ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم 14-10-2012 التحدي السوري...
وتعقيدات التدخل العسكري تاريخ النشر:
الأحد 14 أكتوبر 2012 الاتحاد عند الحديث عن النقاش
الدولي الدائر حول التدخل العسكري في
سوريا فإنه غالباً ما تتم صياغته في
إطار "مسؤولية الحماية" التي
يُفترض للشعب السوري الاستفادة منها
وهو يعاني على يد نظام وحشي، ولكن هناك
أيضاً أخطاراً متصاعدة من احتمال
انتقال الأزمة إلى بلدان أخرى بكيفية
قد تزعزع استقرار منطقة تعاني أصلاً من
اضطرابات لا نهاية لها. وهذه الأخطار
لو أُخذت بجدية وتم التعامل معها فإنها
قد تساهم لوحدها في انبثاق أسباب ودواع
مقنعة للتدخل الدولي. وأول تلك العوامل
استمرار الاحتقان بين الجارتين تركيا
وسوريا الذي قد يتطور، على رغم الدعوات
الدولية بضبط النفس، من مجرد مناوشات
إلى صدام حقيقي بين البلدين، فتركيا
الحليفة الرئيسية للولايات المتحدة
والعضو الأساسي في حلف شمال الأطلسي
معرضة بشكل كبير لتداعيات حرب ممتدة في
سوريا. ويؤكد ذلك العدد الكبير للاجئين
الذين اجتازوا الحدود إلى تركيا
والذين فاق عددهم حتى اليوم 90 ألف
سوري، كما أن تكرار الحوادث على جانبي
الحدود وسقوط ضحايا مدنيين أتراك بسبب
قصف سوري وما سيعقبه من رد تركي سيؤدي
لا محالة إلى تصاعد الصراع بين أنقرة
ودمشق. ولعل الحادثة الأخيرة التي وقعت
خلال الأسبوع الجاري وقامت تركيا
بموجبها بإجبار طائرة متجهة من روسيا
إلى سوريا على النزول بعد الاشتباه في
نقلها مواد عسكرية أوضح مثال على
احتدام الصراع. ففي الوقت الذي نقل فيه
التلفزيون التركي الرسمي تقارير عن
حمل الطائرة معدات عسكرية ردت سوريا
بغضب واصفة الحادثة بالقرصنة الجوية،
في حين نفت روسيا أن تكون الشحنة تابعة
لها معبرة عن استيائها من الطريقة التي
تم التعامل بها مع مواطنيها الذين
كانوا على متن الطائرة. وبالنظر إلى العداء
الواضح بين دمشق وأنقرة والحشود
العسكرية الموجودة على جانبي الحدود
فإن تصاعد العنف قد يمثل تطوراً خطيراً
في سير الأزمة السورية، ولو حدث ذلك
فإن "الناتو" لن يستطيع الوقوف
متفرجاً فيما أحد أعضائه الأساسيين
ينخرط في حرب مع طرف آخر. ولكن بالإضافة
إلى العلاقة السورية التركية المتوترة
التي قد تدفع إلى تدخل دولي هناك أيضاً
ما باتت عليه سوريا نفسها من ساحة
معارك بالوكالة، فمن المعروف أن إيران
تساند حليفها السوري وتقف إلى جانب
نظام الأسد، فيما تركيا وقطر
والسعودية وبعض الدول الإقليمية تدعم
الجيش السوري الحر وجماعات أخرى
معارضة، كما أن قوات المعارضة التي
تعمل من الأراضي التركية تعتبر فاعلاً
أساسياً في الثورة ضد الأسد، غير أن
وجود جماعات مسلحة مناوئة للنظام
السوري تنشط من تركيا تؤثر سلباً على
المناطق الجنوبية في تركيا نفسها التي
كانت مزدهرة ومستقرة قبل الأزمة فيما
اليوم تعاني الفوضى والركود الاقتصادي.
هذا في الوقت الذي يبدو فيه أن سوريا
أعادت إحياء دعمها القديم للعمليات
المسلحة التي يقوم بها حزب العمال
الكردستاني ضد تركيا، وفي حال استمرت
هذه الحروب بالوكالة في سوريا لفترة
طويلة فإنها قد تحدد الخريطة
الاستراتيجية للمنطقة لفترة مديدة.
أما العامل الثالث المشجع على التدخل
في سوريا فيتمثل في اتساع رقعة الأزمة
وامتدادها غرباً وجنوباً إلى كل من
لبنان والأردن مع ما سيصاحب ذلك من
اشتباكات متفرقة على الحدود، وربما
هذا ما يفسر ما تردد عن احتمال إرسال
الولايات المتحدة لقوات عسكرية إلى
الأردن منذ مطلع الصيف الماضي
لمساعدته في التعامل مع تدفق اللاجئين
ولمراقبة الأسلحة الكيماوية السورية. ولكن على رغم الحرص
على احتواء الأزمة فإنها قد تصل إلى
عتبات أوروبا في شرق المتوسط، وهو ما
يسلط الضوء على النزاعات التي قد تعيق
الاستراتيجية الأميركية والأوروبية
في المنطقة، فالطبيعة المفتوحة للحدود
البرية والبحرية بين دول المنطقة تعني
أن أعداداً كبيرة من اللاجئين
السوريين قد يظهرون في قبرص واليونان،
إذ يبدو أن أوروبا تشترك فعلاً في
الحدود مع سوريا، وبدون التعاون
والتنسيق بين تركيا واليونان وقبرص
والاتحاد الأوروبي سيكون من الصعب
التعاطي مع التداعيات العنيفة للأزمة
السورية وتأثيرها على أوروبا نفسها.
ومع أن رئاسة قبرص الدورية للاتحاد
الأوروبي يفترض فيها تسهيل عملية
التنسيق والتعاون بين دول المنطقة،
إلا أن الخلافات المستحكمة حول مصير
قبرص المقسمة أصلاً سيعيق أي تقارب
تركي قبرصي لحل الأزمة ليؤثر بدوره على
التعاون بين تركيا والاتحاد الأوروبي
وبين هذا الأخير وحلف شمال الأطلسي.
وحتى روسيا التي لا تحبذ التدخل
العسكري في سوريا قد تقتنع بضرورة
احتواء الأزمة السورية بالنظر إلى
مصالحها الحيوية في البلقان وشرق
المتوسط. وفي المجمل يظل النقاش حول
التدخل في سوريا صعباً ومعقداً،
ولاسيما عقب التدخل الأميركي في
العراق وأفغانستان وتعقيد الوضع
العرقي والطائفي في سوريا الذي يمنع
السياسيين الأميركيين من المجازفة، بل
إن الرأي العام الأميركي والأوروبي
ملتبس هو أيضاً في موقفه، إذ في الوقت
الذي تساند فيه أغلبية واضحة على ضفتي
الأطلسي، كما في تركيا، مبدأ الحماية
الدولية الذي أقرته الأمم المتحدة،
إلا أن الأمر عندما يتعلق بالأزمة
السورية فإن الأغلبية ذاتها ترفض
التدخل، ولذا فإنه في الوقت الذي يحتدم
فيه الصراع في سوريا ويتدهور الوضع
هناك مع تصاعد تكلفة التداعيات
واحتمال تمددها إلى دول المنطقة فإن
ذلك قد يدفع الدول في أفضل الأحوال إلى
بلورة استراتيجية لاحتواء الصراع
وحصره داخل الحدود السورية دون أن يصل
إلى مستوى التدخل العسكري المباشر. -------- آيان أو ليسر المدير التنفيذي
لمركز ضفتي الأطلسي التابع للمكتب
الأوروبي لصندوق مارشال الأميركي -------- ينشر بترتيب خاص مع
خدمة "كريستيان ساينس مونيتور" ================= المَسألة
الطائفية في سوريا جان عبدالله المستقبل 14-10-2012 تسييس الطوائف
وتطييف السياسة من أهم الفوارِق
الفعليَّة بين الأنظمة
التوتاليتاريَّة المركزيَّة
الأوروبيَّة (الفاشيَّة والنازيَّة)
والأنظمة التوتاليتاريَّة العربيَّة (البعثين
السوري والعراقي)، علاقَةُ المُركَّب
السلطوي الحاكم بالمكوِّنات
الأهليَّة الأوَّليَّة السابقة على
الدولة،إذْ استطاعت النازيَّة
وظيفيَّاً التحايُل على النزاع
البروتستانتي - الكاثوليكي، و ذلك
بتأجيجِ حماسةٍ قوميَّة للعرق الآريّ
"الحديث" أزاحَت الحساسيَّات
الكامنة في الدين المسيحي "القديم"،
فالتقى بذلك المزاجان البروتستانتي
والكاثوليكي في دعم النازيَّة،
واستطاعت بذلك الحركة القوميَّة
الاشتراكيَّة بتحديث التنابذات
الأهليَّة وتحقيق وحدة وطنيَّة عابرة
للشقوق المجتمعيَّة عن طريق صبِّ
الالتهابات الأهليَّة في حركة
يمينيَّة جامعة مليئة بالتقاليد
الرجعيَّة يقودها هتلر. بعكس
التوتاليتاريات العربيَّة التي كانت
مُندخلةً في الصلب الاجتماعي وطَرفاً
في الصراع الأهلي وأمعنت في تفسيخ
النسيج الوطني،علاوة على ذلك فإنَّ ما
أدَّى إلى انقِشاع الأيديولوجيا وظهور
النواة السلطويَّة بعريِّها الطائفي
المحضْ في التوتاليتاريات العربيَّة
هو هَشاشةُ التأسيس النظري
الأيديولوجي المتمثِّل بضعف الطاقة
التخيُّليَّة التحويليَّة (الأداةُ
الحديديَّة التي تحوُّل الواقع إلى ما
ينبغي أن يكون) في الذهنيَّة
الكليانيَّة المتسلِّطة، فهل يستطيع
أحدٌ أن يقارن نصوص ميشيل عَفلق
الخطابيَّة الحماسيَّة بالمناظرات
العميقة بين ستالين وتروتسكي ؟!، أو
المساواة بين "الكتاب الأخضر"
الممل وكتاب "كفاحي" لأدولف هتلر؟!
(أنظر كتاب"قضايا قاتلة" للمعلِّق
اللبناني حازم صاغيَّة الصادر عن دار
الجديد) ومنه، فلا توجد
محدِّدات جوهريِّة أصليَّة في جذرِ
أفراد المجتمعات المشرقيَّة تجعلهم
طائفيّين أشرار،كنتيجةٍ قدريَّة
وأزليَّة لتعدديَّة دينيَّة
ومذهبيَّة ستؤدِّي حتماً إلى حربِ
أهليَّة، والطائفيَّة ليست عاهةً
بنيويَّة كامنةً في جينات هذه الشعوب،
وذلك في محاولات بعض المفكِّرين
والمستشرقين لخلْقِ ديناميكيَّةٍ
ذاتيَّة ثابتة على الزمن وعصيَّة على
التاريخ، في وعي هذه الطوائف تعيدُ
إنتاج الطائفيَّة باستقلاليَّة
مُطلقة عن ممارسات السلطة السياسية
الحاكمة في تلك اللحظة التاريخيَّة. من
الممكن أن يستيقظ الشعور الطائفي
نتيجة لتراكب الفروق الدينية
والمذهبية مع فروق اجتماعية أو
اقتصادية أو سياسية(انظر "الطائفية
والسياسة في سوريا" لياسين الحاج
صالح في كتاب "نواصب وروافض" من
إعداد حازم صاغيَّة الصادر عن دار
الساقي)، أي التمازج بين التموضع
الطبقي والانتماء الطائفي (ريف مهمل
مقابل مدينة مُخدَّمة، غنى وفقر،
تمثيل واسع في المؤسسات الرسميَّة
مقابل حرمان في التمثيل)، لكن المسألة
الطائفيَّة في الحالة السوريّة
مرتبطةٌ في العمق بفشل الجهاز السياسي
الحاكم( المولِّد الأساسي للطائفيَّة)
في نقل الصراع من "رَحْبَة"
المجتمع حيث العنف الفعلي إلى "حرم"
السياسة حيث العنف الرمزي، وبالتالي
الاقتراب من العصبويَّة السلطويَّة
الخاصة والابتعاد عن منطق الدولة
العموميَّة في أصول الحكم. "ترييف المدن"
أهم عوامل المسألة الطائفية أدَّى المَزجُ
المحكم بين الليبراليَّة
الاقتصاديَّة والتسلُّط السياسي إلى
ضعف الطاقةِ الدمجيَّة للمدن
الكبرى،فحصلَ أخطر تشوُّهٍ اجتماعي في
تاريخ سوريا المعاصر(له دورٌ لا
يستهانُ به في خلق "حالة طائفية")
ألَّا وهو عمليَّة "ترييف المدن"،
يعرِّفها علماء الاجتماع الفرنسيون
"عمليَّة إراديَّة عاجلة يغزو فيها
عرفُ العشيرة التقليدي قانونَ المدينة
الوضعي، تقل بسببها فرص الاندماج
الخلاق بين العناصر الوطنية، وترقُّ
سماكة الطبقة الوسطى، ويزدادُ تركّز
الثروة بيد أقليَّة اقتصاديَّة،و
تظهرُ أحزمة أحياء عشوائيَّة حول
المدن"، وكانت الأيديولوجيا
الاشتراكية السلطويَّة (من هنا أيضاً
سبب بقاء الخطاب الإيديولوجي
الاشتراكي السلطوي زراعيَّاً و
حرفيَّاً بسبب انطلاقه من الريف
بالمقارنة مع الخطاب الإيديولوجي
النازي المؤدلَج و المصنَّع)
بشحنَتِها الطهرانيَّة والطوباويَّة
خير حاملٍ للحقد التاريخي المتراكِم
في ذات الفلاح المُهمَّش على تشاوُفِ و
تباهي عاصمة الأمويين، وبقي لدى
الأقلَّوي هاجسٌ نفسيٌّ بالتهديد
والتوجُّس، إذْ كان لديه الإدراك
الكافي بأن الهويَّة الأهليَّة لا
الكفاءة الفرديَّة توسَّلت لتقلُّد
المنصب الحالي، وبأنَّ الموقع الرسمي
في تراتبيَّة الدولة لم يأت نتيجة
تطوُّر طبيعي تدريجي بل ثمرة استثناءٍ
شاذٍّ وظرفي، فزاد التباعد بين
الأقليَّة العلوية (الأقليات عموماً)
والأكثريَّة السنيَّة، حيث بقي
المجتمع السني السوري سديميَّاً و
غامضاً و مهدداً، وهنا حصل التماهي
الشبه التام بين الأوليغارشيا
العسكرية الحاكمة والأقليَّة العلوية. علاقة تشظِّي
الأيديولوجيَّات بالانقسامات
العموديَّة: والحال فإنَّه أيَّة
أيديولوجيا شعبويَّة تصبح قاطرةً
لمكوِّنات قبليَّة، من هنا ثمَّة
تشويشٌ يجري التكتُّم عليه دوماً في
النتاج السوري المكتوب، مفاده صعوبةُ
الفصل بدقَّة على مستوى النخب بين
الأهلي المجتمعي والسياسي المدني،
تمحُّصٌ و مقارنة بين الخيارات
الأيديولوجية والمنابت الأهليَّة في
الحالة السوريَّة، سيظهرُ أن كثيراً
من الخيارات الفكريَّة لم تكن بريئةً
عن الانتماءات الأهليَّة، وإلا ما
المعنى أن أغلب العلمانيين والمطالبين
بفصل الدين عن الدولة هم من
الأقليَّات؟، وأن أغلب الذين يطالبون
بالديمقراطيَّة وبحكم صناديق
الاقتراع هم من الأكثريَّة الأهليَّة؟!،
أليسَ الانحيازُ الإيديولوجي هنا
ردَّةُ فعلٍ فكريَّة الطابعِ أهليَّة
الدافع؟، وبأن الأيديولوجيا مرآةٌ
لتضخيم الذات المجروحة المذعورة على
الصُّعد الاقتصادية والسياسية
والاجتماعيَّة، طبعاً هذا الافتراض
ليسَ قانوناً قطعيَّاً، ولا علاقة
للعلمانية والديموقراطية كمفاهيم
كونيَّةٍ نظريَّة مجرَّدة بهذه
التكوينات المجتمعيَّة، ولكن
الاشتباك بين الكوني العام والتاريخي
الخاص كان مشوَّهاً وعاقَّّاً في
الوضعيَّة السوريَّة. في تعذُّر خلْق"الطائفة
السنية" ومن المهم الذكر
بإنَّه كلَّما كانت الجماعة كبيرةً
ومُبعثرة الانتشار جغرافيَّاً،و
رازحةً تحتَ كسورٍ طبقيَّة حادَّة (مقارنة
الفلاح الموجود في ريف ديرالزور
المهمَّش مَثلاً مع التاجر الشامي
الثري المقيم في حي أبو رمَّانة)،
وصراعات ثقافيَّة نابذِة(ريف-مدينة)،
فإن استِنْطَاق الوعي الذاتي الطائفي
لها وصَقْلهِ في حيِّز الإمكانِ
والفعل السياسي، أصعب منه في جماعة
صغيرة مُتركِّزة الانتشار الجغرافي،
ومتشابهة التموضُع الطبقي، إضافةً
فإنَّ هنالك عائِقاً موضوعيَّاً
وتاريخيَّاً أكثر أهميَّة يعرقلُ
تحويل الجماعة السنيَّة السورية إلى
"طائفة سنيَّة" خطيَّة التوجه
ومُشرَّحةَ الملامح، وهو افتقارُ
الذاكرة السنيَّة السوريَّة
الجمعيَّة إلى رضوض اضِّطهاد راعفةٍ
وسرديَّات مظلوميَّة مُتقيِّحة تساعد
على الاستنفار الغرائزي والتعبئةِ
العدديَّة والتراصِّ البكائي وهذه
العناصر مُلحِّة لأي هويَّة مُغلقة
تهندسُ نفسها وجدانيَّاً بالضد من
الآخر(مثل الشيعيَّة السياسيَّة في
العِراق مثلاً)، وأهمَّ الدلائل
الواقعيَّة الحسيَّة لصواب هذا
الادِّعاء هو فشل "جماعة الأخوان
المسلمين" في مَأْسَسَة الجماعة
السنيَّة(بالمعنى العددي العياني
السكوني لكلمة جماعة) إلى "طائفة
سنيَّة" مُعادلة لها في منصَّة
السياسة،و بقاء فكرهم الطائفي حَبيسَ
أوراقهم السياسيَّة لعدم وجود "طائفة
سنيَّة" كافية تنفِّذ المشروع.صفوةُ
القول: الحديث عن "طائفة سنيَّة"
مُنجزَة وكليََّة و متجانسة في الحالة
السوريَّة هو أقربُ إلى نحتِ بناءٍ
اسمنتيّ مُتماسك من صِلْصَالٍ شبهِ
سائل. وأخيراً فإذا كان
أغلب سجناء الجنايات في فرنسا (أكثر من
72 في المئة) هم من المسلمين، فإنَّ هذا
لا يعني أن هنالك علاقةٌ بين الإسلام و
الإجرام (انظر الحوار مع ثائر ديب يؤكد
ما معناها بالنسبة للزنوج والبيض في
الولايات المتحدة المنشور في "السفير
العربي" بتاريخ 29-8-2012 تحت عنوان "عن
الطائفية ومثقفيها في سوريا")،
فقابليَّة كلُّ من المسلم المهاجر و
الفرنسي الأصل لارتكاب الجريمة هي
واحدة، إنما يجب دراسة ظاهرة الإجرام
ضمن الظروف والعوامل والمسببات
السياسية والاقتصادية والاجتماعية
والنفسية وحتى المذهبية، نستطيع أن
نجرَّ هذا الكلام نسبيَّاً على
المسألة الطائفية في سوريا، لنؤكِّد
أن الطائفية مشكلةٌ بشريَّة، وعلاجها
يكونُ بنقاش هؤلاء البشر مع بعضهم،
وأيُّ فهمٍ طائفي للمسألة الطائفيَّة
لن يؤدّي إلإ إلى إعادة إنتاج
الطائفيَّة. ثقافة "له له يا
شباب، كلنا أخوة...عيب" هي التي
تزيِّن السطح الوطني بالتكتُّم
والإغْفال، فيضحي الحديث عن أيّ تباين
أو تفاوت عيباً وطنيَّاً يعارُ به
الناقد، أمَّا لُهاثُ البعض في نبشِ
التاريخ لاصطياد صورٍ تُزكَّي الألفة
بين الطوائف فهو عَدَمي، لأن ذاك
التاريخ نفسه مُتخمٌ بصورٍ سهلة
الاستحضار، وتؤكِّد التنافر وتعمِّق
الشقاق. ================= الدماء لم تجف
بعد المستقبل 14-10-2012 ما تزال داريا تنظر
بعيني الدهشة إلى ما جرى من حولها،
فسكان المدينة حتى اللحظة الراهنة، لم
يستوعبوا تفاصيل المجزرة التي
ارتكبتها قوات النظام السوري في
المدينة، والتي تجاوز عدد ضحاياها
الألف والمائتي شهيد. لم تصحو المدينة
من هول الصدمة بعد والدماء كما حكايا
الناس، لم تجف بعد. عشرات التفاصيل
والحكايا، بدأت تظهر اليوم، يرويها
اشخاص عاشوا لسوء حظهم كل تفاصيل
المجزرة وينطرون بعين الدهشة
ويستاءلون: من أين أتي هؤلاء الجنود
بكل هذا الحقد؟ عشرات الشهادات التي
قدمت لنا، اكدت أن عدداً كبيراً ممن
اعدموا ميدانياً على يد قوات الأمن،
قطعت سبابتهم وذلك في اشارة لمنع
الشهداء من النطق بالشهادة قبل أن
يلفطوا أنفاسهم الأخيرة. لم تكن مجزرة داريا،
كما باقي المجازر الأخرى التي يرتكبها
نظام الأسد، بدافع ديني او طائفي، كما
قد يتوهم البعض. فذلك تحليل أقل ما يمكن
ان يقال عنه انه سطحي فالقتل الممنهج
الذي اعتمدته قوات الأسد ضد المدنيين،
وعلى مرأى من ابنائهم وعوائلهم، يفسر
رغبة النظام واصراره على تنفيذ شيئين
اساسيين، اولهما تحقيق فك الارتباط
بين عناصر الجيش الحر من الثوار،
وحاضنتهم الاجتماعية وذلك عبر تطبيق
العقوبة الجماعية على هذه الأخيرة،
وثانيهما هو ترويع الأهالي في سبيل كسر
ارادتهم وزعزعة صمودهم، وكل ذلك في
محاولة النظام لاعادة احكام سيطرته
على المجتمع السوري. فأغلب الشهادات
والتوثيقات تشير إلى ان جرائم القتل
التي ترتكبها قوات الأسد، تجري بعد فرز
الذكور عن الاناث، ومن ثم اقتياد
الذكور على اختلاف أعمارهم وتجميعهم،/
ومن ثم البدء بعمليات التعذيب
والتنكيل، وكل هذا يجري على مرأى من
أهلهم وعوائلهم، وبعدها تحدث عمليات
الإعدام، التي غالباً ما تتم في
الشوارع وعلى الملأ. تروي لنا احدى
الأمهات التي ودعت ثلاثة من أولادها في
المجزرة وتقول: اقتحمت عناصر الأمن
منزلنا، وامرت الذكور بمختلف اعمارهم
بالخروج من المنزل، بعدها دخلت قوات
الجيش، وقامت بتفتيش المنزل، سرقوا كل
ما وقعت عليه أيديهم بما فيه ثيابنا
الخاصة، بينما كسروا وخربوا كل ما
عجزوا عن حمله؛ خرجت بعدها الى الشارع
مسرعة لأعرف ما حل بأبنائي، رأيتهم
واقفين مع باقي أبناء الحي ووجوههم إلى
الحائط، صرخت وبكيت، زجرني الجنود
وامروني بالدخول الى القبو الذي كانت
تتجمع فيه باقي نساء الحي مع اطفالهن،
وعندما لم انصاع لأوامرهم، اطلق احد
الجنود علي النار، لم يصبني ولكن أغمي
علي، عندما استيقظت كان كل شيء قد
انتهى، والدماء تلون الشارع، لقد
اخذوا كل شيء حي في اعماقي، لقد اخذوا
"ضي عيوني". لم يعد نظام الأسد
يرتكب جرائمه بالسر، بات علنياً
وواضحاً، وأكثر من ذلك راح يسهل وصول
صور ومجازره إلى الأهالي في كل انحاء
سوريا حتى ان وسائل اعلامه نفسها باتت
مشاركة في نقل الجريمة، وكل ذلك في
سبيل ارهاب السكان وكسر ثورتهم؛ وفي ظل
الوضع الراهن بات الصراع واضحاً
بدوره، بين نظام متمسك بالسلطة حتى آخر
رمق، وبين شعب ثائر لم يعد يملك سوى
خيار المضي قدماًَ بثورته، اذ لا سبيل
حتى لمجرد التفكير بالتراجع أو
الاستسلام. بينما تتمرأى الجريمة امام
عالم متواطئ ومساند للطاغية. هي معادلة باتت واضحة
بالنسبة للشعب السوري الثائر، بات
واضحاً وقوفه بمفرده امام واحدة من
أشرس آلات القتل بالعالم. لقد عرت
الثورة السورية نظام "الأسد الممانع".
كما كشفت زيف الخطاب العالمي حول
الديموقراطية وحقوق الانسان. وفي داريا التي نسعى
الى رصد جرحها النازف، لا يسعنا سوى
الشعور بالذهول، حيال موت معمم، وخيط
حياة رفيع يتمسك به السكان بكل ما
أوتوا من عزيمة، ففي هذه الأثناء التي
نرصد فيها ما يجري في المدينة يفاجئنا
فريق جريدة "عنب بلدي" الخاصة
بداريا باصدارهم عدداً من جريدتهم، في
اشارة الى استمرار الثوار في مزاولة
نشاطهم، فالأهالي باتوا اكثر تماسكاً،
واكثر تصميماً على الاستمرار والمضي
قدماً، فاليوم لم يعد النظام الحاكم
فقط من يرسل الرسائل، ايضاَ بات هناك
طرف آخر في المعادلة، انه الشعب عندما
تدب به الحياة ويقرر انه بات صانعاً
لتاريخه ولا صانع سواه. اليوم يودع اهالي
داريا شهداؤهم، ويودعون معهم خوفهم،
الذي سعى نظام الأسد عبر عقود حكمه إلى
زرعه في قلوبهم، ينتصبون واقفين هناك
ويعدون بالاستمرار. ================= داريا... قبل
المجزرة وبعدها عنب وثورة دمشق ـ صبر
درويش المستقبل 14-10-2012 (قبل أن تقرأ: أريد
التنويه إلى أن أغلب الشهادات
والتوثيقات الموجودة هنا كانت قد أخذت
قبل المجزرة التي تعرضت لها مدينة
داريا، بينما ما حدث من تفاصيل بعد
المجزرة فسنفرغ له مكان آخر). تبدو المدينة هادئة
تماماً بعد القصف، كل شيء يشير إلى
مرور قوات الأسد من هنا، الجدران
المثقوبة، المنازل المهدمة، وآثار
الضحايا الذين عبروا منذ قليل على هذه
الطرقات.. كل شيء يشير إلى أن الجيش "الوطني"
كان على مقربة من هذه الأنحاء. لا تبعد مدينة داريا
سوى بضع كيلومترات عن العاصمة دمشق،
تعد بساتينها التي تلتقي ببساتين
كفرسوسة جزءً من الغوطة الغربية،
الملتفة حول دمشق من جهة الجنوب الغربي. ولداريا سمعتها في
النشاط السياسي السابق على الثورة
السورية التي انطلقت منتصف آذار (مارس)
من العام الماضي؛ ففي عام 2003 ستقوم
قوات الأمن السوري باعتقال مجموعة من
الناشطين الذين لم يفعلوا شيئاً سوى
أنهم قاموا بتشكيل مجموعة من الشبان
والشابات للعمل على تنظيف المدينة
كشكل من اشكال النشاط المدني، وكان ذلك
كافياً كي يتم اعتقالهم بتهمة التآمر
على الأمة! تقول حنان "كنا
مهتمين بالشأن السياسي قبل انطلاقة
الثورة، كانت تدور في منزلنا مع والدي
وإخوتي نقاشات مطولة حول الأوضاع في
البلد، ولكن هذه النقاشات كانت تنتهي
ما أن نخرج من المنزل، كان كل شيء
ممنوع، وخاضعاً لقبضة المخابرات
الحديدية". حقاً، تعد أجهزة
المخابرات السورية والتي وصل عددها
حتى السبعة عشر جهازاً، واحدة من أعتى
أجهزة المخابرات في العالم، وهي التي
وجدت في الأصل بغية قمع المجتمع السوري
ومنعه من أي شكل من اشكال التعبير
الحر، وهو الشيء الذي سمح لنظام الأسد
بالاستمرار طيلة العقود الماضية في
الحكم. إنها العقود الأسوأ في تاريخ
سوريا الحديث. تبدو على حنان سيماء
الاعتداد بالنفس، وهي تروي لنا أولى
مشاركات نساء داريا، والتي بدأت في
السابع عشر من آذار العام الماضي،
عندما شاركن في اعتصام وزارة الداخلية
في قلب العاصمة دمشق، للمطالبة
بالإفراج عن معتقلي الرأي، الذين
كانوا قد اعتقلوا في أحداث الخامس عشر
من الشهر نفسه، وما أن وصلوا تقول حنان-
حتى قامت قوات الأمن بتفريق الاعتصام
بالقوة، وبالهجوم العنيف على
المعتصمين، حيث قاموا باعتقال
العشرات، كان من بينهم المفكر السوري
المعروف الطيب تيزيني. بدأت التظاهرات في
مدينة داريا ببضعة شبان وأربع نساء فقط
لا غير، بضع هتافات... وينقض رجال الأمن
والشبيحة على المتظاهرين، ويعتقلون
بعضاً منهم، تقول حنان: لم نكن خائفين
على الإطلاق، على العكس كنا نضحك
عالياً، ونشعر بأن عهداً جديداً قد بدأ.
بعدها خرجنا بتظاهرة من أمام محكمة
المدينة وكانت أعدادنا قد تزايدت
قليلاً، وككل مرة نخرج فيها للتظاهر
يتصدى لنا رجال الأمن، ولكن الذي ميز
ذاك اليوم كان اعتقال ثماني نساء من
المتظاهرات، كانت صدمة للجميع، فلأول
مرة يتجرأ الأمن على اعتقال النساء،
إلا أنهم ما لبثوا عند المساء أن أخلوا
سبيلهم جميعاً. سيتراجع النشاط
الميداني السلمي قليلاً، إثر
الممارسات العنفية لقوى الأمن السوري
بحق المتظاهرين، بيد أن هذا الحراك لن
يلبث أن يتصاعد من جديد مكتسباً زخماً
شعبياً على قاعدة اتساع رقعة
الاحتجاجات في البلاد. استفادت داريا
من تاريخها العريق في النشاط المدني،
فوسعت نساء المدينة من دائرة نشاطاتهن
الثورية. تقول سحر: لم تكن التظاهرات هي
الشكل الوحيد للتعبير عن احتجاجنا،
حاولنا أن نبتكر وسائل أخرى للتعبير،
فوزعنا المناشير وسعينا إلى التأثير
على وعي الناس من خلال البروشورات
التوجيهية، أصدرنا جريدتنا التي
أسميناها جريدة "عنب بلدي"، وكان
خيارنا للاسم ناتجاً عن شهرة مدينتنا
بالعنب من جهة، ومن جهة اخرى كنا نرى أن
عنقود العنب مؤلف من مجموعة حبات وكل
واحدة مختلفة عن الأخرى، كنا هكذا ننظر
إلى مجتمعنا السوري، على أنه مكون من
مجموعة حبات مختلفة ولكنها مجتمعةً في
تكوين واحد؛ وبينما كنا نفكر بالوسيلة
التي سنصل من خلالها إلى النساء غير
المشاركات بالتظاهرات خطر على بالنا
فكرة مساعدة أطفال المعتقلين
والشهداء، من خلال برامج تأهيلية ودعم
اجتماعي كي يستطيعوا تجاوز المحنة. كنا
نسعى بكل ما نملك من طاقة ومن وسائل
للوصول إلى اكبر قدر ممكن من الناس
والتأثير فيهم، كنا مؤمنات بثورة
شعبنا وبأننا على حق، وأكثر من ذلك كنا
مؤمنات بضرورة استمرار نضالنا السلمي،
حيث كنا مقتنعات تماماً أن النظام يسعى
بكل إمكانياته لحرف الثورة عن
سلميتها، ونجحنا في حدود لا بأس بها،
وسقط لدينا أول شهيد من شهداء دعاة
السلمية في المدينة، الشاب غياث مطر. إضافةً إلى كل ما
سبق، عملنا على طباعة صور معتقلينا
وشهدائنا وتعليقها في الشوارع، لا
لشيء وإنما فقط لنذكر الجميع بضرورة
الاستمرار بالنضال، وشد عزيمة
الناشطين، لقد كنا من اوائل من طرح
فكرة تشكيل لجان شعبية. الثوار
استطاعوا بعد كثير من الجهد والنضال من
تحرير المدينة بشكل جزئي، ومن هنا
رأينا أنه لابد من حماية المراكز
الحيوية الموجودة في المدينة. كنا مدركات لبعض
المظاهر السلبية التي ستبرز إلى جانب
الثورة، فسعينا إلى معالجة هذه
المظاهر من خلال التواصل مباشرةً مع
الناس، تواصلنا مع أسر الشهداء
والمعتقلين، ونظمنا جلسات للحوار،
وانتقدنا بشكل حازم كل انحراف للثورة
كنا نلمسه، وكانت جريدة "عنب بلدي"
إحدى المنابر المهمة في ذلك. اليوم تقصف مدينة
داريا بمدافع النظام، وتحاصر بقواته
الأمنية، تدك بيوتها وتهدم فوق رؤوس
ساكنيها، وتقدم عشرات الشهداء
والمعتقلين، وتصر على الرغم من ذلك
بالاستمرار في طريق يقول أغلب
الناشطين أنهم لن يعودوا عنه. تقول ريم: لقد اعتقلت
على يد قوات الأمن، حيث ساقوني إلى
إحدى الأفرع الأمنية في دمشق، لم أشعر
بالخوف، خصوصاً عندما فهمت أنهم لن
يؤذوني، كنت أشعر بالقلق على عائلتي
وكيف سيواجهون كلام الناس، كنت أتساءل:
هل علم جيراننا بغيابي؟ زملائي في
العمل.. أقاربي؟ وبعد أن خرجت، علمت أن
نصف سوريا كانت تعلم بقصة الاعتقال
هذا، فالناشطين ومنهم صديقاتي كانوا
قد نظموا تظاهرات للمطالبة باطلاق
سراحنا، وعندما خرجت استقبلت استقبال
البطلات، كان الدعم الشعبي لنا واضحاً
للعيان. رددت في قرارة نفسي: اعتقلتني
قوات الأمن، أخذوا خوفي مني، وبقيت أنا
وحلمي بحرية أرى أنها باتت قبض اليد. ================= العالم متفرجاً
على "المحرقة" السورية دمشق ـ غازي
دحمان المستقبل 14-10-2012 بقدر ما تحمل الحالة
السورية قدراً هائلاً من الدراما، فهي
تتضمن جانبا كوميديا يسمح بمقدار من
الرفاهية، حتى وإن كانت سوداء وبنكهة
مرة، ذلك أن كل الدماء السورية التي
نزفت منذ انطلاق ثورة الحرية
والكرامة، منذ تسع عشرة شهراً، لم تكن
كافية بنظر صنّاع السياسات العالمية،
وبالأخص أولئك الذين يدعون الدفاع عن
حقوق البشر ويربطون شرعية وجود دولهم
بارتباطها بهذه القيم... إلا إذا تم
استخدام الأسلحة الكيماوية في إراقتها
! هذا الشرط ( استعمال
الكيماوي)، يستبطن بداخله شبهة إنحراف
أخلاقية فاضحة، وكأن العالم يسعى إلى
تجديد عدته القيمية وينتظر الحدث
السوري ليقبل على ذلك، ثمة شيئ في روح
العالم بات بحاجة إلى إعادة تشغيل
وصيانة ليصار إلى إطلاقه بما يتوافق
والتقدم التكنولوجي والتقني الهائل،
الذي ساهم في زيادة التخلف القيمي،
فهذا العالم الذي مرت مآسي رواندا ولم
تتح له لحظة متابعة تفاصيلها، ذلك أن
"الإخوة" الروانديين أنجزوا
مهمتهم( مذبحتهم) على عجل، وقبل أن
تلتقط كاميرات العالم هذا الحدث، ولم
ينتشِ بالحد الكافي من مجزرة
الكوسوفيين، يريد أن يجدد شباب روحه
بالفيلم السوري الطويل، وهو لن يقبل
بغير الكيماوي خاتمة منطقية وطبيعية. يتضح ذلك جلياً من
خلال تواطؤ العالم الغريب والمريب
تجاه الحدث السوري، فرغم كل الأهوال
التي تقع على الأرض السورية وكل ما
يجري من عمليات ذبح منظمة وتهجير غير
مسبوق، لم تشهد عاصمة، لا غربية ولا
شرقية، تظاهرة إحتجاج واحدة، ولا أي
تعبير من عائلة التعبيرات الاحتجاجية
والتضامنية، لدعم الشعب السوري، حتى
المحاولات الفردية لفنانين أو ناشطين
ومثقفين، وأحزاب خضراء، أو جمعيات رفق
بالحيوان، لم يتم ملاحظتها على هامش
المذبحة السورية الكبرى. ولعل ما يدرج هذا
الأمر في خانة الكوميديا، السوداء
وغير المضيئة، ذلك النمط الأبله في
التعاطي العقلي والوجداني على السواء،
مع حيثيات المرحلة السورية الدامية،
ففي حين يدفع العقل السياسي، بإفتقاده
للمبادرة والحس المسؤول، الأمور في
سورية صوب المذبحة الكبرى، عبر تسهيله
الممرات اللازمة لعبورها وإغلاق كل
الطرق التي تؤدي إلى نجاة الشعب
السوري، سواء من خلال حالة المناكفة
السياسية الدائرة على هامش المذبحة،
وتواضع العالم على هذا النمط السياسي
في إدارة الحدث، أو من خلال تأمين هامش
زمني للنظام ومساحة عجز هائلة، تتيح
أمامه كل خيارات القتل والإستباحة
التي يستطيع إنجازها، نجد أن الوجدان
العالمي متبلد ومنكفئ لدرجة يغري معها
صانع القرار بالاكتفاء بالترقب
والانتظار. غير أن ثمة ما في
الموقف العالمي أيضاً ما يثير الضحك(
الأسود)، وهو عملية حساب تكاليف إنقاذ
الشعب السوري من المحرقة الكيماوية
المنتظرة، وقد تم التعبير عنها
تصريحاً وتلميحاً في أحاديث وتسريبات
الدبلوماسية الغربية، وذلك من خلال
الحديث عن الأزمة الإقتصادية التي تمر
بها الدول الغربية، وبخل الدول
العربية النفطية، وكذا القول بإختلاف
الحالة الليبية التي كلفت بحدود مئة
وخمسين مليار دفعتها ليبيا الجديدة( مع
البقشيش)، والملاحظ في هذا الأمر تعمد
الغرب التأكيد على أن الحالة السورية
مختلفة كثيراً عن الحالة الليبية على
اعتبار أن مواجهة القوى العسكرية
السورية تتطلب كلفة أكبر، في حين أننا
نتذكر أن الطائرات الإسرائيلية كانت
كلما أرادت التنزه تلجأ إلى الأجواء
السورية، وكان جنرالات إسرائيل
يتحدثون عن حرب ساعات لإسقاط نظام
الأسد، الذي كان يصمت، أو في أحسن
الأحوال يحيل الرد إلى مكان وزمان لن
يأتيا أبداً. بانتظار أن يتحقق
العصف الكيماوي، على أجساد السوريين،
وفي عقل وضمير العالم، ستفيض سورية
موتاً كثيراً، ونزوحاً وتشرداً، حتى
بتنا نعتقد أن العالم لا يفعل سوى
الوقوف على بوابات سورية لإحصاء
النازحين منها، لا لشيئ إلا اللهم
الشفقة على دول الجوار من هذا الكم
الوافد والضاغط على موارد هذه الدول
وإمكانياتها، وكأن العالم يستكثر على
السوريين النجاة بأرواحهم ويتمنى لو
يأتي صباح لا يجد فيه سوريين يطلبون
منه مساعدتهم. لقد وضع العالم
للسوريين شرطاً تعجيزياً لإنقاذهم
ونجدتهم من براثن العصابة الحاكمة،
وهو أنه يتوجب عليهم أولاً أن يموتوا
بالكيماوي وأن يعيشوا تفاصيل المحرقة
الكيماوية، ويراها العالم وربما يعد
جثثهم ويقلبها ويتفحصها فرادى أو
جماعات، إذ أن الأمر قد يحمل تضليلاً
يمارسه الشعب السوري، وقد يكون الموت
إستنسابياً، بمعنى موت بالبراميل أو
بالصواريخ ومدافع الدبابات، فهذا موت
مخالف للشرط الكيماوي، عندها وعندها
فقط يمكن الحديث عن تدخل ضد النظام،
لكن السؤال هنا هل سيجد العالم حينها
سوريين يحتاجون للإنقاذ! ================= الانتقام من
حلب دمشق ـ عمر قدور المستقبل 14-10-2012 إثر انقلابه في عام
1970، قام حافظ الأسد بزيارته الوحيدة
إلى مدينة حلب. هناك، في فندق "لو
بارون" وسط المدينة، التقى بفعاليات
المدينة طامحاً بنيل رضاها؛ مستمعاً
أكثر مما تكلم محاولاً تقديم نفسه
بمظهر المعتدل مقارنة برفاقه البعثيين
الذين انقلب عليهم. هناك أيضاً التقط
المصور الحلبي الأرمني أول صورة له
ستُعتمد وتُروّج على نطاق واسع وهو
بالزي المدني، ومع أن حافظ الأسد حظي
بشهرة كبيرة لاحقاً إلا أن ذلك المصور
لم يفرد لصورته مكاناً ضمن الصور التي
يعرضها في واجهة مشغله، وأيضاً قلّما
يشير أحد الى الأسد عند الحديث عن
لائحة الشرف لفندق لو بارون العريق،
تلك اللائحة التي بقيت صدارتها لأسماء
مثل شارل ديغول وأغاثا كريستي. لقد قامت براغماتية
حافظ الأسد حينها على مغازلة
البرجوازية المدينية التي كانت تبدي
التململ من راديكالية صلاح جديد
وأنصاره، وبالطبع لم يغب العامل
المذهبي عن حسبانه، لكن بالتأكيد لم
يكن ذاك الجنرال الطامح بالسلطة ليفهم
هذه الطبقة التي خرج منها سياسيون
ليبراليون، ومنهم نائب عُرف بزهده
بالرئاسة هو الرئيس الأسبق ناظم
القدسي. الجدير بالذكر أن ناظم القدسي،
الذي عُرف طوال حياته النيابية
بالتصدي لتدخل العسكر في السياسة،
توفي في المنفى عام 1998 في الوقت الذي
كان فيه مشروع توريث السلطة في سوريا
يمضي على نحو حثيث، ولم يورد إعلام
النظام أي خبر عن وفاته، لأن فكرة وجود
رئيس سابق منتخب ديمقراطياً تتعارض
جذرياً مع النظام، بخاصة عندما يكون
المعنيّ حقوقياً بارزاً اكتسب تحصيله
العالي من جامعات دمشق وبيروت وجنيف. من المرجح أن الأسد
الأب أخطأ الظن حين فهم صمت المدينة
واستكانتها على أنهما تسليم ورضا
بحكمه؛ الواقع أن تصدي الأخوان
المسلمين للسلطة في نهاية السبعينات
لقي شعبية لا بأس بها، وإن كانت ذات
دلالة على نقمة الأهالي أكثر من كونها
دلالة على تغلغل الفكر الأخواني.
فالمدينة، التي ستُعرف بدءاً من الآن
بميلها إلى المحافظة، كانت قبل حكم
البعث معقلاً لحزب الشعب ذي التطلعات
الليبرالية والوحدوية معاً، أما
التدين الشائع فيها فهو التدين الشعبي
البسيط أو التدين المقترن بالزهد
وبالطرق الصوفية وحلقاتها. في حلب ثمة
هارموني يصعب على هكذا نظام
استيعابُه؛ التدين بمعناه الروحي واحد
من ركائزه، إنما ليس الإسلام السياسي
الذي حاربه النظام بعد أن أوجد له كل
مسببات الانتشار. لقد أثبتت مواجهة
الثمانينات فشل الأسد في استيعاب
الطبقة المدينية، وبدلاً من مراجعة
الدرس لجأ النظام إلى الأسلوب الوحيد
الذي يعرفه وهو الانتقام. أولاً تم قمع
التحركات الشعبية بكافة الوسائل
الأمنية، بما فيها الإعدامات
العشوائية العلنية، ومن ثم تم إرهاب
المدينة بمحاصرتها تماماً وتفتيش
بيوتها بيتاً بيتاً بغية التنكيل
بالأهالي وتأديبهم. أما الجزء التالي
فكان الأكثر تأثيراً وديمومة، فإثر
القضاء على الإخوان أحكم النظام قبضته
بقسوة على المدينة مستهلاً عقداً ونصف
من التهميش الاقتصادي والإذلال
الإداري، وأيضاً من إباحة المدينة
لرؤساء الأجهزة الأمنية الذين صاروا
المرجع الأوحد لكل ما يتعلق بتفاصيل
العيش. لقد بطش الأسد الأب بحلب
مستهدفاً بالدرجة الأولى إفراغها من
أهميتها الاقتصادية، ومن ثم محاربة
سكانها عموماً بالمستوى المتدني
للخدمات العامة، وفي المحصلة تمكن
بجدارة من تخريب نسيجها الاجتماعي
والاقتصادي، وإن لم يصل به الأمر إلى
تدمير عمارتها على نحو ما يحدث اليوم. يمكن القول إن الجسور
باتت مقطوعة بين حلب ورأس النظام حتى
أصبح مشروع التوريث واقعاً، حينها عاد
الأسد إلى مدّ الجسور عبر أبنائه،
وبداية عبر ابنه البكر باسل، وكأنه كما
توسل رضا المدينة عام 1970 من أجل رئاسته
شعر بالحاجة إليها من أجل استقرار
الحكم لوريثه. هذه المرة لم يغازل
النظام برجوازية المدينة المعروفة
تقليدياً، بل راح يقيم صداقات
وتحالفات مع شريحة الأثرياء التي نشأت
في أثناء حكمه، ومن المؤكد أنه لا
يحتاج كثير عناء لرشوة هذه الشريحة. من
خلال زيارات أبنائه المتكررة إلى حلب،
راح الأهالي يسمعون بأسماء جديدة
لعائلات مقربة للحكم، عائلات لم تكن
معروفة من قبل لكنها اكتسبت شهرة بسبب
ثرائها المفاجئ واقترانها بأضواء
السلطة. مع ذلك لقيت زيارات الأبناء
ارتياحاً في بعض الأوساط الشعبية، إذ
توسمت فيها تغيراً في نهج النظام
الانتقامي حيال المدينة، بخاصة عندما
تقدّم الرئيس الحالي مشروع التوريث
إثر وفاة شقيقه الأكبر، فكثف من
زياراته وظهوره العلني في المدينة
وأسواقها في الوقت الذي أقعد فيه المرض
الأسد الأب وبات هو الرئيس الفعلي.
حينها، ووسط السوق الأثري القديم، هتف
له التجار: "يا أبا حافظ.. غيّر لنا
المحافظ". وكان المحافظ قد أزعجهم
بفساده، وبالأتاوات التي يفرضها عليهم.
وبالفعل استجاب الوريث لمطلبهم، فأعفى
المحافظ من منصبه ليُعيّنه رئيساً
للحكومة مع التنويه بنظافة يده! لم تنقطع زيارات
الوريث إلى حلب بعد أن نُصّب رئيساً،
ورغم أن المدينة لم تشهد اهتماماً
حكومياً يعوّض سنوات التهميش والإقصاء
إلا أن شعوراً بالارتياح ساد في
البداية، مصدره التخلص أخيراً من
العقاب الذي فرضه الأب. ويبدو أن
الرئيس الابن من ناحيته قد شعر بأنه
تمكن من رشوة المدينة عبر تلك المظاهر
الشعبوية كالحضور المفاجئ لبعض
فعاليات المدينة، أو التواجد المفاجئ
في بعض إداراتها؛ ربما كان حرياً القول
إنه اعتقد بقدرته على شراء ولاء
المدينة بأرخص الأثمان. على هذه الشاكلة سارت
الأمور، وقبل أشهر قليلة لم يكن بوسع
أحد توقع ما وصلت إليه المواجهة في
حلب، بل على العكس مما يحدث الآن دأب
النظام على ترويج فكرة موالاة حلب له،
وظلت المدينة لنحو السنة محط استياء
وسخرية الناشطين بسبب لامبالاتها
الظاهرة تجاه المجازر التي تُرتكب في
مدن أخرى. في الواقع كانت الأنظار تتجه
إلى حلب منذ بداية الثورة بسبب
مواجهتها القديمة مع النظام في
ثمانينات القرن الماضي، وكان النظام
أكثر إدراكاً لانقضاء المفاعيل
المباشرة لتلك المواجهة، لكنه كان
مخدوعاً للمرة الثانية إذ اعتقد أن
بوسعه رشوة المدينة بالفتات وعزلها
عمّا يحدث حولها في البلد ككل. نعم، من
المؤكد أن الإبن حظي بمحبة نسبة لا بأس
بها من الأهالي، بالقياس إلى شخصية
الأب الذي عوّل فقط على كونه مرهوب
الجانب، وفي هذا دلالة على تخطيهم لما
يروّجه النظام عن طائفيتهم، إلا أن هذه
المحبة لم تكن صكاً دائماً كما يظن. بالإضافة إلى كل
العوامل التي تجعل من خسارةِ حلب
خسارةً فادحة للنظام، هناك شيء شخصي لا
يمكن تحييده، وعلى أساسه قد نفهم ما
روجته صحيفة موالية عن ذهاب رأس النظام
لقيادة معركة حلب بنفسه؛ إنه الانتقام.
قد يبدو هذه التوصيف خارجاً عن
السياسة، وهو كذلك حقاً، لكن شتى أنواع
الدمار، بل لنقل ذلك البطر في إيقاع
الدمار، لا يصدر إلا عن إرادة قوية في
الثأر. في حلب يتم تدمير كل مقومات
الحياة الراهنة والمستقبلية؛ ثمة
أحياء صارت أنقاضاً تماماً، المرافق
العامة على سيئاتها تم استهدافها
وتدميرها. المدينة الأثرية، التي تعد
من أكبر المساحات المحتفظة بنسيجها
العمراني القديم، يتم تقويضها بشكل
متواصل. القلعة الأثرية، التي تحوي
معبد الإله حُدد، حُوّلت إلى ثكنة
عسكرية، والأسواق الأثرية المحيطة بها
اختبرت المعنى الحرفي لـ"الأسد أو
نحرق البلد". للإنصاف، ليست المرة
الأولى التي تعرف فيها حلب مثل هذا
الدمار، لقد حصل ذلك سابقاً عندما رفضت
فتح أبوابها أمام تيمورلنك فانتقم
منها بإباحتها بعد تمكنه من هزيمتها.
يومها دمّر التتار نصف المدينة؛ نصفها
فقط، لا كلها كما يفعل الانتقام البغيض
لتتار اليوم. ================= كيف انقلبت
الثورة على فكرة "العائلة" التي
رعاها حافظ الأسد؟ من مقومات
السياحة في بلدي التقاط الصور
للبراميل المتفجرة حلب ـ حسين جمو المستقبل 14-10-2012 في سيارة الـ"فان"
التي أقلتنا إلى "أطمة" (المحطة
الأولى بالنسبة للداخل إلى سوريا من
بلدة الريحانية التركية)، تبادلنا
الحديث سريعاً مع أربعة آخرين. الثورة
غيّرت طريقة التعارف الاجتماعية
المعهودة، فهنا لا سؤال عن الأسماء، بل
فقط الوجهة، لا لأسباب أمنية وإنما
لعدم وجود قيمة للاسم. أحد الشبان
الأربعة كان في طريقه إلى حماة،
وأعطاني رقم جوال سوري للاتصال به، في
حال فكرت في التوجه إلى مدينة النواعير..
أخذت الرقم ونسيت أن أسأله عن اسمه،
وهو أيضاً لم يقل اسمه. استغرق وصولنا إلى
القرية عشر دقائق، وهنا ودعني الشباب
الأربعة (رفقة عشر دقائق) بالأحضان
والقُبل.. عندما أردت تدوين اسمه في
ذاكرة جوّالي التركي لم أجد شيئاً
يناسبه أكثر من "الحموي أبو
النواعير". كنا قد صادفنا أيضاً على
الحدود عضواً في المجلس الوطني
السوري، لم يسأله أحد عن اسمه، فقط "أهلاً
وسهلاً"، لا يهتم الناس هنا
بالسياسة والسياسيين طالما لا يعملون
في المجال الإغاثي. في بدايات الثورة
كان يمكن لعضو المجلس هذا أن يجمع حوله
في ذلك المكان كل الموجودين، لكن لم
يلتفت إليه سوى شخصين لـ"ضرورات
الضيافة". كان حديثه الذي يصل إلى
مسامع ركاب الحافلة، لافتاً، لا
لأهمية ما يقول، بل لغرابة الأسلوب على
ما يبدو، التفاصيل التي يُسمِعها
لمحدّثه مليئة بالبيروقراطية: "أنا
اتصلت برياض الأسعد عبر المكتب
الإعلامي وقلت له إن تصريحاتك غير
مدروسة وتخلو من الحسابات السياسية،
أجريت اتصالات مع مكتب العميد مصطفى
الشيخ أيضاً وناشدتهم ضرورة التهدئة
مع رياض وأرسلت له قائمة بـ... إلخ".
استفدت من رصد الردود الصامتة على حديث
"الأستاذ" كما كان يخاطبه محدّثه،
ولم أتحدث بهذا الأسلوب مع من قابلتهم
مطلقاً طيلة سبعة أيام. في أجواء
المعارك والدماء التي تنزف، قد يُعجَب
الناس بساعة من الكلام "الأنيق"
والعلمي، لكن في ما تبقّى من الوقت
عليك أن تكون مثلهم، ولا يعني الأمر
التماهي الكاذب، فالأمر أشبه بأن
يتواجد أورهان باموق في صفوف فريق
بشيكطاش خلال مباراة كرة قدم،
بالتأكيد لن يكون الوقت مناسباً ليشرح
أن طلاق شكورة من زوجها المحارب،
المختفي، على المذهب الشافعي بدلاً من
الحنفي يعني أن بشيكطاش بإمكانه أيضاً
تغيير الخطة للفوز! في ضيافة الخال ظاظا باستثناء مقاتلي
الجيش الحر، لمست من رد الفعل الأولي
للناس أن المجانين وحدهم يطلبون
التوجه إلى جبهة حلب، وهؤلاء كثر بين
الصحافيين. طلبنا من السائق التوقف في
ساحة القرية لنجد مطعماً أو مضيفاً
نتحايل لديه على جوعنا، لكنه ألحّ
علينا بالمرور على "مخفر الجيش الحر"
الذي يديره الخال ظاظا، أشهر شخصية في
البلدة، واكتسب لقب "الخال" بسبب
إيوائه النازحين في مدرسة أطمة وتفرغه
للعمل الإغاثي. لم يكن هناك شيء من
مظاهر المخفر داخل مقر "الخال ظاظا"
سوى الطاولة العريضة التي يجلس خلفها،
والكرسي المتحرك الذي يقول له
السوريون في الأرياف "الكرسي
البرّام". كان المكتب مليئاً بأناس
يريدون التقدم بشكاوى أو طلبات معينة.
طريقة ترحيبه بنا كشفت لنا شيئاً من
"سوريا الموعودة" التي نحلم بها:
اعتذر مراراً عن طلبه منا تسجيل
أسمائنا، وأقسم أن هذا الإجراء هو
لحمايتنا في حال ضللنا الطريق أو وقعنا
في قبضة النظام.. وطلب أن نرتاح في
المكتب ونشرب الشاي إلى حين قدوم
مجموعة مقاتلين من حلب ليرافقونا إلى
المدينة. من المفروض أن عدد
سكان البلدة أربعة آلاف نسمة، أما
المقيمون فيتجاوزون 15 ألفاً. هذا
التضخم السكاني الطارئ غيّر وجه
القرية. بعض الأهالي قاموا بهدم جدار
مطلّ على الطريق من منزلهم وفتحوا
دكاكين فلافل وحمّص وخبز. إلقاء السلام
من "غرباء" على الرجال الجالسين
أمام منازلهم لا يثير الريبة في
نفوسهم، والتفتّ أكثر من مرة بعد
تجاوزنا لمجموعات منهم لأرى ما إذا
كانوا - كالسابق قبل الثورة يلتفتون هم
أيضاً وراءهم للتدقيق في الغريب الذي
مر بهم قبل قليل.. لم يفعلوا. اتجاهات الركض في
الثورة خرجنا من "مخفر
الجيش الحر" إلى منزل أحد الناشطين
حيث من المقرر أن يقوم بترتيب دخولنا
إلى حلب. قضينا الليل في منزله بسبب
استحالة التوجه إلى حلب ليلاً: الطريق
غير آمن بعد شيوع خبر الهجوم على الفوج
46 في ريف حلب الغربي، والهستيريا التي
أصابت قوات النظام بقصف عشوائي استهدف
القرى الواقعة على الطريق الذي سنسلكه.
قضينا ليلة مليئة بالضحك إلى مطلع
الفجر، من الصعب وصف التغير الاجتماعي
الضخم الذي أحدثته الثورة، ولم يمنع،
أني وزميلي الإعلامي بحكم "الغرباء"
اجتماعياً، في "تواطؤ" مضيفنا
معنا على أحد أقربائه من إدلب، فقد
زوّدنا بتفاصيل عن دور قريبه الشاب في
معركة إدلب الأولى التي خسر فيها الجيش
الحر بشكل سريع ودراماتيكي، ويبدو أن
المعركة المذكورة أصبحت مادة دسمة
للنكتة، وكيف أن الشاب القادم من
كفرنبل كان قد نام قرب خط المواجهات
عندما اندلعت المعركة إضافة إلى "سيرة"
انشقاقه الطويلة والمشوّقة! فجراً، كانت السيارة
بانتظارنا لنقلنا إلى قرية بسرطون (جنوب
غرب حلب) التي أسمع بها للمرة الأولى،
حتى لم أعثر لها على اسم في الخريطة
التفصيلية لسوريا. هناك أيقظنا أبو
العز واعتذرنا منه على الإزعاج الذي
سببناه له، لم يسأل عن أسمائنا، وبادر
بالترحيب الريفي المفعم بالاحترام. في
غرفة الضيوف، التي غالباً ما ينام فيها
"كبير المنزل" على ما جرت العادة
في الريف، كان هناك قاذف آر بي جي
وبندقية كلاشينكوف وعدة قنابل يدوية.
يضع أبو العز هذه الترسانة قرب رأسه
قبل النوم، "فهي باتت أقرب من الزوجة
إلينا" على ما يقول شقيقه الطبيب.
الثورة أوجدت معها أمثالاً جديدة
أيضاً، فأبو العز الذي يقاتل على جبهة
صلاح الدين في حلب رد على اعتذارنا
لإيقاظه بتلخيص مراحل الثورة التي
غيّرت من عادات نومه الطبيعية: "في
البداية.. تقريباً حتى الشهر العاشر من
العام الماضي، لم نعتد النوم في المنزل
ليلاً.. كان الأمن يلاحقنا ونحن نهرب..
ثم حدثت حالة توازن في ما بيننا استمرت
حتى شهر شباط الماضي، التقينا وجهاً
لوجه وقتلنا منهم وقتلوا منا.. المرحلة
الثالثة والمستمرة حتى الآن هي أنهم
بدأوا يهربون ونحن نلاحقهم، إن شاء
الله ستنتهي هذه المرحلة بسقوط النظام..
ما زلنا نعيش دورة نوم غير طبيعية". فشة خلق ثورية أقلّنا فريد، وهو رجل
طويل القامة ومقاتل شرس، في سيارته إلى
بلدة قبتان الجبل. ليس لديه هاجس من
النظام، فهو سيسقط لا محالة، لكن ما
يقلقه هو عدم اعتياد الناس على انتفاء
سلطة الدولة. لم يحتَج إلى قرائن
لمخاوفه، فسرعان ما صادفنا أناساً
يقطعون الأشجار على مشارف بلدة عنجارة.
بدا في غاية الغضب والقلق لأن هؤلاء
يدعمون مقولة إننا "لا نستحق الحرية".
مررنا بالقرب من مبنى مؤلف من طابق
واحد وبدت عليه آثار الحرق. كان ذلك
مخفر الشرطة قبل أن يهاجمه فريد ورفاقه:
"هل ترى هذا المبنى؟ كان هذا هو
المخفر، وكان فيه أربعة عناصر.. هؤلاء
الأربعة كان يضبطون هذه المنطقة كلها".
كان يريد قول أشياء كثيرة، لكن ربما
خشي أن يحبطني.. أنا القادم من على بعد
آلاف الكيلومترات احتفاء بالثورة.
مشكلة المقيم (غالبيتهم) خارج سوريا هو
اعتقاده أن المقيم في الداخل يعرف كل
شيء، وهذا الأخير أيضاً يعتقد أن الأول
لا يعرف شيئاً ممّا يجري على أرض
الواقع. عدم كسر هذه المعادلة يضمن
تدفق المعلومات والسرديات "السلبية"
بغزارة، لكن "فشة الخلق" التي
بدأها فريد تنتهي سريعاً عندما يتفاجأ
بأن الشخص الذي نقصده قد قتل برصاص جاء
من قاعدة عسكرية للنظام. براميل الخردة
الحقيرة! أتاح بقائي في قبتان
الجبل نحو خمس ساعات التعرف على بعض
جوانب هذه البلدة، التي يتجاوز عدد
سكانها الـ20 ألفاً. والسياحة هنا تعني
أن يأتي شاب ويأخذني إلى آخر مكان تم
قصفه بالبراميل المتفجرة. قبل ذلك،
تحدث الرجل الثلاثيني توفيق عن مسيرة
البلدة في هذه الثورة، فقط عندما نطق
بكلمة "البراميل" فإن الكلمة التي
كان من المفروض أن تليها خرجت مشطورة
إلى نصفين. كان المشهد سينمائياً، حيث
أرخى عيْنيْه إلى الأرض وأمسك عن
الكلام. في يوم الجمعة كان نحو ألف شخص
في مسجد البلدة يصلّون الظهر عندما
ألقت طائرة مروحية ببرميلين.. الأول
وقع بعيداً عن الجامع نحو 100 متر في
الخلاء وقتل خمسة أشخاص. كان توفيق من
بين المصلين حينها وهو متأكد أن 400 شخص
على الأقل ربما كانوا سيقتلون لو أن
البرميل سقط على الجامع، وليدعم كلامه
بالأدلة، مد يده خلف المخدة التي يتكئ
عليها وأخرج شظية أكبر قليلاً من حجم
كف اليد، ووزنها 17 كيلوغراماً. البرميل المتفجر
قنبلة غير مدروسة الشدة ولا تخضع
لحسابات صنع القنابل، فقط مخروط معدني
ثقيل جداً، مليء بالبارود والمسامير.
إنها قنبلة مكونة من الخردة الحقيرة
المدعمة بالبارود. ورغم أن "البرميل"
هو السلاح الخردة الأكثر إثارة للرعب
والتدمير، إلا أن النقص المرعب
للذخيرة تجعل من بعض صانعي القنابل
ينتظرون، وهم بكامل عدّتهم، أن لا
ينفجر البرميل الذي يهوي عليهم. وهو ما
حدث في اليوم الذي ألقت المروحية
برميلين، إذ إن واحد منهما قتل شخصاً
ودمر منزلاً لكنه لم ينفجر! هرع صانعو
القنابل إلى المكان وانتشلوا البرميل
والجثة. شيّعوا الجثة سريعاً ثم بدأوا
بتشريح البرميل الضخم (نصف طن) ونقلوا
البارود في أوعية بلاستيكية إلى حيث
يمكنهم إرسالها لورشة القنابل
والصواريخ المحلية الصنع. ويقول توفيق:
"لأنها قنبلة خردة وتافهة وقاتلة
فإن نحو 30 في المئة منها لا تنفجر..
عندما يكون السقوط مائلاً بسبب ثقل طرف
على آخر لأن واضع الحشوة تيس ومتخلف
فإن نقطة الارتطام لا تكون على الصاعق". نهاية العائلة بعد سياحة البراميل
المتفجرة، التقينا بشاب لم يبلغ
العشرين عاماً. قتل شقيقه قبل يومين من
وصولنا إلى بلدته. تحمّسه الشديد
لخدمتنا كان يحمل في طياته سعادة
باطنية لتحمله مسؤوليات شقيقه الأكبر،
وبدا أن هذا الأمر ابتلع الحزن الذي
كان أثره واضحاً في انتفاخ محيط العين
واحمراره. صادفنا والده أيضاً وهو جالس
مع مجموعة رجال كبار في السن على رصيف
مظلل. هؤلاء المسنون ليسوا متفرجين على
الثورة كما يبدو للوهلة الأولى، ففي
الريف على عكس المدينة بقيت
التراتبيات الاجتماعية السابقة فعالة
في الثورة، والذي يأخذ شكل تحريك
الخيوط في الخفاء، وهو نمط معروف من
القيادة العشائرية في الأرياف يقوم
على وقوف بعض الوجهاء من كبار السن خلف
أحداث يقودها ميدانياً شبان ومراهقون،
وغالباً ما تكون خصومات اجتماعية
وتصفية حسابات يبدأها الشباب ولا
تنتهي إلا بقرار من الوجهاء. اليوم،
وبينما قضت الثورة على الحنان الأسري
الذي يغذي الجُبن، بات إرسال الأبناء
إلى القتال قراراً أبوياً باهظ
العاطفة.. فالشاب الذي لم يبلغ العشرين
توجه إلى الحاجز الذي نصبه الجيش الحر
على مدخل البلدة والذي يستهدفه
الطيران بين حين وآخر. توقف بسيارته
أمام والده.. تقدّم الأب خطوات قليلة
ومدّ يده من نافذة السيارة ليودع حقيبة
صغيرة التقطتها يد الابن سريعاً: كانت
ستة مخازن ذخيرة لبندقية الكلاشينكوف
رسمت أمامي صورة لنهاية "مفهوم
العائلة" التي كانت الحبل السري
لحكم حافظ الأسد. ================= أي حرب تركية
محتملة ضد سوريا؟ * د. حسن أبو طالب الدستور 14-10-2012 بموجب المادة92 من
دستور تركيا أطلب من البرلمان التركي
إعطاء تفويض لمدة عام يسمح بإرسال
القوات المسلحة التركية إلى بلدان
أجنبية وتكليفها بمهام خارجية والقيام
بالترتيبات اللازمة حيال هذا الأمر,
شريطة أن يكون تقدير وتقييم المواقف
التي تستدعي ذلك من اختصاص الحكومة
التركية وحدها. هذه فقرة أساسية من
المذكرة التي قدمها رئيس الوزراء
أردوغان للبرلمان التركي يطلب فيها
تفويضا للقيام بعمليات عسكرية خارج
الأرض التركية, وهو ما حصلت عليه
الحكومة بالفعل حين أقر320 نائبا مذكرة
التفويض لمدة عام كامل, بينما عارض129
نائبا من حزب الشعب الجمهوري المعارض
وحزب السلام والديمقراطية, باعتبار أن
صيغة التفويض واسعة وتتيح شن حرب
عالمية وليست مجرد عمليات محدودة
وطارئة على الحدود. ومع ذلك فإن مسئولي
الحكومة التركية أكدوا أن لا نية لديهم
لشن حرب, وهو نفي يبدو غير مقنع في ضوء
حقيقة التفويض البرلماني الذي يتيح
إرسال الجيش التركي إلى بلدان خارجية
وليس بلدا واحدا لغرض القيام بمهام
قتالية. أو بعبارة أخرى شن حرب على دول
أخرى وفقا لتقييم الحكومة التركية
وحدها دون الرجوع إلى البرلمان مرة
أخرى. وقد لا تكون صيغة التفويض إلا
مجرد صيغة مرنة تضع في اعتبارها
احتمالات تدهور الموقف على الحدود مع
سوريا, وربما مع حدود دول أخرى كإيران
مثلا, وقد يقصد بها نوعا من الردع
المعنوي الاستباقي لسوريا ولغيرها من
الدول التي قد تلجأ لمناصرة دمشق إذا
ما حدث عدوان عليها. مهما كانت الرسائل
التي استهدفتها الحكومة التركية, فإن
المسألة برمتها على صعيدي الشكل
والمضمون أكبر من مجرد إجراءات تتعلق
بتأمين الحدود أو القيام برد عدوان أو
قصف محدود ردا على إطلاق قذيفة أو
قذيفتين من الجانب الآخر. فهل تعي
الحكومة التركية عواقب التورط في
الأزمة السورية عسكريا؟ من المؤكد هنا أن
استمرار الأزمة السورية بصورتها
العسكرية الصفرية السائدة تمثل خطرا
كبيرا على كل جيران سوريا بما فيهم
تركيا ذاتها, خاصة أن الجهود
الدبلوماسية العربية والأممية تبدو
عاجزة تماما عن تحريك الموقف ناحية
إنهاء العنف المسلح. وفي الآن نفسه فإن
كل الأفكار حول تدخل عسكري دولي تبدو
كارثية تماما على الاقليم ككل, وهو ما
يفسر تردد القوى الكبرى في التفكير في
هذا الأسلوب المروع. ووفقا لتطورات
الداخل السوري فإن الصراع العسكري لم
يعد فقط بين الجيش النظامي وسوريين
مسلحين يريدون تحرير شعبهم من حكم
استبدادي، بل أصبح ساحة اختلط فيها
نضال السوريين المشروع مع تطلعات
مسلحين من جنسيات عربية وأجنبية
يؤمنون بأفكار جهادية تستهدف تغيير
النظم العربية بالعنف المسلح. ومما لا يمكن الجدل
فيه أن لتركيا الحق في اتخاذ الترتيبات
العسكرية التي تحمي حدودها ومواطنيها,
ولها الحق أيضا أن ترد على أي قصف من
الطرف الآخر, وأن تطالب باعتذار إن كان
القصف مقصودا ومخططا, وأن تحصل على
تعويض مناسب لمواطنيها الذين استشهدوا
نتيجة هذا القصف. ولها أيضا أن تهدد
كنوع من الردع السياسي وأن توجه عبارات
حماسية ترضي الرأي العام الداخلي, وأن
تطلب من الأمم المتحدة اتخاذ
الاجراءات المناسبة لإدانة أي تحرك أو
فعل عدائي ضد حدودها, بيد أن المقابل
لكل هذه الخطوات المشروعة والتي لا
خلاف عليها من حيث المبدأ, هو أنه ليس
من حق تركيا أو غيرها من الدول أن تستغل
الازمة التي تمر بها سوريا للقيام بأي
أعمال عسكرية على الأرض السورية من
قبيل التوغل أو إقامة مناطق يحميها
الجيش التركي بحجة حماية اللاجئين
السوريين. ففي هذه الحالة وأيا كان نبل
المبررات الانسانية التي ستعلن, فإننا
سنكون وفقا للقانون الدولي أمام حالة
عدوان واحتلال لأرض عربية أخرى. ووفقا
للقانون الدولي أيضا وإعمالا لحق
الدفاع عن النفس, سيكون من حق السوريين
سواء كانوا مع نظام بشار الأسد أم ضده
أن يواجهوا الاحتلال التركي بالقوة
حتى إنهائه. وفي المحصلة ستتورط تركيا
عسكريا ويزداد لهيب الوضع الإقليمي
الذي قد ينزلق بقوة إلى مواجهة عربية
إيرانية تركية إسرائيلية في آن واحد,
ولنا أن نتصور كيف سيكون الشرق الاوسط
كله حينذاك, وكيف سيكون السلام والأمن
العالمي. بالتأكيد سيكون كارثيا
ومروعا. وربما يقول قائل هنا
ان تركيا تتدخل عسكريا بالفعل من خلال
مناصرة الجيش السوري الحر بالسلاح
والأموال وبالاستشارات العسكرية
وبحماية عناصره القيادية, وأنه في حال
دخول قوات تركية الاراضي السورية
فسيكون الأمر مجرد امتداد للمواجهة
غير المباشرة الموجودة بالفعل بين
تركيا والنظام السوري. وهو استنتاج
شكلي مرفوض ويجافي الحقيقة, ونأمل ألا
تقع فيه الحكومة التركية أو من
يدفعونها إلى التدخل العسكري تحت شعار
إقامة مناطق محمية ومحظورة على
الطيران السوري بزعم حماية المدنيين. الوضع خطير,
واحتمالات حرب إقليمية باتت قريبة
الحدوث, ومع ذلك فعلينا أن نراهن على
وعي وبصيرة الحكومة التركية, التي
اتصور أنها لن تقع في شرك عمل عسكري غير
محسوب أو مدفوع برغبة القيام بخطوة غير
مسبوقة لإنهاء الأزمة السورية وتحقيق
بطولة لن تحدث إلا في الخيال وحسب. وفي
تصوري أن الحكومة التركية تعي تماما
عواقب التورط العسكري المباشر في
الأزمة السورية, وتعي أن خطوة كهذه
ستضر بعلاقاتها مع العالم العربي كله
شعوبا وحكومات اللهم من يتصور عبثا أن
توريط تركيا في رمال سوريا المتحركة
سيعوض العجز العربي عن الفعل اللازم
لمناصرة الشعب السوري. دعونا نقولها
صراحة إن حدث وتخطى الجنود الاتراك
الحدود السورية تحت أي مبرر كان ستكون
علامة فارقة ولكن سلبية للغاية
للسياسة الخارجية التركية المعاصرة,
والتي استهدفت قبل اربع سنوات أن تكون
علاقات تركيا مع كل محيطها الجغرافي
خالية من أي نزاعات, تحقيقا لشعار صفر
مشكلات الذي صكه وزير خارجيتها أحمد
داوود أوغلو, غير أن تطورات السنوات
الأربع الماضية أتت بعكس ما وعد به هذا
الشعار المثالي. إذ تشتبك انقرة بالفعل
مع اكثر من نزاع سياسي واستراتيجي مع
عدد من دول الإقليم, وبما يؤكد أن عالم
اليوم يقوم على قليل من المثالية
والطوباوية وكثير من الواقعية وصراعات
المصالح وتناقضات القيم. والمهم كيف
ندير كل ذلك بعيدا عن السلاح واللغة
الخشنة. ================= الاتفاق الذي
عطلته الثورة السورية * ياسر الزعاترة الدستور 14-10-2012 مثير ما كشفه الصحفي
الصهيوني المعروف “شمعون شيفر” بخصوص
المفاوضات التي كانت جارية منذ عام 2009
بين نتنياهو وبين بشار الأسد لتحقيق
تسوية سياسية بين البلدين عبر وساطة
دبلوماسي أمريكي سابق هو فريد هوف، وهي
المفاوضات التي أكدتها المتحدثة باسم
الخارجية الأمريكية. اللافت أن توقيت كشف
المعلومات قد جاء عشية إعلان نتنياهو
الذهاب إلى انتخابات مبكرة، وهي
الانتخابات التي يبدو واثقا من قدرته
على كسبها بسهولة نظرا لتشرذم القوى
الأخرى. هنا وجد نتنياهو أن
كشف الوثائق يستهدفه شخصيا، حيث يشكك
في صقوريته أمام الجمهور الإسرائيلي
الذي ينزع نحو اليمين، وربما مال إليه
بوصفه الزعيم القوي الذي يخيف العرب
ولا يخضع للأمريكان. ولكن ماذا في الوثائق
التي كشفها “شيفر”؟. خلاصتها أن مفاوضات
كانت تجري بين الطرفين عبر الوسيط
الأمريكي، وكانت سرية إلى حد كبير.
شارك فيها من الطرف السوري وليد
المعلم، كما تضمنت لقاءً بين “هوف”
وبين بشار الأسد. في المفاوضات فوجئ
الأمريكان كما عبروا عن ذلك بالمرونة
التي أبداها نتنياهو، حيث وافق من حيث
المبدأ على التنازل عن هضبة الجولان
والانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران،
الأمر الذي لم يحدث مع أي من رؤساء
الوزراء السابقين، بمن فيهم رابين (صاحب
الوديعة الشهيرة) التي طالما طالب بشار
الأسد بأن تكون بداية أية مفاوضات بين
الطرفين. للتذكير كانت
المفاوضات بين الأسد (الأب) وإسحق
رابين قد بلغت مستويات متقدمة، لكنها
انتهت إلى الفشل في اللحظات الأخيرة
بعد الخلاف حول بعض التفاصيل. نتنياهو لم يوافق على
الانسحاب حتى حدود 67 فقط، بل وافق أيضا
على أن يتم ذلك خلال عامين رغم أنه طلب
مدة أطول، كما وافق على أن تستمر علاقة
دمشق مع طهران، مع الاتفاق طبعا على
تطبيع كامل في العلاقة بين سوريا
والكيان الصهيوني. وفيما نفى نتنياهو
تقديمه للتنازلات المشار إليها كما
ذكرنا من قبل خشية التأثير على فرصه في
الانتخابات، فقد سكت نظام بشار الأسد،
أقله إلى الآن، فيما يرجح أن يذهب نحو
النفي خشية تأثير القصة على معركته مع
الثورة، هو الذي يبيع على الناس حكاية
المقاومة والممانعة التي تتعرض
لمؤامرة أمريكية صهيونية. لسنا ابتداءً ممن
ينكرون وجود محور المقاومة والممانعة
مقابل محور الاعتدال، فتلك حقيقة
سياسية بصرف النظر عن الأهداف
والنوايا، مع العلم أن الحركات والقوى
الإسلامية التي تقف اليوم ضد بشار (باستثناء
حزب الله) كانت الكتلة الأهم في المحور
الأول، وهي التي وقفت مع المقاومة
والممانعة وضد كل أشكال التطبيع مع
العدو. اليوم يتبين أن بشار
الأسد لم يكن لديه أي مانع في التوصل
إلى تسوية مع العدو الصهيوني، من دون
أي شرط يتعلق بالقضية الفلسطينية،
تماما كما كان حال أبيه في مفاوضات
التسعينات التي وضعت القيادة
الفلسطينية على صفيح ساخن. والحال أن فكرة
المقاومة والممانعة لا تلغي أبدا أن
النظام السوري جزء لا يتجزأ من النظام
العربي الرسمي الذي يعترف بالقرارات
الدولية التي تؤكد أن الأراضي المحتلة
عام 48 هي دولة إسرائيل. ولا ننسى أن
المبادرة العربية في بيروت عام 2002 قد
مرت برضاه وموافقته أيضا، وهي كما يعرف
الجميع تضيف إلى الاعتراف بالقرارات
الدولية إياها تنازلا عن حق العودة
للاجئين بالحديث عن “حل متفق عليه”. من هنا يمكن القول إن
الثورة السورية قد أفشلت اتفاقا كان
يطبخ على نار حامية، مع التذكير بأن
نتنياهو هو الأكثر قدرة على توقيع
اتفاق من هذا النوع وتحمل مسؤوليته،
لاسيما أن الجولان ليس من أراضي “إسرائيل”
بحسب العقيدة الصهيونية، ويمكن
التنازل عنه من أجل تسوية مقبولة مع
الفلسطينيين. سينكر الشبيحة الذين
يناصرون بشار الأسد ذلك كله،
ويتهموننا بالاستناد إلى مصادر
إسرائيلية، مع أنهم يعرفون أكثر من
غيرهم صحة المعلومات. كل ذلك لا صلة له
البتة بموقفنا من الثورة السورية، ولو
ثبت لنا أن بشار كان يُعدُّ القنبلة
النووية لإبادة الكيان الصهيوني لما
وقفنا معه ضد شعب يطلب الحرية. تلك قضية
أخلاقية لا تعني أصحابنا أولئك. ================= السعودية ...
والثورة السورية خالد الدخيل * الأحد ١٤
أكتوبر ٢٠١٢ الحياة من الواضح أن
السعودية نفضت يدها من القيادة
الحالية للنظام السوري، ومن الواضح
أيضاً أنها تجاوزت في ذلك خط الرجعة.
لكن من الواضح، وللمرة الثالثة، أن
الرياض لا تفعل ما يتناسب مع حجم
موقفها وطبيعته من هذه المسألة، فمع كل
ما يقال عن دعم السعودية، مع قطر
وتركيا، المعارضة السورية بالسلاح،
إلا أن استمرار تفوق النظام على الأرض
وفي الجو يشير إلى أن أغلب ما يقال عن
هذا الموضوع هو من مبالغات النظام
وحلفائه. السعودية في واقع الأمر لا
تختلف كثيراً عن مصر في الموضوع
السوري، والاختلاف الأبرز بينها وبين
كل من تركيا ومصر، هو أن الرياض تعتبر
إيران جزءاً أساسياً من المشكلة في
سورية، وأنها لا يمكن أن تكون جزءاً من
الحل، والقاهرة وأنقرة تريان عكس ذلك.
هل السعودية مع بقاء النظام من دون
بشار الأسد؟ هذا سؤال بسيط ومباشر، لكن
إجابته لا يمكن أن تكون كذلك. قبل
الإجابة لا بد من معرفة ماذا تعني
عبارة «بقاء النظام»؟ ومن سيبقى في هذا
النظام ومن سيكون عليه المغادرة؟ وعلى
أي أساس سيتم ذلك؟ ما هو موقف المعارضة
(المعارضات) من هذا الموضوع؟ وأين
سيكون موقعها في مثل هذا النظام؟ ثم
فيما لو تمّ تبني مخرج كهذا، فكيف
سيؤثر على التحالفات الإقليمية؟ وماذا
عن علاقة سورية بلبنان بعد حل الأزمة
على هذا الأساس؟ وماذا عن «حزب الله»
وترسانة أسلحته الضخمة؟ كيف سيكون
موقف روسيا وإيران من مثل هذا الطرح؟
ولا يمكن بطبيعة الحال تجاهل رأي تركيا
ولا مصر في الموضوع. كثيراً ما يقال إن
تغير موقف السعودية من النظام السوري
حصل لأنها فشلت في وضع حدّ لتحالف
سورية مع إيران، وهذا رأي يتناقض مع
التجربة التي عرفتها العلاقات
السعودية السورية. لم تكن فكرة التحالف
هذه بحد ذاتها هي أساس المشكلة التي
انزلقت إليها العلاقات، وأول من وضع
أسس التحالف السوري الإيراني كان
الرئيس حافظ الأسد، وعلى الرغم من ذلك
بقيت علاقته ثابتة ومتينة مع الرياض
على مدى ثلاثين عاماً. مرت هذه العلاقة
باختبارات كبيرة وقاسية: زيارة
السادات للقدس، واتفاق كامب ديفيد بين
مصر وإسرائيل، والحرب العراقية
الإيرانية. في هذه الحرب الأخيرة، كانت
السعودية في جانب العراق وكانت سورية
في جانب إيران. ثم كان الاجتياح
الإسرائيلي للبنان في صيف 1982، فحرب
الناقلات في الخليج العربي، أضف إلى
ذلك الاجتياح العراقي للكويت، وحرب
عاصفة الصحراء، ثم انطلاق ما عرف حينها
بعملية السلام في مدريد في 1991، بكل
مطباتها ومتعرجاتها. ومع كل تلك
الأحداث الجسام صمدت العلاقات
السعودية السورية، بل وترسخ التنسيق
السعودي السوري في لبنان. لا يمكن القول إنه لم
تكن هناك اختلافات بين الرياض ودمشق في
مقاربة تلك الأحداث الجسام. كانت هناك
اختلافات في الرؤية، بل يمكن القول إنه
أمام بعض هذه الأحداث كان هناك اختلاف
في المصلحة أيضاً. كان من الممكن
لاختلاف الرؤية وتباين المصلحة أن
يرقى إلى مستوى الصدام، وأبرز -بل ربما
أخطر- مثال على هذه الاختلافات كان
الموقف من الحرب العراقية الإيرانية.
كانت السعودية وسورية على طرفي نقيض من
هذه الحرب. وفي السياسة العربية آنذاك
كان مثل هذا الاختلاف كفيلاً بتفجير
العلاقات بين البلدين، لكن على رغم ذلك
صمدت العلاقات إلى درجة أن الأمر بدا
وكأنه على العكس من حقيقته. هذا يشير
إلى أن القيادة في البلدين في تلك
المرحلة كانت تعتبر العلاقة بينهما من
الأهمية الاستراتيجية لكليهما، وأنه
لا بد من التعايش مع اختلافات لا يمكن
تفاديها في السياسة في سبيل الهدف
الاستراتيجي لكل منهما، وهذا تحديداً
ما يبدو أنه اختلف في السنوات الأخيرة،
ويشير إلى أن تحولاً في العلاقة بين
الرياض ودمشق قد حصل. كل ذلك يشير بوضوح
إلى أن علاقات دمشق مع طهران لم تقف
طوال حقبة الأسد الأب حجر عثرة أمام
علاقات السعودية مع سورية، وتحديداً
ما بين 1979، العام الذي حصلت فيه الثورة
الإيرانية، و2000، العام الذي توفي فيه
حافظ الأسد، وهو ما يعني أنه كان
بإمكان الأسد الابن أن يحتفظ بالعلاقة
ذاتها مع إيران بعد أن ورث الحكم عن
أبيه من دون أن تتأثر علاقته مع
السعودية، وهذا ما لم يحدث. الذي حدث
كان على العكس من ذلك. بدأت العلاقات
تتدهور في شكل تدريجي بعد مجيء بشار
الأسد إلى الحكم. ما الذي تغير في دمشق
بعد حافظ الأسد؟ هل الأسد الابن أكثر
ممانعة وأكثر تمسكاً بالمقاومة من
أبيه؟ كيف انقلبت علاقاته مع الرياض
إلى عكس ما كانت عليه؟ ينسى أو يتناسى
كثيرون أن السعودية هي من وفر الغطاء
العربي لدخول القوات السورية إلى
لبنان، وذلك في قمة الرياض السداسية في
1976، وهي القمة التي ضمت إلى جانب الملك
خالد بن عبدالعزيز الرئيس أنور
السادات والشيخ جابر الأحمد والرئيس
حافظ الأسد والرئيس إلياس سركيس
والزعيم ياسر عرفات. كل هؤلاء رحلوا عن
هذه الدنيا. ولا ننسى طبعاً الملك فهد
بن عبدالعزيز الذي كان حينها ولياً
للعهد، ولعب دوراً نشطاً قبل القمة
وبعدها إلى جانب الملك خالد، وهو الآخر
رحل أيضاً. كان هذا قبل الثورة
الإيرانية. بعد هذه الثورة رعت
السعودية مع سورية اتفاق الطائف عام 1989،
وهو الاتفاق الذي أنهى الحرب الأهلية،
وكان من متطلبات التوصل إلى الاتفاق
نزع أسلحة ميليشيات الحرب، باستثناء
سلاح «حزب الله». كانت الموافقة
السعودية آنذاك على هذا الاستثناء
بمثابة غطاء عربي إضافي، بجانب الغطاء
السوري لهذا السلاح. قدمت السعودية
غطاءها على رغم معرفتها بأن إيران هي
التي أنشأت الحزب، وهي التي تموله
وتمده بالسلاح، والأرجح أن السعودية
فعلت ذلك نزولاً عند رغبة سورية، مرفقة
ربما بضمانات معينة. مهما يكن، اتضح أن
الخطوة السعودية، وقبلها خطوات
اللبنانيين أنفسهم، كانت في غير
محلها، لأن القضية التي ربما ساهمت في
استكمال إنهاء الحرب الأهلية، خلقت
مشكلة سياسية ظلت تكبر وتتضخم مع
الوقت، وتلاحق الاستقرار اللبناني على
مدى أكثر من عشرين عاماً، وهذه المشكلة
هي المعروفة حالياً بمشكلة «سلاح حزب
الله»، والأسوأ من ذلك أنه مع الثورة
السورية حالياً، تأكد للجميع بأن سلاح
الحزب هو قبل أي شيء آخر مخزون
استراتيجي لإيران في منطقة الشام،
تهدد به الثوار السوريين على لسان
الأمين العام للحزب حسن نصرالله، بل
وتهدد به وبالطريقة نفسها الاستقرار
الإقليمي إذا كان هذا يحمي نظام الأسد
من السقوط. كانت بداية الانحدار
في العلاقات مع التجديد للرئيس
اللبناني السابق إميل لحود عام 2004، وهو
التجديد الذي فرضه الرئيس السوري على
اللبنانيين بالقسر والتهديد. بدا
الإصرار على بقاء لحود مؤشراً على أن
دمشق كانت مصابة بالذعر، وتفتقد إلى
الحكمة، ولا تثق بأحد لم تختبر ولاءه
لها. لنتذكر أن التجديد جاء بعد
الاجتياح الأميركي للعراق وسقوط
النظام هناك، كما جاء بعد حوالى أربع
سنوات من تسلم بشار الحكم، وكأن
التمديد كان جزءاً من تصفية الفريق
السوري الذي كان يمسك بالملف اللبناني.
كان هذا الفريق من الحرس القديم، وقد
سحب منه الملف اللبناني، لكنه كان
معارضاً لعملية التوريث التي حصلت في
دمشق. بعد ذلك تم اغتيال رفيق الحريري،
وأعقبته سلسة اغتيالات متتالية لعدد
من القيادات اللبنانية المعارضة
للسياسة السورية في لبنان، وهذه تبدو
بدورها عملية تصفية للفريق اللبناني
الذي كان مقرباً من الحرس القديم. كان
من الطبيعي أن يبدأ منحنى العلاقات
السعودية السورية في الانحدار، وكان
من الواضح أن دمشق غيرت قواعد التفاهم
مع الرياض. لم يكن الرئيس السوري
معنياً بمعرفة من الذي اغتال الحريري.
كانت كل تحركاته تهدف لطيّ ملف
الموضوع، كما كان يحدث لكل الاغتيالات
التي سبقته. وكان همّ حسن نصرالله
الأمين العام لـ «حزب الله»، وحليف
بشار الأهم في بيروت، الدفاع عن الرئيس
السوري. ثم وجهت المحكمة الدولية
رسمياً الاتهام لعناصر من «حزب الله»،
فصارت دمشق تدافع عن الحزب. بدا الأمر
وكأنه جزء من لعبة سياسية، وليس عملية
قضائية جادة: الحزب يدافع عن دمشق،
ودمشق تدافع عن الحزب، في تداول
للأدوار بشكل لافت. السؤال في هذه الحالة:
ما علاقة التوريث بتدهور العلاقات
السعودية السورية؟ ليس لأن السعودية،
كنظام ملكي، لديها مشكلة مع التوريث
بحد ذاته، وإنما لأن التوريث حصل في
نظام جمهوري، وخلف الكواليس بطريقة
غامضة ومبهمة. هل تغيرت أولويات دمشق
بعد التوريث؟ ما علاقة إيران بذلك؟
لماذا صعد نجم حسن نصرالله في عهد
بشار؟ وصار من المقربين إلى قصر
المهاجرين، على عكس ما كان عليه الحال
أيام الأسد الأب؟ كان بشار يخشى من
الأميركيين وقد أضحوا إلى جواره في
الشرق، وكان يخشى من الحرس القديم
وحلفائه في لبنان، ثم وجد نفسه في قبضة
خوف أكبر من ذلك وأخطر: ثورة شعبية
تطالب بإسقاط نظامه. في تلك اللحظة وجد
أن الجميع، ما عدا طهران وموسكو، قد
انفضوا من حوله. كيف كانت علاقات
السعودية مع سورية في الأيام الأولى
للثورة؟ ولماذا انتهت إلى قطيعة
كاملة؟ هل كانت السعودية مع الثورة؟ ================= لماذا أرسل حزب
الله الطائرة من دون طيار؟! بينة الملحم الرياض 14-10-2012
أخذت الثورة السورية مساراتٍ
مختلفة. روسيا تدخل بقوة على خطوط
الدفاع عن النظام السوري، آخر الأحداث
تلك الطائرة السورية التي تنقل أسلحة
روسية الصنع. النظام السوري يحاول أن
يشعل فتيل الحرب الأهلية بأقوى ما
يمكنه، غير أن هذه الرغبة بإشعال
الفتيل لم تنجح كلياً حتى الآن، نعم
هناك حروب جزئية بين السنة والعلويين،
هناك حالات استئصال أو انقضاض أو
انتقام بين الطائفتين، غير أن
المحركات الأساسية للثورة السورية لم
تدخل فيها الأبعاد الطائفية تماماً.
والنظام السوري يحاول أن يقنع العالم
عبر الأحداث والصحف والمؤتمرات
والكلمات أن الذين يحاربهم هو ليسوا
سوى "تنظيم القاعدة". حسناً تنظيم
القاعدة موجود في سوريا حتى قبل أن
تشتعل الثورة بل كان النظام السوري
يدعمها ويدخلها للعراق ويمنحها مراكز
تدريب في أماكن سورية. تنظيم القاعدة موجود
في إيران هناك قيادات من التنظيم تسكن
إيران وفي عهدة الإيرانيين، وإذا كانت
القاعدة تحارب النظام السوري ولدى
إيران قيادات من القاعدة وإيران تدعم
النظام السوري فلماذا لا تسلّم إيران
قيادات القاعدة للنظام السوري إن
كانوا فعلاً من الصادقين؟! المشكلة
الكبرى أن هذه الأكاذيب انطلت على بعض
المجتمعات وبخاصةٍ تلك التي يحركها
حزب الله في لبنان أو بعض الموالين
لإيران. الشكر الدائم من نصر الله
لإيران أو من قياداتٍ أخرى شيعية أخرى
في الخليج وغيره لإيران كل ذلك الشكر
غير مبرر وغير مفهوم وغير منطقي أصلاً. حزب الله أطلق طائرةً
من دون طيار نفى أن تكون روسية الصنع
وحين أسقطتها إسرائيل قال إن الطائرة
إيرانية الصنع ومن تجميع فريق حزب الله
الذي يصنع الأسلحة. هذه الطائرة من حزب
الله استعراض عسكري لإخافة الداخل
اللبناني أولاً قبل إسرائيل، وإلا لو
كان يريد أن يخيف إسرائيل فسيقوم
بعمليات عسكرية، أو يضع طائرةً من دون
طيار عصية على أن تلتقطها الرادارات.
لكن أن يرسل طائرة من دون طيار يعلم
أنها سترصد ثم ستسقط فهذه رسالة للداخل
اللبناني، وخلاصتها: أن انتبهوا فأنا
قادر على الانفراد بحكم لبنان لوحدي،
وأن ما أمنحه لكم من مساحة للمشاركة في
الحكم يجب أن لا تزيد. رسالة حزب الله الأهم
أنه يريد طمأنة أنصاره بأن زوال النظام
السوري ليس مصيرياً بالنسبة لحزب
الله، بل يمكن للحزب أن يبقى لأن لديه
الطائرات والصواريخ، والدولة أصلاً
ليست ضرورية فأنا الدولة وأنا أقوى من
الدولة، وأنا أسيّر الدولة. يرى الحزب
أن الدولة مجرد هيكل لمجاملة
المسيحيين وأن الحقيقة الفعلية أن حزب
الله هو الدولة، وهو الذي يسيطر على
المطار وعلى مفاصل الحكم والوزارات
الرئيسية ويستطيع أن يغزو بيروت وأن
يفوز بالانتخابات بالقوة. هكذا هي الحالة
السورية أوضحت أن هناك أكثر من بركان
قد ينفجر في المنطقة، لكنها براكين
صغيرة، سيحاول حزب الله مس استقرار
الخليج وأن يضرب الداخل اللبناني وأن
يخوض معاركه ضد العالم بدءاً من خصومه
في لبنان. والتقارير الأخيرة تشير إلى
تسهيل حزب الله لاغتيالات سياسية من
بينها اغتيال جبران تويني وهذا ما ذكر
في الوثائق السرية. الخلاصة أن حزب
الله لن يهدأ له جفن إلا بعد أن يخيف
الداخل اللبناني ويطمئن الأنصار ويزرع
الخوف في وسط بيروت وأحداث مايو 2008
ليست بعيدة وليست خافية، وهم يقولون
دائماً اننا سنكررها. أحداث مايو 2008 كانت
واضحة الدولة تريد أن تسيطر على أمن
المطار والحزب يرفض يريد الحزب أن يكون
هو الدولة لهذا قلت ان ما تبقّى من
الدولة في لبنان هو هيكل لإرضاء
المسيحيين فقط والأحداث القادمة ستثبت
على الأقل بعض الذي أقول. ================= تركيا.. وإيران..
وحربهما في الداخل السوري.. يوسف الكويليت الرياض 14-10-2012
موقف العراق من تفتيش الطائرة
الإيرانية العابرة أجواءه إلى سوريا،
جاء بضغط أمريكي، لكن بدون مراقبة
منها، إذ تركت العملية للسلطات
العراقية والتي لم تدون محتويات
الطائرة أو حمولتها، لأن إيران أصلاً،
هي التي تستطيع أن تضغط، وتبادر في لي
ذراع سلطة بغداد ولذلك انتقدت الموقف
العراقي، والأخير حتى لو وجد أسلحة
ومعدات وحتى جنوداً إيرانيين لمساعدة
سلطة الأسد فإنها مرغمة على السكوت
عنها تبعاً لموقف إيراني يفرض ولا
يحاسب.. الموقف المختلف
إصرار تركيا على تفتيش طائرة سورية
قادمة من موسكو وعابرة أجواءها ما
دفعها إلى إنزال الطائرة وتفتيشها
والعثور على أسلحة موردة لسوريا، ومع
أن موسكو غضبت وأنكرت وجود أسلحة فقد
اعترفت بوجود معدات رادار وكأنه لا
يدخل في التسلح أو أنه مجرد سلعة خارج
دائرة الاستخدام العسكري.. الفارق أن تركيا ترفض
مبدأ الاعتداء على سيادتها، عبور
طائرة لأجوائها تحمل عتاداً عسكرياً
لبلد يعتدي على حدودها ويحاول رفع
الأزمة إلى حالة حرب، ومسألة قانونية
هذه الإجراءات من عدمها، تلغيها
فرضيات التوتر على حدود البلدين.. فتركيا لديها مصالح
هائلة مع روسيا، فهي تزودها بالغاز
وتعبر أنابيب غازها عبر تركيا إلى
أوروبا، وهناك علاقات اقتصادية تشمل
العديد من المجالات، لكن هناك مبدأ
السيادة الذي ربما تدرك روسيا معناه
حتى لا يؤثر على مسار المصالح
المشتركة، بما فيها التعاون بينهما في
بناء مفاعل نووي روسي في تركيا.. سوريا صارت توسع
دائرة النزاعات بين العديد من الدول،
فإذا كانت إيران الداعم الأساسي وقد
رمت ثقلها العسكري والمادي والسياسي
وراءها، فهي لا تخفي صراعاً مع تركيا
عبر سوريا، وتدرك أنها قوة إقليمية
مهمة، ومسألة الخلاف المذهبي حاضرة
بقوة بينهما، إلى جانب أن إيران في
حالة حرب اقتصادية وسياسية مع دول حلف
الأطلسي والتي تعتبر تركيا عضواً
فاعلاً ومهماً فيه، وهذا يفسر أن
العضوية تدخل في صلب التعاون مع أعداء
إيران.. هناك لقاء مصالح
استراتيجية ربطت العراق وإيران وروسيا
بما يشبه حلقة العمل في مواجهة من
يتقاطعون معهم من الدول الغربية
وأمريكا، وحضور سوريا في مجلس الأمن،
ثم الإصرار على مواجهة من يعتبرونهم
على خط النار مع سوريا، جعل المواجهة
تدخل واقعاً ساخناً، فكل طرف يريد
إسقاط مؤيديه في الداخل السوري
وهزيمته لكن يبدو أن المعادلة صعبة
ومعقدة، فرغم أن الجيش الحر لا يجد
الدعم العسكري والمادي الذي يحصل عليه
النظام، فتوسع الجيش الحر وتحريره عدة
مناطق، وسيطرته على ما يقارب ثلث سوريا
يذهب إلى أن السلطة، حتى بوصول الدعم
السخي، بدأت تشعر بوطأة المعارك وأنها
تسير بالاتجاه الذي يؤكد تضررها، وأن
عامل الوقت الذي طالما راهنت عليه يتجه
إلى معاكسة وضعها، لكن وجود قوتين
إقليميتين وخلفهما قوى كبرى في الداخل
السوري قد يزيد التعقيدات على النظام
ويضيف مكاسب جديدة للمعارضة بجناحيها
العسكري والمدني.. ================= اختلاف معايير
القوى يستدعي إصلاح الأمم المتحدة 2012-10-14 12:00 AM الوطن السعودية كثرت الدعوات في
الآونة الأخيرة، لإجراء تعديلات جذرية
في منظمة الأمم المتحدة، وتأسيس نظام
عالمي جديد، لا تنحصر قراراته الكبرى
بدول محددة، ومن ذلك ما جاء أمس في كلمة
رئيس الوزراء التركي في منتدى إسطنبول
العالمي. فالمتغيرات الدولية
بعد قرابة سبعة عقود على تأسيس الأمم
المتحدة كثيرة، ولم تعد مراكز القوى
العالمية موجودة فقط لدى الدول الخمس
دائمة العضوية في مجلس الأمن. إلى ذلك،
فإن معايير أخرى يفترض أن تندرج لتحديد
الأصوات الأكثر أهمية – إن تطلب الأمر
ذلك - مثل القوة الاقتصادية والأعداد
البشرية والتجمعات الإقليمية
المرتبطة ببعضها تاريخيا وجغرافيا
وحتى عرقيا، بدل الاعتماد على أنظمة
وضعها المنتصرون في الحرب العالمية
الثانية، وألزموا العالم بها، كونهم
الأقوى آنذاك، على الرغم من أن مصطلح
"الأقوى" قابل للنقاش مثل هيكلية
الدول حينها، فالاتحاد السوفييتي "القوي"
هُزم في أفغانستان، والولايات المتحدة
"القوية" خسرت حربها في فيتنام،
كما أن الاتحاد السوفييتي تفكك إلى
دول، واعتبرت روسيا نفسها مجلس الأمن،
وساندتها بعض الدول لتحقق هذه الغاية. الخلل في التركيبة
الحالية للأمم المتحدة بدا واضحا في
الأزمة السورية، فـ"الفيتو"
الروسي مدعوما بالصيني استخدم ثلاث
مرات؛ لحماية النظام السوري من قرار
دولي يدينه أو يهدده باستخدام القوة إن
لم يتوقف عن قتل الشعب. مما يعني أن "الفيتو"
في الحالة السورية استخدم لمصالح
الأنظمة من غير اكتراث لمعاناة الشعب،
وهذا يتناقض مع ميثاق الأمم المتحدة
التي تُعد مصالح الشعوب من أولوياتها. ما سبق يؤكد الحاجة
إلى إصلاح الأمم المتحدة ومجلس الأمن،
كي لا تبقى القرارات الهامة المصيرية
حكرا على خمس دول تتحكم عن طريق "الفيتو"
بمصائر الشعوب، فيما بقية دول عالم
الكرة الأرضية بلا حول أو قوة، على
الرغم من أن بعضها نما وصار يشكل مركز
ثقل. ويبقى المخرج الأول المقبول
كامناً في إعطاء الجمعية العامة للأمم
المتحدة صلاحيات نافذة أقوى من
الممنوحة لمجلس الأمن، فالجمعية تضم
كل الدول، وأي قرار صادر عنها بالتصويت
يشكل حالة ديموقراطية عالمية يفترض أن
ترقى على ديكتاتورية "الفيتو". ================= المعارضة
السورية والهزلُ في مقام الجدّ إذا لم ترتق
المعارضة إلى مستوى اللحظة الراهنة
فستكون فعلاً كمن يهزل في مقام الجدّ،
وسيكون صعباً عليها أن تواجه حكم الشعب
والتاريخ د. وائل مرزا الأحد 14/10/2012 المدينة ذكرنا سابقاً أن
الثورة وأهلها لايملكان رفاهية الخيار
بتأجيل ممارسة المراجعات إلى (مابعد)
انتهاء الثورة. وأن من غير الممكن
تجاوز دلالات التجارب بما فيها من صواب
وخطأ. ذلك أن الأمر يتعلق بمصير شعبٍ
يقدم مالايوصف من التضحيات. ومن حقّه
على كل من يمارس فِعلاً ثورياً معيناً
أن يرتقي بفعله إلى مقام تلك التضحيات،
ويستفرغ الوسع في الوصول إلى الصواب. لسنا في مقام الدخول
في مهاترات مع أي جهة، لكن المرحلة
تتطلب درجةً عالية من الشفافية
والصراحة. والاستحقاقات القادمة تتطلب
الارتقاء إلى مستوى شعارات تمثيل
الثورة التي ترفعها المعارضة. لامشاحة
في الاعتراف بأن المعارضة السياسية
السورية بجميع أطيافها ومكوناتها لم
تكن مستعدةً لأداء مهمةٍ بحجم المهمة
التي باتت، فجأةً، مسؤولةً عن أدائها.
فكلنا يعلم طبيعة الظروف التي كانت
تعمل فيها على مدى العقود الماضية.
وثمة فارقٌ كبير بين القيام بدور (المعارض)
على الطريقة التي كانت سائدةً في سوريا
ماقبل الثورة، وبين دور القيادة
السياسية لثورةٍ فرضت نفسها كواحدةٍ
من أعظم ثورات التاريخ. ولانبالغ إذا قلنا أن
الدور الذي نتحدث عنه من أصعب الأدوار
التي يُطلب أداؤها على مستوى العمل
العام. وكما قلنا في مقامٍ
آخر: ثمة تراكمٌ نظري وعلمي يتعلق
بالثورات يمكن الاستفادة من معطياته،
وهذا مطلوبٌ وواجب، لكن الثورة ليست
عمليةً هندسيةً محسوبةَ المقاييس.
ولاهي مشروعٌ تجاريٌ أو اقتصادي يمكن
تصميمه وتنفيذه وفق خطةٍ موضوعةٍ
بإحكام.. والثورة لاتشبه أي ظاهرةٍ
أخرى في حياة الناس. إذ لاتسري عليها
العادات والأعراف والقوانين التي
يتآلفون عليها في أيامهم العادية. وحين
نتحدث عن الثورة السورية تحديداً
فإننا نحاول ملامسة ظاهرةٍ جديدةٍ
كلياً، خاصةً إذا أخذنا بالاعتبار كل
مافيها من خصوصيات سياسية وثقافية
واجتماعية وجغرافية.. من هنا، لايكون
معيباً إذا تواضعت المعارضة السورية
واعترفت بصعوبة المهمة الملقاة على
عاتقها. فهذا الاعتراف علامةٌ صحيةٌ
يمكن أن تكون أول خطوةٍ فعلية في تشكيل
قدرتها على أداء دورها المطلوب.
ولاحاجة للمكابرة والادّعاء في مقامٍ
لايحتاج إلى مثل هذه الممارسات. وسيكون
الشعب السوري أول من يتفهّم هذه
الحقيقة، ويحترم القائلين بها، ويعود
لإعطائهم المشروعية المطلوبة.. ثمة
حاجةٌ ملحةٌ لأن يغادر جميع الساسة
المعارضين السوريين اليوم إقطاعياتهم
و(كانتوناتهم) التنظيمية
والأيديولوجية. فالسياسة بالتعريف
السائد هي فنّ الممكن. والممكنُ في
الواقع السياسي السوري المعاصر يفرض
عليهم جميعاً الخروج من نفق المماحكات
القاتلة المتعلقة بتمثيل السوريين
وثورتهم، والتي تكاد تغرقهم وتُغرق
الثورة إلى الأبد. لاتوجد اليوم جهةٌ
يمكن أن تدّعي احتكار التمثيل المذكور
بأي درجةٍ من الدرجات. انتهى الأمر ياسادة،
وباتت الحقيقة السابقة واضحةً لايماري
فيها إلا مُكابر. والمماراة المذكورة
لاتؤدي إلى شئ بقدرٍ ماتؤذي الثورة،
وتوسّع دوائر الأسئلة والاستفسارات
حول المعارضة نفسها.. لم يعد مهماً
اليوم الحديث في النيّات والبحث ما إذا
كانت عمليات المماطلة والتأجيل تحت
عناوين الحوار تأتي عن حُسن نية أو سوء
طويّة. يكفي أن هذا الانتظار، الذي
يبدو أشبه بانتظار (غودو) لن يأتي
أبداً، أصبح فِعلاً سلبياً مرفوضاً
يُساهم في تأخير وصول الثورة إلى
أهدافها. بل إنه صار أداةً من الأدوات
التي يستخدمها النظام لاستمراره
وبقائه جنباً إلى جنب مع حملته الوحشية
ضد شعب سورية الأعزل.ليس من طبيعة
الدنيا الكمال، ولم يقل أحدٌ أن مشروع
التمثيل السياسي للثورة السورية سيكون
مشروعاً كامل الأوصاف. لكن الموقف
الطبيعي من مثل هذا الوضع يتمثل
بالمساهمة الفعالة والعملية في
استكمال المشروع، لكي يصبح قادراً على
تحقيق مطلب الثوار في توحيد المعارضة
وخدمة الثورة داخلياً وخارجياً.. لهذا،
لم يعد مفهوماً أن تُصبح المفاوضات
لتوحيد المعارضة هدفاً بحدّ ذاتها
سواء قصد البعض ذلك أو لم يقصدوه، وإذا
كانت المفاوضات وسيلةً كما يجب أن تكون
فلا معنى للوقوف مرةً تلو أخرى عند
جملةٍ هنا ومصطلحٍ هناك في خضمّها.
فثوابت الثورة واضحة، والعمل بتناغم
مع تلك الثوابت ينضبطُ كلما انخرط فيه
ممثلون لقوى المعارضة الفعّالة
والمؤثرة. الكل مسؤولون بلا
استثناء. المجلس الوطني السوري ولجنة
المتابعة والمنبر الديمقراطي والقوى
الكردية وتكتلات العشائر السورية
والشخصيات (الوطنية) وعشرات التيارات
والتكتلات والأحزاب التي ظهرت كالفطر
في ساحة الثورة في الأشهر القليلة
الماضية. ثمة وعدٌ من مجموعة
أصدقاء سوريا بالاعتراف الكامل بأي
مشروعٍ جامعٍ للمعارضة السياسية
السورية في اجتماعها المقبل مطلع
الشهر القادم، وبالقيام بكل المقتضيات
السياسية والدبلوماسية العملية التي
تترتّبُ على ذلك الاعتراف. الأهم من
هذا هو الحاجة الاستراتيجية العملية
لمثل هذا المشروع في هذه المرحلة
الحساسة من الثورة، لأنه سيكون
بنتائجه المسمار الأخير في نعش النظام. لانتحدث هنا عن
المجالس المحلية والجيش الحرّ في
الداخل السوري، فالأمل في هؤلاء أن
يكونوا أكثر جديةً وحسماً في التجاوب
مع المشروع حين يظهر إلى النور. لكل هذا، لم يبق
مجالٌ للوقوف أو النظر إلى الوراء أو
البداية من نقطة الصفر. وإذا لم ترتق
المعارضة إلى مستوى اللحظة الراهنة
فستكون فعلاً كمن يهزل في مقام الجدّ،
وسيكون صعباً عليها أن تواجه حكم الشعب
والتاريخ. ================= حرب بشار
واضطرابات المنطقة الأهرام
المصرية التاريخ: 14
أكتوبر 2012 الحرب الشرسة التي
يخوضها بشار الأسد ضد الشعب ا لسوري
منذ اندلاع الثورة السورية في منتصف
مارس2011 ضد نظامه تثير اضطرابات
خطيرة في منطقة الشرق الأوسط. وذلك أن حرب بشار من
أجل الحفاظ علي حكم عائلته ومصالح
أجهزته الأمنية والمستفيدين من نظامه
قد أدي إلي سفك دماء الشعب السوري, فقد
استخدم بشار الأسلحة الثقيلة
والطائرات في قصف مواقع المعارضة
وتدمير المدن والقري, في محاولة بائسة
لقمع الثورة. وقد تمخضت حرب بشار
عن فرار الآلاف من المدنيين السوريين
إلي الدول المجاورة وهي: الأردن
والعراق ولبنان وتركيا, وأشارت مفوضية
الأمم المتحدة لشئون اللاجئين إلي أن
عدد اللاجئين السوريين سيرتفع إلي
أكثر من700 ألف شخص بحلول نهاية العام
الحالي.2012 ولا يخفي أن تدفق
اللاجئين السوريين علي الدول المجاورة
ينطوي علي مشكلات لهذه الدول فيما
يتعلق بسبل استيعابهم وتدبير
احتياجاتهم اليومية, فضلا عن المشكلات
الإنسانية التي يتعرض لها اللاجئون. ولعل أخطر تداعيات
حرب بشار احتمال تفاقم التوتر بين
تركيا وسوريا بسبب القصف السوري
للمناطق الحدودية التركية ـ وثمة
مخاوف من تفجر اشتباكات بين تركيا
وسوريا.. مما يؤدي إلي تزايد
الاضطرابات في منطقة الشرط الأوسط
بأسرها. غير أن بشار, فيما
تشير الدلائل, وهو يتجه بنظامه العائلي
نحو النهاية التاريخية المحتومة, يريد
علي نحو انتحاري إشعال الحرائق في
المنطقة. وقد يسعي من وراء ذلك
إلي محاولة مد أجل نهايته وانهيار
نظامه أو هكذا يتصور. ان رحيل بشار الأسد
ضرورة لإنقاذ الشعب السوري, ومنطقة
الشرق الأوسط. ================= هل تضحي روسيا
بالنظام السوري؟ د. عمر عبد
العزيز التاريخ: 14
أكتوبر 2012 البيان متغيران أساسيان في
الموقف الروسي تجاه ما يجري في سوريا
يستحقان وقفـة متأنية، وقد وردت تلك
المتغيرات اللافتة في تصريحات جديدة
أدلى بها وزير الخارجية الروسي سيرغي
لافروف. وبالتصادف غـير القـدري،
جـاءت تلك التصريحـات مترافـقة مع
زيارة رئيـس الوزراء العراقي نوري
المالكي لموسكو، وعقد صفقة شـراء
أسـلحة روسـية ضـاربة، بما يزيـد على
أربعـة مليارات ونصف الملـيار دولار. وذلك بحسب الأرقام
المعلنة من الجانبين، وفي إشارة دالة
على تقارب المزاج العراقي الرسمي
الراهن تجاه موسكو، مع موقف إيران في
علاقتها البراغماتية الاستراتيجية مع
روسيا المتطلعة لعودة مظفرة إلى مياه
الشرق الأوسط الدافئة، وهو أمر ينـدرج
بالجملة في إطار سحب البساط من تحت
أقدام الولايات المتحدة في العراق،
بما يؤكد نسيجية العلاقة بين بغداد
وطهران من جهة، وبينهما وموسكو
المتخلية عن المبادئ الطهرانية من جهة
أخرى. في ظل هذه الصفقة
المليارية بين موسكو وبغداد،
وبالتوازي معها، جاءت تصريحات لافروف
الصاعقة لنظام دمشق المحتضر، حيث عبر
وزير الخارجية الروسي عن تفهمه
للمقترح التركي الخاص بوجود منطقة
عازلة في الأراضي التركية، كما كرر
مجدداً، ولكن بلهجة جديدة تؤكد
إمكانية التخلي عن بشار الأسد، حيث قال:
إن روسيا لا تعتبر بقاء الأسد شرطاً
مسبقاً لأي تسوية! وهنا نستطيع الإمساك
بالمعنى المباشر لهذه العبارة، التي
تنطوي على القبول المبدئي بنقل توافقي
للسلطة يغيب عنه رأس النظام السوري. التطـور الجـديد في
الموقفـين الروسـي والعراقي، يؤشر
لآفاق تسـويـة إقليمية افتراضية، تتم
التضحية فيها بالنظام السوري، مقـابل
حلحـلة الموقـف الأميركي الإسرائيلي
المتشدد تجاه إيران، فيما تنطوي رسالة
الصفقة الكبرى للأسلحة الروسية
المتجهة إلى العراق، على إشارة ضمنية
تحدد موقف المالكي . ومن يترافق معه في
سلطة بغداد، على أن خيار التحالف مع
إيران لم يعد متوارياً وراء غلالات
الحديث عن العراق الفيدرالي
الديمقراطي الليبرالي، الذي راهنت
عليه الولايات المتحدة، وأن التتويج
الماثل، بإعادة العلاقات الجيوسياسية
مع الفتوة الروسية المتجددة، يعني
تماماً أن بغداد اختارت السند الروسي
الذي يسند جارتها المطاردة إيران، وأن
على البنتاغون ومن يتربع خلفه من أجهزة
سياسية، استيعاب الحقيقة الماثلة. الثمن هنا واضح كما
أسلفت، وسوريا النظام هي المرشحة
لتكون ورقة المساومة الكبرى، والأيام
المقبلة حبلى بالمفاجآت. تركيا ليست بعيدة عن
المشهد، لسبب واضح يتعلق بقبول روسيا
المبدئي لمنطقة عازلة في الأراضي
السورية، وما ينطوي عليه هذا المفهوم
من استطراد مؤكد على حظر الطيران فيها،
وهو ما يصب في مجرى الطلب التركي
المتكرر بمنطقة عازلة، تخرج رئيس
الوزراء التركي رجب طيب أردوغان من
الحرج البالغ الذي وقع فيه، حيث عليه
الاختيار بين خوض حرب معلنة ضد النظام
السوري، أو السكوت المقلق على ما يجري
في الحدود التركية السورية. يواجه أردوغان
معارضة أساسية في الداخل، تختلط فيها
أوراق الملف الإقليمي مع الخلافات
الداخلية المشروعة، لكنه الآن أمام
فرصة سانحة للقضاء على نظام القلق
السوري بالنقاط، بدلاً من الضربة
القاضية. القبول الروسي
بالمنطقة العازلة وما يستتبعها من حظر
جوي افتراضي، هو غاية ما تتوق إليه
الترويكا السياسية الحاكمة في تركيا،
وهو يمثل عملياً العتبة الناظمة لسقوط
حر يطال النظام السوري ويكمل الإجهاز
الناعم عليه، خاصة إذا ما ظل رافضاً
لتسوية انتقالية كتلك التي أسقطت
الرئيس اليمني علي عبدالله صالح،
واستتبعها سقوط متوال لهيكلية نظامه،
ومنطق حاكميته. الأيام المقبلة حبلى
بالمفاجآت، كما أسلفت، والموقف الروسي
المعلن يدشن تلك المفاجآت، ضمن رؤية
روسية متأنية تتوخى ضرب أكثر من عصفور
بحجر واحد. فالحسابات الروسية الجديدة
ترضي إيران والعراق من جهة، كما ترضي
تركيا ومصر من جهة أخرى.. لكنها في
المقابل تحشر أميركا في زاوية ضيقة
لتلتقط المبادرة، حتى وإن جاء الأمر
عبر التضحية بنظام غير مأسوف على زواله. ================= تصاعد مخاوف
حرب إقليمية في المنطقة المصدر: صحيفة
"إندبندنت" البريطانية التاريخ: 14
أكتوبر 2012 البيان تعد الأحداث التي
شهدتها الحدود السورية التركية
أخيراً، في أعقاب سقوط قذائف سورية على
بلدة أكجاكالي التركية الحدودية،
بمثابة تحذير من الأخطار الشديدة
الكامنة في الموقف الحالي. تسلسل
الأحداث أصبح ثابتاً الآن؛ قذائف
أطلقها العسكريون السوريون سقطت على
قرية تركية، مما أسفر عن مقتل خمسة
أشخاص وتدمير عدد من المباني.. ردت
تركيا بقصف منطقة داخل سوريا، وهو ما
يعتبر أولى الحوادث المسجلة عبر حدود
البلدين منذ اندلاع الحرب الأهلية في
سوريا. والخطر يكمن في أن هذه الأحداث
بين البلدين، قد لا تكون الأخيرة. فقد عقد البرلمان
التركي اجتماعاً طارئاً، وأجاز
للحكومة التركية هجمات عبر الحدود في
حال تعرض البلاد للمزيد من الاعتداءات.
حلف "الناتو"، الذي تمثل تركيا
عضواً كاملاً فيه، أدان سوريا وحذر من
تكرار هذه العمليات. وأشار مجلس الأمن
الدولي أيضاً إلى ما وصفه بـ"الأثر
الوخيم على الأمن والسلم في المنطقة"،
وذلك في بيان تم تخفيف صياغته من قبل
روسيا. إن النتيجة
الإيجابية الوحيدة التي يمكن
استخلاصها من هذه الأحداث، هي أن جميع
الأطراف تدرك تماماً المخاطر
المحتملة، وتتخذ خطوات للتراجع عن
حافة الهاوية. وبذلك فقد اختار "الناتو"
ألا يوظف هذه المرة المادة الخامسة من
ميثاقه. والتي تنص على أن أي
هجوم مسلح على أي دولة عضو في الحلف
يعتبر اعتداءً على أعضاء الحلف كافة.
ولم تلح تركيا على "الناتو"
لاستخدام تلك المادة من الميثاق،
وتقدمت سوريا باعتذار عما وصفته بأنه
"حادثة مأساوية". ووعد البيت
الأبيض بمساعدة تركيا لدى الأمم
المتحدة، انطلاقاً من حرصه على تجنب
حدوث ما قد ينغص الانتخابات الرئاسية
المزمع أجراؤها الشهر المقبل. وبذلك تم
إغلاق القضية عند هذا الحد، وسط خشية
من تكرارها. ومع زيادة العنف
احتداماً في بعض المناطق السورية، فإن
الاشتباكات على الحدود مع تركيا، سواء
من دون قصد أو في إطار مطاردة
المقاتلين من المعارضة السورية الذين
يحتمون بتركيا، قد أصبحت أمراً تصعب
الحيلولة دون وقوعه. الأمم المتحدة غير
قادرة، أو غير راغبة، حتى الآن في
التدخل لوقف الحرب الأهلية في سوريا.
لكن الخطر الحقيقي الآن يكمن في احتمال
انتشار الصراع إلى خارج الحدود
السورية، وبالتالي التسبب في اندلاع
حرب على المستوى الإقليمي. تأخر تدخل المجتمع
الدولي أفضل من ألا يأتي أصلاً، وهذه
هي النقطة التي يتعين عندها على روسيا
والصين الوقوف على أرضية مشتركة ضمن
القوى الخمس الكبرى، وإلا سوف تتحملان
مسؤولية ما سوف يحدث بعد ذلك. فهل ستؤدي هذه
الأحداث إلى تغيير في ميزان القوة في
صميم المنطقة؟ لقد ظلت سوريا مع قوة
إقليمية أخرى، زعيمتين على مدار
السنوات العشر الماضية، فيما يسمى "تكتل
المقاومة"، وهي مجموعة كانت تدعم
الفلسطينيين وتناهض الائتلاف الذي
تقوده الولايات المتحدة، والذي أدى
إلى تحالف بين دكتاتوريات عربية
وإسرائيل. وكان
هذا التحالف المناهض للولايات المتحدة
في أوج نفوذه بين عامي 2006 و2010، بعد
الغزو الأميركي الفاشل للعراق وحرب
إسرائيل على لبنان وغزة، ولكن الأوضاع
تغيرت تماماً في المنطقة. وبدلاً من
القتال في سوريا حتى النهاية، التي
يبدو أنها بعيدة، فإن مؤتمراً للسلام
يضم كل الأطراف المعنية، قد يكون
الطريقة الوحيدة لإنهاء الحرب السورية. ================= مستقبل سوريا
ومسؤولية المجتمع الدولي فايز سارة الشرق الاوسط 14-10-2012 تتواصل اليوم أكثر من
أي يوم مضى الأسئلة عن مستقبل سوريا،
خاصة في ظل أمرين اثنين؛ أولهما داخلي
أساسه استمرار وتصعيد الصراع العسكري
والسياسي بين النظام ومعارضيه، وسعي
كل منهما إلى مراكمة جهوده في مواجهة
الآخر، والثاني وصول الجهود الدولية
إلى نقطة عطالة في مساعيها من أجل
إيجاد حل للوضع في سوريا، وهو الأمر
الذي يختصره التوافق الدولي على
المهمة المستحيلة التي يقوم بها
المبعوث الدولي/ العربي إلى سوريا
الأخضر الإبراهيمي والمحكومة حسب أغلب
التقديرات بالفشل على نحو ما آلت إليه
جهود المبعوث السابق كوفي أنان. وفي ظل المعطيات
القائمة، فإن مستقبل سوريا مفتوح على
مزيد من الصراع الداخلي، وهو صراع إذا
استمر سيفاقم الأوضاع بطريقة مأساوية؛
إذ سيذهب باتجاهات جديدة ويعتمد
أساليب وآليات مختلفة، إضافة إلى أنه
سيتضاعف مرات كثيرة حجم الدمار
والبالغة كلفته حاليا نحو 200 مليار
دولار، وسيجعل حجم الضحايا البشرية
البالغة حاليا أكثر من ثلاثة ملايين
شخص موزعين بين قتلى وجرحى ومعتقلين
ولاجئين أضعافا في فترة تماثل الفترة
الماضية من عمر الأزمة، وهي تقديرات
تستند إلى محصلة الأشهر الستة
الأخيرة، مقارنة بما كانت عليه محصلة
السنة الأولى من عمر الأزمة. غير أن الأهم في
تداعيات استمرار صراع الداخل السوري،
لا يكمن فيما سبقت الإشارة إليه فقط،
إنما أيضا فيما سيؤول إليه الوضع
السياسي السوري من تجذر الأزمة
وتعميقها، الأمر الذي سيؤدي إلى توطين
الأزمة لسنوات وربما عقود، وهو ما
سيجعل معالجتها أكثر صعوبة بمرات مما
هي عليه الصعوبات الحالية. وإذا أضيفت
هذه الصعوبات إلى الخسائر المادية
والبشرية، فإن الوضع سيكون بحجم كارثة
إنسانية كبيرة، سوف تلقي بعبئها
وأثقالها على العالم في المستويات
المحلية والإقليمية والدولية. ولأن الوضع على هذا
النحو من التطور الكارثي، فإن التقدم
نحو معالجة الأزمة السورية، يكتسب
أهمية كبيرة لأنه سيوفر خسائر مادية
وبشرية كبيرة ومعاناة إنسانية تسببها
استمرارية الأزمة، إضافة إلى توفيره
جهودا سياسية ستبذل لحل الأزمة
ومعالجة تداعياتها السياسية
والاقتصادية والاجتماعية، والتخفيف
من فاتورة تكاليفها المادية الكبيرة،
والأساس في التقدم نحو معالجة الأزمة
يكمن في تغيير زوايا الرؤية التي تتطلع
من خلالها الأطراف كل إلى الأزمة
السورية، وللدور الذي تقوم به القوى
الإقليمية والدولية الفاعلة في ظل
غياب أي دور للقوى الداخلية في الأزمة
السورية، التي إما أنها تعاني من عدم
القدرة على التعامل مع خيارات متعددة،
إضافة إلى فقدانها الحواس على نحو ما
هو عليه وضع النظام، أو هي تعاني من
حالة عجز عن إدارة الصراع ومراكمة
نتائجه للوصول به إلى نهاياته كما في
وضع المعارضة. وإذا كان وضع الداخل
السوري على نحو ما سبق، فإن على القوى
الإقليمية والدولية ومؤسساتها تحمل
عبء السعي نحو معالجة الأزمة، ولعل
الخطوة الأولى في هذا المسار، تكمن في
إقناع (أو إجبار) الأطراف الداخلية على
الموافقة المسبقة على فكرة الحل،
وإعلان رغبتها في الاستجابة لحل
متوافق عليه، وتتضمن الخطوة الثانية
وصول الأطراف الإقليمية والدولية إلى
توافق على إطار للحل سواء كان التوافق
عبر الأمم المتحدة ومن خلال مجلس الأمن
الدولي أو من خارجهما، إذا تم ذلك على
أساس قرار الأكثرية الإقليمية
والدولية نتيجة عجز مجلس الأمن الوصول
إلى قرار في مواجهة الفيتو الروسي -
الصيني كما جرت العادة في الفترة
الماضية. إن مسارات الحل تبدو
في واحد من ثلاثة؛ أولها حل سياسي. وعلى
الرغم من أن فرصه تكاد تكون معدومة
بفعل عوامل أغلبها داخلي سوري، فإنه
ينبغي أن يظل بين الحلول المطروحة على
نحو ما هي عليه جهود الأخضر
الإبراهيمي، التي إن حازت موافقة
سورية جدية وعلى دعم دولي حقيقي،
يمكنها فتح باب لحل سياسي عبر مرحلة
انتقالية لمدة تتراوح ما بين ستة أشهر
وعام، يمكن من خلالها تحقيق انتقال
سلمي للسلطة والبدء في عملية تغيير
شامل للنظام السياسي الحالي واستبداله
بنظام جديد. المسار الثاني في
حلول الأزمة السورية، هو حل ممكن
باحتمال أكثر من سابقه، يخلط بين
محتويين عسكري - سياسي مستندا إلى
قرارات لحل الأزمة، تصدر تحت البند
السابع في مجلس الأمني الدولي، أو من
جانب تجمع دولي قوي خارجها، بحيث يدفع
مع أو من دون عمليات عسكرية محدودة
الأطراف الداخلية إلى الانخراط في
مسار تسوية سياسية، هي أقرب ما تكون
إلى مسار الحل السياسي عبر مرحلة
انتقالية، تنتهي بانتقال السلطة
وتغيير النظام. أما المسار الثالث في
الحل فهو مسار الحل بالقوة العسكرية
سواء عبر قرار من مجلس الأمن أو من
خارجه، وهو الحل الأكثر احتمالا في ضوء
معطيات أكدتها تطورات الأزمة، وقد
تضمنت فشل كل المبادرات السياسية
الهادفة لإيجاد حل لها. ويمثل هذا
المسار خيارا صعبا للسوريين على وجه
الخصوص بسبب ما يمكن أن يتركه من أكلاف
بشرية ومادية ومن آثار وتداعيات على
البلاد وسكانها وعلى طبيعة النظام
السياسي ومؤسساته في المرحلة المقبلة،
وكلها تجعله مسارا من الصعب تقبله. إن مسارات حل الأزمة
في سوريا، مرتبطة بما يمكن أن تقوم به
الأطراف المعنية في المستويات المحلية
والإقليمية والدولية، وما يمكن أن
تبذله من جهود لتجنب الأسوأ والأكثر
تكلفة في الأزمة السورية وتداعياتها
الإقليمية والدولية، وهي تكلفة
ونتائج، لن يتحمل الشعب السوري وحده
فاتورتها، إنما سيتحملها المجتمع
الدولي، لأن الفاتورة ستكون أكبر
بكثير من قدرات السوريين. ================ سوريا.. «الرجل
المريض» في عهدة «أطباء مرضى» فؤاد مطر الشرق الاوسط 14-10-2012 من تركيا التي استطاع
الرئيس بشار الأسد تسديد إحراج جديد
لها عندما أطلقت قواته بضع قذائف قاتلة
ومن دون أن يتعامل رجلها القوي أردوغان
مع هذا التسديد بحجم تصريحاته
وتهديداته ومنها قوله «إن اختبار
قدرتنا على الردع خطأ فادح ولا نريد
حربا لكننا لسنا بعيدين عنها» يطلق
المنظِّر الأردوغاني وزير الخارجية
أحمد داود أوغلو فكرة أن يتنحى الرئيس
بشار لنائبه فاروق الشرع لأن يديه «غير
ملوثتين بالدم». ثم يرفع أردوغان منسوب
التهشيم لشخص صديقه القديم بشار الأسد
الذي أهداه مضطرا أو مختارا في زمن
الوفاق بينهما ورقة لواء الاسكندرون
منزوعة من كتاب القضايا القومية
العالقة في الوجدان السوري، فيقول عنه
«إنه يقف على عكازات» مضيفا القول: «إننا
نصحناه لكنه تجاهل نصائحنا. والده قتل
في حماه 30 ألف إنسان، والآن يحاول نجله
(أي بشار) كسر رقمه القياسي»، مضيفا
أيضا «إن الشعب السوري أمانة أجدادنا
في أعناقنا...». كلام أردوغان من جهة
وكلام وزير خارجيته من جهة أخرى يوضحان
بعض نوايا تركيا تجاه المحنة السورية،
حيث إن الزعامة الأردوغانية التي ما
زالت تراوح مكانها لجهة الدور الطموح
تنظر إلى سوريا على أنها «الرجل المريض»
الجديد في المنطقة حالها مثل حال تركيا
عندما كان يتم توصيفها بأنها «الرجل
المريض» وأن مساندتها لشخص مثل فاروق
الشرع ستحقق لها التعامل مع سوريا مثل
تعامل إيران مع رئيس الحكومة العراقية
نوري المالكي الذي دفعته دفعا في اتجاه
إبرام علاقة متطورة مع روسيا وتحليمه
بأن يكون لاحقا زعيما قويا للعراق
وسوريا معا باعتبار أن النظام البشاري
لا بد سينصرف لأن مستلزمات البقاء
تتناقص ولن يكون في الإمكان بعد الذي
جرى التفاهم مع الناس. وعندما سيزور
الرئيس محمود أحمدي نجاد قريبا دمشق
فإن زيارته ليست بهدف التدعيم وإنما
للتفاهم مع صديقه الرئيس السوري
المثخن بالأهوال والخيبات على المرحلة
المقبلة وكيف يتم قطع الطريق على فكرة
أن يكون فاروق الشرع هو البديل. ولعبة «الرجل المريض»
في المنطقة ليست جديدة ولكنها لعبة
فاشلة لم تحقق للاعبين أحلامهم. فعندما
دخلت مصر مرحلة «الرجل المريض» نتيجة
الهزيمة التي مُني بها زعيمها القوي
داخليا وعلى مستوى المنطقة جمال عبد
الناصر، بدأ العقيد معمر القذافي من
جهة والرئيس صدَّام حسين من جهة أخرى
يمنيان النفس ببناء زعامة قوية للعراق
الصدَّامي ولليبيا القذافية على أنقاض
زعامة عبد الناصر التي تضمُر شيئا
فشيئا، لكن في نهاية الأمر دفع كل
منهما ثمن هذا الطموح الذي له صفة
الطمع. ونقول ذلك على أساس أنهما ما
داما حريصين على مصر على نحو ما أبديا
من كلام طيب من نوع قول أردوغان «إن
الشعب السوري أمانة أجدادنا في
أعناقنا» كان من الواجب الأخلاقي
والوطني عليهما الوقوف مع مصر إلى حين
استرداد عافيتها بالكامل. هنالك وقائع كثيرة
تؤكد ما نشير إليه. لكن الحالة السورية
هي أكثر الحالات مأساوية ذلك أن
المنازلة التي تجري فيها غير مسبوقة من
حيث ابتهاج الطرفين المتبارزين بما
يقومان به. ومن هنا ونحن نتأمل فيما
يقترحه «الطبيب التركي» وما يخطط له «الطبيب
الإيراني» وغيرهما من «أطباء مرضى»
بشراهة الهيمنة على غيرهم، من أجل
الانقضاض على «سوريا المريضة» نجيز
لأنفسنا القول إنه إذا كانت هنالك نية
حقيقية للانتقال بـ«المريض السوري» من
ساحة الاقتتال الذي لا جدوى منه إلى
غرفة العناية الفائقة التي قد يجد فيها
بعض الشفاء، أن يتم تفاهم الذين
يساعدون عربا وتركا وعجما ومعهم
أميركا وروسيا والصين والدول
الأوروبية على أن يتنحى الرئيس بشار
وبالتفهم والتفاهم إلى مجلس انتقالي
مدني عسكري يؤسس لعهد جديد وبحيث يقرر
السوريون بأنفسهم مصيرهم لا أن يكون
الحل وفق الاقتراح التركي الذي جدد
إحياء الحديث حوله وزير الخارجية
أوغلو. ونقول ذلك على أساس أن هذه
الصيغة هي مثل حطب يرمى على نار مشتعلة
في حين أن المطلوب بعض الماء يطفئ
اللهب. فالمناداة بترئيس فاروق الشرع
تعني إسقاط الرئيس العلوي أي بشار
الأسد متنحيا لنائبه السني وهذا ما لا
ينهي الأزمة على الإطلاق في حين أن
المجلس الانتقالي الذي يضم شخصيات
مدنية - عسكرية - بعثية - إخوانية -
اشتراكية - مستقلة، سُنية وعلوية
ودرزية وكردية ومسيحية، كفيل بطمأنة
الطائفة العلوية الممسكة بسوريا منذ
أربعة عقود. وفي هذه الحال لن تبقى
الطائفة على سكونها إزاء ما يحدث تحت
وطأة الخشية من أن يكون تنحي ابن
الطائفة الرئيس بشَّار الأسد مقدمة
للقضاء عليها. وإلا فما معنى قول
أردوغان «إن الرئيس حافظ الأسد قتل في
حماه 30 ألف شخص وإن الابن الرئيس بشار
سيضرب الرقم القياسي». في ضوء ذلك يبدو من
المستحسن لإبداء حسن النية سحب
الاقتراح التركي من التداول رحمة
بسوريا التي من الواجب علاجها بغير
وصفات «الأطباء المرضى بشراهة التهام
الجيران» بعدما غدت حاضرا بالفعل «الرجل
المريض» الثاني مثل حالة تركيا ماضيا،
والتركيز على حل يطمئن الجميع بمن فيهم
دولة الإمارات التي استوقفتنا دعوة
وزير خارجيتها الشيخ عبد الله بن زايد
يوم الاثنين 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2012،
إلى التنبيه وذلك بقوله «إن فكر
الإخوان المسلمين لا يؤمن بالدولة
الوطنية ولا يؤمن بسيادة الدول ولهذا
السبب ليس غريبا أن يقوم التنظيم
العالمي للإخوان المسلمين بالتواصل
والعمل على اختراق هيبة الدول
وسيادتها وقوانينها...». وكأننا بالشيخ عبد
الله يستحضر الحالة السورية وهو يقول
كلامه هذا. ومثل هذه النظرة من شأنها
تغليب صيغة المجلس الوطني المدني -
العسكري الموسع المستوعب كل الطوائف
على صيغة ترئيس فاروق الشرع بحيث يكون
كما يريده أردوغان بضعف حالة الرئيس
المنصف المرزوقي في تونس: كثرة في
التصريحات وقلة في الفعل. =============== الصراع الجديد
على سوريا منذر عيد
الزملكاني الشرق الاوسط 14-10-2012 لم يكن يخطر على بال
أهم خبير سياسي وأعرق مراقب ومنظر
لمنطقة الشرق الأوسط؛ فضلا عن
السوريين أنفسهم، أن مطالبتهم بالحرية
والكرامة ستقودهم إلى هذا الطريق
المليء بالدمار وبالأشلاء والدماء.
لقد ظن السوريون، حسب ما قاله الأستاذ
عدنان الشغري (رئيس بلدية بانياس سابقا)،
أن القوى الكبرى ستبارك الربيع العربي
أينما حل في وطننا الكبير. وساد
الاعتقاد بأن النظام السوري لا يمكن أن
يكرر حماقة الثمانينات ليس بسبب تحسن
أخلاق النظام وانضباطه بالقيم
الإنسانية؛ لا، بل على اعتبار أن تطور
أنظمة الاتصالات والإعلام بما توفره
من سرعة نقل الحدث سوف تضعه وتضع
داعميه في ورطة أخلاقية يصعب تبريرها
شعبيا، ناهيك بالاعتقاد بأن عصر
الإبادات البشرية والمجازر الجماعية
قد ولى إلى غير رجعة، خصوصا بعد اللطخة
السوداء التي أحدثتها مجزرة
سريبرينيتشا على جبين الإنسانية حيث
تعهد العالم بأجمعه بعدم السماح
بتكرارها. لكن بشار الأسد لم
يكرر حماقة أبيه فحسب؛ بل تعداها بمئات
المرات، فإذا كان حافظ الأسد يسجن
المعارض أو يعذبه ثم يقتله، فإن بشار
الأسد يقتل مشيعيه أيضا ويحرمهم من
إكرامه ويجبر من بقي منهم على دفنه سرا
في حديقة بيته أو الحدائق العامة. لقد سارت الركبان
بأخبار السوريين حتى وصلت إلى أصقاع
الأرض في دقائق قليلة، وفعلا لقد أدى
التطور الهائل في وسائل الاتصالات
والإعلام دوره الكبير في إيصال آلام
السوريين ورسالتهم إلى العالم، خصوصا
إلى القوى الكبرى المتنفذة في شؤون
الشرق الأوسط وبالتحديد الولايات
المتحدة. وإذا كانت هذه القوى لا تهتم
بدماء السوريين كما لم تهتم بدماء
غيرهم من شعوب الأرض المظلومة وعلى
رأسها الشعب الفلسطيني، فإن عليها أن
تهتم كثيرا برسالة السوريين وتفهمها
جيدا، فهي رسالة لها ما بعدها.
والرسالة بسيطة، لكنها غير مطمئنة لهم
أبدا، وهي تتجلى في فلسفة جديدة تبناها
الشعب السوري منذ بداية ثورته اختصرت
بكلمات عظيمة هي «الموت ولا المذلة».
إنها فلسفة من أحرق مراكبه ولم يعد
أمامه إلا مواصلة المسير حتى تحقيق
الهدف أو أن يهلك دونه. وما دام هلاك
الشعب مستحيلا، فإن الهدف سيتحقق. في الحقيقة، أن رسالة
السوريين قد وصلت وفهمت تماما،
وفلسفتها الجديدة قد أركعت الشرق
والغرب قبل أن تركع النظام، ولذلك كان
الالتفاف على هذه الثورة ومن ثم التآمر
عليها أملا في إجهاضها وإن لم يستطيعوا
ففي سرقتها. لقد كثرت المؤامرات على
الثورة السورية من جميع الأطراف؛
عربية وأجنبية، شرقية وغربية. فمنذ
البداية، لم يعطوها صورتها الصحيحة
بأنها ثورة شعبية من أجل الكرامة
والحرية على الظلم والطغيان وأنها
قوبلت بالحديد والنار، بل تم تصويرها
على أنها تمرد مسلح على النظام وذلك من
خلال التنسيق معه في دفعها نحو التسلح.
ثم كان رميها بتهمة الدعم الخارجي بما
يوحي بأنها حرب بالوكالة، أي إن سوريا
قد تحولت إلى ساحة من جديد للصراع
الدولي والإقليمي. وليت شعري لو أن
الشعب السوري يقاتل وكالة عن أضعف دولة
في العالم لانتصر منذ زمن. والحقيقة أن
النظام هو الذي يقاتل الشعب السوري
وكالة عن الشرق والغرب وعن بعض العرب
أيضا. والحرب بالوكالة
التي يلمحون إليها قد انقضى عهدها بعد
انهيار جدار برلين وانقضاء عهد
القطبين وتفرد الولايات المتحدة
بالهيمنة على العالم.. ثم إن الذي يدعم
هذه المزاعم، وهم للأسف من أدعياء
الفهم والعلم بالسياسة الدولية
والإقليمية، يتجاهلون أن كل الأطراف
المتنازعة في سوريا اليوم مرتبطة كليا
بالقبعة الأميركية من إيران إلى روسيا
وتركيا ودول عربية عديدة، ويستغفلون
أيضا ذلك الفيتو الأميركي على إدخال
السلاح النوعي إلى سوريا، ويجهلون
تماما حقيقة أن عدم إدخال السلاح
النوعي للثوار غايته الأولى هو ضمان
استمرارية الحرب وليس حسمها. لكن
الغريب في هذه المزاعم هو الجمع بين
الادعاء بوجود تنظيم القاعدة في سوريا
ومن ثم الزعم بأن النزاع في سوريا هو
حرب بالوكالة. وحقيقة الأمر في سوريا
هو أن الدول المتنفذة في منطقتنا وعلى
رأسها الولايات المتحدة دعمت إدخال
السلاح غير النوعي إلى الثوار إثباتا
لمزاعم النظام وافتراءاته بوجود
الجماعات المسلحة المدعومة من الخارج،
وبالتالي إعطاؤه ذريعة للقتل
والتدمير، فهم يريدون أن يتسلموا من
بشار الأسد أطلالا وليس بلدا. ثم جاءت محاولة
اختراق الثورة وبث النزاع الداخلي
فيها عن طريق ما يشبه مجالس الصحوة في
العراق؛ ذلك المشروع البريطاني المنشأ.
ومجالس الصحوة في سوريا الآن هي تلك
التجمعات التي تريد الهيمنة على العمل
الثوري وتخضعه لمآربها المريبة سواء
أكانت مجالس عسكرية أم سياسية، وليست
تلك التي تريد أن تدعمه وترفده بخبرتها
دون قيد أو شرط. فالجناح العسكري مكمل،
بل وخاضع للجناح الثوري وليس بديلا
عنه، لأن الثوار لا العسكريين هم أصل
الثورة وهم حاضنتها، وهذا ما أكده
السيد العقيد عبد الجبار العكيدي رئيس
المجلس الثوري العسكري في حلب. والحقيقة أن
اللاعبين الدوليين الأساسيين
المتنفذين في سوريا الآن هما الولايات
المتحدة وفرنسا، وهذا طبيعي لأن فرنسا
هي صاحبة النفوذ التاريخي في سوريا وهي
التي هندست ما آلت إليه الأمور في ما
بعد الاستقلال المزعوم. أما الولايات
المتحدة، فهي القوة التي ملأت الفراغ
في الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية
الثانية، وهي صاحبة النفوذ الأقوى إن
لم يكن الأوحد في المنطقة في الوقت
الراهن. وكلتاهما يتأبط شرا بالثورة
أكثر من أي طرف آخر من خلال عملائهما
ورجالاتهما من عرب ومن عجم. وآخر تلك
المؤامرات المريبة هو المقترح الفرنسي
- الأميركي حول تشكيل حكومة مؤقتة الآن
من المعارضة السورية وتعهدهما
بالاعتراف بها عند تشكيلها، طبعا إن
شُكلت. لأنه ما ظنكم بمعارضة تتنازع
على المجالس أن تفعل عندما يكون الأمر
متعلقا بحكومة؟ الولايات المتحدة
وفرنسا تعملان حالة التنازع هذه وهما
تريدان أن تزيدا فيها. ويبقى السؤال
الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا لم تعترف
فرنسا والولايات المتحدة بالمجلس
الوطني السوري عندما كان في أوج شعبيته
الثورية مع العلم بأنهما ممن شجع على
إنشائه؟ ثم ماذا قدمت هاتين القوتين من
دعم حقيقي للثورة السورية؟ وبغض الطرف عن تنازع
المعارضة السياسية وعن هدف الدعوة
الأميركية - الفرنسية في إيقاع المزيد
من الشقاق بينها، فإن الحكومة المؤقتة
هي مطلب مهم للثورة السورية في
المستقبل القريب ولكن بدماء جديدة،
لأنه ليس من مصلحة السوريين ولو بعد
حين الانتقال بعد إسقاط النظام إلى
الفوضى العارمة، بل إلى التئام الجراح
وإعادة الإعمار. إن ما يجري الآن في
سوريا هو صراع جديد عليها بالتأكيد،
لكن ليس بين أطراف دولية وإقليمية
وعربية تتنازع النفوذ فيها والهيمنة
عليها، بل هو في الحقيقة صراع بين
السوريين الجدد حاملي فلسفة «الموت
ولا المذلة» وبين تلك الأطراف مجتمعة.
وهذا النوع من الصراع أخطر بكثير من
ذلك الصراع الذي عانت منه سوريا في
حقبة الخمسينات والستينات من القرن
الماضي؛ حيث ابتليت سوريا وقتها بأسوأ
سياسيين وقياديين عرفهم التاريخ، فهم
من سلم أمنها وأمن شعبها وخيراتها إلى
أعدائها تحت راية القومية والاشتراكية.
إن القوى الإقليمية والدولية
المتناحرة يمكن أن تتلاقى بعد صراع
مديد على كلمة سواء فيما بينها حول
الغنيمة والنفوذ. لكن هذا الصراع
الجديد لا تسوية فيه ولا مساومة، ولا
ينفع معه إلا كسر العظم، خصوصا أن
الشعوب قد تغيرت واعتبرت، ولم تعد
تنطلي عليها المؤامرات ولا مكر
الماكرين. في هذه الظروف، علم الشعب
السوري بأن مشكلته لم تكن أبدا إعلامية
وإنما هي سياسية. وسواء أوَصل صوت ألمه
ومشهد تدفق دمه أم لم يصل، فالاستجابة
الدولية واحدة. *أكاديمي في «مركز
الدراسات السورية» بجامعة سانت آندروز
البريطانية ========================== البوسنة تتكرر
في سوريا فهمي هويدي صحيفة الشرق
القطريه الأحد 27 ذو
القعدة 1433 -14 أكتوبر 2012 تحدث بعض المحللين
الغربيين هذه الأيام عن أوجه الشبه بين
مأساة البوسنة في تسعينيات القرن
الماضي وبين الحاصل في سوريا منذ العام
الماضي. أحدث التقارير في هذا
الصدد ما نشرته صحيفة لوموند في 30/9
التي أوردت شهادة مفصلة حول الموضوع،
كتبتها ناتالي نوجيريد، ذكرت فيها أن حرب
البوسنة كانت دينية (الصرب الأرثوذكس
ضد الكروات الكاثوليك والبوسنيين
المسلمين) وقومية (الصرب ضد البوسنيين
والكروات) ودمرت سراييفو لأنها
الحاضنة والرمز للتعدد الإثني. وفي سوريا اندلعت
الانتفاضة ضد الأسد في أوساط الأغلبية
السنية، في حين وقف بعض رموز الأقلية
العلوية مع الأسد، رغم أن العلويين
ليسوا كلهم مع النظام. كما قصفت حلب بذات
القدر من القسوة والوحشية، وهي
الحاضنة للتاريخ والتعدد، تماما كما
قصفت سراييفو. وما تقوم به شبيحة
الأسد من فظائع واغتصابات للنساء لا
يختلف كثيرا عن عمليات القمع والقتل
الوحشي والاغتصاب التي قام بها شبيحة
راتكو ميلاديتش وكاراجيتش في البوسنة. وكما قسمت البوسنة في
اتفاقات دايتون تقسيما يراعي الخطوط
الطائفية فإن سوريا مهددة بذلك
التقسيم بين السنة والعلويين والأكراد.
كذلك فإن عمليات
التطهير العرقي التي قام بها الصرب بحق
البوسنيين تكررت في سوريا بين القرى
العلوية والسنية. يجمع بين الأزمتين
السورية والبوسنية أيضا مشهد وقوف
المجتمع الدولي موقف المتفرج مما
يجري، فتدعيم روسيا للنظام الصربي في
السابق، شبيه بموقفها الداعم للنظام
السوري الآن. وإذ يبدو أن العامل
الحاسم في استمرار فصول الأزمة
السورية هو موقف الرئيس الأمريكي
باراك أوباما المشغول بانتخاباته
الرئاسية وبمسألة الملف النووي
الإيراني الذي يحرص أوباما على
التعاون مع موسكو بصدده، فإن ذلك تكرر
أيضا بين عامي 1992 و1994. ذلك أن الولايات
المتحدة آنذاك لم تر في ولاية جورج بوش
المنتهية ومطلع ولاية خلفه بيل
كلينتون أن لها مصلحة إستراتيجية في
التدخل في موضوع البوسنة، واعتبرت أن
البلقان مسألة أوروبية. سوريا اليوم كما
البوسنة بالأمس اعتبرت امتحانا أثبت
مجددا عجز الأوروبيين عن التحرك بمعزل
عن الأمريكيين. فبين سنتي 91 و1994 دعمت
ألمانيا الكروات وانحاز الرئيس
الفرنسي فرانسوا ميتران للصرب. لكن فرنسا الراهنة
تقف إلى جوار ثوار سوريا، وأبدت
استعدادها للاعتراف بحكومة انتقالية
في دمشق، كما تجرى اتصالات لبحث
إمكانية التدخل في المناطق «المحررة»
بسوريا، بما لا ينتهك سيادة الدولة
السورية. ويدور في الأوساط
الأوروبية نقاش حول تسليح المعارضة
وهل ينتهك الخطر (الدولي في البوسنة
والأوروبي في سوريا). وقد مالت إدارة
كلينتون إلى تسليح البوسنيين وعارضت
ذلك باريس ولندن. واليوم تلتزم الدول
الغربية سياسة غير حربية إزاء النظام
السوري. وتخشى تلك الدول في
حالة تسليح الثوار السوريين بأسلحة
ثقيلة أن يقع السلاح المضاد للطيران
بأيدي مجموعات جهادية متطرفة معادية
للمصالح الغربية، خصوصا في ظل
المعلومات المتواترة عن تسرب بعض تلك
المجموعات إلى داخل سوريا. من المتشابهات أيضا
أن الدبلوماسية الدولية ظلت تبذل
جهودا مستمرة لحل المشكلتين دون جدوى،
في موضوع البوسنة ظل المبعوثون
الدوليون يتحركون: لورد كارينجيتون
ولورد أوين وسيروس فانس، واليوم يكرر
الجهود ذاتها كوفي عنان والأخضر
الإبراهيمي. بشكل مواز فقد كان
لقناة سي إن إن دورها الذي لا ينكر في
استنفار الرأي العام الغربي وإيصال
صورة الحاصل في البوسنة إليه. وهو ما تقوم به
الفضائيات العربية منذ تفجرت الثورة
في ربوع سوريا. لا تزال الأسئلة
مثارة حول مشهد النهاية. لأن العالم
صدمته المذبحة الكبيرة التي وقعت في
سربرينيتسا وأباد الصرب فيها ثمانية
آلاف بوسني، الأمر الذي أحدث تحولا في
الموقف الأوروبي الحذر وانتهى بتدخل
حلف الأطلسي عن طريق توجيه ضربة عسكرية
جوية مكثفة وقوية أرغمت الرئيس الصربي
على التراجع والقبول بتوقيع الاتفاق
مع علي عزت بيجوفيتش رئيس البوسنة
والهرسك. في حملتهم العسكرية
فإن القادة الأوروبيين التفوا على
الفيتو الروسي، ولم يحاولوا الحصول
على تفويض دولي بالتدخل العسكري. وهذا الشق الأخير
يمثل نقطة خلاف جوهرية بين مشهد
النهاية في البوسنة واحتمالات الموقف
في سوريا. ويتعين هنا أن نلاحظ
أن التدخل الغربي ضد القوات الصربية في
البوسنة. تم في إطار القارة الأوروبية
ولم تكن هناك مغامرة في استخدام
الأسلحة الثقيلة كما لم يفكر أحد في
احتمال وقوعها في أيدي الجماعات
الجهادية، لهذا
السبب فإن مشهد النهاية يظل غامضا في
الحالة السورية، التي تظل مفتوحة على
كافة الاحتمالات باستثناء التدخل
العسكري الدولي الذي لا مصلحة للدول
الغربية فيه. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |