ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 20/10/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

19-10-2012

الإبراهيمي واستحالة الحل السياسي

علي القيسي

الرأي الاردنية

19-10-2012

لعل مهمة المبعوث الدولي والعربي ، الأخضر الإبراهيمي تكاد تكون مهمة مستحيلة وذلك في ظل الأجواء المتوترة والحرب القائمة بين المعارضة وقوات النظام السوري ، فهو لا يعرف حتى الآن من أين يبدأ في ظل هذا التعقيد العسكري على الأرض ، فبعد زيارته الأولى لدمشق صرح بأن المهمة صعبة ومعقدة وضمناً عرف المراقبون أن الإبراهيمي لم يجد آذاناً صاغية من الرئيس السوري بشار الأسد ولا حتى بصيصاً من الأمل في محاولة إنجاح مهمته المستحيلة ، حيث اكتفى النظام بالإدعاء أن ما يجري في بلاده ما هي إلا مؤامرة دولية هكذا أبلغ النظام المبعوث الدولي الإبراهيمي وبذلك أغلق الطرق كافة على المناورة والمحاولة للمبعوث الدولي ،فقد حاول الإبراهيمي إيجاد ثغرة في جدار التصلب والعناد لدى موقف النظام كي ينفذ من خلالها إلى طريق الحل السلمي وإيقاف إطلاق النار ولكن على ما يبدو قد فشل لغاية الآن .

وهو اليوم يعيد محاولاته مرة أخرى بعد تفاقم تلك الأزمة بشكل مرعب وكارثي وخطير وأصبح التهاون في حل هذه الأزمة نوعاً من الكفر والتنكر لحقوق الإنسان وواجبات المجتمع الدولي، الذي تقع على كاهله حل الصراعات والنزاعات الدولية فالأزمة أضحت تهدد دول الجوار والمنطقة كلها بل والعالم ولا بد من حقن دماء الناس الأبرياء لا سيما وأن الشعب السوري بكافة أطيافه

و مكوناته يتعرض لهذه الحرب إن كانوا معارضين أو موالين فالكل بالنتيجة يدفع الثمن غالياً لماذا كل ذلك؟ من أجل بقاء بشار الأسد ونظامه! أما على الجبهة الأخرى فالمعارضة ما زالت متمسكة بمطلبها الأبرز وهو تنحي الاسد ثم إجراء حوار وطني مع كافة الأطياف الوطنية السورية من خلال حكومة انتقالية، والمعارضة على حق في مطلبها بعد هذا الدمار الهائل الذي ألحق بسوريا وهذه الأنهار من الدماء الغزيرة التي أهدرت ، كيف يستطيع عاقل تصور أن نظام مسئول عن شعبه ووطنه يقوم بقتل هذا الشعب وإحراق هذا الوطن بكافة الأسلحة المحرمة وغيرها ! ومما يزيد الطين بلة أمام المبعوث الدولي هو الموقف الروسي والإيراني الداعم للنظام السوري اللذين وهو بمثابة حجر عثرة أمام الحل السلمي حيث صرح وزير الخارجية الروسي قبيل أيام قوله (( استحالة رحيل بشار عن السلطة في سوريا )) مما يزيد الوضع تعقيداً أمام مهمة الإبراهيمي وجاء هذا التصريح قبيل زيارة المبعوث إلى دمشق إذا ما عساه يفعل بعد زيارته للسعودية وإيران والعراق وتركيا وأيضا دمشق وكذلك لقاؤهه مع بعض أعضاء المعارضة السياسية والعسكرية ! وهو يسعى الآن لإيجاد هدنة لإيقاف إطلاق النار بين الطرفين بمناسبة عيد الأضحى المبارك وهذا أقل ما سيفعله بعد زيارته لتلك العواصم، ولكن المراقب والمتابع لهذه الأزمة منذ عسكرتها بات يدرك أن حل هذا النزاع لا يمكن أن يكون حلاً سلميا لأن شروط الحل على الطرفين ربما تكون قاسية جدا ولا يمكن القبول بها لذلك سيتواصل القتال على الأرض بكل قوة وزخم مخلفا الحرائق في الضحايا والدمار والخراب وعلى الأرض سيتحدد مصير هذه الأزمة ونتائجها فالمعارضة تخوض حربا ضروساً بإرادة حديدية ومعنويات عالية ولكن ينقصها الدعم الجوي أو أسلحة الدفاع الجوي صواريخ أرض جو لحسم هذه الحرب والنظام أيضاً متمسك بموقفه وبعناده في حسم هذه الحرب عسكريا مهما كانت النتائج فالمسألة لديه مسألة حياة أو موت وأخيراً ولعل مهمة الإبراهيمي قد تكون كمهمة كوفي عنان حيث ينتظرها مصير الفشل والخسران إذا لم يحسم أحد الطرفين الحرب لصالحه.

=================

مآلات سورية.. الشعب يتابع دفع فاتورة الصمت العالمي المخزي

د. نور الله السيّد

2012-10-18

القدس العربي

إلى أين تذهب سورية؟ الجواب يحتاج إلى منجّم أو عراّف أكثر منه إلى جامعي مهما بلغت حصافته، ومعرفة ذلك بدقة هو ضرب من الرجم بالغيب. فقد علمتنا الانتفاضة السورية أن مسارات الشعوب في تحقيق آمالها تتطابق في خواتمها، ومن النادر أن تتطابق في مساراتها. فالكل كان يظن أن الانتفاضة السورية ستحقق مبتغاها بسرعة كما فعلت الانتفاضتان التونسية والمصرية، ولكن ما هي إلا أيام معدودات حتى بدأ النموذج المحتمل للانتفاضة السورية بالانتقال نحو النموذج الليبي ثم اليمني بكل هرطقاتهما.

وبنيت على ذلك الكثير من الحسابات والتموضعات. فما حدث كان على خلاف التوقعات وعلى نحو أكثر من لافت، فلم تتدخل قوى خارجية لنجدة السوريين، ولم يطبّق حظر جوي، ولا ممرات آمنة، ولم يتنح الرئيس ويترك السلطة لنائبه وحتى من ادعى صداقة الانتفاضة السورية وسار خطوة للأمام تراجع في اليوم التالي خطوتين إلى الوراء، والبعض اختفى. والمنظمات الإقليمية والعالمية تبتلع الإخفاق هواناً، مؤكدة نفسها كبائعة للسراب. أما القيم الأمريكية فهي معطلة أو مؤجلة بدعاوى مختلفة، من فيتو روسي-صيني مرحب به لشرعنة حالة الركود، إلى طلب توحد المعارضة السورية الممتنع كشرط مسبق لأي فعل، إلى الخوف من قوى إسلاموية تعمل على الأرض السورية في الخفاء والعلن سمع بها السوريون ولم يروها، ولكن أعلن عنها النظام السوري، فصدقته الصحافة الأمريكية والأوربية لهوى في نفسها.

فوجود عشرات المقاتلين الدخلاء بين خمسين ألف مقاوم على الأقل كوجود لص في بيت من بيوت اللــــه، فهل يفسد هذا صلوات المصلين؟ وعدد المجرمين الذين أطلقهم النــــظام السوري من سجونه في العام الماضي 'ليعيثوا' في الأرض فساداً ويُحسبوا على المقاومة هم أكثر بكثير من كل الدخلاء، خاصة إن أضيف إليهم المجموعات التي 'دسها' النظام لتعمل لصالحه باسم المقاومة، ممتهنة القتل والرذيلة والخطف وطلب الفدية.

ويحرص الأمريكان على منع تسليح الجيش السوري الحر خوفاً من وقوع الأسلحة في أيد لا يراد لها أن تملك مثل هذه الأسلحة، وكأن من نخاف أن يقع السلاح بين يديه لا يستطيع شراءه من جماعات التهريب التي تأتيك بالعنقاء إن كنت سخيّا وكل هذا هراء بهراء يحقق مآرب الأمريكان في انتظار الآتي من إيران واستمرار تدمير سورية. والقضايا التي يريدون حلها مع الإيرانيين متعددة، منها منع الإيرانيين من بلوغ مقاصدهم النووية، ورسم حدود القوة الإيرانية الإقليمية وتأثيراتها على تدفق نفط الخليج إلى الدول الصناعية، وقضايا أخرى تتصل بموقع إيران الجيوسياسي. ويروج الأمريكان لاعتقادهم بأن أي تدخل عسكري خارجي سافر في سورية ضد النظام السوري سيؤدي إلى تدخل إيراني مباشر وغير مباشر وعلى نحو سافر ومفتوح وشرس وهو تدخل قائم الآن ولكنه غير معلن ومحدود- بكل ما في ذلك من احتمالات سيئة سيكون ثمن مواجهتها عالياً وخاصة بالنسبة لإسرائيل. وقد يلي الانتخابات الأمريكية اتفاق بين الأمريكان والروس على بيع انتفاضة السوريين في سوق النخاسة الإيراني، وهو اتفاق قد يحتاج إلى ثلاثة أو ستة أشهر على الأقل بحسب من سيكون قاطن البيت الأبيض، في حال اكتمال بنود الصفقة. وسيقول الأمريكيون، عند عقد الاتفاق وقبله، بأن حل المسألة هو حل سياسي وهذا هو أفضل الحلول الممكنة. ومثل هذا الاتفاق قد لا يتم إن رفع الروس أو الإيرانيون أو الأمريكيون سقف طلباتهم عالياً فعندها ستبقى الحرب الدائرة على حالها وسيخسر السوريون والإيرانيون وحزب الله ومن سار في ركابهم من عراقيين خصوصاً، وهذا لمصلحة الأمريكان، وسيجدون لمثل هذه الحالة كل المبررات 'الأخلاقية' اللازمة.

والسيناريو الثاني هو الأكثر احتمالاً، وسيخطئ الأمريكيون كما أخطأوا مراراً في العالم العربي، وسيبقون موضع ريبة قائمة باقية. أما أوروبا مبدعة حقوق الإنسان فهي عاجزة بعجز سياسييها فقد أبلغهم لافروف بأن الأسد باق، وهو بذلك يقول لهم ألا يتدخلوا فيما لا يعنيهم، ويبعث عبرهم برسالة للأمريكان لفتح بازار الاتفاق، وكذلك لتحديد إطار المقبول واللامقبول أثناء مباحثاته في بعض الدول العربية قريباً. ويسبقه الإيرانيون بالقول بضرورة تسوية سياسية يشرف عليها الأسد نفسه، وكأن السوريين جاهدوا جهادهم ليبقوا معلقين بين الجنة والنار إذن فالحل الأمريكي الروسي أو اللاحل، لن يقدم للسوريين ما انتفضوا في سبيله، وعليهم متابعة انتفاضتهم دون الاعتماد على أي كان، فالكل يبحث عن مصالحه غير عابئ بهم أو ببلدهم الذي يتهدم فوق رؤوسهم، وعليهم متابعة دفع فاتورة صمت العالم المخزي، صمت لم يُعرف له مثيل في التاريخ المعاصر إزاء نظام يقتل مواطنيه ببربرية عز مثيلها.

والسوريون يعــــرفون اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن الأسد لن يتنحى راضياً، بل عليـــهم اقتلاعه. ويعرفون أن طريق اقتلاعه قد يطول، وهم يعرفون الحقيقة المرة المتمثلة في أنهم وحدهم في الساحة، وكل مساعدات الخارج التي تأتيهم لن تسرّع في نصرهم، وهي مساعدات لسد الرمق ليس إلا، فما سمعناه عن تزويدهم بالسلاح تشهد به مناجيق القرون الوسطى التي تستعملها المقاومة السورية وصواريخهم المحلية الصنع، وهذا خير دليل على ضخامة الدعم المسلح المقدم للمقاومة.

وأكثر ما يخيف السوريين اليوم هو لحظة سقوط النظام دون وجود من يمسك بحبل الأمور مسك عزيز مقتدر، يمنع الفوضى والتقاتل ويُحلّ الأمن، أمن هو أولوية الأولويات للجميع، سوريين وغيرهم. الأنباء تقول إن أمر المقاومة إلى تحسّن على كل المستويات إلا أمر السلاح، ولكن مخازن الجيش السوري التي تغنمها المقاومة لا تزال عامرة، وتقول أيضاً إن المظاهرات السلمية عادت في الأسبوع الماضي مؤكدة أن جذوة الانتفاضة لم تخمد وأن المظاهرات عادت لتعبّر عن طلبات سياسية ملحة، وتقول الأنباء أيضاً إن المجتمع المحلي، في المناطق الآمنة والمحررة، يحسن إدارة أموره وينظم نفسه بخطى متسارعة كل هذا يعني أن طريق الحلم آخذ في التحقق، حلم باهظ الثمن، اللهم اجعله خير.

 

=================

الاتحاد السوري والاتحاد الأوروبي: الحرب والسلام؟

صبحي حديدي

2012-10-18

القدس العربي 

للتخفيف، ربما، من حدّة الانتقادات التي وُجّهت إلى لجنة نوبل النروجية، مانحة جائزة السلام الرفيعة، لم يجد الاتحاد الأوروبي، الفائز بها لهذا العام، أسرع ـ وأسهل، أيضاً ـ من هذا الإجراء، الذي تبنّاه مؤتمر وزراء خارجية الاتحاد المنعقد في بروكسيل مؤخراً: فرض حزمة العقوبات رقم 19 ضدّ 'النظام السوري والمتعاونين معه'، فأصبح عدد هؤلاء 181 شخصاً، بين ضابط أمن أو مسؤول أو رجل أعمال شريك، أو حليف؛ فضلاً عن 54 هيئة اقتصادية أو سياسية أو عسكرية، سورية وأجنبية. ولكي تبدو اللائحة الجديدة أكثر صرامة (في ناظر معدّيها، أو مستشاريهم وناصحيهم من بعض أوساط المعارضة السورية)، فقد ضمّت، إلى جانب ما هبّ ودبّ من أعضاء الحكومة الحالية، اسم السيدة رزان عثمان، زوجة رامي مخلوف (التي أخطأت اللائحة في كتابة اسمها!).

وقبل إقرار هذه العقوبات الجديدة، كان وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي قد تناولوا طعام الغداء مع سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، فلم يفلحوا في تليين عريكته (كما يُفهم من التصريحات العلنية)؛ لكنهم فهموا منه أنّ روسيا تأخذ بعين الاعتبار الجدّي مختلف التطورات على الأرض، السياسية والعسكرية، السورية والإقليمية والدولية (كما أشارت بعض التسريبات الصحفية). أمّا بعد الغداء، وبعد الاجتماع، فقد أصدر الوزراء ما أسموه 'استنتاجات' حول الوضع السوري، بدا وكأنهم لا يكتشفون، متأخرين، تحصيل الحاصل في مضامينها، فحسب؛ بل يتابعون الوقوف مكتوفي الأيدي أمام ذلك الاكتشاف، أيضاً؛ ويواصلون، ثالثاً، إنتاج واستهلاك وإعادة إنتاج اللغة الخشبية ذاتها، التي تقسم سورية (أو 'الاتحاد السوري'، كما قد يقود اقتفاء أثر الرطانة الاصطلاحية للاتحاد الأوروبي) إلى صفوف شتى: النظام، والمدنيين، و'الأقليات الدينية'، و'الأعمال الإرهابية'... على أن يبقى 'الشعب السوري' مفهوماً غامضاً، مجرّداً، ميتافيزيقياً...

'الاتحاد الأوروبي يقف مع الشعب السوري في نضاله الشجاع من أجل الحرية، والكرامة، والديمقراطية'، يقول مستهلّ الاستنتاج الأوّل، قبل أن ينتقل إلى وصف طرائق استخدام القوّة من جانب النظام السوري، بما في ذلك الأسلحة الثقيلة والقصف الجوي، الأمر الذي 'لا يمكن إلا أن يتسبب في تفاقم العنف وتعريض استقرار المنطقة بأسرها للخطر'. لاحظوا، هنا، أنّ منبع الخطر الجدير بالذكر في ناظر هذا الاستنتاج، ليس آلاف الضحايا من المدنيين السوريين، ودمار البلد عمراناً واقتصاداً واجتماعاً، بل 'استقرار المنطقة'، الذي ينبغي أن يضمّ استقرار إسرائيل بطبيعة الحال. فما أولويات الاتحاد الأوروبي، إزاء هذه الحال؟ 'إنهاء القمع، إيقاف العنف كاملاً، تقديم المساعدات الإنسانية لجميع المحتاجين إليها، والحيلولة دون التسبب في مزيد من انعدام الاستقرار الإقليمي، والتحضير لمرحلة ما بعد الأزمة'، يقول الاستنتاج.

غير أن وضع جميع هذه العناصر في سلّة واحدة، والإيحاء بإمكانية المصالحة بينها، أو التعامل مع تعقيداتها وكأنها لا تتناقض وتتضارب بل تتكامل وتتوافق، هو ـ في نهاية المطاف، وعند التماس الحصيلة العملية ـ أشبه بالمساواة بين القاتل والقتيل، والقويّ المسلّح حتى النواجذ بالضعيف الذي لا يملك إلا السلاح الفردي الخفيف في تسعة أعشار أمثلة التسلّح، حتى داخل كتائب 'الجيش الحرّ' على اختلاف مواقع انتشارها ومصادر تسليحها.

فكيف يمكن 'إيقاف العنف كاملاً'، بين الجلاد والضحية في تعبير أدقّ، إذا كان الطرف الأوّل يستخدم، باعتراف الاتحاد الأوروبي ذاته، أثقل الأسلحة، فلا يقصف من الجوّ بقنابل 'مباحة' دولياً، بل ببراميل متفجرة، وقنابل عنقودية؛ والطرف الثاني، وغالبيته الساحقة من المواطنين المدنيين العزّل، لا يملك إلا استقبال تلك الآلة العسكرية الوحشية؟ وفي طرائق التدمير البربري التي تتعرّض لها مدينتا حلب أو دير الزور، مثلاً، كيف يمكن أن تتساوى القوّة النارية للنظام، الجوية والبرية، مع مقاوِمات أرضية بسيطة وبدائية؟ وإذا صحّ أنّ هذه التي تقصف هي 'الحكومة'، حسب توصيف الاتحاد الأوروبي، فكيف تصحّ مقارنتها بأيّ 'عنف' آخر صادر عن جهات 'غير حكومية'؟ وكيف يتفوّق الحاكم، في مقدار التخريب والتدمير والحقد الأعمى والاستهانة بالبشر والتاريخ والعمران، على كلّ 'محكوم'؟

ومن جانب آخر، إذا كان الطرف الأوّل قادراً، ومصمماً، على تهديد الاستقرار في المنطقة (كما في مثال المناوشات على الحدود السورية ـ التركية، والسورية ـ اللبنانية)، لأنّ هذا الخيار ليس تكتيك هروب إلى أمام في حساباته، بل ستراتيجية نجاة قصوى؛ فكيف للطرف الثاني أن يُوضع معه على قدم المساواة، من حيث المسؤولية عن زعزعة استقرار المنطقة، فيُطالَب بالحفاظ عليها؟ أليس من الواضح أنّ التعبير ذاته، 'استقرار المنطقة'، ليس غائماً وملتبساً وحمّال أوجه، فقط؛ بل هو المبدأ الناظم الذي اتكأت عليه غالبية الديمقراطيات الغربية، فضلاً عن جميع الإدارات الأمريكية، في التواطؤ مع الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة، وفي مساندتها سرّاً وعلانية، والاعتماد عليها لتنفيذ أقذر أعمال الاعتقال والتحقيق والسجون، بالنيابة عن الأجهزة الأمنية الغربية؟

هذا القلق الأوروبي من التأثيرات الخارجية لـ'الأزمة' السورية يقود إلى الاستنتاج الثاني، أي انتقال العنف إلى الجوار، كما في قصف النظام السوري لبلدة أكشاكال التركية الحدودية، وهذا ما 'يدينه الاتحاد الأوروبي بقوّة'.

وهنا أيضاً، تبدو الرطانة الأوروبية وكأنها تفترض أنّ قوّة النظام النارية، وأسلحته الثقيلة، وستراتيجيته في نقل التوتر إلى الجوار؛ يمكن أن تُلام، على قدم المساواة، مع أي صنوف أسلحة، فقيرة ومتواضعة، يمتلكها المقاوِم السوري، من حيث زعزعة استقرار المنطقة. ومن المفيد الانتباه، هنا، إلى الانتقائية الفاضحة التي تعتمدها أدبيات الدبلوماسية الأوروبية في تصنيف 'الجوار': هو علاقات الدول ذات السيادة، حصرياً، بين سورية وتركيا، أو سورية والعراق، أو سورية ولبنان؛ ولكنه ليس 'الخدمات' المختلفة التي يقدّمها 'الحرس الثوري' الإيراني، أو 'مجاهدو' مقتدى الصدر، أو 'حجاج' ومقاتلو 'حزب الله'!

الاستنتاج الثالث يواصل إمساك العصا من منطقة وسطى، لا تلغي مع ذلك إمكانية التأرجح بين الحقّ والباطل، أو مبادلة هذا بذاك، أو التلويح بالشيء ونقيضه، في آن معاً. إذْ، 'بينما يذكّر بأنّ المسؤولية الرئيسية عن الأزمة الراهنة تقع على عاتق السلطات السورية'، فإنّ الاتحاد الأوروبي 'يحذّر ضدّ المزيد من العسكرة وتجذّر الصراع والعنف الطائفي الذي لا يمكن إلا أن يجلب المزيد من المعاناة لسورية، وينذر بأثر مأساوي على المنطقة'. أليست هذه ذروة في انتهاج حقّ، لا يُراد به إلا باطل الأباطيل؟ ألا يعود هذا الاستنتاج إلى الدائرة المفرغة ذاتها التي انزلق إليها الاستنتاجان السابقان، لجهة توزيع المسؤولية على الضحية (بعد التنويه باتهام الجلاد، غنيّ عن القول!)؛ واعتبارها مشارِكة في سلسلة الخيارات الأقذر التي اعتمدها النظام لكسر الحراك الشعبي، وتعطيل الانتفاضة، من العسكرة، إلى الحشد الطائفي، مروراً بارتكاب كلّ وأية ممارسة تجبر الأهالي على التسلّح دفاعاً عن النفس؟

غير أنّ الاستنتاج الثالث هذا يذهب أبعد، إلى درجة تبنّي واحدة من أشدّ ذرائع النظام ضلالاً وتضليلاً: 'الاتحاد الأوروبي يعبّر عن القلق حول حماية المدنيين، وخاصة الجماعات المستضعَفة والجاليات الدينية'! مَن يهدّد المدنيين، في المقام الأوّل؟

ومَن استخدم الذخيرة الحيّة ضدّ المدنيين، وقتل المتظاهرين العزّل إلا من صدورهم العارية، منذ الساعات الأولى لتظاهرات حوران؟ وهل نجم، أو ينجم، أي تهديد آخر إلا عن مبدأ الدفاع عن النفس؟ ومتى هُدّد أمن الأقليات الدينية، أو أية جماعة مستضعفة، أو حتى قوية متنفذة، في أيّ من المناطق التي لم تعد تخضع لسلطة النظام؟ وباستثناء حالات فردية محدودة للغاية، واستثنائية تماماً، مَن يمارس الإعدامات الميدانية، وانتهاك الأعراض، ونهب الممتلكات، وتطبيق سياسة الأرض المحروقة؟

لافت، إلى هذا، أنّ أسطوانة 'الإرهاب'، التي شُرخت مراراً وتكراراً حتى باتت أشبه بترهات مكرورة مستهلَكة جوفاء، تُعزف مجدداً في هذا الاستنتاج الثالث، وضمن سياقات وثيقة الارتباط بمسائل حماية الأقليات والمستضعفين، ومسائل التسلّح، ومسائل الديمقراطية وبناء المستقبل السوري، وكأنّ أياً من هذه تستدعي سواها بالضرورة، ضمن منطقّ صوري، مطلق ومحض ومسلّم به.

يقول نصّ الاتحاد الأوروبي: 'إنّ اشتداد العنف والسلسلة الراهنة من الهجمات الإرهابية تُظهر الحاجة الماسة إلى انتقال سياسي يلبّي المطامح الديمقراطية للشعب السوري، ويجلب الاستقرار لسورية. وفي هذا الصدد، يعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه العميق حول تدفق الأسلحة المتزايد إلى سورية، ويدعو كلّ الدول إلى الامتناع عن إيصال السلاح إلى البلد'. هنا، مجدداً، تتساوى القنابل العنقودية مع بندقية الكلاشنيكوف؛ وتستوي في الملامة طائرة ركاب تحمل للنظام معدّات عسكرية معقدة، وفتاكة، مع ذخائر أوّلية يغنمها 'الجيش الحرّ' بعد معركة دامية مع عسكر النظام؛ كما أنّ 'الإرهاب' يبدو تهمة لصيقة بكلّ، وأي، فريق آخر... ما خلا أجهزة النظام!

يبقى أنّ الاستنتاج الأطرف (الذي لا يأتي مستقلاً، مع ذلك، بل يذيّل الاستنتاج الأوّل) فهو هذا الاكتشاف الخارق: 'يشدّد الاتحاد الأوروبي على وجوب استبعاد أولئك الذين سيتسبب وجودهم في نسف الانتقال السياسي، وأنّ الرئيس الأسد، ضمن هذا الاعتبار، ليس له مكان في مستقبل سورية'!

تخيّلوا، مثلاً، أنه ـ بعد أكثر من 39 ألف قتيل، بينهم أكثر من 2500 طفل، و2900 امرأة، و3600 عنصر من عساكر النظام، و1067 قضوا تحت التعذيب، و76 ألف مفقود، و216 ألف معتقل، و348 ألف لاجىء... ـ يمكن أن يكون للأسد، أو أيّ من رجالاته، مكان في سورية المستقبل! ألا يستحقّ الاتحاد الأوروبي جائزة نوبل، خاصة، على هذا الاكتشاف العبقري، الذي استغرق 19 حزمة عقوبات، والحبل على الجرّار؟

دار حرب هي سورية، تقول خلاصة مقاربات الاتحاد الاوروبي، الذي شاءت لجنة نوبل النروجية (غير العضو في الاتحاد، مع ذلك) أن تسمّيها دار سلام... تماماً على غرار نوبل السلام التي فاز بها الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وهو القائد الأعلى لجيوش تخوض حربين في آن معاً، العراق وأفغانستان، وتحتلهما، وتقيم قواعد عسكرية في عشرات البلدان الأخرى.

صحيح أنّ جميع الدول الأوروبية تعتبر معركة واشنطن ضدّ الإرهاب معركتها أيضاً، والبعض يذهب إلى حدّ القول إنّ البيت الأبيض يخوض الحرب بالنيابة عن 'العالم الحرّ' بأسره؛ وهذه صلة أولى بين نوبل أوباما ونوبل الاتحاد الأوروبي. إلا أنّ طبائع حروب التبادل تظلّ صحيحة أيضاً، وليس من السهل أن تكتفي واشنطن بغنائم سياسية من وراء الحروب، وتترك المغانم الاقتصادية للأوروبيين.

وهذه، في عبارة أخرى، صلة ثانية بين الجائزتَين، ولكن على صعيد دار الحرب التي يمكن أن تنشب في أيّ يوم، تماماً كما اشتعلت مرّتين من قبل، وكان أوارها أدهى وأمرّ!

 

=================

رأي الراية .. هدنة العيد في سوريا

الراية

19-10-2012

دعوة المبعوث العربي والدولي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي إلى "هدنة مؤقتة" خلال فترة عيد الأضحى المبارك والتي عمل على حشد التأييد لها من أطراف مؤثرة في الأزمة السورية تبدو آخر ما في جعبته وهو الذي ظل يتحدث منذ تعيينه أنه لا يملك مبادرة للحل وأنه يسعى للقاء مع جميع الأطراف والاستماع إليهم قبل أن يقرر خطوته المقبلة.

هدنة الإبراهيمي المقترحة التي تلقى ترحيباً إقليمياً ودولياً متزايداً يمكن بالفعل أن تؤسس لهدنة طويلة الأمد تستمر إلى ما بعد عيد الأضحى المبارك وتؤسس لمخرج حقيقي من الأزمة التي حرقت الأخضر واليابس في سوريا ودمرت البلاد إذا صدقت نوايا النظام هذه المرة والتزم بوقف إطلاق النار واستخدام السلاح في مواجهة الشعب السوري واعترف أخيرا بحقوق الشعب السوري ومطالبه العادلة بالحرية والتغيير.

لقد سبق للنظام السوري أن أعلن عن موافقته على مبادرة المبعوث السابق كوفي عنان التي دعت إلى وقف إطلاق النار وسحب الأسلحة الثقيلة من المدن والبلدات السورية لكن هذه الموافقة ظلت حبراً على ورق ولم ينفذ النظام أياً من بنودها على الأرض بل تضاعفت أعداد الضحايا من المدنيين السوريين الذين يسقطون برصاص النظام خلال طرح المبادرة حيث شكلت موافقة النظام على المبادرة غطاء لاستمراره بالقتل.

مهمة الإبراهيمي الذي سيزور دمشق اليوم ستكون صعبة في إقناع النظام بوقف إطلاق نار غير مشروط خاصة أنه يتحدث عن "عملية سياسية تساعد السوريين على حل مشاكلهم وإعادة بناء سوريا الجديدة التي يتطلع إليها شعبها" وهي مواقف يمكن أن تفهم بطرق مختلفة من قبل النظام أو من قبل المعارضة التي تشترط أن يوقف النظام قصفه الجوي للمدن والبلدات السورية للموافقة على قبول وقف إطلاق النار.

الإبراهيمي الذي يعرف أن مهمته شبه مستحيلة -كما صرح بذلك في وقت سابق- مطالب أن يتعلم من تجارب سلفه كوفي عنان وأن يسعى للحصول على" ضمانات حقيقية ملزمة للنظام السوري بوقف إطلاق النار ووقف قصف المدن والبلدات السورية بالطائرات والبراميل المتفجرة، فالشعب السوري الذي يتعرض للقتل والتشريد وبات يواجه وضعاً كارثياً لا يثق بنوايا ووعود النظام الذي لم يتوقف لحظة واحدة عن ممارسة القتل والعنف منذ اندلاع الثورة السورية قبل عشرين شهراً وإلا فإن هدنة العيد التي يقترحها الإبراهيمي ولقيت ترحيباً كبيراً من أطراف مختلفة لن تختلف في نتيجتها عن مبادرة عنان التي انتهت إلى الفشل ولم تطبق لحظة واحدة.

=================

سؤال أخلاقي

 محمد أبو رمان

الغد الاردنية

19-10-2012

ما يحدث في سورية ليس أمراً ثانوياً أو هامشياً لدى الأردنيين، بل يقع في قلب اهتمامهم اليومي؛ ليس فقط على صعيد التأثير الاقتصادي والسياسي، ولا على مستوى الاستقطاب لدى النخب في تفسير ما يجري هناك، بل ما هو أهم من ذلك كلّه الشقّ الإنساني، فهو الأساس الذي ينبني عليه الحكم الأخلاقي قبل السياسي.

إلاّ أنّ ما نلاحظه في السجالات المحلية الأخيرة تجاه سورية هو أنّها خرجت كثيراً عن البؤرة الحقيقية والمهمة للحدث، وتتعلّق بما يحدث لملايين السوريين اليوم من انتهاكات وإيذاء وقصف وقتل وتدمير وتجويع.. إلخ. إذ أصبح النقاش يدور فيما إذا كان ما يدور هنالك مؤامرة أم حرب تحرير شعبية، وفيما إذا كان النظام أم الثورة هو من يخدم أهداف إسرائيل، وحول التدخل الخارجي ومشروعيته والموقف منه، فيما السؤال الجوهري عن الإنسان السوري وحقوقه وإنسانيته وكرامته، يكاد يكون مغيّباًّ!

بعيداً عمّا آلت إليه الأمور من عسكرة الثورة ردّاً على دموية النظام المفرطة تجاه مطالب الناس المحقّة في الحرية والديمقراطية والكرامة، فإن هنالك بالضرورة مصالح دولية متقاطعة في سورية، سواء مع النظام أم مع الثورة، وهنالك بالضرورة مؤامرة تتجاوز النظام إلى البلاد ووحدتها وقوتها وموقفها. لكنّ ما بدأت به الثورة واستمرت عليه أشهراً طويلة من الكفاح السلمي والنضال الحقّ المطالب بالحقوق السياسية والإنسانية –قبل ذلك- هي الفرصة التي ضيّعها النظام، عندما راهن على الحل الأمني وزرع الخوف في أرجاء البلاد، وتخيير الناس ما بين تحقيق مطالبهم السياسية والإنسانية وكرامتهم، وبين انتهاك حقهم في الحياة نفسها، بل وأعراضهم واستباحة دمائهم!

موقفنا نحن، الأردنيين والعرب، لا يؤثّر واقعياً في تطور الأمور في أرض المعركة، وإن كان من الزوايا الرمزية والمعنوية مهما جدا؛ إلاّ أن تعريف هذا الموقف يكتسب درجة أكبر من الأهمية على صعيد الثقافة السياسية العربية والقيم التي تحكمها، ليس على صعيد سورية، بل حتى على صعيد ترسيم الموقف من أيّ حدث يرتبط بهذه القضايا المركزية في وجودنا ومستقبلنا.

ما يحدث في سورية يعيدنا إلى مربع الأسئلة الثقافية الأساسية، لنجيب عنها، ونجعلها هي المظلّة التي تحدّد وترسّم موقفنا من الأحداث. وهنا نضع سؤالين بين يدي النخب العربية ونطالب أن نعود إليها مرّة أخرى لإعادة تقييم المواقف والقيم.

السؤال الأول: هل تجوز مقايضة حقّ الإنسان في الحياة والكرامة والحرية والديمقراطية بأيّ قضية أخرى، مثل إسرائيل أو الممانعة أو الأمن القومي؟ إذا كان الجواب: نعم، فنحن نعبّد الطريق عريضة وواسعة أمام الدكتاتورية العربية، والحكام المستبدين، ونستمر في منحهم الشرعية!

السؤال الثاني: هل من حق الشعب الذي خرج مطالباً بحريته، فواجهته الدبابات والاعتقالات وانتهكت كرامة أبنائه وأعراضهم، أن يدافع عن نفسه، حتى لو كان المعتدي "جيشه الوطني"؟

برسم الإجابة عن هذين السؤالين يمكن تحديد الموقف مما يحدث في سورية؛ فلا يوجد للإنسان شيء يخسره أكبر من دمه وحريته وكرامته وعرضه. وعند الإقرار بذلك، فلتختلف النخب في تقرير موقفها من المعارضة والنظام، ومن التدخل الخارجي، لكن بعد أن تحدّد بوضوح موقفها من السؤالين السابقين، بوصفهما القضية المركزية والعليا.

أمّا إذا كان الاختلاف هو في الجواب عن هذين السؤالين، فإنّنا أمام مشكلة أكبر مما يحدث في سورية، وترتبط بالسؤال الأخلاقي والقيمي!

=================

هجوم دفاعي لإيران للحفاظ على دورها الاقليمي

راغدة درغام

الجمعة ١٩ أكتوبر ٢٠١٢

الحياة

مهمٌ إقحام «حزب الله»، بقرار إيراني، في المعركة داخل سورية عبر مقاتلين وعتاد، وفي السعي لتحويل الأنظار عن المعركة السورية عبر إيفاد طائرة بلا طيار تدعى «أيوب» فوق الأراضي الإسرائيلية. هذا يعني ان الجمهورية الإسلامية الإيرانية تلامس الذعر من انهيار دورها الإقليمي عبر البوابة السورية في الوقت الذي لم تصبح فيه جاهزة بعد للاستلقاء مرتاحة على سرير اقتناء القدرات النووية العسكرية على رغم اقترابها من هذا الانجاز. انها مرحلة ما بين – مرحلة احتمال السقوط في الهوّة – ولذلك أتى التصعيد النوعي الذي وقع هذا الأسبوع عندما تبنى «حزب الله» إرسال طائرة الاستطلاع «أيوب» التي أسقطتها إسرائيل متوعدة بالانتقام من الاختراق لأجوائها. إنما الحروب الإيرانية على الساحة العربية لا تنحصر في دور عسكري مباشر لمصلحة النظام وضد المعارضة في سورية انتهاكاً لقرارات دولية بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة تمنع طهران من مد السلاح والرجال لأي كان خارج حدودها. ان الظروف الإيرانية تأخذ أيضاً منحى الانخراط الرفيع المستوى – عبر قدرات لبنانية تحديداً – في حرب الـ Cyber Space التي تخوضها من الضاحية الجنوبية – معقل «حزب الله» في بيروت – ضد المصالح الأميركية والعالمية انتقاماً من حروب الغرب وإسرائيل المماثلة على برنامجها النووي. ثم هناك ما أشارت اليه مجلة «دير شبيغل» الألمانية حول خطة لقائد الحرس الثوري الإيراني لإحداث كارثة بيئية في مضيق هرمز لقطع الطريق البحري أمام صادرات النفط وذلك لدب الذعر في الدول الغربية التي تعتمد على النفط الآتي من منطقة الخليج بهدف إجبارها على رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران والتي حقاً تخنقها. إذاً، ان القيادة الإيرانية حبكت إستراتيجية هجوم دفاعي عن ركيزتي تواجدها ووجوديتها: اقتناء القدرة النووية العسكرية التي تجعل من إيران دولة نووية عضواً في نادي الكبار... والاحتفاظ بطموحات الهيمنة الإقليمية بحيث يكون لها دور التأثير والنفوذ الإقليمي داخل دول عربية حيوية تشمل العراق وسورية ولبنان الذي يؤمّن لها جبهة مباشرة مع إسرائيل تستخدمها في حروب النيابة عبر حليفها العضوي «حزب الله». فهل تأتي إستراتيجية الهجوم الدفاعي شهادة على استقواء القيادة الإيرانية وثقتها بأن ضعف الآخرين سيدر عليها بالنووي وبالدور الإقليمي في آن واحد؟ أم ان التطويق الهادئ لهذه القيادة سيحبط «غايات طهران»؟ الجواب في جعبة القيادة الروسية التي باتت الحليف الواضح في المحور الذي يضم الجمهورية الإسلامية الإيرانية و «حزب الله في لبنان» ونظام بشار الأسد في سورية. لكن موسكو أيضاً تائهة في عمق مشاكلها بعدما زجت نفسها في الزاوية وباتت عدو نفسها وليس فقط عدو المعارضة في سورية. وهي بدورها تبحث عن حبل إنقاذ على رغم تعالي رئيسها فلاديمير بوتين وعجرفة وزير خارجيتها سيرغي لافروف – فكلاهما يدرك انهما أدخلا روسيا في معركة خاسرة. الجواب أيضاً في واشنطن.

تلك العصبية القومية التي تعمي رجال الحكم عن التفكير ليست فقط روسية وإنما هي إيرانية وتركية وإسرائيلية. انها دافع للتهور. لكن رجال السلطة يفهمون أيضاً دوافع الانضباط. ورجال السلطة في هذه الرقصة المميتة على أشلاء السوريين يتأرجحون بين الانضباط والتهور في انتظار موعد انتهاء الانتخابات الرئاسية الأميركية، الدولة العظمى الوحيدة في عالم اليوم.

الرئيس باراك أوباما قد يتباهى بانجاز الانضباط حتى درجة الإفراط، لكنه دخل في المرحلة الأخيرة خانة المحاسبة على تردده وانضباطه وتجاهله الوقائع بحجة عدم الرغبة بالتهور. بدأ الكتّاب الكبار الأميركيون في محاسبته على أخطائه الإستراتيجية ليس نحو إيران بالضرورة، إنما بالتأكيد في سورية. جاكسون دييل، المعلق في صحيفة «واشنطن بوست» كتب هذا الأسبوع عن «إخفاق أوباما في إنقاذ سورية وثورتها» وقال ان ما ترتب على سياسة أوباما الخارجية القائمة على الضعف والتخاذل «كارثة إستراتيجية: حرب في قلب الشرق الأوسط تنفث نيرانها على حلفاء حيويين مثل تركيا والأردن وعلى دول الجوار الهشة الاستقرار مثل العراق ولبنان». وتابع: ان أوباما ليس «المسؤول اليتيم» عن الفوضى في سورية لكن «سلسلة حساباته الخاطئة أفضت الى ما لم يرم اليه: تمكين سورية بشار الأسد من الإفلات من طوق عزلة دولة... ومواصلة ذبح شعبها»، مشيراً الى ان غرق الإدارة الأميركية في وهم اعتبار الأسد «إصلاحياً» حمل إدارة أوباما على «الوقوف موقف المتفرج طوال أشهر في وقت كانت قوات الأسد الأمنية تطلق النار على المسيرات السلمية المؤيدة للديموقراطية».

للأسبوعين المقبلين الى حين موعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية، يُستبعَد أن تتبنى أية دولة كبرى سياسة مختلفة نوعياً أو جذرياً عن تلك التي اتكأت عليها في الفترة الأخيرة. وما اتكأت عليه الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن هو مهمة الممثل الأممي والعربي، الأخضر الإبراهيمي، الذي قام بجولة على منطقة الشرق الأوسط هذا الأسبوع طالباً من قياداتها توظيف نفوذها وأدوارها في سورية لوقف النار خلال فترة عيد الأضحى.

الإبراهيمي يدرك تماماً ان الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا تختبئ وراء الفيتو المزدوج الثالث الروسي – الصيني كي تبرر عجزها أو تخاذلها. يدرك أيضاً أن العصبية القومية الروسية تحول دون اعتراف بوتين أو لافروف بحدود النفوذ الروسي اما مع النظام في دمشق أو في الساحة السورية الأوسع وإنهما لن يتمكنا من تقرير مصير سورية وكأنها الشيشان. فكلام سيرغي لافروف بأن «الأسد لن يرحل» يجب أن يؤخذ على حجمه وفي إطار محدودية النفوذ الروسي مع الأسد – باعتراف غير علني لمسؤولين كبار بفشل جهود الديبلوماسية الروسية مع الأسد. إنما يجب أيضاً أن يؤخذ من ناحية العنجهية التي تحول دون اتخاذ روسيا قرار سحب الحماية عن الأسد مما يجعلها تبدو غير جدية لا يمكن الاتكال عليها حليفاً.

الأرجح ان الأخضر الإبراهيمي يحاول تطبيق نموذجه في إجراء المفاوضات الإقليمية – الدولية لمعالجة الأزمة السورية على نسق ما فعله في أفغانستان عبر ما سُمي 6+2، إشارة الى تجمع من الدول شمل وضم الولايات المتحدة وإيران معاً في قاعات مغلقة لإيجاد الحلول لأفغانستان ولخلق نوافذ وإطلالات على بعضهما بعضاً.

لعل الإبراهيمي يعمل حالياً بناءً على «رباعية» الرئيس المصري محمد مرسي على رغم تزعزع أحجار الأساس فيها نظراً لتوقف المملكة العربية السعودية عن المشاركة فيها لأنها وجدتها وسيلة لشراء الوقت بل وهدره. انما فكرة جمع الدول الكبرى في المنطقة – المملكة العربية السعودية، والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتركيا ومصر – للبحث في المسألة السورية أثارت إعجاب الإبراهيمي كقاعدة لمبادراته الديبلوماسية. ولربما في ذهنه الآن 4+5 أي رباعية مرسي وخماسية الدول الكبرى في مجلس الأمن: الولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا، أو 4+7 إذا أضيف النظام والمعارضة السورية الى المعادلة...

المشكلة في هذا الأسلوب انه يقتضي وقتاً طويلاً لا تسمح به الحالة السورية التي تشهد سقوط مئات القتلى يومياً.

المشكلة الثانية تكمن في حجم التمنيات بإصلاح علاقات دول إقليمية ودولية لا يتحمل الوضع السوري انتظار اختمار ذلك الإصلاح شبه المستحيل. وكنقطة بداية ان الفارق ضخم بين الموقف الإيراني المتمسك قطعاً باستمرار نظام بشار الأسد تحت أي ظرف كان والموقف السعودي والتركي الذي يرفض بقاء الأسد في السلطة بعدما سقط أكثر من ثلاثين ألفاً من السوريين قتلى في المعركة على السلطة. والمشكلة الثالثة تكمن في تشريع أو شرعنة الدور الإقليمي للجمهورية الإسلامية الإيرانية داخل دولة عربية وإعطاء طهران أوراقاً تفاوضية قوية ليس فقط لناحية الدور والهيمنة الإقليمية التي ترغب بها وإنما أيضاً لجهة الطموحات النووية لها. وكل ما يتطلبه هذا من وقت لن يكون ممكناً ما لم يتم التوصل الى وقف النار والى مفاوضات جدية للعملية الانتقالية السياسية في سورية. انما، وكما قال لافروف «الأسد لن يرحل» ما لم يُجبَر على الرحيل وليس هناك في الأفق بما يفيد اما بأن طهران جاهزة للاستغناء عنه أو التضحية بالنظام الموالي لها وبأن موسكو مستعدة لسحب الغطاء عنه مما يجعله والنظام في هشاشة.

انما من ناحية أخرى، ليس في وسع أي من أطراف محور روسيا/ إيران/ الصين/ النظام السوري/ «حزب الله» الاستمرار بالوضع الراهن كما هو عليه الى ما لا نهاية، لا سيما ان العقوبات تؤدي الى تآكل جدي للاقتصاد الإيراني والسوري وأن «حزب الله» يُنذر الآن بعقوبات إضافية ستزيد تقييد حريته داخل لبنان وخارجه، وبالذات في المواقع الحيوية له مثل المطار.

ووفق رأي البعض، ان القرار الإيراني بإقحام «حزب الله» في الحرب السورية وبتوريط لبنان في مواجهة مع إسرائيل نتيجة إرسال طائرة «أيوب» من «حزب الله» انتهاكاً للأجواء الإسرائيلية إنما هو قرار ضعف وعلامة على الاستقواء وليس القوة. ذلك أن الوضع داخل سورية يتأزم أكثر وليس لمصلحة النظام، وفق هؤلاء. وبالتالي تقرر في طهران تفعيل توريط الساحة اللبنانية باكراً من أجل تغيير إبرة بوصلة الاهتمام بعيداً من سورية.

بنيامين نتانياهو لا يحتاج الى حقنة إضافية من التهور أو العصبية القومية، وبالتالي التي تُرسَم لاستفزازه ولشن هجمات على مواقع «حزب الله» أو أينما كان في لبنان انتقاماً من «أيوب». قد تكون الانتخابات الأميركية دافعاً للانضباط. قد يحتفظ نتانياهو بعنصر المفاجأة للانتقام من استخفاف «حزب الله» به متجاهلاً دور إيران لأن إسرائيل غير قادرة أو غير مستعدة للمواجهة المباشرة مع إيران. وقد تكون طائرة «أيوب» أكثر ورقاً مما هي اختراق جذري في المعادلة العسكرية. كل هذا يضع لبنان على سكة الخطر بقرار من محور طهران – الضاحية الجنوبية في لبنان/ دمشق/ بكين/ موسكو.

الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حذر في تقريره الأخير عن القرار 1559 بأن «استقرار لبنان وسيادته موضع تحدٍ قاسٍ» معرباً عن «القلق العميق من وطأة الأزمة السورية على لبنان» و «ازدياد التقارير التي تتحدث عن نشاطات في سورية لحزب الله والذي هو عضو في التحالف الحاكم والتي قد تقوض سياسة (النأي بالنفس) وفي نهاية المطاف تقوض استقرار لبنان».

وفيما يخص طائرة «أيوب»، قال بان كي مون ان إيفاد «حزب الله» هذه الطائرة الى إسرائيل هو «استفزاز متهور قد يؤدي الى تصعيد خطير يهدد استقرار لبنان»، مطالباً قيادة «حزب الله» بأن تنزع سلاحها وتحصر نشاطاتها بصفتها حزباً سياسياً لبنانياً. وطالب الأمين العام الحكومة الإيرانية التي لها علاقات وثيقة بـ «حزب الله» الكف عن تسليم السلاح له انتهاكاً للقرارين 1559 و1747 وتجنباً لإقحام لبنان في حرب مهلكة.

لا يكفي ان يبيّن الأمين العام للأمم المتحدة الخطر الذي يحدق بلبنان وتداعيات ذلك على السلام والأمن الإقليميين. يجب أن يكون للأسرة الدولية موقف واضح وحازم إزاء هذا الأمر لأن جر لبنان الى المواجهة يعني ان طهران اتخذت قرار استخدامه ساحة للحروب بالنيابة لإنقاذ انزلاق الوضع في سورية وتحويل الأنظار عن تدهور النظام هناك. وهذه مسؤولية أميركية بقدر ما هي روسية. ذلك ان الاختباء وراء الإصبع أو دفن الرؤوس في الرمال سيرتد على جميع اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين على السواء.

=================

الفضاء الإقليمي بدل الأرض السورية

وليد شقير

الجمعة ١٩ أكتوبر ٢٠١٢

الحياة

احتار المحللون والمراقبون وأصحاب الشأن في تقدير أهداف وأبعاد إرسال «حزب الله» وإيران طائرة الاستطلاع «أيوب»، في فضاء فلسطين المحتلة في 6 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وكثرت التحليلات وردود الفعل عليه والسجال الداخلي اللبناني حوله كذلك ردود الفعل الدولية التي حذّرت من تداعياته وصولاً الى اتهام الحزب وإيران باستدراج لبنان الى حرب.

والأرجح أن فرضية تسبُّب الطائرة بحرب مستبعدة لأسباب كثيرة، لا تقف عند الحجة القائلة إن إسرائيل لن تشن هذه الحرب وهي تتهيأ للانتخابات التشريعية المبكرة في كانون الثاني (ينايير) المقبل. ومثلما تفيد التقديرات بأنها لا تريد الحرب، فإن «حزب الله» لا يريدها أيضاً. وفريقا هذه الحرب المفترضة سبق أن تبادلا الرسائل غير المباشرة في هذا الصدد وكانت إحدى وسائطها الاجتماعات الثلاثية برعاية قيادة قوات الأمم المتحدة (يونيفيل) في الجنوب اللبناني في مقر قيادتها بين الجيشين اللبناني والإسرائيلي، إذ سبق للجيش الإسرائيلي قبل زهاء 3 أشهر أن أبلغ الجيش اللبناني أنه لن يكون البادئ بالحرب، فيما أبلغ الجيش اللبناني الجانب الإسرائيلي، نقلاً عن قيادة «حزب الله»، انه لن يكون البادئ بالحرب. بل ان قادة الحزب أنفسهم يرددون في مجالسهم القول «إننا نتسلّح والإسرائيليون يعرفون ذلك وهم يتسلحون ويتدربون ونحن نعرف ذلك. ونحن لا نريد حرباً الآن وهم يعرفون ذلك وهم لا يريدون حرباً ونحن نعرف ذلك».

ولعلّ هذه المعادلة البسيطة هي التي جعلت من الجنوب اللبناني منطقة آمنة جداً وهادئة، أكثر من غيرها من المناطق اللبنانية الأخرى التي إما تعيش فِتناً أو قلقاً من حصول فتن فيها، جراء الانقسام اللبناني الحاد لا سيما حول الأزمة السورية.

ومن الواضح أنه أريد لهذا الإنجاز الذي حققته إيران والحزب باختراق وسائل المراقبة الإسرائيلية الجوية وتصوير الطائرة أهدافاً عسكرية أن تكون له أبعاد «فضائية» إعلامية تتجاوز طابعه العسكري. ولو كان الأمر يقتصر على هذا الجانب لكان تُرك الغموض يحيط به، مثلما يفعل الحزب عادة في تقصد الغموض حول أي خطوة ذات طابع عسكري يقدم عليها. لكن إعلان الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله تبنيه للخطوة وبث الأفلام من قبل قناة «المنار»، عن مسار الطائرة على مدى أكثر من أسبوع ثم مجاهرة طهران بالإنجاز، دفعت للاعتقاد بأن للإنجاز بعداً إعلامياً ذا وظائف متعددة تتصل بالتأزم الإيراني – الغربي، وبالأزمة السورية وتداعياتها اللبنانية.

للإنجازات «الفضائية» هذه الأيام وقعها الإعلامي والنفسي بعد الهبوط الأميركي على المريخ وخرق المغامر النمسوي فيليكس باومغارتنر جدار الصوت بقفزته من ارتفاع 39 كيلومتراً... ومع فارق التشبيه فإن إعلان وكالة «إرنا» الإيرانية أن سورية ستطلق خلال أسابيع قمراً اصطناعياً في الفضاء يدعو إلى التساؤل عن مغزى توقيت هذا الإعلان، في وقت فقد النظام السوري الحليف في دمشق السيطرة على أكثر من نصف الأراضي السورية، ومع اعلان الاتحاد الأوروبي ان شركة «يوتلسات» أوقفت بث 19 قناة فضائية إيرانية في إطار تشديد العقوبات على طهران.

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، وإذا صح هذا الخبر، ومع التذكير بأن الرئيس السوري بشار الأسد كان قال قبل أشهر أنه يربح على الأرض (قاصداً خطواته العسكرية في مواجهة معارضيه) وإن خصومه يربحون في الفضاء (قاصداً المحطات الفضائية التي يتهمها بالتزوير) وقريباً سنربح في الفضاء أيضاً... فإن عجزه عن السيطرة على الأرض يطرح السؤال عما إذا كان داعموه من جبهة الممانعة قرروا التعويض الإعلامي له في الفضاء، بموازاة سيطرة طائراته الحربية على الأجواء وتدميرها المدن والقرى وقصفها الناس بلا رحمة.

سواء تقصّد «حزب الله» والجانب الإيراني ذلك أم لم يتقصدوه، فإن إحدى نتائج إرسال طائرة «أيوب»، هي أن السجال الداخلي أظهر الانقسام حول هذا الإنجاز، الذي كانت المراجع اللبنانية الرسمية فضلت لو بقي من دون إعلان تبنيه. إلا أن من نتائجه الأخرى أنه نقل السجال حول أنباء تورط «حزب الله» على الأرض في القتال الى جانب النظام السوري في الداخل السوري، الى سجال حول الإنجاز التقني الذي أبهر جمهوره القلق من الانغماس في القتال في سورية ومن موت المقاتلين في غير الميدان الذي أُعدوا له.

هل يصلح المثل القائل بتغطية السماوات بالقبوات؟

 

=================

مساهمة في جدل السلمية والعسكرة في الثورة السورية

ماجد كيالي *

الجمعة ١٩ أكتوبر ٢٠١٢

الحياة

استخدم النظام السوري أنماطاً عدة من العنف المفرط، الأول، وهو ما تمارسه عصابات الشبيحة، التي تحجب النظام، وتقيه أية مسؤولية سياسية وقانونية وأخلاقية عن التنكيل البشع الموجه ضد المتظاهرين السلميين؛ وقد تفرّع عن هؤلاء، أخيراً، ما بات يعرف بـ «لجان المقاومة الشعبية»! والثاني، وهو ما يقوم به رجال أجهزة الاستخبارات المتعددة، والذين يشكلون جيشاً بذاته، في الحالة السورية، وهؤلاء أيضاً يلبسون الثياب المدنية، ولا يمكن تحديدهم، ولديهم سلطة مطلقة على التحكم بمصائر الناس من الاعتقال إلى التعذيب وصولاً إلى القتل. والثالث، وقد أوكل به القناصة، الذين يعتلون أسطح البنايات، المشرفة على الشوارع والساحات الرئيسة في المناطق الساخنة، لممارسة القتل الإجرامي، بدم بارد، وهؤلاء مثل الأشباح، لا يعرف أحد وجوههم ولا هويتهم. والرابع، يقع على عاتق قوات الجيش النظامي، ولا سيما الفرق الخاصة والموثوقة، والذين يتم نقلهم إلى المناطق الساخنة، لإسكاتها بكل الوسائل، أي بالرصاص وقذائف المدفعية. والخامس، ويتألف من سلاحَي الطيران والمدفعية، ومهمته القتل الجماعي والتدمير الأعمى وإشاعة الخوف والرعب واليأس في البيئات الحاضنة للثورة.

هكذا، عمل النظام منذ البداية في مواجهة المتظاهرين، لعدم تمكينهم من «احتلال» حيّز مكاني معين في المدن الرئيسة، وللحؤول دون توسيع رقعة التظاهرات، ولإفهام السوريين بأن الثمن سيكون باهظاً، من أرواحهم وممتلكاتهم، وأن ما جرى في مصر وتونس واليمن لا يمكن أن يمر في سورية؛ وعلى أساس أن الطريقة الليبية متعذرة بسبب احتمائه بالفيتو المزدوج الروسي والصيني.

لم يكن ثمة حساب عند النظام لإطلاق الرصاص على المتظاهرين، بقصد قتلهم، أو إعاقتهم، أو إصابتهم بجروح، أو اعتقالهم، ولم يكن ثمة معايير قانونية أو أخلاقية تقيد ذلك، فكل شيء مباح، لأجل أن تبقى «سورية الأسد إلى الأبد». هكذا، بات اليوم ثمة أكثر من ثلاثين ألف لقوا مصرعهم نتيجة وحشية النظام، وثمة أضعافهم في المعتقلات، وأضعاف هؤلاء من الذين جرى التنكيل بهم، وتدمير ممتلكاتهم، بصورة وحشية، ندر أن حدث مثلها، باستثناء ما حصل بين قبائل التوتسي والهوتو في رواندا، وفي كبموديا زمن بول بوت، وفي حرب الصرب ضد مسلمي البوسنة.

مثلاً، وخلال الأشهر الثمانية الأولى من الثورة، والتي كان يغلب عليها الطابع السلمي، لقي 600 - 700 من السوريين مصرعهم برصاص القوى الأمنية، والشبيحة، في الشهر الواحد، وهو عدد كبير جداً، ويزيد بثلاثة أضعاف عن عدد الفلسطينيين الذين لقوا مصرعهم في الانتفاضة الأولى (1987 - 1993) والتي استمرت ستة أعوام. وبالمقارنة مع الانتفاضة الثانية، التي غلب عليها طابع المقاومة المسلحة والعمليات التفجيرية، فقد لقي 5000 من الفلسطينيين مصرعهم في خمسة أعوام (2000 - 2005)، بمعدل ألف فلسطيني في العام؛ ناهيك عن أن إسرائيل لا تقتل من شعبها، وإنما تقتل من شعب آخر. وليس القصد من هذا الكلام التنظير، أو التبرير، للتحول الحاصل في فعاليات الثورة السورية نحو مواجهة النظام بوسائل العمل المسلح، وإنما ملاحظة أن هذا التحول إنما هو تحصيل حاصل، أو بمثابة رد فعل على سلوكيات النظام، وسده الطريق أمام أي حل سياسي، يضمن التغيير الديموقراطي في البلد.

الآن، هل كان أمام السوريين خيار آخر؟ من التعسّف بمكان إعطاء الانطباع وكأن السوريين ذهبوا نحو استخدام السلاح عن سابق تصميم. فهم ما كانوا يتصوّرون إمكان تسيير تظاهرة ضد النظام، فما بالك بأكثر من ذلك؟ لذلك، فقد فوجئوا هم بذاتهم بهذه الثورة، أي فوجئوا بأنفسهم، وبإمكاناتهم، وباستعداداتهم للتضحية، وبتوقهم المختزن للحرية والكرامة. لكن، هل كان بالإمكان الاستمرار بالطابع السلمي للثورة؟ ربما، فهذا الشعب الذي أبدى كل هذه القدرة على الصمود وتحمّل كل هذه المعاناة بالتأكيد يستطيع الاستمرار في هذا الطريق. لكن ما الذي سيعنيه ذلك بالنسبة لمطالبهم وبالنسبة لمعنى ثورتهم، وبالنسبة للنظام الذي يريدون إسقاطه؟

واضح من التجربة أن هذا النظام الذي رفض، منذ البداية، الاعتراف بمشروعية المطالب الشعبية، والذي يصر على البقاء، تحت شعار: «الأسد أو نحرق البلد»، مستعد للذهاب إلى النهاية بقتل المتظاهرين، والتنكيل بهم، وتدمير ممتكاتهم، لا سيما أنه يتمتع بتغطية دولية وإقليمية، تشكل شبكة أمان له، من أية تدخّلات. ومن الناحية العملية فمن غير الممكن توقع إقحام الجيش في قمع السوريين وإعمال القتل فيهم من دون توقع رد فعل مقابل، يتمثل بالانشقاقات العسكرية، وهو ما حصل، وبتشكل شبكات حماية أهلية، للدفاع الذاتي، كما في كثير من الأرياف الطرفية وبعض أحياء المدن.

والحال هنا أننا نتحدث عن نظام لا يعرف سوى لغة العنف المفرط في مواجهة شعبه، وينكر شرعية أية مطالبات شعبية، بل إنه يعتبر ما يجري مجرد مؤامرة خارجية، وفوق ذلك فهذا نظام يرى في سورية مجرد مزرعة خاصة يتم توارثها في العائلة الحاكمة، وأن أي تغيير، أو إصلاح، فيها، ينبغي أن ينطلق من هذه القاعدة.

في المحصلة، فإن النظام هو المسؤول عن سدّ كل الطرق أمام التغيير بالوسائل السلمية، هذا لم يكن يحدث في تجارب النضال السلمي، اللاعنفي، فالسود في الولايات المتحدة تمتعوا بغطاء قانوني، يقنن العنف ضدهم، وكذا فإن القوات البريطانية في الهند لم تكن مطلقة اليد في أعمال القتل في الهنود الذين يتظاهرون، بزعامة غاندي، مطالبين بالاستقلال. فوق ذلك ففي الهند تشكلت قوى في المجتمع البريطاني تؤيد استقلال «درة التاج»، مثلما وقفت نخب أميركية، وجزء من المجتمع الأميركي، وراء مطلب الزنوج إزاء حقهم بالتحرر والمساواة (وهو ما حصل أيضاً في النضال ضد التمييز العنصري في جنوبي أفريقيا/ سابقاً).

مع ذلك فما ينبغي إدراكه هنا أن التغيير من طريق العمل المسلح هو خيار باهظ الثمن، ويأتي كممر إجباري، بعد أن تسد الطرق وتقتل كل أشكال التعبير السلمية. ومن المفهوم أن اختيار هذا الطريق ينتج عنه، أيضاً، كثير من التداعيات السلبية، والخطيرة، فهو يزيد كلفة الثورة، ومن ارتهانها للقوى الخارجية (مصدر التمويل والتسليح والإمداد)، ويؤدي إلى حصرها بفعاليات الجماعات العسكرية، في حين أن العملية الثورية تتطلب مشاركة أوسع قطاعات من الشعب فيها. فوق ذلك فإن هذا الطريق يفضي إلى عسكرة الثورة، وسيادة لغة العنف في التعاملات البينية بين أطرافها، كما بينها وبين مجتمعها؛ ولا يخلو ذلك كله بالطبع من سلوكيات سلبية ربما تشوه الثورة، وتضر بنبل مقاصدها.

لا توجد ثورات نظيفة، أو كاملة، لكن الثورات التي تتخذ طابعاً مسلحاً، تتطلب بالذات نوعاً من اليقظة، والنقد، وآليات العمل، التي تضمن تحقيق التناسب والتكامل بين مكوناتها، وتعزيز طابعها المديني - الجماهيري، وخضوعها لخطة سياسية محددة، تكفل لها تجنّب الاستدراج للأعمال الثأرية، والنأي بالأعمال القتالية عن مناطق المدنيين ما أمكن ذلك، وعدم تحويل العمل العسكري إلى نوع من فوضى أو إلى غاية في ذاتها.

 

=================

اعتقال خليل معتوق ورفاقه:

ماذا بعد؟

فايز سارة

السفير

2012-10-19

يمثل اعتقال المحامي خليل معتوق المدير التنفيذي للمركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية تطوراً خطيراً في مسار الاعتقال السياسي في سوريا. ذلك ان اعتقال معتوق الناشط الحقوقي والشخصية السورية المعروفة، يمثل ذهاباً رسمياً إلى أقصى درجات الاعتقال. فالرجل من جهة رجل قانون، وهو بالمعنى الدقيق للكلمة لديه التزام أولي بعدم خرق القانون بما في ذلك القانون السائد في ظل النظام السياسي القائم، وثم إثبات لهذه الحقيقة من سلوك النظام الذي لم يقم باعتقال خليل معتوق طوال نحو عقدين من سنوات مضت استمر فيها خليل معتوق بممارسة الدور نفسه الذي دأب على القيام به في الفترة التي سبقت اعتقاله.

كما أن دور الرجل، كما هو معروف عن نشاطه، لم يكن أكثر من محام ومتابع نشط في مجال حقوق الإنسان، يتابع من خلال صلة وثيقة ودؤوبة عمله بين أهالي المعتقلين ورفاقهم من جهة والمؤسسات والأجهزة الرسمية السورية في مسعى منه للحد من انتهاكات حقوق الإنسان وتخفيفها، وتوفير أفضل الفرص للموقوفين والمعتقلين من أجل خروجهم من اعتقال تم خارج القانون، وهو بالمعنى المحدد، لم يكن يتجاوز القانون، وإنما يخدمه في توفيق أوضاع المجتمع والسلطة في ظل القانون.

أما في المواصفات العامة، فإن الرجل لم يجعل من نفسه شخصية سياسية تدخل بوابات الصراع السياسي القائم في سوريا الآن أو في الماضي القريب، وان كان ذلك لا يعني ان ليس للرجل رأي وموقف سياسي، فهذا حق طبيعي من حقوق الإنسان، وخليل معتوق بما هو عليه، صاحب موقف ورأي يصب في مصلحة الأكثرية الشعبية من أجل وطن حر يوفر العدالة والحق والمساواة لكل أبنائه، وهذا موقف طبيعي لمن كان في مهنة خليل معتوق واهتماماته.

والرجل من جهة أخرى، هو رجل سلمي، ليس فقط بما هو عليه كرجل قانون وحقوقي، بل بحكم تربية تلقاها، وخيارات واقعية تبناها في حياته الشخصية والعامة، وهي في حدود المنظومة السياسية والاجتماعية والثقافية التي عاش في حدودها طوال عقوده الخمسة الماضية، والتي لم يمارس فيها العنف أو يؤيده أو يدعمه بصورة من الصور.

ولأن خليل معتوق على نحو ما هو عليه في شخصيته وموقفه العام، فإن اعتقاله يمثل نقطة تحول خطيرة في مسار الاعتقال السياسي في سوريا. لكن هذا التحول لم يكن بدون مقدمات، أخذت تتكرس في العام الأخير من عمر الأزمة، وجاء في سياقها بداية العام الحالي اعتقال مازن درويش الحقوقي والصحافي المعروف، ورئيس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، ونائب رئيس المعهد الدولي للتعاون والمساندة في بروكسل، وتوالت بعده اعتقالات لعدد كبير من المحامين بينهم سامر إدريس، ومالك الجيوش، ونورس مشوح، ونادر جبلي، وزينب ابو آذان وبرهان السقال، وقد وصل عددهم إلى أكثر من عشرين محامياً في وقت قيل ان العدد أكبر من ذلك بكثير، إذ يتحفظ بعض أهالي المحامين المعتقلين على أسماء أبنائهم خوفاً عليهم.

ويعكس هذا التطور حقيقة، تكثيف الاعتقال في صفوف المحامين والعاملين في ميدان حقوق الإنسان، بل ان تلك الاعتقالات تصيب كوادر رئيسية في المجالين القانوني والحقوقي، ما يزيد من إضعاف هذين المجالين في سوريا، ويفتح الباب نحو تطورات أسوأ في هذا المجال.

خليل معتوق ورفاقه من المحامين والحقوقيين، ينبغي ان يكونوا في أبعد البعيد عن الاعتقال، وخصوصا غير القانوني نظراً لموقعهم ودورهم في المجتمع. وخليل معتوق بوجه خاص يعاني وضعاً صحياً حرجاً، وهو ما أكده طبيبه الخاص في نداء ضميري، قال فيه: يعتبر استمرار اعتقال خليل معتوق بمثابة حكم بإعدامه.

 

=================

الطريقة الصحيحة للتدخل التركي في سوريا

المصدر: صحيفة نيويورك تايمز الأميركية

التاريخ: 19 أكتوبر 2012

البيان

كانت تركيا أول دولة تتخذ إجراء عسكريا مباشرا ضد حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، منذ بدء الانتفاضة السورية في ربيع عام 2011. والتوترات بين البلدين آخذة في التصاعد. حيث أرسلت الحكومة التركية، أخيرا، 25 طائرة حربية من طراز "إف-16" إلى قاعدة جوية تقع بالقرب من حدودها مع سوريا. كما أرغمت طائرة ركاب سورية على الهبوط في العاصمة التركية، أنقرة، وفرغتها مما اشتبهت في أنها مساعدات عسكرية.

ويشكل القصف على طول الحدود التركية السورية تطورا بالغ الأهمية. فنظام الأسد منهمك عمليا بمحاربة الجيش السوري الحر بالقرب من الحدود التركية، التي قام بقصف مدنها وقراها. والدقة في تصويب القذائف أمر صعب، ولا يشتهر الجيش السوري بدقته. والأهم من ذلك هو أن العديد من المناطق التي يسيطر عليها الثوار تقع بجوار الحدود التركية. وبالتالي، فإن السوريين حتى لو حاولوا قصف الأراضي التركية، فمن المرجح إلى حد كبير أن يتسببوا بأضرار غير مقصودة، ويقتلوا مواطنين أتراكاً - كما حدث في 3 اكتوبر عندما سقطت قذيفة سورية في أكاكالي، وهي بلدة تركية حدودية.

وما دامت القذائف السورية تواصل السقوط على الأراضي التركية، فإن تركيا سترد بالمثل. وكما قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، فإنه: على الرغم من أن تركيا لا تريد حرباً، فإنها قريبة من الحرب. ولو استمر الوضع في التصاعد، فإن تاريخ تركيا يشير إلى أنها ستتبع على الأرجح أحد ثلاثة مسارات:

مواصلة القصف بكثافة منخفضة، أو توجيه ضربات عبر الحدود، أو شن غزو فعلي. وأصدر حلف شمال الأطلسي بالفعل بيانا يفيد بأنه سيدافع عن تركيا ضد سوريا. ومع ذلك، فإنه لو ارتأت تركيا أن المجتمع الدولي لن يساعدها فعلاً على درء عدوان نظام الأسد، فإنها قد تعتمد الخيار القبرصي. وأشار الرئيس التركي عبد الله غول إلى أن أنقرة ربما تقترب من عتبتها، مصرحاً يوم 8 اكتوبر الجاري بأن "أسوأ السيناريوهات" يلوح في أفق سوريا، داعيا المجتمع الدولي إلى التحرك.

ويعتبر السيناريو القبرصي أقل السيناريوهات استحسانا بالنسبة لتركيا. ومن شأن حشد دعم حلف شمال الأطلسي بموجب المادة 5 من ميثاق الحلف، التي تدعو جميع دول "ناتو" إلى الدفاع عن أي دولة عضو تتعرض للهجوم، أن يكون أمرا صعبا. فالمادة 5 لم تُفعّل سوى مرة واحدة في تاريخ "ناتو"،وعلاوة على ذلك، فإن الدول مثل فرنسا، لم تحرص في الماضي على نصرة تركيا. ومن شأن خوض حرب من جانب واحد ضد نظام الأسد أن يزعج الولايات المتحدة ويغضب روسيا، عدوة أنقرة في سوريا.

قد تكون تكلفة التدخل في سوريا مرتفعة الآن، ولكن الثمن لن يرتفع بالنسبة لجميع الدول، إلا إذا استمرت مذابح المدنيين بلا هوادة. وفي الوقت الحالي، تبدو سوريا قريبة إلى حد مخيف من البوسنة في أوائل تسعينات القرن الماضي. في البوسنة، تدخل المجتمع الدولي قبل فوات الأوان. وفي حال تطرفت سوريا، متحولة إلى ملاذ آمن للمتشددين، فقد يغدو تطبيعها مهمة مستعصية.

=================

الأزمة السورية بدأت في تدميرنا

محمد علي بيراند

الشرق الاوسط

19-10-2012

كلما طال أمد الأزمة السورية، زادت أضرارها على المنطقة.

قامت أنقرة باستخدام كل ما في وسعها في هذه الأزمة، حيث غيرت من أدواتها وتصدرت الجهود الرامية لحل الأزمة، ولكنها لم تتمكن رغم كل ذلك من إسقاط الأسد. وإذا ألقينا نظرة متمعنة على الأوضاع الحالية، فسوف يتضح مدى صعوبة الإطاحة بالأسد. وإلى الآن، تعتبر الأعباء المترتبة على الأزمة السورية أمرا يمكن التعاطي معه، ولكن هذه الأعباء قد زادت بصورة مطردة وأصبحت أكثر خطورة في الأسابيع القليلة الماضية.

وقبل الدخول في التفاصيل، أود أن أعرض عليكم هذه النقاط المهمة: زادت أعداد اللاجئين السوريين إلى 100 ألف لاجئ. ومنذ عام مضى، كان ينظر إلى هذا الرقم على أنه الحد الأقصى لأعداد اللاجئين، وبعد أن بلغت أعدادهم 100 ألف بالفعل، يقال: إن المنطقة العازلة سوف تدخل حيز التنفيذ بالفعل، ولكن هذه المنطقة العازلة تبدو مستعصية على التطبيق في الوقت الحالي. قامت تركيا بإنفاق نحو 400 مليون ليرة تركية حتى الآن، وهو الرقم المرشح للزيادة بصورة مستمرة. لم يقم الاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة بإرسال أي مساعدات للاجئين، والسبب في ذلك يرجع إلى عدم قبول تركيا بشروط الرقابة وتوزيع المعونات الخاصة بهذه المؤسسات، حيث تقول تركيا لهم: «أعطونا الأموال ولا تتدخلوا بأي شكل، وسوف نتولى نحن مهمة التوزيع». تقوم هذه المؤسسات بممارسات مختلفة، ولكن إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق ما بهذا الشأن، فسوف تصل التكلفة التي تتكبدها تركيا إلى مليارات الدولارات. يسود انطباع خاطئ في وسائل الإعلام العالمية بأن تركيا على وشك الدخول في حرب مع سوريا. يتزايد هذا الانطباع بصورة كبيرة في الآونة الأخيرة، وهو نابع في الحقيقة من الموقف الذي تتبناه تركيا، ومن التصريحات القوية التي تصدرها بشكل متكرر، ومن إسقاط الطائرات جراء عمليات القصف. وبغض النظر عن مدى خطأ هذا التصور، فقد بدأ بالفعل في ترك آثاره السلبية على المؤسسات المالية العالمية والمستثمرين. ففي كل يوم تقريبا، هناك بعض الأسئلة التي يتم طرحها بصورة متكررة: «ماذا يحدث عندكم؟ هل ستقومون حقا بالدخول في حرب؟».

بدأت مؤشرات الشك والقلق في الظهور في أوساط المستثمرين، وإذا استمرت الأمور على نفس هذا المنوال، فسوف تتزايد المخاطر المترتبة على ذلك بصورة أكبر بكثير. ورغم أن هذه المؤشرات لم تعد واضحة في الوقت الحالي، فإن أجراس الإنذار سوف تبدأ في الدق في مجال السياحة في حال استمرار المناخ الحالي الذي تخيم عليه أجواء الحرب.

تعد رغبة تركيا في حل الأزمة السورية بصورة سريعة أمرا يمكن تفهمه، ولكن في حال استمرار هذا الإيقاع، وإذا لم يجر تعديل المواقف المؤيدة للصراع، فمن الواضح أن تكلفة الأزمة السورية ستصبح مرتفعة للغاية بالنسبة لنا.

نحن جميعا خبراء: تعد تركيا مجتمعا غير معقول حقا، إننا نمتلك عقيدة خاصة في كافة الموضوعات تقريبا. لم يسبق لي أن رأيت مثل هذا الأمر في أي دولة أخرى. فبشكل عام، ينصت الناس في كافة بلدان العالم إلى الخبراء الحقيقيين فقط، وليس أي صوت يسمعونه فحسب، حيث يصغي الناس فقط للأشخاص الذين يلمون بالموضوع بكافة تفاصيله، ثم يأخذون قرارهم بأنفسهم.

العكس تماما هو ما يحدث هنا، حيث إن الاستماع لكلام بعض الصحافيين والعسكريين المتقاعدين والأكاديميين على شاشات القنوات التلفزيونية يجعل دمي يغلي. ففيما يتعلق بكيفية مواجهة الأعمال الإرهابية التي يشنها «حزب العمال الكردستاني» المحظور، يمكنك التحول بين قنوات التلفزيون للاستماع إلى نصائح الخبراء وهم يقولون: «يجب أن نقوم بالبحث عن بعض العناصر الخاصة وإرسالهم إلى الجبال. يستطيع هؤلاء الرجال البقاء على قيد الحياة في هذه الجبال من خلال تناول أي شيء مثل الضفادع. لن يتمكن أحد من رؤية هؤلاء الرجال أثناء فترات النهار، ثم يبدأون في التحرك في الليل. إنهم قناصة وسوف يتمكنون من إطلاق النار على أعين عناصر (حزب العمال الكردستاني)، وهذه هي الطريقة التي يمكن بها حل قضية (حزب العمال الكردستاني)».

يبدو الأمر كما لو أن هيئة الأركان العامة ووزارة الداخلية، الذين يعملون على حل هذه المشكلة منذ سنوات طويلة، لا يعلمون أي شيء، وأن هؤلاء القادة المتقاعدين والصحافيين هم وحدهم من يعرفون كل شيء.

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية

=================

 نهب آثار سوريا لتمويل الثورة

سوسن الأبطح

الشرق الاوسط

19-10-2012

الفرق بين ما عاشه العراق وما يراد لسوريا لا يبدو أنه كبير. بدءا من الدمار الهائل والشامل الذي تصفق لهوله الشركات العالمية الكبرى وهي تسن أسنانها للاستثمار وإعادة البناء، لسنوات كثيرة مقبلة، مرورا بالتضحية بعشرات آلاف الأرواح، دون أن يرف جفن مسؤول أممي، وصولا إلى تدمير الأمل بالمستقبل وسرقة الماضي وبيعه بالمزادات العلنية. ليست المأساة في أن الغرب شارك في المجزرتين معا، مرة بشكل مباشر، وأخرى بالتحكم عن بعد، لكن الأدهى أننا قررنا في الحالتين أن نكون العدة والعتاد.

تحميل النظام السوري وحده المسؤولية اليوم يشبه القول إن صدام حسين جنى على العراق وأهله. عبارة لا قيمة لها ولا معنى أمام عذابات الأمهات ويتم الأطفال وإفقار شعب وتدمير بلد بأكمله. حين يعمم السلاح في أي مكان، يدخل الجميع في لعبة اللامنطق العبثية المريعة. اسألوا اللبنانيين يخبروكم، من يتحمل المسؤوليات حين يصبح القتل تسلية الميليشيات، على أنواعها، في أوقات الفراغ. اسألوهم يخبروكم إن كان ثمة مسلح شريف حقا ومسلح قذر، لحظة تتحول البلاد كلها، تحت وطأة الخراب، إلى مستنقع «نتن» لا مكان فيه لقيم أو أخلاق.

من لا يصدق أن إخراج السوريين من الثورة السلمية وإدخالهم حربا مسلحة، مد في عمر النظام وأساء للمعارضة، عليه أن يرى كيف أن التقارير الدولية باتت توزع الاتهامات على الطرفين معا، مع مراعاة فارق مستوى التسليح، بعد أن كان بشار الأسد في عيون الرأي العام، ديكتاتورا قميئا وقاتلا لشعبه الأعزل. ليس الموضوع أن النظام أجبر المعارضة على التسلح لشدة ما بطش ونحر، بل على الأصح، إنه نجح في توريطها وتمييعها وإلهائها بلعبة السلاح التي سبق ومارس ما يشبهها في لبنان.

الفوضى الهائلة، والفراغ المتزايد الذي يتركه انحسار سلطة الدولة، لمعارضة مشرذمة مقطعة الأوصال، يجعل الفرق يتلاشى للأسف، بين ممارسات شبيحة النظام، ومسلحي المعارضة. التقارير الدولية والصحافية تؤكد أن الطرفين معا متورطان في نهب وسرقة الآثار السورية، والمواقع التي تعتبر من بين الأهم في العالم على الإطلاق.

وإذا كان جنود الجيش النظامي وشبيحته يغضون الطرف أو يشاركون في النهب مقابل بعض الخدمات أو الحصول على المال، فإن المعارضة متورطة هي الأخرى، في السرقة، وفي التنقيب غير المشروع، وفي بيع آثار سوريا مقابل الحصول على قطع من السلاح، ومن أجل تمويل الثورة بحسب «التايمز»، نقلا عن شهود عيان ومشاركين في التهريب إلى دول مجاورة.

وتبعا لتقارير دولية فإن عشرة آلاف موقع أثري موجودة في سوريا اليوم كثير منها مهدد بالنهب، في ظل الانفلات القائم. أضف إلى ذلك أن هذه المواقع لا تشكل سوى 30 في المائة مما تخبئه الأرض في باطنها. لهذا يعمد الطامعون من الطرفين إلى التنقيب والتفتيش والتهريب.

الأخبار تتحدث عن سرقة متحف «تدمر» وقطع من المدينة التاريخية، كما طاولت السرقة متحفي «حماه» و«أفاميا»، هذا عدا إحراق أسواق حلب التي لا تعوض. وقد دمرت - بحسب ما يتوارد من أخبار - أجزاء من قلاع ومواقع أثرية جراء المعارك والقصف المتبادل مثل قلعة «شيزر» على نهر العاصي، وقلعة الحصن، وقلعة المضيق وايبلا في إدلب. ويرجح أن تكون علميات نهب واسعة تتم في منطقة الجزيرة السورية بسبب وجود حفريات واسعة متروكة اليوم دون أي حماية تذكر.

صحيح أن حجم الكارثة لا يمكن تحديده إلا بعد هدوء المعارك وانكشاف الوضع على حقيقته، لكن عالمة الآثار البريطانية إيما كونليف، بما لها من مصادر ومعلومات، ترى أن «كارثة الآثار العراقية عام 2003 تتكرر حاليا في سوريا» خاصة أن «الطلب كبير في الأسواق العالمية لذا فإن السرقة ستزداد».

هذا النهب وهذا الدمار من بيروت إلى بغداد وطرابلس، يقترب من دمشق بعد أن أحرق ما حولها.

النظام السوري زائل لا محالة كما زالت من قبله أنظمة، ودالت دول، لكن سوريا باقية، ودمشق ليست ملكا لمعارضة أو نظام، هي ملك أهلها وفي أسواقها وعلى أسوار مساجدها وقصورها وبيوتها وحماماتها حفر تاريخ كل عربي ومسلم أيضا. إذا كان إنقاذ تراث سوريا واجب إنساني كما تقول اليونسكو، فإن التفريط في دمشق وتركها نهبا للنار والخراب، تحت أي ذريعة، جريمة عربية وإسلامية لا تغتفر.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ