ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم 23-10-2012 سامي عبد
القادر 2012-10-22 القدس العربي في الداخل السوري
نتوقع ان تبدأ معركة دمشق الفاصلة
والنهائية خلال الشهرين المقبلين
وربما تكون قبيل مطلع العام الجديد ليس
هناك أي تحديد للوقت لكن المعركة تسير
ببطء وتسير الاستعدادات من كلا
الطرفين لمعركة فاصلة وحاسمة. فالنظام
السوري بدأ الاستعدادات العسكرية بحشد
الاف الجنود والمعدات العسكرية فوق
جبل قاسيون وقد اتخذ من محيط مجلس
الشعب مقرا هاما لقواته العسكرية
وادخل طائرات مروحية وراجمات ومدافع
مختلفة حيث تحول جبل قاسيون خلال
الاسابيع الاخيرة الى اضخم ثكنة
عسكرية عرفتها دمشق وتتم تصويب
المدافع الى جميع الارياف المحيطة
بالعاصمة لأن النظام السوري يعتقد ان
ساعة الزحف الى العاصمة قد اقتربت كما
تم تجميع مستودعات الذخائر المحيطة
بالعاصمة وادخالها الى داخل العاصمة
وحظيت المستودعات الموجودة فوق قاسيون
بالنسبة الاكبر منها فالنظام يدرك ان
سقوط اطراف العاصمة بيد الجيش الحر
سيكون من الساعات الاولى خصوصا بعد
التجربة التي اطلقها الجيش الحر خلال
شهر رمضان عندما وصلت طلائع الجيش الحر
الى مناطق مثل كفرسوسة والمزة. في داخل العاصمة ايضا
يعيش النظام حالة من الهستيريا قام على
اثرها بتمزيق العاصمة دمشق وتقطيعها
الى اوصال ونشر اعداد كبيرة من الحواجز
كما استولى على اسطح مئات الابنية وقام
بزرع قناصات فيها وقام بتقطيع العاصمة
الى قطاعات عسكرية مما يعكس حجم حالة
الرعب التي بات يعيشها. واما الجيش الحر في
الطرف الاخر للمعادلة فهو يعيش حالة
طمأنينة وعند الدخول الى مواقع الجيش
الحر تشعر بالابتسامة على اوجه الجميع
ورغم قلة الامكانات الا انهم يتحدثون
اليك بكل هدوء وراحة وبينما تجد عناصر
الجيش السوري النظامي تطالب بتدخل جوي
في كل معركة تبدو لك الصورة مع الجيش
الحر بشكل مختلف، فهم لا ينتظرون وصول
الامدادات من الطائرات التي اصلا لا
يملكونها لذلك تجد حديثهم قبل أي
اشتباك يتمحور حول حجم الاسلحة التي
سيغنمونها والمعدات التي سيحصلون
عليها بدلا من تعرضها للتدمير لذلك
تبدأ خطة الجيش الحر بخطة الواثق من
نفسه الذي يلاحق عدوه وهو يفكر بالحصول
على السلاح الذي بين يديه للدفاع عن
نفسه فيه وهذه بالطبع احدى اهم مفارقات
الثورة السورية التي لم تحصل من قبل في
أي مكان في العالم، فبينما يتحدث
الاعلام الرسمي عن اسلحة قطرية وتركية
يضحك هؤلاء الثوار وتزيدهم روايات
النظام شجاعة وقوة. يعتقد الثوار ان
تجربتهم لإحتلال الارياف كانت مهمة
فقد استطاعوا من خلال الاسلحة البسيطة
ان يطردوا الجيش النظامي وقاموا
بتدمير غالبية الافرع الامنية في ريف
دمشق واستولوا على الاسلحة التي فيها
وعندما قامت قوات النظام باجتياح
الارياف قاتلها الثوار ثم بدأوا
بالانسحاب تدريجيا من اجل جر اقدام
الجيش النظامي الى مناطق بعيدة عن
العاصمة ونجحت الخطة وبدا الجيش
النظامي يدفع الثمن غاليا ثم بدأ
يتراجع فعادت قوات الجيش الحر واستولت
من جديد على معظم ريف دمشق، وهذه
الصورة توضح حالة الرعب التي يعيشها
النظام وجيشه لأنه لا يستطيع ان يسيطر
بتاتا على أي منطقة يدخلها. الجيش الحر في دمشق
لم يقاتل حتى الآن كما في حلب وادلب لأن
الاسلحة غير متوفرة لذلك هم لا يسعون
للسيطرة على الارض وانما يهدفون الى
الاستمرار باستنزاف قوات النظام لتبقى
في حالة قلق ورعب. نعم ان معركة دمشق
اصبحت على الابواب ونحن في الداخل
نستعد لها بكل امكاناتنا فالناس بدات
بتخزين المواد الطبية وآخرون يرسمون
خطط اخلاء المدنيين واخرون ينتظرون
لحظة الانقضاض على العاصمة التي ستكون
معركتها الاساسية فوق جبل قاسيون لأن
الجيش الموجود هناك لن يجد طريقا
للفرار والطائرات الحربية الرابضة فوق
الجبل لن تتمكن من الطيران كما تريد
وستكون معركة دموية بإمتياز يحاول
الجيش الحر الآن ان يفكر بطريقة واحدة
تتمثل في خوض المعركة بطريقة يتمكن من
خلالها من ابعاد المدنيين عن الارض
التي ستجري عليها المعركة. على المستوى السياسي
نحن في الداخل السوري وصلنا الى قناعة
تامة ان امريكا لا تريد اسقاط النظام
استجابة لرغبات اسرائيل التي صرحت بها
مرارا لكن امريكا التي لا تريد اسقاطه
الآن لا تستطيع ان تبقيه وهذا سيعني
لنا الكثير من الاشياء اهمها اننا
عندما سنسقط النظام فلن يكون لدينا أي
التزام مع احد سوى التزام واحد تجاه
مصلحة شعبنا فقد اردناها ثورة سلمية
ولم نتوقع يوما من الايام اننا سنحمل
السلاح فالغرب ضحك علينا ووعدنا ولم يف
بوعده ونحن الآن نعرف انه لا يمكن لنا
ان نجد حلا سياسيا مع النظام فحربنا
مفتوحة ومعركة دمشق قاب قوسين او ادنى. ' اعلامي من سورية ================= الياس خوري 2012-10-22 القدس العربي
لم يشكك الا اعداء
وسام الحسن السياسيون في حقيقة ان قاتل
رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن
الداخلي هو النظام السوري، وان مقتل
الحسن يأتي في سياق صراع النظام السوري
من اجل البقاء. لن اسأل لماذا شكك
اعداء الرجل والذين طالب بعضهم بقتله
علنا وامام عدسات الاعلام، بهوية
قاتله، فهذا تقليد لبناني يقول بأن
اسرائيل تقتل معارضي النظام السوري في
لبنان! وهو جزء من 'عدة النصب' التي تبرر
كل شيء باسم مواجهة العدو الاسرائيلي! بعيدا عن جدل عقيم
تلهّت به بعض وسائل الاعلام التي
اكتشفت في الرجل ميزة انه كان الصائد
الاكبر لشبكات التجسس الاسرائيلية في
لبنان، يجدر بنا العودة الى المقولة
الشهيرة التي اطلقها حافظ الأسد عن
العلاقات السورية-اللبنانية والتي
لخصتها عبارته الشهيرة: 'شعب واحد في
دولتين'. والحق يقال انني من اشد
المعجبين بهذه العبارة، فهي لامعة
ومعبرة وتختصر في اربع كلمات تاريخا
طويلا. لكن العبارة ناقصة،
فاكتشاف النظام السوري لحقيقة الشعب
الواحد ودولتيه جاء بعدما قامت الحرب
الاهلية بتحويل لبنان الى شبه دولة. اي
ان الرئيس السوري افترض ان عبارته تبرر
الحاق شبه دولة تمزقت هي لبنان بدولة
متماسكة يقودها حاكم ابدي هي سورية. على هذه القاعدة بنيت
العلاقات المميزة بين الدولة السورية
وشبه الدولة اللبنانية. وهي علاقات
ترسخت عبر اساليب متعددة استخدمها
النظام، كان الاغتيال السياسي اداتها
الأكثر فاعلية. من اغتيال كمال جنبلاط
الى اغتيال رينيه معوض، ارتسمت معالم
السياسة التي تعلن وحدة الشعبين في
دولتين. في الماضي، اي في
العصر الذهبي للهيمنة، حين كان النظام
الأسدي ينعم بالغطائين السعودي
والامريكي، كان اللجوء الى سلاح
الاغتيال مقننا. اذ كان الاغتيال يتم
في لحظة مفصلية، محددا ضحاياه بدقة
جراحية ولم يكن اداة عشوائية. اذ ترك
الاسد الأب لحاكم لبنان انذاك السيد
غازي كنعان مهمة حصد نتائج الاغتيال
عبر تركيع السياسيين اللبنانيين، وعبر
سيف الخطف والاعتقال الذي طاول مئات من
اللبنانيين والفلسطينيين. لكن الأمور اتخذت
مسارا آخر بعد اغتيال رفيق الحريري. لم
يتوقع الأسد الابن سوى الجواب
اللبناني التقليدي اي الخوف وكظم
الغيظ والخنوع. وعندما اجبرته انتفاضة
اللبنانيين على اخراج جيشه من لبنان،
قرر ان يحول الاغتيال من عملية جراحية
موضعية الى سياسة عامة. فصار الاغتيال
هو اداته الرئيسية، وسقط المثقفون
والقادة السياسيون والعسكريون
والنواب ضحايا تحويل لبنان الى جدار
اعدام. مرحلة ما بعد الخروج
من لبنان اقتضت تحالفات اقليمية
جديدة، وتركيزا على الخطاب الممانع
والمقاوم، واستنفارا للعصبيات
الطائفية في لبنان عبر وضع الشيعية
السياسية التي تحولت الى قوة سياسية
وعسكرية ضاربة في مواجهة السنية
السياسية، التي افتقدت باغتيال رفيق
الحريري الى القيادة المتماسكة. بدا ان السياسة
الجديدة التي اتبعها الاسد الابن
ناجعة، فلقد نجح حزب الله في استثمار
انتصاره المشهود في حرب تموز/يوليو 2006
من اجل قلب المعادلة السياسية
اللبنانية وصولا الى طرد السنية
السياسية من السلطة عبر سياسة الترهيب
التي اوصلت الى تشكيل حكومة السيد نجيب
ميقاتي. اللافت ان
الاغتيالات توقفت بعد تغيير معادلة
السلطة، وبدا ان لبنان في طريقه الى
العودة من جديد الى معادلة شبه الدولة،
التي تهيمن عليها الدولة الابدية في
سورية الأسد. هل يمكن وضع اغتيال
وسام الحسن في هذا السياق؟ ربط العديد من
المحللين بين اغتيال الحسن ومسلسل
الاغتيالات التي بدأت مع اغتيال رفيق
الحريري، وهذا خطأ فادح. فالاغتيال
الجديد يملك سياقا مختلفا بشكل جذري،
لأنه يأتي في خضم الثورة السورية. لم يعد لبنان وحده
شبه دولة، اذ حوّل جنون السلطة الأسدية
سورية ايضا الى شبه دولة، وهنا تقع
المسألة. النظام الأسدي في
الدفاع المطلق عن وجوده داخل سورية.
فلقد انحسرت سلطته على الاراضي
السورية بشكل مثير، وبدا كمن يضرب خبط
عشواء، يدمر المدن ويحرق الحقول ويجرف
البيوت ويقتل بلا هوادة. لكنه عاجز عن
الانتصار، ويشعر انه محشور الى درجة لا
سابق لها، وهو يعرف في قرارة نفسه ان
خروج ملايين السوريين والسوريات من
قمقم القمع لا عودة عنه. اغتيال وسام الحسن
يأتي في سياق هذه الحرب. فلقد سبق للأسد
ان لوح بأن سقوطه سوف يعني تفجير
المنطقة، فالتفت الى حديقته الخلفية
في لبنان، كي ينفذ تهديداته فلم يستطع
حتى الآن. ليس هدف النظام
السوري اليوم الهيمنة على لبنان كما في
السابق، بل هو يلجأ الى اللعب بلبنان
كي يتجنب السقوط في سورية. حاول ان يجند آلة
الاعلام الايديولوجية الممانعة
والمرتبطة بانجازات حزب الله العسكرية
فلم تنفعه، اوحى من خلال مندوبه في
الامم المتحدة بانتهاكات لبنانية
لحدود سورية فلم تزبط، لجأ الى حكاية
جبل محسن وباب التبانة في طرابلس ففشل،
ارسل متفجرات ميشال سماحة فتبهدل! اغتيال وسام الحسن
ليس حائط اعدام كما في السابق انه
الحرب. وهناك فرق نوعي بين المسألتين. ما يسعى اليه النظام
السوري هو الايحاء بأنه قادر على اعادة
لبنان الى مربع الحرب الأهلية الأول،
لذا قتل الحسن في سياق حرب بين الاجهزة
الأمنية، وكي يرهب الجميع، لأن من تجرأ
على مستشار الرئيس السوري ميشال سماحة
ووجه مضبطة اتهام ضد علي المملوك يجب
ان يموت كي ينفتح الباب مجددا امام
لعبة الابتزاز الأمنية التي لا يتقن
النظام الأسدي سواها. لكن النظام الذاهب
الى الهاوية يعلم ان ادواته اللبنانية
صدئة ومهترئة، وانه من دون توريط حزب
الله في المعركة بشكل مباشر فلن تكون
هناك معركة. والسؤال موجه الى
قيادة الحزب والقيادة الايرانية،
فالقرار صار هناك ولم تعد دمشق سوى
احدى ساحاته. هل يفرط الايرانيون بفائض
القوة الاستراتيجي الذي يملكونه، ام
ان خدماتهم ودعمهم للنظام السوري من
لبنان ستبقى ضمن حدودها الحالية؟ اشارة لم يتوقع احد ان يكون
الاداء السياسي لقوى 14 آذار التي
يتزعمها سعد الحريري بهذه الهشاشة
والخفة في قيادتها للتشييع الشعبي
لوسام الحسن. خطاب فؤاد السنيورة كان
انفعاليا والدعوة الى الزحف لاسقاط
رئيس الحكومة في السرايا كانت حماقة. قاد الارتباك وفراغ
القيادة وضمور العقل السياسي الى
رعونة تكاد ان تفقد قوى المعارضة
قدرتها على المناورة السياسية،
وتسقطها في الفخ الذي نصبه قتلة وسام
الحسن للبنان. لا يعاني لبنان من
السلطة الحكومية التي ترتهن اكثرية
قواها للخارج ويسود بعضها مركّب
العظامية فقط، بل يعاني ايضا من معارضة
ورثت انتفاضة الاستقلال وتقوم بتبديد
الارث كل يوم، بسبب ارتهان الى خارج
آخر من جهة، وخفة سياسية مروعة من جهة
اخرى. حرام ان يضيع دم
الشهداء كما يضيع كل شيء في هذا الوطن
الناقص. ================= خيرالله
خيرالله المستقبل 23-10-2012 يخدع نفسه من يعتقد
ان هناك مخرجا سلميا في سوريا يمكن
بلوغه من دون خروج الرئيس بشّار الاسد
بكلّ ما يمثّله من السلطة. في النهاية،
أن تعرف كيف تخسر في السياسة، أو حتى في
الحرب، اهمّ بكثير من ان تعرف كيف تربح.
قد تكون السياسة فنّ معرفة التعاطي مع
الخسارة اكثر من أي شيء آخر. وهذا ما
جعل بلدين مثل المانيا واليابان
يخرجان منتصرين من الهزيمة التي لحقت
بهما في الحرب العالمية الثانية. خسر النظام السوري
لانّه لم يدرك اصلا طبيعة الثورة
الشعبية في البلد. استخفّ بالشعب
السوري معتقدا ان الاسلوب الذي اتبّعه
في حماة في العام 1982 لا يزال صالحا في
السنتين 2011 و2012. اكثر من ذلك، اعتقد
النظام ان في استطاعته تدجين السوريين
بعدما عمّر ما يزيد على اربعين عاما
وبعدما تمكّن الرئيس الراحل حافظ
الاسد من توريث نجله السلطة والبلد تحت
شعار "الاسد الى الابد". كان
التوريث ذروة الانتصار على الشعب
السوري، نظرا الى ان النظام اعتقد انه
اكتسب شرعية تسمح له باعتبار السوريين
مجرّد عبيد لا رأي لهم يصدّقون كلّ ما
يقال لهم عن "مقاومة" و"ممانعة"
و"مؤامرات خارجية" تستهدف البلد. لم يدرك النظام في أي
لحظة عمق ازمته التي يختصرها عجزه عن
الحرب والسلام في آن، وانّ كلّ ما
يستطيع عمله هو المتاجرة بفلسطين
والفلسطينيين ولبنان واللبنانيين. لم
يدرك ان لكلّ شيء نهاية وان ليس من
السهل الاستمرار في خداع السوريين
الذين يعرفون جيّدا انّ النظام اصبح
منذ خروجه من لبنان في العام 2005 تابعا
للنظام الايراني وانّه فقد أي هامش
للمناورة في كلّ ما يتعلق بطبيعة
العلاقة بين دمشق وطهران. ماذا عن الوضع الراهن
والمهمّة المستحيلة التي يتولاها
الوسيط الدولي والعربي السيّد الاخضر
الابراهيمي؟ لم يتغيّر شيء في
سوريا منذ عشرين شهرا، أي منذ اندلاع
شرارة الثورة. لا يزال النظام يعتقد
انه قادر على الانتصار على شعبه عن
طريق الحلّ العسكري. صارت المشكلة من
شقّين يتمثّل الاول في ان لا خيار آخر
امام النظام الذي يرفض الاعتراف بانّه
انتهى وانّ لكلّ شيء نهاية والآخر بأنّ
بشّار الاسد نفسه يعيش في عالم خاص به
لا علاقة له بما يدور فعلا على الارض
السورية. المؤسف ان طريقة تفكير الرئيس
السوري، الذي يرفض التعلّم من اخطاء
الماضي القريب تحول دون أي مخرج من أي
نوع كان في سوريا. لو كان الاسد الابن
قادرا على مراجعة الذات، لما ارتكب
خريف 2004 جريمة التمديد للرئيس
اللبناني اميل لحوّد بعد صدور القرار
1559 عن مجلس الامن التابع للامم المتحدة.
فالقرار لم يكن تعبيرا عن ارادة دولية
فحسب، بل ان كلّ نقطة فيه تتطابق ايضا
مع نص اتفاق الطائف الذي وافق عليه
اللبنانيون في العام 1989 والذي ما
زالوا، الى اشعار آخر، متمسكين به على
الرغم من سعي "حزب الله" ومن لفّ
لفّه الى المثالثة بدل المناصفة.
والمثالثة تعني مثالثة بين الشيعة
والسنّة والمسيحيين بدل مناصفة بين
المسيحيين والمسلمين، يعيشون معا
متساوين في وطن واحد. كذلك، لوكان الرئيس
السوري قادرا على مراجعة الذات، لما
كان اعتقد ان التخلص من رفيق الحريري
في السنة 2005 يشبه التخلص من كمال
جنبلاط في العام 1977 وان ذلك سيسمح
بوصاية سورية على لبنان تمتدّ خمس
وثلاثين سنة اخرى... تبدو مشكلة سوريا
مشكلة نظام وكيان في الوقت ذاته. ولكن
يتبيّن في ضوء ما شهدناه اخيرا انّها
مشكلة طريقة في التفكير ايضا. انها
طريقة تقوم على تجاهل ما يدور على ارض
الواقع من جهة والاعتقاد ان هناك حلاّ
عسكريا يمكن ان يؤمنه الدعم الايراني
والروسي من جهة اخرى. نعم، هناك انسداد تام
في سوريا. لا لشيء سوى لأنّ النظام يظنّ
ان في الامكان السيطرة على المدن
السورية الكبيرة وعلى الداخل السوري
عموما وان المشاكل محصورة بالاطراف،
أي بالمناطق القريبة من الحدود مع
لبنان وتركيا والعراق والاردن. هناك في
سوريا من يرى ان "الداخل تحت السيطرة"
وان المناطق الحدودية تثير قلاقل بسبب
"المؤامرة الخارجية" مضيفا انّه
لدى توقف هذه "المؤامرة" سيعود
كلّ شيء الى طبيعته في البلد. من يفكّر بهذه
الطريقة، يكون اختار الطريق الاقصر
لاغلاق أي مخرج. ولذلك، كلّ ما يمكن
توقّعه في الايام والاسابيع القليلة
المقبلة هو مزيد من التصعيد نظرا الى
ان النظام يرفض الاعتراف بانّه خسر وان
طريقة رحيله هي كلّ ما يمكن التفاوض في
شأنه. المخيف في الامر، ان
كلمة الرحيل ليست واردة لدى النظام
وانّه يظن ان في استطاعته اللجوء في
نهاية المطاف الى خيار "الجيب
العلوي" الذي شرح ابعاده بكلّ دقة
رجل شجاع وقائد حقيقي اسمه الملك
عبدالله الثاني. اشار العاهل الاردني
في احدى مقابلاته الاخيرة الى ان
القيادة السورية لجأت الى "الجيب
العلوي" في اثناء حرب 1973. اراد ان
يقول ان مثل هذا الجيب كان دائما خيارا
لدى الاسد الاب ويشكّل الآن خيارا
اخيرا لدى الاسد الابن. ما قد يكون مخيفا
اكثر ان "الجيب العلوي"، لا يمكن
ان ينشأ من دون التخلص من مدينتين
كبيرتين هما حمص واللاذقية و"تطهيرهما"
من السنّة. هل هذا ممكن في السنة 2012،
حتى لو حصل النظام على دعم ايراني
مباشر عن طريق خبراء عسكريين وعناصر من
"حزب الله" تسعى الى اقامة منطقة
عازلة بين شمال لبنان السنّي- المسيحي
من جهة والساحل السوري من جهة اخرى؟ ================= سورية
عنان.. وسورية الإبراهيمي عيسى الشعيبي الغد الاردنية 23-10-2012 لم تنتسب جمهورية في
العصر الراهن إلى اسم رئيسها، حتى وإن
كان قائد حرب تحرير شعبية طويلة، أو
زعيم معركة استقلال وطني عظيمة. ولم
تقارف مثل هذه النرجسية السياسية،
سواء في قديم الزمان أو حديثه، دولة
حتى، مرة أخرى، مثل كوريا الشمالية،
التي تتوارث فيها سلالة كيم إيل سونغ
مقاليد السلطة المطلقة، في سابقة
تاريخية أغرت الحكام العرب المستبدين
باستنساخها. غير أن سورية، وحدها
دون غيرها، تفردت بتسمية نفسها باسم
"سورية الأسد"، الأمر الذي يوحي،
وفق هذه التسمية، بعقد مقارنة بين ما
كان عليه حال هذا البلد العربي الكبير
في زمنين قريبين جداً؛ الأول عندما
تولى عنان مهمة حل الأزمة المتفاقمة
وسط تفاؤل حذر وآمال شحيحة، والثاني
حين خلف السيد الأخضر الإبراهيمي
سابقه دون أدنى تفاؤل بنجاح ما سماه
الوسيط العربي الدولي بـ"المهمة شبه
المستحيلة". في شباط (فبراير)
الماضي، حين شرع عنان في مهمته، كانت
سورية قد دخلت طور تمرد مسلح راح يتسع
باطراد مع كل انشقاق في صفوف الجيش. إلا
أن الوضع العام لم يكن قد خرج بعد عن
السيطرة؛ إذ باستثناء مدينة حمص
وريفها، لم تكن الثورة قد حققت قاعدة
ارتكاز صلبة، أو عبرت نقطة تحول نوعي،
فيما كان النظام يراهن على مخزون فائضه
العنفي لوأد الثورة. لم يكن الأسد في زمن
عنان قد أدخل سلاح الجو بكثافة إلى
ميدان حربه ضد شعبه، معولاً على
استخدام سلاح المدفعية والدبابات
وارتكاب المجازر الوحشية المتنقلة،
لإعادة ترميم حاجز الخوف الذي كان قد
انكسر تماماً منذ أن حطم المتظاهرون
تماثيل الأب وأحرقوا صور الابن أمام
عدسات الهواتف المحمولة، في جرأة
مدهشة لم تخطر على بال من حكموا الشعب
بالحديد والنار، وأرهبوا الناس عقودا
طويلة. كانت النقطة الثمينة
لدى حكم آل الأسد في زمن وساطة عنان،
إبقاء مدينة حلب خارج دائرة الثورة،
والحفاظ على وسط دمشق تحت قبضة أمنية
صارمة، الأمر الذي منح ادعاءهم في
الخارج بعض الوجاهة، بأن المسلحين هم
عبارة عن مجموعات عسكرية مشتتة يمكن
التعامل معها وعزلها عن محيطها، من
خلال استخدام مزيد من القوة، والاتكاء
على عامل الوقت، وهما عاملان لم يدرك
الأسد أنهما كانا يلعبان ضده. مع نهاية حقبة عنان
القصيرة وبدء شروع الإبراهيمي في مهمة
تعتمد على التخجيل والنوايا الحسنة،
كانت حلب قد حققت واحدة من أهم
التحولات النوعية في مسار الثورة. إذ
أخذت المدينة الكبيرة تعلن تمردها
الواسع، وتقتطع من سمعة النظام ومن
صورته، بل ومن سيطرته على الأرض،
مساحات راحت تتسع إلى الشمالين الحلبي
والإدلبي، في مؤشر حاسم على حدوث
انكسار مدوٍ في علاقات القوة الداخلية. في زمن عنان، وقبله
مصطفى الدابي، كان المتظاهرون يتعلقون
بأهداب المراقبين الدوليين والعرب،
ويتطلعون إلى أدنى هدنة أو انفراجة
سياسية تخفف عنهم وطأة القمع الدموي،
وتكبح جماح الشبيحة، وتعيد الألق إلى
مسيرات يوم الجمعة السلمية. أما في زمن
الإبراهيمي، فقد كانت الثورة قد
انتقلت من طور الدفاع الموضعي إلى طور
الهجوم الشامل شبه المنسق في عموم
الجغرافيا السورية، الأمر الذي جعل
المجالس العسكرية الناشئة لا تقبل
الهدنة إلا بشروط تعجيزية معلنة. وبفقرة واحدة، كانت
الثورة في أيام عنان الطويلة تحاول
إثبات نفسها بصعوبة، وتراكم بصعوبة
أشد الكثير من نجاحاتها المتفرقة
والقليلة، وتراهن بيأس على تدخلات
خارجية مأمولة. أما في زمن الإبراهيمي،
فقد غدت الثورة تملك زمام المبادرة،
وتضرب في مفاصل النظام المتهالك بقوة،
وتوحد مجالسها العسكرية، وتعتمد على
ذاتها أكثر فأكثر، وتحرر المزيد من
المدن والأرض، وتقف على بعد نحو عشرين
كيلومتراً من شمال اللاذقية، حيث
الملاذ الأخير للعائلة، وترفض هدنة
كان من شأنها أن تمنح الأسد الجريح
فرصة لالتقاط أنفاسه المتقطعة. وبكلمة أخيرة، لم تعد
"سورية الأسد" قائمة في الواقع،
كما لم تعد في زمن الإبراهيمي تشبه ما
كانت عليه في زمن عنان حتماً. ================= يوسف الكويليت الرياض 23-10-2012
لبنان يعيش حالة حرب أهلية، وهو
مطلب السلطة السورية التي طالما قامت
بوضعه على لائحة الأزمات، دولة تدعي أن
جميع القتلى والمهجرين والسجناء
والمصابين من شعبها إرهابيون، قد ترى
بكل اللبنانيين غير الموالين لها على
نفس الدرجة، ومسألة شراء العواطف،
والانتماءات الزائفة باسم المنافع
الخاصة وسهولة الحصول على هذه الفئات
ممن يزايدون على وطنهم، متوفر بلبنان،
لكن الأسد الذي يريد توسيع دائرة أزمته
الداخلية لم يعد قراءة زعامات أزيلت
بفعل الربيع العربي عندما قال ابن علي
للتونسيين «عرفتكم» ولحق به حسني
مبارك بلاء «للتوريث» والقذافي الذي
نعت شعبه بالفئران ليخرجه الثوار
بأبشع منظر من أنابيب الصرف الصحي،
ومثلهم علي عبدالله صالح الذي خرج من
الحكم، ولكنه بقي أزمة للدولة والشعب.. الأسد يعيش ثقافة
الماضي لأن عقله معلق بالشعارات التي
استهلكتها مرحلة والده، وما قبله
بالمؤامرات الصهيونية والامبريالية،
بينما آخر ضحاياه وسام الحسن الذي كان
الكاشف الأساسي لتدبير مؤامرة وثقت
بالوقائع لضرب الأمن اللبناني،
وإدخاله الأزمة السورية بنفس
السيناريو، وبالفعل فلبنان في حالة
توتر بين مختلف التيارات والحكومة،
التي ظلت بلا هوية واضحة، إلا التسليم
لسوريا ورغباتها، حفّز المعارضين
استخدام السلام كموقف بمناداة رموز
لبنانية كبيرة رأت في الحل استقالة
الحكومة، لأنها سبب مباشر في التغاضي
عن الأمن، وعدم مواجهة الأزمة
بمسؤولية القيادة التي تراعي المصالح
الوطنية، لا دولة تعبث بقواها بالمشكل
الداخلي.. قتل وسام الحسن تراه
سوريا إحراقاً للعديد من ملفات
إدانتها بدءاً من اغتيال الحريري،
ومؤامرة التفجير التي نسجت خيوطها في
دمشق، ثم لوائح اسماء عملاء وجواسيس
لإسرائيل، هذه الشخصية التي فاضلت بين
الوطنية والعمالة للنظام السوري،
جعلها خازوقاً لتمرير عمليات الإرهاب
لحكومة دمشق، لكن المكاسب التي حصلت
عليها أن القتيل ربما يتسبب بتفجير
الوضع اللبناني برمته، غير أن عقلاء
لبنان يحاولون تطويق القضية بالتصرفات
التي لا تدفع اللبنانيين إلى صدام لا
تستفيد منه إلا دمشق وحزب الله
وإسرائيل.. الدعوات بحوار داخلي
يضم جميع الطوائف والأحزاب من أجل
تهدئة الوضع موقف منطقي، لأن
اللبنانيين اكتووا بالحروب الأهلية،
والارتهان للخارج ضمن لعبة الباب
المفتوح للسفارات وقوى عربية وعالمية،
جعلته ساحة تآمر وصدامات وبيع وشراء
للذمم، والعائد كان حرباً أهلية،
وعملية استعادة نفس السيناريوهات
سيجعل لبنان على طريق الأزمات الأكثر
حدة.. ومثلما استطاعوا في
مؤتمر الطائف إعلان التوافق ونسيان كل
من تسبب أو عاش الحرب، فالدور الآن
للقيادات فتح أبواب النوافذ المغلقة
لجميع الفرقاء لوضع عقد جديد يضع الوطن
الهدف، وغيره الهامش، حتى لا يتسلل
إليه من يملك أدوات تدميره.. خارطة طريق للبنان
تبدأ من احترام الأمن كقاعدة يساهم
بحمايته من أي هزة لكل القوى حتى لا يظل
السعي لثارات تولد الأحقاد، والجيش
حتى الآن هو من لديه القدرة على خلق
التوازن خاصة وأن مختلف التيارات تملك
السلاح. ولا تحتاج لمن يوجهها لخلق
الأزمات إلا خطأ صغير يجعل (النار من
مستصغر الشرر) ليلتهب كل لبنان.. ================= علي حماده 2012-10-23 النهار في اقل من بضع ساعات
منذ اغتيال اللواء وسام الحسن، كانت
الدولة باعلى مراجعها تلمح بشكل واضح
الى المسؤول عن الاغتيال. فخلال جلسة
مجلس وزراء قال رئيس الجمهورية العماد
ميشال سليمان للوزراء، وبينهم من يعمل
ضمن المنظومة التابعة للنظام في
سوريا، ان وسام الحسن قتل لانه كشف
مؤامرة ميشال سماحة للتفجيرات في
الشمال. ثم خرج رئيس الحكومة نجيب
ميقاتي، وهو اللصيق بعائلة الاسد
سياسيا وشخصيا ليقول ان اغتيال الحسن
يأتي في سياق قضية سماحة نفسه. وفي
اليوم التالي وخلال تأبين الحسن في مقر
المديرية العامة للامن الداخلي، دعا
سليمان القضاء الى التعجيل في اصدار
القرار الظني في قضية سماحة. ثلاثة
مواقف لركنين من اكبر ثلاثة في الدولة
اللبنانية يخرجان عن تحفظهما، ويطلقان
ما يشبه اتهاما صريحا للنظام في سوريا
بقتل وسام الحسن. هذه حقيقة لا يمكن
تجاهلها. وهذه رسالة الى كل اللبنانيين
تشير الى ان الفاعل ليس مجهولا بالنسبة
الى القيادات اللبنانية. هذا الواقع ينبغي ان
يؤخذ في الاعتبار، وينبغي البناء عليه.
وعلى الرغم من كون رئيس الحكومة شديد
الارتباط ببشار الاسد، غير انه بدا اثر
الجلسة الاستثنائية لمجلس الوزراء وقد
اصابه الرعب اكثر من الحزن. فقد فهم
ميقاتي ان لا امن في لبنان مع بشار
الاسد. فوسام الحسن الذي كان مولجا
بحمايته شخصيا جرى اصطياده في قلب
بيروت بسهولة نسبية. اذا لا بد من
التفكير في السياسة : هل يمكن الاستمرار في
الحالة نفسها ؟ وهل يمكن مواصلة وظيفة
التغطية على ما يحصل في لبنان؟ هذا هو
السؤال الذي يفترض طرحه اليوم في ضوء
بلوغ الحكومة الحالية نهاياتها. هل
يمكن الاستمرار مع حكومة هي من الناحية
العملية تابعة للثنائي بشار - "حزب
الله"؟ هل يمكن الاستمرار مع حكومة
يتغلغل فيها وفي مؤسساتها كالسرطان
ثنائي لا يعمل سوى على نقل لبنان من
واقع الى واقع في اطار وظيفة اقليمية
غير لبنانية؟ هل يمكن التسليم الى ما
لا نهاية بحكم جهتين متهمتين
بالاغتيالات في لبنان؟ وهل يمكن
الاستمرار في الخضوع والاذعان
للابتزاز الامني لكل من "حزب الله"
ونظام بشار الاسد؟ هذه هي الاسئلة
الحقيقية التي يفترض طرحها اليوم،
وخصوصا ان شعار الحكومة الحالية هو
الاستقرار. لكن اي استقرار؟ استقرار
على طريقة حافظ وبشار الاسد في سوريا،
اي الخضوع في مقابل الامتناع عن قتل
الناس؟ وكل من يخرج من الصف يخوّن ثم
يقتل؟ هل هذا هو لبنان؟ هل هذا ما يريده
نجيب ميقاتي او وليد جنبلاط او ميشال
سليمان؟ لقد حان الوقت لكي
تقلب الطاولة من اساسها. وحان الوقت
لتغيير هذا الواقع. لم يعد مقبولا
العيش في ظل آلة القتل اللبنانية -
السورية - الايرانية المشتركة. ولم يعد
مقبولا ان يكون ثمة من يقتلنا ويقدس
قاتلينا فيما بعضنا اما متواطئ، واما
ساكت، واما خاضع. ثمة طريق اخرى هي رفض
الخضوع والمواجهة. ================= رأي البيان التاريخ: 23
أكتوبر 2012 البيان يبدو أن الآمال التي
كانت معقودة على "هدنةالعيد"،النقطة
التي دار حولها الحراك الدبلوماسي
العربي والدولي، لتكون بداية حل مأمول
لإنهاء العنف ونزف الدماء على امتداد
سوريا، قد تبددت، خاصة مع إعلان
الجامعة العربية أن أمل تطبيقها ضعيف،
إضافة إلى إنهاء المبعوث العربي
والدولي الأخضر الإبراهيمي إلى سوريا
لقاءه مع الرئيس السوري بشار الأسد دون
الإعلان عنها، ناهيك عن تصاعد وتيرة
العنف خلال زيارة صاحب المبادرة. إعلان نائب الأمين
العام لجامعة الدول العربية أحمد بن
حلي،أمس، أن الأمل ضعيف في تطبيق هدنة
بمناسبة عيد الأضحى في سوريا، حتى
الآن، رغم أنه لم يجزم بذلك تماماً
بحجة أن هنالك جهوداً لا تزال تبذل على
كل المستويات. إلا أن المؤشرات تبدو
واضحة على أنه لن يتم الوصول إليها. كما
أن إنهاء المبعوث الدولي لقاءه مع
الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق دون
الإعلان عن اتفاق على الهدنة يدعم
المؤشرات الموجودة على الساحة ورد فعل
الحكومة السورية، حتى إعلامياً،
والأجواء كلها لا تشير إلى وجود رغبة
حقيقية بالتجاوب مع هذه المبادرة. رغم أن مقترح
المبادرة اكتسب الكثير من الدعم
الإقليمي والدولي، على اعتبار أنها
إذا نفذت يمكن أن يبنى عليها لإطلاق
عملية سياسية تساعد السوريين على حل
مشاكلهم وإعادة بناء سوريا الجديدة
التي يتطلع إليها شعبها. فالهدنة ليست
حلاً، لكنها فقط تفتح نافذة للحل. وسواء نجحت جهود
الإبراهيمي في بدء هدنة العيد أم لا،
فإن الحل السياسي يواجه عقبات عدة،
عكسها عجز المعارضة السورية عن توحيد
صفوفها، ما يمنعها من أن تغدو قوة
سياسية يمكن إجراء مفاوضات معها، وهو
ما تشدد عليه روسيا، إضافة إلى رفض
إيران اقتراح أنقرة قيام «مرحلة
انتقالية» في سوريا من دون الرئيس بشار
الأسد. نعتقد أن هناك حالة
عامة من اللامبالاة بكم القتلى الكبير
واليومي، ويبدو أن النظام السوري يظن
أن القبول بهدنة يهز من صورته. إلا أنه
على الجميع أن يعي أن فشل الوسيط في
تحقيق هدنة العيد سيتبعه عجز عن التقدم
في أي اتجاه، وهذا يعني أن آخر الوسطاء
سيحمل حقائبه ويغادر ونصبح أمام صراع
وقتال بدت آثاره تمتد إلى الجوار. ================= طارق الحميد الشرق الاوسط 23-10-2012 كما هو متوقع لم
يستطع المبعوث العربي والأممي لسوريا
السيد الأخضر الإبراهيمي تحقيق أي شيء
يذكر في جولته المكوكية بين دول
المنطقة، وبالطبع سوريا، حيث فشل
المبعوث الأممي في إقناع طاغية دمشق
بشار الأسد حتى بمبادرة هدنة عيد
الأضحى، حيث وضع لها الأسد شروطا
كالعادة. فالسيد الإبراهيمي،
ومن دمشق، وبعد لقائه الأسد، دعا
الثوار والنظام الأسدي إلى وقف القتال
«بقرار منفرد خلال عيد الأضحى.. يبدأ
متى يريد (كل طرف) اليوم أو غدا»،
معتبرا أن دعوته موجهة إلى «كل سوري
سواء كان بالشارع أو القرية» أو قوات
الأسد والثوار! بينما قال الأسد
للإبراهيمي إن «أي مبادرة أو عملية
سياسية يجب أن تقوم في جوهرها على مبدأ
وقف الإرهاب، وما يتطلبه ذلك من التزام
الدول المتورطة في دعم وتسليح وإيواء
الإرهابيين في سوريا بوقف القيام بمثل
هذه الأعمال»، مما يعني بلغة واضحة،
وصريحة، وبعيدا عن اللغة الدبلوماسية،
أن السيد الإبراهيمي قد فشل في دفع
الأسد للقبول بالهدنة التي تم الترويج
لها طوال الأيام الماضية، والآن يطالب
المبعوث الدولي جميع الأطراف بأن
تتطوع من قبلها «بقرار منفرد»، وليس
مبادرة أو خلافه، وإنما «هدنة
الراغبين» لوقف إطلاق النار! والحقيقة أن هذا لا
يعني فشل مبادرة السيد الإبراهيمي
وحسب، بل إن مطالبة الثوار بوقف إطلاق
النار بقرار منفرد ما هي إلا بمثابة
هدية العيد لبشار الأسد، الذي لا يزال
يطرح شروطا، ليس على الثوار السوريين،
بل على كل العالم، في الوقت الذي يجب أن
يسعى فيه الجميع الآن لجلب الأسد
لمحكمة الجرائم الدولية. وبالتالي،
وبعد فشل مبادرة السيد الإبراهيمي
لتطبيق هدنة عيد الأضحى فإن الواضح
اليوم، وهو أمر واضح منذ زمان، أن جميع
الحلول قد فشلت مع طاغية دمشق، فحتى
وزير الخارجية التركي أقر بنفسه بأن
سوريا قد تجاوزت الحل اليمني، أي أن
وزير خارجية تركيا قد سحب حديثه السابق
عن إمكانية أن يكون فاروق الشرع بديلا
للأسد، وليس هذا وحسب، فها هو لبنان في
مهب الرياح الطائفية على خلفية
العملية الإرهابية التي استهدفت العقل
الأمني لبيروت وسام الحسن، وهناك
التحركات الإيرانية الأخيرة في شرق
السعودية، وكذلك كشف الأردن عن عملية
إرهابية ضخمة، ناهيك عما يحدث
بالبحرين، وقبل كل ما سبق ارتفاع عدد
القتلى من السوريين يوميا على يد قوات
الأسد. كل ذلك يقول لنا إن إطالة عمر
النظام الأسدي تعني تعقيدا أكثر
للأوضاع، وأن المنطقة مرشحة للحظة
انفجار، وفي عدة اتجاهات، مما يوجب
الآن سرعة التحرك لدفن هذا النظام
الإجرامي بسوريا. وهذا لا يتم إلا
بتسليح الثوار، ومن خلال تحالف
الراغبين عربيا ودوليا الآن وليس
بانتظار الانتخابات الرئاسية
الأميركية التي اقتربت، فالأسد لا
يقبل بهدنة، ويسابق الزمن لبعثرة كل
الأوراق قبل الانتخابات الأميركية. ملخص القول أن مهمة
الإبراهيمي فشلت، ولا مجال لمنح الأسد
مزيدا من الفرص، أو الهدايا. ================= عبدالرحمن
الراشد الشرق الاوسط 23-10-2012 لا أتذكر من هو صاحب
المقولة المجلجلة الذي قال إن اغتيال
الرئيس رفيق الحريري أخرج القوات
السورية من لبنان، واغتيال الحسن
سيخرج الأسد من دمشق. قالها معلقا على
اغتيال وسام الحسن، رئيس فرع
المعلومات في قوى الأمن في لبنان.
نبوءة ليست بعيدة التحقيق.. فاغتيال
المسؤول الأمني اللبناني، الرجل الذي
كشف مخطط اغتيالات وتفجيرات في بلده،
من تدبير الجارة سوريا، سيقنع
الكثيرين بأن استمرار بشار الأسد في
حكم سوريا يعني المزيد من القتل
والإرهاب وتهديد المنطقة. إخراجه لم
يعد حاجة سورية فقط بل ضرورة إقليمية
ودولية، تماما كإسقاط نظام القذافي
الذي استمر في زرع القتل وتمويل
الإرهاب نحو أربعة عقود وأجمعت معظم
دول العالم على ضرورة التخلص منه. الأرجح أن هذه
العملية القذرة نفذها أيضا حزب الله،
كما قام من قبل بجريمة اغتيال الحريري
في عام 2005. والذي وجه بتنفيذها لا شك
أنه النظام السوري الذي كان وراء قتل
عشرات الشخصيات اللبنانية على مدى
ثلاثين عاما. اغتيال الحسن برهان
آخر على أن نظام الأسد الجريح لا يزال
خطرا، ولا يبالي بعواقب جرائمه. وكل
المصائب التي تحدث اليوم، مثل اغتيال
الحسن وقصف تركيا واستهداف القرى
اللبنانية وتعاظم دور «القاعدة» في
الثورة السورية، كله بسبب تأخر دعم
الثورة السورية. التباطؤ في إسقاط
الأسد يزيد فرصه في البقاء بشكل ما، في
الحكم، أو بعضه، أو في دويلة له مستقلة
تؤهله للاستمرار في إرهاب المنطقة
والعالم. بقاؤه، أو طول عمره، في حكم
دمشق يزيد الخطر على المنطقة كلها،
خاصة مع تمكنه من إعادة تأهيل أجهزته
الأمنية والعسكرية بالدعم اللامحدود
من روسيا وإيران، وتمكنه من بناء
تحالفات، مثل علاقته بنظام المالكي. لم يبالغ من تنبأ بأن
يتسبب اغتيال الحسن في إخراج الأسد من
دمشق.. فهو عندما فشل في مشروع
التفجيرات والاغتيالات التي كلف بها
مسؤول المخابرات السوري، علي المملوك،
للوزير اللبناني ميشال سماحة في لبنان
ثم انكشف أمره، أوحى الفشل بأن الأسد
صار مقلم الأنياب لا يشكل خطرا، ويمكن
تحمل بقائه حتى يسقط تلقائيا في الحرب
الدائرة بينه وبين معارضيه في داخل
سوريا. إنما إصراره على ارتكاب المزيد
من الجرائم، ونجاحه في اغتيال أحد أهم
المسؤولين عن أمن وسلامة لبنان، جاء
ليدق الأجراس منذرا بأن الأسد الجريح
أخطر من الأسد المعافى، ومحفزا على
ضرورة التخلص من النظام السوري بأسرع
ما يمكن. صحيح أن سوريا باتت
مستنقعا يحاول كثيرون الابتعاد عن
وحوله بسبب خلافات المعارضة التي
أفشلت حتى الآن حلم الشعب السوري،
وتسببت في نفور الكثير من حكومات
المنطقة والعالم، إضافة إلى أن هناك
تنظيمات مسلحة دينية تنتمي لتنظيم
القاعدة الإرهابي، ومثله، باتت تقاتل
في سوريا، وتهدد بوقف الدعم العربي
والدولي المحدود للثورة السورية وتعزز
من وضع الأسد.. نقول إنه رغم هذا كله،
فإن إسقاط نظام الأسد يبقى ضرورة
يحتمها خطر بقائه الذي يهدد الجميع. فقط، يكفي أن تتخيلوا
نجاة الأسد من محنته التي هو فيها
الآن، وتضامن نظام المالكي معه في
العراق، وشعور إيران بأنها تفوقت في
معركة سوريا ومعها حزب الله، تخيلوا
كيف ستصبح منطقتنا! ستدار برباعي الرعب
الذي سيعمد إلى تهديد الأنظمة العربية
الحالية والسعي لإسقاطها. ولا بد أن
نعترف بأننا في فترة من التاريخ
متوحشة، ولا مناص من خوضها. ما يحدث في
سوريا طبيعي جدا، نحن أمام شعب عاش
مغلوبا على أمره 40 عاما حكمه بالحديد
والنار الأب والابن الأسد. وكما كان
حقا إسقاط نظام بشع، هو نظام صدام
البعثي في العراق، فإن من حق الشعب
السوري إسقاط نظام البعث السوري البشع
أيضا. هذه رغبة غالبية السوريين
وبدمائهم أعلنوها، ولم تكن رغبة دول
الخليج أو مشروعا أميركيا. بل بخلاف
ذلك، فهذه الدول سعت لدى الأسد في
بداية الثورة من أجل إقناعه باستيعاب
المظاهرات، وإرضاء مواطنيه، إلا أنه
اختار الحل الأمني على نصيحتهم، فكان
ما كان. ================= عماد الدين
اديب الشرق الاوسط 23-10-2012 لا أعتقد أن هناك
نقطة لقاء أو إمكانية لحل وسط بين نظام
الرئيس بشار الأسد ومعارضيه. وما زلت
أؤمن بأن أي وسيط محلي أو إقليمي أو
دولي، حتى لو كان بمكانة وثقل وخبرة
الأخضر الإبراهيمي، لن يتمكن من تجاوز
عقبة أساسية في المفاوضات، وهي -
ببساطة - «عقبة عدم رغبة الأسد في
التنازل السياسي». يرفض النظام السوري
وجود صيغة حل وسط، لأنه يرى أن كل ما
تقوم به المعارضة إرهاب وتخريب، وبناء
على هذا المنطق، كيف يمكن للنظام أن
يتفاوض مع إرهابيين؟ والمقابل، ترى
فصائل المعارضة أن نظام الأسد نظام
قاتل يمارس مسألة «إجرام الدولة»، «واستبداد
النظام الحاكم» على كل المواطنين.
وبناء على هذا المنطق، وفي رأيي أنه
صحيح تماما، يصبح الحديث عن الجلوس على
طاولة تفاوض مع هذا النظام نوعا من
إهدار للوقت، ونوعا من التسويق
السياسي له. إذن، نحن إزاء وضع
يستحيل فيه التفاوض الآن، في ظل
استمرار كافة العناصر الحالية. التفاوض له مستقبل
جدي واحد، إذا تحرك أحد أطراف اللعبة
وأحدث تغييرات جذرية، ففي هذه الحالة
لا بد أن يكون هذا الطرف هو النظام.
بمعنى آخر أنه لا يمكن التفاوض الجدي
والحقيقي بين طرفي الصراع في سوريا ما
دام أحد الأطراف يمثله نظام الأسد. المعارضة السورية
توافق على مفاوضة أي من أركان حزب
البعث السوري، ولا ترفض الحوار معه تحت
دعوى أنه من الحزب الحاكم، بل إن
المعارضة صرحت بأنها لا تريد أن تقع في
خطأ النموذج العراقي حينما تم تطهير
البعث ورفض أي حوار معه بناء على توصية
غبية من «بريمر». إذن، نحن أمام معادلة
تقوم على المبدأ التالي، وهو أن الحوار
مقبول في فصائل الثورة السورية، ولكن
شريطة ألا يكون من العائلة الأسدية أو
من أركان النظام الأمني الذي تلوثت يده
بدماء الشهداء. وإذا كان أقصى طموح سي
الأخضر الإبراهيمي هو إقناع الأسد
بإيقاف إطلاق النار في عطلة عيد الأضحى
المقبل، فإنه يواجه بعد زيارته لدمشق
آثار ذلك «العناد السياسي» الذي يبديه
الرئيس السوري بشكل دائم. ولست أعرف
مَن ذلك العبقري الذي أقنع الرئيس
السوري بمبدأ: «ارفض، ارفض، ارفض
واستمر في الرفض لأي التسوية حتى تحصل
في نهاية الأمر على ما تريد». هذا المنطق العقيم لا
يمكن أن يصل بسوريا والمنطقة إلى أي
خطوة إيجابية نحو حل سياسي شامل. وإذا
كان الأخضر الإبراهيمي قد غادر دمشق
أمس وهو أقل أملا في تسوية محدودة
تستهدف إيقاف إطلاق النار في سوريا،
فإنه يدرك أيضا أن دمشق بدأت حربا أشرس
في لبنان! ====================== المسلمون
والمشاركة في حكومة غير إسلامية (3-3) د. محمد عياش
الكبيسي العرب القطرية
23/10/2012 في المحاضن التربوية
للجماعات الإسلامية يتم التركيز على
قصة موسى عليه السلام مع فرعون، لما
فيها من روح المفاصلة وربما المناجزة
لنظام لا يحترم الآخر ولا يعترف به «مَا
أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى»، ثم
تتحول هذه الروح إلى عقيدة تستدعي كل
معاني الولاء والبراء بما فيها صناعة
المعايير الحاكمة لسلوك الناس تجاه
هؤلاء الحكام «الفراعنة»، وربما يكون
هذا مبررا في ظل الأحكام العرفية وما
يتبعها من اضطهاد وتعذيب نال منها
الإسلاميون حظهم الأوفر. أما النموذج المقابل
وهو قصة يوسف عليه السلام مع مَلك مصر
فإنه لم يحظ بالاهتمام والدراسة
الكافيتين، حيث كان الملك حريصا على
مصلحة مصر ومتقبلا لمن يخالفه في الدين
والرأي، وبهذه الروح تعامل مع يوسف مع
علمه بدينه ونسبه المخالفين لدين
الملك ونسبه: «وَقَالَ الْمَلِكُ
ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ
لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ
إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ
أَمِينٌ» وهنا بادره يوسف عليه السلام
بكل شجاعة وإيجابية «قَالَ اجْعَلْنِي
عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي
حَفِيظٌ عَلِيمٌ» ثم بارك الله هذا
العقد بين يوسف النبي والملك الكافر
فقال «وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا
لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ
مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ
بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا
نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ» وقد
كان يوسف وفيا لهذا العقد فقدم كل
خبرته بصدق وجد لحكومة مصر وشعبها, بل
كان ملتزما بقانون الدولة ونظامها حتى
قال جمال الدين القاسمي في تفسيره
لقوله تعالى «مَا كَانَ لِيَأْخُذَ
أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ» قال: (فيه
إعلام بأن يوسف ما كان يتجاوز قانون
الملك)، ومن المحتم هنا أن يوسف كان
يجالس الملك ويواكله ويتعامل معه ومع
أركان دولته رغم اختلاف الدين. في السنّة النبوية
نموذج آخر عن حاكم مسلم لكن في نظام غير
إسلامي, بل في دولة غير إسلامية أصلا
وهو النجاشي، فقد ثبت في البخاري وغيره
أنه لما توفي النجاشي قام الرسول صلى
الله عليه وسلم فصلى عليه بالناس صلاة
الغائب, وهذا دليل قاطع على إسلامه،
لكنه من المؤكد أنه لم يخرج عن نظام
دولته ولم يطلب التنحي أو الإقالة، وهو
ما يقرّب لنا صورة وصول الإسلامي اليوم
إلى منصب الرئاسة لكن في نظام غير
إسلامي «الحالة التركية نموذجا». يتضح من كل هذه
النماذج أن قضية التعامل مع الحكومات
غير الإسلامية تتحكم بها السياسة
والمصالح العامة وليس العقيدة، وحينما
حاول الإسلاميون في مرحلة من مراحل
تجربتهم المريرة مع الأنظمة
الاستبدادية أن يضفوا طابع العقيدة
على تلك المواقف وقعوا في خطأ
استراتيجي فادح, صاروا يدفعون ثمنه
اليوم، فكل النزعات التكفيرية التي
يعاني منها الإسلاميون اليوم قبل
غيرهم قد نمت وترعرعت في ظلال المحاضن
التربوية لهؤلاء الإسلاميين أنفسهم. إن موسى نبي وكذلك
يوسف عليهما السلام، والأنبياء لا
يمكن أن يختلفوا في مسائل العقيدة،
فإذا كان التعامل مع حكومة غير إسلامية
مسألة عقدية فيلزم بالضرورة أن تكون
مواقف الأنبياء جميعهم واحدة، وحاجتنا
للخطاب التعبوي في مرحلة ما لا يسوّغ
لنا أن نتحكم في هذه المسائل وتصنيفها،
لما في هذا من تجاوز على الأمانة
العلمية والدينية من ناحية، ولما فيه
من التداعيات السلوكية الخطيرة التي
قد تصل إلى حد التكفير واستباحة الدماء
ناهيك عن فوات المصالح المتيقنة أو
المتوقعة للأمة. إن مساحة العقيدة لا
تختلف باختلاف الزمان أو المكان أو
الأحوال، أما مساحة السياسية فإنها لا
شك تخضع لكل تلك الاعتبارات
والمتغيرات، هناك ينقسم الناس إلى
مؤمن وكافر، وهنا ينقسم الناس إلى مصيب
ومخطئ، والفرق بين فرعون موسى وفرعون
يوسف إنما هو فرق في النظام السياسي
وليس في الدين والمعتقد، ويشبه هذا
تفريق النبي صلى الله عليه وسلم بين
قريش وخزاعة القبيلتين المشركتين حيث
حارب الأولى وتحالف مع الثانية
لاختلاف مواقفهما السياسية فقط. اليوم هناك مساحة
ثالثة لا يتصدى فيها التكفيريون
التقليديون, بل فرسانها من التيارات
الوطنية المختلفة، وهؤلاء لا شأن لهم
بكل ذلك الجدل ولا بكل تلك النماذج،
إنهم ينطلقون من منطلقات أخرى تعتمد
معايير جديدة لا صلة لها بالبحوث
الفقهية والتصنيفات الدينية، فالحق
عندهم قيام الحكومة الوطنية مهما كان
دينها ومذهبها، والباطل عندهم
الارتباط بالأجنبي سواء كان هذا
الأجنبي أميركيا أو إيرانيا أو
عثمانيا، فالوطن عند هؤلاء دين، بل هو
المقدم على كل الأديان، وعلى أساس هذا
الدين يكون التمايز والولاء والبراء،
فالذي يسب أبا بكر وعمر مثلا إن كان
إيرانيا أو فارسيا فمرفوض وإن كان
عراقيا أو عروبيا فمقبول. ربما يمارس هؤلاء
نوعا من التكفير السياسي كما يمارس
أولئك نوعا من التكفير الديني، ولذلك
فمع الاختلاف الشديد في المعتقدات
والمنطلقات إلا أن الفريقين اجتمعا
على تكفير من يشترك في حكومة تتشكل في
ظل احتلال أجنبي للبلاد كما يحصل اليوم
في فلسطين والعراق وأفغانستان، وهذا
ما يتطلب دراسة منفصلة ومستقلة ربما
نتناولها في حلقات قادمة. المعايير التي تحكم
هذه المساحة معايير منبثقة من ثقافة
جديدة نشأت في ظل الدولة الحديثة
ومفهوم المواطنة، حيث قدّم الغرب
تجربة ناضجة ومتكاملة تجيب عن كل تلك
الأسئلة الكبرى التي كانت تشغل الفكر
السياسي في علاقة الإنسان بالأرض
وإدارته لمواردها، حيث اعتمدت التقسيم
الجغرافي بديلا عن التقسيم الديني
والعرقي، وقد حرص الغرب على نقل تجربته
هذه إلى العالم الإسلامي مصحوبة بقدر
من الاحتياطات التي تضمن للغرب تفوقه
المطلق فكانت حدود سايكس بيكو والتي
تعامل معها العرب والمسلمون على أنها
حدود استعمارية بادئ الأمر ثم انقلبوا
اليوم على أنفسهم وأصبحوا يقدسونها
أكثر من الغرب نفسه! هذه الثقافة الجديدة
ألقت بظلالها على مساحات الجدل
الثقافي والسياسي الواسعة ومنها
المشاركة السياسية، ولذلك حينما كان
الحزب الإسلامي العراقي يستشهد بقصة
يوسف عليه السلام في تبرير مشاركته
السياسية لم يكن الرد ليتناول مسألة
المشاركة في حكومة غير إسلامية ولا في
جدوى هذه المشاركة, لكنه كان منصبا على
نقطة واحدة فقط وهي أن هذه حكومة
احتلال، والاحتلال هنا لا علاقة له
ببحوثنا الفقهية التي تتحدث عن حكم
البلد المسلم الذي يستولي عليه
الكفار، فمصطلح الاحتلال هنا لا شأن له
بالمؤمنين ولا بالكفار، وإنما هو
مصطلح سياسي جديد يستند إلى التمييز
بين المواطن والأجنبي، والمواطن هو من
يمتلك الجنسية حتى لو كان يحمل ثقافة
الغرب نفسه، والأجنبي هو من لا يمتلك
هذه الجنسية حتى لو كان عربيا ومسلما،
ولذلك حين سئل أحد الشيوخ الوطنيين في
العراق ما رأيكم بدخول قوة تركية لحفظ
الأمن في بغداد, وكان ذلك بعد أن شاعت
الفوضى بسبب انتشار المليشيات
الطائفية قال هذا الشيخ: نحن لا نفرق
بين الاحتلال الأميركي والاحتلال
التركي، وقد وصل الأمر بوطني آخر أن
يردد: سلام على كفر يوحّد
بيننا وأهلا وسهلا بعده بجهنم! ربما يواجه هؤلاء
صعوبة بالغة في تقويم الكثير من
الأحداث التاريخية، فسعد بن أبي وقاص
الذي غزا العراق بجيشه لم يكن عراقيا،
وعمرو بن العاص لم يكن مصريا، وقل مثل
ذلك في الجيش العثماني الذي حرر بغداد
من الاحتلال الصفوي، بل إن أول حاكم
للعراق بعد سقوط الخلافة كان فيصل
الأول ولم يكن عراقيا أيضا! ومثل هذا في
تاريخنا الإسلامي أكبر من أن يحصى. لكن هذه الثقافة رغم
ركاكتها في السياق الديني والتاريخي
فإنها تمثل اليوم عرفا دوليا عالميا لا
يمكن تجاوزه، وكل الذي ندعو له أن نسمي
الأشياء والأفكار بأسمائها، فهذه
الثقافة بكل مفرداتها ومصطلحاتها
تنتمي لمنظومة قيمية تختلف في جوهرها
ومضمونها عن المنظومة الإسلامية،
والعمل على إضفاء الطابع الإسلامي على
هذه الثقافة لا يخلو من مجازفة خطيرة
وعلى مختلف المستويات. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |