ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم 21-10-2012 المذبحة في
سوريا بين التقصير والتدبير تاريخ النشر:
الأحد 21 أكتوبر 2012 د. رضوان السيد الاتحاد منذ حوالي العام
ينتظر الإيرانيون والروس (على اختلاف
الأهداف) من يأتي إليهم أو يأتون إليه،
للمساومة على رأس "الأسد" ليس
بالطريقة الرمزية، بل بالطريقة
العملية. وقد التهينا نحن المعلِّقين
شهوراً بشتْم الروس والإيرانيين، ثم
دخلْنا في محاولة شتْم تخاذُل الأتراك
والأميركيين، ونوشكُ أن نعود إلى
السطر الأول: أنه لا حلَّ للأزمة
والقتل إلاّ بانتصار الثوار على
الأسد، وبمساعدة عربية. لماذا كان هذا الطواف
الطويل؟ لأننا تعودنا منذ عقد أو عقدين
أن الولايات المتحدة هي فاعلة أي شيء
وتاركة أي شيء، ولا أحدَ سواها في
الساحة إقبالاً وإدباراً. وفوجئنا في
الأزمة السورية بأمرين: التردد
الأميركي بين الإقدام والإحجام،
والهجوم الروسي إلى الآخر بعد أن نسينا
روسيا في الشؤون العالمية منذ عقدين
ونصف، أو منذ انسحابها من أفغانستان
بين العامين 1987 و1989. وما فوجئنا بالطبع
بإيران بعد أن تعودْنا على هجماتها منذ
حوالي العقد ونصف العقد. فقد هاجمتنا
في العراق (مع الأميركيين)، وفي غزة
ولبنان (مع الإسرائيليين بحجة الدفاع
عنا ضدهم!)، وفي اليمن والبحرين(بمفردها).
وما كان منتظراً إلا أن تُهاجم أو
تستمر في الهجوم دعماً للأسد،
باعتباره عماد المحور الذي أقامته.
وعندها سبب آخَر وهو الحصار الغربي
لها، والذي ترجو أن تستطيع المساومة
عليه بالأوراق القليلة التي تملكها
ومنها نظام الأسد. ماذا صار في مواجهة
الهجمة الروسية؟ لقد تفاوضت مع روسيا
في البداية جهاتُ المعارضة السورية،
ثم تفاوضت معها جهات عربية رسمية وغير
رسمية. ثم تفاوض معها المبعوثان
الدوليان. وقد تعددت خطاباتها لكل جهة:
قالت للمعارضين عليكم أن تتوحدوا وأن
تقبلوا المفاوضات مع النظام على مرحلة
انتقالية. وقالت للرسميين وغير
الرسميين العرب إن روسيا لا يفرض عليها
الأميركيون أو غيرهم شيئاً، وإنها
تخاف من الإسلام الأصولي على سوريا
وعلى روسيا، وإن أحداً ما عرض عليها
عرضاً جاداً ومضموناً من أجل مستقبل
سوريا وضمانات لمصالحها فيها. أما مع
المفاوضين الدوليين فقالت إن الأسد
باق ولا حلَّ سياسي أو غير سياسي بدونه! اتسم الشهران
الماضيان من عمر الأزمة السورية
بالجمود، وكان للجمود عدة تفسيرات أو
تأويلات: التأويل الذي يقول لابد من
انتظار الانتخابات الأميركية. وقد
أُجيب على ذلك بأن الانتظار غير مفيد
لأن أميركا إنما ترددت حتى الآن بسبب
عدم التأكد من ضمان أمن إسرائيل بعد
الأسد كما كان مضموناً أيامه، وما تغير
في ذلك شيء قبل الانتخابات أو بعدها.
بيد أن أهل الانتظار قالوا: بل إنه أضمن
حتى لأمن إسرائيل، أن تشارك الولايات
المتحدة في حل الأزمة السورية، لأنها
حينها تملك نفوذاً في تشكيل النظام
اللاحق! أما التفسير الآخَرُ للجمود
فهو بحث العرب عن حل بالتعاون مع تركيا:
لكن أردوغان أظهر تردداً كبيراً.
فتركيا لا تريد الاصطدام بإيران، ولا
بالروس. ثم إنها تريد إجماعاً عربياً
وإذناً أميركياً. والأردن يريد ضمانات
عربيةً ودولية. وقد ظهرت حيرةُ أردوغان
واضحةً في المثلثات التي عرضها لحل
الأزمة: إما إيران وتركيا ومصر، أو
إيران وروسيا وتركيا، أو تركيا
والسعودية ومصر. وهكذا نلاحظ أن
السعودية- الطرف العربي الرئيسي حتى
الآن- لا تظهر إلا في مثلث واحد. ويظهر
أيضاً أن الرباعية التي اقترحتها مصر
قد فشلت، لأن السعودية تغيبت عنها،
ولأن إيران ما أظهرت تنازلاً عن شيء! وللجمود أيضاً تفسير
ثالث، وهو انتظار الأطراف ماذا يفعل
الإبراهيمي. وأفظع أفكاره النيرة
أخيراً: اقتراح وقف للنار خلال أيام
الأضحى، "لتقليل القتل"، كما قال!
وكان قد قال بالعراق وإيران إنه يزور
الدول المؤثرة وذات النفوذ، والتي
يمكن أن تساعد في حل الأزمة. وهو يعرف
أن صديقه عنان إنما فشل لإيثاره هذا
المخرج من الأزمة، أي إرضاء روسيا
والصين وإيران، أنصار الأسد، دون
معارضيه! فالإبراهيمي وعنان تعاملا
ويتعاملان مع الأزمة كأنها بين نظامين.
والواقع أنّ الأزمة بين نظام وشعبه.
صحيح أن الإبراهيمي تحدث إلى
المعارضين المسلحين وغير المسلحين في
القاهرة وغيرها، لكن بسبب الفكرة
المسبقة تلك، فقد ظل يعتقد أنه بإقامة
جسر اتصال بين مؤيدي الأسد من الدول،
ومؤيدي المعارضة من الدول، يمكن
الوصول إلى حل للأزمة. ويبدو أن الأمر
صار أسوأ من ذلك في الأيام الأخيرة،
لأنه يعتقد أن الهدنة لأيام خلال
الأضحى، يمكن أن تفتح المجال للحل
السياسي المنشود الذي يُبقي على الأسد
ويُدخلُ المعارضة إلى الحكومة
بموافقته! ما معنى هذا كله؟ أن
المذبحة مستمرة، وأن الأطراف الدولية
منقسمة، وأن الأمر -بسبب هذا الوضع- يجب
أن يعود إلى أيدي العرب، لكنّ العرب ما
استطاعوا إخراج حلٍّ يتطلب تدخلاً
عسكرياً من نوع ما، إمّا لفرض منطقة
آمِنة، أو لترجيح كفة الثوار بحيث يضطر
النظام للمغادرة أو لقَبول الحل
السياسي الذي يتضمن تنحي الأسد. لقد
استبشرنا خيراً بدخول مصر على الخط، إذ
منذ سنين ما عاد للنظام العربي ظهر إلا
في دول الخليج. وقد ترددت مصر طويلاً
أيام المجلس العسكري قبل أن تهجم على
النظام السوري أيام الرئيس مرسي،
والذي قال للإيرانيين أيضاً: لابد من
ذهاب الأسد! وظننا جميعاً أنه عندما
اقترح الرباعية، وفيها إيران وتركيا
ومصر والسعودية، تشاور مع إيران على
الأقل، وتقاضى منها ثمناً لإشراكها في
هذا الشأن العربي. فقد كانت مشكلتنا مع
النظام الإيراني كما سبق القول إنه
يتدخل في الشؤون العربية بطرائق
تخريبية. وما بدت السعودية راضيةً
لكنها ما قالت شيئاً في العلن ضد
مبادرة مرسي. وقد جاء الإيرانيون
بالفعل مرتين إلى القاهرة، وعقدوا
اجتماعاً ثالثاً مع المصريين والأتراك
في نيويورك. إنما في الاجتماعات كلها
قصدوا إلى تضييع الوقت مثل اقتراح
إدخال فنزويلا والعراق إلى اللجنة! إلى
أن قالوا أخيراً إن الحل لابد أن يكون
بإشراف الرئيس الأسد، الذي لا يقاتل
معه المهدي فقط، بحسب الرئيس نجاد، بل
يقاتل معه المالكي ونصرالله أيضاً!
ولذا يصبح غريباً أن يعتبر الإبراهيمي
أن العراق وإيران مؤثران، وأن آراءه لا
تختلف عن آراء العراقيين على الأقل! ينبغي إذن استبعاد
إيران بل اعتبارها خصماً في المسألة
السورية على الخصوص. ولابد من العودة
للحل العربي الذي يطوره ويُخرجه
الخليجيون، والذي يعتمد دعم المعارضين
بالداخل والخارج بشتى الوسائل. وهذا
الحل الأخير الذي يحصل على إجماع أو
شبه إجماع عربي، لابد أن تجري الموافقة
عليه بالجامعة العربية، لأنه بعد
الدعم وسقوط النظام، سيُرسل العرب
قوات من أجل السلام وإعادة بناء الدولة
السورية بالفعل. وما أرادت مصر الجديدة
القيام به بمعونة إيران وتركيا،
تستطيع القيام به مع أشقائها في الخليج
وغير الخليج! ================= في ما يتعلَّمه
السوريون من مأساتهم عمر قدور المستقبل 21-10-2012 مع كل إطلالة له
يتوقف الأمين العام لحزب الله عند
الشأن السوري، وبالتدريج تصبح
التلميحات أكثر وضوحاً فيما يخص
التدخل في الشأن السوري، ومن المؤكد أن
عدم استبعاده مؤازرة الحزب للنظام
السوري في المستقبل يحمل من الدلالات
ما يعيه السوريون، وحتى ما اختبروا
تبعاته الجهادية قبل مجمل التصريحات.
لن نأتي بجديد هنا إن قلنا إن الأمين
العام خسر رصيده لدى الشريحة الأكبر من
السوريين مع بدء الثورة، فدلالة ذلك
تتعدى الحساسية الشخصية، لتطال بمفعول
رجعي العديدَ من المواقف التي شكلت
رأياً عاماً لديهم من قبل، والتي للأسف
يدفعون ثمنها اليوم. لا يكفي القول بأن
السوريين خُدعوا زمناً طويلاً
بالشعارات البراقة للمقاومة وشقيقتها
الممانعة، فذلك أدعى إلى إعفائهم من
مسؤولياتهم أمام أنفسهم وأمام
تاريخهم؛ الأمر الذي تكشف الثورة
يومياً عن مدى فداحته. فالحقّ أن
السياسة الخارجية للنظام لم تكن موضع
اختلاف داخلي، بل إن بعض القوى "المعارضة"
لا يزال حتى اليوم يتفق معه في الخطوط
العريضة لسياسته الخارجية، ويقيم
فصلاً تعسفياً بين ديكتاتورية النظام
في الداخل ودوره الإقليمي!. هذا لا ينفي
أن نسبة كبيرة من السوريين تجاوزت مع
مستهل الثورة عقدة العداء للآخر
وبخاصة للغرب، وأيضاً العداء لبعض
العرب الذين دأبت ثقافة البعث على
تصنيفهم في خانة الرجعية والعمالة،
لقد قطعت هذه الشريحة مع ثقافة النظام
إذ طلبت تدخلاً أو مؤازرة يتنافيا مع
أوهام السيادة الوطنية التي لا يُراد
بها إلا الاستفراد بالشعب وتطويعه،
والتي تمخضت فعلاً عن أعتى أنواع
الفاشية. لكن السوريين
فُجعوا، من جهة أخرى، بأن العالم لم
يكن مستعداً لتقديم المساعدة التي
يتمنونها، وفُجعوا أيضاً لأن العالم
لم يكن على مستوى القيم التي ينادي بها
ويروّج لها، مع أنها ليست حالة نادرة
أن يتنصل المجتمع الدولي من
مسؤولياته، أو أن يختار اللحظة
المناسبة له من أجل الوفاء بالتزاماته.
لعله الدرس الأقسى الذي يتلقاه
السوريون، وهذا يستدعي منهم تخطي
مشاعر الغضب والنقمة، وهي مشاعر لا بد
أن تنتشر أمام هول دمائهم التي يسفكها
النظام يومياً. ثمة واجب وحساسية
أخلاقيان مطلوبان منهم فور انتهاء
المجزرة الحالية، إن لم يكن في
أثنائها، فالسوريون على العموم لم
يُظهروا فيما سبق حساسية عالية جداً
تجاه مآسي الآخرين، ولطالما غلّبوا
الاعتبارات السياسية على الأخلاقية،
أي أنهم في المحصلة تصرفوا على نحو
مشابه لما يلاقونه الآن. من الإنصاف أن يقرّ
السوري بأنه لم يتخذ موقفاً صارماً من
جيشه إلا الآن، وعندما كان الجيش نفسه
ينتهك حرمات اللبنانيين لم يكن ذلك
يثير حفيظة النسبة الغالبة هنا، مع علم
الجميع بهذه الانتهاكات. لم يكن السوري
معنياً بممارسات أجهزة "مخابراته"
في لبنان، على الرغم من مكابدة مئات
آلاف السوريين من تصرفات المخابرات
السورية في بلدهم. لقد نُظر إلى هذا
الأمر على أنه من طبيعة الأشياء، ولم
يؤدّ إلى التعاطف المنشود بين
الضحايا، بل كانت المفارقة في أن
الغالبية لم تتعاطف مع انتفاضة
الاستقلال اللبنانية، واستطاع النظام
أن يحشدها حوله في وهم وطنية سورية لا
ترى حق الآخر في وطنيته وسيادته، ونجح
النظام تحت وهم المقاومة في إبقاء ذلك
التعاطف اللاعقلاني مع أنصار الوصاية
في لبنان. لقد استقبل السوريون
بحفاوة آلاف الأسر اللبنانية خلال حرب
تموز، وبصرف النظر عن الجحود الذي
قوبلوا به من أنصار حزب الله فإن
استقبالهم كان يتناغم بالدرجة الأولى
مع سياسة النظام وعدائهم المطلق
لإسرائيل، ولم يتفهموا حينها حقيقة
مواقف الأطراف اللبنانية الأخرى التي
استنكرت الورطة التي أوقع بها الحزب
لبنان ككل. لم يكترث السوريون يوماً
بأن الأمين العام لحزب الله اصطحب معه
ثلة من مقاتليه عندما أتى معزياً
بالأسد الأب، وأن أولئك قدموا حينها
استعراضاً للقوة في مدينة القرداحة في
رسالة دعم للأسد الابن، إلا عندما بدأت
جثث عناصر الحزب تعود إلى لبنان بعد أن
قاموا بواجبهم الجهادي في سوريا. لقد
أهدى الأمين العام للحزب رئيس
المخابرات السورية في لبنان، في لقاء
الوداع، بندقية. والآن، في لحظة
الحقيقة، يعرف السوريون جيداً إلى أين
تُصوب البنادق. من حق السوريين
التباهي باحتضانهم لأشقائهم
العراقيين، والذين أيضاً لم يردوا
التحية بمثلها، لكن هذا أيضاً كان على
أرضية العداء الدائم لأميركا، وعلى
الأرضية ذاتها لم يتورع الكثيرون عن
التعاطف مع ديكتاتور مجرم مثل صدام
حسين، وكان مقبولاً منهم أن يذهب
الآلاف في عمليات جهادية تديرها
المخابرات السورية بالتعاون مع منظمات
إرهابية عالمية. قد لا يُعرف بالضبط،
حتى سقوط النظام وانكشاف ملفاته، عددُ
العراقيين الأبرياء الذين قضوا في
عمليات انتحارية من تدبيره وتنفيذ
عناصر سورية، وعلى أهمية هذه
المعلومات إلا أن الأهم هو استخلاص
العبر، وإذا صحت الإشاعات عن مشاركة
عناصر عراقية للنظام في حربه على
الثورة فذلك أدعى إلى استخلاص العبر
بأثر رجعي وإدانة من ذهبوا للجهاد في
العراق أسوة بمن يأتون اليوم إلى سوريا. في الواقع إن ما يصحّ
على السوريين يصحّ على العديد من شعوب
المنطقة، إذ تأتي إداناتها الأخلاقية
للمجتمع الدولي فقط عندما تتعرض للظلم
أو الاضطهاد، وينخفض مستوى الحساسية
الأخلاقية لدى امتلاك وهم القوة، أو في
أوقات الراحة. إذ لا يمكننا، باستثناء
الاصطفافات الأيديولوجية أو
السياسية، أن نستذكر سياقاً متصلاً من
المواقف التي تستنكر انتهاكات حقوق
الإنسان في شتى الأماكن، اللهم
باستثناء الموقف التقليدي من الاحتلال
الإسرائيلي، وهذا بدوره لم يكن دائماً
على المستوى المطلوب. حتى على الصعيد
الثقافي لم ترقَ "النخب" إلى
المستوى المنشود إنسانياً، وبقي جزء
كبير منها أسير التوجهات الإعلامية
العالمية التي لا تقيم وزناً للعدالة،
على ذلك مثلاً مرت مجازر كبرى في
الجوار الأفريقي من دون أن تثير
تعاطفاً ولو محدوداً مع الضحايا،
وربما بالكاد يتذكر البعض رواندا
وبوروندي اللتين شهدتا أفظع المجازر
العرقية في التاريخ المعاصر. ربما،
لولا الاعتبار الديني، لم ينتبه
الكثيرون إلى المجازر التي حدثت في
يوغسلافيا، ولعلنا نتذكر كيف أن منسوب
الاهتمام ارتفع مع الاهتمام الغربي
بها، وفي النهاية لم يكن اهتمامهم
يتحرى العدالة والمبدئية بقدر ما
ينصرف إلى نوع واحد من الضحايا. لقد حدث في تجارب
عديدة مماثلة أن أدى استمرار الظلم إلى
انغلاق الضحايا وتكريس اللامبالاة
تجاه الآخر، وهذا ما ينبغي الانتباه
إليه جيداً من قبل السوريين الذين
باتوا اليوم أكثر حساسية تجاه
المعاناة الإنسانية ككل. ما تعلمه
السوريون من النظام وحلفائه أن
المنظومة الثقافية والأخلاقية كلٌّ لا
يتجزأ، إذ ليس من المصادفة أن يلقى
الدعم من الدول والأحزاب التي لا تقيم
وزناً للكرامة الإنسانية عموماً وفي
بلدانها خصوصاً، ليست البراغماتية
السياسية وحدها ما يحدد اصطفاف أولئك
الحلفاء، بل هي أيضاً النوازع الفاشية
المشتركة والتي تم اختبارها سابقاً من
ساحات بكين وصولاً إلى طهران. من
المأمول إذاً أن يحافظ أن يحافظ
السوريون على الوعي الإنساني الذي
اكتسبوه بدمائهم، وأن تبقى هذه
الحساسية ملهمة للوطنية السورية فيما
بعد، وإذا كانت الواقعية السياسية
تجافي هذا المنطق أحياناً فإن تجرد
السياسة عن المضمون الإنساني الشامل
هو أسوأ ما يمكن أن تنحدر إليه، وهذا ما
يكابده السوريون يومياً. ================= الثورة السورية
والانتخابات الأميركية عمر العبد الله
() المستقبل 21-10-2012 لن تكون الانتخابات
الأميركية هذه المرة كبقية المرات
السابقة، بالنسبة إلى الشعب السوري
على الأقل. فهذا الشعب الذي يواجه آلة
الموت المتنقل منذ 19 شهراً أصبح يشعر
بأن ساكن البيت الأبيض الحالي لا يكترث
بكل ما يحدث في سوريا من قتل وتدمير
وتهجير، ويستند هذا الشعور السوري الى
أن كل التصريحات التي صدرت عن مسؤولي
الإدارة الأميركية بمن فيهم الرئيس
أوباما نفسه، لم ترق إلى الحد الأدنى
من توقعات الشعب السوري، وبخاصة أن
الشعب السوري رأى الصرامة الأميركية
في التعامل مع نظام الأسد عام 2005 عندما
انسحب الأخير من لبنان، إذ اكتفت
واشنطن يومها بالتلويح بالقوة من
بعيد، وكيف تعاملت أميركا مع نظام حسني
مبارك حليفها المدلل في المنطقة، خاصة
أن هذه التصريحات لم تتعد كلمة "
أيام الأسد معدودة ". استفاد الجمهوريون
من هذا الأمر بقوة، فكانت تصريحات
السيناتور جون ماكين، والمرشح
الجمهوري ميت رومني أقوى بكثير من
تصريحات خصومهم الديموقراطيين وأقرب
الى تطلعات السوريين، وتمكن رومني، من
استغلال موقف أوباما الضعيف من الثورة
السورية واضعاً خصمه في موقف محرج أمام
الشعب الأميركي عندما قال :"إن موقف
أوباما يقوي نظام الأسد ويضعف الثوار"،
إضافة إلى الزيارات المتكررة
للسيناتور ماكين الى مخيمات اللاجئين
السوريين، والدعوات المتكررة من
الرجلين الى تسليح الجيش السوري الحر. حقق رومني هدفه الأول
في مرمى خصمه الديموقراطي عبر
استغلاله شعور جزء كبير من الشعب
الأميركي أنه لم ينفذ واجبه الأخلاقي
تجاه الشعب السوري، فكثير من
الأميركيين يشعرون بأن أوباما يسيء
الى سمعة أميركا بموقفه السلبي من
الربيع العربي عموماً، وبالتحديد من
الدول التي استخدمت العنف المفرط تجاه
شعوبها كليبيا وسوريا، ولم ينس
الأميركيون موقف أوباما الهزيل مما
حدث في أوائل الثورة الليبية، ففي
الوقت الذي كانت الأنباء عن شلالات
الدماءفي ليبيا تطغى علىكافة وسائل
الإعلام العالمية، لم ينبس الرئيس
باراك أوباما ببنت شفة واحتاج سبعة
أيام من المجازر التي اقترفها الزعيم
الليبي معمر القذافي، ليخرج أوباما
بموقف علني هزيل، لم يجرؤ فيه علىذكر
اسم القذافي، واكتفى بوصف المعاناة
وسفك الدماء التي تسببت بها السلطات
الليبية لمواطنيها بأنها عمل مشين
وخارج عن الأعراف الدولية، وهو الكلام
ذاته الذي استخدمه في التعامل مع الأسد. يشعر السوريون أنهم
تُركوا وحدهم في ساحة المعركة ضد
الأسد، ومن ورائه روسيا وإيران، وأن
الأميركيين يسعون فقط إلى الحفاظ على
أمن اسرائيل، ولا يهمهم المجازر التي
ترتكب بحق السوريين، وأن كل الكلام
المصرح به أميركياً وأوروبياً والذي
لم يتعد حدود الكلام أصلاً، لم يصل الى
الحد الأدنى الذي توقعه السوريون، حتى
الموقف التركي الذي كان أصلب المواقف
تجاه الأسد تراجع نتيجة شعور أنقرة
بالبرود الأميركي في التعامل مع
الثورة السورية. ورغم إدراك الشعب
السوري أن قرار الإطاحة بالأسد لن يكون
إلا في واشنطن، إلا أن هذا التناقض
الواضح بين الفريقين من الثورة
السورية جعل كفة الميزان تميل لصالح
ميت رومني بين العرب الأميركيين وبين
أفراد الشعب السوري نفسه خصوصاً أن
الجمهوريين هم "أصحاب الخبرة"
بالإطاحة بالأنظمة. كانت الملفات
الأميركية الداخلية هي عامل الفصل في
كل الحملات الانتخابية الأميركية
السابقة سواء الاقتصاد أو الاجهاض أو
غيرها، فهل سينجح رومني بالاستفادة من
هشاشة خصمه في الملف السوري، وتحويله
إلى أول قضية دولية تطيح بساكن البيت
الأبيض؟ ================= أيّ الخيارات
ممكنة حيال الوضع السوري أو الإيراني؟ ماجد الشّيخ المستقبل 21-10-2012 يبدو أن
الاستراتيجية الأميركية العسكرية
التي اعتمدتها إدارة الرئيس الأميركي
باراك اوباما، لم تلب طموح المخططين
والعسكريين، ولا حتى السياسيين في
إقرار خطط طموحة لمعالجة الأزمات
الناشئة على الصعيد الدولي، وتعقيباً
على هذا الواقع، يتمثّل السؤال الملح
بالنسبة لقادة أميركا اليوم في ما إذا
كانت خطط الحروب في البنتاغون تحتاج
إلى إعادة صياغة، لتأخذ في الاعتبار
مدى استفادة المؤسسة العسكرية من دروس
حروبها في العراق وأفغانستان، ومن
القرارات الراهنة بتخفيض الميزانية.
وأكثر من ذلك، فهم يرون أن المناطق
الأميركية قد تتعرض لهجمات انتقامية
من الأعداء، كردّ فعل إذا دخلت واشنطن
صراعاً مسلحاً خلال السنوات الخمس
المقبلة. وقد تكون هذه الهجمات عبارة
عن ضربات صاروخية مباشرة، أو عملية
إرهابية، أو عن طريق الهجوم عبر شبكة
الانترنت. في هذا السياق، قدّمت
مؤسسة "راند" البحثية، التابعة
للقوات الجوية الأميركية، تقريراً
برعاية نائب مدير التخطيط الاستراتيجي
في مركز القوات الجوية، موجهاً لـ "صنّاع
القرار في الإدارة الأميركية،
والمسؤولين عن تصميم شكل الوجود
العسكري الأميركي في الخارج، وكذلك
للمعنيين بالنقاش حول الدور المستقبلي
للولايات المتحدة في الخارج". فقدان الإجماع حول
الانتشار وعلى امتداد سبعين
صفحة، يحاول تقرير "راند" الإثبات
أن الولايات المتحدة تحتاج إلى صياغة
شكل تواجدها العسكري في الخارج لعقود
عديدة مقبلة، في شكل يستجيب للبيئة
الأمنية الدولية المتغيّرة، ويأخذ في
الاعتبار رؤية واشنطن لدورها
المستقبلي حول العالم. ويشدّد التقرير
على أن ذلك سيسمح للولايات المتحدة
بتحقيق مصالحها الأمنية، بينما يلفت
إلى أن الوحدة المختصة التي أشرفت على
الدراسة، قامت بوضع المواقف العالمية
البديلة وعرضتها على قواعد سلاح الجو
الأميركي، وقوات القتال والنقل،
والأفراد في الخدمة الفعلية. ثم
استخدمتها لتحديد الخيارات
الاستراتيجية الحرجة التي ستواجه صناع
القرار في تحديد شكل الانتشار
الأميركي العسكري في الخارج. وفي الواقع، لا يبدو
أن انتشار القوات الأميركية في
الخارج، يشكل عامل إجماع بين صناع
القرار الأميركيين، فبينما يدعو قسم
منهم إلى تعزيز الوجود العسكري على
الصعيد الدولي، لا سيما في كل من منطقة
آسيا والمحيط الهادئ ومنطقة الشرق
الأوسط، مع الحفاظ على الالتزامات
الدفاعية لأوروبا؛ يرفع القسم الآخر
صوته مطالباً بعودة معظم القوات
الأميركية إلى الوطن. ما يدعو إليه التقرير
في نهاية المطاف، هو "الخيارات
الاستراتيجية الحرجة التي ينبغي على
صناع القرار أخذها في الاعتبار، عند
نقاش الانتشار العسكري الأميركي في
الخارج"، وأولها اتخاذ أميركا قرار
تقليص وجودها العسكري لدى حلفائها في
أوروبا وشمال شرق آسيا، الذين يمتلكون
القدرة الاقتصادية والعسكرية على ضمان
أمنهم بأنفسهم. ومثل هذا الخيار يفترض
أن تقلص الولايات المتحدة عدد القواعد
والقوات المقاتلة في بريطانيا
وألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية صحيح أن الوجود
العسكري يتيح الردّ السريع على أي
اعتداء كما يطمئن الحلفاء، إلا أن
أميركا بإمكانها أن تتعامل بمرونة مع
خيار المناوبة في تواجدها العسكري،
حيث تلجأ إلى تعزيز وجودها مع ازدياد
المخاطر أو طلب الحلفاء لمزيد من
الطمأنة. وإذا كان خيار أميركا
الاعتماد على حلفائها يبدو خطراً،
نظراً لاعتمادهم على استراتيجيات غير
عسكرية في الرد على التهديدات
العسكرية أو القيود الموضوعة على
ميزانياتهم الدفاعية، فإنه يمكن
لواشنطن اللجوء إلى خيارات استراتيجية
أخرى، مع الأخذ بالاعتبار مستقبل
تواجدها العسكري. الأول يناقش ما إذا
حان الوقت كي تعتمد أميركا بالدرجة
الأولى على القوات العسكرية المتواجدة
في أميركا للرد على الصراعات العالمية.
وهذا الخيار يأخذ بالحسبان أن مسألة
احتواء الصين وكوريا الشمالية وإيران
ستعتمد ليس على الوجود العسكري في
الخارج، بل على قدرات القوات
الأميركية في أميركا على التدخل في
حالات الأزمة. كما يتيح هذا الخيار
عودة الجيش إلى أميركا وتقليص إمكانية
تعرضه للهجمات الصاروخية، مع الانتباه
إلى ضرورة عدم الانسحاب النهائي من
القواعد العسكرية، وذلك لان إفلاتها
يفقد أميركا فرصة الحصول عليها مرة
أخرى في حال الأزمات. ويخلص التقرير إلى أن
ليس هناك من خيار صحيح، لكن هناك نصيحة
موجهة إلى من ينخرطون في نقاش مستقبلي
حول مستقبل التواجد العسكري الأميركي
حول العالم، بضرورة التركيز على الدور
الذي ينبغي أن تلعبه القوات العسكرية
في تحقيق مصالح أميركا، وبناء
قراراتهم على ما تقدم من خيارات. هذا
الأمر يجعل الانتشار العسكري مستقبلاً
يستند الى الدرجة التي يمكن فيها تحقيق
المصالح الأميركية، وليس الى أي
اعتبارات أخرى، كما هو الحال اليوم. محاولات للتهدئة في هذه الأجواء من
الحيرة والتردد الأميركيان إزاء
التدخلات العسكرية أو إعادة انتشار
القوات العسكرية، أفاد تقرير أميركي
نُشر في العشرين من أيلول (سبتمبر)
الماضي، بأن أي هجوم تشنّه الولايات
المتحدة على إيران قد يهزّ نظامها
ويقلّص قدرته على شنّ هجمات مضادة،
ولكنه رجّح أن تتمكن طهران من الردّ،
ما قد يهدد بإشعال حرب شاملة في
المنطقة. وأعدّ التقرير أو أيّده، أكثر
من 30 ديبلوماسياً سابقاً وأميرالات
وجنرالات متقاعدين وخبراء في الأمن
القومي، أعلنوا أن هدفهم الرئيس يتمثل
في تأمين وضوح في شأن احتمال استخدام
القوة ضد إيران. لكنهم لم يتوصّلوا إلى
أي خلاصة، ولم يعرضوا توصيات. وبين معدّي التقرير
ومؤيديه، برنت سكوكروفت الذي كان
مستشار الأمن القومي خلال عهد الرئيس
جورج بوش الأب، وريتشارد أرميتاج
النائب السابق لوزير الخارجية، وعضوا
مجلس الشيوخ السابقان سام نان وتشاك
هاغل، وقائدان متقاعدان للقيادة
الأميركية الوسطى، هما الجنرال أنطوني
زيني والأميرال وليام فالون، إضافة
إلى الجنرال المتقاعد فرانك كيرني،
وهو نائب مدير سابق في المركز الوطني
لمكافحة الإرهاب ونائب سابق لقائد
قيادة العمليات الخاصة الأميركية. كما
ساند التقرير الجنرال المتقاعد
غريغوري نيوبولد الذي كان قائداً
سابقاً للعمليات في رئاسة الأركان
المشتركة. وقال توماس بيكرينغ،
وهو مندوب أميركي سابق لدى الأمم
المتحدة، وأجرى اتصالات غير رسمية مع
مسؤولين إيرانيين في الشهور الماضية:
"هدف التقرير إيجاد ما نسمّيه تأثير
إعلامي وشيء من تأثير مهدّئ". وأشار التقرير إلى أن
غارات أميركية على إيران، قد تدمّر أهم
منشآتها النووية وتضرّ بقواتها
العسكرية، ولكنها ستؤخر، ولن توقف،
"سعيها إلى صنع قنبلة ذرية". وقال
كيرني: "لا يمكنك أن تقتل قوة الفكر.
واضح أن ثمة بعض القدرة التدميرية (الأميركية)،
والتي ستسبّب بعض التأخير (لصنع قنبلة)،
ولكن ماذا يحدث بعد ذلك"؟. ولفت التقرير إلى أن
هجوماً أميركياً واسعاً قد يؤخر لأربع
سنوات، قدرة إيران على صنع سلاح نووي،
وقد يعطّل سيطرة حكومتها ويستنزف
خزينتها ويفاقم توتراتها الداخلية.
ولكن التقرير نبّه إلى أن أي هجوم "لن
يؤدي إلى تغيير النظام (الإيراني)، أو
انهياره أو استسلامه"، معتبراً أن
ضربة مشابهة ستزيد حافز طهران لصنع
قنبلة ذرية، إذ سيرى قادتها في ذلك
وسيلة لمنع هجمات أميركية مستقبلاً
"وتبديد ذلّ الهجوم". ورجّح التقرير أن أي
ضربة عسكرية أكثر طموحاً، هدفها إطاحة
النظام في إيران أو تقويض نفوذها في
الشرق الأوسط، تتطلّب من الولايات
المتحدة احتلال جزء من البلاد أو كلها،
مضيفاً: "نظراً إلى الحجم الضخم
لإيران والعدد الكبير لسكانها، وقوة
القومية الإيرانية، نقدّر أن احتلالها
سيتطلّب موارد وأفراداً أكثر مما
أمّنته الولايات المتحدة خلال السنوات
العشر الماضية في حربي العراق
وأفغانستان". حتى وزارة الدفاع
الأميركية (البنتاغون) لم تجد مناصا من
تحذير المنادين بضربة عسكرية ضد
المنشآت النووية الإيرانية؛ حين قدمت
مؤخرا، وفيما اعتبر تجاوباً مع
التوجيهات المالية الصادرة في العام
2010، بضرورة تقديم تقويمات دورية
للقدرات العسكرية الإيرانية، قدمت إلى
أربع لجان دفاعية في الكونغرس، تقريرا
حول تلك القدرات؛ متحدثة عن تطور
التقنية الصاروخية البالستية
الإيرانية لتصبح "أكثر دقة"،
ولتتمكن طهران بحدود العام 2015 من تجربة
صاروخ عابر للقارات، إلا أنها تحدثت
أيضاً عن قوة "عظيمة" من شأن إيران
ان تستخدمها دفاعاً عن نفسها. حرب إقليمية وانسجاما مع تقديرات
احتمال اندلاع حرب إقليمية في
المنطقة، أشار موقع صحيفة "يديعوت
أحرونوت" على الإنترنت مؤخرا، إلى
أن مسؤولين إسرائيليين كانوا قد صرحوا
لوسائل الإعلام الأمريكية في وقت
سابق، بأن مشروع الهجوم على إيران ما
زال قائما، مؤكدين "أن إسرائيل
ذاهبة إلى إشعال حرب إقليمية، وسوف
يكون لها تأثير مدمر على حياتنا
اليومية في إسرائيل". ومن جانبه كذلك
كان السفير الأمريكي الأسبق في تل
أبيب، مارتين إنديك، قد أعرب في حديث
لشبكة (سي بي أس) عن اعتقاده بأن العام
المقبل سيشهد مواجهة عسكرية بين
الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة،
وإيران من جهة أخرى. هكذا يشهد واقع الحال
في المنطقة ؛ سواء إزاء الوضع السوري،
أو الوضع الإيراني، حيرة أميركية
متزايدة، تحاول مؤسسات الإدارة
المماطلة والتسويف في شأن أيّ
الخيارات المتاحة أو الممكنة في
سوريا، أو أي الخيارات يمكن من خلالها
إنهاء الملف النووي الإيراني؛ سلما
عبر تسوية سياسية، أو حربا ستطاول
الإقليم كله، بل وسوف تؤثر في مسارات
الاقتصاد والسياسة الدولية والأوضاع
الجيوسياسية والاستراتيجية، لا سيما
في ظل أزمة مالية باتت تطاول
استراتيجيات وسياسات العديد من دول؛
طالما اعتمدت الإبقاء على أولويات
الخطط العسكرية، ولو على حساب
السياسات الاقتصادية والخطط
الاجتماعية؛ وواشنطن اليوم تتخبط في
العمق، فلا تجرؤ على حسم خيارات كان
متاحا الحسم فيها في عهود إدارات
سابقة، أما اليوم فالأزمة المالية
والاقتصادية ليست بنيوية فحسب؛ بل هي
مصيرية، لا سيما وأن كل خيار من خيارات
زيادة القدرات العسكرية أو توسع
الانتشار عبر قواعد دائمة، أو إعادة
انتشار القوات المنتشرة عبر العالم؛
كل هذه الخيارات مكلفة، وكلفتها قد
تفوق كل ما رصد حتى الآن من ميزانيات
جرى تقليصها؛ فكيف يمكن لدول مأزومة أن
تواجه تكاليف حرب غير مسبوقة؛ يجري حث
الولايات المتحدة على خوضها، أو
السماح بخوضها عبر القوة العسكرية
الإسرائيلية التي تبدو في يوم "شمشونية"،
وفي آخر أكثر عقلانية، خصوصاً وهي تفكر
في ما قد يأتي به اليوم التالي من
مصائر، لن تقتصر على طرف من دون
الأطراف الأخرى جميعها؛ وفي القلب
مصير إسرائيل ذاتها. ================= اغتيال الحسن
والوقاحة الإيرانية ياسر أبو هلالة الغد الاردنية 21-10-2012 هل تذكرون معركة حلب
التي بشرنا فيها إعلام النظام السوري
وشبيحته؟ اليوم تبين أن النظام ليس
لديه القدرة على استعادة أحياء حلب على
قلة عديد المقاتلين وعتادهم. وليس لديه
غير الانتقام من عروس الشرق وأقدم
العواصم في التاريخ فدمر معالمها كما
قتل ناسها. وهو في تراجع كل يوم، ويخسر
الأحياء التي كانت تحت سيطرته. ولن
يكون آخرها سليمان الحلبي، على رغم
الجسر الجوي الإيراني الروسي. هذا قبل
أن تفرج أميركا عن السلاح النوعي وتسمح
بدخوله للثوار. وفي ظل الحصار الأميركي
على سلاح الثوار خصصت الجمعة الماضية
للعدو الأميركي. فقد النظام قدراته
الأساسية، ولولا الدعم الإيراني
الروسي لانهار اقتصاده وجيشه وأمنه
وتخلص منه الناس منذ سنة على الأقل.
اليوم الشعب السوري يقاتل قوتين
عظميين، الأولى عقائدية والثانية
مصلحية. في سياق هذه المعركة جاء
اغتيال وسام الحسن رئيس جهاز فرع
المعلومات اللبناني في عملية تكاد
تكون نسخة عن عملية اغتيال الحريري
التي تبين من نتائج التحقيق الدولي أن
حزب الله وراءها. فلا دولة ولا منظمة،
لديهما القدرة الاستخبارية والتقنية
على تنفيذ عملية بهذا التعقيد، حتى
إسرائيل لا تتحرك بلبنان بهذه
الأريحية وإلا لاغتالت حسن نصرالله
وقادة حزب الله وحماس بهذه الطريقة.
ولذا اغتالت عماد مغنية في سورية ولم
تتمكن منه في لبنان على مدى ثلاثة عقود.
قراءة ما نشر في
الإعلام عن مؤامرة ميشال سماحة التي
كشفها الحسن كفيلة بتحديد من المجرم
الذي يقف وراء اغتياله. لم نسمع يومها
كلمة إدانة لتلك المؤامرة من سدنة
المقاومة والوطنية. اليوم يصفون الحسن
بالشهيد وضمنا يطالبون بنسيان الجريمة
حفاظا على سلاح المقاومة والسلم
الأهلي. ومن يتفهم قتل الأطفال واغتصاب
النساء وإلقاء البراميل المتفجرة، من
المنطقي ان يتفهم اغتيال الحسن،
وإقحام اسرائيل بالمسألة. اسرائيل
ارتكبت وما تزال جرائم أكبر من هذه.
وقضيتنا معها مختلفة. تماما كمن يقول
إن طائرات الميغ التي تقصف الأطفال هي
طائرات إسرائيلية والطيارون الأسرى
تعلموا العربية وهم في الجو. الموضوع
لا يحتاج إلا لخلق وعقل، ولا يحتاج
عبقرية. إن المتهم الأول هو المرشد، ثم
بشار، ثم حسن نصر الله. وبنظره تخلّص من
داعم أساسي للثورة السورية. يكفي ما
كتبه رضوان زيادة عن الحسن الذي قال
إنه كان يدعم الثورة "بالأفعال"
لا الأقوال. إيران غير إسرائيل،
النظام الإيراني وعملاؤه ماضون في
سياسات عدوانية في العراق وسورية
ولبنان. لكن في النهاية صراعنا هو مع
سياسات المرشد التوسعية. وتظل إيران
جارا له مكانة حضارية وتاريخية، ويظل
الشيعة جزءا أصيلا من أمتنا وليسوا
مستوطنين. لا داعي لاستدعاء إسرائيل
للتغطية على كل جريمة ترتكب في سورية
ولبنان، والعراق. لسنا
مخيرين بين مشروع إيراني ومشروع
صهيوني، ولا يُقبل أخلاقيا التورط
بالمفاضلة بين المشروعين. وهذا ما فعله
الحسن عندما كشف 30 شبكة موساد وكشف
أيضا شبكات القاعدة، والأخطر شبكة
ميشال سماحة التي تجسد للمرة الأولى
بعد إيران كونترا تعاونا إسرائيليا
إيرانيا. للتذكير ميشال سماحة كان أيام
الحرب الأهلية عميلا علنيا لإسرائيل
والتقى قادتها في إسرائيل، وبعد
الهيمنة السورية تحول مثل إيلي حبيقة
إلى عميل سوري. وصار المستشار الأقرب
لبشار الأسد. إنها وقاحة إيرانية زائدة
عن الحد. إن هزيمة المشروع
الإيراني تبدأ في سورية، وهذا ما تنبه
له الحسن ولهذا اغتالوه. لكن الرد كان
سريعا من الجيش الحر عندما سمّى إحدى
كتائبه بكتيبة الشهيد وسام الحسن. yaser.hilila@alghad.jo ان الاّراء المذكو ================= السعودية
وسورية... الارتهان لتحالف الأقليات خالد الدخيل * الأحد ٢١
أكتوبر ٢٠١٢ الحياة يأتي اغتيال رئيس
شعبة المعلومات في الأمن الداخلي
اللبناني وسام الحسن، ليصب في صلب
موضوع هذه المقالة التي بدأت يوم الأحد
الماضي. من الذي اغتال العميد؟ الإجابة
محصورة في خيارين: إما الاستخبارات
السورية أو الاستخبارات الإسرائيلية.
وهذا أمر لافت وينطوي على سابقة: قبل
النظام السوري الحالي وقبل الحرب
الأهلية اللبنانية، كان الاتهام
بالاغتيال يتوجه في الغالب إلى
إسرائيل. آنذاك كان ضحايا الاغتيال
كوادر المقاومة الفلسطينية. الآن وفي
المشهد اللبناني، صار جميع ضحايا
الاغتيالات لبنانيين معارضين للنظام
السوري. صحيح أنه توجه الاتهام إلى
سورية منذ اغتيال كمال جنبلاط. لكن
الآن ومنذ اغتيال رفيق الحريري، تكاد
دمشق تكون المتهم الوحيد. صار النظام
السوري هو اكثر قابلية للاتهام من
الحكومة الإسرائيلية، ليس فقط في
الوعي اللبناني الذي يدفع ثمن
الاغتيالات، بل في الوعي العربي أيضاً.
لم يعد يدافع عن النظام السوري إلا
حلفاؤه، وبشكل خاص «حزب الله». نحن هنا
أمام تطور سياسي لافت، المسؤول عنه
النظام السوري، وليس أي طرف آخر. وهذا يعيدنا إلى
موضوعنا الأصلي عن السعودية والثورة
السورية. حصل اغتيال العميد على خلفية
الثورة السورية، لأنه قاد عملية كشف
تورط الوزير اللبناني السابق ميشال
سماحة، حليف سورية، في نقل متفجرات إلى
لبنان، بهدف الاغتيال وتوتير الأجواء
السياسية فيه. كانت ظاهرة الاغتيالات
السياسية اللبنانية، ابتداء من اغتيال
رفيق الحريري عام 2005 هي التي فجّرت
العلاقات السعودية - السورية. اعتقدت
الرياض أنه كان من الممكن احتواء
الأزمة. حاولت فتح باب المصالحة مع
دمشق في قمة الكويت الاقتصادية، ثم
تأييد اتفاق الدوحة، وأخيراً إقناع
رئيس الحكومة السابق سعد الحريري،
بزيارة دمشق ومصالحتها أيضاً. لكن كل
ذلك لم يؤد إلى شيء ملموس، أو تغيّر في
النهج السوري. كان هدف الرئيس السوري
ومعه قيادة «حزب الله»، إلغاء المحكمة
الدولية الخاصة بلبنان. وعندما لم
يتحقق ذلك، تمت الإطاحة بحكومة سعد
الحريري، والإتيان تحت تهديد السلاح
بحكومة يهيمن عليها «حزب الله». عندها
بدأ الوضع السياسي اللبناني يراوح
مكانه، وكذلك العلاقات السعودية -
السورية. من سوء حظ النظام السوري أنه
في اللحظة التي أسقطت فيها حكومة
الحريري كانت ثورات الربيع العربي
بدأت في تونس، وأخذت تنتقل من هناك إلى
مصر، فاليمن ثم ليبيا وأخيراً سورية.
وهنا دخلت العلاقات السعودية - السورية
مرحلة مختلفة، انتهت بتوقفها تماماً. لا يمكن القول إن
السعودية مع فكرة الثورة، سواء في
سورية أو غيرها. لكن في الوقت نفسه لا
يمكن القول إن السعودية تسعى، هكذا،
إلى معاداة هذه الثورة أو تلك. تتبنى
السعودية سياسة خارجية عملية تنطلق من
أن ما يحصل في غيرها من الدول الأخرى هو
شأن داخلي. وبالتالي إذا حصلت ثورة في
أي من الدول العربية، قد تحاول
السعودية التأثير في الأحداث، من خلال
علاقتها بالنظام. لكن عندما تؤدي
الثورة إلى إسقاط النظام أو تغييره،
فلا يعود أمام السعودية إلا الاعتراف
بالواقع، وبالتالي بالنظام الذي تتمخض
عنه الثورة. الحال السورية كانت
استثنائية من حيث أن النظام تبنى منذ
اليوم الأول للاحتجاجات التي كانت
سلمية حلاً أمنياً بشعاً. بدأ القتلى
يسقطون منذ اليوم الثاني للاحتجاجات
في درعا، ثم أخذ القتل يستشري بتوسع
نطاق الاحتجاجات. حاولت السعودية ودول
أخرى، إقناع النظام بامتصاص
التظاهرات، وتلبية بعض مطالبها، بدل
اللجوء للعنف وإراقة الدم، خصوصاً في
الأيام الأولى. لكن النظام السوري، كما
يبدو، اعتبر مقترح استيعاب التظاهرات
تخاذلاً وتنازلاً للمحتجين سيغريهم
بالتصعيد. كانت قيادة النظام تستهدي
بما حصل في حماة عام 1982، لم تكن في وارد
تقديم أي تنازل. لماذا اختار النظام
السوري الذهاب في الحل الأمني إلى حد
الانتحار، حتى ولو أدى ذلك إلى تدمير
سورية بكاملها بدلاً من تبني خيار
التنازل للشعب؟ الإجابة تكمن في طبيعة
النظام وطريقة نشأته أولاً، ثم في
عملية التوريث التي حصلت في داخله،
وأخيراً في تحالفاته بعد العام 2000.
النظام السوري الذي جاء الى الحكم عام
1970 هو نظام حكم عائلي ينتمي لأقلية
طائفية صغيرة، ويحكم مجتمعاً تمثل
الطائفة السنّية فيه ما بين 75 في المئة
و80 في المئة من السكان. كان الأمر
طبيعياً، أو هكذا بدا، في السنوات
الأولى للنظام، وفي ذروة الصراع
العربي - الإسرائيلي. لكن برزت فكرة
التوريث في ثمانينات القرن الماضي،
أولاً في الصراع بين الرئيس حافظ الأسد
وشقيقه رفعت، ثم بتأهيل باسل، الابن
الأكبر للرئيس ليكون هو الوريث. وقد
تدخل القدر ليكون بشار هو من ورث الحكم
عن أبيه. هل كان التوريث بهدف التأسيس
لسلالة حكم في سورية؟ كان الاعتقاد أن
الذي فرض التوريث هو انقسام جنرالات
النظام، وأنه لم يكن بينهم من يمكنه أن
يخلف حافظ الأسد، ويملك القدرة على
تحقيق نوع من الإجماع حوله. ولذلك كان
الحل أن يكون ابن الرئيس بشار هو وريثه.
بشار كان خارج دائرة الصراعات
والاستقطابات في النظام، ولا يحسب على
هذا الطرف أو ذاك، وبالتالي فقد يمثل
نقطة التقاء بين الجميع. لكن هذا الرأي
لا يستقيم مع حقيقة أن فكرة التوريث
كانت قديمة. مهما يكن من الذي حصل
فالتوريث عمّق إشكالية الطائفية لدى
النظام، وعزّز من حاجته للتحالف مع
إيران. لم يكن من الممكن أخذ لبنان بسبب
تركيبته الطائفية إلى التحالف، لذلك
كان «حزب الله» هو الطرف الثالث الممكن
في هذا التحالف. تحالف يضم دولتين،
وحزب يملك من القدرات العسكرية ما
يوازي قدرات دولة. وأهم ما يجمع بين هذه
الأطراف الثلاثة هو فكرة الأقلية:
إيران و»حزب الله» ينتميان لأقلية
إسلامية على مستوى العالم العربي.
والنظام في دمشق تحت حكم أقلية إسلامية
داخل سورية. هذا تطور أفرزته
التركيبة الديموغرافية لمنطقة الشام،
حيث تتركز مشكلة الأقليات في العالم
العربي. كانت السياسة الخارجية
السعودية تتعامل مع هذه المنطقة،
وتحديداً مع النظام السوري على أساس من
أولوية الاستقرار، وبالتالي مراعاة
حساسية التركيبة الاجتماعية
والمذهبية لها، إلى جانب ذلك أيضاً
مراعاة حساسية النظام السياسي في مثل
هذه التركيبة، تماشياً مع التقليد
السياسي العربي. لكن مع سقوط نظام صدام
حسين، واختيار النظام السوري لمبدأ
تحالف الأقليات، بما ساعد في توسع
النفوذ الإيراني في المنطقة، تغيرت
البيئة السياسية العربية، وهو ما
يتطلب مراجعة السياسة السعودية. الهدف الرئيسي
للسياسة الخارجية السعودية هو تحقيق
الاستقرار في العالم العربي، والعمل
على تثبيته كلما تعرض للاهتزاز في أي
من الدول العربية. واختيار هذا الهدف
نابع من أنه يخدم مصالح السعودية بقدر
ما يخدم مصالح الدول الأخرى، لأنه إذا
اهتز الاستقرار في أي من البلدان
العربية، خصوصاً في الدول القريبة من
أو المحيطة بالسعودية، فإنه سيؤثر في
السعودية عاجلاً أو آجلاً. سيكلفها
سياسياً ومالياً، وربما عسكرياً،
فضلاً عن أنه قد يفرض تغيّرات إقليمية
لا قِبَل للسعودية بها. من هذا المنطلق
لم يكن في مصلحة السعودية أن يتعرض
الاستقرار السياسي لسورية للاهتزاز.
تقع السعودية في الواقع في عين العاصفة
مما يجري في العالم العربي، ويحيط بها
عدم الاستقرار من كل جانب: في العراق
شمالاً، والبحرين شرقاً، واليمن
جنوباً، ومصر وسورية غرباً. ولذلك تدرك
السعودية مخاطر الأحداث في سورية. لكن
تجربتها مع دمشق بشار الأسد، وهي تجربة
مريرة وإن لم تكن طويلة، كما تجربتها
مع بغداد صدام حسين التي كانت طويلة
ومريرة، علّمتها أن النظام في كلتا
العاصمتين يميل دائماً لدفع الأمور
والخيارات نحو شفير الهاوية، كل
لأسبابه الخاصة. ولأن سورية في عهد
بشار الأسد اختارت حلفاً طائفياً
مغلقاً مع إيران و»حزب الله»، وأن هذا
الحلف هو الذي يملي على النظام خياراته
المحلية، كما يتضح من تعامله مع
الثورة، وخياراته الإقليمية كما يتضح
من علاقاته مع إيران، صار من الواضح أن
هذا النظام ليس فقط غير قادر على حفظ
الاستقرار في سورية، بل ويهدد
الاستقرار في محيطه الإقليمي. وعملية
التفجير الأخيرة في بيروت لن تكون على
الأرجح المؤشر الأخير على ذلك. من هنا
أصبح بقاء النظام السوري مصدر تهديد
لما تعتبره السعودية هدفها
الاستراتيجي. كاتب
وأكاديمي سعودي ================= لماذا وسام
الحسن؟ عبدالله إسكندر الأحد ٢١
أكتوبر ٢٠١٢ الحياة ثمة إجماع على ان
العميد وسام الحسن وقّع قرار اغتياله
عندما كشف خطة التفجير التي تورط فيها
الوزير السابق ميشال سماحة، خصوصاً ان
هذا الكشف اظهر تورطاً سورياً رسمياً
على اعلى المستويات. وذهبت الشبهات
كلها في اتجاه دمشق، خصوصاً على لسان
الذين يدعمون المعارضة السورية. وهذا
يعني ان اغتيال الحسن ابعد بكثير من
مجرد عملية ثأرية استهدفت رجل امن،
انها جريمة سياسية بامتياز. معروف ان فرع
المعلومات في قوى الامن الداخلي،
والذي يرأسه الحسن، تعرض منذ تشكيله
الى حملة استثنائية من أنصار سورية في
لبنان. فطعن هؤلاء بقانونية الجهاز
واعتبروا انه بات يعمل لمصلحة فئوية،
وتحديداً تيار المستقبل والسُنّة وقوى
14 آذار. اي عمل هؤلاء على ان يُخرج
الجهاز من دائرة الاعتراف الرسمي
ليصبح مجرد تابع لقوى سياسية. وازدادت
الحملة على الجهاز كلما تمكن من تحقيق
انجاز امني، سواء في رصد شبكات التعامل
مع اسرائيل او شبكات الجماعات
الاصولية او في عمليات الاغتيال التي
وقعت منذ تفجير موكب رئيس الحكومة
السابق رفيق الحريري. اي ان الجهاز، كلما
حقق مصلحة اكيدة وعامة وتهم جميع
اللبنانيين وتخدم مؤسسات الدولة
خصوصاً القضاء في ملاحقة العمليات
الإجرامية والارهابية، كان يتعرض الى
مضاعفة الحملة عليه من قوى 8 آذار
وأنصار سورية وإيران عموماً. ولما فشلت هذه
الحملات في إلغاء الجهاز، تحولت
الحملة على شخص رئيسه الحسن الذي
كثيراً ما تعرض لتهديد مباشر على شاشات
التلفزة والمؤتمرات الصحافية. شددت هذه الحملات على
انتماء الحسن الى الطائفة السنية،
وعلى علاقته الخاصة بآل الحريري، رفيق
ومن ثم سعد، وتيار المستقبل وقوى 14
آذار. لا بل تضمن بعض هذه الحملات
اتهامات له بغض النظر، إن لم يكن تسهيل
عمل مجموعات جهادية بحكم الانتماء
الطائفي المشترك. وتحمل مثل هذه
الاتهامات في ذاتها عنصراً شديد
الاهمية يتعلق بالتوازن بين مراكز
القوى الامنية في لبنان، بعدما بات
لأنصار سورية وجود مؤسساتي في مواقع
امنية لبنانية تسهّل لهم حركتهم
وتغطيها. ثمة إجماع آخر لدى
قيادات المعارضة اللبنانية ان الحسن
كان الحماية شبه الوحيدة لها ازاء خطط
استهدافها، سواء عبر تأمين امنها
المباشر او التحذير من احتمالات
استهدافها استناداً الى معلومات جمعها
جهازه. في هذا المعنى، شكل
فرع المعلومات، وفي شخص رئيسه
المغدور، عنصر توازن أكيداً في
الاستقرار الهش الذي يعيشه لبنان. وذلك
ليس فقط على مستوى حماية الاشخاص وكشف
التهديدات وإنما ايضاً على المستوى
المؤسساتي، خصوصاً ان الجهاز ظل في
منأى عن نفوذ أنصار سورية. كما شكل
رمزياً الموقع الوحيد للدولة
اللبنانية والذي يمكن اللجوء اليه من
اجل الوصول الى المعلومات الموثوق بها. والأرجح ان هذا هو
المعنى العميق لاغتيال الحسن. انه
محاولة لضرب الموقع الفاعل المتبقي في
الدولة والحافظ لتوازنها على المستوى
المؤسساتي. لقد عمد أنصار سورية
الى تغيير ميزان القوى على الارض عبر
احتلال بيروت في 7 ايار (مايو) 2008، وما
تلاه من اتفاق الدوحة ومن ثم قلب ميزان
القوى السياسي عبر تغيير الغالبية
الحكومية. وقد نجحوا في الحالين، لكن
وجود فرع المعلومات ظل يشكل قطب توازن
أمكن معه الحد من مفاعيل هذا التغيير.
وفي 19 تشرين الاول (أكتوبر)، هدف
التفجير الذي اودى بالحسن الى ازالة
هذا السد، لتنكشف الدولة ومؤسساتها
امام الهيمنة السياسية لأنصار سورية
وفائض قوتهم في لبنان. وبالتأكيد يرتبط هذا
الهدف بما يحصل في سورية وتوسع رقعة
سيطرة المعارضة المسلحة فيها وانغماس
أنصار سورية في لبنان اكثر فأكثر في
النزاع السوري، بما يجعل استهداف جهاز
يُنسب الى الانتماء الطائفي لرئيسه في
صميم المعركة الدائرة في سورية وعليها
حالياً. ================= لبنان مستعمرة
سورية! يوسف الكويليت الرياض 21-10-2012
مع أول انقلاب عسكري سوري، أصبح
لبنان المشكل الرئيسي لسوريا، ومشكلته
معها، فقد كان لبنان بيئة المؤامرات
التي تعد لمعظم الأنظمة العربية،
وكانت سوريا على نفس الخط، حتى أن
السفارات الأجنبية كانت تشكل بؤراً
لعمل مفتوح على ساحته، لكن مع انقلاب
الأسد الأب تحول لبنان رهينة بيد
السلطة السورية، وقد صار محتلاً عندما
دخلت قواته عام ١٩٧٦م بعد
الحرب الأهلية بعام وبضوء أخضر من
أمريكا تحت بند حماية المسيحيين من
بقية الطوائف. اثناء هذا الاحتلال
تم تصفية العديد من الرموز اللبنانية
سواء كانت على مستوى الرؤساء والزعماء
أو الصحفيين والمثقفين، بمعنى أن أي
معارض للدور السوري يتم تصفيته، وقد
كان أحد الضحايا البارزين رفيق
الحريري الذي أصبحت قضيته دولية،
ويأتي اغتيال وسام الحسن رئيس شعبة
المعلومات في قوى الأمن اللبناني ضمن
المسلسل الطويل، لأنه كشف أخطر مؤامرة
قادها ميشيل سماحة بتهريب متفجرات
كانت تستهدف مواقع دينية مسيحية
وإسلامية وغيرهما بغية خلق فوضى تقود
إلى توتر أمني قد يقود إلى اضطرابات
بين هذه الطوائف، والتي لا تزال تعيش
هاجس الخوف، وقطعاً جاء هذا الكشف ضربة
هائلة لسوريا وأجهزتها الأمنية
وعملائها، وإذا كانت سوريا المتهم
الأول في الاغتيال، فإسرائيل تأتي على
نفس الخط فقد كشفت أجهزة لبنان بقيادة
وسام الحسن أكثر من خمسين حالة تجسس
إسرائيلي، والعديد من العملاء
اللبنانيين المتعاونين معها، وبذلك
فقد تكون متهمة باعتبار هذا الشخص إحدى
الكفاءات التي وضعت إسرائيل على نفس
الاتجاه في الداخل اللبناني والتلاعب
بأمنه. قطعاً الأهداف
السورية لا تحدد بعمل معين، فهي بقتل
الأشخاص تريد وضع السلطة أمام دولة لا
تزال ترى أنها المتصرف الوحيد، ولا بد
من خضوع المتنفذين فيها للأمر الواقع،
مما عكس الوضع الاقتصادي إلى التردي
الحاد، فقد تدنت السياحة إلى حدود
التوقف، وربما هناك هروب أموال، وتوقف
للاستثمارات، سواء في القطاع المصرفي،
أو السياحي أو العقاري، مما يعني
حصاراً غير معلن من قبل سوريا. مشكلة لبنان أنه بلا
وفاق وطني، فالرابط بين تشكيلاته
الحزبية والطائفية المصالح الذاتية،
مما سهل اختراقه واحتواء بعض عناصره
لتكون في صف الأجنبي المتربص فيه،
وسوريا أحد اللاعبين في الداخل
اللبناني، من خلال عملائها وقواها
القابلة لفعل أي شيء حتى القيام
بالاغتيالات والتصفيات بين الخصوم. الحكومة الراهنة بلا
شخصية واضحة، وإن كانت الأقرب إلى
سوريا، ولذلك تصاعدت الأصوات بطلب
استقالتها، لأن صورتها في الشارع باتت
سيئة، في حفظ الأمن الذي يأتي
بالأولوية الأولى، وقضية أن يُستهدف
أشخاص مهمون في عمق العملية الأمنية
ودون أن تتحرك الدولة إلا بما تقول
إنها تقوم بالتحقيقات لكشف الجريمة
أكدت أن قضية سماحة لم تتجه إلى الجزاء
الرادع، رغم ثبوت القضية وأشخاصها،
وهذا التدني بدور الدولة خلق اتجاهاً
حاداً بانتقادها وضرورة رحيلها، وإلا
فإن سوريا وإسرائيل ستستمران باللعبة
والخاسر أمن لبنان وشعبه. ================= ضرورة التحقيق
العاجل في تفجيرات بيروت 2012-10-21 12:00 AM الوطن السعودية لا يفترض أن يمر
تفجير الأشرفية، أول من أمس، في
العاصمة اللبنانية بيروت، مثل
التفجيرات القديمة التي دمرت وقتلت
وتناساها الجميع ولم يعرف فاعلها.
فتوقيت التفجير الذي جاء في فترة حرجة
بالنسبة لتجاذبات لبنان الداخلية،
واغتيال شخصية مثل رئيس فرع المعلومات
في الأمن الداخلي اللبناني العميد
وسام الحسن، والإشارات إلى أن الأزمة
السورية قد تؤثر على دول الجوار، كلها
أمور تؤكد وجود جهة تسعى للانتقام
والاستفادة من عودة الاضطرابات إلى
لبنان. وإذْ وجه بعض
السياسيين في لبنان وخارجه أصابع
الاتهام إلى النظام السوري فإن ذلك له
ما يبرره، وهو لم يأت إلا لكون هذا
النظام أكثر المستفيدين من الحالة،
فالعميد الراحل ظهر اسمه بقوة في
التحقيقات بضلوع أطراف نافذة في لبنان
بالتعاون مع النظام السوري للقيام
بتفجيرات في لبنان لإشعال فتنة
طائفية، وتصفيته رسالة لكل من يقف بوجه
النظام السوري في لبنان. ومن جهة أخرى
فإن تأزم الوضع في لبنان يعني للمجتمع
الدولي أن الأزمة السورية انتقلت إلى
دول الجوار وقد تتوسع أكثر إن لم يحرص
العالم على الإبقاء على النظام السوري
بحسب اعتقاده بناء على تصريحات
مسؤوليه السابقة. إلى ذلك، ثمة أمر مهم
جدا يحتاجه النظام السوري حاليا وهو
إبعاد الأنظار الإعلامية عن التركيز
على الساحة السورية ليصعد من استخدام
القوة ضد شعبه لعله يخمد الثورة التي
ما زال معتقدا أنه يستطيع القضاء عليها
بالعنف والقمع والترهيب. إضافة لما سبق، توجد
نقطة أخرى يرى من يتهمون النظام السوري
بالضلوع في تفجير الأشرفية أنها تعزز
فكرتهم، وهي ذريعته الدائمة بأنه لا
يمكن أن يقوم بفعل يعرف أن الشبهات
بعده سوف تحوم حوله. مسارعة النظام
السوري، عبر وزير إعلامه، إلى إدانة
تفجير الأشرفية في تصريح مجاني واصفا
إياه بـ"العمل الإرهابي الجبان"،
لن تخرجه من دائرة الاتهام. والمطلوب
من لبنان – ولا أحد بإمكانه الرفض -
تشكيل لجنة تحقيق عاجلة لكشف الحقائق
قبل أن تضيع خيوطها، حتى لو استعان
بخبراء دوليين عن طريق الأمم المتحدة،
كي يعرف العالم الجهة الفاعلة، وبعدها
لكل حادث حديث. ================= معنى أن تكون
ثائراً في سوريا د. وائل مرزا الأحد 21/10/2012 المدينة قبل عامين من عمر
الزمن، لم يكن للثورة معنى في عقول
السوريين وقلوبهم. لم تكن هذه المفردة
واردةً في القاموس الثقافي أو
المجتمعي للشعب السوري بأي شكلٍ من
الأشكال. ولم يكن لها دلالات عملية
تتعلق بأي جوانب من جوانب حياتهم
اليومية وواقعهم المعاشي. على مدى عقود، سمع
السوريون كثيراً وقرؤوا في مناهج
الدراسة أكثر عن ثوراتٍ حصلت على مر
الأيام هنا وهناك. ومن الثورة الفرنسية
إلى الثورة الماركسية، مروراً
بالثورات في أمريكا اللاتينية وفيتنام
وأفريقيا وحتى الثورات العربية ضد
المستعمر، كانت الثورة على الدوام (فعلاً
ماضياً) لم يهتم السوريون بتفاصيله في
نهاية المطاف. لم يكن ثمة ارتباطٌ
عاطفي أو شعورٌ بعلاقةٍ حميمية حتى مع
ثوراتٍ تتعلق بسوريا، مثل الثورة
العربية الكبرى أو الثورة السورية ضد
الفرنسيين. بقيت هذه الثورات أيضاً
شيئاً من الماضي يبقى مكانه محفوظاً في
كتب التاريخ، لكن علاقته بالحاضر
باهتة المعالم في أحسن الأحوال. لم يأتِ هذا من فراغ.
وربما كان بمثابة رد فعلٍ على واقعٍ
عاشه الشعب السوري طيلة عقود تحت عنوان
(ثورة الثامن من آذار). فبعد حصول
الانقلاب العسكري الذي سمّاه أصحابه
ثورة كذباً وبهتاناً، فقد مصطلح
الثورة كل ماتبقى من دلالاته وانقلب في
الوعي الفردي والاجتماعي إلى مرادفٍ
لظاهرة لاتحمل معها سوى الديكتاتورية
والظلم والفساد على جميع المستويات. يكفي أن تقرأ شيئاً
من الغثاء المكتوب على صفحة حزب البعث
عن الثورة لتصاب بمشاعر سيكون القرف
أقل وصفٍ يليق بها. تقول الوثيقة: «إن
الحديث عن ثورة الثامن من آذار
وانجازاتها، لا يمكن فصله عن نضال حزب
البعث العربي الاشتراكي،فهذه الثورة
هي تتويج لنضال الحزب القومي خلال
سنوات من الكفاح والنضال،استطاع
خلالها حزب البعث أن ُيرسخ في أذهان
الجماهير الأهداف الأساسية المعبرة عن
تطلعاتها في بناء مجتمع متحرر وأن يحرك
الجماهير لتقدم التضحيات من أجل
قضيتها وتحقيق آمالها في بناء دولة
الوحدة والحرية والاشتراكية... ولأن
الثورة هي تأسيس لواقع جديد
أفضل،والحزب هو الأداة الحقيقية في
صناعة هذا الواقع المنشود،فقد وضع
الحزب خريطة شاملة لتطوير الواقع في كل
المجالات معتمداً على الجماهير
المنظمة المشاركِة في صناعة القرار.فالثورة
التي كانت رداً طبيعياً على
إيديولوجية الانفصال الرجعي وتلبية
لطموحات الجماهير في القضاء على
الاستغلال ستبقى مستمرة ومتجددة...». لهذا، يمكن الجزم أن
سورياً واحداً لم يحلم في حياته بأن
يكون (ثائراً). ثم دار الزمن دورةً
وقام السوريون بفعلٍ نادر في الحياة
البشرية. استعادوا المعاني الحقيقية
للثورة من أعماق التاريخ وأشعلوها. وأصبح يعيش في سوريا
اليوم ملايين من الثوار، كلٌ بطريقته
وحسب قدرته وإمكاناته، لكن الثورة
أصبحت لديهم نمط حياة. لن نملّ من تكرار
حقيقة أن مايجري هو ملحمةٌ سوريةٌ
كبرى،وأن هذا الشعب يكتب بدايةً
حقيقية أخرى لتاريخه العظيم، وأنه
يقدّم من خلالها نموذجاً إنسانياً
يُحتذى سيتحدث عنه التاريخ طويلاً. وأن
السوريين يقدمون في هذه الملحمة
البشرية، بحياتهم وسلوكهم وممارساتهم
ومواقفهم، نمطاً من الفعل الإنساني
السامي يطمح لتحقيقه كل شعبٍ يتوق
للحرية والكرامة، وكل أمةً تريد أن
تبدأ فصلاً جديداً من فصول وجودها على
هذه الأرض. لن نتعب من التأكيد
بأن كل كلامٍ منمقٍ عن الثورة السورية
سيكون تافهاً وقاصراً عن التعبير. وأن
حديثنا يمثل محاولةً متواضعة نستقرئ
من خلالها ظاهرةً اجتماعية إنسانية
فريدةً أصبحت لها مفرداتها ونحويتها
ولغتها الخاصة. ظاهرةً نُذكّر مرةً
أخرى بالحاجة الماسة لدراستها من جانب
علماء الاجتماع في كل المجالات، لأنها
تتجاوز الفعل السياسي المباشر الذي
يركّز عليه الكثيرون، وتقدّم شواهد
وأمثلة يصعب حصرها على ولادةٍ جديدةٍ
لواقعٍ إنسانيٍ جديد. قبل عامين من الزمن،
كان بإمكانك أن تسأل شريحةً متنوعة من
أبناء الشعب السوري عما يفعلونه في
الحياة وعن مهنتهم وموقعهم في
المجتمع، لتسمعَ الإجابات التالية:
طالبٌ في المدرسة، شابٌ في المرحلة
الثانوية، فتاةٌ جامعية، طبيب، مهندس،
فلاح، موظفة، ضابط، سائق، ممرضة،
عامل، أستاذ جامعة، فنانة تشكيلية،
تاجر، صناعي، معلّمة، حِرَفي، رياضي،
كاتب، شاعرة، أما الآن، فيمكنك أن
تسألهم، وستضع في خانة الإجابة كلمة
واحدة يجب أن تُكتب ببنطٍ عريض وبماء
الذهب: ثائر. أعرف شخصياً، ويعرف
الكثيرون غيري، ثواراً بأسمائهم كانوا
يُمثلون جميع المهن السابقة، لكنهم
يعملون الآن للثورة ليل نهار. ثائرٌ سوري: فكّروا
في الأمر قليلاً. فثمة أمرٌ يتجاوز
الحلم في أن تنال شرفاً مثل هذا الشرف.
شرفٌ يقول البعض أنه صعب المنال إلا
مرةً كل بضعة أجيال، ونقول بيقين حين
يتعلق الأمر بالثورة السورية أنه
لايحصل في التاريخ إلا بشكلٍ نادر. قلناها سابقاً
ونعيدها: تحتارُ فيما تقول وفيما تكتب
وفيما تتحدث وأنت تحاول أن تختصر
الملحمة السورية العظيمة في مقال من
صفحتين. ثم تقرأ تعريفاً للملحمة يقول
بأنها: «قصة شعرية طويلة مليئة
بالأحداث غالباً ما تقص حكايات شعب من
الشعوب في بداية تاريخه»، فتشعر أن
السوريين ماضون لابدّ في كتابة قصتهم
وصناعة ملحمتهم التاريخية بطريقتهم
وأبجديتهم الخاصة، وكأنما هم يعيدون
اختراع الأبجدية للبشرية.. مرةً أخرى
بعد أن قاموا بذلك منذ آلاف السنين. ================= سوريا وهدنة
الإبراهيمي رأي البيان التاريخ: 21
أكتوبر 2012 البيان الأوضاع على حالها لا
تزال مشتعلة، تختلف ربما يوماً عن آخر
أعداد الضحايا والمجازر، في مسلسل
ملّه مسرحه ومشاهدوه أيضاً، يتبادر
إلى الذهن لأول مرة أنّ الذي يراق في
سوريا ليس دماً، يجسّد هذا الظن ويعضده
الصمت الإقليمي والدولي المطبقين في
مشاهدة أسوأ مشاهد انتجها الصراع
الإنساني عبر التاريخ. ولعل الناظر إلى
الأمور بعين ولو نصف مستبصرة يدرك
الأهوال التي يعانيها الشعب السوري
الذي لا ذنب له سوى أنه قال يوماً: ها
أنا ذا، كلفته الكلمة الصغيرة الكثير
فانهالت عليه حمم الجحيم من كل صوب،
سقط فوق الثلاثين ألف قتيل واختار ما
يفوق الــ 600 ألف مجبرين اللجوء إلى
الجوار أملاً في النجاة، فيما طفق
الملايين يهيمون على وجوههم في الداخل
السوري بحثاً عن مناطق أقل عنفاً
وتقتيلاً. نعم المشهد يستنطق
الحجر الأصم، لكنّه لم يستطع استنطاق
التوافق الدولي داخل أروقة مجلس الأمن
الدولي الذي يفترض وبموجب تسميته
مسؤوليته المباشرة عن حفظ الأمن
والسلم الدوليين، لم يجد سوى لغة
التصريحات والاستجداءات بوقف العنف
موقفاً في ظل الانقسام الذي يخيّم عليه
والذي دفع السوريون ثمنه دماً مراقاً،
إذ لا يزال الفيتو الروسي والصيني كذلك
على أهبة الاستعداد لإجهاض أي قرار
يُلزم النظام بوقف العنف بحق شعبه. وتلوح في الأفق الآن
بوادر مبادرة يحملها الموفد الدولي
والعربي الأخضر الإبراهيمي الذي وصل
دمشق في وقت سابق تتمثّل في وقف للعنف
عبر هدنة في عيد الأضحى المبارك،
مبادرةٌ تلقى دعم قوى إقليمية ودولية
كذلك لكنّ السؤال يبقى إلى أي مدى ستجد
مبادرة الإبراهيمي ولو تمّ القبول بها
طريقها إلى أرض الواقع في ظل طائرات لا
تغيب عن سماء الأراضي السورية لحظة،
إلّا إذا كانت المبادرة تحمل معها
أدوات مختلفة عمّا استخدمت سابقاً. مبادرات لا حصر لها
ووعود كثيرة ووعيد أكثر، وبين هذا وذاك
تستطيل المعاناة، وتتفجّر مآسي ما شهد
العالم مثيلاً لها في تاريخه المعاصر. ================= نظام أمن أم قمع! ميشيل كيلو الشرق الاوسط 12-10-2012 النظام السوري
تطابقا كاملا بين الأمن والقمع، ويسمي
أجهزته القمعية «أجهزة أمن»، مع أنها
السبب الرئيس في عدم وجود أي أمن في
سوريا منذ نيف وأربعين عاما، ليس فقط
لأنها تضع نفسها فوق القانون، أو تعطل
الدولة وتلغي مؤسساتها وشرعيتها، أو
تتحكم بكل كبيرة وصغيرة في الدولة
والمجتمع، بل كذلك لأنها تدار من أشخاص
يفتقرون إلى أبسط مقومات الوطنية
والسلوك السوي، ممن انتسبوا إليها
شحاذين وصاروا بفضلها مليارديرات،
واستخدموها لممارسة جميع أنواع
المحرمات والموبقات، حتى طال أذاها كل
سوري على وجه التقريب، كيف لا وهي
مكلفة، على حد قول رمز من رموزها قاد
بعد عام 2000 فرع الأمن الداخلي في دمشق،
بـ«احتواء المجتمع»، مع ما يتطلبه
نجاح مهمة مستحيلة كهذه من احتجاز أي
إصلاح أو تغيير في الوضع القائم، ومن
سيطرة مطلقة على الأفراد والجماعات،
كما على الأفكار والإرادات، ومن تدخل
في حياة المواطنين الشخصية وما يتطلبه
من وجود «أنظومة» قمعية متشعبة تغطي كل
شبر في سوريا، وتفرد شبكاتها في طول
البلاد وعرضها، لتخترق اقتصادها
ومجتمعها ومؤسساتها وتخضع كل أمر
لإرادتها، وتهيمن على كل شيء، وتضع
يدها على مختلف مرافق الحياة بما في
ذلك «تنمية» الثروة، أي بيع ما تريد
بيعه منها في الداخل أو تهريبها إلى
الخارج. بهذه الصلاحيات
المطلقة، يكون من الطبيعي أن تتدخل
الأجهزة في تعيين الموظفين وصرفهم من
الخدمة، ومراقبة إجازاتهم والموافقة
عليها أو منعهم من أخذها، وأن توجد في
كل وزارة «لجنة أمنية» تشرف عليها،
فليس وزيرها، المسؤول سياسيا عنها،
غير «شخشيخة» – كما يسميه السوريون
احتقارا – بيد ضباط الأمن، حتى إنه لا
يجرؤ حتى على استقبال صديق إن كانت
تمانع في دخوله إلى الوزارة، ولا «يمون»
على أي موظف من موظفيها، ولا يستطيع
البت في أي شأن، إلا بعد موافقة
اللجنة، التي لها «مندوب» في كل دائرة
ومكتب، «يطلعها» على تفاصيل ما يجري من
أحاديث وعلاقات ومعاملات... إلخ.
والحقيقة أنه لا حصر للأمثلة التي تبين
حجم تغول الأجهزة القمعية ومدى
فسادها، منها ما حدث للدكتور عصام
الزعيم وزير الصناعة الذي استدعاه
بشار الأسد من البرازيل كي يشرف على
الإصلاح الاقتصادي، فحاصره جهاز القمع
وحال بينه وبين تطبيق خطة إصلاحية
وضعها بالتعاون مع الخبراء
الاقتصاديين، قبل أن يلفق له تهما تتصل
بالفساد وهدر المال العام؛ لأنه أرغم
شركة ألمانية على دفع مستحقات مالية
كبيرة للحكومة السورية، بينما كان
كبار رجال الأجهزة القمعية يساومونها
على إعطائهم جزءا منها مقابل إعفائها
من دفع كامل المبلغ. هكذا، اتهم
الفاسدون الأمنيون، الذين حركوا
أتباعهم في كل موقع ومرفق ونظموا حملة
أكاذيب طالت ماضي وحاضر خصمهم وجعلت من
وزير شريف رمزا للفساد ومن الفاسدين
مدافعين عن مصالح ومال الدولة والشعب،
إلى أن نحّوه جانبا وألبوا عليه بشار
الأسد وأرغموه على إقالته وتركه عرضة
لملاحقات مخابراتية يومية انتهت بموته
بعد حين متأثرا بجلطة دماغية. ومن
الأمثلة على عمل جهاز القمع قصص تبدو
من تأليف كتاب الخيال العلمي، منها أن
مناقصة أعلنت لشراء ألف باص للمدن
السورية. وعندما جاء مندوب شركة «فيات
الإيطالية» للاشتراك في المناقصة
اعتقله «جهاز أمن» القوى الجوية،
الراغب في شراء سيارات «مان الألمانية»،
وحين وصل مندوب الشركة الألماني
اعتقله «الأمن العسكري» الراغب في
شراء السيارات الإيطالية. بعد أسابيع
أمضاها الرجلان في المعتقل، جلس
مندوبو الجهازين إلى طاولة التفاوض
وقرروا شراء خمسمائة باص من كل شركة
بالعمولات والإتاوات التي حددوها، ثم
أخرجوا مندوبي الشركتين إلى فندق
الشيراتون الفاخر، ليوقعوا الصفقة
معهما وسط احتفال تلفزيوني طنان يحتفي
بتنمية البلد بيد رجاله المخلصين! الأصل في القمع إلغاء
الأمن، بينما الأمن ليس قمعيا لأنه
يقوم على مكونات وجوانب سياسية -
اقتصادية - اجتماعية - ثقافية -
آيديولوجية متشابكة. القمع عنف والأمن
سلام ينتج عن تطبيق القانون والالتزام
به واحترام مؤسساته، بينما يعيش القمع
من انتهاك القانون واحتقار أجهزته
وإخضاعها لنزوات الممسكين به. وفي حين
يحمي الأمن حياة المواطن وحقه في
الحرية والكرامة والعدالة، يتنكر
القمع لهذا لجميع حقوقه، وينكر أن يكون
هناك مواطن أصلا. وبينما يعتبر الأمن
سياسة تمارسها هيئات شرعية، منتخبة
وعلنية، يمارس القمع على يد جهات سرية،
غير منتخبة وغير شرعية، تستمد قوتها من
إضعاف الشعب وإرعاب أجهزة السلطة
الحكومية والاعتداء على رموزها
والعاملين فيها. إلى هذا، لا يحتاج
الأمن إلى أناس يخترق بواسطتهم الحياة
العامة، بل إلى من يقومون بإدارتها وفق
أسس قانونية ملزمة وعلنية، ويدير
القمع الشؤون العامة بالقوة والعنف
والابتزاز والأساليب السرية. أخيرا،
فإن هدف الأمن هو خير المواطن، أما هدف
القمع فتخويفه وشل حركته وإرغامه على
قبول كل ما يأتيه من فوق، مهما كان
مجافيا لمصالحه ومتناقضا مع خياراته.
لا حاجة إلى القول إن رجل الأمن يخدم
الهيئة المجتمعية العامة، أما رجل
القمع فهو يضع الهيئة المجتمعية
العامة في خدمته، ويحولها إلى تابع
ذليل له. وفي حين يعالج رجل الأمن
المشكلات بالقانون والتدبير السياسي،
يعالجها رجل القمع بالعنف والقسر،
خارج أي قانون أو منطق أو مصلحة وطنية
وعامة. ثمة في العقد السياسي
فكرة تأسست بفضلها الدولة الحديثة هي
تخلي المواطن عن حقه في العنف مقابل
أمنه وحمايته من القمع، ولكي تتمكن
الدولة من إخراج العنف من الشأن العام
وحياة المواطنين، سواء أخذ صورة أعمال
قتالية أم قمعية. هنا، يوجد ثمة فارق
تكويني وجذري بين القمع والأمن،
فالأول يعني إعادة العنف إلى الحياة
العامة والخاصة وانتهاكها وتشويه دور
الدولة وتبديل طابعها ووظائفها، أما
الثاني فليس له غير معنى واحد هو: إخراج
العنف من المجال العام، واستبداله
بالسياسة وأداواتها إبان تسوية ما قد
ينشأ بين المواطنين أو بينهم وبين
السلطات من مشكلات. ليست الدول القمعية
دولا أمنية أو آمنة. وهي لا تقوم أصلا
بمهام ووظائف الدول، بما أنها تضع
نفسها في عداء دائم مع مواطنيها، وتنظم
علاقاتها معهم بوسيلة وحيدة هي العنف
والقمع. ولعل ما يجري في سوريا اليوم
يبين الفارق بين الأمن والقمع، فالأول
سلام والثاني حرب، والأول فضاء حواري
وتفاوضي مفتوح بين المواطنين وبينهم
وبين الدولة، والثاني زنازين سرية
مغلقة ولا شرعية تستخدمها السلطة
الاستبدادية كي تمتنع عن تنظيم
علاقاتها مع مواطنيها وفق أسس قانونية
متوافق عليها، ترفضها لأنها ترفض أي
تعاقد سلمي مع الجهة التي تريد إخضاعها
بالقوة والحيلولة دون تلبية مطالبها؛
لأنها ترى في تلبيتها علامة ضعف لا
يجوز أن تظهرها خلال تعاملها معها، كما
قال بشار الأسد في بداية الأزمة
السورية، عندما قطع الطريق على الحلول
السلمية، على الأمن، وشرع يدفع سوريا
إلى خيارات قمعية جسدها العنف الذي
دمرها بيتا بيتا وشارعا شارعا. يخلط النظام السوري
عن عمد بين مفهومي القمع والأمن، فيسمي
القمع أمنا، مع أنه أبعد شيء عنه.
واليوم، لعل أكثر ما تحتاج سوريا إليه
الآن هو الأمن الذي سيخرجها من قمع
سلطوي إجرامي دمر حياة وكرامة شعبها.
فلا عجب أنه عازم على استعادة أمنه
بفضل ثورة الحرية التي فجرها منذ عام
ونصف العام، لاعتقاده الصحيح أن
الحرية تعني الأمن والأمن يعني
الحرية، وأنهما يتلازمان في أي دولة
تحترم نفسها وتستحق اسمها، وسيكونان
متلازمين في الدولة السورية الحرة،
التي ستحترم نفسها وتوفر الأمن
لمواطنيها، وستنهي جميع أشكال قمعهم! ================= قتله النظام
الأسدي وحزب الله طارق الحميد الشرق الاوسط 21-10-2012 لا شك، ولو لحظة، بأن
من يقف خلف اغتيال العميد وسام الحسن
هو النظام الأسدي، وحزب الله، وليس لأن
الشهيد كان «مناهضا» لسوريا، كما قالت
إحدى وكالات الأنباء، بل لأنه كان رجل
أمن محترفا، ووطنيا نزيها، وشجاعا
يندر أن تجد مثله في لبنان اليوم. عرفت وسام الحسن منذ
قرابة الثلاثة أعوام، وتوثقت علاقتي
الشخصية به منذ ما يزيد على العام
ونصف، لم أعرف إن كان سنيا، أو شيعيا،
ولم أسأل، فهذا آخر ما أهتم به، لكني لم
أسمع الرجل ينطق بكلمة واحدة تنم عن
طائفية، أو أي لغة تحمل نعرة. كان إذا
ذكر حزب الله، ورغم كل أفعال حزب الله
الطائفية، والإجرامية، بحق لبنان
واللبنانيين، يقول: «الحزب»، وإذا
تحدث عن طاغية دمشق يقول: «الجيران»،
ولذا فلم يقتل لأنه «مناهض» بل لأنه
رجل أمن محترف، ولبناني وطني، يريد
استقرار لبنان، وهو من أكثر مخازن
الأسرار اللبنانية التي تعرف تحركات
كل أطراف العصابة سواء في بيروت، أو
دمشق. من عرف وسام الحسن
يعي أنه مشروع شهيد، سيأتي قدره في أي
لحظة. آخر لقاء تم بيننا، وجها لوجه،
قال لي: «الأوضاع خطرة، والقادم مذهل»!
قلت: ماذا؟ قال: «هناك عملية كبيرة
وخطيرة سيتم الكشف عنها..»! قاطعته
متسائلا عن طبيعتها، فابتسم كعادته
وقال: «كبيرة وراح تميزها». وبعدها
بيومين كشفت قصة الوزير السابق ميشال
سماحة، التي كبرت ككرة الثلج حتى طالت
الاتهامات شخصيات مقربة جدا من دوائر
نظام الأسد. وها هو اليوم العميد وسام
الحسن يروح ضحية تفانيه في خدمة أمن
لبنان، وهو الذي كان يعي، ويعلم، وليس
لديَّ أدنى شك، أنه سيقتل على يد من كان
يلاحقهم، لكنه كان رجلا شجاعا بمعنى
الكلمة، ومؤمنا بما يسعى لتحقيقه،
وكان فيه ثبات مذهل رحمه الله. اغتيال الشهيد وسام
الحسن يقول لنا إن من قتله هو نفس من
قتل الشهيد الراحل رفيق الحريري، كما
أن اغتيال الحسن يقول لنا إن نظام
الأسد، الساقط لا محالة، لن يرحل إلا
بعد أن يكون قد أجهز على خيرة رجال
لبنان، هذا إذا لم يشعل البلد كله،
مثلما دمر سوريا، وبالتالي فإن النظام
الأسدي لم يختر إحراق سوريا وحسب، بل
المنطقة ككل، وكل ما يفعله هذا النظام
الإجرامي، ومعاونوه من حزب الله،
وقبلهم إيران، يعني إعلان حرب على
المنطقة كلها، وعلى استقرارها، وهذا
ما يجب أن يسرع، ويفرض، تسليح الثوار
السوريين، ومدهم بكل ما يحتاجونه من
مساعدات عسكرية، وخلافه، وهذه مهمة
السعوديين والأتراك والقطريين، وكذلك
ضرورة التحرك دوليا، ومن خلال تحالف
الراغبين، من خلال فرنسا وبريطانيا
وأميركا، من أجل تسريع إسقاط النظام
الإجرامي في سوريا، فمنطقتنا لن تعرف
الاستقرار أبدا وفيها نظام الأسد،
وعليه فالمطلوب اليوم هو طي صفحة
الأخضر الإبراهيمي وفتح صفحة التسليح
والإسراع بإنهاء الأسد، وإلا فإن
الراحل الحسن ما هو إلا واحد من قائمة
طويلة ستتم تصفيتها. ================= الإبراهيمي في
دمشق: فكرة نجاح صعب! فايز سارة الشرق الاوسط 21-10-2012 أنجز الأخضر
الإبراهيمي المبعوث العربي والدولي
جولة من مباحثات شملت السعودية وتركيا
وإيران والعراق ومصر ولبنان والأردن،
واستقر منذ أول من أمس في العاصمة
دمشق، ليستكمل فيها البحث في سبل وقف
إراقة الدماء المستمرة منذ عشرين شهرا
في سوريا، آملا في أنه سوف يحقق خرقا في
الصعوبات التي حالت دون تحقيق تقدم في
معالجة سياسية للأزمة، مستعينا في ذلك
بتأييد ودعم دولي وإقليمي، تم الإعلان
عنه في معظم العواصم المعنية بالأزمة
على أمل إنجاز وقف لإطلاق النار في
عطلة عيد الأضحى. فكرة الإبراهيمي
بتحقيق وقف لإطلاق النار، خطوة أولى في
إطار معالجة الأزمة السورية، أسسها
الإبراهيمي بعد مشاورات دولية
وإقليمية وسورية، وبعد تدقيق بخلاصات
المبادرات السابقة التي حاولت معالجة
الأزمة، ولا سيما مبادرة المبعوث
السابق كوفي أنان. وتصور الإبراهيمي
لمعالجة الأزمة، إذا نجح وقف إطلاق
النار الجزئي، يقوم على الانطلاق نحو «هدنة
حقيقية لوقف إطلاق النار، ولعملية
سياسية تساعد السوريين على حل
مشكلاتهم، وإعادة بناء سوريا الجديدة،
التي يتطلع إليها شعبها»، كما قال
الإبراهيمي. الصورة كما تبدو سهلة
وبسيطة، خاصة أن السلطات السورية
وأطرافا في المعارضة، أيدت وقف إطلاق
النار في عطلة عيد الأضحى. لكن الحقيقة
تؤكد أن الوضع أكثر صعوبة وتعقيدا
بكثير من الصورة الظاهرة، ذلك أن لدينا
إرثا من مساعي وقف النار، يعود إلى
فترة كوفي أنان وقبله إلى فترة
المبادرة العربية، حيث فشلت الجهود من
أجل وقف إطلاق النار في الحالتين
والحجة المعلنة من جانب السلطات
السورية، أن الفريق الآخر لا يلتزم
بوقف إطلاق النار، والأهم من ذلك
الإرث، أن لدى السلطات السورية محددا
رئيسيا للتفاوض مع معارضيها، وهو
القضاء على الجماعات المسلحة
والإرهابيين قبل البدء في أي مفاوضات
تعالج الأزمة كما أكد أكثر من مسؤول
سوري، وبالتأكيد فإن حَمَلة السلاح في
الخندق المقابل للسلطات السورية هم من
«الجماعات المسلحة والإرهابيين». ولا شك أن الوضع على
ما هو عليه من صعوبات عملية وسياسية في
موضوع وقف إطلاق النار، ليس بعيدا عن
رؤية الأخضر الإبراهيمي وفريقه، كما
أنه ليس ببعيد عن ملاحظة الأطراف
المعنيين والمهتمين بالوضع السوري،
لكن تلك الصعوبات لم تحُل دون طرح
الفكرة، وحصولها على دعم متعدد
الأطراف والمستويات، والسبب في ذلك
يتصل بجملة معطيات؛ لعل الأول والأبرز
فيها، أن هناك رغبة إقليمية ودولية من
جانب كل طرف بإعطاء الإبراهيمي وجهوده
فرصة في معالجة الأزمة في وقت يسعى فيه
كل طرف لمراكمة معطيات أخرى، تدعم
وتساند رؤيته للأزمة في سوريا وآفاق
حلها، خاصة أنه ليس لدى أي من الأطراف
المنخرطة بالأزمة أو المعنية بها
مشروع جديد ومختلف لمعالجتها. وثاني المعطيات في
خلفيات طرح الفكرة، هو أنها تشكل أرضية
لقياس تحولات القوة لدى مختلف أطراف
الأزمة والمعنيين بها، خاصة بعد كل هذا
الوقت من عمر الأزمة، والبالغ عشرين
شهرا، وما نجم عنها من نتائج سياسية
وأمنية وخسائر بشرية ومادية فادحة
مرشحة للتصاعد، متزامنة مع احتمالات
خطرها في الامتداد إلى المحيط
الإقليمي الذي ظهرت بعض مؤشراته على
الأقل في كل من لبنان وتركيا. وثالث المعطيات،
تبرزه حقيقة أن الفترة الأخيرة من
تطورات الأزمة السورية شهدت تصعيدا
عسكريا كبيرا من جانب السلطة والقوى
المسلحة للمعارضة، وكان من مؤشرات هذا
التصعيد توسيع حجم العمليات العسكرية
لتشمل مناطق واسعة من البلاد، إضافة
إلى تطور نوعي في تلك العمليات خاصة
لجهة قيام السلطات السورية بزج
الطيران بصورة واسعة في المعارك،
واستخدام أسلحة نوعية شملت البراميل
المتفجرة والقنابل العنقودية، كما
لاحظت هيئات حقوقية دولية، إضافة إلى
أن مجريات الأزمة، شهدت تطورا كميا على
صعيد ارتفاع الخسائر البشرية والمادية
للصراع المسلح، وهذه التطورات جميعها،
صارت تتطلب وتفرض جهودا في التهدئة إذا
أمكن. وإذا كانت الظروف
المحيطة، عززت طرح فكرة وقف إطلاق
النار في سوريا بمناسبة عيد الأضحى،
فإن موانع نجاح الفكرة، تبدو قائمة في
الكفة الثانية من ميزان الأزمة، وهي
توازن الأولى، وقد تزيد عنها، مما يعني
أن احتمال نجاح فكرة الإبراهيمي يبدو
صعبا، إن لم نقل أنه مستحيل، ما لم تحصل
معجزة، جوهرها تحول في موقف السلطات
السورية من الأزمة وآفاق حلها، وهذه
أصعب من أن تحصل في ظل ما هو معلوم
وشائع عن الموقف السوري، مما يجعل نجاح
فكرة الإبراهيمي في وقف حقيقي لإطلاق
النار يقرب المستحيل. ===================== أكبر هزيمة
لنظام ولاية الفقية خلال العقود
الثلاثة الماضية محمد إقبال إيلاف 17/10/2012 في الرابع من اكتوبر
2012 تم نشر الوثائق الرسمية المتعلقة
برفع صفة الارهاب عن منظمة مجاهدي خلق
الإيرانية من قوائم وزارتي الخارجية
والخزانة الاميركيتين بتوقيع هيلاري
رودهام كلينتون وزيرة الخارجية
الاميركية في المرسوم العام رقم 8049،
حيث اعلنت كلينتون «انه وفي موضوع
تسمية منظمة مجاهدي خلق بجميع اسمائها
المشابهة والاختصارية.. وبعد
الاستشارة مع مدعي العموم ووزير
الخزانة، بهذا المرسوم واستنادا الى
قانون الهجرة والجنسية رقم 219 وطبقا
للمادة الاصلاحية المرفقة، فانني الغي
عن منظمة مجاهدي خلق وسائر الاسماء
المرتبطة بهذه المنظمة صفة انها منظمة
ارهابية خارجية. وإن هذا الاجراء ساري
التنفيذ منذ يوم 28 سبتمر 2012». كما وانه وفي نفس
اليوم أي في الرابع من اكتوبر تم اصدار
اعلان عام رقم 8050 بتوقيع هيلاري رودهام
كلينتون وزيرة الخارجية الاميركية،
حيث جاء في تصريحها بهذا الشأن «إن في
موضوع تسمية منظمة مجاهدي خلق مع جميع
اسمائها المشابهة والاختصارية في
القائمة العالمية الخاصة بالارهاب
وبموجب صلاحيات الفصل بي واحد من
المرسوم التنفيذي لرئاسة الجمهورية
رقم 13224 بتأريخ 23 سبتمبر 2001 والمتمم
الاصلاحي لهذا المرسوم فانني الغي
تسمية مجاهدي خلق مع جميع اسمائها
المشابهة من القائمة العالمية للارهاب
بموجب الفصل بي واحد. وإن هذا الاجراء
ساري التنفيذ منذ 28 سبتمبر 2012». وتصرح
الوزيرة بأن «الأسماء المشابهة
والمماثلة والحركية والاختصارية في
موضوع التسمية الملغية المتعلقة
بمجاهدي خلق عبارة عن: ام ئي كي، ام كي
او، بي ام او آي، مجاهدين خلق، منظمة
مجاهدي خلق الإيرانية، منظمة مجاهدو
الشعب الإيراني، منظمة الطلاب
المسلمين الإيرانيين، إن سي آر آي،
المجلس الوطني للمقاومة، المجلس
الوطني للمقاومة الإيرانية، إن ال إي
وجيش التحرير الوطني الإيراني». ما يجلب الانتباه في
هذه البيانات الرسمية للسيدة الوزيرة
هي أنه و خلافا لبيان الخارجية
الاميركية بعد الاعلان عن الغاء صفة
الارهاب عن مجاهدي خلق، فانه لا يوجد
هناك أثرا في هذه الوثائق من بعض
التخرصات الواهية لايجاد نوع من سياسة
التوازن مع النظام الإيراني واسترضائه
واسترضاء المعارضين لاخراج اسم مجاهدي
خلق من قائمة الارهاب الذين يشكلون
لوبي النظام الإيراني الديكتاتوري في
الولايات المتحدة، ولا يوجد في هذا
الاعلان الرسمي تأكيد على أن الخارجية
الأمريكية (أي اللوبي الإيراني في
الخارجية) «لن تنسى الأعمال الإرهابية
الماضية لمجاهدي خلق» وتخرصات مثل «إنها
لا تزال تساورها بواعث قلق خطيرة حيال
جماعة مجاهدي خلق وبصفة خاصة بالنظر
إلى دعاوى اساءة المعاملة التي
ارتكبتها ضد أعضائها». وعندما يعرف السبب
يبطل العجب، حيث ان السبب واضح تماما
في هذا الشأن، فالتصريحات والبيانات
والمواقف السياسية والدعائية التي
تحمل مواقف اضافية ضد منظمة مجاهدي خلق
هي محاولة لحفظ ما يوصف بالتوازن وحفظ
خط الرجعة مع نظام الملالي في ايران أو
الاجنحة المعروفة بـ«إيران غيتية»
الداعمة له. ويجب التأكيد هنا
وبكل قوة انه ليس لهذه التصريحات
والبيانات والمواقف أي قيمة أو
مصداقية.. لأنه وببساطة متناهية ان كان
يوجد حالة ولو بسيطة من العنف داخل
مجاهدي خلق وكان هذا الامر قابل للعرض
والتوثيق والتدقيق وبالتالي الاحالة
الى المحكمة، لم تتردد الخارجية
الأمريكية في حفظ مجاهدي خلق في قائمة
الارهاب. كما أن البيانات الصادرة عن
المقاومة الإيرانية ملأى بالترحيب عن
أي اجراء قضائي والرجوع إلى القضاء
والاحتكام اليه بدلا من توجيه
الاتهامات جزافا والصاق التهم وتكرار
الدعايات المفبركة من قبل ملالي طهران.
لأنه وحسب التجربة أكد تأريخ مجاهدي
الشعب الإيراني أنه في أي مكان توجد
ولو «قطرة واحدة» من العدالة، سيخرج
مجاهدو الشعب فائزون حتى ولو كان الطرف
المقابل قوة عظمى كالولايات المتحدة. إن منظمة مجاهدي
الشعب الإيراني وطوال مسيرتها على
مدار 48 عاما لم تنفذ عملية إرهابية
واحدة، وكل مرة نفذت عمليات أو اتخذت
أية اجراءات قامت باصدار البيان
الرسمي المتعلق بها وتحملت مسؤوليتها
وطبعا هذه العمليات لا تعتبر ارهابية
بموجب الاحكام المحاكم الاوروبية
والمحاكم الاميركية الا من وراء نظارة
الملالي الحاكمين في إيران. كما وأكد
السيناتور كارل ليفين رئيس لجنة
القوات المسلحة في مجلس الشيوخ
الأمريكي اخيرا أن الاهداف العسكرية
واجهزة القمع ستبقى دائما اهدافا
مشروعة. وانه وفي العام الماضي أكد
قضاة فرنسيون على ان للمقاومة الحق
المشروع في عمليات ضد الأنظمة القعمية
والظالمة كما يصرح البيان العالمي
لحقوق الانسان. وفي خبر تم بثه من قبل
بعض وكالات الانباء، صرحت احدى سلطات
الخارجية الاميركية – وهي لا تملك حق
التصريح علنا – ولهذا صرحت على ان يبقى
الاسم مجهولا ان ادارتها لا تعتبر
مجاهدي خلق مجموعة معارضة ذات مصداقية
وهي لن تتمكن من ترويج قيم الديمقراطية
في إيران! هنا ايضا يجب التأكيد
على أن منظمة مجاهدي خلق الإيرانية
الباسلة تأخذ مصداقيتها من الشعب
الإيراني وليس من هذه الحكومة أو تلك
أو هذه الخارجية أو تلك. وان المنظمة
اخرجت سواء في أوروبا أو أميركا من
قوائم الارهاب بموجب احكام القضاء. إن
احدا من هؤلاء المتشدقين لا يعرفون مدى
مصداقية مجاهدي الشعب الإيراني
وشعبيتهم بقدر ما فعرفه الملالي
الدمويين الحاكمين في ايران والا ما
كانوا يطالبون طوال 15 عاما بابقاء
مجاهدي الشعب في قائمة المنظمات
الارهابية الخارجية الآمريكية. كما وأن القيم
الديمقراطية لا تأتي عبر التنظير
والحشو الكلامي والعبث اللامتناهي، بل
ان هذه القيم تبلورت وتجسدت في مقاومة
لفترة 48 عاما أمام دكتاتورية كل من
الشاه والملالي وإن رافعي علم هذه
المقاومة في العالم المعاصر كان
مجاهدو الشعب الإيراني بشهادة الضمائر
الحية للانسانية وابرز الشخصيات
الاميركية والاوروبية والعربية. والآن
نرى هذه الشخصيات البارزة نفسها تطالب
باعلان مخيم ليبرتي رسميا كمخيم
للاجئين لكي لا تتمكن الحكومة
العراقية من منع سكانه من عناصر مجاهدي
الشعب من التصرف بحرية وحصولهم على
احتياجاتهم المشروعة ووقف شتى انواع
المضايقات والعراقيل التي تمارس بحقهم.
بالرغم أن الغاء
التسمية الرجعية الاستعمارية جاءت
متاخرة جدا وتطلبت ثمنا باهظا جدا
وداميا من الشعب الإيراني ومجاهدي
الشعب الإيراني ولكنه وكما أعلنت
السيدة مريم رجوي رئيس الجمهورية
المنتخبة من قبل المقاومة الإيرانية
في البرلمان الأوروبي في بروكسل فانها
تعتبر اكبر هزيمة سياسية ودولية لنظام
ولاية الفقيه اللانساني والاستبداد
الديني في العقود الثلاث الماضية. ليس هناك ثمة شك أن
الغاء هذه التسمية سيسرع عملية اسقاط
نظام الملالي. وإن آثار هذا التسارع قد
برزت في اضطرابات طهران ومشهد ومدن
أخرى إيرانية فيما عرف بالاحتجاجات
على انهيار الريال الايراني. * خبير استراتيجي
إيراني ============================= مئة مثقف سوري
وعربي في «مؤتمر تشاوري» الحياة القاهرة - معن
البياري السبت ٢٠
أكتوبر ٢٠١٢ لمّا كان انعدامُ
حرية الشعب السوري في التعبير عن نفسه،
وإِغلاق الممكنات لتظهير قدراته،
وللجهر بأَشواقِه إِلى الكرامة
والعدالة، من مظاهر محنة هذا الشعب،
طوال أَربعة عقود، فإِن تلك الحرية هي
الوجهة الأَوضح لثورته التي يُواجهها
النظام الحاكم بدموية. وبين ما يكتشِفه
المراقبُ المتابع، لا سيّما المستجدّ،
للحالة السورية في عمومِها، في غضون
هذه الثورةِ وتفاصيلها، أَنَّ ثمة
مغترباتٍ واسعة، تقيمُ فيها أَدمغةٌ
وكفاءاتٌ سوريةٌ باهرة، ومتنوعةٌ في
مناشطِها وأَعمالها، في العلوم
والاقتصاد والمعرفة والصناعة
والتقنية، كما في الفكر والآداب
والفنون. وهي مع مثيلاتٍ لها تعملُ في
أَجواءِ اختناقٍ حادّةٍ في الداخل،
تمثلُ جسماً سورياً عريضاً، لديه
مخزونٌ غير هيِّنٍ من إِمكانات
العطاءِ لبلدِه وشعبِه. وتلك
الإمكانات، المعلومةُ وغير المعلومة،
للقدراتِ المهنية والفكرية السورية،
في الخارج والداخل، من بعضِ ما تيسَّرت
معرفتُه والوقوعُ عليه لحضور «المؤتمر
التشاوري العلمي الفكري» الذي عقد
الأُسبوع الجاري في القاهرة، بدعوةٍ
من تيار بناء المستقبل الذي أُعلن عن
إِنشائه أَخيراً، ومن طموحاتِه «تنمية
الإنسان في المؤسسات العلمية»،
انطلاقاً من «منظوراتٍ علميةٍ وفكريةٍ
منفتحةٍ على شتى تيارات البحث
والتفكير، من دون تصوراتٍ أَيدلوجيةٍ
آسرةٍ للعقلِ ومحبطةٍ للخيال». ورش جماعية صدوراً عن هذا الطموح
الذي تتبدّى خصوصيّته في مغايرتِه
المشاغل السياسية وتكتلات المعارضة
السياسية السورية، يصيرُ محموداً
ومبعثَ إِعجابٍ جمعُ حوالى مئةِ عالمٍ
وكاتبٍ ومهنيٍّ وأُستاذٍ جامعيٍّ
وفنانٍ واقتصاديٍّ، سوريين، في
المؤتمر الذي رعاه رئيس تيار بناة
المستقبل، المهندس وليد الزعبي، وترأس
جلساتِه وأَدارها الشاعر نوري الجراح،
وأُريدَ منه تحضيرٌ نوعيٌّ لمؤتمريْن
مقبليْن، فكريٍّ وعلمي يعقدان لاحقاً،
تضع مكاتبُ علميةٌ وثقافيةٌ
وإِعلامية، تحددَّت في المؤتمر
التشاوري، التصوّر النهائيَّ
لمحاورِهما، وتُسمّي المشاركين
فيهما، بالتعاون مع «أَوسعِ طيفٍ
فكريٍّ وعلمي» سوري. وعلى ما جاءَ في
البيان الختامي الذي صدر عن المجتمعين
«المتشاورين»، فإِنهم يعتـــبرون
أَنَّ «عملاً جماعياً كهذا من شأْنِه
أَنْ يُساهم في تحرير حركةِ
الثـــقافة والعـــلم مما كبَّلها من
قيمٍ سلبية، فرضت عليها منذ مرحلة ما
قبل الثورة، وعوَّقها، بالتالي، عن
المشاركةِ المؤثرة في الأََحداث
والمجريات الراهنة». وفي ثلاثة أَيام،
استمع المجتمعون إِلى بعضِهم، وإِلى
كلماتٍ غير قليلةٍ من مشاركين وحضور،
وبينهم ضيوفٌ عرب، وتوزَّعوا، وفق
اختصاصاتهم في شتى الحقول الفكرية
والأدبية والعلمية، مع حضورٍ بارز
للمرأَة والأَجيال الجديدة، على تسع
ورشِ عملٍ تحضيرية، عكفت على إِِعداد
تصوراتٍ نظريةٍ وعمليةٍ ومشروعات،
واختصَّت بالمجتمع المدني، الثقافة،
الفكر والأَدب، الفنون، الإعلام،
الإغاثة، الاقتصاد والتنمية، الدستور
والقانون، الدراسات والبحث العلمي. وفي كلمته في افتتاح
المؤتمر، قال المهندس وليد الزعبي
إِنَّ ما يُرى من فوضى في الملف السوري
ليس بلا أَسباب، «... وليس لأَنَّ لدينا
نظاماً قمعياً وحشياً فقط، وهو سببٌ
كبيرٌ رئيسي، ولكن، لأَنَّ مجتمعنا
تأَخر وتراجع، على الأَقل عما كان عليه
قبل خمسين عاماً ماضية، وها هي
الأَمراض المنتشرة بين الناس تمنعنا
من الوصول بسرعةٍ إِلى انتصار ثورتنا،
وتعرقلُ عملنا وعملكم». وأَشار إِلى أن
نقص الخبرات بادٍ لدى بعض من يتناولون
الملف السوري، وأَفاد بأَنَّ المكاتب
التي تتشكل من المؤتمر التشاوري،
سيعمل السوريون المشاركون فيها على
تفعيلِها، بخبراتهم الثمينة،
وبطاقاتهم وعقولهم، وقال «الآن، بدأنا
نستردُّ زمامَ المبادرة، ونُحرِّر
العملَ الوطنيَّ من مسرحِ السياسةِ
والتجريب النظري، فإننا ننتقلُ بالعمل
الإغاثي والعطاءِ من طورٍ إِلى طورٍ
آخر». وفي تقديمه
المتحدثين، شدَّد الشاعر نوري الجراح
على أَن المؤتمر يُعقد حراً في ظل
المجتمع المدني السوري، من دون
أَجنداتٍ سياسية، ومن دون رعاية أَية
دولة، وبعيداً من الأَلاعيب
والتقاطعات الدولية. ودعا الـــشيــخ
سارية الرفاعي في الجلسة إِلى تعلم
الأَمل من الرسول محمد (صلى الله عليه
وسلم)، وأَوضح المثقف اللبناني
الســـيد هاني فحص أَنه كعربيٍّ ومسلم
ينتظر من سورية الحرة إِعادة تقديم
الإسلام كنظام قيم يحمي المجتمعَ
والمدنية، وينتظر من السوريين أَن
يعيدوا العروبة إلى سياقها الإنساني،
بعدما أَبدع النظام السوري (وغيره) في
تهميشِه، وهو النظام الذي قال فحص إن
لا فرقَ بينه وبين النظام الصهيوني. وأَوضح أَنه حين تصبح
سورية دولةً ديموقراطية حديثة
وتعددية، فإِنه، كلبناني، يطمئن إِلى
استقرارِه وإِلى الوحدة الوطنية لبلده.
وأَبلغ فحص مستمعيه أَنه غيرُ مرتاحٍ
لموقف النظام الإيراني من الثورة في
سورية، لكنه مطمئنٌ إِلى موقف الشعب
الإيراني الذي يُعاني كما الشعب
السوري. وأَبهج الحاضرين أَن بينهم
الأَب باولو داليوليو الذي كان النظام
قد أَبعده من سورية التي يعتزُّ
بانتسابِه إِليها، وإِلى ناسها الذين
أَقام بينهم أَزيد من ثلاثين عاماً.
وفي كلمتِه، بشاميته الوديعة، أَلحَّ
الأَب باولو على وعاء سورية الحضاري
الذي يجعل عروبتَها تحتوي التنوعَ
فيها، وتضمُّ إِليها التركماني
والشركسي والأَرمني، وأَوضح أَنَّ
الجاري في سورية مقاومةٌ تستخدم القوة
والعنف، كما كل المقاومات في التاريخ. علماء وخبرات شكَّل المؤتمر فرصةً
طيبة للإنصات إِلى أَهل العلم
والتقنية السوريين، ممن في الشتات
خصوصاً، ومنهم عالم الذرة وصاحب
الأَبحاث في «النانو» والدراسات في
مشروعات علمية فرنسية، الدكتور نذير
الحكيم، والذي أَكد «ذهاب الطغمة
الحاكمة» في دمشق، ورائد الفضاء
اللواء فارس محمد فارس، والذي شدَّد
على إعادة بناء الجيش السوري، بعدما
عمل النظام على تدميره مادياً
وأَخلاقياً، وقال إن من الأَولويات
بعد انتصار الثورة بناءُ الجيش الوطني
الذي يدافع عن سورية في شكل صحيح. وشدّد
أُستاذ الفيزياء النووية والجسيمية
والباحث في الضوء الإلكتروني في جامعة
باريس، الدكتور إِلياس وردة، على
تكامل جبهات النضال السياسية
والعسكرية والعلمية الثقافية من أَجل
إِسقاط النظام. وتحدث رجل الصناعة
والاقتصاد والإغاثة المقيم في
أَلمانيا منذ 40 عاماً، وتم التعريف به
بأَنه ممن نقلوا علوم النسيج الدمشقي
إِليها، الدكتور عدنان وحّود، تحدث عن
تجربتِه في العمل الإغاثي والتطوعي في
شمال سورية في الشهور الماضية، وهو
الذي منعه النظام من دخولها قبل 30
عاماً، وقال إِنه شاهد في الأثناء
سوريين عظماء، بينهم أَطباءُ وكفاءاتٌ
اجتماعية باهرة. وجاءَ مهماً أَنْ
نعرفَ من أُستاذ الرياضيات في
أَكاديمية العلوم في موسكو، الدكتور
محمود الحمزة، أَنه يتعرَّض لما سماه «إِرهاباً»
من وزارة الخارجية الروسية التي ضغطت
لفصله من عمله، بطلبٍ من السفارة
السورية، لفاعليته في نشاطِه المناهض
للنظام، وأَشار إِلى وجود من سماهم «شبيحة
إِعلاميين روس»، وشدَّد على حاجةِ
سورية إِلى بناءِ قاعدةٍ علميةٍ
وتكنولوجية، ما يتطلبُ بناءَ قاعدةٍ
تربويةٍ وتعليمية. وآثر الطبيب الجراح
في باريس، الروائي المعروف، خليل
النعيمي، أَنْ تكون كلمتُه تأملية،
وقال فيها إِنَّ السوريين في حاجةٍ
إِلى الصمت، وإلى إِعادة النظر في
تاريخِهم الشخصي، «... تاريخ البلادة
والقمع، ووضعِه ضمن تاريخ المجتمعات
الطبيعية، وتلك مهمّة الثورة». وإلى
هذه الأسماء، ضمَّ المؤتمر كتاباً
وفنانين وشعراءَ وناشطين، منهم، لويز
عبدالكريم، مفيد نجم، عبدالحكيم
قطيفان، سليمان البوطي، رشا عمران،
وليد قوتلي، عزَّة البحرة، نجاتي
طيارة، مها حسن، سميح شقير، علي فرزات،
لينا الطيبي، إِبراهيم اليوسف، عاصم
الباشا، ثائر موسى، مروان علي وموسى
الخطيب، وآخرون من المشتغلين في
التعليم الجامعي والنشاط الإغاثي، ومن
العرب، الفلسطيني سلامة كيلة والليبي
سالم الهنداوي واللبناني يوسف بزي. وقد
أَلحت كلماتُهم على سورية واحدة
معافاة من أَمراض الطائفية وتقسيم
المجتمع إِلى أَقلياتٍ وأَكثريات،
وعلى أَنْ تجد الرؤى العملية المطروحة
في المؤتمر سبلها إِلى التنفيذ. الثقافة والمال وقال المشرف العام
على لجنة المؤتمر التحضيرية، الشاعر
نوري الجراح، لـ «الحياة»، إِنَّ
المؤتمر أُريد منه، أَيضاً، أَنْ
يُؤسس لعلاقةٍ جديدةٍ بين الثقافة
والمال الأَهلي، لأَنَّ تاريخ العلاقة
بينهما تسلطي، وهو تاريخُ السلطة
المستبدة في علاقتِها بالثقافة من باب
الهيمنة على صوت المثقف، لإخضاعِ
الثقافة وتحويلها إِلى أَداة قمع
الفكر والوجدان الإنسانيين. ويرى
الجراح أَن ذلك التاريخ السيئ الصيت
يرمي ظلال شك وريبةٍ في علاقة الثقافة
بالمال الذي يرعى الأَعمال والمشروعات
الثقافية، كما أَنَّ جزءاً من علاقةِ
الثقافة العربية بالمال غير الرسمي،
أَيضاً، مريب، لأَنَّ هذا التاريخ لم
يرسم علاقةً صحيةً بين الثقافة
والراعي. ووفق الجراح، فإِن المؤتمر
التشاوري العلمي الفكري لبناة
المستقبل، والذي رعاه مال سوري أهلي
مستقل، أَراد أَنْ يُظهرَ علاقةً
جديدةً لا تسمح للمال بتعدّي حدودِه في
صناعة الثقافة، كأَنْ يفرض أَجندةً
غير ثقافية على الثقافةِ والمثقف،
واللذين تحفظ هذه العلاقة الجديدة
لهما كرامتهما واستقلاليتهما وحرية
الفكر والتفكير. وأَضاف الجراح الذي
يُؤكد صفتَه التطوعية في إِشرافه على
المؤتمر «أَتاحت لنا الثورة السورية
العظيمة أَنْ نلتقي على قاعدةٍ من
الشفافية والحرية، ولذلك، نحن مدينون
لها بأَنْ نحافظ على استقلالية
الثقافة أَمانةً في أَعناقنا، وهذا ما
سيكون امتحاناً حقيقياً وعملياً
لصدقية ما أَقول حول العلاقة بين
الثقافة والمال في مجتمعٍ سوري جديد». ومع اختتامِه
ورشاتِه وجلساته في أَيامه الثلاثة
بنشيد الحاضرين «موطني»، وبتقديم
الفنان سميح شقير أُغنيته «يا حيف»،
وبعرضِ فيلم وثائقي عن أَطفال مخيمات
اللجوء السوري أَنجزه المخرج وليد
قوتلي، فإِن مؤتمر النخب السوريّة،
الأَول في تنوعه وطموحاتِه، يُخلف
رهاناً صعباً على وجوبِ تنفيذ طروحاتٍ
قيلت فيه، تساهم في بناءِ مستقبل آخر
في سورية. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |