ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 04/11/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

3-11-2012

الحرب السورية في بداية الطريق

تاريخ النشر: السبت 03 نوفمبر 2012

غازي العريضي

الاتحاد

وزيرة الخارجية الأميركية تعلن رسمياً أن "المجلس الوطني السوري" لا مكان له عملياً في مشروع الحل الذي يبحث عنه في سوريا. الإعلان يناقض ما كان قد أعلن من القاهرة سابقاً أن المجلس هو أبرز ممثلي الشعب السوري، بل في مرحلة قيل إنه ممثل الشعب السوري. لم يستقبل أعضاء المجلس في أميركا بعدما زاروا عواصم العالم الأساسية. وعقدوا المؤتمرات الكثيرة وقاموا بخطوات كثيرة. اليوم هم لا يمثلون شيئاً فعلياً. الذين يمثلون هم الذين يقاتلون على الأرض. هم الحاضرون في دائرة الصراع. وليس ثمة علاقة تنظيمية أو قيادية بين المجلس والمجالس الثورية أو العسكرية أو الفصائل أو القوى والجبهات المختلفة الموجودة في الداخل. هذا هو الموقف الأميركي الذي استفاق على خطر "المنظمات المتطرفة في سوريا".

الإعلان جاء قبل ساعات من انعقاد مؤتمر في قطر لتنسيق الجهود وإعلان تركيبة سياسية قد تصل إلى حد اعتبارها "حكومة انتقالية" أو حكومة منفى، سميت حكومة "فورد- سيف" لأن السفير الأميركي في سوريا روبرت فورد هو منسق هذه العملية ويحضر اجتماع الدوحة، والرجل الثاني الأساسي فيها هو المعارض السوري رياض سيف. تزامن الموقف مع الإعلان عن مبادرة صينية تتمحور حول وقف تدريجي لإطلاق النار وتشكيل جهاز حكومي انتقالي. طبعاً يجب أن يحظى ذلك بموافقة الطرفين المتنازعين. السلطة والمعارضة.

أثار الإعلان ردات فعل كثيرة وكبيرة، هو يعني عملياً، أن التوجيه هو نحو الإقرار بمركزية دور "الإخوان المسلمين" في المعارضة، وهم الجهة الأكثر تنظيماً وحضوراً وقوة فيها على الأرض، مع ما يعني ذلك من انقسامات في المعارضة وتنافسات بين قواها على الأرض.

جاء الإعلان من قطر، وهو أعطى تفسيرات كثيرة عن خلافات عربية – عربية في التقييم. قطر تدعم "الإخوان"، والسعودية لا تسير في هذا الاتجاه. تركيا تؤيد "الإخوان"، لكنها لا تماشي الخطوة الحالية التي جاءت التفافاً على ما تقوم به، والتي تأتي على أنقاض أشهر من العمل المضني والمكلف استهلكته الدول في تركيا في متابعة حركة المجلس الوطني السوري.

وجاء الإعلان في وقت تصعّد فيه تركيا ضد النظام السوري وتدعو إلى حركة دولية أكثر فاعلية وإلى عمل "أكثر جدية وتتطلع إلى دور ألماني متجدد، نظراً لما قامت به ألمانيا في بدايات الأزمة السورية من حركة ومبادرات تحت عنوان ضرورات التغيير الجدي في سوريا. كذلك فإن تركيا التي ذهبت بعيداً في "لعبتها" السورية وباتت تعاني الكثير، وتشعر الآن أن ثمة من يريد تجاوز دورها بعد تورطها.

اليوم، ثمة حركة "علوية" في تركيا. العلويون يتظاهرون في لوكسمبورج يطالبون بالاعتراف بخصوصياتهم في تركيا. يرفضون دولة إسلامية – سُنية – عثمانية إن صح التعبير! وفي فيينا يحصلون على "حقوقهم" في ممارسة شعائرهم الدينية والتعطيل في مناسباتهم الدينية. حركة لافتة داخل المجتمع التركي. يضاف إلى ذلك الدور الكردي وتفاعلاته داخل سوريا وداخل تركيا المشاكل بين المعارضة والأكراد في محيط حلب كانت مقلقة وحرّكت المسألة الكردية. لم يرتح الأكراد إلى موقف المعارضة. هذا يفيد النظام الذي حرك الأكراد داخل تركيا أكثر من خلال شبكة علاقاته مع مجموعات منهم. أصبح المشكل داخل تركيا. وتجمّع الأكراد في كردستان العراق. الموقف واحد. لا لاستهدافنا مع خصوصية موقف أربيل من الأزمة السورية وتبايناتها مع السلطة المركزية العراقية اليوم. المهم، تركيا ليست مرتاحة للخطوة المزمع إعلانها في قطر ولما يجري اليوم في سوريا.

في فرنسا التقى وزيرا الخارجية الروسي والفرنسي، وعقدا مؤتمراً صحفياً خصص للتذكير بنص مبادرة جنيف، اختلفا على المضمون وعلى التفسير! (بعد أشهر من الدم والخراب في سوريا والمطالبة بتطبيق الخطة ظهر أنهما مختلفان على تفسير مضمونها. شيء غريب.... ). لكن الأخطر هو ما قاله الوزير الروسي: إذا استمرت المطالبة برحيل الأسد سيستمر حمّام الدم في سوريا! يعني أولاً: نحن أمام حمّام دم في سوريا فلماذا التنكر لحالة الحرب الأهلية إذاً والإنزعاج مما قاله الإبراهيمي في روسيا قبل زيارة لافروف إلى فرنسا. ويعني ثانياً أن ثمة تلازماً بين خياري بقاء الأسد واستمرار حمّام الدم فماذا ينفع سوريا والشعب السوري؟

كذلك كان لافروف قد أطلق مواقف تتعلق باستعداد روسيا حماية الأقليات؟ موقف يذّكر بحلم عودة روسيا إلى مرحلة القرن التاسع عشر أو بدايات القرن العشرين. والحديث عن الخطر على الأقليات يأتي في وقت يدمّر فيه كل شيء في سوريا. وبالتالي نعود إلى عصر الحمايات على أنقاض البلاد ودمارها وتفككها. ويبدو أن ثمة من تحدث عن تمدد هذه الفكرة الروسية إلى لبنان في سياق مواجهة حالات دولية أخرى لأن "لبنان مكوّن من أقليات" أيضاً!

الأردن قلق من كل هذه التطورات وثمة من يتحدث عن محاولات تصدير الأزمة السورية إليه كحلقة ضعيفة، وعن تأكيد على مركزية دور" الإخوان المسلمين"، وضرورات التغيير في البلاد.

في جوار سوريا، الخليج في قلق، وإيران حامية سوريا مع روسيا تتمدد، تلعب دوراً محورياً، تخترق الأراضي والأجواء، تنقل السلاح إلى سوريا. الموقع السوري ساحتها. النظام خط دفاعها، كل إمكاناتها بتصرفه. لا يمكن سقوطه. قادر على الاستمرار كما أكد المسؤولون الإيرانيون في مختلف مواقعهم وتلاقوا مع الوزراء الروس! الجيش السوري قادر على المواجهة والحسم ولا حل من دون الأسد!

لبنان في حالة قلق، والخوف قائم من تصدير الأزمة السورية إليه لا سيما بعد اغتيال اللواء الشهيد وسام الحسن وتداعياته وحالة الإنقسام الخطيرة التي تعيشها البلاد!

- الأميركيون يقولون إن المسعى الذي يرعونه في قطر يهدف إلى توحيد المعارضة لإسقاط كل الذرائع الصينية – الروسية القائمة على اعتبار أن ليس ثمة كيان معارض موحد يمكن التفاهم معه. يؤكد الأميركيون أنهم ليسوا في وارد القبول بدور للرئيس الأسد في مستقبل سوريا. هكذا يقولون! لكن الموقف الصيني – الروسي – الإيراني كما ذكرنا مختلف. وفي كل الحالات ليس ثمة شيء سريع. هذا حتى لو نجح المسعى الأميركي – القطري. لا على جبهة المعارضة ولا على جبهة النظام ولا على مستوى الحلول. في المعارضة سيخرج من يقول: "انتبهوا إلى أميركا والغرب. لقد استخدموكم ورموكم". وهذا صحيح. وهذه هي السياسة الأميركية، وسيثير الأمر انقسامات كثيرة. تفيد النظام. والنظام سيعتبر أنه سجل نقاطاً سياسية وبالتالي سيستمر في الحرب التي بدأت طائراته تقصف فيها أحياء في قلب دمشق. وبالتالي لن يكون الحل. إن ما يجري يؤكد ما أشرنا اليه منذ البدايات. إنها حرب الحروب، حروب الدول والأجهزة الأمنية والمخابرات والطوائف والمذاهب. والسلاح والسياسة والأمن وحرب البازار الدولي الكبير المفتوح من أميركا إلى أفريقيا إلى روسيا والصين وإيران والخليج وكل المنطقة وصولاً إلى إسرائيل، الحليف الأساسي للغرب، التي ضربت السودان ومرّ الخبر عادياً بمعزل عن الغايات والخلفيات. ويبدو أننا لا نزال في بدايات الطريق. لنتذكر حرب لبنان.

غازي العريضي

وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني

=================

نعم.. هي مؤامرة ولكن ضد الشعب السوري

نائل بلعاوي

2012-11-02

القدس العربي

مفردة غامضة .. مؤلمة ولئيمة، لا تعثر عليها الا وعليك ان تنتظر ما سيتبعها من هرطقات تتجاوز، عادة، حدود الفانتازيا الارضية وعناصرها الممكنة، لتدخل، عنوة، تلك الدهاليز الغامضة للعقل البشري وما يسكنها، هناك، من تصورات وعوالم غير ارضية وغير ممكنة، ولا يمكن مقاربتها الا بأفلام التخييل العلمي، حيث يمكن للادمي أن يصعد، عبرها، على دراجة نارية الى سطح القمر..

شقية وشاقة هي مفردة المؤامرة هذه، سطحية بقدر ما هي خبيثة .. مسلية بقدر طاقتها على الايذاء، وخفيفة، بقدر خفة عشاقها، وهم كثر، على استجداء اللاممكن... المستحيل بعينه، ومده بجسد وروح. وصادمة صارخة هي المفردة/ الفكرة تلك، تداعب، ما استطاعت، خلايا العقل الاكثر هشاشة واستعدادا، بالتالي، للتسليم بما يعرض عليها من حكايات واوهام ،لا تجانب الحقيقة دائما، فحسب، بل تبحث عن حقائق فعلية وجادة تسند اليها مهمة انتاج / حقائق / جديدة تؤكد صحة ما تقترح، فحينها، يمكن لفعل الصدمة المنشود ان يحقق اغراضه ونتائجه المحببة : تحييد ادوات التفكير المنطقي وتوجيه الشعور الفردي والجمعي نحو خلاصات بعينها... حقائق بعينها، صارخة، كما يفترض، وحاسمة في أن.

في عالم المؤامرة العجائبي، المنشود، يتماهى اللاممكن والمستحيل من الافكار والدلالات، مع الممكن والمقبول منها، تتداخل الحقائق بنقائضها، كما تمتزج الرغبات، على اشكالها ودوافعها، بالحدث الاصلي / الواقعي، لينتجا معاَ: / حكاية كاملة / متينة، كما تبدو من الخارج، وذات مصداقية عالية كما تقدمها وسائل الاعلام، ولكنها في المقابل، وعند تشريحها وتفكيك بنيتها : ليست سوى دراجة في طريقها للقمر، أذ لا ينقصها الا القليل من المنطق والاقل، من حكمة المتلقي، لبيان خفتها وميوعة بنيانها. .

هكذا هو حال المؤامرة، الرغبة والفكرة، التي تكفل التاريخ المكتوب بتقديم ما هب ودب من نماذجها، وهو حالها الان، بالضبط، مع النظام السوري المشغول، منذ انطلاق الثورة في اذار/مارس 2011 وحتى اللحظة، بمحاولة اقناعنا بشرور تلك المؤامرة التي تحاك ضده وضد حضوره / العبقري / في جغرافيا وثقافة المنطقة، مستندا، كما يجدر بفكرة المؤامرة الذكية ان تكون، الى بعض الحقائق التالية : اولا، تلعب الولايات المتحدة الامريكية، في العالم العربي تحديدا، ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم، دورا لا يمكن وصفه، وعلى كافة الاصعدة، الا بالقبيح والشرير، انها التمثيل الاقصى للراسمالية حين تكشف عن مخالبها وتسنها وتبحث، انسجاما مع مصالحها الاقتصادية المعلنة، عن المواضع المناسبة والضعيفة لغرزها، ولان العالم العربي التي ساعدت هي على صعود وتثبيت انظمته / الوطنية / الفاسدة والشمولية، لانه يعج، مثل جسد عليل بالمطلق، بمواضع الضعف المخجلة تلك، فقد تحول، مع الوقت ولا حدود متاعب العيش، الى مجرد سوق امريكية عملاقة... تتلقى ولا تنتج.. تتبع ولا تبدع، وترعى اوهامها.. عجزها، وتندب القدر.

ثانيا: هناك حقيقة صارخة وفجة يمثلها الاحتلال الاسرائيلي الذي طال، اكثر بكثير مما يحتمل، لفلسطين، انه الاحتلال وبكل ما يمثله المعنى وما يقود اليه : تدمير حيوات البشر.. خلق المتاعب وتعميقها.. الى اخر ما هو معروف من مصائب واوجاع، تنسجم، بالمجمل، مع تجليات الحضور الامريكي في المنطقة وبقاء الانظمة المستبدة.

الى تلك الحقائق / العناوين اللافتة، يرجع النظام السوري، بلا كلل او ملل، ليغرف منها ادلته عن المؤامرة / التي تنسج من حوله /، فهو الواقف، مثل سد منيع، في / وجه مشروع الهيمنة الامريكية في المنطقة /، وهو: / حامي حمى المقاومة التي تقارع اسرائيل وتعمل على تحرير فلسطين /، مع ان الهيمنة الامريكية، من ناحية، مستمرة وبلا انقطاع على الرغم من ثبات النظام الممانع، منذ عقود اربعة في سدة الحكم، اذ يصعب على المرء، مهما تمتع من درجات الحياد الموضوعي، العثور على اثر واحد، لا في سورية ولا في دول الجوار، لتلك الوقفة الاسطورية في وجه الهيمنة المدعاة.

اما مقاومة، ودعم مقاومة الاحتلال الاسرائيلي، من ناحية ثانية، فقد شاركت، هي الاخرى، بدفع القضية الفلسطينية، مع عديد المؤثرات الاخرى التي دفعتها، الى هذا الحضيض المفزع، وساعدت، بتاثير سوري مباشر، على تحويلها، فعلا لا مجازا، الى مجرد ورقة ممزقة بين مجموعة من الشلل، الفلسطينية، المهووسة برعاية مصالحها واسباب استمرارها، غير الاخلاقي، على حساب قضية، لا جذر اعمق اخلاقيا، من جذرها هي . .

حال القضية الفلسطينية وما الت اليه، هو نسخة، طبق الاصل، عن الحالة اللبنانية البائسة، فهناك ايضا، تمكن النظام السوري / ايراني المراجع والهوى، من انتاج نموذج عجائبي للمفاومة التي يمثلها حزب طائفي البنية والعقيدة، هو حزب الله، المهووس، بدوره، ببسط نفوذه، غير البريء، على الساحة اللبنانية... حتى لو قاده الامر، كما هو الحال الان، الى تمزيق البلد، ودفعه الى اتون الفوضى ومجاهل الحروب الخاسرة، السابقة، او تلك، الخاسرة، القادمة.

تلك هي المقاومة التي رعاها النظام السوري، وتلك، اعلاه، وبأختصار شديد، نتائجها المرئية التي نعرف، ولا يعرف النظام، في الوقت عينه: كيف يواصل تجميل قباحاتها وأقناعنا بخرافة انتصاراتها الاسطورية التي توجب، عنده، اجتماع الانس والجن على خلق مؤامرة تطيح بها وبعرابها في أن.

ولكنها / المؤامرة / يكرر النظام، وهي مؤامرة من الطراز الكوني الثقيل والماكر، ذلك النوع العصي على الكشف والتفسير، قالمؤامرة المعدة بمهارة حاذقة يصعب، كما يرى عشاق فكرتها، كشفها واثباتها، فكيف نكتشف، نحن البسطاء، خيوطها واسرارها، وكيف نعاند، الى هذا الحد، ولا نصدق النظام المسكين في دمشق.... وماذا لو تعقلنا الان، لحظات، وصدقناه... ماذا لو اتفقنا على ان هناك مؤامرة لاسقاطه، هو نبي المقاومة وراعيها، وهو الواقف في وجه الهيمنة الامبريالية، فكيف يجيب النظام عن السؤال المركزي العادي والمشروع، ذاك السؤال المستعاد، وها انذا اكرره الان : ما العلاقة الخفية، السحرية تلك، بين دعم المقاومة ورفع حصن الممانعة، في وقت يتزامن، وتزامن دائما، مع قمع الحريات العامة للشعب السوري ونهب ثرواته وتحويل البلاد، كل البلاد، الى سجن كبير وقبيح ؟

لا يجيب النظام ولن يجيب، فهناك مؤامرة وفقط، وعليه التصدي لها.. بالدم، بهذا القدر ما قبل البدائي من العنف والاستهتار بالحيوات والمصائر، وعلينا نحن أن نصدق.. ان نشارك في المذبحة، وعلينا، قبل هذا وذاك، ان لا نستفيد، نحن ايضا، من فكرة المؤامرة ونطرح، من وحيها تماما، هذه الاسئلة المريرة التالية : كيف نسمي قتل النظام المتواصل لشعبه منذ ربيع العام 2011 وحتى اللحظة؟ كيف نفسر امتناع الغرب، وليس تردده، عن اتخاذ مواقف جدية ونهائية، عسكرية ايضا، ضد النظام الوحشي، وهو امتناع متناغم بالضرورة مع رغبة اسرائيل بالحفاظ على جارها المسالم؟ وكيف وصلت بعض المجموعات الجهادية، غير المطلوبة او المرحب بها سورياَ ،وعبر ابواب الجيران، الى خنادق الثورة السورية؟ وماذا عن الدور الخفي لعديد انظمة الظلام العربية العاملة على وقف مشروع الانتقال السوري من حقب الاضطهاد الشمولي الى غد افضل؟ كيف نحلل ونترجم طلاسم المعارضة السورية التي تحولت، في الخارج، الى ثلة من المعارضات المستنزفة باضواء الاعلام ولعنات غياب الافق؟ وماذا عن الاعتداء الممنهج على كل ما ينتجه السوري، البعيد عن حضن النظام وثقافته البائسة، ويحلم بانتاجه ثقافيا واقتصاديا، ولعل الهجوم الاخير، على سبيل المثال لا الحصر، الذي تتعرض له رابطة الكتاب السوريين في الخارج، والتشكيك بنزاهتها ومصادر تمويلها، لعله التجلي الصارخ الان لذاك الاعتداء الكريه؟. وماذا... وكيف..؟ الا تستحق الاسئلة / الحقائق الجلية اعلاه أن توصف، هي الاخرى، بالمؤامرة؟ الا ينطبق عليها منطق البحث عن الايادي السوداء والاصابع الكثيرة العابثة بالحالة السورية برمتها.. اليست مؤامرة فعلا، مع فارق واحد ووحيد، يميزها، هذه المرة ،عن المؤامرة التي يتغنى بها النظام، هو فارق الادلة والمعطيات ولا حدود العذابات التي نؤكدها وتدل عليها..... هو الفارق الجلي بين الشيء وضده : بين هذا الفضاء السوري المعمد بالموت، وذاك الصعود الهمجي، غير الممكن والمستحيل للنظام، على دراجة نارية الى سطح القمر.

=================

رأي الراية..توحيد الثوار مطلب ملح

الراية

3-11-2012

إن الأولوية الآن يجب أن تركز نحو توحيد صفوف الثوار والمعارضة السورية بجميع أطيافها وتكويناتها باعتبار أن ذلك هو السبيل الوحيد لإزالة نظام الطغيان والظلم وليس البحث عن المشاركة في السلطة القادمة كما تدعو واشنطن التي تشكك في المجلس الوطني السوري وتتهمه بالفشل وتمنح النظام المبرر والمُسوِّغ القانوني لتنفيذ المزيد من المجازر والجرائم اللا إنسانية في حق الشعب السوري الذي أعلن للعالم أجمع أنه لن يتراجع عن الثورة ولذلك فإن تشكيك واشنطن في المعارضة السور ية ممثلة في المجلس الوطني غير مبرر وجاء في غير وقته لأن المطلوب أمريكيا دعم جهود إيجاد مخرج من الأزمة التي خلقها نظام الأسد عمدًا وإنقاذ الشعب السوري من المجازر وليس البحث عن شرعية لحزب البعث لما بعد إسقاط النظام خاصة أن الإدارة الأمريكية تدرك أن حزب البعث هو النظام وأن الأسد استغله في حربه ضد شعبه.

إن توحيد المعارضة السورية وتنقية صفوفها مطلب ملح ولكن هذا المطلب يجب ألا يربط بالحوار مع النظام لأن الهدف الأساسي الذي يجب أن يسعى إليه هو إسقاط النظام وليس الحوار معه وأن الحراك الجاري وسط مختلف تنسيقات المعارضة السورية حاليًا يجب أن يقود لإنجاح اجتماع المجلس الوطني السوري المقرر في الدوحة خلال الأيام القادمة من أجل توسيع المجلس بضم شخصيات معارضة من الداخل والمجلس الكردي إلى جانب القوى المتنوعة باعتبار أن توحيد صفوف المعارضة السورية هو المدخل الأساسي لإسقاط النظام خاصة إذا ما نجح المجلس الوطني الموسع في تكوين حكومة انتقالية في الأراضي المحررة.

إن ثوار سوريا بمختلف تكويناتهم وأطيافهم قد وجدوا الاعتراف الدولي وأن المجلس الوطني السوري أصبح الممثل الشرعي للشعب السوري ولذلك فإن المطلوب توسيع هذا المجلس وتوحيد صفوف الثوار المقاتلين وحض الثوار على احترام حقوق الإنسان بالامتناع عن الإعدامات الميدانية لجنود النظام لأن مثل هذه التصرفات تمنح النظام المبرر للمضي في جرائمه كما تمنح الدول الداعمة له خاصة روسيا والصين الفرصة في التعنت والدفاع عن جرائمه في المحافل الدولية والتي أثارت بعض منظماتها مثل مجلس حقوق الإنسان قضية هذه الإعدامات.

من المهم أن تدرك واشنطن وهي تقود العالم أجمع أن محاولات التشكيك في المجلس الوطني السوري لها آثار سالبة على قضية الشعب السوري المركزية وهو مطلب إسقاط النظام وإن مثل هذه الاتهامات تشتت جهود المعارضة وتمنح النظام روحا جديدة، فالأولوية الملحة محليًا وعربيًا ودوليًا هي توحيد المعارضة السورية الخارجية والداخلية، لا التشكيك فيها أواتهام المجلس الوطني الذي يمثل الشعب السوري باعتراف العالم بالفشل في مهمته، خاصة أن واشنطن تدرك أكثر من غيرها الظروف التي يعيش فيها السوريون المعارضون للنظام والظروف التي تم فيها تشكيل المجلس الوطني السوري.

=================

العقل الإيراني ومعركة دعم النظام السوري

عمر كوش

المستقبل

3-11-2012

يكشف تعامل النظام الإيراني مع التطورات الداخلية في إيران، ومع التطورات الإقليمية العاصفة، طبيعة وتركيبة العقل السياسي الإيراني السائد، المتحكم في ساسته، حيث يشير النهج الذي اتبعوه في معاداة الثورة السورية، والدعم الهائل للنظام السوري، قرين نظامهم في النهج والممارسة والتوجهات، إلى حجم التورط والتورّم الذي أصابهم، كي يحافظوا على عدم انفراط عقد "محور الممانعة"، الذي دخل في دائرة بركان ثائر، لن تهدأ حممه إلا بإسقاط أصحاب الرؤوس الحامية، الذين يتصرفون وكأنهم قادة دول عظمى، في وقت لا تظهر عظمتهم الجوفاء إلا على صورة إقصاء وقمع وقتل العُزّل من شعوبهم.

وكان الأجدى بالنظام الإيراني أن يحسب بدقة ارتدادات وإرهاصات معركة دعمه للنظام السوري، وأن يصرف مليارات الدولارات المهدورة، لتلبية احتياجات حياة ناسه واقتصاد البلد الذي يحكمه، الرازح تحت ثقل العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية، وهو يعرف أن الأنياب النووية التي يطمح إلى امتلاكها، لن ينالها إلا على حساب إفقار غالبية الإيرانيين، بعد أن أفقر حياتهم السياسية، وصادر مجالهم العام، لصالح إطلاقية ما يراه الولي الفقيه، وتحكم الملالي بالمقدرات والقدرات.

ومثل نظرائهم السوريين، لم يجد قادة النظام الإيراني سوى مشجب التدخلات الخارجية، كي يواجهوا متغيرات الداخل وثورات شبابه، فراح محمود أحمدي نجاد، يفتش عن "حرب نفسية، تواكب الضغوط الخارجية"، كي يستخدمها ذريعة تبرير لانخفاض العملة الإيرانية، ويواجه بها مطالب جموع التجار المحتجين على آثار "حرب الريال" على أعمالهم وأشغالهم.

غير أن نزول الإيرانيين، لأول مرة، بعد قمع "الثورة الخضراء"، واقتراب الدولة العظمى من حافة الإفلاس، سيكون له دلالاته وتأثيراته، وبالتالي لن ينفع العقل السياسي الإيراني استعارته من رصيفه السوري المفردات المتقادمة نفسها ، ولن تنفع مزايداته التي تشبه الغرب بـ"ديدان تمتص دماء الشعب"، "الملتف حول قيادته"، مثلما زعم رأس النظام السوري، قبل اندلاع الثورة بأسابيع قليلة.

كل ذلك، يكشف تركيبة وطبيعة العقل السياسي، الذي ما زال مرشده الأعلى يعول على "صمود الشباب" في وجه الديدان الماصة للدماء، مع أن غالبية شباب إيران مقتنعون بأن المسؤولية لا تقع على الديدان. وهي، على الأقل، لا تطلق الرصاص وقنابل الغاز باتجاههم، وليست مسؤولة عن بؤس حياتهم، ولم تقمع - من قبل - ثورتهم الخضراء.

غير أن الثمن الذي يدفعه النظام الإيراني في معركة دعم النظام السوري، إلى جانب سعيه النووي الخطر، يدعوان إلى النظر في آلية تفكير ساسة النظام، وتلمس الأسباب والحيثيات التي جعلتهم، يتعاملون مع الوضع في سوريا، وكأنه القضية الأهم بالنسبة إليهم في منطقة الشرق الأوسط.

وتدعو الحاجة كذلك إلى التفكير في أبعاد الدور الإقليمي لإيران والمشروع الإيراني الارتدادي، الذي يضرب عمقه في التاريخ، وتحكمه مرجعيات الثأر لمعارك ومواجهات قديمة، لم يخضها عرب اليوم، ولا يسألون عنها، مع العلم أن العرب الذين دخلوا إيران، في غابر الأزمان، دخلوها كمسلمين، وفاتحين، ولم يكنّوا العداء للشعوب الإيرانية التي دخلت الإسلام من دون إكراه.

والناظر في عقلية المتشدّدين في إيران، يجد أنهم دعاة مشروع إيديولوجي، يتخذ تلاوين مختلفة في المنطقة، ويقف وراءه عقل سياسي، يزاوج ما بين الديني والقومي، أي ما بين العقيدة المؤولة مذهبياً، وفق فهم رجال دين متزمتين، وبين الطموح القومي الضارب في عمق الإيديولوجيا والتاريخ الغابر، الأمر الذي يجعل منه مشروعاً جامعاً ما بين السعي إلى الهيمنة وإلى التغيير، وهادفاً إلى تحقيقهما بمختلف الوسائل، المشروعة وغير المشروعة. ولا يقدم دعاته ومناصروه أية تنازلات، ولا يقبلون بالمساومات أو التسويات، حتى وإن تعلّق الأمر بالاسم فقط، حيث ما زالوا يرفضون تسمية "الخليج الإسلامي"، التي اقترحت كحل وسط لتسمية الخليج العربي، ويصرون على تسميته "الخليج الفارسي"، بل ويتخذون إجراءات عقابية صارمة بهذا الخصوص.

والمفارق في الأمر أن الشعب الإيراني، لا تسكن غالبيته هواجس هذا المشروع، ولا تكنُّ العداء للشعب السوري أو سواه من الشعوب العربية وغيرها، في حين أن الموقف الإيراني الرسمي حيال الأزمة في سوريا، اتسم بالانحياز الكامل للنظام السوري، منذ اندلاع شرارة الحراك الاحتجاجي الشعبي فيها، حيث تبنى الساسة الإيرانيون خطاباً داعماً للنظام في نهجه وسياساته الداخلية والخارجية، ونظروا إلى الأزمة بوصفها نتاج "مؤامرة خارجية"، هدفها النيل من مواقف النظام المعادية للمشاريع الأميركية والصهيونية، ولم يخفوا وقوفهم القوي إلى جانبه بكل إمكاناتهم الدبلوماسية والسياسية واللوجستية والعسكرية، بل دعموه بالرجال والمال والسلاح، وتبنوا وجهة نظره وطريقة تعامله مع الأوضاع الدامية والمتغوّلة في قتل المدنيين وتدمير البلاد.

ومنذ عقود عدة، يحاول النظام الإيراني تنفيذ معادلات، تنهض على قيام إيران بدور الدولة المحورية بأسنان نووية، وتتزعم المشرق الإسلامي تحت يافطة ذرائعية، فحواها الصراع مع إسرائيل ومجابهة الولايات المتحدة الأميركية. وهي يافطة شعاراتية فارغة، لأن هذا النظام سارع على الدوام إلى مهادنة المشاريع الأميركية والاستفادة منها، بل وساعد الإدارات الأميركية، التي تعاقبت على البيت الأبيض، على تنفيذ مرادها في أفغانستان وفي العراق. في حين أن الصراع المزعوم مع إسرائيل اكتسى معاني لفظية، طنانة فقط، لأن الهدف من ورائه ضمان أمن النظام الإيراني وسلامة نخبته الحاكمة، إلى جانب سعيه إلى إيجاد مجال حيوي يضمن نفوذه الإقليمي القوي.

وبالرغم من ذلك كله، فإن العقل السياسي الإيراني معروف بأنه ليس بعيداً عن عالم الصفقات، حيث توصف العقلية السياسية الإيرانية بعقلية "البازار"، القائمة على المساومة والمماطلة، وبالتالي قد تدخل القيادة الإيرانية في مساومات مع القوى الدولية الفاعلة للحفاظ على مصالحها، بالرغم من أن علاقاتها وتحالفاتها مع النظام السوري، لا تتوقف عند حدود سوريا الجغرافية، إنما تجاوزتها إلى حزب الله في لبنان وإلى القوى الحليفة له في العراق.

=================

أحجية إعلان موت المجلس الوطني السوري

 منار الرشواني

الغد الاردنية

3-11-2012

يفترض النظر إلى إعلان وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، الأربعاء الماضي، عن أن المجلس الوطني السوري لم يعد الممثل الرئيس للمعارضة السورية، وإنما قد يكون جزءا من معارضة أوسع، باعتباره إعلاناً متأخراً عما هو معروف للجميع منذ أمد طويل، ربما يعود إلى ذات يوم تأسيس المجلس في 2 تشرين الأول (أكتوبر) 2011.

مع ذلك، فإن توقيت الإعلان البدهي في مضمونه، ورد فعل المجلس الوطني السوري عليه، يثيران تساؤلات مهمة حول مسار الأزمة السورية، وضمن ذلك دور الأطراف الفاعلة فيها.

ففي إعلانها، "تكتشف!" كلينتون الآن فقط أن رموز المجلس شخصيات أمضت "20 أو 30 أو 40 سنة خارج سورية"، ما يستدعي السؤال: هل مالت كفة "الصراع" أخيراً إلى معارضة الداخل على حساب معارضة الخارج، لاسيما مع تصاعد الجهود الأميركية لعقد مؤتمر لقوى المعارضة السورية (من الداخل والخارج) في قطر الأسبوع المقبل، يتوقع أن ينبثق عنه "برلمان أولي/ تجريبي"، بحسب تعبير أحد كبار مسؤولي الإدارة الأميركية؟ ولعل تغير موازين الدعم الدولي لمعارضة الداخل والخارج يفسر رفض المجلس الوطني، في بيانه أمس، "تشكيل أي إطار جديد للمعارضة السورية يكون بديلا منه"، معتبرا أن هكذا بديل سيكون "محاولة لإيذاء الثورة السورية وزرع بذور الفرقة والاختلاف"، رغم حقيقة أن الولايات المتحدة هي الراعي الرسمي لكل من المجلس الوطني وبديله القادم!

من ناحية أخرى، فإن الحديث عن دور أكبر لمعارضة الداخل، سواء كان مهيمناً أم لا في المجلس/ البرلمان الجديد، يفرض التساؤل عن موقف روسيا، الداعم الدولي الأهم لنظام بشار الأسد، والأقرب في الوقت ذاته لمعارضة الداخل التي تحظى بالاعتراف الروسي. فهل يعني دور معارضة الداخل في الجهود الأميركية الجديدة أن ثمة تفاهمات، أو إرهاصات تفاهمات روسية-أميركية بشأن مآلات الأزمة السورية؟ أم أن الولايات المتحدة قد قررت سحب البساط من تحت روسيا نهائياً فيما يتعلق بالشأن السوري؟

والسؤال الأخير خصوصاً، كما تجدد النشاط الأميركي على الجبهة السورية بحد ذاته، يفضي إلى السؤال الأهم عشية الانتخابات الرئاسية الأميركية: هل قررت إدارة الرئيس باراك أوباما حسم الأزمة السورية، لا بالتدخل العسكري المباشر، بل عبر تقديم أسلحة نوعية للثوار، لاسيما صواريخ "ستينغر" المضادة للطائرات، بعد ضمان السيطرة على هؤلاء الثوار من قبل المجلس/ البرلمان السوري الجديد؟

يبقى السؤال الأخير عن جماعة الإخوان المسلمين السوريين، القوة المهيمنة على المجلس الوطني السوري، والمسؤولة بالتالي، وكما يذهب كثيرون، عن فشله وشلله وصولاً إلى انتهاء صلاحيته رسمياً؛ فهل تراجع دور الجماعة بانتهاء المجلس الوطني، أم أنها هي من باع المجلس سلفاً استعداداً للكيان "المعارض" الجديد؟ وقد كان ملفتاً حرص الجماعة على حضورها في كل مناسبة بشكل مواز للمجلس الوطني الذي تشارك فيه وتسيطر عليه!

إزاء كل هذه الأسئلة والأحجيات، يظل المعروف الوحيد أن الأزمة السورية خرجت من يد السوريين حاضراً، والأمل أن لا يكون ذلك مستقبلاً أيضاً!

=================

اطلبوا الحل السوري ولو في... الصين!

عادل مالك *

السبت ٣ نوفمبر ٢٠١٢

الحياة

يصح في وصف المندوب العربي - الدولي الأخضر الابراهيمي بأنه «ابن بطوطة» العصر نظراً الى كثرة اسفاره وجولاته بحثاً عن ايجاد بيئة دولية حاضنة لأي حل يمكن التوصل آلية في شأن الأزمة في سورية.

وكانت آخر محطات جولتة الصين حيث يصح فيه القول: «اطلبوا الحل في سورية حتى ولو في الصين». وهو حض المسؤولين الصينيين على لعب دور بارز، بل اكثر بروزاً في السعي للعثور على السلام الصعب، ان لم يكن المستحيل في سورية في ظل المكونات والعوامل الاقليمية والدولية القابضة على الحل الذي يمكن أن يأتي، وربما لن يأتي ابداً في مستقبل منظور ليتحول الواقع الى مسلسل سوري طويل.

واستناداً الى كل المعطيات المتوافرة حتى كتابة هذه السطور على الأقل لم يعد من الذكاء السياسي التحليلي القول إن ازمة حل ازمة سورية لم يعد متاحاً بالسرعة التي راهن كثيرون عليها بسقوط او بإسقاط رأس النظام السوري. وأكد المسؤولون الروس مع الصينيين مرة جديده لكل من يتصل بهم سعياً لأي حل يوقف النزيف والدمار ان كل الحلول يجب ان تمر عبر بشار الأسد، وان العبور الى وضع جديد في سورية لنقل الازمة من الجانب العسكري الى الجانب السياسي. يجب ان يتم بمعرفة ومشاركة الأسد شخصياً فيما المعارضة بل المعارضات السورية ترفض حتى الآن التسليم بهذا الواقع وهي تصرعلى استبعاد بشار الاسد قبل الانخراط في الجولات الحوارية التي يمكن ان تؤدي الى اي حل او اي شبه حل.

ورغم انسداد كل الآفاق المتعلقة بأي حل، فإن الأخضر الابراهيمي لم يستسلم للفشل حتى الآن، ويبدو انه يريد ان ينهي حياته بانجاز ولو تمكن من فتح كوة صغيرة في جدار الأزمة.

وانقضت اجازة عيد الاضحى من دون الالتزام من قبل الاطراف المتنازعة على اختلافها بما اتفق على تسميتها بـ «هدنة الأضحى». ولم يكن ذلك مفاجئاً لمن يعرف تعقيدات الازمة السورية.

ومع تواصل الازمة تبرز بعض التداعيات التي تضيف الى الدراما السورية الحقيقية والفعلية المزيد من التعقيد. فعلى سبيل المثال لا الحصر لوحظ في الايام القليلة الماضية وجود بعض «التحولات والتبدلات» في مواقف دول كبرى متدخلة ومتداخلة في لعبة الحل ومن ابرزها الولايات المتحدة الغارقة حتى اذنيها في الانتخابات الرئاسية بعد ايام قليلة، والصورة الى الحياة بعد اعصار «ساندي» المدمر برز موقف جديد تجلى في تصريحات للوزيرة هيلاري كلنتون والتي حملت جديداً لا يساهم في الحلول المتداولة، بل يزيد في مخاطر مطبات الازمة السورية حيث طعنت بتمثيل «المجلس الوطني السوري» ودعت الى «ضرورة توحيد صفوف المعارضة مع الاعراب عن القلق الأميركي العميق من تزايد تأثير المتطرفين وحرف الثورة عن مسارها».

ومثل هذه المواقف من شأنها ان تطيل أمد ازمة حل الازمة السورية، كذلك هي تنطوي على تبرير فشل الطروحات والتوجهات الأميركية منذ اندلاع شرارة الأحداث في سورية حتى الآن، في ما يطلق بعض المراقبين على المواقف الاميركية المتراجعة بعد الاندفاعات المعلومة بـ «التخاذل الأميركي خاصة والغرب الاوروبي بشكل عام»، واستطراداً بقية الدول التي سعت بشتى الوسائل لإقتلاع «جذور حكم بشار الأسد، وهذه هي العقدة الاساسية التي تحكم وتتحكم بالأزمة وفي مفاصل الوضع البركاني المتفجر في سورية والمنطقة.

وهنا تبرز المخاطر الجديدة التي انعكست بوضوح على دول الجوار السوري، حيث تأكد بشكل قاطع ما تم التحذير منه مرات عديدة من حيث انتقال عدوى «الفيروس السوري» الى الدول المتاخمة للجغرافية السورية («الحياة» 20 تشرين الأول / اكتوبر 2012) والامثلة باتت واضحة مع «تناسل الثورة» في سورية الى دول الجوار وخير الامثلة على ذلك ما يشهده لبنان في هذه الازمة بالذات كتداعيات واضحة للمرجل السوري المتقد. فقد ذهبت قوى تجمع «14 آذار» الى توجيه الاتهام بشكل واضح وصريح بأن سورية هي التي اغتالت مدير فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبناني اللواء وسام الحسن، وما ترتب وسوف يترتب عليه توجيه مثل هذا الاتهام لجهة تأزيم الوضع اللبناني المأزوم في الأصل والامعان في تأجيج حالة الجاذب الحادة والقائمة بين مختلف «الفصائل اللبنانية». ذلك ان البيان الذي صدر عن «تجمع 14 آذار» كان عالي النبرة من حيث مقاطعة المعارضة لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، الذي عكس سقفاً عالياً من التصعيد بلغ حد الاصرار على استقالة الحكومة قبل متابعة الحوار بين مختلف الافرقاء.

وفي حقيقة الأمر وجد بعض المتابعين عن قرب للشأن اللبناني ان بيان المعارضة هو عبارة عن «بلاغ انقلابي» وكأنه جاء رداً على «الانقلاب الدستوري» الذي قامت به المعارضة في حينه بإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري. ويعمل رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان على احتواء الوضع المتفجر لأنه يدرك المخاطر التي ينطوي عليها خروج الحالة الامنية والسياسية العامة عن السيطره في هذا التوقيت بالذات.

وفي خضم هذه التطورات شهد القصر الجمهوري في بعبدا صورة لم نشهدها من ذي قبل والتي تمثلت بظهور سفراء الدول الخمس الكبرى، ودول اخرى فاعلة ومؤثرة امام الاعلام بعدما اكد السفراء دعمهم الكامل لاستقرار لبنان في هذا الظرف العصيب بالذات، ومعارضة بلادهم لاستقالة الحكومة الميقاتية الآن، تحت ضغط المعارضة. واقترن هذا التحرك غير المسبوق بوصول مساعدة وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط اليزابيت جونز الى بيروت حيث ابلغت الرئيس سليمان والرئيسين نبية بري ونجيب ميقاتي حرص الادارة الاميركية على بقاء الوضع الداخلي في لبنان متماسكاً بخاصة في الظروف البالغة الحرج التى تجتاز المنطقة.

ومع ذلك لا تزال بعض المصادر المتابعة عن قرب لمسار التطورات تعرب عن خشيتها من حدوث المزيد من الاحداث التي تستهدف في جملة ما تستهدف تزايد حالة الارباك القائمة. وقد اختلف كل من الحكومة «الميقاتية» و «تيار المستقبل» مع سائر مكونات تجمع «14 آذار» حول الترجمه العملية لرسالة الدعم الاميركية والغربية بوجه الاجمال فيما اعتبرها الرئيس ميقاتي انها عملية دعم غير مباشر لاستمرار الحكومة في تحمل مسؤولياتها، وجدت المعارضة ان هذا التأييد للوضع اللبناني بشكل عام وليس للحكومة «الميقاتية» ستكشف الايام القليلة المقبلة مدى عمق الشرخ الداخلي اللبناني في ضوء اغتيال اللواء وسام الحسن، وتهديد عدد من الشخصيات المعارضة بالتعرض للاغتيال، لذا فان حراجة الظروف القائمة تحتم على كل الفصائل اللبنانية على اختلاف انتماءاتها تقدير الاوضاع الحرجة والارتقاء في تحمل المسؤولية الى اعلى درجات الحذر والحيطة حتى لا نكمل عمليات تصدير الازمة السورية من الجانب السوري، وعمليات استيرادها من قبل بعض الجهات والاطراف ولذا يكتمل حزام النار في تطويق لبنان وبقية دول المنطقة.

 ... وبعد:

اولاً: في ضوء كل ما تقدم وحيال فشل جميع السيناريوات التي أعدت كمشاريع حلول للأزمة في سورية، على كل هذه الجهات الأقليمية والدولية اجراء مراجعه شاملة وتكوين بعض الرؤى الجديدة لمواجهة المزيد من التصعيد سواء في الداخل السوري او في دول الجوار.

ثانياً: بشار الأسد بين العقدة والحل. وخلال الاجتماع الذي انعقد في باريس بين وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف ووزير خارجية فرنسا لوران فابيوس حدث التالي: «أكد الجانبان ان بقاء الرئيس الاسد في السلطة هو العقبة الرئيسية التي تقف في طريق التفاهم بين روسيا والدول الغربية للتوصل الى تسوية». وقال فابيوس: ناقشت مع لافروف مسألة رحيل الأسد وكنا متواجدين معاً في جنيف، وعندما وقعنا البيان وظهر خلاف بين الجانبين حول قراءة البيان، اذ نحن (باريس) اعتبرنا ان لا حل ممكناً ببقاء بشار الأسد والعمل في حين ان الزملاء الروس قالوا: ان بشار الاسد موجود في الحكم وينبغي العمل معه وهذه هي الصعوبة الاساسية. وأضاف: «كلما استمرت الازمة السورية وتزايد عدد الضحايا وتزداد صعوبة السيطرة على الصراع لأن التشدد والانقسام الطائفي يزيد ويزداد تدخل اشخاص من خارج سورية، ونحن والروس نؤكد ضرورة ضمان حقوق كل الطوائف في سورية ولا نريد ان نواجه الخطر الذي واجهناه في العراق حيث تغير الرئيس ولكن خلق نزاعاً ادى الى صراعات داخل العراق».

الم يقل الرئيس بشار: أنا او لا احد وانا او ارهاب «القاعدة»؟

الم نقل في هذا المكان بالذات منذ اسبوعين ان التاريخ سيكشف ان الدكتور بشار الأسد هو الرئيس الاكثر تكلفة في التاريخ؟

=================

الهدنة... والمبادرة الساذجة

حسين العودات

التاريخ: 03 نوفمبر 2012

البيان

وقالوا: اذبحوا واذبحوا

ثم قالوا هي الحرب كرٌ وفرُ

ثم فروا وفروا وفروا

وتباهوا.. وتباهوا...

هكذا وصف الشاعر محمود درويش حال العرب قبيل هزيمة حزيران وبعدها، ويبدو أن هذا الوصف ينطبق تماماً على الموقف العربي والدولي الحالي من الأزمة السورية، وبتعبير أكثر صراحة، على الموقف من المذابح التي تجري في سوريا، والتي رأى المبعوث الدولي العربي الأخضر الإبراهيمي، أن هدنة من أربعة أيام، تنطلق من موقف أخلاقي لدى الأطراف المعنية، كفيلة بإيجاد الأرضية المناسبة للبناء عليها، وصولاً إلى حل للأزمة، دون أي اتفاقات مسؤولة وملزمة بين الأطراف الداخلية.

وبدون تعهدات مماثلة من المجتمع الدولي (مجلس الأمن ومنظماته والأمانة العامة للأمم المتحدة) أو من الدول الكبرى، التي صار واضحاً أنها تتصارع في سوريا وعليها، وأن مصالحها هي المؤشر الأساس لها لتلتزم بهذا الاقتراح أو ذاك أوبهذه المبادرة أوتلك.

كما صار مؤكداً أن جميع هذه الأطراف، امتدحت مشروع الهدنة، وشجعت عليها، واعتبرتها بداية عمل جاد في سوريا، وهي تعلم أن تأثيرها في حل المعضلة السورية لن يكون هاماً، بل لادور لهذه الهدنة في الحل النهائي سواء نجحت أم فشلت، لأن الأزمة السورية أكثر تعقيداً من أن تفتح أبوابها هكذا هدنة، وبالتالي فإن جميع الأطراف تعرف ذلك، إلا أنها كانت تنتظر أن تمنحها الهدنة مهلة، وأن تشغل جزئياً الوقت الضائع.

وتقول لشعوبها وللرأي العام العالمي وللشعب السوري ، أنها تهتم بالشأن السوري وتأخذ مصالحه بعين الاعتبار، ولم تُدر الظهر له كما يقول ويقال، ولم تفقد اهتمامها به، وربما لم يكن المبعوث العربي الدولي الأخضر الإبراهيمي بعيداً عن هذا الهدف،وكان يعلم ـ علم اليقين ـ أن مشروع الهدنة لن ينجح من جهة، وإن نجح فلن يكون سوى عمل أخلاقي طارئ لا يمكنه أن يساهم في تراكم الشروط الموضوعية للوصول إلى حل.

لا أظن أن الأطراف المعنية، من مجلس الأمن إلى الجامعة العربية إلى الدول الكبرى، فضلاً عن الأطراف السورية المتعددة، تعتقد أن أزمة كهذه يمكن أن تحل بالنوايا الحسنة والمواقف الأخلاقية واستناداً إلى قرارات ذاتية يتخذها كل طرف بنفسه، دون أن تكون هناك اتفاقيات واضحة وموقعة من جميع الأطراف، تحدد أهداف الهدنة، ومضمونها، وآلية تطبيقها، والتزام الجميع بتطبيقها، وتحديد مناطق هيمنة و(سيادة) كل طرف، وخط الحدود الفاصل بين الأطراف المتقاتلة، وتسمية الجهة أو الجهات الضامنة للهدنة، والجهات المراقبة، وغيرها.

إنه لو تحققت كل هذه الشروط لصحت توقعات الأخضر الإبراهيمي وتمنياته أن تكون الهدنة أساساً يمكن أن يبنى عليه، أما الاعتماد على التمنيات الموجهة لجميع الأطراف، وعلى المبادرات الأخلاقية، فإنها دون شك، صرخة في واد، وقبض للريح، وهذا ما حصل فعلاً، حيث أكدت (الهدنة) المفترضة ما كان مؤكداً.

وهو أن الأزمة السورية لم تعد بالبساطة التي يحلها موقف أخلاقي، أو إجراء متسرع، وإنما هي أكثر تعقيداً من أن تحلها هدنة، أوتفككها تصريحات ونوايا حسنة، أو حتى ضغوط طارئة غير منهجية، فالحل يكاد يكون عاتياً على التسويات والحلول الوسط والتمنيات، بعد أن دُولت الأزمة، وتعسكر الصراع.

وارتكبت المجازر، وسالت الدماء، وللأسف ما زال ذوو الشأن في الخارج، ينتظرون ويراهنون على الوقت، ويلعبون بالوقت الضائع، ويتذرعون بالانتخابات الأمريكية مرة، وتبعثر المعارضة السورية (السياسية والمسلحة) مرة أخرى، والخوف من انتقال الأسلحة إلى القاعدة مرة ثالثة، وبغيرها من المبررات، التي لم تعد تقنع أحداً من المعارضة السورية على مختلف فصائلها.

ومن الشعب السوري على مختلف تياراته السياسية والاجتماعية، ولذلك اعتبر الشعب السوري وفصائل المعارضة أن مقترح الهدنة غير جاد ولا ينتظر منه أمل كبير، فالأزمة أكبر منه، والصراع أعمق وأوسع من أن يحُل (ببوس اللحى) أو بالتمنيات أو الأخلاق الحسنة.

فقد تشرد (داخلياً وخارجياً) أكثر من ثلاثة ملايين سوري، وخسر الشعب السوري عشرات الألوف من أبنائه شهداء ومفقودين، إضافة إلى مئات الألوف من الجرحى (قسم كبير منهم أصبح معاقاً) وأكثر من مائة ألف سجين، وبعد هذا، فمن العبث، والسطحية والسذاجة القول بإمكان هدنة طارئة أن تفتح الباب لحل جاد، مهما كانت مضامينه متواضعة .

لقد تراجع الموقف العربي والدولي من الأزمة السورية ولنقل (المجزرة السورية) تراجعاً واضحاً ومتسارعاً، فقد نادى في بدء الثورة بأنه سيلزم النظام السوري بقبول المطالب الشعبية ، ثم هدد بالتدخل السياسي والعسكري.

ثم تبنى مبادرة كوفي عنان، ثم تراجع إلى قرارات مؤتمر جنيف، ثم أخيراً إلى مشروع هدنة الإبراهيمي الذي لا أهمية له حتى لو تحقق، أي كما قال الشاعر محمود درويش، ثم قالوا الحرب كر وفر ثم فروا وفروا وفروا.

والشعب السوري ينوء بحمله، ويتلقى طعنات نظامه، ويئن تحت مجازره، ويوقن أن القريب والبعيد تخلى عنه، بعد أن تم تدويل قضيته فأصبح ينتظر حلها من الخارج، وهولا يلوي على شيء، فلم تبق قضيته بين يديه ليجد لها حلاً وكان يستطيع ذلك، ولم يحلها التدويل والدول الأخرى، سواء كانت صديقة أم لم تكن، وغدا هذا الشعب كمن أراد أن يعايد أقرباءه في قريتين متجاورتين.

فأمضى وقته على الطريق ولم يعايد أحداً، وهوـ أي الشعب السوري ـ يرجو أن لا يستمر المناخ العربي والدولي المتراجع ، وأن تعود الجدية والمسؤولية والالتزام إلى المجتمع الدولي، كي تنتهي سياسة انتظار تبديد الوقت، واللعب خارج رقعة الشطرنج .

=================

خيرالله خيرالله / كلّ هذا الحقد على وسام الحسن ... ولبنان

الرأي العام

3-11-2012

لماذا كلّ هذا الاصرار على اغتيال اللواء وسام الحسن؟ يكشف تفجير الرجل والجهود التي بذلت من اجل التخلّص منه كمّية هائلة من الحقد. أنّها كمّية لا يمكن مقارنتها الاّ بتلك التي كان يختزنها النظامان الايراني والسوري للرئيس الشهيد رفيق الحريري.

في النهاية، يندرج اغتيال رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبنانية في سياق سلسلة من الجرائم الكبرى كان لبنان مسرحا لها.

بدأ تنفيذ هذه الجرائم منذ قرّر النظام السوري، الذي تأسس في العام 1970، الانصراف الى تدمير المؤسسات اللبنانية واختراق الطوائف وتقليبها على بعضها بعضا. ترافق ذلك مع هدم منظّم للمدن وتهجير المسيحيين من الاطراف بهدف تشجيعهم على ان يصبحوا «انعزاليين» بما يسهل ارتكابهم اخطاء سياسية كثيرة ومن ثمّ استضعافهم وتوجيه كلّ نوع من الاتهامات اليهم.

كان لدى هذا النظام حقد تاريخي على لبنان واللبنانيين، لا يوازيه الاّ الحقد الكامن لديه على الشعب السوري نفسه. اعتمد في التنفيس عن هذا الحقد في البداية على ادواته المباشرة بشكل اساسي، لكنّه اضطر في مرحلة ما بعد وصول بشّار الاسد الى السلطة في السنة 2000 الى الاعتماد اكثر فأكثر على الشبكات التي اقامها «حزب الله» وغيره من الاحزاب في كلّ الاراضي اللبنانية، وهي شبكات توسّعت مع الوقت. غطّت هذه الشبكات المناطق التي فيها اكثرية مسيحية، خصوصا منذ خروج القوات السورية من الاراضي اللبنانية نتيجة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه ومنذ تحوّل النائب المسيحي ميشال عون الى اداة طيعة في يد الحزب ابتداء من بداية السنة 2006.

المفارقة أنّ الامر الذي لم يتغيّر يوما، في ضوء تغيّر طبيعة ميزان القوى بين الرئاسة السورية من جهة و«حزب الله» من جهة اخرى، هو الهدف السوري في لبنان. كان ميزان القوى، في لبنان تحديدا، يميل عموما الى الرئاسة السورية في عهد الراحل حافظ الاسد. وما لبث هذا الميزان ان تغيّر تدريجيا لمصلحة ايران ومن يمثّلها في لبنان وذلك في اللحظة التي خلف فيها بشّار والده، وربّما قبيل ذلك، عندما باشر الاسد الابن في الامساك بخيوط السلطة لدى بدء تدهور الحالة الصحيّة لحافظ الاسد ابتداء من السنة 1998.

منذ ما قبل اغتيال كمال جنبلاط في العام 1977، بدأ النظام السوري عملية مدروسة تستهدف افهام كلّ من يعنيه الامر ان لبنان «ساحة» بالنسبة اليه وأنّه يحق له ارسال كل الاسلحة التي يريدها الى الوطن الصغير ونقل اكبر عدد من المقاتلين الفلسطينيين اليه. كان عليه تدجين السياسيين اللبنانيين بعدما نجح الى حد كبير في تدجين سورية كلّها والغاء الحياة السياسية فيها. كانت ضحيته الاولى الرئيس الراحل صائب سلام الذي كان رئيسا للوزراء مطلع السبعينات مع وصول سليمان فرنجية الجدّ الى موقع رئيس الجمهورية. تجرّأ صائب سلام على السير في التحقيق بعد اغتيال اللواء محمد عمران احد كبار الضباط العلويين في طرابلس. لجأ محمد عمران بعد خلاف مع حافظ الاسد الى عاصمة شمال لبنان، فكان لابدّ من التخلص منه... وكان على السلطات اللبنانية تغطية الجريمة وليست متابعة التحقيق فيها.

اغتال النظام السوري صائب سلام سياسيا. بعد استقالته من موقع رئيس الوزراء في العام 1973، لم يعد مسموحا لرئيس الجمهورية الاستعانة به مجددا في تشكيل حكومة. منع صائب سلام حتى من دخول الاراضي السورية، على الرغم من أنّه متزوج من سيدة سورية هي تميمة مردم بك. ولا شكّ ان كثيرين يعرفون أنّ طائرة صائب بك لم تتمكن من الهبوط في مطار حلب لدى ذهابه الى هناك في رحلة صيد مع مجموعة من رفاقه حين كان لا يزال رئيسا للوزراء بين 1970 و1973.

لم يكن صائب سلام وحده الذي تعرّض لاغتيال سياسي بسبب رفضه التخلي عن فكرة لبنان. هناك ايضا الرئيس تقيّ الدين الصلح، المتزوج من سيدة سورية ايضا، والذي كان رمزا للاعتدال والعيش المشترك بين اللبنانيين. كان مطلوبا التخلص بالاغتيال السياسي او الجسدي من اي شخصية لبنانية، بغض النظر عن الطائفة التي تنتمي اليها، بمجرّد ان تكون هذه الشخصية قادرة على جمع عدد كبير من اللبنانيين حولها، او ان تكون جسرا للتواصل في ما بينهم كما حال الرئيس حسين الحسيني رئيس مجلس النوّاب السابق واحد رفاق صائب سلام وتقي الدين الصلح والعميد ريمون اده وكثيرين من الكبار الذين انتهوا إمّا في المنفى وامّا في بيوتهم.

ما يجمع بين كلّ الشخصيات اللبنانية التي اغتيلت بطريقة او بأخرى، بما في ذلك المفتي حسن خالد، وصولا الى تفجير اللواء وسام الحسن هو فكرة لبنان. لا يستطيع النظام السوري السماع باسم لبنان.

من بين اسباب اغتيال رفيق الحريري اعادته لبنان الى خريطة الشرق الاوسط واعادة الحياة الى بيروت. كان النظام السوري كلّف الالوية المسمّاة «جيش التحرير الفلسطيني»، والتي كانت متمركزة في سورية اصلا، اخذ مواقع وسط بيروت في العام 1976 وذلك كي يسهل ايجاد حواجز ومتاريس بين المسيحيين والمسلمين في لبنان... ربّما كانت تلك المهمّة الوحيدة التي يراها النظام السوري لـ«جيش التحرير الفلسطيني»!

كان الهدف من تفجير سمير قصير اغتيال مفكّر لبناني عاشق لبيروت يعتبر نفسه سوريّا وفلسطينيا في الوقت ذاته. كان الهدف من اغتيال جورج حاوي القضاء على ايّ لبناني قادر على ان يكون مرتبطا بحركة النضال الوطني على الصعيد العربي. ممنوع على اللبناني الخروج من الطائفة والمذهب والمنطقة التي يقيم فيها. هذا ما جعل بيار امين الجميّل هدفا وهذا ما قتل جبران تويني الذي كان مطلوبا منه السكوت عن الوصاية وتتفيه «النهار» بدل ان تبقى كما كانت في عهده الصحيفة التي ترمز الى المقاومة الحقيقية، اضافة الى ثقافة الحياة، في لبنان عموما وبيروت على وجه الخصوص...

أمّا وسام الحسن فقد فُجّر بدوره لاسباب عدة في مقدّمها كشفه النظام للسوري وافشاله كلّ الجهود السورية - الايرانية التي في اساسها خلق مؤسسات لبنانية تابعة لـ«حزب الله» على شاكلة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الحالية.

فقد سعى النظام السوري، وحده اوّلا، ثم بالتعاون مع النظام الايراني الى وضع اليد على كلّ المؤسسات اللبنانية، على رأسها المؤسسات الامنية. فعل ذلك منذ مكّن الجنرال ميشال عون، بفضل عبقريته العسكرية التي لا تتفوق عليها سوى عبقريته السياسية، القوات السورية من دخول قصر بعبدا ومقر وزارة الدفاع اللبنانية في العام 1990 وذلك للمرة الاولى منذ قيام الجمهورية اللبنانية.

أسس وسام الحسن جهازا لبنانيا خالصا فيه عناصر من كلّ الطوائف والمناطق. أنه سبب اكثر من كاف للتخلص منه، ولاستمرار محاولات التخلص من آخرين نذروا حياتهم لفكرة لبنان...الذي يتبيّن كلّ يوم أنه سيظل عصيّا على النظام السوري...هذا النظام، الذي يرفض التعلّم من تجارب الماضي القريب، والاعتراف بأنّ مشكلته كانت دائما مع الشعب السوري وليس مع رفيق الحريري او وسام الحسن، تماما مثلما أن النظام الايراني لا يفقه الى انّه يستطيع الحاق دمار كبير بلبنان، لكنّه سيظلّ هناك لبناني يقف في وجهه ويقول الحقائق كما هي... بما في ذلك ان الحكومة الحالية، التي لا أوادم فيها، هي آخر الحكومات الايرانية - السورية في الوطن الصغير.

=================

هل يقرّب الخوف من المتشددين في سوريا

بين أميركا وروسيا في التوصّل إلى حلّ؟

اميل خوري

2012-11-03

النهار

السؤال الذي يقلق اللبنانيين ولا جواب عنه حتى الآن هو: متى تنتهي الحرب في سوريا بعدما بات في اقتناع الكثيرين أنها كلما طالت ازداد الوضع السياسي والامني والاقتصادي سوءا او تأزما في لبنان. وهذا يؤكد مقولة ان "أمن لبنان من أمن سوريا"، فضلا عن "وحدة المسار والمصير"، في حين أن أمن لبنان ليس من أمن سوريا كما قيل، بدليل ان امن سوريا لم يتأثر بحوادث لبنان عام 1958 ولا باجتياحات اسرائيل له وبلوغ العاصمة بيروت، ولا بالحروب الداخلية فيه وقد دامت 15 سنة، ولا حتى بالحرب مع اسرائيل عام 2006، اذ ان الحياة في سوريا ظلت طبيعية وعادية في حين كانت في لبنان مأسوية.

لذلك فللبنان مصلحة اكثر من اي دولة مجــاورة لسوريا في ان تنتهي الحــرب الداخليــة فيها سريعاً لأن اللبنانيين خلافا لشعـــوب الدول المجـــاورة التي هي ليست منقسمة بين من هي مع النظــــام في سوريـــا ومن هي ضده كما هي الحال في لبنان حيث يتــــأثر كل طـــرف فيــه بنتائج ما يجري في سوريا، وما إصرار "حزب الله" على بقاء الحكومة الحالية رغم الاعتراف بفشلها

وعجزها سوى لدعم المحور المساند للنظام السوري، ويخشى ان يكون تشكيل حكومة جديدة في غير مصلحة هذا النظام.

لقد بات الصراع حول الحكومة بين 8 و14 آذار جزءا من الحرب الداخلية في سوريا، الامر الذي يجعل اللبنانيين مثل السوريين يهتمون بمصير هذه الحرب ويسألون متى تنتهي.

ثمة من يقول ان الولايات المتحدة الاميركية بعد ان تنتهي من انتخاباتها قد تصبح جاهزة اكثر لاتخاذ موقف حاسم من الحرب في سوريا وربما تكون اصبحت اقرب الى التفاهم مع روسيا بعدما باتتا تخشيان صعود الاسلاميين المتطرفين في سوريا وتنظيمات متعددة بحيث تكون لها كلمتها في وضع سوريا بعد الحرب تجعل كلمة القوى الاسلامية المحافظة والمعتدلة دونها وزناً، وهذا ما لا تريده الولايات المتحدة الاميركية ويجعلها ترفض تسليح المعارضة غير الموحدة، وكذلك روسيا التي تخشى ان ينعكس الصعود الاسلامي الاصولي على الاوضاع الداخلية في الدول الاسلامية المحيطة بها. وهذا من شأنه ان يعجل في حسم الازمة السورية باتفاق الدولتين ومن خلال قرار يصدر عن مجلس الامن ولا يواجه بأي "فيتو".

وهناك من يقول ان في الادارة الاميركية رأيا يحبذ استمرار الحرب في سوريا الى ان يتعب المتقاتلون، وعندها يصير في الامكان جعلهم يقبلون بأي حل ولو بعد أن تكون المرافق السورية والبنى التحتية قد تدمرت وتتطلب إعادة إعمارها سنوات وتحتاج إلى أموال

طائلة.

هذا الوضع يصب من دون شك في مصلحة اسرائيل التي تبدو مرتاحة الى ما يجري في الدول العربية تحت شعار: "الربيع العربي" لأنه سيتحول في نظرها الى خريف اقتصادي يجعلها عاجزة حتى عن التفكير بشن حرب ضدها ولسنوات طويلة لأنها تصبح مشغولة بتأمين لقمة العيش لشعوبها والا واجهت ثورة جديدة على الثورة تكون ثورة الجياع وليست ثورة الحرية والكرامة التي اسقطت الانظمة الشمولية والمستبدة.

الى ذلك، يبقى السؤال المطروح ولا جواب عنه حتى الآن هو: هل تتوصل اميركا وروسيا الى اتفاق على حسم الازمة السورية المتفاقمة والتي كلما طالت تجعل خطر الاسلاميين الاصوليين من "قاعدة" و"جهاديين" وغيرهما يهدد مصالح الدولتين في المنطقة وخارجها لا بل مصالح دول كثيرة، وعندما ترتاح سوريا في ظل نظام ديموقراطي يرتاح لبنان ومعه دول الجوار والمنطقة، ام ان اميركا وروسيا ستظلان على خلاف في التوصل الى حل للازمة السورية يحمي مصالح الجميع لاعتقاد اميركا ان روسيا هي التي ستكون متضررة من صعود الاسلاميين الاصوليين عندما يمتد خطرهم الى محيط روسيا فتضطر عندئذ الى تقديم تنازلات توصلا الى الحل المعقول، عدا ان اسرائيل هي المستفيدة ايضا من استمرار الحرب في سوريا حتى على ايدي الاسلاميين الاصوليين لأنها مطمئنة الى ان هؤلاء لن يحكموا بل يحاولون احيانا التحكم بمن يحكم. وخلاصة الوضع ان لا رحيل للاسد قبل الاتفاق على بديل ولا تسليح للمعارضة في سوريا الا بعد توحيدها.

=================

مجتمع قوي وسلطة متوحشة!

ميشيل كيلو

السفير

3-11-2012

شاعت في الآونة الأخيرة رؤية تقسم السلطة السورية إلى دولتين: إدارية تعتبر برانية ومدنية، و«عميقة» تعد عسكرية وقمعية، هي الدولة التحتية أو الخفية، التي تتخذ القرارات وتتولى مقاتلة الشعب السوري، وتستخدم الدولة الأولى، دولة الوزارات والمؤسسات المدنية والحزبية، من اجل التعمية على حقيقتها كدولة قمعية، عنيفة ومقررة، لن يكون التغيير جديا او مجديا، إن كان لا يتناولها هي او لا يستهدفها ويطاول مؤسساتها واجهزتها ووظائفها .

ومع ان هذا التصور الذي يفرز السلطة الى قسمين يركب احدهما على ظهر الآخر، مع أنه يحاول إبراز دوره ومكانته في الحياة العامة كي يحمله المسؤولية عن أفاعيله، أي عن جرائمه وفساده، وينسبها إليه، فإنه ليس صحيحا بخصوص سوريا، لسببين:

- أنه يرى في السلطة الاستبدادية النافية للدولة دولة عميقة، مع انه لا يجوز الخلط إطلاقا بين سلطة مافيوية تستخدم لمصالح خاصة وتضع القانون تحت تصرف أصحابها والمقررين فيها، وبين الدولة، التي تتكون من مؤسسات شرعية تستمد سيادتها من القانون، ومن رقابة الرأي العام والصحافة الحرة والاجهزة المتخصصة في السلطتين التشريعية والقضائية بصورة خاصة، ليس المنتسبون إليها غير موظفين عموميين خاضعين للمساءلة والمحاسبة، فهم خدم مصالح الدولة العليا باعتبارهم إما بيروقراطية عاملة في خدمتها وقائمة على إدارتها، أو مفوضين حكوميين في مقاعد الوزراء أو المدراء العامين... الخ. هذه السلطة السرية، التي لا تقر بوجود مؤسسات ولا تخضع لقانون أو مساءلة، لا يمكن أن تسمى دولة، عميقة كانت أم سطحية، بل هي في حقيقتها، العميقة جدا، عصابة من اللصوص الفاسدين، الذين وصلوا إلى سدة الحكم بالقوة والترهيب، فاداروا بلادهم كما تدار السجون، التي كان يجب أن يزج بهم وراء قضبانها بدل أن يجدوا أنفسهم في مقاعد الرئاسة والأجهزة القمعية: مؤسسات سلطتهم العميقة الوحيدة الفعلية والفعالة، التي يتوقف بقاؤهم عليها، ولولا دورها وفاعليتها لكانوا سقطوا لوحدهم دون كبير عناء من الشعب.

- لأن الصراع الجاري أكد أن الطرف القوي في سوريا هو شعبها، الذي كان يقال عموما إنه ضعيف ومفتت، وليس القوي، هو السلطة التي خدعت بحساباتها، عندما توهمت أنه لم يعد هناك شعب في سوريا، وطرحت على نفسها السؤال التالي: إذا كان عندنا مليون عنصر في الشبيحة والأمن والجيش، ومليونين ونصف المليون إلى ثلاثة ملايين في الحزب، وكان الشعب مؤطرا كله في «منظمات شعبية» وخاضعا لرقابة الأجهزة والحزب والمخبرين المبثوثين بكثافة في كل مكان، وكان اللعب الطائفي بالمجتمع قد شقه إلى كتل متنافسة متصارعة، وكانت المعارضة ضعيفة ومشتتة، وكان المواطنون عزلا ومتفرقين وبلا وعي سياسي، وأخيرا، إذا كنا نحن، اهل السلطة، من يوزع عليهم الطعام والشراب، ويقطع ارزاقهم أو يجريها عليها، فمن اين سيأتي الشعب، ومن الذي سيهدد وجود السلطة والنظام، ومن الذي سيتظاهر أو سيقوم بثورة ضدنا، ولماذا نلبي مطالب الراغبين في الإصلاح، وهم، كما صرح الأسد الإبن أكثر من مرة، قلة لا قيمة لها، لا تحظى حتى بجزء من التأييد الذي لدى النظام، الذي يطالبون بإصلاحه، كي يقيموا هوة بينه وبين الناس، تمهد لتفجر مشكلات، يظنون أنه لن يكون قادرا على مواجهتها، فهم يريدون اذن تخريبه باسم إصلاحه، متجاهلين أن أربابه يقرأون نوايا المعارضة السيئة، ويفكون أسرار شيفراتهم، ولن يتجاوبوا معهم، لانهم ليسوا مضطرين لذلك .

من أين جاء الشعب، أو بالأحرى: أين كان خلال نيف وخمسين عاما تحكم فيه خلالها رهط من الحكام الظالمين؟. أعتقد أن على من يتحدثون عن الدولة العميقة أن يروها في هذا الشعب، الذي حملها في حناياه طيلة فترة خمسين عاما ونيف، غيبتها السلطة فيها عن البلاد والعباد، وحفظها الشعب في أعماق روحه، وتمسك بها حتى عندما ضمرت حتى بدا انها تلاشت واضمحلت تماما وزالت من الوجود. وخال ارباب النظام انها زالت وانتهى امرها وانهم مسحوها من ذاكرة ووعي أناس، فمن أين يمكن أن يأتي الخطر، ومن سيصنع، تحت اعين هذه الكثافة الامنية الساحقة، شعبا، ومن سيقوم بثورة في بلاد هذه حال شعبها منذ وقت طويل؟

لا مراء في ان الشعب السوري هو دولة سوريا العميقة، وأن نظامها هو نفي الدولة: عميقة كانت ام سطحية. ولا مراء في أن شعبها يقاتل باسم دولتها الآتية على جناح تضحياته، وأن السلطة تقاتل باسم مصالحها ونظامها النافي للدولة كيانا ووجودا ووظائف. ولا مراء أخيرا في أن حسابات النظام لم تتحقق، وأن ما جرى يتطلب قراءات متعمقة، ستتم من دون أي شك في المستقبل، بعد زوال الكابوس الجاثم على صدر سوريا.

ان ما جرى تم لأسباب، منها:

- أن السوريين أحرار. لو لم يكونوا كذلك لما شكلوا من أنفسهم شعبا مناضلا تخطى، وهو تحت النار، حال الفرقة والتمزق، ولما واجهوا قوة منظمة على خير وجه وممولة ومكلفة بمهام معروفة جيدا ومبنينة بدقة. لو لم يكن السويون أحرارا، ولو لم يلتقوا على الحرية كهدف جامع وملموس، لما نجحوا في تشكيل مقاومة منظمة في حمأة المعارك، ولما كانوا قد قطعوا المسافة التي اجتازوها نحو تغيير معناه الوحيد في نظرهم، جعل المجال السياسي في بلادهم حرا، لأن هذا هو المعنى الممكن الوحيد لاسقاط النظام، ولأنه المعنى الذي يمكنهم إنجازه انطلاقا من ذواتهم الحرة. يطالب السوريون بالحرية ويريدون بها الدولة الحرة، التي سينتجها نضالهم كبشر أحرار، لم يكن النظام قادرا على رؤيتهم أو تلمس وجودهم، لاعتقاده أن الشعب العادي لا يتحسس الحرية ولا يهتم لغيابها عن حياته، وتلك غلطة لو لم يقترفها لما ثار الشعب عليه ،ولما كان هناك من يقول اليوم: سوريا، اي الدولة، بدها حرية.

من الذي صنع هذه القسمة، التي جعلت السلطة نقيض شعب ودولة وحدتهما حتى صار الشعب يموت من أجل تحريرها من الطغيان، وها هي توشك ان تنبثق من حطام مدن وقرى يدمرها النظام، لكنه يعجز عن تدمير حملتها من أبناء الشعب العريق الذي كان احد مؤسسي الحضارة، واستحال قهره على مر التاريخ، كما استحال القفز من فوقه في أية مرحلة تاريخية أو حقبة تحديات حاسمة، علما بأنه كثيرا ما خبر مراحل من الشدة والعنف لا تقل عما يواجهه في المرحلة الراهنة، وصد أخطار الفرنجة والمغول ثم التخلف العثماني وأخيرا الاستعمار الأوروبي، من هنا كان أستاذي الياس مرقص يقول دوما: إن هدف حرب حزيران كان تدمير القيادة في مصر والمجتمع في سوريا، وإن من فعل ذلك هم اهل السلطة من جنرالات وعسكر.

- انماط التضامن الجديدة التي ولدت خلال معركة الشعب من أجل بلوغ الحرية، وتقوم على قدر أعظمي من الغيرية والتضحية في سبيل الآخر، أيا كان، انطلاقا من وعي يرى في السوريين جسدا واحدا يجب أن يكون لكل مواطن فيه قدرا متساويا من حق المشاركة في الوطن، الذي سيبنى لبنة فوق لبنة على أنقاض حال التمييز والأنانية والإفساد والفرقة، التي عاشت بفضل تحريض السوريين بعضهم ضد بعض وإثارة خلافات مفتعلة غالبا بينهم، وتواصل اليوم العمل لشق صفوفهم وضربهم، أحدهم بالآخر، لكن التضامن الشعبي/ الوطني يفوت عليهم فرص تحويل التنوع إلى تناقضات، ويحول بينهم وبين قلب ثورة الحرية إلى اقتتال طائفي، رغم حوادث طائفية مدانة وقعت هنا أو هناك، كما يفوت عليهم أخيرا فرص إثارة حرب أهلية أرادوا أن يغرقوا فيها الشعب المصمم على التخلص منهم. تتخلق سوريا الجديدة في الصراع، ومع تخلقها يولد الشعب الذي كان النظام يتساءل باستغراب عن مكان وجوده في النظام، فيطمئن لأنه لا يجد له مكانا فيه، وبالتالي في وطن تملؤه أجهزته وتسد جميع مسامات جلده، بما انها تغطي البلاد وتكتم انفاس العباد!.

- خروج النظام من الشعب، الذي يعبر عن نفسه في درجة العنف التدميري الشامل الذي يستخدمه ضده، كأنما يريد عبر عنفه، الإقرار بأنه ليس شعبه بل هو شعب عدو، وخروج الشعب من النظام، الذي يجد تعبيره في حجم المقاومة الوطنية الهائلة الاتساع والتصميم، التي حولت النظام إلى غازٍ خارجي، وفاقت بأشواط ما أبداه خلال ثورته ضد الانتداب الفرنسي، الذي لم يستخدم ولو جزءا ضئيلا من العنف الذي يستخدمه ضدهم نظامهم الذي نزع عنفه عنه صفات الممانع والمقاوم والوطني، التي كان يعزوها لنفسه.

يتقدم المجتمع السوري من الغياب إلى الحضور، ومن الفرقة إلى الوحدة، ومن الضعف إلى القوة، ومن السلبية إلى الفاعلية، ومن الخوف إلى الشجاعة، ومن الخنوع إلى رحاب الحرية، ومن عالم مأزوم ومتخلف إلى عالم حر ومتجدد، ومن قيم الذل إلى قيم الكرامة، ومن واقع التمييز إلى وعد المساواة والعدالة، ومن سلطة أكلت الدولة إلى مجتمع يقيم دولته ويقضم السلطة قرية قرية وبلدة بلدة ومدينة مدينة وفي كثير من الاحيان بيتا بيتا .

أيهما أقوى: هذا المجتمع أم سلطته التي فات زمانها واخذت تلفظ أنفاسها الاخيرة في اربع زوايا سوريا، الذي لم تعد تشبهه او يشبهها، ولم يبق لديها من خدمات تسديها له غير تدميره المنهجي، دفاعا عن تسلط يقتله بالعنف العاري؟

ملاحظة: ثمة نقطتا ضعف خطيرتان في المجتمع السوري هما أولا: تعبيراته السياسية الحزبية، التي عجزت عن الارتقاء إلى سويته الخارقة، ولا بد أن تتخلق من الآن فصاعدا تعبيرات سياسية تجسد رغباته ،على أن تنطلق من قاعدته المجتمعية وما أفرزته من قوى جديدة، وتفعل ذلك بسرعة، ولا تنطلق من فوق: من نخبه السياسية البائسة. وثانيا: استقواء هذه التعبيرات الحزبية بالخارج وعملها على وضع القضية السورية بين يديه، في تنافس خسيس مع السلطة، التي سعت منذ اليوم الأول لإخراج حلول الأزمة من أيدي السوريين.

كاتب سياسي ـ سوريا

=================

هل المعارضة السورية متطرفة؟

طارق الحميد

الشرق الاوسط

3-11-2012

لا إشكالية في أن تكون المعارضة السورية ممثلة من جميع السوريين، ومنهم المقاتلون على الأرض، وهذا أمر طبيعي ومهم، بل يجب ألا تكون المعارضة السورية ممثلة بلون واحد، خصوصا بعد كل تجارب دول الربيع العربي التي شهدت حضورا ساحقا للون واحد من المعارضين وهم الإسلاميون، لكن هل المعارضة السورية متطرفة، أو مختطفة من المتطرفين؟

هذا رأي غير دقيق، ولو أن من قالته هي وزيرة الخارجية الأميركية السيدة هيلاري كلينتون، وخصوصا أن بشار الأسد قد قاله قبلها، ومن أول يوم في عمر الثورة السورية، الحقيقة أن المعارضة السورية أُهملت قرابة العامين، أي عمر الثورة، ومن قبل الجميع، عربيا ودوليا، وكل الجهود التي بذلت لتوحيدها كانت إما محاولة استقطاب، فمن يفضلون الخط الإخواني يعززون صفوفهم، وإما أن التعامل مع المعارضة كان من باب تضييع الوقت، حتى إن بعض المسؤولين كان يتحرج من التقاط الصور مع المعارضة السورية! وبالتالي، وبعد قرابة العامين من عمر الثورة السورية، وستة وثلاثين ألف قتيل سوري، فمن الطبيعي أن تتعقد الأمور اليوم، ليس بسوريا فحسب، بل في صفوف المعارضة السورية نفسها، والواجب الآن هو وضع خطة عملية تراعي عدم تكرار أخطاء دول الربيع العربي، والتي جاءت معظمها برعاية غربية وبعضها عربية، من مصر إلى تونس، وبعض المحاولات في ليبيا، لفرض الإخوان المسلمين بتلك الدول على اعتبار أنهم الطرف الأقوى والمنظم، فهذا أمر لا يجوز إلا في حالة الاستقرار، حيث إن القوي في الشارع هو من يكسب الانتخابات، مثلا، أما في حالة الفوضى، وإعادة بناء الدول، فيجب أن تكون الدساتير، والتشريعات، هي الضامنة للجميع، مع إعطاء الفرص، وهذا الخطأ الذي تعاني منه دول الربيع العربي هو نفسه الذي حدث بعراق ما بعد الاحتلال، حيث أعطيت الغلبة للطرف المنظم والقوي على الأرض، وهم الشيعة، فأصبح العراق من حينها بلدا طائفيا، إقصائيا، والأمر نفسه في دول الربيع العربي، وهذا ما لا يجب تكراره بسوريا، سواء من قبل المجتمع الدولي، أو العرب، أو المعارضة السورية نفسها.

ولذا، فإن اللوم أمر غير مجدٍ الآن، وخصوصا أن الثورة السورية قد شهدت ما يكفي من عمليات تزوير وحيل منظمة، سواء من نظام الأسد، أو المجتمع الدولي، فالقول بأن ما يحدث في سوريا هو حرب أهلية كان تزويرا، بل هو ثورة جوبهت بعنف مسلح منظم، والقول بأن «القاعدة» متورطة مع الثوار هو تزوير أيضا، فمع استخدام الأسد لكل أنواع الأسلحة، ومشاركة الإيرانيين، بكل إمكاناتهم، وكذلك حزب الله، والأسلحة الروسية، لا يمكن أن يلوم أحد السوريين ولو استعانوا بالشيطان! والتزوير لا يقف هنا، فمهمات الدابي، وأنان، والإبراهيمي، أيضا كانت تزويرا وإضاعة للوقت، ولذا فإن مواصلة إلقاء التهم على المعارضة السورية الآن تعد عملا غير مسؤول، فالمطلوب هو العمل الجاد، وأولى خطواته بالنسبة للعرب والمجتمع الدولي هي عدم تفضيل طرف على آخر، وضرورة تحديد الإطار الذي يشمل جميع السوريين، مما يعني إعادة تشكيل المجلس الوطني من دون تفضيل أو محاباة، فسوريا الجديدة يجب أن تكون لكل السوريين، كما يجب أن تتفادى أخطاء دول الربيع العربي.

======================

تفرد الثورة السورية

عمر كوش

المصدر:الجزيرة نت 29/10/2012

لم تواجه أية ثورة شعبية -في العصر الحديث- ما واجهته الثورة السورية من أعمال قتل ومجازر وتصفيات، ارتكبها النظام الدكتاتوري الحاكم بحق الثائرين وحاضنتهم الاجتماعية. ولعل أهم ما يميز الثورة السورية، هو الإصرار المنقطع النظير لدى شبابها وناسها على مواصلة حراكهم الذي بدأ منذ أكثر من تسعة عشر شهراً، والاستعداد الهائل عندهم لتقديم التضحيات الجسام في الأرواح والممتلكات، وعزمهم على عدم التراجع أو التوقف عن الطريق الذي ساروا فيه، قبل أن تتحقق مطالبهم وآمالهم.

ويمكن القول إن خصوصية الثورة السورية لا تكمن في موقع سوريا الجيوسياسي أو في تركيبتها الاجتماعية والإثنية والدينية، بل في أنها تواجه أعتى نظام قمعي في منطقة الشرق الأوسط. نظام يعتبر بعض قادته العسكريين أنهم قوة احتلال، ويتصرفون على هذا الأساس، وبالتالي فمن المشروع أن يقاوم الشعب السوري الاحتلال حتى يتحرر وينال حريته، الأمر الذي ينسج تفرد الثورة السورية في الاقتران المشروع بين الحرية والتحرر.

الخصوصية السورية

منذ اليوم الأول للثورة واجه النظام جموع المحتجين السلميين بالعنف، وبإطلاق الرصاص والاعتقال والتصفية والتعذيب، واتبع سياسة أمنية منهجية، استمر فيها بشكل متصاعد، بعد أن صادر المجال العام، وأغلق أبواب السياسة، مطلقاً العنان لأجهزته الأمنية ومجموعات الشبيحة لسلوك أبشع الطرق وأقساها في القمع الشامل بغية إسكات أصوات المحتجين، وتصفية الناشطين الميدانيين، ثم تطور الأمر إلى إقحام الجيش، وزجه في معركة الدفاع عن النظام، فراحت آلياته العسكرية وطائراته الحربية تقصف الأحياء والبلدات المأهولة، الأمر الذي أفضى إلى ارتكاب المجازر المتنقلة، وتدمير وتهجير وترويع الناس الآمنين. 

 

وباردت قوى النظام -خلال الأشهر الأولى من الثورة- إلى اعتقال وقتل الكوادر الشبابية المثقفة، بهدف إبعادها عن الحركة الاحتجاجية السلمية، وحرمان الثورة من قادتها السياسيين، كي يسهل قمعها وإخمادها. ومع تواصل القمع الأمني وتزايد أعمال القتل ضد المتظاهرين السلميين وقادة الاحتجاج السياسي، بدأت الحواضن الاجتماعية للثورة بالتفاعل، الأمر الذي أنتج مظاهر دفاعية مسلحة بغية الدفاع عن النفس وحماية المظاهرات السلمية، والوقوف ضد التوغلات العسكرية. يضاف إلى ذلك الانشقاقات العسكرية التي راحت تتسارع مع توغل قوى النظام في ارتكاب المجازر وقصف الأحياء والبلدات ومختلف المناطق المدنية.

ونشأ في إثر تركيز النظام على الحل العسكري غياب لسلطة الدولة عن مناطق وبلدات وأحياء مدن عديدة، وراح ساسة النظام وقادة عسكره يرددون كلاماً عن دخولهم مرحلة الحسم الهادف إلى قمع الثورة، وتحويل الأزمة الوطنية العامة الناتجة عن تعامل النظام مع الثورة إلى صراع مسلح.

واتبع النظام السوري للدفع في هذا الاتجاه أسلوب تدمير المناطق الثائرة، وقصفها بالطائرات والدبابات والراجمات والرشاشات وسواها، الأمر الذي يفسر سقوط عشرات الآلاف من الشهداء ومئات الآلاف من الجرحى، وعشرات الآلاف من المفقودين والمعطوبين، فضلاً عن أكثر من مائة ألف معتقل، وتهجير وتشريد أكثر من ثلاثة ملايين سوري، داخل سوريا وخارجها.

التميز والتفرد

لقد جرى التأسيس للثورة السورية حول مطالب وشعارات وطنية جامعة لكل السوريين، تمحورت حول الكرامة والحرية، حيث انطلق أول شعار "الشعب السوري ما بينذل"، هتفت به جموع من السوريين في منطقة "الحريقة" بدمشق، وتأقلم نفس الشعار في درعا في صيغة "الموت ولا المذلة"، بعد سقوط عدد من الشهداء، ثم تحولت لغة الشعارات من رفض المذلة وإعلاء قيمة الكرامة، وتفضيل الموت على الخضوع، إلى المطالبة بالحرية، وجعلها مقام تشييد للغة الثوار، وذلك بالتلازم مع رفض الاستمرار في العيش في ظل الوضع القائم. وبات شعار "الله.. سوريا.. حرية.. وبس"، يكمل ثنائية الكرامة والحرية، بوصفهما مركبيْ التأسيس للثورة السورية.

ومع الامتداد الأفقي للحراك الثوري، كرّس الالتفاف حوله تعاضد فئات وشرائح اجتماعية وسطى وفقيرة واسعة، أجمعت بواسطة الدم والتضحيات على لحمة خيوط النسيج الوطني الحديث، وعلى وحدة السوريين بمختلف مدنهم وبلداتهم وقراهم، وبمختلف مكوناتهم وأطيافهم الدينية والمذهبية والإثنية، جسدتها شعارات عديدة، يختصرها شعار: "واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد"، بل إن الشعار ذاته "بالروح بالدم نفديك يا درعا" أعلن امتداد التعاضد والتكاتف إلى مختلف المناطق، حيث تناوبت وتتالت أسماء المدن والبلدات فيه، من جنوب سوريا إلى شمالها، ومن غربها إلى شرقها.

ومع تزايد سقوط الشهداء وسيلان الدم في الشوارع والساحات تغايرت لغة الشعارات ومضامينها، وراحت تطالب بإسقاط النظام ورحيل رموزه، وإظهار التضامن والتعاضد مع مختلف المدن والبلدات التي تعرضت للقمع الشديد. وعند بروز المكون العسكري -من منشقين عن الجيش النظامي ومتطوعين- راحت الشعارات تطالب بحماية المدنيين، وتحيّي الجيش الحرّ، وتطالب بالتسليح، وسوى ذلك.

وتشير الشعارات السياسية التي رفعت في مظاهرات الثورة السورية إلى رمزية خاصة، وإلى تحولها وتجسدها في ثنايا خطاب وطني يتوجه إلى عموم السوريين، حتى باتت مكوناً أساسياً للتواصل بين المحتجين والجمهور العام، وإطاراً للمفاهيم الثقافية والسياسية والاجتماعية، الأمر الذي شكّل ظاهرة لمأسسة مفاهيم الثورة، ومخاطبة جموع الداخل والخارج، والأهم هو أنها راحت تنهل من معين حياة الناس وذاكرتهم، وتعكس طموحاتهم ومطالبهم وآمالهم وتطلعاتهم، ولها تفاعلاتها الداخلية والخارجية.

 

ارتباط الحرية بالتحرر

أعطت الثورة السورية معنى جديداً لعلاقة الحرية بالتحرر، حيث إن ثورات العصر الحديث ربطت بين مفهوم الثورة والحرية، وليس العدالة أو الكرامة، وهو أمر يسم مختلف الثورات بشكل عام، والثورات العربية التي أطاحت بأنظمة الاستبداد في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن.

غير أن ارتباط الثورة السورية بالكرامة أرجح من ارتباطها بالعدالة، لكنه قد لا يفوق ارتباطها بالحرية، ذلك أن الحرية باتت الفكرة الحاضر في عالم اليوم، كما هي الحال عليه في عالم ما بعد الثورة الفرنسية، بوصفها -أي الحرية- تمثل المعيار الأعلى للحكم على الأنظمة السياسية، وبالتالي ليس فهم الثورة وحده، بل مفهوم الحرية -وهو ثوري بالأصل- هما اللذان عليهما يتوقف الترابط بين الثورة والحرية.

ويبدو أن النظام السوري حين عمد إلى منع المتظاهرين السلميين من الوصول إلى الساحات والأماكن العامة والتجمع فيها، وواجههم بالقتل والاعتقال والتنكيل، فإنه أراد أن يستكمل السيطرة والاستحواذ، أو بالأحرى احتلال البلاد الذي قام به العسكر الانقلابيون، الذين وطدوا بدورهم دعائم النظام الحالي، منذ أكثر من أربعة عقود.

وراحت قوى النظام وأجهزته ومافياته تحتل مؤسسات الدولة، لتجعل منها مجرد ملحق وتابع لسلطتها، فقامت بمصادرة مختلف الحريات الفردية والجماعية، واحتلت السلطة الفضاء العمومي بعد أن صادرت السياسة بمعناها المدني الواسع.

وجاءت الثورة السورية كي تكشف طبيعة الاحتلال السلطوي للدولة والمجتمع، إذ لم تتردد السلطة في إقحام قطعات الجيش للهجوم على مناطق المدنيين في مختلف مناطق وبلدات ومدن سوريا، وأطلقت العنان لأجهزة الأمن وفرق الشبيحة لقتل الناشطين والتنكيل بأي شخص غير موال، فتزايدت المجازر والجرائم، وتزايدت أعداد القتلى والجرحى والمعطوبين والمعتقلين والمهجرين، وتزايد الدمار والخراب، وظهرت الانشقاقات في الجيش، ولجأ كثير من السوريين إلى التسلح دفاعاً عن أنفسهم وأحيائهم وأماكن سكناهم، وبالتالي اكتسبت الثورة مركباً مسلحاً لمواجهة جيش النظام وأجهزة أمنه وشبيحته، وراحت تتعامل مع النظام بوصفه قوة احتلال من حقها المشروع مقاومتها.

ولعل من بين خصوصيات الثورة السورية أن التطور الذي طرأ على مسارها -خصوصاً في عامها الثاني- تجسد في تحولها من ثورة تنشد الحرية إلى ثورة تنشد التحرر والحرية معاً، الأمر الذي يستلزم النظر في علاقة الثورة بالتحرر، مع الأخذ بعين الاعتبار أن معنى الثورة الشعبية يكمن في كونها فعلا مقاوما للظلم والقهر والقمع، أي أنها فعل مناهض للاستبداد في مختلف صوره، ومناهض للاحتلال بمختلف أشكاله وتجسيداته.

ولا شك في اختلاف التحرر عن الحرية، ومع أن التحرر هو شرط بلوغ الحرية لكنه لا يقود إليها بشكل آلي، كما أن الرغبة في الحرية مختلفة عن الرغبة في التحرر، مع أن التداخل في الحالة السورية بات واضحاً بين التحرر والحرية، بل ويمتلك مؤشرات واقعية، خصوصاً بعد استباحة قوى النظام الأحياء والبلدات التي تقتحمها قوات الجيش، حيث الدمار والهدم ونهب البيوت السكنية والمحال التجارية وسوى ذلك يجري علناً في وضح النهار، وبفعل مقصود وممنهج، ويشرعن لهذه العمليات بوصفها غنائم حرب، يجري نقلها في مواكب علنية واحتفالية من طرف قوى النظام.

 

وكم هو مفجع أن تجري احتفالات كرنفالية في الأحياء التي تضم غالبية من الفئات الموالية حين يقتحم الجيش حياً أو قرية أو مدينة ثائرة، بل حين يصور رموز النظام وساسته وأبواقه الإعلامية تلك العمليات وكأنها أعمال بطولية وإنجازات.

واللافت هو أن ساسة النظام السوري لا يخجلون من أنفسهم حين يصورون قصف مناطق المدنيين بالصواريخ والقنابل العنقودية والبراميل المتفجرة بأنها عمليات جراحية أو عمليات تعقيم وإبادة لجراثيم فتاكة.

وبات من الطبيعي اليوم أن الناظر في اللغة التي يستخدمها الثوار السوريون، ومعظم الناس العاديين، يجد أنهم باتوا يتحدثون لغة تحررية، حيث يتم الحديث عن المناطق التي يسيطر عليها الجيش الحر بوصفها "مناطق محررة"، فيما المناطق التي يعيد النظام السيطرة عليها توصف بالمناطق المغتصبة، بل إن ضباطاً من الجيش السوري العقائدي راحوا يصرحون علناً لوسائل الإعلام بأنهم يعملون كقوة احتلال وليس كقوة أمنية، وأنهم يعرفون تماماً أنهم باتوا قوة احتلال في نظر سكان المناطق السورية التي يجتاحونها.

 

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ