعشوقات الخالدات في دفاتر الشعر الطافح بعذابات الشعراء الفاشلين في الحب، يصدمني أن واحدة من بنات زماننا هذا حملت اسم بثينة بنت ربيعة، وتشرفت به، إلا أنها حطمت في لحظة واحدة ظلال قوس قزح ربيعي مديد، بشبهة الاشتراك في التخطيط لارتكاب فعلة إرهابية، خصمت كثيراً من رصيد الاسم المدلّه في حد ذاته.

وتشاء المصادفات البحتة أن يكون جميل (بن معمر) الذي ما إن يأتي ذكره حتى يحضر اسم بثينة الخزاعية رأساً، على وزن ميشال (سماحة) مستشار المستشارة بثينة شعبان، وهو الرجل المقبوض عليه بجرم نقل حمولة من المتفجرات، وذلك في ربع الساعة الأخير من موعد زرعها في موائد الإفطار الرمضانية ومواكب رجالات الدين في الأراضي اللبنانية.

حتى الأمس القريب، كان انكشاف العلاقة المرعبة بين ميشال الكتائبي الانعزالي، المتحول إلى مقاوم "قومجي" عتيد في محور الممانعة، وبين علي مملوك رئيس جهاز أمن العائلة المافياوية، أمراً مثيراً لدهشة اللبنانيين حقاً. أما أن تنجلي علاقة إرهابية بين هذا الميشال ومعلمته بثينة، فهو ما يمكن إدراجه في باب الصدمة الحقيقية، وتدوينه كعلامة فارقة في المسارات المتعرجة للأزمة السورية.

وهكذا تداعت الأسماء على قاعدة أن الشيء بالشيء يذكر، وتواردت الخواطر على رسلها بلا انتظام، وانعقدت المطابقات تلقائيا بين الألقاب والكنايات والأسماء، لاسيما بين جميل وميشال، بكل ما يحمله التطابق والجناس من مفارقات فارقات، وتباينات بيّنات، ومفردات كلام أحسب أنها لا تتزاوج فيما بينها إلا في السجع وميزان التفعيل وتشابه الإيقاع.

وعليه، فحين يمثل ميشال سماحة بعد اكتمال ملفه الجنائي أمام القضاء اللبناني بالجرم المشهود، ويتكشف ما في كنز حاسوبه الشخصي من مراسلات مع مشغليه في دمشق، ومكالمات هاتفية مسجلة لمعلمته بثينة شعبان، ولغيرها من كبار القتلة والمجرمين، فقد يكون من غير المبالغ فيه، ولو على سبيل التندر، إحلال اسم ميشال بثينة الإرهابي محل اسم جميل بثينة شاعر الحب العذري.

والحق أنني كنت في زمن سابق على الثورة السورية معجباً بشخصية بثينة شعبان، المرأة الفقيرة التي صنعت، مع كثير من المصادفات، حظها بنفسها. غير أنه حين ألقت بثينة تبعة بدايات الثورة على مخيم لاجئين فلسطينيين في درعا، تحطمت صورتها الذهنية لدي. ومما زاد من بشاعة شخصيتها مؤخراً، ما تيسر لي من مادة كتبها أحد أصدقائها المقربين، سرد فيها كثيرا من الوقائع الدالة على مكونات امرأة انتهازية مقيتة تثير الاشمئزاز.

issa.alshuibi@alghad.jo

=================

قوات ردع عربية في دمشق؟

خالد غزال *

الجمعة ١٢ أكتوبر ٢٠١٢

الحياة

تداولت أوساط اقليمية أفكاراً لحل الأزمة السورية من بينها إرسال قوات ردع عربية الى سورية لوقف الحرب الأهلية ووضع حد لنزف الدم، وذلك على غرار ما شهده لبنان نهاية 1975 في مؤتمري الرياض والقاهرة، اللذين اتخذا قراراً بإرسال قوات عربية الى لبنان. يجرى تداول الاقتراح في سياق مختلف جداً عن السياق اللبناني، ويبدو كأنه حديث أقرب الى الهزل منه الى الجدية، بل وجاهل بالعوامل والأوضاع اللبنانية في تلك الفترة.

كان دخول قوات الردع العربية الى لبنان عام 1975، وبغالبية سورية ساحقة، حصيلة موافقة إجماعية من اسرائيل والولايات المتحدة الأميركية ودول النظام العربي المؤثرة آنذاك. اجتمع الدولي والاقليمي يومها على قرار يقول بإزالة القوى الاعتراضية على مفاوضات السلام التي كانت بدأت بعد حرب تشرين الأول (اكتوبر) 1973، والتي يمكنها ان تعوق او تعرقل المسار السلمي المفتوح بقوة. كانت حلقة الاعتراض شبه الوحيدة آنذاك متمثلة بالمقاومة الفلسطينية وحليفها اللبناني في الحركة الوطنية. ولأن المقاومة الفلسطينية كانت قد تجذرت في لبنان، وتحوّل البلد الى الدولة البديلة الى حين، لذا كان القرار بتغذية الحرب الأهلية والدخول في الصراع الداخلي، تحت شعار إلغاء المقاومة عملياً، وشطبها من المعادلة. لم يكن خافياً على القوى الدولية وإسرائيل ان خير من يقوم بهذه المهمة هو حصولها على أيدٍ عربية – عربية، ولم يكن أفضل من النظام السوري للقيام بهذه المهمة، وهو الذي يتقن خطاباً ديماغوجياً، يقوم على شعار دعم المقاومة الفلسطينية، فيما يعمل الذبح برقابها.

العامل الآخر الذي أتاح لقوات الردع الدخول آنذاك، ان النظام السوري كانت تبلورت لديه استراتيجية «سورية الكبرى» والتي بموجبها يتمدد على حساباب كل من فلسطين ولبنان والاردن. شجع الرئيس الأسد على التمادي في هذا النهج شعوره بأن الولايات المتحدة وإسرائيل ومعها بعض الدول العربية، ترى فيه النظام المناسب للعب دور الشرطي بل و «البلطجي» المستعد للقيام بكل الأعمال القذرة التي يطلب اليه تنفيذها، ليس فقط على صعيد ضرب المقاومة الفلسطينية، بل ضرب كل حركات الاعتراض الوطنية وتشتيتها في العالم العربي.

هل تتوافر العوامل المشار اليها راهناً، على صعيد وجود قوى معارضة لخطة الولايات المتحدة والغرب معها؟ ومن هو النظام العربي الطامح لدور أوسع من كيانه والساعي الى مدى حيوي لطموحاته؟ بالتأكيد ليس هناك أي مقاربة او مقارنة مع تلك الفترة عام 1975 اللبنانية. تعرف مصر أو قطر (اللتان كانتا وراء الاقتراح تصريحاً او تلميحاً لإرسال قوات عربية الى لبنان) ان الموافقة اللبنانية على دخول قوات عربية الى لبنان كانت أحد الشروط المطلوبة لاتخاذ القرار، فيما يقف الرئيس بشار الأسد حالياً ضد اي تدخل في سورية، معتبراً ان ما يجري هو مؤامرة خارجية تنخرط فيها قطر وبعض بلدان الخليج فيه بقوة... مما يعني ان الدخول العربي هو بمثابة إعلان حرب على سورية، ومن سورية على المتدخلين.

لا يخفى على المتابع لمواقف الدول العربية المؤثرة في الأزمة، او لدول المعسكر الغربي، ان اقتراح دخول قوات ردع إنما يغلّف هروباً من المساعدات الفعلية المطلوبة لدعم الانتفاضة السورية، بما يمكنها من إسقاط النظام. أول المطلوب والممكن يتصل بالدعم اللوجيستي، في التسليح وتقديم الخدمات التكنولوجية للمقاتلين. يبدو مصير الانتفاضة مرهوناً اليوم بتطوير الدعم الحاصل حالياً والذي لا يبدو انه قادر على الإخلال بميزان القوى مع النظام وقواته المسلحة. أما النوع الآخر من الدعم المطلوب فهو المتعلق بالضغط الدولي لإقامة منطقة عازلة ومحظورة على الطيران في المناطق المحررة من الشمال السوري، نظراً الى ما يمكن ان توفره مثل هذه المنطقة من حماية للمقاتلين من ضربات الطيران التي باتت السلاح الأساسي للنظام في مواجهة الانتفاضة. اما النوع الثالث من الدعم المطلوب بإلحاح، فهو المساعدات المالية والإنسانية لمئات الآلاف من أبناء الشعب السوري، الذي يعاني اليوم نقصاً حاداً في المواد الغذائية وسائر مستلزمات الصمود والبقاء في سورية، كما ان مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا والاردن ولبنان بأمس الحاجة الى مساعدات الدول العربية.

لا يمكن التعاطي مع اقتراح إرسال قوات عربية الى سورية إلا من منطلق سوء الظن، حيث يبدو ان القرار المتخذ حتى الآن تجاه الانتفاضة والنظام هو مدّ الحرب الاهلية الى أبعد زمن بما يحوّل سورية الى أشلاء، بعدها يجري البحث في انقاذ ما تبقى من سورية بشراً وحجراً.

 =================

التدخل التركي وحده قادر على إحداث نقلة في الازمة السورية

الجمعة ١٢ أكتوبر ٢٠١٢

راغدة درغام

الحياة

ليس واضحاً إن كان عنوان المؤشرات الآتية من أطراف حلف شمال الأطلسي (ناتو) التضارب والتناقض أو التكامل والتعاضد. الإجابة على مصير الدور الأطلسي في سورية تمتلكه تركيا في الدرجة الأولى، ذلك ان أنقرة هي المفتاح الأساسي لربما بعد واشنطن فقط. كلاهما يبدو تارة في تردد واضح وتارة أخرى على وشك الحزم والحسم. كلاهما في الامتحان إقليمياً ودولياً، وكلاهما يتأرجح بين الاعتبارات الداخلية المحلية وبين التحديات الإستراتيجية التي تتطلب القيادة والإقدام وليس التذبذب والانحسار.

كل من الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان أوقع نفسه في التعهد العلني بعدم التعايش مع الرئيس السوري بشار الأسد. كل منهما تردد تارة وتراجع تارة ثم عاد وتعهد بإسقاط ما سمّاه أوباما بـ «ديكتاتور دمشق». أكثر من ثلاثين ألفاً من السوريين دفع حياته ثمناً فيما «الأسرة الدولية» مضت في «المهمة المستحيلة» لممثل الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية الأخضر الإبراهيمي الساعية الى الحل السياسي الذي تعذر على سلفه كوفي أنان التوصل اليه بعدما بذل قصارى جهده وراهن على حسن النيات.

إدارة أوباما وجدت في الفيتو المزدوج الثالث الذي استخدمته روسيا والصين في مجلس الأمن لمنعه من اتخاذ مواقف وإجراءات جدّية ضد النظام في دمشق، وجدته العذر والمبرر لرفع أيديها مستسلمة لتعذر الحلول السياسية. جلست واشنطن في المقعد الخلفي وتبنت سياسة انتظار الاهتراء الداخلي للنظام. فهي منذ البداية أوضحت انها ليست في صدد التدخل العسكري المباشر لكنها ازدادت انعزالية بعدما وجدت ذريعة أخرى للتراجع ومنع أصدقائها من تسليح المعارضة السورية – ذريعة السلفيّة والجهاديين في «القاعدة» وأمثالها.

فجأة، تبنى الإعلام الغربي، وبالذات الأميركي، وجهة نظر عكست تفكير واشنطن الرسمية بأن تفشي «ظاهرة السلفية» في سورية بات خطراً لربما أكبر من استمرار النظام في دمشق. فجأة، دخل القاموس الأميركي – الإعلامي والرسمي – احتمال التعايش مع بشار الأسد الذي سبق وأعلن باراك أوباما ان عليه التنحي. فجأة تحوّلت اللغة الى إلغاء واقع الانتفاضة السورية ضد بطش النظام واستبداله بوهم هيمنة السلفيين على مستقبل سورية. تناسى هؤلاء ان حجم الجهاديين الذين يتقنون لغة البطش ذاتها كالنظام لا يتجاوز عشرة في المئة من المعارضة المسلحة، وان هناك عسكريين علمانيين انشقوا عن النظام ليحاربوه.

بالطبع كان هناك أيضاً عذر تشرذم المعارضة السورية وانقساماتها الشهيرة المؤسفة والمؤذية. دخل لاعبون كثيرون على خط المعارضة السورية – أوروبيون وأتراك، خليجيون وأميركيون. تركيا بالذات لعبت دوراً لعله ساهم في ازدياد الشرخ داخل المعارضة – وكذلك الدول الخليجية.

ثم أتت مبادرة الرئيس المصري محمد مرسي الداعية الى الحل السوري عبر «الرباعية» المستحيلة التي اقترح ان تضم المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية ومصر وتركيا. هذه المبادرة أسفرت عن انقسام عربي وأعطت طهران التي هي طرف مباشر في الحرب الداخلية في سورية مقعداً على طاولة وهمية للحل الإقليمي السياسي. هكذا استفادت طهران و «بلعت» الإهانة الشفوية التي أغدقها عليها محمد مرسي لأنها فهمت تماماً قيمة فك العزلة عنها وهدية جلوسها الى طاولة البحث العقيم عن حلول إقليمية لمعركة هي إقليمية أساساً بامتياز ساحتها في هذا المنعطف سورية.

الأمانة العامة للأمم المتحدة بدورها تلقت مبادرة «الرباعية» بترحيب معتبرة انها الوسيلة لإدخال إيران طرفاً مباشراً في البحث عن تسوية سياسية في سورية. فلقد كان رأي كوفي أنان أساساً أن لا حل من دون إيران مما أدى بالديبلوماسية السعودية والقطرية الى الاستياء من إقحام إيران في الحل في دولة عربية لا تخفي طهران انها حيوية لها في مشروعها الإقليمي للنفوذ خارج حدودها وللهيمنة إقليمياً. الأخضر الإبراهيمي بدوره يبدو انه يجد في «الرباعية» مدخلاً لجهوده الديبلوماسية والسياسية. زيارته للمملكة العربية السعودية قد تبيّن له مدى الامتعاض ليس فقط من أنان وموسى وإنما من أيٍّ ممن يتبنى «الرباعية» أساساً للحل السياسي.

دول مجلس التعاون الخليجي تصرّفت ككتلة موحدة عندما نسقت مع فرنسا أثناء رئاسة نيكولا ساركوزي في الشأن الليبي فتوجهت، ككتلة، الى جامعة الدول العربية واستصدرت موقفاً منها مكَّن مجلس الأمن الدولي من تبني قرار التدخل في ليبيا للإطاحة بمعمر القذافي. اليوم، هناك تباين بين موقف عُمان (والكويت الى حد أقل) وبين المواقف السعودية والقطرية والإماراتية والبحرينية التي أوضحت ان لا مجال للتعايش مع نظام الأسد مهما كان.

ليس أمام دول مجلس التعاون الخليجي الآن خيار التوجه الى الجامعة العربية ثم الى مجلس الأمن بسبب الانقسام العربي والفيتو الروسي – الصيني. ولربما ليس أمام هذا التكتل السداسي التوجه الى حلف شمال الأطلسي طالباً التدخل لأسباب عدة منها صعوبة تقدم دول عربية بطلب تدخل تكتل عسكري أجنبي في سورية. بل ربما ليست هناك إمكانية الإجماع بين الدول الست بسبب تباين مواقفها.

أمام كل هذا، ليس هناك سوى البوابة التركية. لكن أنقرة لن تتحرك بمفردها عسكرياً حتى في أعقاب التطورات العسكرية الثنائية بين تركيا وسورية الأسبوع الماضي. أنقرة لن تتحرك سوى تحت غطاء من نوع أو آخر من حلف شمال الأطلسي الذي تنتمي اليه.

مواقف قيادة الناتو وكذلك واشنطن التي أوضحت وقوفها مع أنقرة ضد دمشق لها دلالات مهمة، عملية وليس فقط سياسية، قد تؤدي الى نقلة نوعية في المسألة السورية. فالحكومة التركية وجّهت إنذاراً الى الحكومة السورية بأنها ستتحرك ضدها عسكرياً إذا استمرت في الاعتداء على الأراضي التركية – بغض النظر ان كانت الاعتداءات غير مقصودة وإنما أتت في إطار ملاحقة المعارضة السورية المسلحة على الحدود السورية – التركية.

موسكو أيضاً سمعت هذا الإنذار وتلك المواقف لحلف شمال الأطلسي وواشنطن. وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حاول دخول الحلبة السياسية معبراً عن رغبته بزيارة المملكة العربية السعودية. لكن الرياض لم ترحب، أقله حتى الآن، فهي في منتهى الغضب من المواقف الروسية، وهي ليست في صدد إجراء مباحثات عقيمة تبدأ من موقف روسي متمسك بالنظام في دمشق يتقدم فقط بفكرة «الحوار» بين الحكومة والمعارضة بهدف بقاء النظام. موسكو تريد إبلاغ مَن يعنيهم الأمر انها توقفت عن إمداد النظام في دمشق بشحنات السلاح، وتريد لهم ان يكونوا على علم بأنها حاولت مع دمشق وكان نفوذها محدوداً – من دون ان تعترف علناً بأنها بلا نفوذ.

الرد على المواقف الروسية مقتضب ومختصر: ارفعوا غطاء الحماية عن النظام في دمشق، تجدوه يتدحرج الى النهاية السريعة. كفّوا عن إعلانكم التمسك به، وستجدونه أكثر قابلية لوقف سفك الدماء.

الرد على المواقف الأميركية التي تخشى «القاعدة» والسلفيين والجهاديين هو ان تلكؤ إدارة أوباما – إضافة الى الفيتو الروسي والصيني – هو الذي ساهم في تنمية التطرف الإسلامي في سورية. فإطالة النزاع هي أكبر خدمة تقدمها واشنطن وموسكو وبكين الى الجهاديين و «القاعدة». وحالما تقر هذه العواصم بهذا الواقع الساطع الوضوح، تترتب على هذا الإقرار سياسة جديدة نوعياً قوامها الإسراع في إنهاء الصراع.

وسيلة الحسم أيضاً واضحة بشقيها العسكري والسياسي. لا أحد يطلب من واشنطن التدخل العسكري المباشر لكن ما يُطلَب منها هو التحدث بلغة جدية وحاسمة مع كل من روسيا والصين بهدف إما التفاهم على صفقة كبرى تتنازل عبرها عن نفوذ ومواقع لمصلحة روسيا، أو تبلغ موسكو ان الغرب سيتبنى نموذج كوسوفو – بتعديلات ضرورية – عبر البوابة التركية بإجراءات فرض منطقة آمنة، وفرض حظر الطيران، والسماح بتسليح المعارضة «العلمانية» في شكل خاص.

بالطبع، هناك شق العمل السياسي داخل سورية على نسق ما حدث في العراق لجهة تجهيز العشائر للانقلاب على الثوّار الجهاديين في «القاعدة» أو غيرها. هذا ما بدأت واشنطن ودول أوروبية وجهات أخرى على العمل نحوه. إنما هذا جزء من المعادلة وليس البديل عن تدخل عسكري عبر تركيا.

السؤال الآن هو حول مدى جدية القيادة التركية وجدية الإدارة الأميركية. الانتخابات الرئاسية الأميركية باتت على الأبواب. باراك أوباما يواجه انتقادات كبرى بسبب تراجعه أمام دمشق وطهران، فيما المرشح الجمهوري ميت رومني يصعّد ضد أوباما في هذه السياسة بالذات ويتعهد بالحسم كي لا يبقى النظام في دمشق معفياً من المحاسبة، وكي لا تبقى طهران في القيادة للعربة الأميركية – الإيرانية، وكي لا تنمو «القاعدة» مجدداً بسبب التخاذل الأميركي.

الأسابيع المقبلة ستبيّن مدى التناقض أو التكامل بين ما يصدر عن مواقف أميركية ضد تسليح المعارضة السورية وما يحدث وراء الكواليس عبر البوابة التركية. فإذا نفذت القيادة التركية ما تتعهد به، ستكون تلك نقلة نوعية في المسيرة السورية.

 

=================

سـوريـون فـي مـصـر

فايز سارة

السفير

12-10-2012

لعل الأهم فيما يفاجئ القادمين إلى القاهرة، هو الحشد الكبير من السوريين الذين يمكن ملاحظة حضورهم في مطار القاهرة. والبساطة الشديدة التي يتعامل به جهاز الأمن العام المصري في دخول هؤلاء إلى مصر، هي إشارة إلى التسهيلات التي تشجع السوريين للذهاب إلى هناك، وتساهم في تفسير وجود أكثر من مليون سوري حالياً في مصر، وأغلب هؤلاء غادروا سوريا في غضون العام ونصف العام الماضيين من عمر الأزمة، فيما الأقلية منهم كانوا قد سافروا وأقاموا هناك في خلال العقود الماضية سواء للعمل أو الدراسة، ووفق أوساط حقوقية سورية، فإن في مصر نحو مئة وخمسين ألفا من السوريين مسجلين باعتبارهم لاجئين.

معظم السوريين في مصر يقيمون في القاهرة، ويمكن ملاحظة حضورهم في الأماكن العامة من أسواق وفنادق ومقاهي القاهرة على تنوعها، لكن التعبير الأوضح لوجود السوريين الكثيف، موجود في مناطق القاهرة الكبرى، ومنها مدينة الرحاب وفي مدينة نصر، الغاصتين بأعداد كبيرة من السوريين.

أغلب السوريون في مصر والقاهرة على وجه الخصوص خليط من العائلات والأشخاص، ومعظم الأخيرين في سن الشباب، لكن القاسم المشترك لمعظم هؤلاء انهم فروا من مدن وقرى سورية، تعرضت للقصف والاجتياح من قوات الجيش والأمن، او انهم خافوا من حصول تلك العمليات في مناطق إقامتهم وتأثيرها على حياتهم، والبعض منهم من نشطاء الحراك الشعبي، وبينهم قادة تظاهرات او نشطاء إغاثة ومساعدات إنسانية وطبية، والبعض منهم نشطاء سياسيون من أعضاء جماعات المعارضة السياسية تعرضوا للملاحقة والاعتقال بسبب نشاطاتهم، فقرروا المغادرة واختاروا القاهرة.

وباستثناء المقيمين المستقرين قبل الأزمة، فإن القادمين الجدد ينقسمون إلى فئتين، الأولى ميسورة اختارت مصر والعيش فيها لأنها رأت ما يناسب أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، بينما اختارت الثانية مصر، لأنه لم يكن أمامها خيارات أخرى، بسبب قرب مستوى المعيشة فيها من مستوى المعيشة في سوريا، ولسهولة السفر إليها والإقامة فيها مقارنة بدول أخرى، بما فيها الأردن ولبنان، غير ان القدوم الكثيف للسوريين إلى مصر رفع أجور السكن بدرجة كبيرة في القاهرة ومحيطها، رغم ان الروح العامة للمصريين لا تؤشر إلى روح استغلالية عندهم حيال السوريين.

الحياة المصرية بمجالاتها المتعددة مفتوحة أمام مساهمة السوريين فيها، ولكن من الصعب الحصول على عمل بالنسبة لأغلب السوريين على تنوع وتميز تخصصاتهم المهنية والعلمية والتقنية والفنية، خاصة، أن مصر ما زالت تعاني من الآثار الاقتصادية لفترة ما بعد الثورة، وهناك تخوفات مطروحة بصدد الاستثمارات الجديدة التي يمكن لبعض السوريين ان يدخلوها، لكن بعض اصحاب رؤوس الأموال من القادمين الجدد، انخرطوا بحذر في مشاريع أولية يراهنون على تطويرها، وانضموا إلى المستثمرين السوريين السابقين في مصر الذين قالوا إن البعض منهم له وزن ملحوظ في صناعة النسيج.

وليست مشاكل السكن والعمل وظروف الاستثمار هي التحديات الوحيدة التي تواجه السوريين في مصر، بل الأمر معقد أكثر من ذلك. اذ هناك فئة من السوريين الفقراء الذين وجدوا انفسهم هناك هرباً من ظروفهم من دون أي حسابات اخرى، وهم بحاجة إلى مساعدات كلية، مساعدات من أجل السكن والطعام والشراب والصحة والتعليم، وتتعاون هيئات شكّلها سوريون هناك، مع مؤسسات مصرية أهلية ومدنية وحكومية، في تلبية احتياجات هؤلاء في قضايا السكن ومستلزمات الحياة الأخرى، وقد تدخلت السلطات المصرية للمساعدة في توفير الخدمات الصحية والتعليمية وصولا إلى توفير كل مساعدة ممكنة طبقاً لما يردده مسؤولون كبار في الخارجية المصرية، مؤكدين ان ذلك يمثل توجهاً للحكومة المصرية استجابة لمطالب الشعب المصري.

مصر ليست مجرد بلد يلجأ إليه السوريون في وقت المحنة التي تعيشها بلادهم هرباً من موت أو جرح، ولا بحثاً عن أمان مفقود او لحاجة لا تتوفر في بلدهم، بل إن مصر أكثر من ذلك بكثير للسوريين. ويكفي القول، إن كثيراً من شخصيات المعارضة السورية توجهت للإقامة هناك، وأن العديد من جماعات المعارضة السياسية وتنظيماتها جرى تأسيسها في القاهرة، بل ان مؤتمر المعارضة السورية الذي جمع أكبر طيف من جماعات المعارضة وتنظيماتها في تموز الماضي انعقد في القاهرة، ووسط احتواء شعبي عام للسوريين، فإن السلطات المصرية توفر أفضل ظروف لنشاطات السوريين المدنية والسياسية.

أن يلجأ السوريون إلى مصر بكثافة في زمن المحنة، فإنها ليست المرة الاولى. فقبل قرن من الزمان وأكثر، وبفعل شيوع القمع البوليسي التركي، في وقت كانت تخضع فيه بلاد الشام والعراق للسيطرة التركية، ووسط صعوبات الحياة في تلك الأيام، كانت مصر محطة نخبة سورية كبيرة من رجال الفكر والثقافة والاعلام والفن، بينهم عبد الرحمن الكواكبي وعبد الرحمن الشهبندر وغيرهم كثير، وقد تكررت تلك الحالات في ظروف القمع الذي أحاط بسوريا على مدار القرن الماضي كله، وإن يكن بفوارق نسبية.

 

كاتب ـ سوريا

 

=================

الموانع الدولية حتى سقوط النظام

لا حرب مع تركيا ولا ضربة لإيران

روزانا بومنصف

2012-10-12

النهار

على رغم الجديد الطارئ والمقلق بالنسبة الى مراقبين معنيين بالمشهد السياسي الاقليمي من خلال المناوشات على الحدود بين تركيا والنظام السوري التي يخشى كثر ان تؤدي الى انفجار حرب اقليمية ، فان مصادر سياسية اتيح لها التواصل مع قوى عربية ودولية في الاونة الاخيرة تشير الى مجموعة عناصر من الصعب حصول تبدل جوهري عليها وان شابتها تعديلات طارئة ما لم تكن هذه الاخيرة جذرية فعلا . من هذه العناصر :

- ان لا اقتناع بامكان نشوب حرب بين النظام السوري وتركيا على خلفية المناوشات شبه اليومية على الحدود بين البلدين . اذ انه على رغم الدعم الذي قدمته دول حلف الناتو لتركيا كونها عضوا فيه، فان حربا محتملة قد تكون صعبة جدا حتى لو بدا الجيش النظامي السوري في القصف اليومي كأنه يستدرج جارته الى مثل هذا الاحتمال . ويعود ذلك الى ان امكانات هذا الجيش الذي يلتزم رد الخطر عن النظام في الداخل لا قدرة له على تشتيت قدراته ، حتى ولو كانت هذه القدرات لا تزال قوية ومدعومة ، في اي حرب جانبية من اي نوع . كما ان المواقف الدولية وان تفاوتت بين الولايات المتحدة والدول الاوروبية وموسكو في شأن الاحتمالات التي يمكن ان تقود اليه هذه التحرشات كانت حازمة الى حد كبير في رسم حدود لها بما يمنع تخطيها وصولا الى مخاطر الحرب الاقليمية وتاليا الدولية .

- ان الضوابط التي وضعت لاحتمال ضربة عسكرية اسرائيلية للمنشآت الايرانية النووية لا تسمح بتحفيز هذه الضربة عبر وسائل او سبل اخرى يمكن ان تؤدي اليها باعتبار ان اي حرب من اي نوع تتعدى الاراضي السورية الى دول الجوار ستفتح الباب على احتمالات غير معروفة . في حين انه لا يعتقد ان ايران وعلى رغم الانهيار المالي الذي تواجهه قادرة على خوض مواجهة مماثلة وان رأى كثر ان الحروب الخارجية تشكل هروبا انقاذيا الى الامام لفترة ما لاي نظام حكم تجنبا لتحديات داخلية خطيرة مثلما هي الحال التي باتت ايران تواجهها . ولا يعتقد ان ايران قد تشجع النظام السوري غير القادر وحده على اي مواجهة خارجية بالسير في هذه الطريق لان ايران ستجد نفسها فجأة في مواجهة مع الدول العربية الخليجية منها وغير الخليجية الى جانب تركيا بحيث لا تستطيع ان تقفل عليها ابوابا ومتنفسا لا يزالان مفتوحين عليها في ظل تصاعد العقوبات الدولية والفردية على حد سواء .

- ان النظام السوري آيل الى السقوط ايا تكن الفترة التي سيستهلكها في الصمود والاستمرار . وهذا السقوط مرجح اما عبر الانهيار الاقتصادي او عبر الضغط العسكري على رغم انه لا يزال يعيش حالا من الانكار في شأن سقوطه ولا يزال يصر على قدرته على الحسم . وان تقسيم سوريا هو امر غير محتمل وفق السيناريوات التي سرت في الاشهر الاخيرة من دون ان يعني ذلك عدم احتمال تحول سوريا الى كونفيدرالية طوائف ومجموعات شانها في ذلك شأن العراق الذي هو بمثابة كونفيدرالية مقنعة . وتسرد هذه المصادر واقعة جزمت خلالها وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون في اثناء مؤتمر عبر الفيديو مع مسؤولين من دول عدة بعدم امكان تقسيم سوريا في ظل الكلام على احتمال اقتطاع الرئيس السوري جزءا من سوريا في القسم العلوي منها من اجل ان يحكم سيطرته عليها في مقابل الحكم الذاتي الذي يمكن ان يسعى اليه الاكراد مثلا وسواهم من المجموعات والطوائف . وجاء الموقف الاميركي بمثابة طمأنة الى مخاوف من انعكاسات التقسيم في المنطقة في حال طاول سوريا تبعا لطموحات النظام في عدم الرحيل والبقاء حتى في جزء من سوريا .

- على غرار حال الانكار التي يعيشها الرئيس السوري في شأن واقعه ، فان " حزب الله" يواجه بدوره حال انكار مماثلة لجهة احتمال فقدانه سوريا مع فقدان النظام السوري وانهياره وهو لا يظهر استعدادا لهذا الاحتمال كما يواجه تحديات كبيرة ازاء امكان التعامل مع تغييرات اقليمية بات جزءا كبيرا منها من المشهد والواقع السياسي الراهن على غرار فقدان العمق الفلسطيني لشعار المقاومة الذي يرفعه من خلال خروج حركة " حماس " من محور ايران وسوريا والحزب بخروجها من سوريا ووقوفها الى جانب الثورة السورية . وان التورط الايراني في سوريا قد يتم غض النظر عنه اذا كان سيساهم في انهاك كل من ايران والنظام السوري معا . وكذلك الامر بالنسبة الى تورط "حزب الله" الى جانب النظام في وجه معارضيه الذين ينتمي غالبيتهم الى الطائفة السنية .

- ان المخاوف على الاردن متصاعدة وكبيرة ليس فقط من انعكاسات الحرب في سوريا بل من سريان تشجيع بعض الدول العربية وحماستها لحكومات تتألف من الاخوان المسلمين على رغم ان التغييرفي الاردن امر معقد ويمكن ان يستدرج تغييرا في دول خليجية كما يرتقب ان يسبقه وفق ما تتوقع المصادر المعنية تطورما في اتجاه حل القضية الفلسطينية .

=================

عراق المالكي بديل سوريا الأسد؟

راجح الخوري

2012-10-12

النهار

عشية زيارته الى موسكو كانت المواقف السياسية في العراق تشعل الضوء الاحمر في وجه نوري المالكي، وخصوصاً بعدما تبين ان "التحالف الشيعي" لن يتردد في التخلي عنه بعد سقوط بشار الاسد، لهذا لم يكن مفاجئاً ان يتخذ خلال زيارته مواقف تؤكد نهائية اصطفافه الى جانب مواقف روسيا وايران من الازمة السورية.

لم يكن خافياً في بغداد ان محور المالكي – طالباني يستعجل عقد الاجتماع الوطني لأنه يريد في هذه المرحلة وقبل سقوط نظام الاسد، وضع وثيقة جديدة لإدارة الدولة تلزم جميع القوى العمل ضمن فريق يقوده المالكي،بعدما تبين ان البلاد تتجه نحو المزيد من الازمات السياسية كان آخرها رفض "التيار الصدري" و"المجلس الاسلامي" اقتراح المالكي تعيين وزير للداخلية من بطانته [ فالح الفياض او عدنان الاسدي].

في المقابل كان واضحاً ان هناك تفاهماً بين مسعود البارزاني واياد علاوي على ان إقالة المالكي من رئاسة الحكومة باتت ضرورة ملحة، لأن المطلوب شخصية جديدة معتدلة تكون منفتحة على النظام الجديد في سوريا بعد الاسد، لأن من الثابت ان المالكي الذي بدا دائماً وكأنه صدى للسياسة الايرانية في مناهضته للثورة السورية وتأييده للاسد لن ينفتح على النظام السوري الجديد الذي بدوره لن ينفتح عليه!

انطلاقاً من هذا الواقع الانقسامي الداخلي جاءت المضامين السياسية لزيارة المالكي الى موسكو متقدمة على مضامين عقود التسلح [4 مليارات ونصف مليار دولار] واتفاقات التنقيب عن النفط، ذلك ان الاصطفاف العلني لحكومة المالكي الى جانب النظام السوري يضعها الى جانب طهران وموسكو، لكن الفرق ان هذا الاصطفاف يخدم المصلحة الشخصية للمالكي ويضر بالمصلحة الوطنية للعراق، في حين ان المصالح السياسية لايران وموسكو تبقى المستفيد الاكبر سواء بقي الاسد او سقط واصبح العراق منصة نفوذ بديلة وهو ما يؤجج الجمر تحت رماد الصراع على بغداد!

واضح ان المالكي يستعين على مشاكله الداخلية بمحاولة نسج علاقات وعقد اتفاقات مع موسكو لتوفير امر واقع يلزم العراق الوقوف في الصف الايراني – الروسي، لكنها سياسة المضي في التهور التي تؤجج مشاكله الداخلية لأن التغيير في سوريا سيؤدي الى تغيير مهم في العراق، والتي تثير المشاكل مع الدول الخليجية التي تعارض سياسات التحدي والتدخل الايرانية السافرة التي تعتبر العراق منصة لها وجسراً بديلاً من سقوط النظام السوري.

لا ندري ما هي مصلحة العراق في ان يقف المالكي في موسكو قائلاً: "ان تركيا تتصرف بصفاقة وتنخرط في لعبة خطيرة مع سوريا"، وهو ما لم تقله ايران او روسيا بما يدل انه هو الذي يزجّ العراق في لعبة خطيرة!

=================

زين الشامي / إطفاء الحريق في سورية مصلحة إقليمية

الرأي العام

12-10-2012

ليست التطورات العسكرية الاخيرة التي شهدتها الحدود السورية - التركية هي الاولى من نوعها ولن تكون الاخيرة. ان استمرار الازمة السورية وغياب حل في الافق لهذه الكارثة الانسانية المستمرة منذ نحو تسعة عشر شهرا يجعل من امكانية وصول الحريق السوري الى دول مجاورة امكانية قابلة للتحقق دائما.

قبل تلك الحادثة التي تسببت في مقتل خمسة مواطنين اتراك جراء قصف مدفعي للقوات السورية داخل الاراضي التركية، كانت حوادث امنية عدة خطيرة قد وقعت على جانبي الحدود ولعل ابرزها اسقاط مضادات الطيران السورية لطائرة حربية تركية في شهر يونيو الماضي في مياه البحر المتوسط. هنا لا بد من الاشارة الى ان التطورات الاخيرة أتت بعد أيام قليلة من إعلان «الجيش السوري الحر» المعارض عن نقل قيادته المركزية من تركيا، التي استقر فيها منذ أكثر من عام، إلى «المناطق المحررة» داخل سورية.

الحدود السورية - التركية، اضافة الى حدود سورية مع لبنان والاردن، ربما تكون الحدود الاكثر قابلية للانفجار ولتسرب الازمة وانتقالها الى داخل هذه البلدان الثلاثة، وذلك نظرا لتماس هذه الحدود مع المحافظات السورية المنتفضة ضد نظام الرئيس بشار الاسد وبسبب العوامل الاجتماعية والثقافية التي تربط السكان السوريين مع اقرانهم في تلك البلدان، اضافة الى المواقف المؤيدة لانتفاضة السوريين هنا وهناك سياسيا وشعبيا.

على هذه الخلفية يمكن فهم لماذا كان نصيب هذه البلدان اكبر من غيرها لناحية اختيار اللاجئين السوريين لها ولعل وصول اعداد اللاجئين السوريين في تركيا الى مئة الف يعد اشارة على تلك الروابط والاسباب، في الاردن أيضا تخطى اعداد اللاجئين السوريين التسعين الفا، وفي لبنان ورغم غياب احصائيات دقيقة الا ان بعض التقارير اشارت الى ان عددهم قد تجاوز الثمانين الف لاجئ.

الحوادث والتوترات العسكرية لا تقتصر على تركيا، ولعل الحدود السورية - اللبنانية اكثر الحدود تعرضا لانتهاكات وتعديات القوات السورية بحجة ملاحقة معارضين سوريين او بسبب اتهامات لعناصر لبنانية بدعم الجيش السوري الحر والمقاتلين السوريين بالسلاح.

ورغم ان رد فعل الحكومة اللبنانية اقل عنفا من نظيرتها التركية على موضوع التعديات السورية الا انه يجب الاعتراف ان المقاتلين والمنتفضين السوريين يلقون دعما كبيرا من اشقائهم اللبنانيين ويمدونهم بمساعدات لوجستية بسبب التماس المباشر للحدود وضعف السلطة اللبنانية، وهو الامر الذي يجعل لبنان البلد الاكثر عرضة للتأثر بالحريق السوري.

ليس فقط ضعف السلطة المركزية اللبنانية والجيش اللبناني، بل شدة ارتباط المجتمعين السوري واللبناني اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وسياسيا، ولعل الانقسام الاجتماعي الطائفي والسياسي في لبنان على خلفية ما يحصل في سورية يعكس عمق الترابط بين البلدين مثلما يؤشر لامكانية تدحرج للازمة السورية الى داخل لبنان رغم كل الاصرار الرسمي والحكومي اللبناني على عدم تورط لبنان بما يجري من احداث داخل سورية او ما بات يعرف بسياسة «النأي عن النفس» التي اتبعتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي منذ اندلاع شرارة الاحتجاجات في سورية.

الاردن ايضا له نصيبه من القلق بسبب ما يجري في سورية وقد شهدت الحدود المشتركة في يوليو الماضي تبادلا لاطلاق النار وقذائف المدفعية بين الجيشين السوري والاردني على خلفية اطلاق الجيش السوري النيران على لاجئين داخل الاراضي الاردنية. واذا ما كانت الوشائج السورية اللبنانية اكبر بكثير خصوصاً على المستوى الشعبي بين البلدين، الا انها لا تخلو من عمق ووشائج مماثلة بين اهالي منطقة حوران واهالي شمال الاردن. هذا يفسر ايضا اختيار نحو تسعين الف لاجئ سوري غالبيتهم من منطقة حوران ومحافظة درعا الاردن كمكان للجوء، طبعا عامل الجغرافي وسهولة الهرب الى الاردن عبر الحدود المشتركة يلعب دورا في ذلك.

كلنا يعرف ان حدود معظم بلدان الشرق الاوسط ما هي الا حدود مصطنعة بكل معنى الكلمة وهي تشكلت بعد نهاية الحرب العالمية الاولى واستكملت لاحقا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد رسمت تلك الحدود بين الدول وفقا لحسابات فرنسية وبريطانية «استعمارية» ولم تكن العوامل الجغرافية الطبيعية او تلك الثقافية والسكانية العامل الذي ساهم في تشكلها مثلما هي العادة في معظم بلدان العالم، او مثل بعض الدول المجاورة كإيران وتركيا او حتى دولة عربية مثل مصر.

احتمالات انتقال الحريق السوري الى تلك البلدان تبدو اليوم، خصوصاً بعد تلك الحوادث والاختلالات الامنية، ممكنة اكثر من أي وقت مضى. ان ذلك يتطلب تعاونا اقليميا جديا من اجل وضع حد للازمة واسقاط نظام الرئيس بشار الاسد الذي بات خطره يتجاوز مجرد قتل الشعب السوري. ان الاستقرار الاقليمي اليوم مرتبط بالسرعة التي تعمل بها تلك البلدان لوضع حد لما يجري في سورية. انها مصلحة داخلية عليا وقضية امن قومي لكل بلد من تلك البلدان.

 

=================

سياسة الشرق الأوسط بين أوباما ورومني

الوطن السعودية

التاريخ: 12 أكتوبر 2012

 كعادتهم قبل كل انتخابات رئاسية أميركية، يتابع المراقبون في الشرق الأوسط كل مواقف وتصريحات المرشحين للرئاسة الأميركية بخصوص قضايا هذه المنطقة الساخنة منذ عقود أملا في رسم تصور لما ستكون عليه سياسة البيت الأبيض تجاه قضايا المنطقة في حال فوز هذا المرشح أو ذاك. وكما هو الحال في كل مرة، يكتفي العرب بلعب دور المراقب والمحلل فيما توغل إسرائيل، عن طريق اللوبي القوي الذي تمتلكه في الولايات المتحدة، التدخل في أدق تفاصيل الصورة القادمة للسياسة الخارجية الأميركية. والنتيجة أن التنافس على الرئاسة الأميركية يتحول إلى تنافس لإرضاء تل أبيب وممثليها من منظمات وشخصيات في واشنطن، مع كل ما يعنيه ذلك من تنازلات وتصريحات ووعود.

اللافت هذه المرة أن السياسة الخارجية للمرشحين أوباما ورومني تبدو شبه متطابقة في كثير من زواياها. فكلا الرجلين يؤيد البرنامج الزمني للانسحاب من أفغانستان، وكلاهما يعارض إعادة نشر قوات في العراق، وكلاهما يرفض الالتزام بتوجيه ضربة عسكرية ضد البرنامج النووي الإيراني. الموقف الوحيد الذي يبدو فيه بعض الاختلاف الظاهري على الأقل هو الموقف من سورية، حيث تعهد رومني أنه، في حال وصوله إلى البيت البيض، سيعمل على ضمان حصول الثوار السوريين على ما يحتاجونه من الأسلحة، لكنه مع ذلك لم يلتزم بتقديم الأسلحة من الولايات المتحدة بشكل مباشر.

مواقف رومني تشير إلى تحوله شيئا فشيئا نحو خط الوسط السياسي، كما أنها تعكس عدم وجود إجماع في التيار المحافظ الأميركي حول كيفية التعامل مع الاضطرابات في الشرق الأوسط.

مؤخرا عقد حوار في نيويورك حول ما إذا كانت الحكومات الإسلامية المنتخبة في الشرق الأوسط تخدم المصالح الأميركية أكثر من الأنظمة الدكتاتورية. وقد شارك في النقاش مفكرون معروفون بعضهم وقف مع التغيير في الشرق الأوسط وبعضهم وقف ضده. ورغم أن بعض النقاشات حملت بعض العبارات حول القلق على حقوق الإنسان والحريات الفردية، إلا أن السؤال الرئيسي في نهاية المطاف كان واحدا: من يخدم المصالح الأميركية بشكل أفضل؟

مشكلتنا نحن العرب أننا ننتظر دائما الحل من الخارج بدلا من أن نسعى للتغيير بأنفسنا. لا أحد ينكر النفوذ الذي تمتلكه الولايات المتحدة على الساحة الدولية، لكن العرب بالتأكيد يمتلكون أوراقا كثيرة يستطيعون من خلالها، وبشكل أفضل من إسرائيل ربما، أن يؤثروا في نتائج الانتخابات في كثير من عواصم القرار العالمية، وخاصة واشنطن.

=================

برميل البارود السوري

الراية القطرية

التاريخ: 12 أكتوبر 2012

حالة التوتر في العلاقات السورية -التركية التي تصاعدت إثر إجبار مقاتلات تركية لطائرة سورية مدنية على الهبوط في أنقرة للاشتباه بأنها تنقل أسلحة إلى النظام السوري تعطي مؤشرات واضحة إلى إمكانية امتداد الأزمة السورية التي تفاقمت إلى دول الجوار وتحولها إلى نزاع إقليمي في المنطقة قد لا يكسبه أحد.

تحذيرات الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند من أن هناك "خطرَ" تصعيدٍ بين تركيا وسوريا، مشيدا ب"ضبط النفس" الذي تحلت به أنقرة لمنع تدهور الأوضاع على خلفية مقتل عدد من مواطنيها بقذائف جيش النظام السوري يجب أن تحمل من المجتمع الدولي الذي أخفق في وقف سيل الدم السوري المتواصل على محمل الجد والسعي للضغط على النظام السوري لوقف العنف وإطلاق النار، فالنار السورية المشتعلة لا تهدد مستقبل ومصير الشعب السوري فحسب بل أصبحت تهدد مستقبل المنطقة بأكملها الراقدة على برميل بارود.

سقوط المواطنين الأتراك بفعل قذائف جيش النظام السوري وقبل ذلك إسقاط الطائرة الحربية التركية ومقتل طياريها والرد التركي المتمثل بالقصف المدفعي على الأراضي السورية والحشود التركية على الحدود السورية كل ذلك يمثل دلائل لا يستهان بها أن اشتعال برميل البارود السوري أصبح على بعد سقوط قذيفة على بلدة تركية تخلف ضحايا جدد..

أنقرة تصرفت في حادثة الطائرة السورية وفق معلومات استخباراتية وتأكيدات أردوغان أن الطائرة المدنية تحمل ذخائر ومعدات عسكرية روسية إلى دمشق تدين النظام السوري كما تدين موسكو فقوانين الطيران المدني تمنع استخدام الطائرات المدنية في نقل الأسلحة والذخائر.

اللافت قبل حادثة الطائرة السورية استمرار تواصل سقوط القذائف على البلدات والمدن التركية وكأن النظام السوري الذي بدأ يخسر ميدانيا في مواجهة الجيش السوري الحر الذي بات يسيطر على مساحات واسعة من الأراضي السورية يمارس سياسة حافة الهاوية من خلال السعي لجر أنقرة إلى حرب إقليمية لصرف الأنظار عن فصول المأساة السورية الداخلية.

التوتر التركي- السوري يستدعي تحركا عاجلا من الجامعة العربية رغم تجميد عضوية سوريا فيها في اتجاه منع تحول الأزمة السورية التركية إلى حرب بين البلدين سيكون الخاسر الأكبر فيها الشعبان الشقيقان، فالحرب بين أنقرة ودمشق ستجعل من المأساة السورية مأساة مركبة فلا توجد حرب نظيفة وأغلب ضحايا الحروب هم المدنيون.

=================

متى تتحرك الخلايا الإيرانية ـ السورية «النائمة»؟

وفيق السامرائي

الشرق الاوسط

12-10-2012

أعاد الإعلان اليمني عن كشف خلايا تجسس إيرانية، تسليط الضوء على ما يوصف بالخلايا الإيرانية - السورية النائمة، التي لا ينبغي إنكار وجودها في البلاد العربية وتركيا، فهي موجودة فعلا بدرجات متفاوتة، غير أن معظمها لا يتعدى خلايا تجسس صغيرة، لا تستطيع أن تحدث فعلا مسموعا حتى لو أوعز إليها للقيام بعمليات تخريب. ولا تتحدد هويتها بانتماء ديني معين. فالمال وسياسة التوريط، ومشاعر النفور والفشل، والخلافات الحادة، تقود إلى خروج بعض الأفراد عن قواعد السلوك الوطني.

وإضافة إلى ما تكرر قوله عن أن أذرع إيران وسوريا ستحول المنطقة إلى جحيم إذا ما حدث تدخل عسكري في سوريا، استوقفتني تحذيرات مفادها أن ضرب البرامج النووية الإيرانية سيفجر اضطرابات في مصر والأردن، تؤدي إلى إلغاء اتفاقيات السلام مع إسرائيل! وهو خيال تعدى تخيلات سابقة في دول قادتها إلى الجحيم. وبرهنت سياساتها على أن أهوس الزعماء هم الذين يتغنون بولاءات خارج حدود بلدهم.

ما يتردد من تقولات كيدية عن ثغرات في الوضع الأمني الأردني بعيد كليا عن الواقع، فقد جربت أجهزة السلطة السورية قدرتها على تشويش حالة الأمن الأردني، ولم تصطدم بجدار مباشر فحسب، بل اصطدمت بقوات وأجهزة أمنية تحظى بوعي شعبي رصين، وتصرف قيادي متوازن. فأحبطت كل مشاريعها ابتداء من خط استقبال اللاجئين. ومن أبرز ما يدل على الثقة هو أن يبقي الأردن حدوده مفتوحة على الرغم من الانفلات على الجانب السوري، تعبيرا عن التزام تاريخي بالوقوف إلى جانب الشعب السوري. وبما أن الخلايا الإيرانية وخلايا السلطة السورية أصبحت واحدة، بعد أن اتضحت العلاقات المصيرية بين بشار وإيران، فإن الفشل السوري يعني فشلا لخلايا إيران.

وفي الحالة المصرية، فإن وصول زعيم إخواني إلى الرئاسة لم يغير شيئا، لا من قواعد السلوك ولا من الاتفاقية مع إسرائيل، وثناؤه على الرئيس عبد الناصر، ومنحه أرفع الأوسمة لبطل اتفاق السلام، يدلان على أن القضايا الاستراتيجية لا تغيير عليها. فعن أي اضطرابات وإلغاء للمعاهدات تتحدث هذه الفئة من المحللين والكتاب وأوكار المخابرات والحرب النفسية؟

وفي لبنان، أثبت ما أعلن عن تورط النائب والوزير السابق ميشال سماحة في أخطر مخطط تخريب أمني، قصة تدهور غير عادي في مشاريع تحريك الخلايا. فقد تحول حزب الله من فلسفة السيطرة على الوضع اللبناني في المرحلة الحالية، إلى تقديم ما يمكنه تقديمه في ساحة الحرب على الأرض السورية مباشرة، بعد أن أدرك خطورة التحرش بإسرائيل على غرار المرات السابقة، وفقدانه سحر الحصول على مصفقين من العرب ومن شعوب إيران التي تفاقمت معاناتها الاقتصادية، وأصبحت لبنان وسوريا وفلسطين مفردات نحس عندها. وسيعرضه أي صدام فعال مع إسرائيل لضربات قد تكون نهائية.

الخلايا في الخليج معروفة ومرصودة، وقد أخرجتها من سكونها عمليات الجس الأمني المتعمد، فأحاطت بها الأجهزة في الوقت والمكان والظروف الملائمة للإحباط. وكانت التحذيرات الإيرانية والسورية سببا مهما في دفع الأجهزة العربية إلى تبني خطط المبادرة، ربما خلاف قواعد العمل في بعضها، التي تعتمد نظرية عدم تحريك السواكن. كما أن خليج اليوم ليس خليج زمن الشاه وبدايات الثورة التي أسقطته، فعلى مدى ثلاثة عقود، تمكن الخليجيون من بناء قوات عسكرية وأجهزة أمنية متقدمة، تراكمت المهارات الفنية في مؤسساتها، ولم يعد القلق على مسؤولياتها قائما. أما الوضع التركي فهو الأكثر حساسية، إلا أن احتفاظ النظام السياسي بأغلبية مريحة، وقوة القوات المسلحة، وعراقة أجهزة الأمن والاستخبارات، وقوة الوضع الاقتصادي، والعلاقات الخارجية المميزة، والخوض العميق في طوفان الحرب السورية، عوامل تجعل الخلايا النائمة إذا ما أفيقت عديمة الجدوى على مستوى الأمن الاستراتيجي.

الظروف القاسية التي تمر بها السلطة في دمشق، والتدهور الاقتصادي في إيران، وقرارات رفع مجاهدين خلق من اللائحة الأميركية للإرهاب، تثبت أن هذا الوقت هو الذي ينبغي أن توقظ فيه الخلايا النائمة، «إن كانت قادرة على الاستفاقة». وإلا فلا جدوى من تحريكها «إذا ما تقرر» إطلاق الصواريخ نحو أهدافها في إيران، أو بعد سقوط سلطة القمع في سوريا! والحقيقة هي أن هذه الخلايا فقدت عناصر التأثير عما كانت عليه قبل الحرب السورية، وأصبح التلويح بها عبثيا.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ