ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 17/10/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

16-10-2012

تفكك المربع حول سوريا

تاريخ النشر: الثلاثاء 16 أكتوبر 2012

الاتحاد

حميد المنصوري

عندما تُبطل السياسة وأهدافها مضمونَ وأسس الهندسة، يدل ذلك على ضعف وتضارب التحالفات والتنسيق بين الدول، والتي تكون موجهة نحو قضية/قضايا. وهنا نقصد اللجنة الرباعية، التي تتكون من تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية إلى جانب مصر. وكان هدفها المعلن الضغط على النظام السوري والمعارضة من خلال العلاقات الوثيقة بين كل من "أنقرة والمعارضة" وطهران والنظام السوري، لتقديم تنازلات من جانبهم من أجل الوصول إلى حل للأزمة، في حين تقوم كل من مصر والسعودية بدور الوسيط بين الجانبين والمراقب.

ورغم القول بأهمية هذه اللجنة من أن دولها ذات مساحة وعدد سكان وقوة سياسية وعسكرية، إلا أن ليس هناك أصلاً مربع فعال، ففي الهندسة الرياضية المربع هو مضلع منتظم يتكون من أربعة أضلاع متساوية في الطول ومتعامدة تشكل أربع زوايا قائمة، أما في مربع اللجنة الرباعية، فالأضلاع غير متصلة، ولا تستطيع تشكيل مربع لاختلاف هذه الدول حول أهدافها السياسية والأمنية.

وتقويض دور اللجنة لا يتيح مجالاً للجدل، فمصر ربما أخطأت أو بالأحرى مجذوبة نحو نظام الملالي في إيران، حيث ترى القاهرة أن مشاركة إيران في اللجنة "رغم أنها جزء من الأزمة السورية" يأتي عبر إتاحة الإمكانية بأن تلعب إيران دوراً في حل الأزمة. أي أن القاهرة تريد تمرير الكرة إلى إيران لتدفعها لإحراز هدف في إنهاء الأزمة السورية، لكي يتبقى للنظام الإيراني سمعة جيدة يحملها في المنطقة، أو ربما ذلك مرتبط برسم تحالفات "إخوانية" ملالية. ففي أول اجتماع وزاري للجنة الرباعية 17 سبتمبر الماضي بالقاهرة، أتى الغياب السعودي ليتحدث عن ضعف هذه اللجنة. فالرياض التي لم تحضر، أيضاً لم تسع لتقويض هذه اللجنة منذ البداية لسببين، الأول كون الفكرة تهدف لرفع المعاناة عن الشعب السوري وإنهاء حكم نظام "البعث"، أما الهدف الثاني، فيعود إلى أن السعودية لا تريد أن تقف ضد القاهرة في أول تحرك سياسي إقليمي فالمبادرة تعود إلى أول رئيس مصري منتخب.

كما أن الرياض طرف قوي في اللجنة، ولكن اليوم أصبحت غير منخرطة فيها، لأن هناك اختلافاً كبيراً في الرؤى السياسية بين القاهرة والرياض، حيث إن المملكة تتهم إيران بأنها جزء من هذه الأزمة ومسؤولة بصورة مباشرة عن إزهاق أرواح الشعب السوري، في حين ترى مصر أن مشاركة إيران جزء من حل الأزمة. كما أن من المنطق أن يدرك الساسة السعوديون بأن القاهرة تريد من طهران دوراً وتفاعلاً جديداً في المنطقة لكون نظامها إسلامياً ملالياً. وقد أبلغت السعودية وأطراف عربية أخرى مصر بأن مشاركة إيران في المبادرة يؤدي بهذه الجهود إلى نهايات غير سعيدة. وماذا تعني النهايات غير السعيدة؟ ربما تعني استنساخ أو بقاء نظام الأسد والنفوذ الإيراني في دمشق وبيروت، كما قد تعني المزيد من الدماء مع طول فترة الصراع الدموي بين المعارضة الشعبية والنظام "حرب أهلية".

إذا كان من المنطق السياسي مشاركة إيران كطرف مهم في الأزمة السورية، إلا أن طهران لن تقدم طريقاً إلى حل حقيقي في إيجاد عملية سياسية تغير النظام الحالي. فالخبرة التاريخية تكشف طول العلاقة مع نظام" البعث" السوري أيام حرب الخليج الأولى "حرب العراق وإيران" حيث كانت دمشق مع طهران، وجديد ما تعكسهُ العلاقة التاريخية في مرآة الوضع الراهن المشاركة الإيرانية بقوات الحرس الثوري مع نظام الأسد ضد الشعب السوري. ويبلغ تمسك طهران بنظام الأسد هاجس تغير نظام الأسد لنظام معاكس للأهداف الإيرانية في المنطقة الذي سوف يقود إلى إخراج سوريا ولبنان من نفوذ الملالي، والذي بدورهِ سيقود أيضاً إلى انحسار "النظام الإيراني" داخلياً في دائرة أحوال وأوضاع الشعب الإيراني مع العقوبات الاقتصادية والتي سوف تجعلهُ في مواجهة جديدة مع صفوف معارضي سياساته وتوجهاته.

وإلى تركيا "المعنية بالمعارضة" فأنقرة ترى الحل بأنه يجب أن يكون في إطار إقليمي بينما طهران تصر على أن يكون الحل من داخل سوريا. وكأن طهران تريد أن تبقى لاعباً إقليمياً مهماً في المنطقة عبر نفوذها مع نظام "البعث" السوري و"حزب الله" و"حماس"، ودولياً مع موسكو عبر رؤية التغيّر من الداخل، والتي تعتقد طهران بأنها ستكون هي أحد الأطراف المسيطرة في عملية تغيّر نظام الأسد أو إبقائهِ عبر استنساخ، وكأنما أنقرة تريد دوراً إقليمياً تجاه الوضع السوري لكن مقيده بأغلال واشنطن، والتي لم تتخذ سياسة تحالفية إقليمية لإسقاط الأسد يكون دور الأسد فيها لتركيا. وذلك ربما لأجواء الانتخابات مع وجود أسباب أخرى كالتعليل بأن تل أبيب لا تريد تغيير النظام "البعثي"، وذلك لدواعي الأمن الإسرائيلي. ولكن تحليلاً ينتقض تحليلاً، فسقوط نظام الأسد يعد ضربة موجعه لطهران وحزب الله وحماس أي أن تل أبيب ستستفيد منه. ومن المنطق الميل إلى أن عدم توافر الدعم الأميركي لتركيا يعود إلى الانتخابات الأميركية، وأيضاً عدم رغبة تل أبيب في إعطاء أنقرة دوراً كبيراً في ذلك، خصوصاً أن هناك مخاوف غربية من بروز تركيا في المنطقة، والذي حسب نظرة الغرب يساعد على دفع المخطط الإسلامي لأردوغان. كما أن أنقرة ربما تنسحب كالرياض في ظل ما شهدتهُ من ضربات عسكرية من سوريا قد أدت إلى قصف تركي لسوريا حيث يزداد التحفظ التركي على دور إيران في مساعدة النظام السوري.

من الواضح جداً أن هذه اللجنة الرباعية لا تستطيع تشكيل مربع فعال لاحتواء الوضع الراهن السوري، وربما قد وضحت هذه المقالة بأن مبادرة الرئيس المصري أسفرت عن مبارزات سياسية بين الأطراف نفسها.

=================

احتل عفلق السلطة فقلبه عسكر الطائفة

غسان الامام

الشرق الاوسط

16-10-2012

يقترب الرقم، عندي، من مرتبة القداسة. فهو الحقيقة الأزلية التي لا تقبل نقضا أو نقدا. من هنا، أرى من واجبي أن أصحح رقما ورد خطأ في حديث الثلاثاء الماضي. فأقول إن سعد الله الجابري، وليس فارس الخوري، كان رئيس وزراء سوريا في عام 1946. وقد خلف الجابري زميله الخوري في 30/10/1945. وكان الخوري خلف الجابري في عام 1944.

وأضيف أن شكري القوتلي تولى رئاسة الجمهورية في الأربعينات، من دون أن يكون لأحد فضل عليه في الوصول، سوى نزاهته التي صانته من الاتهام في قضية اغتيال الدكتور عبد الرحمن الشهبندر. ثم لموقفه الشعبي الصارم الرافض لربط العملة السورية بالعملة الفرنسية، عندما كان وزيرا للمالية، في حكومة زميله جميل مردم في الثلاثينات.

في تقييم أخير للجيل القومي الأول الذي قاد النضال من أجل الاستقلال، أذكر الساسة السوريين اليوم بأن الشهبندر. هنانو. مردم. القوتلي. الجابري. هاشم الأتاسي... كانوا مؤمنين بالعروبة والتعددية الديمقراطية. هؤلاء كانوا يعرفون أن سوريا، بغير العروبة، لا تستطيع أن تلعب دورا يذكر في وطنها العربي الكبير.

في مرحلة الخمسينات والستينات، كان المسرح السياسي السوري أكثر تعقيدا. وغموضا. وخطرا. فقد اتسمت المرحلة بالصراع بين يمين تقليدي، ويسار قفز فجأة إلى المسرح، عبر تسييس الأجيال الجديدة، فأدلج سياسيا العروبة، بلا مبالاة بالحرية والديمقراطية.

وإذا كان جميل مردم المحرك السياسي لمرحلة النضال من أجل الاستقلال، فقد كان أكرم الحوراني المحرك السياسي لمعظم المرحلة الثانية. ومن متابعتي لمسيرة الحوراني عن كثب (صادف أني عملت في صحف ثلاث كان يشرف سياسيا عليها) أستطيع أن أقول إن الحوراني أيقن، حتى بعد اندماج حزبه الاشتراكي بحزب البعث، أن الحزب الجديد عاجز، عن توفير أغلبية نيابية حاكمة، عبر صندوق الاقتراع، في مجتمع محافظ.

كان خطأ الحوراني يكمن في تسرعه. فقد لجأ في الخمسينات. إلى دفع شباب الطائفة العلوية، إلى الانخراط في الجيش. وعندما أفاق في الستينات على خطئه المروع، كان الوقت قد فات لإنقاذ الديمقراطية. فقد قوض عسكر الطائفة نظام اليمين الانفصالي الذي دعمه الحوراني. واضطروا الحوراني نفسه إلى الفرار إلى المنفى، واعتزال السياسة.

ولم يكد الحوراني يغسل يديه من الطائفة العلوية، حتى ارتكب ميشيل عفلق وصلاح البيطار الخطأ ذاته. فقد راهن الرجلان على الضباط العلويين، بعدما اتخذ عفلق قراره السري الخطير، باستيلاء «البعث» على السلطة والدولة، إثر سقوط الوحدة المصرية/ السورية.

وبالفعل، تمكن عفلق، بعد سلسلة مؤتمرات حزبية متناقضة، من تحقيق حلمه بالاستيلاء على السلطة، وتشكيل حكومة «البعث القومي» برئاسة صلاح البيطار. غير أن عفلق سرعان ما واجه انقلابا عسكريا علويا (1966) يقوده ابنه «الروحي» صلاح جديد مع حافظ الأسد. وهكذا، كان على عفلق والبيطار، أن يلحقا بزميلهما اللدود الحوراني في المنفى.

بانقلاب الأسد على صلاح جديد (1970)، انكشف تماما مخطط الطائفة العلوية. الواقع أن الطائفة راهنت أولا على «الحزب السوري القومي الاجتماعي»، منذ الخمسينات. لكن فاشية الحزب. وعداءه للعروبة. واغتياله العقيد عدنان المالكي (1955) رجل الحوراني في الجيش، كل ذلك أدى إلى صرف نظر الطائفة عنه، والتحول إلى «البعث» بجعله مطية بديلة أسهل للوصول إلى الهدف، بخداع زعماء الحزب التاريخيين، ثم إقصائهم، بعد الاستيلاء على السلطة والدولة.

قد تسألني، عزيزي القارئ، عن اليمين السوري، في هذه المعمعة اللاأخلاقية. أجيب بأن «حزب الشعب» بزعامة رشدي الكيخيا ورث «الكتلة الوطنية». وشكل الأغلبية في مجلس نواب الخمسينات. وشارك في الحكم، في مرحلة الديمقراطية الصعبة (1954/ 1958). وخاض معركة غير متكافئة مع يسار مدعوم مخابراتيا وعسكريا. اختفى حزب الشعب بقيام الوحدة المصرية/ السورية (1958). ثم اختفى ثانية بسقوط نظام الانفصال (1963).

كان قلبي على اليسار، شأني شأن معظم شباب جيلي آنذاك. لكن ما زلت أعتبر زعيم اليمين رشدي الكيخيا أنزه سياسي أنجبته سوريا في القرن العشرين، وأكثرهم عفة. فقد اكتفى بمقعده النيابي، محتجا بصمت نبيل على عسكرة اليسار للسياسة. وعندما أجمع اليمين واليسار على ترشيحه رئيسا لجمهورية الانفصال، رفض بإباء وكبرياء قائلا: «اليد التي وقعت وثيقة الوحدة مع مصر، لن توقع وثائق الانفصال».

رفض الكيخيا المنصب الرفيع. فقبل به زميل عمره الدكتور ناظم القدسي. بعد أشهر قليلة، عبأ ضباط الانفصال الدمشقيون خريج جامعات سويسرا، في مصفحة عسكرية. وأودعوه سجن المزة. ثم ذهبوا إلى القاهرة نادمين. باكين. مطالبين عبد الناصر باستعادة الوحدة. وكان الرد الشهير: «الوحدة التي ذهبت بانقلاب، لا تعود بانقلاب». عاد الانقلابيون. ردوا الاعتبار للرئيس القدسي. كان عليه أن يستقيل احتراما لكبريائه المهانة. لكن انتظر أن يطيح به الانقلاب البعثي الناصري (1963).

بانقلاب حافظ الأسد (1970)، تختتم الطائفة العلوية عقد المكر والخديعة الستيني، بإقامة دولتها الطائفية المزدانة بالشعارات القومية البعثية/ الناصرية. جرى ذلك بمعزل تام عن «جماهيرنا الشعبية» التي غابت عن السياسة. والعلم والخبر. والمشاركة، منذ بداية الستينات.

مع الثورة، جرى تشريح نظام الأسد عربيا ودوليا، بتفاصيل كثيرة. ليس لدي ما أضيف في هذه العجالة، سوى التنويه بحنكة الأسد الأب، في حبك التحالفات وتفكيكها، بمهارة لم تتوفر لابنه السعيد في الحب. التعيس في السياسة.

نخب سنية كثيرة. بليدة. غطت من مواقعها العسكرية. الحزبية. الاقتصادية، الحلف السام مع النظام الفارسي. وتسترت على شراسة النظام العلوي، بمشاركته في فساد ليبراليته الاقتصادية المتوحشة.

تشكون من عبادة الشخصية عند العلويين؟ لماذا لا تسمعون ما قاله وفعله «سنة» النظام؟! شبه العماد مصطفى طلاس رئيسه حافظ الأسد، بعد مجزرة حماه، بالرسول الكريم «الذي أدبه فأحسن تأديبه» (مجلة المستقبل 27/2/1988)، ثم يضيف: «عندما أنظر إلى مقدار واقعية فكر الأسد الاشتراكي يقفز إلى ذهني فورا هيغل. نعم، الأسد برأيي هو هيغل العصر». لا تضحك يا قارئي العزيز.

التركي (العصملي) داود أوغلو يرشح فاروق الشرع لخلافة رئيسه الأسد الابن، على رأس حكومة «إصلاحية». لم ينجح الشرع في الانشقاق والفرار، على مدى عشرين شهرا. فكيف ينجح في تفكيك دولة طائفية. مخابراتية. مافيوية، ذبحت ألوف المدنيين العزل، في مسقط رأسه، بسهل حوران؟! نعم، لست مع «اجتثاث» البعث. لكن هل كان البعثيون المنشقون يفكرون بالانشقاق، لو أن النظام الطائفي ظل ثابت الأركان؟

لست الشاهد الوحيد على التاريخ، لأحتكر روايته. هناك شهود حزبيون. سياسيون، قدموا روايات مختلفة للتاريخ. قد تكون رواية صحافي مستقل، لم يكن سياسيا. أو حزبيا، هي أكثر أمانة. لقد اكتفيت بتقديم لمحات سريعة عن شخصيات سورية صنعت التاريخ. وبإمكاني أن أكتب عن كل منها. وعن غيرها، صفحات طويلة.

لعل صفحات «الشرق الأوسط» مفتوحة أمام الباحثين. والمؤرخين. وعلماء الاجتماع ليكتبوا بموضوعية التاريخ السوري المعاصر، لا لخدمة الحاضر، إنما لخدمة الحقيقة، في ساعة الحرية، لتعريف السوريين بتاريخ، عمل نظام الطائفة والعائلة، لحجبه عن الذاكرة.

=================

ما الذي تبقى من سوريا ؟

مروان العياصرة

2012-10-15

القدس العربي 

في دمشق أكلت فوهات المدافع كل جدران الياسمين، وشوه الرصاص الأسود أبيض حلب الآرامي، والاوابد فيها تحولت إلى أشباح فرّت من عصور الحضارات القديمة التي تحتضنها حلب الشهباء.. تُرى.. هل كان هوميروس يعرف ما ستؤول إليه حلب اليوم من أسطورة الدم والـــــموت حين ذكرها في كلتا ملحمتيه الإلياذة والأدويســــة..؟ هل كانت فعلا ذاكرتها الحضارية تتسع لكل هذا الزمــان الممتد من عصور الأغارقة والفينيقيين إلى ما تمثله هذه اللحظة التاريخية من أسطورة جديدة لا تحتاج سوى إلى (بانياس) الشاعر السوري القديم قِدَم حلبَ وبانياس المدينة المحاصرة بالموت من كل جهات الحضارة، لكي يؤرخها في ذاكرة الأجيال.. وهي باقية بكل هذا الجنون وهذه الوحشية والافتراس.

لا شيء يشبه سوريا اليوم غير سوريا في الأدونيسية الفينيقية لشاعرها العظيم بانياس.. كلتاهما أسطورة ملحمية كتبت حجتها بالدم، والإلغاء والنفي، عبر آلة القتل التي تمارسها سلطة عمياء لا تقدر ما في هذه الأرض من خصوبة في الآداب والأوابد والحضارة والقيم وتاريخ الناس والأديان والمعتقدات والأساطير والحياة بكل تجلياتها ومعانيها ومفهوماتها..

السلطة التي تجردت من كل هذا الثراء الحضاري، وأعلنت حربها على الأرض قبل الإنسان هي سلطة بلا ضمير، فالنظام الأسدي لا يحارب الناس والمقاومين بقدر ما يحارب تاريخ سوريا، وحضارتها، ويعلن خصومته مع الشجر والحجر، والمآذن وأجراس الكنائس، إنه نظام الرجل النحيل في الخمسين من العمر، دونكيشوتي القلب والقالب، الذي لكثرة ما قرأ في الفروسية والبطولة ظن نفسه حامي حمى العروبة والقومية وربما الإنسانية، لم يصور له وعيه الساذج طواحين الهواء سوى شياطين، وغبار قطيع الأغنام جيش جرار.. إنها الحرب التي لا ربح فيها..

مهما مارست آلة الأسد من قتل وتدمير فلا تقتل إلا صورة اللحم والدم، ومهما هدمت لا تهدم سوى الحجر، ومهما دارت رحى ملحمته فإنما تبقى الروح في كل حجر من سوريا، وفي كل بيت وشارع وقرية ومدينة.. والياسمين سيعود (يتعربش) على جدران البيوت العتيقة، وروح المقاوم والشهيد ستعود تنب مثل الشجر في طلائع أجيال الثورة الحقيقية، ولتذهب طلائع البعث لجحيم إحساسها بالخزي والعار.

ما الذي تبقى إذن من سوريا..؟

بقيت سوريا كلها، لأن روحها لم تمت، فأرضها تأخذ لون أرواح شهدائها ومقاتليها وأبطالها الحقيقيين، وهذا القاتل المستبد إنما يقاتل من أجل الخطيئة، لأن (كل ما يحجب الروح خطيئة)، وكما قال إيليا أبو ماضي فـ إن شر الجناة في الأرض، نفـــس تتوقــــى قبــل الرحيل الرحيلا.. هل هي إذن نبوءة الخلاص..؟ خلاص الروح من حُجُب خطيئة الجناة..

كل شيء تبقــــى في سوريا، ولتذهب السياسة للجحيم..

القليل من السياسة أمام الكثير من الدم والموت، وكما قال شيخ النهضة محمد عبده 'أعـــوذ بالله من السياسة، ومن لفظ السياسة، ومن ساس ويسوس وسائس'، فما السياسة إلا الخديعة الكبرى التي تحولت فيها محبرة السياسة إلى مجرة للقتلى والشهداء والمشردين والمعذبين..'، وهل السياسة إلا الكذب والمكر والخداع؟' كما قال محمد كاشف الغطاء..

المكر السياسي بين روسيا وأمريكا لا يقابله إلا نهر من الدم السوري، والمخادعة بين الصين وأميركا يدفع ثمنها آلاف من القتلى، والكذب بين جمهور جامعة الدول العربية لا يقابله سوى صراخ ثكلى ومغتصبة، ثم لا يلبثون أن يتنافخوا شرفا (أن تسكت صونا للعرض.. هل تسكت مغتصبة).. كما صرخ ذات لحظة مظفر النواب..

يذكر بشير العظمة في مذكراته (1991)، أن حكام سوريا في التاريخ القديم والحديث معا، لم يكونوا سوى فاتحين غرباء لا يعرفهم الناس إلا في كامل سطوتهم وبطشهم، وليس أدل على هذه السطوة والبطش مما هو حاصل اليوم، باسم الدفاع عن سوريا وإذا كان أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك قال (من قال لي بعد مجلسي هذا اتق الله قطعت عنقه)، فإن من آل ملك بني أمية بين يديه في دمشق اليوم قد قطع أعناق كل المتقين قبل أن يقولوا له اتق الله..

اذا كان الخيار المتاح في التاريخ العربي ينحصر في الاختيار بين الاســــتبداد والفتــنة لا بين الاستبداد والحرية، كما قال غسان سلامة، فإن سوريا جمعت كل هذه الخيارات معا في خيار واحد.. أن تقابل كل هذا الاستبداد والطغيان والفتنة بإرادة المواجهة والتحدي، وفي حرية الموت والاستشهاد ما يتسع لكل معاني حرية الحياة، فإنما كل هؤلاء يموتون من أجل أن توهب لهم الحياة، والجناة والزناة والمغتصِبون سينتهون مهما أمدتهم سياسة المكر والمخادعة بكل وسائل البقاء، فالشهداء والشهود باقون، والتاريخ لا يرحم.

فلتكف ألسنة الفصاحة السياسية عن كل هذا الترف في التحليل والقراءة، فالمشهد السوري ليس بحاجة إلى تحليلات وبراعة خطابية عربية وأممية وربطات عنق وميكروفونات.. لا يحتاج إلا لوقف النزف.

 

=================

سورية: الثقافة والمأزق الأخلاقي؟

الياس خوري

2012-10-15

القدس العربي 

في لقاء مع مجموعة من الاصدقاء السوريين في بيروت، طرح سؤال كبير حول موقف المثقفين العرب من الثورة السورية.

بدأ السؤال بمواقف مثقفين وفنانين لبنانيين مليئة بالالتباس، وصل بعضها الى درجة البحث عن مبـــــررات 'فكرية' وسياسية، من اجل دعم النظام الاستبدادي الأسدي، لينتـــهي الى ســــؤال عام حول موقف المثقفين العرب الأخلاقي من معاناة الشعب السوري.

السؤال محيّر فعلا، ومن الخطأ الفادح ان يُناقش على ضوء منعطف لجوء الشعب السوري الى السلاح في مواجهة الآلة العسكرية والأمنية للنظام. فالسؤال طُرح منذ الأيام الاولى للثورة التي اتسمت بطابع سلمي بطولي لا مثيل له. فالشعب الأعزل واجه لأشهر طويلة الرصاص والقتل بصدور عارية وحناجر تهتف للحرية ، ومع ذلك ووسط صور احذية الجنود والشبيحة التي تدوس اجساد المعتلقين ووجوههم ارتفعت صيحات التشكيك والنقد.

مع بداية الثورة قدّم الشاعر ادونيس الحجة الأولى عبر رفضه خروج المظاهرات من المساجد. صحيح ان هذا الموقف فتح ابواب التردد، لكن لا يمكن نسبة الظاهرة اليه، فهذه الظاهرة تنتمي الى تراث سياسي وثقافي يضرب عميقا في بنية 'يسارية' عامة لم يبق لها من خطابها اليساري القديم سوى يافطة معاداة الامبريالية، التي جعلت منها مشجبا تعلّق عليه ذيليتها السياسية، والتحاقها الطوعي بالاستبداد.

نحن امام معضلة فكرية، ولسنا امام ظواهر فردية، بعضها لا يزال يحمل قدرا من البراءة كمواقف الشاعر سعدي يوسف، وبعضها الآخر يحمل توترا عُصابيا يدعو الى الرثاء، لكنها تُجمع على دعم نظام الاستبداد، لأنها تعتبر الثورات العربية مؤامرة امريكية هدفها الهيمنة على المنطقة العربية!

هكذا وبمنطق مبسط وخال من العقلانية انقلبت امريكا على حليفيها حسني مبارك وزين العابدين بن علي، وصديقها المطواع معمر القذافي، بهدف الوصول الى قلعة الممانعة التي يمثلها حكم آل الأسد في سورية!

منطق غريب، لكنه يستند الى مروحة من الأفكار التي ساندت الجزارين الصرب وايدت حرب الابادة في الشيشان، وبكت على سقوط الديكتاتوريات في اوروبا الشرقية، لأنها لا تزال اسيرة عقلية الحرب الباردة، حيث لا يجري التعامل مع الشعوب والدول الا بوصفها حجارة على مائدة شطرنج دولية!

التقاطع بين يساريي النوستالجيا الى زمن الحرب الباردة (احزاب ما يسمى بالجبهة الوطنية التقدمية في سورية التي تضم حزبين شيوعيين، اضافة الى الوزير السوري قدري جميل ممول قناة 'اليسارية' التي اوكل مهمة ادارتها الى امين عام الحزب الشيوعي اللبناني) وبين خطاب حزب الله، فرض بلبلة كبرى، زاد من تفاقمها اندفاع بعض الكتاب والصحافيين النيوليبراليين الذين يعملون في الاعلام النفطي، الى الدفاع عن انتفاضة الشعب السوري بخطاب رجعي يحمل بذور الكراهية للحركة الوطنية العربية، ولمواقفها في مواجهة الهيمنة الامبريالية والاحتلال الاسرائيلي.

هذا الواقع الثقافي المعقّد سمح للفـــــكر المبرر لوحشية النظام بأن يجد في كل يوم مسوغاً جديدا، مركزا على الخــــوف من صــعود الاسلام السياسي الذي يبرز، في الواقع السوري على الأقل، على فضائيات الخليج اكثر بكثير من بروزه على ارض الواقع.

المسألة التي تبدو فــــي ظاهرها وكأنها تعبير عن خيارات سياسية مختلفة، تعبّر في رأيي عن بنية ثقافية تجد جذورها في ما يمكن ان نطلق عليه اسم الاستعلاء الثقافي. اي النظر الى الأمور من مقترب الثقافة بوصفها سلطة. وهي بنية يشترك فيها اليسار التقليدي واليمين، لأنها آتية من جذر واحد، هو استعلاء الثقافة او تعاليها عن االتفاصيل وانصرافها الى النتائج بعد اهمال المقدمات.

لن اناقش الافتراضات السياسية وادخل في مماحكة حول الدور الكولونيالي الروسي الذي لا يختلف في شيء عن اي دور كولونيالي آخر، او حول الفرق بين الاصوليتين الشيعية والسنية المتشابهتين اكثر مما يعتقد الكثيرون، بل اريد ان اناقش المواقف من زاوية اخلاقية. هل يعقل ان تجري المساواة بين ابراهيم القاشوش الذي قطعت حنجرته من اجل اخراس صوته وبين قاتله؟ هل يمكن ان تصاب العيون بالعماء المطلق امام مشاهد التعذيب والقتل واستباحة الجثث؟

الجواب هو ان من رفض ان يرى مشاهد الاستباحة في سورية، كان يرفض ان يرى الواقع التفصيلي كي يبني عليه استنتاجاته، فأخذنا الى لعبة الأمم مبررا للقاتل جرائمه باسم صراع دولي واقليمي لا يعني شيئا لأهل درعا الذين انتفضوا لكراماتهم المهدورة.

مشكلة الثورات العربية مع هذا النوع من المثقفين هي انها كانت مفاجئة، ولا تحمل سمات الثورات التي اعتادوا عليها او قرأوا عنها في الكتب. ثورات تعبر عن انفجار المجتمع في وجه الاستبداد. فالناس انفلقت من القمع والذل والافقار والنهب، ونزلت الى الشوارع كي تكسر الخوف، وتحتل التاريخ.

كان التوقع المنطقي هو ان تنتقل عدوى كسر جدار الخوف الى المثقفين، الذين لم يعرفوا كفئة بشجاعتها، لكن بدلا من ذلك اصاب الرعب قطاعات واسعة منهم، لأنها اعتادت على الخوف من السلطة وانحنت لها، واليوم تصاب بالرعب من الناس لأنها لم تحاول يوما ان تتعرف اليهم وتعترف بهم.

المسألة ليست فقــــط في خيـــانة بعض المثقــــفين، بل في مـــناخ الخيانة العام الذي يضرب عرض الحائط بمشاعر الناس وغضبهم وانتفاضاتهم، لأنه لا يعترف بالتفاصيل، ويعتقد ان القمع مسألة ثقافوية فقط، تتعلق بمنع كتاب من هنا او فيلم من هناك...

الاستعلاء على الواقع هو الخيانة التي منحت صكوك غفران للقتلة تحت حجة الممانعة او مقاومة الهيمنة الغربية. قبل البحث في السياسة علينا ان نبحث في جذر السياسة، فاذا كانت السياسة هي فن ادارة العلاقة بين المجتمع والسلطة، علينا ان نسأل لماذا ثار المجتمع، وما نوع هذه السلطة التي حولت البلاد بأسرها الى سجن؟ وبعد ذلك يأتي دور البحث في السياسات الدولية والاقليمية.

لعل ميزة الثورة السورية هي انها ترسم الخط الفاصل بين ثقافة الاستبداد وثقافة الحرية، فرغم تعقيداتها الكثيرة، خصوصا في مرحلة مقاومتها بالسلاح، فانها تقدم للثقافة العربية درسا في الأخلاق، وتكشف زيف المعرفة الكلية التي تحولت الى ببغاء يردد الكلمات نفسها، ويتماهى مع القتلة.

=================

أردوغان: كيف ترى قيادتي؟

    عيسى الشعيبي

الغد الاردنية

16-10-2012

أحسب أن مديري شركات النقل ومالكي الشاحنات الكبيرة، وليس السائقين طبعاً، هم من يضعون في بعض الأحيان على مؤخرة مركباتهم عبارة "كيف ترى قيادتي؟"، مذيّلة برقم هاتف مقروء بوضوح يخص قسم الحركة، في إطار شبه إنذار تحذيري مسبق لقائدي السيارات الثمينة بعدم التهور على الطريق، والالتزام بآداب السير، وبالتالي جعل الطائشين منهم تحت رقابة العموم.

وهكذا، تبدو لي هذه العبارة أفضل ما يمكن به عنونة تعليق مقتضب حول الدور التركي الخلافي في الأزمة السورية المستفحلة، خصوصاً وأن تركيا التي لا خلاف على رجحان وزنها، تحتل بلا منازع مقعد قيادة القاطرة المتقدمة على هونها في طريق التفافية طويلة، نحو هدف إملاء نفسها قوة إقليمية لها النخب المعلّى على طاولة واسعة من المتنافسين على اقتسام كعكة النفوذ والمصالح، وحجز المقاعد الوثيرة في مرحلة ما بعد الأسد الوشيكة.

ولو كان لي أن التقط رقم الهاتف الموضوع على العربة الأخيرة من القطار التركي الطويل، لأخبرت الإدارة المعنية بتلقي الشكاوى، أن السائق المحتشم يمضي على المسرب الضيق بتمهل شديد، إلى الحد الذي يعيق حركة السير، ويدفع المتعجلين إلى التأفف من البطء، والضجرين من الزحمة إلى إطلاق الزوامير، خصوصاً في ساعات الذروة الصباحية، حيث الوقت من ذهب، حتى لا نقول من دم سوري غزير.

غير أن حرص السائق التركي على الالتزام الصارم بقانون السير وآدابه، وحذره الشديد من عدم تجاوز السرعة المقررة، تبدو من وجهة نظر عابرين آخرين، يعرفون مناطق الانزلاقات ومكامن التعرجات الخطرة على الطريق، دليلاً قوياً ليس فقط على صبر جميل لدى سائقي القطارات، وإنما أيضاً طول بال وحسن إدارة، وخبرة متراكمة في اجتياز الكمائن، ومهارة في درء المخاطر، ورويّة شديدة في كيفية الوصول الآمن إلى المحطة الأخيرة.

بكلام آخر، تواصل تركيا بناء موقف تكتيكي يتلاءم وحساباتها الإستراتيجية المعقدة، ويتوافق مع مصالحها الآنية وبعيدة المدى، إزاء حالة سورية تزداد اهتراءً كل طالع شمس، وتتبدل معطياتها الميدانية مع كل نشرة أخبار مسائية، وتتساقط معها كل الافتراضات القبلية عن قيود معادلات القوى الإقليمية، وجسامة كسر التوازنات الداخلية، الأمر الذي يعطي الموقف التركي المتحسب لكل نأمة، انتزاع ما يصبو اليه من مصداقية وفاعلية، واعتدال سياسي لا تعوزه الإرادة الردعية القوية.

إذ عبر ما يكفي من الاحتضان، والحد الأدنى من الإسناد لقوى الثورة السورية المتعاظمة، تجد تركيا أن لا حاجة لها لتجشم عناء اقتحام الحدود المفتوحة على اتساعها، وبالتالي استدراجها إلى حرب من شأنها أن تبرر رواية النظام المأزوم في دمشق عن المؤامرة الكونية، وأن تلبي توقه الشديد إلى خلط أوراق اللعبة، وتطويب نفسه ضحية أبدية لعثمانية قديمة جديدة، ناهيك عن تهميش دور الشعب السوري برفع راية الحرية بفعل يديه وحرارة دمائه الزكية.

إذ ما حاجة تركيا اليوم إلى اجتياز حدودها الجنوبية، وحمل أوزار إقامة منطقة عازلة، طالما أن سياسة النفس الطويل، والتقرب غير المباشر من ساحة المعركة الضارية، تحقق لها كل ما تبتغيه من عوائد أخلاقية وسياسية في نصرة الثورة، وكل ما كانت تتوقعه سلفاً من مردودات على صورتها الإقليمية وعلى مصالحها المستقبلية، لاسيما بعد أن أخذ الميزان المتعادل يميل شيئاً فشيئاً، وبصورة جلية ومحسوسة، لصالح الثورة التي استثمر فيها حزب العدالة والتنمية ما كان في أمسّ الحاجة إليه وهو يقيم بهدوء قاعدة انطلاق خلفية؟

وليس أدل على صوابية منطق قيادة العربة بأناة وتؤدة، مما تراه اليوم من نتائج مستهدفة، مثل تحرير الشمال الحلبي والإدلبي بصورة شبه تامة، والسقوط المتسارع لكتائب الأسد وحواجزها بصليات نيران البنادق الخفيفة، وتزايد الغنائم الحربية، وتعميق أزمة النظام الذي فقد كلاً من شرعيته وسيطرته ومبرر وجوده، وحمله على تشتيت وحدات نخبته العسكرية، وإنهاكها بصورة منهجية، ومن ثم وضعه على طريق معمر القذافي، أو الفرار في ليلة معتمة.

=================

فـوضى مع سبـق الإصـرار!! * ياسر الزعاترة

الدستور

16-10-2012

مشهد الصراع في سوريا مثير للحزن والقهر في آن. مثير للحزن لأن عملية تدمير البلد تمضي على قدم وساق دون توقف، فيما يتصاعد رقم الشهداء والجرحى والأسرى والمعذبين والمهجرين. ومثير للقهر لأن هناك من يصر على تحميل المسؤولية لشعب خرج يطلب الحرية ودفع آلاف الشهداء قبل أن تطلق رصاصة واحد ضد جنود النظام أو أجهزته الأمنية.

يعلم الجميع أن بشار الأسد لن يبقى حاكما لسوريا حتى لو استمر الصراع سنوات أخرى، لكن العالم يصر على سياسة الفرجة وتكبيل الثوار لكي يطيل أمد المأساة. يحدث ذلك لسبب بسيط هو أن مسارها القائم يخدم البرنامج الإسرائيلي في تدمير البلد وإشغاله بنفسه لعقود طويلة، فيما يخدم الرؤية الإيرانية أيضا؛ تلك التي تدرك أن (سوريا ضعيفة تنهشها النزاعات الداخلية لن تكون قادرة على تهديد مكتسباتها في العراق ولبنان).

نقول ذلك لأننا ندرك أن طهران ليست من السذاجة بحيث تعتقد أن بشار الأسد وعصابته سيستمرون في حكم سوريا بعد نهر الدماء الذي جرى ويجري، وبالتالي فهم يتآمرون مع الصهاينة الذين يزعمون أنهم يواجهونهم بسياسة المقاومة والممانعة.

العالم يتخذ من حكاية المقاتلين الأجانب ذريعة لمنع الدعم القادر على حسم المعركة، فيما يعلم الجميع أن إطالة المعركة هي التي تزيد في حجم الظاهرة الجهادية (مساعدة الشعب السوري ليست عيبا)، ولعلهم يريدون تعزيز الفوضى القائمة كمسار يؤدي لمزيد من التدمير، لأن بلدا مدمرا تعمه الفوضى لن يكون قادرا على التأثير على الحبيبة “إسرائيل”.

تركيا بدورها تبدو الأكثر ميلا لإنهاء الصراع بأسرع وقت ممكن، لكن حكومتها تبدو عاجزة عن فعل شيء خارج إطار مد الثورة بما يكفي للاستمرار، والسبب أن حجم المعارضة الداخلية والمخاوف المترتبة على تصعيد التدخل وصولا إلى العسكري لا يبدو سهلا بحال، لا سيما المعارضة العلوية الداخلية معطوفة على تصعيد نشاط حزب العمال الكردستاني الجاهز للعمل كبندقية للإيجار في خدمة البرنامج الإيراني. وحين تهدد إيران ونظام بشار بتزويد الأكراد بصواريخ “كورنيت” الإيرانية المطورة، فليس ذلك بالأمر اليسير، إذ ستمنح المتمردين قدرة هائلة على اصطياد الدبابات والآليات التركية بسهولة، فضلا عن تزويدهم بمضادات للطيران. الأهم بالطبع هي الضغوط الغربية التي تتعرض لها تركيا لكي لا تدعم الثوار بالأسلحة الثقيلة، فضلا عن التدخل العسكري المباشر، وهي ضغوط لا يمكن اعتباراها أمرا سهلا في ظل التزامات البلد بعضوية الناتو واستحقاقاتها.

تركيا تعاني أيضا من حقيقة أن الفوضى القائمة في الساحة السورية من جهة الثوار لا زالت تصعِّب الموقف بشكل كبير، وهي إذ تحاول لملمة خيوط المشهد، فإن حجم الفوضى يبدو أكبر من قدرتها على التعامل معها على نحو يقرب النصر على النظام.

عربيا يمكن القول إن كثيرا من الدول العربية تبدو مرتاحة لما يجري، لا سيما تلك التي لم يصلها قطار الربيع العربي وناهضته طوال الوقت تبعا لحساباتها الداخلية (سوريا مختلفة تبعا لإشكالية إيران والزخم الشعبي الداخلي المؤيد لها، وحسابات أخرى خاصة بكل نظام)، وهي أكثر ميلا لإطالة الحرب من أجل التدمير كي لا يفكر أحد بعد سوريا بالثورة تعزيزا لفكرة منع الفتنة ولأجل حقن الدماء.

الآن يمكن القول إن لعبة التدمير والفوضى قد بلغت مداها، وقد تحقق للأطراف المشار إليها ما تريد من الناحية العملية، اللهم إلا إذا توفرت لديها شهية للمزيد. وهذا يعني أن إمكانية سقوط النظام قد باتت واردة، لكن المصيبة أن الأخير لم ييأس، وهو يفكر أولا في الخطة (ب) ممثلة في الدويلة العلوية، وهو سيناريو آخر تدعمه إيران ما دام ممكنا، مع بقاء الهدف الآخر قائما، وربما متحققا على نحو ما، أعني تدمير البلد لمنع التأثير اللاحق على لبنان والعراق.

ليس هذا دعوة لليأس، بل دعوة لأن يستدرك الحريصون على سوريا وعموم الربيع العربي الموقف ويبادروا إلى فعل أقوى لوقف لعبة التدمير، بخاصة مصر وتركيا والدول الحريصة على الثورة.

لا ننسى هنا قوى الثورة والمعارضة التي ينبغي أن تكف عن لعبة الاصطفافات والاقتتال على مكاسب سخيفة، فيما البلد يدمر أمام أعينها، مع نداء إلى المجاهدين المخلصين أن يستوعبوا أن هذه ثورة حرية وتعددية وهم يطلبون الأجر من الله بنصرة شعب مستضعف، ولا يجاهدون لأجل تشكيل إمارة أو إمارات، لأن الأمر ينبغي أن يٌترك للسوريين. وليتذكروا أن من ذهبوا للجهاد في افغانستان ذات يوم لم يفعلوا ذلك إلا نصرة للمستضعفين وليس لإنشاء دولة وحكمها.

لقد دفع السوريون ثمنا باهظا من أجل التخلص من الطاغية وولوج باب الحرية، وهم ماضون في الدرب لن ييأسوا، لكن المخلص هو من يساهم في تسريع الحسم وتقليل المعاناة والتضحيات بكل ما أوتي من قوة.

بقي القول إن الثوار بشتى ألوانهم ورغم الفوضى التي يعانون منها، إلا أنهم يُظهرون عزيمة تستحق الإعجاب، وهم رغم بؤس التسليح يصمدون ويتقدمون بشكل تدريجي يبشر بانتصار قادم لا محالة، بل لعله بات قريبا بإذن الله.

=================

الشكوك الغربية بالمعارضة السورية

الياس حرفوش

الثلاثاء ١٦ أكتوبر ٢٠١٢

الحياة

إذا كان الرئيس السوري قد «نجح» في أمر حتى الآن، في مواجهة المعارضة الوطنية الواسعة ضد نظامه، فيجب الاعتراف بأن إطالة عمر المواجهة، نتيجة رفض النظام التجاوب مع مطالب شعبه، ساعد على فتح الباب والحدود السورية أمام السلاح المتعدد الاتجاهات والأهداف، والذي استقدمه المعارضون لمساعدتهم في المعركة الدائرة لإسقاط النظام بالقوة.

وتكفي متابعة أسماء الكتائب والتنظيمات والفرق المقاتلة التي نقرأ بياناتها العسكرية كل يوم، لنتبين منها الوجهة التي تريد هذه التنظيمات أن تأخذ سورية إليها إذا انتصرت، والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، ليس في سورية وحدها بل ربما في المنطقة ككل.

وإذا كان التفكك الواضح في صفوف المعارضة (السياسية والعسكرية) لا يكفي لإحياء آمال نظام الرئيس بشار الأسد بتجاوز أزمته الوطنية الكبرى مع شعبه، ها هي التقارير الصحافية الغربية التي باتت تنهمر علينا في شكل دوري عن التنظيمات الإسلامية المتطرفة، التي تستوحي أفكارها من تنظيم «القاعدة»، ودورها في تسليح الجزء الأكبر من عمليات المعارضة في الداخل. ومن شأن هذه التقارير أن تزود إعلام النظام السوري بحاجته من الدعاية الموجهة ضد المسلحين وأهدافهم، تطبيقاً للنظرية التي أطلقها منذ بداية المواجهات أن الحرب التي يخوضها هي مع «الجماعات الإرهابية المسلحة».

هكذا، يمكن تخيّل سعادة الرئيس السوري وهو يقرأ التقرير الذي نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية أمس، والمتضمن تفاصيل تتعلق بحذر إدارة الرئيس أوباما من هوية معظم المسلحين الذين يقاتلون النظام، ومن أهدافهم في سورية بعد الانتصار الذي يسعون إليه. وتنقل الصحيفة عن مسؤول في الإدارة قوله «جماعات المعارضة التي تحصل على المقدار الأكبر من المساعدات العسكرية ليست هي الجماعات التي نريدها أن تحصل على هذه المساعدات».

يضاف هذا إلى تقارير أخرى عن قيام الجنرال ديفيد بترايوس مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) بزيارة إلى تركيا الشهر الماضي للاطلاع على عمليات تسليح التنظيمات المعارضة والجهات التي يذهب إليها السلاح، ولمحاولة تنظيم جهة معارضة تستطيع الولايات المتحدة العمل معها ودعمها. ومن المبالغة القول إن حذر الولايات المتحدة حيال أهداف معظم تنظيمات المعارضة السورية يعود فقط إلى تردد الرئيس أوباما في توريط إدارته في الأزمة السورية عشية الانتخابات المفصلية للرئاسة، والتي بات التنافس فيها حاداً بينه وبين المرشح الجمهوري ميت رومني. ذلك أن الفوارق تكاد تكون معدومة بين الرجلين فيما يتعلق بالموقف المعارض لتسليح «أفغان جدد» على الأرض السورية. فعلى رغم أن رومني يبدو أكثر استعداداً من أوباما للمشاركة بفعالية في إسقاط الأسد، إلا أنه أعلن في خطاب أخير أنه سيتأكد من أن المجموعات التي تدعمها الولايات المتحدة هي تلك التي «تلتقي أهدافها مع قيمنا». وبديهي أن مناصري «القاعدة» وحاملي أيديولوجيتها لن يكونوا من بين هؤلاء.

وإذا كان من الطبيعي والمفروض أن لا تعلق المعارضة الوطنية السورية آمالها على شروط الدعم الأميركي، فإن غياب هذا الدعم السياسي للمعارضة، والقلق من هويتها وبرنامجها، باتا يضعان المعارضة أمام خيارين، أحدهما أسوأ من الآخر: إما الفشل وبالتالي بقاء الأسد في السلطة، والأصح «عودته إليها». أو ترك الساحة لـ «الجهاد السوري» الذي بات يُخشى أن يحول سورية إلى «أفغانستان جديدة» في قلب العالم العربي، مع ما لذلك من ذيول ومضاعفات على مستقبل المنطقة وعلى أيديولوجية الحركات التي استطاعت العبور بثوراتها حتى الآن بمقدار معقول من النجاح والأمل.

لا يعني هذا الكلام بالطبع أن بقاء الأسد هو «أفضل الممكن» في الوضع السوري، فالسوريون، بعد كل ضحاياهم والدمار الذي لحق ببلادهم، يستحقون غير ذلك. من هنا، مسؤولية المعارضة الوطنية السورية (السياسية والمسلحة) أن تتفق على برنامج موحد يكون مقنعاً ومحرجاً في الوقت ذاته، للعرب والعالم، بأن معارضي سورية يستحقون الدعم لأنهم لن يسمحوا بتحويل بلدهم إلى ساحة للتطرف والفوضى بعد سقوط الأسد.

=================

الأسد لن يرحل أبداً؟

علي حماده

2012-10-16

النهار

أهم ما قيل في الفترة الاخيرة عن الازمة في سوريا هو ما نقله وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس عن نظيره الروسي سيرغي لافروف من ان "الرئيس بشار الاسد لن يرحل ابدا". ففي هذا الكلام لا بل في هذا الموقف الذي حمله وزير الخارجية الروسي تكمن المعضلة في سوريا. فالمعركة مفتوحة حتى ينكسر احد الطرفين او يتعادلان سلبيا ويتوقف القتال ليعقد مؤتمر دولي حول سوريا لتظهير صفقة دولية قد تأتي وقد لا تأتي في القريب العاجل. ومن هنا التوقع بان يكون فصل الشتاء اقسى واكثر دموية في ظل تحول المعركة في سوريا من ثورة ارادها السوريون شعبية سلمية الى حرب تحرير كاملة الاوصاف، فصار الاحتكام الى القوة والسلاح هو السائد.

إذاً روسيا تبلغ الغرب ان بشار لن يرحل، بالرغم من تقهقر قواته على الارض، وبدء تساقط طائراته الحربية المغيرة على المدن والبلدات بأعداد اكبر، وتحول المعركة على الارض الى معركة للاستيلاء على اكبر مساحة في الشمال المحاذي لتركيا من اجل اقامة منطقة عازلة بالامر الواقع. ومن هنا اشتعال حرب الامدادات التي يعول عليها النظام لفك عزلة العديد من وحداته المقاتلة في محيط حلب وريف ادلب. ومن جهته يضع النظام ثقلا استثنائيا في حمص من اجل اسقاط آخر معاقل الثوار في الاحياء القديمة. ومعلوم ان لحمص خصوصية كونها تقطع التواصل الطبيعي في ما بين "الكانتون العلوي" على الساحل السوري، ومنطقة البقاع اللبناني المعتبر من الناحية العملية جزءا من دويلة "حزب الله". هذا ما يفسر التورط العسكري لـ"حزب الله" في معارك القصير ومحيطها، والهدف واضح جدا : افراغ تلك المناطق من سكان مناوئين بشكل تلقائي للنظام في سوريا. وعداء السكان الطبيعي للنظام هو البيئة الحاضنة للثوار وللجيش الحر الذي يعرف النظام ومعه "حزب الله" انه لا يمكن اخراجه نهائيا من هذه المنطقة الحيوية الواصلة ايضا "الكانتون العلوي" بدمشق وصولا الى تماس مع اسرائيل جنوبا من دون القيام بتطهير سكاني على قاعدة مذهبية واضحة لا تخفى على احد.

بشار لن يرحل ابدا هذا ما قاله سيرغي لافروف. ولكن ماذا عن الجبهة المقابلة؟ الولايات المتحدة تعيش انتخابات رئاسية وبالتالي فهي مشلولة تماما. اما العرب الداعمون للثورة مع تركيا واوروبا فهم في الانتظار، والسلاح المتطور المضاد للطائرات وللدروع جاهز وقابع في مخازن في انتظار انتهاء الانتخابات الاميركية واتخاذ القرار الاستراتيجي بالتعجيل في سقوط بشار بكل الوسائل. وهنا تبرز نظرية ان التعجيل في ترحيل بشار من شأنه ان يحد من انتشار الحالة الاصولية المسلحة في سوريا. فبقاء النظام ما عاد ضماناً لمنع التطرف ودخول القاعدة بل انه دعوة مفتوحة شأن بقاء "حزب الله" على ما هو عليه من سلوك وقوة.

=================

الدعم الدولي للإبرهيمي لفظي بلا ترجمة

روزانا بومنصف

2012-10-16

النهار

يحظى التحرك الذي يقوم به المبعوث المشترك للامم المتحدة والجامعة العربية الى سوريا الاخضر الابرهيمي بدعم ظاهري من دول المنطقة التي يزورها في اطار جولته الجديدة راصدا ردود الفعل على افكار مبدئية يبدو انه يقدمها لحل الازمة الدموية في سوريا وفق ما اعلن ويعلن المسؤولون في هذه الدول. اذ يصعب الا تؤيد دول الجوار السوري علنا حلا سياسيا من اجل وقف نزف الدم في سوريا وسط تزايد سقوط الضحايا المدنيين في حين تخشى مصادر ديبلوماسية الا تكون مواقف هذه الدول قد شهدت تغييرا فعليا مما يجري هناك حتى الان خصوصا انها في انتظار الاستحقاق المتمثل بنتائج الانتخابات الرئاسية الاميركية بعد ثلاثة اسابيع من اجل ان تبني على الشيء مقتضاه بالنسبة الى حساباتها للمرحلة المقبلة ، وان تكن هذه الانتخابات مرجحة بالنسبة الى مراقبين كثر لمصلحة ولاية جديدة للرئيس بارك اوباما .لكن ما قبل الانتخابات هو غيره ما بعدها في معايير التعامل مع الادارة الاميركية في انتظار خروجها من جمودها في شأن سوريا والمنطقة مع عدم اسقاط احتمال المفاجآت بطبيعة الحال في هذه الانتخابات. وتخشى هذه المصادر ان يتبين لاحقا ان موعد الانتخابات قد يكون موعدا وهميا لتغيير ربما يطرأ على المواقف في شأن سوريا في حين ان الواقع ينطوي على ترك الامور على حالها لكي تنضج على وقع الانهاك المتبادل والمزيد من الانهيار.

ويعود ذلك الى ان الابرهيمي يحظى بدعم كل من دول الاتحاد الاوروبي وروسيا ايضا التي تذكر في كل مناسبة بانه يمكن الموفد الدولي الاعتماد على دفتر شروط عماده خطة سلفه كوفي انان المؤلفة من النقاط الست وعماده ايضا بيان جنيف الذي اتفقت عليه الدول الكبرى للحل في سوريا في نهاية حزيران الماضي على رغم ان لا خطة كوفي انان نجحت ولا بيان جنيف متفق على سبل تنفيذه او على ترجمته وقد اختلفت الدول الكبرى الغربية مع روسيا على ترجمة تنفيذه بين تنحي الرئيس السوري بشار الاسد وعدم تنحيه. ففي هذه المواقف بالذات وفق ما تقول المصادر الديبلوماسية المعنية تكمن الثغر التي لا تعطي الابراهيمي دفعا على نحو كاف من اجل التقدم في خطته بما فيها الافكار التي تطرح عن نشر قوات دولية في سوريا عقب وقف اطلاق نار يتم بين الطرفين المتحاربين على رغم الجهود التي يبذلها في هذا الاطار. اذ ان مسؤولين اوروبيين عمدوا على اثر لقائهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في خلال عطلة الاسبوع المنصرمة الى الاعلان ان الموقف الروسي ازداد تصلبا ازاء الموقف من سوريا ونقلوا عنه قوله ان الرئيس السوري لن يرحل ابدا كما قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس تزامنا مع اتخاذ الاتحاد الاوروبي المزيد من العقوبات في حق كيانات واشخاص سوريين وفي منع الطيران السوري الى العواصم الاوروبية. الامر الذي يعني ان البون لا يزال شاسعا بين المواقف الغربية وموقف روسيا ازاء الوضع السوري والغرب لا يزال مصرا على تنحي الرئيس السوري في مقابل الرفض الروسي لهذا الامر.

=================

ثقة أميركية بـ"إخوان" مصر... لا بـ"إخوان" سوريا!

سركيس نعوم

2012-10-16

النهار

الولايات المتحدة منشغلة تماماً بانتخاباتها الرئاسية. لكن ذلك لا يعني جمود الادارة الاميركية وامتناعها عن متابعة التعاطي مع القضايا الخارجية والداخلية وإحجامها عن اتخاذ القرارات اللازمة في شأن بعضها الذي يمس مباشرة المصالح الحيوية والاستراتيجية الاميركية. انطلاقاً من ذلك، ونظراً الى ان أبناء المنطقة يحلّلون مواقف إدارة اوباما، ويحاولون استشراف سياسات الادارة المقبلة كان لا بد من التوجه الى عدد من المتابعين الاميركيين لمعرفة حقيقة الموقف الاميركي الحالي وربما "المستقبلي" من الذي يجري في العالم العربي بدءاً من "ربيعه" ومروراً بتجلياته السورية.

ماذا قال هؤلاء؟

قالوا اولاً ان هناك اتفاقاً تاماً داخل ادارة اوباما وخارجها على ان فجر الاسلام الاسلامية او الاسلاموية قد طلع في العالم العربي والاسلامي. وقالوا ثانياً ان هناك اتفاقاً تاماً على ان الايديولوجيات التي سيطرت على هذا العالم في الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي فشلت، كما فشلت الديكتاتوريات العسكرية التي انتهجت ما اعتبرته هي الايديولوجيا "العلمانية". علماً ان علمانيتها لم تكن جدية. وقالوا ثالثاً ان الطريقة التي تصرّف بها "الاخوان المسلمون" في مصر بعد وصولهم الى السلطة اظهرت انهم يمثّلون الجناح الأكثر اعتدالاً من بين التيارات والحركات الاسلامية او الاسلاموية. وقالوا رابعاً ان هناك انقساماً داخل صفوف اليمين الاميركي حول السياسة التي يجب ان تنتهجها الولايات المتحدة حيال الواقع الاسلامي او الاسلاموي الجديد في المنطقة. فبعض هؤلاء يظن انه من الأفضل متابعة دعم الايديولوجيات "العلمانية" على عدم جديتها ومنها ايديولوجيا النظام السوري. أما بعضهم الآخر فيرى ضرورة إقناع الاسلاميين او الاسلامويين بالاتجاه نحو الاعتدال. ويبدو ان الانقسام المذكور قد بدأ يصل الى نهايته، وخصوصاً منذ اقتراب المرشح الرئاسي الجمهوري ميت رومني من مواقف منافسه الديموقراطي الرئيس باراك اوباما، وخصوصاً التي منها تحبذ العمل مع الاسلاميين. وقالوا خامساً ان السياسة الحالية للادارة الاميركية حيال مصر هي العمل مع "الاخوان المسلمين" اي مع رئيسها، هو عضو منهم، ومحاولة اقناعه بإقامة مزاوجة ناجحة بين الاسلامية، وهي ايديولوجيته، وبين الديموقراطية، وبدفع العمل السياسي داخل بلاده في هذا الاتجاه.

ما هو موقف اميركا الحالية اي إدارة اوباما من سوريا نظاماً وثورة واسلاميين وليبراليين وعلمانيين؟

عن هذا الموقف تحدث المتابعون الاميركيون في واشنطن انفسهم فقالوا ان الادارة الحالية لا تزال في مرحلة وضع السياسة النهائية الواجب اتباعها حيال سوريا وما يجري فيها. وقالوا ايضاً ان "الاخوان المسلمين" السوريين يتحاورون مع الإدارة الاميركية، ويحاولون اقناعها بأنهم البديل الوحيد المعتدل للنظام الحالي في سوريا، تماماً مثل "اخوانهم" في مصر، وكذلك البديل الوحيد من سيطرة الاسلاميين او الاسلامويين المتطرفين او التكفيريين او العنفيين على سوريا دولة وشعباً. وقالوا ثالثاً ان إدارة اوباما لا تزال غير مقتنعة بكلام "الاخوان" السوريين، لكنها لا تزال تتابع الحوار معهم، وتطلب منهم أدلة على قدرتهم الآن وبعد وصولهم الى السلطة في أعقاب سقوط نظام الاسد على ضبط المجموعات الاسلامية المتعصبة التي "اخترقت" أرض سوريا للاشتراك في "الجهاد" ضد نظامها، او بالاحرى على كبحها. وقالوا رابعاً ان إدارة اوباما تحاور في الوقت نفسه كل اطراف المجتمع السوري واطيافه بمن في ذلك المنتمون الى عصبية الرئيس، اي الى الطائفة العلوية، والبادئون في معارضته والمسيحيون. وقالوا خامساً ان الإدارة تواجه حالياً مأزقاً او ورطة أو معضلة تتمثل بمعارضة المنشقين المحترفين عن الجيش السوري الذين تدربهم جهات مختلطة بإشراف اميركي ضم "الاخوان المسلمين" او من يماثلهم الى "سوريا الجديدة". فهم يميلون الى "العلمانية" ولا يمانعون في ضم الطائفة العلوية الى النظام الجديد بعد التخلص من الاسد ونظامه، وفي ظل ترتيب شامل وجديد لسوريا في الداخل والخارج. لكنهم يرفضون ضم "مستشاري" الاسد ورموز نظامه الى النظام المذكور اياً يكن انتماؤهم المذهبي او العرقي. علماً انهم لا يرفضون دوراً لنائب الاسد فاروق الشرع ولكن كرئيس لحزب سياسي هو البعث، وفي ظل قوانين وأنظمة تمنع عودته الى الهيمنة على البلاد.

=================

في انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية

هل يصمد لبنان إذا طالت الأزمة السورية؟

اميل خوري

2012-10-16

النهار

السؤال الذي تختلف الاجوبة عنه باختلاف المصادر هو: متى تنتهي الازمة في سوريا؟

ثمة من يرى انها طويلة لان الحل السياسي المتفق عليه يثير خلافا حول آلية تنفيذه، والحل العسكري ممنوع حتى الآن لئلا يشعل حربا واسعة في المنطقة قد تتحول حربا عالمية ثالثة. وقد يكون لاستمرار الازمة السورية مدة طويلة تداعيات سياسية وامنية واقتصادية على دول الجوار ولا سيما منها لبنان نظرا الى وضعه الجغرافي، الامر الذي يجعل الدول المعنية بها، وخصوصا لبنان المتضرر الأكبر من استمرار الازمة، تستعجل البحث عن حل لها.

وثمة من يقول ان الولايات المتحدة الاميركية وروسيا متفقتان على وجوب العمل على ضبط الاوضاع في الدول المجاورة لسوريا بحيث يبقى الامن والاستقرار فيها ثابتين في انتظار انتهاء الانتخابات الرئاسية الاميركية ومعرفة من سيفوز فيها كي تستطيع روسيا الدخول في محادثات مع الرئيس الجديد حول الوضع في سوريا وكذلك في منطقة  الشرق الاوسط، فاما يتم التوصل الى اتفاق اميركي – روسي على حل للأزمة السورية ويكون هذا الحل نقطة انطلاق للاتفاق على تقاسم النفوذ في المنطقة بما يشبه اتفاق "سايكس – بيكو" بطبعة جديدة، تأخذ في الاعتبار المستجدات على الارض والمصالح الحيوية لكل دولة، ويكون التوصل الى هذا الاتفاق منطلقا للبحث في اتفاق سلام شامل بين العرب والفلسطينيين من جهة والاسرائيليين من جهة اخرى ينهي النزاع المزمن في ما بينهم ويجعل الامن والاستقرار الدائمين والثابتين يحققان الازدهار في المنطقة كلها ويتحول ثمن شراء الاسلحة لتمويل مشاريع التنمية الى تحسن مستوى معيشة الشعوب فيها. اما اذا لم يتم التوصل الى اتفاق بين الدول الكبرى على حل الازمة السورية وبدا ان لا حل لها الا بعمل عسكري قد لا يبقى داخل الحدود السورية بل قد يتعداها الى دول مجاورة وربما الى دول المنطقة كلها، فان هذه الحرب تكون عندئذ بين محورين: المحور الايراني ومن معه والمحور الاميركي ومن معه، وتصبح نتائج الحرب هي التي ترسم الخريطة السياسية والجغرافية لدول المنطقة وشكل الانظمة فيها كما رسمت الحرب العالمية الثانية التي وقعت بين الدول الرأسمالية والدول الشيوعية وبين دول الانظمة الديموقراطية ودول الانظمة الديكتاتورية، وكانت نتيجتها انتصار دول الانظمة الديموقراطية، وانهيار دول الانظمة الاشتراكية والشيوعية. فهل ستنتهي الازمة السورية بحل اميركي – روسي يجري البحث فيه بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية وهو حل قد يكون الاقل كلفة بكثير من حرب مدمرة يشعلها عدم الاتفاق على حل سياسي؟

الواقع انه من الآن الى ان تنتهي الانتخابات الرئاسية الاميركية، فان الدخول في بحث لحل سريع يتم في حال اعادة انتخاب الرئيس باراك اوباما، اما في حال فاز منافسه، فان الدخول في هذا البحث سيتأخر الى حين تقوم ادارة اميركية جديدة وتعلن عن سياستها في المنطقة والعالم.

والسؤال المهم الذي يبقى مطروحا في هذه الحال هو: هل يظل في الامكان منع خطر انعكاس تداعيات الازمة السورية على دول الجوار مع ازدياد تدفق النازحين السوريين اليها وتوفير المساعدات الانسانية لهم لئلا يخلقون مشكلة اجتماعية داخل هذه الدول قد تتحول مشكلة امنية؟ وهل تظل ايران ساكتة وساكنة اذا ما شعرت بأن الازمة السورية قد تحسم عسكريا لغير مصلحة النظام ام انها توعز الى "حزب الله" بالاحتكاك باسرائيل وعندها تقع الحرب الثانية بينهما بعد حرب تموز الاولى عام 2006 وقد تتحول حربا شاملة في المنطقة؟

الاوساط السياسية المراقبة ترى ان لا خطر من تداعيات الازمة السورية ولا حسم لها قبل الانتخابات الرئاسية الاميركية، وانه اذا صار التجديد فيها للرئيس اوباما فان ابواب الحل تصبح مفتوحة.

 اما اذا طال امد الحل نتيجة فوز منافسه وانتظار اقامة الادارة الاميركية الجديدة فيمكن القول عندئذ ان الازمة السورية تدخل في سباق بين الحل السياسي والحل العسكري ويصبح خطر تداعياتها على دول الجوار داهما.

=================

الأسد ومراوغة المراوغة!

عماد الدين أديب

الشرق الاوسط

16-10-2012

لست أعرف كيف يمكن أن ينجح «سي الأخضر الإبراهيمي» في مهمته الصعبة كمبعوث أممي وعربي خاص بالأزمة السورية؟

حاولت أن أقرأ في خارطة تحركاته السياسية لأفهم - قدر جهدي - معنى هذه التحركات وآثارها على الخطة التي يسعى إلى تقديمها قريبا لكافة أطراف الأزمة. ويمكن القول: إن تحركات الأخضر الإبراهيمي تعتمد على المبادئ التالية: 1) عدم الوعد العلني أو السري لأي طرف بشيء.

2) الحوار مع كافة الأطراف المباشرة في الأزمة.

3) التحاور مع أطراف دول الجوار المؤثرة في الأزمة السورية على أساس أنه إذا كان القتال الدائر الآن هو بين أطراف محلية بشكل مباشر فإنه يتم تغذيته من قوى إقليمية ودولية كثيرة وهي على سبيل الحصر: تركيا وإيران وقطر والسعودية والإمارات ودول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وإسرائيل والصين وروسيا وكوريا الشمالية والأردن ولبنان وحزب الله وحركة حماس، ومصر والجزائر.

كل هذه الأطراف بطريقة أو بأخرى، سياسيا أو أمنيا أو عسكريا أو ماليا، هي طرف ومكون أساسي من مكونات الحل المتخيل للأزمة السورية. وإذا كان كوفي أنان يتبنى تصورات أممية تقوم على توفير حل رغما عن بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية بمنطق الغلبة لفريق ما ضد الآخر، فإن خطة الإبراهيمي تهدف إلى توفير خطة على مراحل تبدأ بإيقاف العنف يشارك الكل بموافقة الكل تقوم على مبدأ المشاركة لا المغالبة. حائط الصد أو الصخرة التي يمكن أن تتكسر عليها كل أفكار وتحركات وأحلام الإبراهيمي ومن يسانده هي «عقلية البعث» التقليدية التي تقوم على 3 مراحل أساسية من التعامل مع أي أزمة:

1) الإنكار الكامل لوجود الأزمة.

2) محاولة فرض سياسة الأمر الواقع بالقوة رغما عن العالم.

3) ادعاء التعاون مع العالم والمجتمع الدولي لإيجاد الحلول اللازمة للأزمة في الوقت الذي تحاول فيه أدوات النظام «التذاكي» لتحطيم أي أسس للاتفاق أو التهدئة! هذا المنهج الكلاسيكي هو «كتالوج» بعثي استخدمه صدام حسين عدة مرات، واستخدمه الأسد الأب، والآن يستخدمه الأسد الابن. الفارق الجوهري بين الأسد الأب والأسد الابن أن الأب كان يمتلك حكمة المراوغ العجوز القديم البارع في ضبط قواعد وشكل اللعبة، أما الأسد الابن فهو يفتقر إلى تلك الحكمة التي تجعله يبدو «بعثيا» حقيقيا بلا أقنعة وبلا مساحيق «الممانعة» و«المقاومة» وكل هذه الترهات الثورية! أخشى أن يصل الأخضر الإبراهيمي إلى أي نقطة نجاح مبدئية توقف تلك المجازر اليومية.

وحتى لو وصل إلى تلك الخطوة الأولى، فإن الغباء السياسي لتيارات البعث التقليدية سوف تصل في نهاية المرحلة إلى حافة الهاوية!

=================

ليت الإبراهيمي يقنع الأسد بذلك!

طارق الحميد

الشرق الاوسط

16-10-2012

دعا المبعوث الأممي والعربي إلى سوريا السيد الأخضر الإبراهيمي من بغداد بالأمس إلى «وقف تدفق السلاح إلى جميع الأطراف» في سوريا، داعيا الدول التي تملك نفوذا على بعض الجماعات إلى «تشجيعها على التوجه نحو الحل السلمي» بعدما «لم يأت الحل العسكري بأي نتيجة»!.

وهذا التصريح وحده يعد جزءا من المشكلة، وليس جزءا من الحل؛ فأولا هو أمر غير دقيق، لأن من لجأ للحل العسكري هو طاغية دمشق بشار الأسد، وليس الثورة، أو أي طرف خارجي. كما أن الأسد هو نفسه من أضاع كل الفرص، ومن أول يوم، من أجل تطبيق الحلول السلمية، وحتى قبل أن تصبح الثورة السورية أزمة تستدعي تدخل المجتمع الدولي، وقبله العربي. وعندما نقول إن تصريح السيد الإبراهيمي جزء من المشكلة فهذا ليس بالمبالغة، فالقول إن الحل العسكري لم يأت بأي نتيجة يجب أن لا يوجه للدول الحريصة على سوريا، وشعبها، ولا للثوار، بل يجب أن يوجه للأسد وجها لوجه، وعلنا. فطاغية دمشق هو من يستخدم الطائرات الحربية، والمدفعيات، وكل أنواع الأسلحة الثقيلة أمام شعب أعزل، وثوار لا يزالون يستجدون العالم من أجل أن يساعدهم سياسيا عبر مجلس الأمن، أو من خلال تسليحهم ما دامت إيران وروسيا تقومان بتسليح الأسد، وطوال الأزمة.

إشكالية تصريح السيد الإبراهيمي أنه يساوي الضحية بالجلاد، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن هذا التصريح أمام وسائل الإعلام، بضرورة «وقف تدفق السلاح إلى جميع الأطراف» في سوريا، ودعوة الدول التي تملك نفوذا على بعض الجماعات هناك إلى «تشجيعها على التوجه نحو الحل السلمي» بعدما «لم يأت الحل العسكري بأي نتيجة»، لم أجد من يؤكد سماعه منه شخصيا خلال مباحثاته الأخيرة مع بعض الأطراف؛ فلماذا يقال هذا التصريح الآن من بغداد، وليس من دمشق، مثلا، وبكلام موجه للأسد نفسه، خصوصا أن مصادري تؤكد أن مسؤولا رفيعا جدا في موسكو قد أبلغ مسؤولين بدوائر الأسد رسالة واضحة، قبل أسبوعين، مفادها أن موسكو فعلت المستحيل من أجل الأسد، وأن النظام الأسدي لم يف بوعوده، ولم يطبق ما اتفق عليه، وأنه حتى حين يستجيب النظام الأسدي فإنه يفعل ذلك إما متأخرا، أو بتحريف ما تم الاتفاق عليه. والمذهل أن ذلك المسؤول قد أبلغ مسؤولي الأسد بأن عليهم ألا يتوقعوا الكثير من روسيا بعد السابع من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، أي اليوم الثاني للانتخابات الأميركية! وبالطبع فإن موسكو تعي أن هناك حقائق لا بد من التعامل معها بعد ذلك التاريخ، سواء أعيد انتخاب أوباما، أو كانت النتيجة فوز الجمهوري ميت رومني.

عليه، فإن تصريح السيد الإبراهيمي يجب أن يقال للأسد وحده إذا كان الإبراهيمي يريد حلولا حقيقية قبل السابع من نوفمبر، وهو أمر مشكوك فيه، أي الوصول لاتفاق، أما إذا كان المبعوث الأممي يقول ما يقوله لأنه يعي أنه لا شيء سيتحقق قبل الانتخابات الأميركية، ويريد القول إنه بذل ما في وسعه، فتلك قصة أخرى، وهي الأقرب للواقع.

=================

الحظ العاثر للثورة السورية!

اكرم البني

الشرق الاوسط

16-10-2012

مجازا، يمكن القول بحظ عاثر للثورة السورية مقارنة بالثورات الأخرى، للدلالة على أهم التعقيدات والصدف السيئة التي اعترضت مسارها، فأطالت فترة مخاضها وآلامها، وخلقت هذا المشهد الرهيب من الدمار والضحايا والمشردين.

أليس من سوء طالع الثورة السورية فقدانها عنصر المفاجأة الذي ميز الثورتين التونسية والمصرية وأربك نظاميهما؟! الأمر الذي منح السلطة الوقت لتحضير نفسها ووضع الخطط والتصورات لتجنب الأخطاء في التعاطي مع حركة الشارع الثائر، مرة بالمسارعة لإجهاض أي دور مستقل للجيش في التغيير، أسوة بما حصل في تونس ومصر واليمن، عبر زجه في المواجهة منذ البداية، وتوريط كتائبه في قمع المحتجين، ربطا بخصوصية البنية التكوينية لهذه المؤسسة العسكرية وشروط إخضاعها آيديولوجيا وطائفيا، ومرة بسحق أي محاولة لإقامة تجمع شعبي واسع وثابت يضمن التواصل والتفاعل المباشر بين الناس، كما ساحتي التحرير والتغيير في القاهرة وصنعاء. وكلنا يذكر كيف واجهت السلطة بالحديد والنار اعتصام أهالي حمص عند «دوار ساعة المدينة» وأهالي حماه في «ساحة العاصي»، وقس على ذلك في مدن أخرى. ومرة برفض تقديم أي تنازل سياسي لصالح الثورة واعتباره خضوعا لها، والإصرار على إنكار مشروعية حراك الناس، وتصويرهم كأدوات طائفية ومتآمرة يحل سحقهم، بما في ذلك استخدام العقاب الجماعي والتنكيل العشوائي لإبادة البيئة الاجتماعية الحاضنة للثورة.

هو حظ عاثر ارتباط سوريا مع محور نفوذ في المنطقة يختلف ويتعارض مع ما يمكن تسميته المحور الغربي الذي انتمت إليه أو دارت في فلكه أنظمة بلدان الثورات الأخرى، ما يعني أن حجم القوى التي تقف سدا في وجه مطلب الناس في التغيير لا يقتصر على توازنات داخلية صرفة، كما كان حال الثورات الأخرى حين رفع الغرب يده عن الأنظمة الموالية له وحثها على تقديم التنازلات السياسية أمام الحراك الجماهيري المتصاعد، ما ضاعف الصعوبات أمام الثورة السورية وربط مسارها بمواجهة مع أطراف هذا المحور الذي يجد في نجاحها خسارة له، ولا يتردد أو يبخل في تقديم كل أشكال الدعم والعون لمنع كسر حلقة نوعية من حلقاته، كالحلقة السورية.

زاد الطين بلة موقف الجار الإسرائيلي وكلمته المسموعة غربيا حول مستقبل النظام الحاكم في بلد يحتل جزءا من أرضه، وحافظ على جبهة الجولان آمنة ومستقرة طيلة عقود، ما يفسر تردد السياسات الأميركية والأوروبية وإحجامها عن الدخول بقوة على الخط السوري، والمغزى هو أولوية ما يمكن أن يترتب على أي تغيير في سوريا على أمن إسرائيل، وكلنا يذكر، في أزمات سورية سابقة، وضوح الرغبة الإسرائيلية في عدم إسقاط النظام لخشيتها من وصول سلطة جديدة إلى الحكم تهز الاستقرار الراهن، وما يعزز رغبتها اليوم حضور مزاج سياسي للثورات العربية يميل في المحصلة لمعاداة سياساتها في فلسطين والمنطقة.

وأيضا هي صدفة سيئة أن تستصرخ الثورة السورية تدخلا أمميا لحماية المدنيين، بعد الآثار التي خلفتها التجربة الليبية وبعد شعور روسيا بالغبن وبمرارة الخداع مما حدث هناك، وتنكر الجميع لمصالحها وقد مررت قرارا أمميا وظفه حلف شمال الأطلسي في إطاحة القذافي وأركان حكمه، ما شجع موسكو على استخدام الفيتو ثلاث مرات في مجلس الأمن لإجهاض مشروع قرار يدين العنف السلطوي ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته في حماية المدنيين.

وضوح دور القوى الإسلامية والوزن الكبير الذي حازته في انتخابات تونس ومصر، ثم التصريحات غير المسؤولة لبعض قيادييها عن أولوية أسلمة الدولة والمجتمع، واستهتارهم بشعارات الثورة ومطالب الناس، هي من الصدف السيئة والضارة التي تعيق مسيرة الثورة، وتساهم في تعقيد شروط نضال السوريين وإضعاف قدرتهم على اجتراح التغيير، فما يطيل آلام المخاض في مجتمع تعددي، إثنيا ودينيا وطائفيا، كالمجتمع السوري، هو بقاء قطاعات من الشعب في وضع الحياد والسلبية، ولنقل مترددة أو محجمة عن الانخراط في الثورة، بسبب تنامي مخاوفها، كأقليات، من خطر وصول الإسلاميين إلى سدة السلطة، ومن مظاهر التضييق والتنميط المرافقة عادة لهذا النوع من الحكومات.

ثم، أليس حظا عاثرا أن يتراجع النهج السلمي للثورة تحت وطأة الخسائر الفادحة التي تكبدها الناس لأكثر من عشرة شهور من دون أن يقطفوا ثمارا مستحقة لقاء رهانهم على نهج لم يرتد عليهم بما كانوا يرجون، وخاصة في وقف العنف ووضع الأمور على سكة التغيير السياسي؟! والمعنى أن ينجح النظام عبر العنف المفرط والممارسات الاستفزازية في فرض العسكرة، وتشجيع ظواهر المقاومة المسلحة لتغدو المكون الأول من مكونات الثورة.

وأخيرا، هو حظ عاثر حين تبقى الثورة السورية عفوية في وجهها الرئيسي على الرغم من مرور أكثر من عام ونصف على انطلاقها، وأن لا تتمكن القيادات السياسية من خلق التمفصل الصائب مع المكونين المدني والعسكري لضمان أفضل أداء وأقل الأخطاء والخسائر، أو حين تخفق الائتلافات المعارضة، على تنوعها، في تنسيق نشاطاتها وتجاوز أمراضها وتشتتها، والأهم في طمأنة الرأي العام وإبداع أشكال من النضال المدني والسلمي كفيلة بتبديل المشهد والتوازنات القائمة، وأيضا هو سوء طالع حين يساهم مناخ العنف وانكشاف الصراع الطائفي في فتح الباب أمام المجموعات الدينية المتشددة وعناصر السلفية والجهاديين كي تنتزع حيزا مهما في المشهد، وهؤلاء، مع الاعتراف باستعدادهم العالي للتضحية والشهادة، هم الأبعد سياسيا عن شعارات الحرية والديمقراطية، والأكثر استسهالا للتجاوزات والأعمال الانتقامية، زاد الأمر تعقيدا تكاثر أعداد المقاتلين الوافدين من الخارج تلبية لنداء «نصرة الإسلام في بلاد الشام» وتدخل المال السياسي في تمويل بعضها، وخاصة الأكثر تطرفا.

في كل مراحل الثورة، ومثلما شكل رفض الشعب السوري للواقع القائم واستبساله في الكفاح لنيل حقوقه، المعلم والمحرك الأساسي للمتغيرات السياسية التي تحصل، فإن صمود هذا الشعب وعظمة ما يقدمه من تضحيات كفيل أيضا بوضع حد لتعثر ثورته وتعجيل انتصارها!

=================

روسيا: الأسد باق

عبدالرحمن الراشد

الشرق الاوسط

16-10-2012

في واحدة من الوثائق السورية السرية التي اطلعت عليها، كتب رئيس محطة الاستخبارات السورية في السفارة السورية في موسكو، محللا ومستنتجا الموقف الروسي حيال بلاده من وحي مقابلاته مع مسؤولين هناك، كتب أن روسيا ترى في القضية السورية فرصة لاستعادة دورها الإقليمي في المنطقة.

كتحليل سياسي يحتمل الصواب والخطأ، يبدو أن الكثير من سلوك قيادة بوتين يؤيد ما كتبه الضابط السوري؛ الروس يبحثون عن دور في المنطقة، والعودة إلى الشرق الأوسط الذي كان قبل عقدين منطقة نفوذ أساسية لهم، وما نسب إلى وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، أن نظيره الروسي أبلغه أن بشار الأسد باق، وأكد هذه الرواية وزير خارجية بريطانيا، ويليام هيغ، الذي قال إن موقف الروس ازداد تصلبا.

ومعلوماتي التي سبقتها أن الروس جربوا مرة الحديث عن حل يتضمن إبعاد الأسد عن الحكم، لكن كانوا يريدون ضمانات لمصالحهم في سوريا، وهي كلمة مطاطة؛ أهونها استمرار عقد الخدمات الملاحية في قاعدتهم البحرية طرطوس، وأصعبها أن يدفع السوريون ديون الأسد التي بلغت مليارات الدولارات، واستخدمت لشراء أسلحة وذخائر لقتل آلاف السوريين، وتمويل النظام؛ نقديا وغذائيا!

ولو ربطنا المعلومات جميعها: بحث الروس عن دور شرق أوسطي بدعم نظام بشار، والمساومة على خروجه مقابل مصالح والتزامات متعددة - نجد أننا أمام معركة أكبر من ذي قبل.

هل هذا يعني أن الأسد باق فعلا، لأن وزير خارجية روسيا، لافروف، أبلغ وزراء أوروبيين رسميا أن الأسد باق رغما عنهم ورغما عن الشعب السوري؟ طبعا، لا. روسيا تستطيع أن تقرر الليلة التخلي عنه، وبالتالي سقوطه في بضعة أيام. لكنها لا تستطيع أن تقرر إبقاءه، فقط لأن بضعة وزراء خارجية جلسوا يتدارسون الوضع. لافروف يعرف، وكذلك رئيسه بوتين، أن بقاء الأسد من المحال، وسقوطه مسألة وقت قد يمتد إلى منتصف العام المقبل، وقد يكون على جثث خمسين ألف سوري إضافي، وتدمير ما تبقى من مدن. ما قاله لافروف يعني أن الثمن أغلى، لكنه لا يعني أن الأسد باق.

قدرة الدول الخارجية على تقرير مصائر الدول لم يعد أمرا هينا كما قسمت خريطة المنطقة في اتفاقيتي «سايكس بيكو» و«سان ريمو» قبل تسعين عاما. وأصبحت القلاقل أكثر كلفة على الدول الكبرى وأخطر على استقرارها مهما بعدت، والدليل المعركة الحالية في جنوب الصحراء في أفريقيا. نعم، الشرق الأوسط الجديد يتشكل، ولن يكون فيه مكان لبشار الأسد سواء قرر الكرملين الروسي ذلك أم لا. السؤال هو: هل سيكون للروس مصالح فيه أم لا؟ لقد اختاروا أسوأ البوابات للعودة للمنطقة، بمناصرة أسوأ الأنظمة وأقلها حظا في البقاء. كانوا في السابق مرحبا بهم كحلفاء وأصدقاء على لوح شطرنج المنطقة، في مصر والسودان والعراق وسوريا واليمن الجنوبي والجزائر.

تحالفهم مع إيران وسوريا وحزب الله، كما يبدو، يجعلهم في الزاوية الضيقة، وسيدفع بالمزيد من حكومات المنطقة وشعوبها باتجاه الغرب وليس العكس

======================

فليرحل هذا الوسيط الفاشل

داود البصري

dawoodalbasri@hotmail.com

GMT 5:30 2012 الثلائاء 16 أكتوبر

بعد أن إستباح النظام السوري المجرم وبمساعدة حلفائه الروس و الإيرانيين دماء الشعب السوري الحر منذ أكثر من عام و نصف، و بعد سلسلة من المناورات الدبلوماسية الفاشلة بدأت مع لجنة المراقبة العربية لصاحبها الجنرال السوداني ( الدابي ) التي ذهبت مع الريح و إستفاد نظام القتلة من وجودها أيما إستفادة في قتل الآلاف من الأبرياء و المحرومين و التي جاءت بعدها المبادرة الدولية الفاشلة الأخرى حول المبعوث المشترك للجامعة العربية و الأمم المتحدة السيد كوفي عنان و التي إستهلكت زمنا ليس باليسير لم يكن العداد الدولي المنافق يحسب وقتها أعداد الشهداء و المصابين و المنكوبين من الشعب السوري المنكوب وهي لجنة ذهبت مع الريح أيضا، جاء دور الوسيط الجزائري المخضرم الأخضر الإبراهيمي بفريق عمله من الدبلوماسيين المغاربة الذين جربوا حظهم سابقا في الملف العراقي بعد الإحتلال الأمريكي و ليدخلوا على خط الأزمة السورية وهم خالين الوفاض و لا يمتلكون رؤية صريحة وواضحة لأبعاد الحل النهائي في سوريا و الذي لايبتعد عن الحل الأوحد وهو ضرورة رحيل النظام و تخليه عن السلطة وترك سوريا لأهلها و شعبها فهي في النهاية ليست إقطاعية خاصة ومملوكة لآل الوحش و اقربائهم و حواشيهم، إنها سوريا المجد و التاريخ و العراقة، سوريا ألأمويين التي إستعصت على الغزاة و البرابرة و حيث يسطر أبنائها الأحرار اليوم أروع ملاحم البطولة و الفداء و الإستشهاد، لقد فات على ( السي الأخضر ) بأن المعركة في سوريا ليست خلافا على ملكية أرض، بل إنها ثورة شعبية شاملة تهدف للخلاص و لا تنفع معها الدبلوماسية الباردة أو المخملية وحيث يرتع أهل الوساطات الدولية بالرواتب الأممية الخرافية و يحظون بالتنقلات الفارهة و المريحة و يتناقشون حول جنس الملائكة فيما الناس تقتل و تباد و الأسلحة المحرمة دوليا تفني من يشاء النظام المجرم إفنائه من أبناء سوريا الحرة المجاهدة العصية على الإذعان و الخذلان و الإستسلام لنزوات ورغبات النازيين و القتلة، لقد أفلس الأخضر الإبراهيمي بشكل مريع حينما توسل الحل وطلب المساعدة من طرف هو خصم لدود وعدو شرير و حاقد على الشعب السوري وهو النظام الإيراني الذي لا يمكن أبدا أن يكون جزءا من الحل لأنه جزء فاعل و صميمي من المشكلة، فماذا يستطيع الرئيس الإيراني المتأزم أحمدي نجاد أن يفعله؟ و كيف يتسنى لنظام مفلس و إرهابي و عدواني و يعاني من الآثار المهلكة للعقوبات الدولية المفروضة عليه أن يكون عونا للسي الأخضر في مشروعه الغير قابل للحياة و الفاشل شكلا و مضمونا؟

ماهذه الهرجلة الدولية المنافقة التي تتوسم الحلول المستحيلة من أعداء اصابعهم تقطر من دماء السوريين ومشاعرهم مليئة بالحقد التاريخي الذي لم تنطفيء جذوة نيرانه رغم إنطفاء نيران معابدهم الحاقدة!، كيف يصمت العالم الحر كل هذا الصمت المريب بعد أن ثقبوا آذاننا بإشكالية حقوق الإنسان و العدالة الدولية المزعومة و بحق الشعوب في تقرير المصير؟ ماهذا النفاق المؤلم الذي يحاول تحويل قضية شعب ثائر لقضية صراع محدود بين سلطة غاشمة و معارضين يرومون المشاركة في السلطة بل و يتوسلون بالأعداء المتورطين بالدم السوري لكي يسهلوا أمر الحل السلمي وهو الحل الذي سيرسمه أبطال الجيش السوري الحر الذي رجحت كفته، شعب سوريا الحرة لا يريد تدخلا دوليا و لا وساطات سقيمة و عقيمة لا توفر خيرا إلا لطبقة الدبلوماسيين المترفين المتعيشين على المصائب و الأزمات، لامكان للدبلوماسية الدولية المنافقة في حل المسألة السورية، من يريد أن يساعد فليتفضل مشكورا و يساهم في تسليح الأحرار للدفاع عن نفسهم، أما المساواة بين الضحية والجلاد فهي قمة الظلم و النفاق و سوء التقدير، على السي الأخضر و فريقه الإنسحاب من الميدان بكرامة إن كان يحترم دماء الأحرار وينتمي للشعب الذي فحر ثورة خالدة أقضت مضاجع الفرنسيين المستعمرين ذات يوم، لا أن يتحول لسمسار يبحث عن حل عند فاقديه و يطلب كما يقول المثل الشهير ( من الحافي نعال )!!...

 

إنسحب يا أخضر بعد أن طلبت العون من نجاد و نظامه المتورط و من المالكي ورهطه ولربما من حسن نصر الله وجماعته!!.. إنها المهزلة الكونية في عصر حقوق الإنسان المنافق.. الشعب السوري وحده سيرسم قدره ويحقق نصره لأن الله معه وهو نعم المولى ونعم النصير.

======================

حوار مع ليث شبيلات

 ياسر أبو هلالة 

عمون 14/10/2012

من كل الذين أنساقوا في تأييد النظام السوري أسفت على اثنين ، وهما المناضل التاريخي يعقوب زيادين والكاتب أحمد أبو خليل ، لما يحملانه من نزاهة أخلاقية وعمق فكري وتجربة نضالية . وما أحببت أن أتصل بهما فتتحول المعاتبة إلى مغاضبة وأخسر ودا لاختلاف الرأي. المفارقة أنهما اتصلا محاورين ، ومع استمرار الخلاف إلا أنهما اتفقا على تشخيص النظام بالمجرم وقضيتهما هي رفض التدخل الأجنبي والحفاظ على سورية وطنا موحدا لأبنائه.

 

أما ليث شبيلات فلا أستطيع فهم موقفه إلى الآن، وان كان بالمجمل حيادي " إيجابي" وهو يصب في صالح النظام السوري ، كما موقف زيادين. فالنظام السوري يكفيه ان تقف معه إيران وروسيا والصين. وخلال عامين أمدوه بكل صنوف الذخائر والسلاح والخبراء والاتصالات والتنصت والتشويش ، بل والرجال المقاتلين من الحرس الثوري وحزب الله وجيش المهدي، وما صفقة المالكي الذي جاء بفضل الدبابة الأميركية مع روسيا بمليار ين الا دعما لبشار، ولك أن تسأل ماذا فعل وزير دفاعه لمدة شهر في موسكو؟؟؟ بعد ذلك كله لا يحتاج النظام بيانا يؤيده يحتاج فقط طعنا بالثورة وتشكيكا بها واتهاما لها بالعمالة للأجنبي. وهذا ما لم يقصر به شبيلات ، ومقابل ذلك يقبل منه اتهام أعوان النظام بالجلاد ين والدمويين، ويشيد بسلمية الثورة ونبل مطالبها التي تعرضت لسوء الاستغلال من بعد.

 

في القدس العربي، كتب ليث شبيلات مهاجما المعارضة، ومعرضا بما أكتب، مستعينا بأسعد أبو خليل. ويكشف في المقال سرا خطيرا أني على سلم رواتب قناة نفطية، فضلا عن استضافة في فنادق الخمسة نجوم . وبفعل خلفيتي مع الحركة الإسلامية تذكرت أنه صوفي ويعقوب زيادين حزبي شيوعي. وسألت من الصوفي الذي ينكر ذاته ومن الحزبي الذي تتضخم ذاته فلا يرى أحدا؟

 

سبق وان اتصل بي شبيلات مشيدا وشاكرا، وانا اليوم أقول أنه خسارة بالنظام السوري، وهو من خيرة المعارضين في الأردن، ولا أبني موقفا منه بناء على تعريض في مقال.فهو أول من حدد خريطة طريق للمعارضة لم تلتزم بها للأسف ، عندما طرح عام ٨٩ برنامج النقطة الواحدة وهو تعديل الدستور بشكل يعيد للركن النيابي معناه. ولا زلت اذكر آنه الوحيد الذي وقف مع معان في محنتها يوم تخلى عنها الناس قبل عقد وتركوها مست باحة تواجه تعسف الدولة وظلمها. ومنذ العام ٨٤ وانا أتابع مواقفه وأؤيد آكثريتها. وأول مرة اعتقلت كانت سنة ٩٥ أثناء تغطيتي لخبر اعتقاله.

 

ذلك كله لا يمنع دون الخلاف الحاد معه على مقاله في القدس العربي، فانا اعمل بقناة سبق ان استضافته مرات في فنادق نجوم خمسة، وهو ما تفعله الميادين اليوم وهي الممولة من جيوب المناضلين ! ولا يسوؤه ان قلت انه وسطني لأعزاء عليه للعمل في قطر وأكل أموال السحت. ولم تكن قطر يومها تقاتل مع تشي جيفارا في أدغال الكونجو. أنا أعمل في مؤ سسة قطرية وسبق ان علمت في الحياة اللندنية المملوكة لخالد بن سلطان وعملت في الرأي والغد والسبيل وغيرها ، وكنت دوما منسجما مع ذاتي ولا ابدل قناعاتي بتبدل الوظائف.

 

لكن لم أخذ جنسية بريطانية ولا قطرية ولا سعودية .. ولكن أسعد أبو خليل الذي يهجو أميركا أكثر من أسامة بن لادن على سلم الرواتب في جامعة أميركية ويحمل جنسيتها، ومع انه يعرف نفسه بالملحد والفوضوي الا انه اختار الإمبريالية ولم يذهب للدراسة في الاتحاد السوفيتي او كوبا او كوريا الشمالية . وهو ظل ضيفا دائماً على الجزيرة وينزل في فنادق ٥ نجوم، وأذكرك بانه كان السبب في إغلاق مكتب الجزيرة في الأردن.

 

لست بوارد الدفاع عن عملي بالجزيرة، فهذا ما افخر به، ولا أدين من يعمل في أميركا ، ولو كنت من أسرة لديها القدرة ان تدرسني مثلكما في الاميركية لما ترددت، وهذا لا يمنع من معارضة سياساتها فزيادين أيضاً خريج الأميركية. ولكن ارفض وجهة نظر الخميني التي تبنتها القاعدة من بعد باعتبارها الشيطان الأكبر.وقولي لمسيرة ملص الذي ضمنته في المقال مجتزأ، أنا قلت له خلافي مع أميركا في دعم اسرائيل واحتلال العراق وأفغانستان، وغير ذلك أنا معها عندما دعمت المجاهدين ضد الاتحاد السوفيتي وعندما قاتلت الصرب في البوسنة ( ولم تحتلهما). وقلت له لو كانت عدوا مثل اسرائيل فاني لا استعمل الآي فون وقال لي انه لا يستعمله فقلت له ليث شبيلات يستخدمه وتوجد بدائل سامسونج ونوكيا وغيرها.

 

أميركا الشيطان الاكبر بنظرك، ولكن هذا الشيطان لم يتدخل في سورية وبالمناسبة تدخله في ليبيا ( وهذا سأفصل فيه لاحقا) كان تاليا لفرنسا، ومقابل الفيتو الروسي كان الفيتو الأميركي يرتفع على السلاح النوعي للثوار. ولو سمحت أميركا بدخول السلاح النوعي لحسمت المعركة مبكرا لصالح الثوار . الشيطان الاكبر احتل العراق بمساعدة ايران وتواطؤ روسيا بشبهة وجود سلاح كيماوي، تبين انه لم يوجد. وهو يعارض تسليح الثوار نوعيا ويقبل بوجود سلاح كيماوي عند النظام ، ويحتاط الا يصل الى الثوار بالله عليك من الأوثق أميركيا، النظام ام معارضيه ؟

 

أني اعرف الثوار جيدا، ومن لا اعرفه خير ممن اعرف، اتصل بي عبدالله الطنطاوي معاتبا لأني لم ارد على هاتفه قبل مدة، لان احد ثوار حلب وهو طبيب عمره ثلاثون عاما احب ان يراني، المؤسف انه استشهد قبل ان أراه في عملية الميدان الاستشهادية في حلب ، وغيره كثر ممن يتصلون وصوت الانفجارات يشوش عليهم. انت لا تعرف ابا الحسن وهو لم يصل للثلاثين، خبير امن شبكات انترنت وهو مؤسس شبكة شام وعندما استشهد عشرات من مراسلي الشبكة طلق النت وكتب على حسابه في سكايب " نحن الذين على الجهاد تبايعوا لا نبتغي غير الشهادة مقصدا" دخل يقاتل وقطع كل الاتصالات ، الا مع من لا تنقطع عنه الاتصالات.

 

هؤلاء وغيرهم من زهرة شباب سورية أسأل الله ان يحشرني معهم، ولا أسأله ان يحشرك مع بشار الذي لا تذكر اسمه الى اليوم بسوء، وهؤلاء قطعا ليسوا ممن ضل سعيهم في الحياة الدنيا،كما في خواتيم سورة الكهف ، بل هم فتية الكهف في مطلع السورة الذين " آمنوا بربهم وزدناهم هدى" . ان هؤلاء يقاتلون بالسلاح الفردي من كلاشنكوف وقواذف وعبوات ومفخخات، وما تفعل هذه بطائرات وحوامات ودبابات. انني أطالب أميركا برفع الحظر عن السلاح النوعي، كما حصل في ليبيا.حتى يتمكن هؤلاء من تحرير بلدهم من الطاغية والاحتلالين الايراني والروسي بأقل كلفة.

 

تعرض باني محسوب على الاخوان، وهذا شرف كبير لا ادعيه وتهمة لا أنكرها ، لقد أكرمني الله باني من عائلة إخوانية " شامية" ، فالوالد رحمه الله انضم للإخوان في جامعة دمشق في عام ١٩٦٠ ، وأول شيخ لي في المسجد من اخوان سورية المطاردين حينها . هو ابو عبادة وسيم الهاشمي ، وكان من الثلة الاولى التي أعدمها حافظ الاسد في السبعينيات، وقد فقدت والدي وشيخي بوقت متقارب. توفي والدي شابا، وكان قبل سفره يوصيني بالتزام المسجد وحضور دروس الشيخ الذي كان شابا أيضاً، ومن يومها صدمتني حقيقة الموت الذي يودي بالشباب ، والدي بحادث سيارة، وأبو عبادة بالإعدام وحق لي ان اعتبر النظام السوري من يومها شيطانا اكبر.ومن يومها تعلمت ان حقيقة الموت لا يواجهها غير حقيقة الايمان، وهذا ما تربيت عليه في المساجد في حلقات الاخوان وأسرهم .

 

منذ ١٩٩٧ لم تعد لي علاقة تنظيمية بالاخوان، وحتى عندما كانت، كنت اختلف معهم،وكان الوقوف معك من قضايا الخلاف، اليوم أتفهم موقفهم ، انت فرد لا تطيق العمل الجماعي بتعقيداته وتراتبيته، عكس يعقوب زيادين الذي لا يمانع اليوم ان يكون عضوا في لجنة تدافع عن عمال المياومة، وذلك لا يعيبك، فقد رضي الرسول الكريم لابي جندل ان يعمل لحسابه وخارج دولة المدينة وقال عنه " مسعر حرب لو ان معه رجال" ووجودك فردا لا يقلل تكاليف المواجهة على جماعة، بل يقلل تكاليف اتخاذ الموقف والقرار.

 

وفي النهاية موقف الاخوان من التدخل الدولي ومن التعاون العسكري مع اميركا نفس موقفك . لكن فرديتك لا تجعلك تضرب يمينا وشمالا وتنكر تضحيات جماعة تشكل الضمانة الاساسية في مواجهة الطغيان والاحتلال، والله وحده يحصي كم من شهيد لهم صعدت روحه في سورية او تونس او ليبيااو فلسطين او العراق او مصر او افغانستان .. وكم من أنات معذب في الزنازين او مطارد مهجر في المنافي على مدى ثمانية عقود.

 

تعود للمناضل الذي استشهد شقيقه، وربما ظلمته وشتمته لكن ما اعلمه انه عاد بحضن النظام قبل الثورة ورتب أموره ، وان تبين لي غير ذلك فاني امتلك شجاعة الاعتذار علانية، ولكن اين هو من نضالات الاخوان على مدى اربعة عقود من حكم البعث، وهم فقدوا اكثر مما فقد، الم تقل انك اختلفت مع الاخوان بسبب تقصير هم مع الشيخ سعيد حوى رحمه الله المسؤول العسكري في التنظيم ؟ هل تعلم كم قدمت عائلة حوى من شهداء اذكر لك قصة المنشد يحيى حوى فقد قتل والده امام عينه وهو ابن اربع سنين في احداث حماة الاولى ، هم أولياء الدم ولا يسامحون فكيف نسامح نحن ؟

 

لست بمتصدر للسوريين ولا موجه لهم، هم ثاروا ودفعوا الكلفة برضى ، وما أنا الا مناصر لهم مهموم بهمهم، وهم لا يريدون ان يستبدلوا الاحتلال بالاستبداد، بل سيقاتلون الاحتلال ان وقع، والتدخل الدولي، وليس الأميركي من اعظم الاختراعات البشرية بعد الحرب العالمية الثانية، في تلك الحرب تحالف ستالين الشيوعي مع الرأسمالي تشرتشل وأميركا من بعد وهزموا النازية. ولولا التدخل الدولي لبقي النازيون يحكمون نصف اوروبا.

 

هل تطالب بقوات ردع عربية كالتي أدخلت سورية الى لبنان ؟ وما موقفك من التدخل الدولي على الارض روسيا وايرانيا ئ؟ وهل قاعدة طرطوس الروسية تقود قبائل العرب العاربة في معركة تحرير الاسكندر ون السليب ام الجولان؟ هل تعلم ان اشرس المناطق في المواجهة هي مناطق النازحين من الجولان المحتل وهم يزيدون على المليون؟

 

وبخصوص القوات الاميركية في الاردن موضوع المقال، هل لك ان تدلني لو كنت رئيس وزراء دستوري كيف يمكن ان تحمي المواطنين من إخطار السلاح الكيماوي المحتمل؟ من قتل نحو الأربعين ألفا من شعبه حتى اليوم وهو لا يزال في السلطة ماذا سيفعل بعد ان يسقط؟ فعلا الا تخاف على الشعب الاردني من شرور السلاح الكيماوي؟واطمئنك عن معرفة ان الدولة عندنا لا تزود الثوار بالسلاح حتى لا تغضب النظام الارعن، وهي تفضله على بديله المحتمل ، والسلاح يدخل من تركيا ويشترى من مخازن المالكي وحزب الله والجبهة الاقل تسلحا هي درعا ، لانها متاخمة للأردن . ومع ذلك النظام السوري لا يؤتمن شره.

 

بتجرد لو كنت مكان الدولة عندنا لكنت تعاونت مع الأمريكان والإنجليز والفرنسين وأي بلد ، باستثناء العدو الصهيوني، للوقاية من شرور السلاح الكيماوي، فنحن ليس لدينا مع الأسف أقمار اصطناعية وطائرات بدون طيار تحدد اماكن تلك الاسلحة وتحبطها قبل ان تبيد الأردنيين قبل الإسرائيليين ، لان العدو لديه القدرات على حماية نفسه. وهذه المرة لن يهتف شعبنا ب" بالكيمياوي يا بشار " وكم اشعر بالأسى لأننا يوم هتفنا " بالكيمياوي يا صدام " لم نصغ لحكمة يعقوب زيادين الذي خرج عن نص المعارضة وعارض احتلال الكويت !

 

صدقا أحاول ان أفهمك ، واسأل الله ان يهدينا سواء السبيل ، وفي الفم ماء كثير، وحسبنا ان نلتقي في يوم" تبلى السرائر" وفيه تتحقق عدالة السماء. ومن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز.فاز بدار " ما بها ملل .. بها الأحباب قاطبة كذا الأصحاب والرسل بها ابطال امتنا بها شهداؤنا الاول " . وتلك الدار خير من فنادق الخمس نجوم وخير من النفط والغاز.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ