ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم 5-11-2012 هولوكوست
سورية: لا دموع إلا للتماسيح! صبحي حديدي 2012-11-04 القدس العربي
على صفحته الشخصية في
'تويتر'، كان جون ماكين، المرشح
الجمهوري الذي خسر أمام الرئيس
الأمريكي الحالي باراك أوباما في
انتخابات 2008، قد حثّ متابعيه على قراءة
مقال عن سورية، نشرته صحيفة 'واشنطن
بوست'، وحمل العنوان المثير: 'كيف نوقف
المجزرة في سورية'. 'لا غنى عن قراءته'،
كتب ماكين يمتدح المقالة التي وقّعها
إيلي فيزل، الأمريكي ـ الرومانيّ
الأصل، الناجي من معسكر أوشفتز ـ
بيركيناو، القيّم (بقرار تعيين ذاتيّ!)
على تراث الهولوكوست، حامل نوبل
السلام للعام 1986 (لأنه 'الرسول إلى
الإنسانية' كما عبّرت اللجنة النروجية)،
ومؤلف قرابة 54 كتاباً في المذكرات
والتاريخ المقالة والرواية... فما الذي دفع ماكين
إلى ذلك الحماس؟ وما الذي يقترحه فيزل
لإنقاذ سورية من المجزرة؟ وكيف يستقيم
أن يأتي الإنقاذ من هذا الرجل بالذات،
نصير إسرائيل (التي لا يطيب لها إسقاط
النظام السوري، في المدى المنظور على
الأقلّ)، المدافع الأعمى عن سياساتها
واحتلالاتها وحروبها؟ وهل ثمة صلة ما،
من أيّ نوع، يقيمها فيزل بين عذابات
السوريين طيلة 20 شهراً، وعذابات
معسكرات الاعتقال في أوشفتز أو داخاو
أو بوخنفالد؟ وما حقيقة صحوة ضمير
فيزل، إذا جاز اعتبارها هكذا، بعد طول
صمت على عشرات المجازر التي ارتكبها
النظام، وشكّلت ما يقترب من هولوكوست
بطيء مستديم، مفتوح ومتدرّج؟ حماس ماكين هو نفاق
محض، بادىء ذي بدء، وتزلف لا يُعتدّ
به، ولا يفاجىء إلا السذّج؛ خاصة وأنّ
مقالة فيزل تنهض، بدورها، على نفاق من
طراز آخر؛ وليس مستغرباً أن يطبّل
الساسة الأمريكيون، في الصفّ الجمهوري
مثل الديمقراطي، لكلّ ما يتلفظ به هذا
القيّم ذو السطوة والنفوذ، إنْ لم يكن
من أجل استرضائه وخطب ودّه، فعلى
الأقلّ اتقاءً لغضبه الماحق الذي
يستدعي سخط مجموعات الضغط اليهودية
جمعاء! هذه النتيجة تعززها حقيقة أنّ
مقترحات فيزل، في هذه المقالة وسواها،
تسير على نقيض سلسلة المقترحات التي
طرحها ماكين بخصوص الوضع في سورية:
الأخير يريد 'تسليح السوريين لكي
يدافعوا عن أنفسهم'، والأوّل 'ليس
واثقاً من أنّ المساعدة بالأسلحة هي
الحلّ المفيد'. ذلك لأنّ فيزل، وبعد
تسفيه حلول أخرى مثل العقوبات
الاقتصادية وطرد سفراء النظام،
واستبعاد التدخل العسكري الأمريكي (لأنّ
'الشعب الأمريكي تعب من شنّ الحروب
البعيدة'، و'العائلات الأمريكية فقدت
أكثر ممّا ينبغي من الأبناء والبنات في
نزاعات نائية')؛ لا يُبقي للسوريين إلا
بصيص الأمل، شبه الوحيد، التالي: 'لِمَ
لا ننذر الأسد بأنه، ما لم يوقف
السياسة الإجرامية التي ينخرط فيها،
سوف يُلقى القبض عليه، ويُحال إلى
محكمة الجرائم الدولية في لاهاي،
وتُوجّه إليه تهمة ارتكاب جرائم بحقّ
الإنسانية. مثل هذه التهمة سوف تثبط
عزيمته. وسوف يخسر كل دعم، وكل تعاطف،
في طول العالم وعرضه. ولن يدافع عنه أي
شخص شريف. ولن تقبل أية أمّة بمنحه
الملاذ...'! هل يمزح فيزل؟ كلا،
بالطبع. أهو جادّ في ما يقول؟ ليس
تماماً، وإنْ كان اختلاط الجدّ بالهزل
مسألة فيها نظر هنا. أهو صادق، في
مشاعره تجاه محنة السوريين؟ كلا، وألف
كلا! أبناء سورية يعرفون أنه ما من جهة (في
سياق ما يقصده فيزل، على صعيد 'المجتمع
الدولي' وأشباهه من مسميات) سوف تبادر
إلى اتهام الأسد، فكيف باعتقاله؛ وثمة
لائحة مكشوفة من الأمم التي ستواصل
الوقوف إلى جانب نظامه، وستمنحه
الملاذ؛ ومثلها لائحة الذين سيتابعون
التعاطف معه، سرّاً أو علانية،
ومعظمهم سيأتي من صفوف 'الممانعة'
الزائفة و'اليسار' المتواطىء؛ إذا
وضعنا جانباً أصحاب المصلحة، فعلى
امتداد الديمقراطيات الغربية، في بقاء
نظام تعايشوا معه طيلة أربعة عقود
ونيف، وخبروا ما وفّره من أمن على طول
خطوط الاحتلال الإسرائيلي للأراضي
السورية. وعلى غرار 'المفكر'
الفرنسي برنار ـ هنري ليفي، بل أسوأ
وأشدّ خبثاً وأبعد عاقبة، لا يملك فيزل
أية مصداقية أخلاقية، ولا سياسية
بالطبع، كي يدافع عن حقّ شعب عربي هنا،
في سورية؛ وفي الآن ذاته يمارس النقيض،
من امتداح الغزو والاستيطان
والاحتلال، إلى تحوير التاريخ وتشويه
الحقائق، ضدّ شعب عربي آخر، في فلسطين
مثلاً. أحدث مآثر فيزل، في هذا الملفّ،
أنه استأجر مساحة إعلانية، على امتداد
صفحة كاملة في 'نيويورك تايمز'، وثلاث
صحف يومية أخرى، ينتقد فيها ضغط أوباما
على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو، بخصوص وقف البناء الاستيطاني
في القدس، ويقول: 'بالنسبة إليّ، أنا
اليهودي، القدس فوق السياسة. إنها
مذكورة أكثر من ستمئة مرّة في كتبنا
المقدّسة، ولا تُذكر مرّة واحدة في
القرآن. القدس ملك الشعب اليهودي، وهي
أكثر من مجرّد مدينة. حزنها وفرحها جزء
من ذاكرتنا الجَمْعية'. وفيزل، في نهاية
المطاف، هو أحد 'صناعيي' العذاب
اليهودي، تماماً كما وصفه نقّاد يهود (نورمان
فنكلشتاين، على سبيل المثال الأبرز)،
ممّن حوّلوا الهولوكوست إلى 'صناعة'؛
وبالتالي لا يُنتظر منه أن يصدق إزاء
كلّ، وأيّ، عذاب إنساني. ومَنْ اعتبر
تقرير ريشارد غولدستون، عن البربرية
الإسرائيلية في غزّة، بمثابة 'جريمة
ضدّ الشعب اليهودي'، هيهات له أن يذرف
على الشعب السوري إلا... دموع التماسيح! ================= عبد الباري
عطوان 2012-11-04 القدس العربي
فجأة، وبعد تصريحات
نارية صريحة من السيدة هيلاري كلينتون
وزيرة الخارجية الامريكية، اصبحت
المعارضة السورية وخلافاتها تحتل
العناوين الرئيسية في معظم الصحف
ونشرات أخبار التلفزة العربية
والاجنبية. فماذا حدث بالضبط، ولماذا
كل هذه الجهود والاجتماعات، وفي مثل
هذا التوقيت بالذات؟ من المؤكد ان السيدة
كلينتون لم تبادر بسحب الشرعية
التمثيلية من المجلس الوطني السوري،
وبمثل هذه القسوة والحسم، وتطالب بجسم
تمثيلي اوسع يضم فصائل الداخل
المقاتلة، واعطائها دورا اكبر في
قيادة العمل السياسي السوري المعارض،
لولا وجود مشروع تدخل امريكي من
المرجّح ان يكون عسكريا. السيدة كلينتون كانت
من ابرز المساندين للمجلس الوطني
السوري طوال العشرين شهرا الماضية،
وكادت ان تستصدر قرارا ملزما من تحالف
اصدقاء سورية، الذي يضم مئة دولة،
بالاعتراف به كممثل شرعي وحيد
للمعارضة، وكبديل للنظام الحاكم في
دمشق، ولكن اقتحام القنصلية الامريكية
في بنغازي، وانفجار العنف في مختلف
انحاء ليبيا كان نقطة التحول الرئيسية
في موقف كلينتون وحكومتها. الدور المحوري الذي
تلعبه الجماعات الجهادية في سورية
حاليا، والمناطق الواقعة خارج سيطرة
النظام في ادلب وحلب ومعرة النعمان
واعزاز، وتصاعد وتيرة السيارات
المفخخة التي تستهدف مؤسسات امنية
تابعة للنظام، يثير قلق واشنطن وعواصم
اوروبية اخرى من تحول سورية الى قاعدة
جديدة لتنظيم القاعدة، والفصائل التي
تتبنى عقيدته السلفية الجهادية
المتشددة. هناك نظرية تقول ان
النظام السوري ربما انسحب من بعض
المناطق، ولم يحاول الدفاع عنها
بشراسة، خاصة في ادلب وحلب، بسبب
عاملين رئيسيين: الاول هو تقليص
خسائره، وبعد ادراكه بأن الهزيمة
محققة، والثاني رغبته في خلق فتنة بين
المقاتلين السوريين والجماعات
الجهادية، ثم بين هذه الجماعات وقطاع
من المواطنين السوريين الذين يفضلون
مجتمعا مدنيا، ولا يستطيعون العيش في
ظل تطبيقات متشددة للشريعة الاسلامية. ' ' ' في مدينة حلب، على
سبيل المثال لا الحصر، اعترف بعض
العناصر التابعة للجيش السوري الحر
بعدم رضا بعض اهالي المدينة على اسلوب
إدارتهم لبعض المناطق، كما وقعت
اشتباكات بين عناصر الجيش والاكراد في
الأحياء الكردية في المدينة. وليس ادل على وجود
خطة للنظام لتأجيج هذه الخلافات
والصدامات بين المواطنين، او بعضهم،
وقوات المعارضة المسلحة، استمراره، اي
النظام، في تزويد المناطق الواقعة تحت
سيطرة الاخيرة بالكهرباء والماء. الإدارة الامريكية،
باتت تعطي الأولوية في الوقت الراهن
لمحاربة الجماعات الاسلامية
المتشددة، والقضاء عليها قضاء مبرما،
ولهذا تخطط حاليا لتدخل عسكري للقضاء
على هذه الجماعات في شمالي مالي ومنطقة
الساحل الافريقي بشكل عام، وشن حرب
بطائرات بدون طيار في ليبيا للغرض نفسه. من الواضح ان واشنطن
تريد اطاحة النظام السوري، ولكن من
خلال تسليح مكثف للمعارضة السورية،
على غرار ما فعلته في افغانستان لطرد
القوات السوفييتية منها واسقاط النظام
الشيوعي الذي تدخلت لحمايته والحفاظ
على استمراره في السلطة، ولكن عمليات
التسليح المتفق عليها، لا يمكن ان تتم
في ظل وجود قوي للجماعات الاسلامية
المتشددة. السيدة كلينتون تريد
ان يقوم الجيش السوري الحر، والفصائل
العسكرية الاخرى المنشقة عن الجيش
النظامي بالدخول في حرب لتصفية
الجماعات الجهادية بأسرع وقت ممكن، و'تطهير'
الاماكن 'المحررة' منها كشرط لتزويد
هذه الفصائل بأسلحة حديثة ومتطورة مثل
صواريخ ستينغر المضادة للطائرات،
وصواريخ مضادة للدروع والدبابات، لأن
هذه هي الضمانة الوحيدة لعدم وقوع هذه
الصواريخ في ايدي الفصائل الاسلامية
المتشددة، وبما يؤدي الى استخدامها ضد
اسرائيل في مراحل لاحقة في حال اسقاط
النظام. السيد رياض سيف
المرشح لرئاسة حكومة المنفى السورية
التي ستكون البديل للنظام وحكومته،
تحدث بطريقة ذكية عن هذا المخطط عندما
قال ان واشنطن تريد تزويد المعارضة
بأسلحة حديثة متطورة اذا ما توحّدت
المعارضة واقامت جسما تمثيليا تنضوي
فيه معظم او كل فصائل المعارضة. لقاء الدوحة الذي بدأ
امس ويستمر لثلاثة ايام، وتشارك فيه
اكثر من 400 شخصية سياسية سورية معارضة
من مختلف ألوان الطيف السوري السياسي
سيكون هو الاختبار الحقيقي لهذا
المخطط الامريكي الجديد، وسيكون
التحدي الأكبر يوم الخميس المقبل
عندما تنضم فصائل معارضة الداخل، او
ممثلون عنها، الى الجسم السياسي
الجديد وانتخاب مكتب سياسي وحكومة
بديلة، وتوزيع المناصب والوزارات
بالتالي بطريقة مرضية للجميع. ' ' ' لا جدال في ان هناك
خلافات كبيرة ستحدث بسبب التنافس على
المقاعد، ولا غرابة اذا ما قرر البعض
تكوين معارضة ضــد المعارضة، ولن يكون
مفاجئا اذا ما اعـترضت قــوى
اقليمــية على التشكيل الجديد.
فاتهامات التخوين والعمــالة لامريكا
بدأت تتطـــاير ضـــد هـــذا او ذاك في
مواقع التواصل الاجتماعي، وكان لافتا
ان تركيا التي كانت القابلة التي ولد
على يديها المجلس الوطني السوري بدأت
ترفع الكارت الأصفر، وربما الأحمر
لاحقا، اذا لم ترق لها التشكيلة
الجديدة، واجتماع السيد احمد داوود
اوغلو المفاجئ مع قيادة المجلس الوطني
في اسطنبول قبل ثلاثة ايام، وقبل
توجههم الى الدوحة يطرح العديد من
علامات الاستفهام. الاربعاء المقبل
سيسدل الستار على الانتخابات
الامريكية، وتنتهي بذلك مرحلة
الانتظار وتأجيل القضايا الملحّة، ومن
بينها الملف السوري، وكل ما يمكن
التنبؤ به هو ان الاسابيع والشهور
المقبلة قد تشهد تحركات حاسمة، ومعارك
دموية طاحنة، وسقوط المزيد من
الضحايا، وربما بأعداد كبيرة. السؤال الذي يطرح
نفسه بقوة: هل سينجح المخطط الامريكي
الجديد في توحيد المعارضة وتسليحها
بعد ذلك، واسقاط النظام بالتالي؟ التريث في الإجابة هو
قمة العقل والتعقل، والانتظار وعدم
القفز الى النتائج هو عين الحكمة،لأن
كل المفاجآت واردة والأزمة مفتوحة على
كل الاحتمالات. ================= الأزمة
السورية ... إلى متى..؟ والى أين ..؟ * د.
ابراهيم بدران الدستور 5-11-2012 لم يكن احد يتوقع قبل
(21) شهراً، ان الأوضاع في سوريا سوف
تؤول إلى ما هي عليه الآن، خاصة أن تونس
ومصر لم تستغرقا بالمقارنة من الوقت
والضحايا إلا القليل. في سوريا اليوم
قتل وتدمير واختطاف، وتهجير للنساء و
الأطفال، و بيوت يسكنها أبرياء و مدارس
ومعابد كلها تحت النار، وتحت القصف
بالمدفعية والطيران. سوريا بأمهات
مدنها المتألقة على مدى التاريخ: دمشق
وحلب وحمص وحماة واللاذقية و درعا، وكل
قرية صغيرة فيها، طالتها نار الحرب
والتدمير، ولم تعد آمنة لسكانها ولا
لزوارها. أعداد القتلى تجاوزت (32) ألفا،
والجرحى تجاوزوا (120) ألفا، والمخطوفون
وصلوا (28) ألفاً، والمعتقلون عشرات
الآلاف والمهجرون إلى خارج سوريا (250)
ألفا، والنازحون داخل سوريا أكثر من
(1.5) مليون نسمة،. بمعنى أن ما يقرب من
(10)% من سكان سوريا قد أصيبوا إصابات
مباشرة في حياتهم, أو أجسامهم أو
مساكنهم أو معاشهم ،و أكثر من ذلك
بكثير أصيبوا بأحبائهم و أقربائهم. ومع
مطلع كل صباح تتجدد الآلام والأحزان
وتتسع.حتى خلال أيام عيد الأضحى لم
تنجح الجهود الدولية والنداءات
الإنسانية بالتوصل إلى هدنة قصيرة. ولازالت المأساة في
ذروتها: قتل وتدمير وترويع واغتصاب و
تهجير. وحكومة غائبة، وقيادة مصممة على
سياسة الأرض المحروقة، واستخدام القوة
المفرطة والأسلحة المحرمة دوليا
لإخماد الثورة مهما كان الثمن ومهما
كانت النتائج. و في عين الوقت معارضة
منقسمة على نفسها، لم تنجح في تكوين
جسم سياسي متماسك يمكن التعامل معه على
المستوى الدولي. وقوى دولية تتصارع على
مصالحها في المنطقة، ومجموعات مسلحة
محترفة للقتل مقابل المال و السلاح
وتتسلل عبر الحدود في كل اتجاه، وتدخل
أي بلد تتوافر فيه ظروف مشابهة. تتمثل عقيدة النظام،
بعدم تسليم السلطة، وعدم الاعتراف
بالفشل سواء في إدارة الدولة، أو
معالجة الأزمة. أما إستراتيجيته في
مواجهة الموقف فهي في عناصر سبعة.
الأول: استخدام القوة والبطش والترهيب
والترويع دون تردد، ولأطول فترة زمنية
متاحة، وإلى أبعد مدى ممكن. والثاني:
الاختباء وراء الدعم الروسي الصيني
وعصا الفيتو التي يشهرها كل من هاتين
الدولتين في وجه أي قرار دولي فاعل.
والثالث: التفاهم مع النظام العراقي و
التحالف مع إيران وحزب الله في لبنان،
والذي يعني انكسار النظام، الهزيمة
العاجلة لكل منهما. والرابع: خلط
الأوراق وتصدير الأزمة إلى الدول
المجاورة و خاصة لبنان والأردن، من
خلال إثارة الفتن والقلاقل
والاغتيالات والتفجيرات ونقل الأسلحة
و دخول المجموعات السلفية والمغامرة
والباحثة عن المناطق الرخوة وسواها.
والخامس: اللعب بورقة الطائفية
والجهوية والمذهبية في كل مكان وعلى أي
صعيد ممكن. و السادس:عدم قدرة الولايات
المتحدة الأمريكية وحلفائها على
التورط في أي مغامرة عسكرية. و السابع:
عجز المجموعة العربية عن الفعل و
التأثير. و يرى واضعو هذه
الإستراتيجية أن لا داعي للاستعجال،
فالحرب الأهلية في لبنان، والتي كان
للنظام دور بارز فيها، استمرت خمسة عشر
سنة. فما المشكلة في أن تستمر بضع سنوات
في سوريا ؟ خاصة وأن هناك الكثير من
المشكلات الدولية الضاغطة في أوروبا
وأمريكا تقلل من أولوية الحالة
السورية. هذا إضافة إلى الموقف
الإسرائيلي الذي يسوده عدم الرغبة
بتغيير الأوضاع في سوريا نظرا للهدوء
الكامل الذي شهدته الحدود السورية
الإسرائيلية، وبالتالي السكوت عن ما
يجري. فليس هناك أفضل لإسرائيل من أن
تستنزف الأقطار العربية المحيطة بها
إمكاناتها وجهودها، وتغرق في بحر من
الصراع الأهلي وتمعن في خضم الفرقة
والتخلف. ومن جانب آخر فإن المصالح
الروسية تتمثل في القواعد البحرية في
طرطوس وتصدير الأسلحة والمعدات،وفي
نفس الوقت صرف النظر عما يجري في روسيا
نفسها من ممارسات ضد الأقليات. والسؤال الذي يتكرر
للمرة الألف هو: أي نظام هذا الذي يحارب
شعبه بهذه القسوة والوحشية؟ ولماذا
ومقابل ماذا؟ آي نظام هذا الذي لا
يستطيع آن يفهم ما يجري في العالم من
تغيرات ويصر على أن يتملك “ملك اليمين”
بلداً بأكمله تملكاً عائلياً عصبويا
متوارثاً بقوة الحديد والنار حتى لو تم
تدمير البلاد بأكملها؟ من أقصى شمال
سوريا في ادلب إلى أقصى جنوبها في درعا..؟.
و أي نوع من الحكم سيمارس وهناك المئات
والآلاف من المواطنين يتحفزون للثأر و
الانتقام لضحاياهم؟. حتى لو انتصر
النظام، وهو بشكل مطلق لن ينتصر، فبأي
شرعية سيواجه الناس والمواطنين
البسطاء؟ ناهيك عن القوى السياسية
والمفكرين والعلماء والجيل الصاعد من
الشباب؟ لقد أطلق النظام
مجموعة من القصص الهزيلة، وصدق أنها
ستكون مقبولة للشعب السوري و للعالم،
وأنها كافية لتبرر له كل ما يفعل و تبيح
له كل ما يريد. هل يعقل إن الرئيس
السوري لم يتأثر بالمحيط الذي درس فيه؟.
هل يعقل آن رؤيته للحكم بقيت كما ورثها
عن والده والحلقة المحيطة به وليس كما
عاشها في لندن؟ ألقذافي كان لا يرى
أحدا في العالم سوى نفسه وأولاده. ولا
يرى في الليبيين المطالبين بالحرية
والكرامة والحق الإنساني سوى جرذان.
وعلي صالح لم يكن يرى في الثوار سوى
عملاء. ومبارك كان ينظر إليهم أنهم
مجرد مأجورين، تسلموا المال من
أمريكا، وتدربوا في معسكراتها التي
كان هو نفسه أكثر من خاضع لها.. وابن علي
كان يستعصى عليه الفهم حتى اللحظة
الأخيرة حين قال ( الآن فهمتكم). فهل
يختلف الوضع في سوريا عن هؤلاء؟؟ يختلف
أن الرئيس كان أكثر تعليماً واحتك
بالحضارة الغربية القائمة على الحريات
والديمقراطية والتقدم والمشاركة
الشعبية والإبداع وحق الشعوب بتغيير
حكامها . إن شهوة الحاكم العربي للسلطة
لا يحدها حد، أو يحجمها سقف ،حتى لو
كانت على جماجم الأطفال والنساء. وحتى
لو دمر من اجلها أجمل المدن وأعرقها.
الحاكم العربي لا يرى نفسه أبدا جزء من
الشعب، أو ممثلا له ناهيك أن يكون
خادماً له. وإنما هو دائما فوق الشعب،
يمتطيه ليعدو في الفضاء كما يريد.
ونقطة الانطلاق في امتطاء الشعب لديه
يتمثل في إخضاع من حوله لرغباته
ونزواته وشهواته المطلقة... والسؤال هو.
لماذا لم يغير التعليم ولم تغير
الثقافة على مدى خمسين سنة شيئاً من
هذه الحالة النمطية؟ وللأسف فإن المعارضة
السورية وهي ترى نظاما لا يردعه رادع،
وترى شعبها يقتل صباحاً ومساءً
وأطفالها يحرمون من حياتهم ومدارسهم
هذه المعارضة تعجز عن الاتفاق وتقصر في
التوافق وتفشل في التوحد.. ما الذي يقنع
المعارضة أنها بانقساماتها وتنافسها
وتناحرها تعطي النظام الفرصة الذي
يريد ليستمر على ذات المنهج ويعلن
للسوريين ان لا بديل. إن المأساة
الإنسانية في سوريا لن تنتهي دون توحد
المعارضة ودون المساندة العربية غير
المترددة أو المتقطعة ودون أن يكون
للأمم المتحدة دور فاعل. ولكن المستقبل
هو دائما للشعوب المدافعة عن الحرية
والمشاركة والنهوض. التاريخ : 05-11-2012 ================= «ممثل شرعي
وحيد» للمعارضة السورية... بعد الدوحة؟ جورج سمعان الإثنين ٥
نوفمبر ٢٠١٢ الحياة «المجلس الوطني
السوري» وكل أطياف المعارضة السورية
التي تجتمع هذه الأيام في الدوحة أمام
مفترق طرق مصيري. فإما أن تختار إعادة
النظر في أسلوب عملها وخريطة تركيبتها
وإما أن تواصل نهجها السابق الذي لم
يثمر حتى الآن سوى مزيد من التشرذم
والعجز عن مخاطبة العالم بلغة واحدة
وعنوان واحد. ولا تعفيها هذه الردود
الحادة على التصريح الأخير لوزيرة
الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون من
مسؤوليتها التاريخية عن المسار الذي
ستسلكه الثورة السورية بعد عشرين
شهراً من الدم والدمار. من حق «المجلس الوطني»
بالتحديد أن يوجه نقداً لاذعاً إلى
واشنطن. من حقه أن يأخذ عليها التلكؤ
وغياب المبادرة بمساعدة الحراك
الداخلي، وعدم الوقوف في وجه التصلب
الروسي - الصيني والتدخل الإيراني
الواسع إلى جانب النظام. من حقه أن يأخذ
عليها عدم إمداد المجموعات المسلحة
بالعتاد اللازم لمواجهة آلة القتل
والتدمير. لكن هذه الردود قد تشكل
قراءة مبتورة لموقف كلينتون. لا تريد
هذه أن تريح ضميرها بالتعبير صراحة عن
رأيها في «المجلس»، وهي تودع بعد أيام
موقعها على رأس الديبلوماسية. بل ربما
سعت إلى إرشاد المعارضة السورية إلى
طريق جديد سيسمح ربما بتسهيل أي تحرك
قد تقدم عليه الإدارة الجديدة لباراك
أوباما إذا قيضت له العودة إلى البيت
الأبيض بعد أيام. لا جدال في أن «المجلس
الوطني» لا يتحمل وحده مسؤولية انتشار
مجموعات «جهادية» متشددة بدأت تشوه
صورة الحراك الداخلي بمقدار ما بدأت
تزرع الشكوك والمخاوف في صفوف «أصدقاء
سورية» من المرحلة المقبلة. في المقابل
لا يمكن تحميل المجتمع الدولي مسؤولية
انسداد الأفق في الأزمة السورية
والمأزق الذي يعتريها. ولا حاجة إلى
تعداد الأسباب التي حالت وتحول دون
تدخل الولايات المتحدة وأوروبا
عسكرياً لحسم القتال لمصلحة الحراك.
فالأميركيون لم يتعافوا بعد من حرب
العراق ولا يزالون يعانون في
أفغانستان. ولا يبدي قادة البنتاغون
تالياً استعداداً لفتح جبهة جديدة. كما
أن التدخل في سورية محفوف بأخطار ليس
أهمها تدخل إيران التي تستميت في
التمسك بنظام الرئيس بشار الأسد. هنا
ثمة بيئة عسكرية مختلفة، من الأسلحة
الكيماوية إلى ترسانة الصواريخ إلى
شبكة الرادارات. وليس سهلاً تحييد كل
هذه الأهداف عن المواقع المدنية في أي
تدخل لإقامة منطقة آمنة بعيدة من
الغارات الجوية للنظام. فضلاً بالطبع
عن تردد أوروبا ومخاوفها وعجزها
الاقتصادي... وكلها عوامل سببت وتسبب في
إطالة آلام السوريين. اجتماعات قطر هذا
الأسبوع فرصة ليعيد «المجلس الوطني»
النظر ليس في توسيع مكوناته وانضمام
قوى أخرى إلى صفوفه. ما قالته كلينتون
عن «المجلس» لا يختلف كثيراً عما يقوله
بعض مكوناته. صحيح أنه يمثل شرائح
واسعة من السوريين، وربما كان الأكثر
تمثيلاً. لكن هذا يعني أن هناك قوى لا
تزال خارج هذه التركيبة، فما الضير في
قيام «مجلس موقت» تتمثل فيه قوى «الوطني»
وقوى أخرى، خصوصاً أولئك الذين
يتحركون على الأرض في الداخل السوري،
فضلاً عن قوى غادرت النظام عندما سنحت
لها الفرصة؟ أليست هذه هي الصيغة التي
يروج لها رياض سيف وهو عضو في «الوطني»؟ لا جدال في أن تركيا
كانت لها اليد الطولى في قيام «المجلس
الوطني» ورعايته، إلى جانب قطر التي
تبدو أكثر داعميه مادياً وفق ما دلت
أرقام موازنته المنشورة أخيراً. ولا
جدال في أن هذه الرعاية راعت «الإخوان»
أكبر المجموعات في داخله، لكنها في
المقابل تركت حساسية لدى قوى أخرى
داخله وخارجه. وقد تكون الصيغة التي
حملها رياض سيف إلى لقاء عمان قبل
يومين، وحملها قبل ذلك إلى واشنطن ولم
تغب عنه باريس وعواصم أخرى، فرصة لقيام
مجلس موقت يمثل نصفه أهل الخارج وعلى
رأسهم «الوطني» والنصف الآخر يمثل قوى
الحراك الداخلي. صيغة إذا نجحت ستساعد
بالتأكيد «أصدقاء سورية» وعلى رأسهم
الإدارة الأميركية الجديدة على
الاعتراف بالمجلس الجديد «ممثلاُ
وحيداً». وهو ما يفتح الطريق لمحاصرة
النظام وبعثاته الديبلوماسية في
الخارج. ويدفع المجموعات المسلحة إلى
توحيد قياداتها ومرجعياتها بعيداً من
«القوى الجهادية»، لتكون مسؤولة عن أي
سلاح قد يمدها به الخارج من أجل كسر هذا
التوازن القائم حالياً. مثل هذه
الخطوات سيساعد حتماً في تغيير مسار
الحرب خصوصاً في شمال البلاد وشرقها.
ويسهل قيام مناطق آمنة ينتقل إليها
المجلس الموقت الذي يتردد أنه قد يضم
خمسين شخصية: 15 منها لقوى الحراك
الميداني، و15 لـ «المجلس الوطني» و20
لقوى وشخصيات معارضة في الداخل
والخارج. يمكن قطر التي لم
تتوان عن دعم «المجلس الوطني» أن تدفع
باتجاه إنجاح الصيغة التي يحملها
ريـــاض سيف، إذا كانت باتت على اقتناع
بأن التجربة الماضية لم تحقق المطلوب.
ولا يبقى أمام تركيا التي رعت طويلاً
التركيبة الحالية لـ «الوطني» سوى
إعادة النظر في موقفها، خصوصاً أن
الأشهر الطويلة أثبتت أن المجلس
القائم لم يستطع جذب كثير من القوى
والشخصيات والمجموعات التي لا تروق
لها سيطرة الإسلاميين على تركيبته. كما
أن تداعيات الأزمة السورية بدأت تلقي
بظلالها وتداعياتها الثقيلة على
الداخل التركي. وإضافة إلى التحرشات
شبه اليومية على حدودها، عادت قضية «حزب
العمال الكردستاني» تفرض نفسها على
حكومة رجب طيب أردوغان. وإذا كانـــت نار
الحدود ومشاكل اللاجئين السوريين تجد
لها مخارج، فإن القضية الكردية تشكل
التحدي الأكبر لحزب العدالة والتنمية.
وليس سهلاً أن تجد أنقرة نفسها تلجأ
إلى تعزيز علاقاتها مع كردستان
العراق، بعدما أقفلت في وجهها أبواب
دمشق وبغداد. لكن الذهاب بعيداً نحو
أربيل يبعدها أكثر عن حكومة نوري
المالكي ويدفع هذه أكثر فأكثر نحو
أحضان إيران. كما أن تعزيز العلاقات مع
كردستان لا يقوي شوكة كرد العراق فحسب،
بل ينعش آمالاً لم تكن يوماً دفينة لدى
الكرد في تركيا وسورية أيضاً،
لتراودهم نزعة الاستقلال وإن بحدوده
الدنيا. وهو ما يهدد أحد أكبر الثوابت
في السياسة التركية. مثل هذه الحسابات
الدقيقة يجب أن تشكل هاجساً لأنقرة
لتمارس هي الأخرى دورها في دفع قوى «المجلس
الوطني السوري»، ولا سيما منها «الإخوان»
غير البعيدين عما يروج له رياض سيف،
إلى التوافق على صيغة جامعة لكل معارضي
نظام الأسد. ولا شك في أن أردوغان، مهما
بلغت انتقاداته لإدارة أوباما وعدم
مبادرتها حيال الأزمة السورية، يشارك
واشنطن مخاوفها من تنامي ظاهرة التطرف
في الحراك السوري. ويشاركها في الخوف
الكبير من انهيار الدولة السورية وما
يستتبع ذلك من انهيار المؤسسات وعلى
رأسها العسكرية والأمنية، وانتشار
السلاح في أيدي مجموعات لا سلطة لأحد
عليها. إن تصريحات هيلاري
كلينتون تفترض قراءة أخرى، بعيداً من
مسؤولية واشنطن والمجتمع الدولي عن
التخاذل في دعم الحراك السوري.
فالإدارة الأميركية لا يمكنها بعد
الانتخابات الرئاسية مواصلة «النأي
بالنفس» أو الاختباء وراء الفيتو
الروسي - الصيني. لن تبدل موقفها الرافض
التدخل العسكري، لكن دعوة وزيرة
الخارجية إلى لم شمل كل القوى المعارضة
ترسم طريقاً يؤدي إلى قيام «عنوان»
واحد لجميع خصوم النظام. لعل ذلك يساهم
في تبديد المخاوف من البديل المحتمل
ويحدد بوضوح الجهة المسؤولة عن تلقي
الدعم المالي والعسكري لاحقاً بما
يقلب المعادلة القائمة التي تتيح
للنظام السيطرة على الميدان عبر
السيطرة على سماء البلاد. تحرص واشنطن
والعواصم الأوروبية الفاعلة على عدم
تجاوز مجلس الأمن، لأسباب كثيرة تتعلق
بحسابات ومصالح دولية لها علاقة
بأقاليم أخرى وتفترض حداً أدنى من
التفاهم بين الكبار. لذلك ليس أمام
السوريين سوى رفع مظلة واحدة لكل أطياف
المعارضة السياسية والعسكرية. وحدها
هذه يمكنها أن تفرض واقعاً جديداً لا
يضعف الموقف الروسي ويتجاوزه فحسب، بل
يحرج المختبئين وراء ذرائع وحجج على
رأسها تشتت المعارضة، ويفتح الباب
أمام مساعدات تمهد تدريجاً لكسر ميزان
القوى الداخلي على أرض المعركة. وبمـــــا أن كل
أطياف المعارضة يجمع بينها الرفــــض
الصارم لأي حوار مع النظـــام
والإصرار على رحيله، ألا يهون عليها
تجاوز كل الاعتبارات الأخرى
وملاقـــاة كلينتون إلى منتصف الطريق
فلا تعود ثمة حاجـــة إلى سلوك طريق
بات معروفاً أن موسكو تقفله لأسباب عدة
على رأسها عدم تكريس مبدأ تدخل
المؤسسات الدولية لتغيير الأنظمة؟ إن
اجتماعات الدوحة هذا الأسبوع توفر
فرصة ثمينة وربما أخيرة لتغيير مسار
الأزمة السورية وقلب المعادلات التي
حكمتها حتى الآن، فهل تترفع جميع
المعارضات عن حساباتها الخاصة والضيقة
لمصلحة الحراك والحراك وحده؟ ================= أنور بن ماجد
عشفي عكاظ 5-11-2012 إن تفاقم الأوضاع في
سوريا يزيد من التحديات التي تواجهها
تركيا، والمعروف أن التحديات الخارجية
سوف تزداد صعوبة إذا لم توضع الحلول
للأزمات الداخلية. أوردوغان يتوسع في
أجندته الخارجية دون أن يضع الحلول
المناسبة للأزمات الداخلية. فقضية الأكراد التي
لم تجد حلا حتى اليوم في تركيا أصبحت
تساعد على ظهور أزمة علوية داخل النسيج
التركي. فالأمن القومي
التركي، أصبح يعاني من تهديدات داخلية
وخارجية يعززها عدم وضع الحلول
الحاسمة للقضية الكردية، علما أن هذه
القضية لا تحل بالقوة. لقد فوجئت
القيادة التركية بمظاهرة يسارية تطالب
بدعم الأسد، وهذا ما شكل صدمة لحكومة
أوردوغان التي لم تتمكن من تفسير
التوجه اليساري إلى دعم بشار وهو
الدكتاتور القاتل لشعبه، المدمر لمدنه.
حاولت إيران استخدام
الطائفية كسفينة للنجاة من السقوط،
لكن اليسار التركي بدأ بدعم البعث
السوري، وبرزت قضية العرب العلويين
المقيمين في هاتاي كمواطنين أتراك،
فلم يتمكن أوردوغان من حل المسألة
بحكمة، ولعله لم يدرك أبعادها، ما حدا
بالعلويين دعم بشار والتظاهر من أجله. لقد أطلقت المعارضة
السورية مزاعم أن أوردوغان يطيل من عمر
الأزمة في سوريا، كما أن بشار هو
المسؤول الأول عما يحدث من قتل ودمار؛
بسبب إصراره على الحل الأمني، ورفضه في
الماضي النصائح بالإصلاح من تركيا
والدول العربية، وتركيا أحسنت صنعا
عندما وقفت إلى جوار شعب يقتل، وتدمر
ممتلكاته لأنه يطالب بالحرية والعدالة.
فالموقف التركي موقف فرضته الأخلاق،
لكن الأخلاق في حاجة إلى حكمة تسير بها
الأمور، حتى لا تتسع الأزمة وتخرج من
إطارها، لأن مخاطر النيران تتأتى من
عدم محاصرتها. ================= عماد الدين
اديب الشرق الاوسط 5-11-2012 في يقيني أن المعارضة
السورية ليست على مستوى الحدث
والأخطار الجسيمة التي تعيشها البلاد.
وفي يقيني أيضا أن سوء إدارة أقطاب
المعارضة لملف إسقاط النظام الأسدي
سياسيا وعسكريا ودبلوماسيا هو أحد
أسباب قوة نظام بشار الأسد وأحد
العناصر المهمة في إطالة أمد هذا
النظام الدموي. المعارضة القوية
المنظمة قادرة على زلزلة أركان أي نظام
استبدادي، أما المعارضة المتفرقة
المتناحرة فهي أفضل ما يتمناه الطاغية. إن أزمة المعارضة
السورية، في مجملها، أنها معارضة ذات
علاقات ممتدة بقوى إقليمية أو دولية
تقوم برعايتها سياسيا وماليا وتسليحيا.
هذه الرعاية هي «نقطة التمكن» في سيادة
وسلامة قرار المعارضة السوري. في الحالة السورية
نحن إزاء وضع تشترك فيه أجهزة
استخبارات عشر دول إقليمية جارة أو
بعيدة أو دولية ذات مصالح متشابكة داخل
هذا الصراع. كل طرف له امتداده
الخارجي، والقوى الخارجية قررت ألا
تتفق، وقررت أن تمارس صراع الإرادات
لديها من خلال أقطاب المعارضة. أزمة أي معارضة، خاصة
إذا كانت في المنفى الإجباري أو بحاجة
إلى تمويل للإعاشة والتسليح، أنها تقع
تحت نفوذ أو سيطرة من يدفع. وأخطر ما
يواجه المعارضة السورية هذه الأيام هو
حالة الانقسام، وتفتت التيارات
المختلفة إزاء بعضها البعض، وعدم وجود
تصور واضح لسوريا ما بعد سقوط نظام
بشار الأسد. وإذا استمر الحال على
ما هو عليه فإنني أعتقد أن الجهود التي
تبذلها أنقرة من ناحية، والدوحة من
ناحية أخرى، ستكون في خطر شديد. تسعى
الدوحة وأنقرة إلى توحيد رؤية الفصائل
المنقسمة على نفسها، وإيجاد صيغة تربط
معارضة الداخل بالخارج، ومعارضة
الدبلوماسية بمعارضة البندقية. وتسعى
الدوحة وأنقرة إلى ربط التيارات
الإسلامية بانقساماتها المختلفة مع
بعضها البعض، وربط كل هذه التيارات
بالمعارضة المدنية غير الدينية. كل هذه الأمور هي
إشكاليات معقدة وصعبة داخل الملف
السوري. وفي يقيني أن محاولة الخروج
بحكومة منفى خلال هذه الساعات، في
اجتماعات الدوحة التي بدأت عشية أول من
أمس في العاصمة القطرية، والتي تضم
أكبر تجمع لأقطاب المعارضة، لن تكون
الحل النهائي أو الدواء الشافي لأزمة
هذه التيارات. المشكلة ليست في الإطار
أو الشكل السياسي، ولكن في النوايا
والاتجاهات والأفعال لفصائل المعارضة. ويصبح مقياس الحكم
على هذه الفصائل هو هل هي «فصائل قطاع
خاص» تعمل لصالح القوى التي تدعمها، أم
هي من ذلك النوع الذي يضع المصلحة
العليا فوق كل اعتبار في زمن التطهير
العرقي والمجازر الدموية؟! هذا هو السؤال.. وتلك
هي المسألة. ================= عبدالرحمن
الراشد الشرق الاوسط 5-11-2012 أكاذيب الصراع
العربي - الإسرائيلي كثيرة، لكن أكبرها
الجولان وسوريا المواجهة والممانعة. أول من أمس ثلاث
دبابات سورية تجرأت ودخلت لأول مرة
المنطقة العازلة، الفاصلة، بين
إسرائيل وسوريا وفق اتفاق وقف إطلاق
النار بعد حرب عام 1973. لم تقصفها
إسرائيل ولم تحتج على خرق الاتفاق
أيضا، فهي كانت دبابات تلاحق أفرادا من
الثورة السورية، وبالتالي اعتبرها
الإسرائيليون مسألة داخلية. وصادف أن سمعت حديثا
عن جدل في داخل المؤسسة الإسرائيلية،
وأن الأمن الإسرائيلي حذر القيادة
الإسرائيلية باحتمال لجوء عشرات
الآلاف من السوريين المحاصرين بسبب
القصف والقتل إلى الجولان، ودخول
الحدود الإسرائيلية هربا. ويقال إن
الإسرائيليين قلقون لأول مرة من تبعات
الثورة على نظام بشار الأسد، وإنه قد
يورطهم في النزاع، سواء عمدا منه أو
نتيجة متوقعة للقتال الذي تتسع
مساحاته. الدبابات الثلاث
تؤكد أن اللاجئين والفارين، وحتى
المقاتلين الذين يضطرون للبحث عن ملجأ
باتجاه الجولان، حقيقة على إسرائيل أن
تعيها، وتحسب حسابها. منذ أكثر من عشر
سنوات زرت الجولان في نصف نهار، الذي
لم يستغرق الوصول إليها سوى نحو نصف
ساعة فقط. واعترف لي المرافق الرسمي
بأن الطريق السريع من العاصمة الممهد
إلى القنيطرة يعني أيضا أن القوات
الإسرائيلية قادرة على النزول باتجاه
دمشق بسهولة إن فشلت الدفاعات الأرضية
والقوات الفاصلة. طبعا، نحن نعرف أن
سوريا التي فشلت في احترام كل
الاتفاقات في لبنان وغيرها، احترمت
بدقة متناهية تماما اتفاق وقف إطلاق
النار الشهير، أكثر من الأردن ومصر في
السنوات التالية للاتفاقات الموقعة. نظام الأسد، الأب
حافظ ولاحقا الابن بشار، استخدم لبنان
في مواجهة الإسرائيليين أو بناء
علاقات معهم أو المتاجرة بالقضية مع
العرب، لكنه أغلق الجولان تماما. حزب
الله وإيران وسوريا وفصائل مثل الجبهة
الشعبية القيادة العامة، أو ما يعرف
بأحمد جبريل، وفي مراحل متعددة كانت
حركة حماس، موظفة عند الأسد أيضا. كل
هؤلاء كانوا يستخدمون القضية
الفلسطينية ويتاجرون بها لأغراضهم. الآن، الوضع معقد
جدا، لأن الشعب السوري ثار على نظام
الأسد ليس استهدافا لأحد آخر، بما في
ذلك إسرائيل، بل من أجل حريته وكرامته،
والتخلص من نظام بوليسي إجرامي ربض على
صدره أربعين عاما. خلال ثورته الحالية
التي طال أمدها، وتسبب تلكؤ الدول
الكبرى في دعمها إلى دخول أطراف جهادية
ومشبوهة قد تريد توسيع المعركة إلى ما
وراء حدود سوريا، بالاشتباك مع حزب
الله في لبنان أو الأقليات السورية من
مسيحية وعلوية أو شيعية في لبنان،
وإسرائيل أيضا. وهذا كفيل بتخريب
الثورة واستدراج القوى الإقليمية،
والدولية الكبرى، لتخريب أماني الشعب
السوري بدولة موحدة مستقرة، فيها نظام
يرضى عنه الجميع تقريبا. وقد يعمد النظام
السوري إلى مقاتلة السوريين والدفع
بعشرات الألوف من الأهالي باتجاه
الجولان ودخول إسرائيل، كما حذرت من
ذلك قيادات أمنية إسرائيلية، ثم يصبح
هناك اشتباك ثلاثي يعقد القضية. لا أحد
يريد من إسرائيل التدخل لصالح
اللاجئين ولا ضدهم، لكن قد تصل الأمور
إلى أن تدفع نيران الحرب بآلاف
السوريين في الاتجاه نحو كل المنافذ
الحدودية خشية القتل أو طلبا للمعيشة،
في حال قطع مصادر المياه والكهرباء في
وقت الشتاء خاصة. نظام الأسد لن يمانع
أن تقصف إسرائيل دباباته الثلاث حتى
يزعم أنه يقاتل مؤامرة أميركية -
صهيونية تريد إسقاط نظامه، نظام
الممانعة المزعوم. في الأخير هذه
المسرحية في الجولان لن توقف محاصرة
النظام في العاصمة دمشق. ================= الأزمة السورية
رهينة الحسابات الأميركية الدكتور خطار
أبو دياب جريدة
الجمهورية يعيش العالم وخاصة
مناطقه الملتهبة على وقع الانتخابات
الرئاسية الأمريكية، وكأن العالم
ينتخب زعيمه كل اربع سنوات... على خلاف
انتظار غودو بطل مسرحية بيكيت، الغائب
الذي ينتظره الجميع ولا يأتي ابداً،
يعوّل الكثيرون على مفاجآت أو أوامر
عمليات ستأتي من وراء الأطلسي تعيد
ترتيب الاوراق أو تغير موازين القوى في
بعض الملفات الدولية حتى لو بقي اوباما
سيّد البيت الأبيض. حيال الصراع داخل
سوريا وحولها تعطلت المجموعة الدولية
بالفيتو المتكرّر للثنائي الروسي ـ
الصيني، أما "غودو" الامريكي فقد
أمعن في تردده وملاحظاته وأولوياته في
مواجهة ما يشبه الحرب الباردة
المتجددة. إزاء الحصيلة
المروِّعة للمأساة السورية من حيث عدد
الضحايا والجرحى والمعاقين
والمفقودين ومئات ألوف اللاجئين داخل
الديار وخارجها، ناهيك عن حجم التدمير
للبنية التحتية والنسيج الاجتماعي،
تبدو الحسابات الاميركية والدولية لا
صلة لها بحق الانسان في الحياة وأحقية
مقاومته لطبائع الاستبداد وممارساته.
ومن هنا اصبح الانتظار ثقيل الثمن وأخذ
النزاع يتخطى الحدود السورية وغداً
الاهتراء ينذر بمزيد من التفتيت
والتدمير والحرب الطويلة. من أجل فهم السياسة
السورية لواشنطن لا بد من الاحاطة
بالكثير من العوامل بدءاً من المصلحة
العليا للولايات المتحدة التي تفضل أن
تطبق نظرية التدخل الإنساني و تحمل
المسؤولية الاخلاقية تحت سقف الشرعية
الدولية، ولذا فإنها لا تريد الانغماس
في حرب جديدة بعد حربي العراق
وافغانستان حيث يبقى الانخراط في
ليبيا الاستثناء وليس القاعدة. ويأتي العامل
الاسرائيلي في المقام الثاني. بالنسبة
لإسرائيل لا تعد خسارة "الكنز
الاستراتيجي" خسارة النظام المصري
السابق لوحده، بل يأتي القلق الاساسي
من احتمال سقوط النظام السوري بسبب
الواقع الجديد والغامض في مجمل
المنظومة الاقليمية وتغير الوضع على
الحدود الشرقية مع إمكانية تواجد قوى
راديكالية متشددة أو قيام انظمة تحسن
الدفاع عن مصالحها بشكل أفضل وأجدى.
تبعاً لذلك، نفهم سبب عدم تسريع الجهد
الأمريكي لإسقاط نظام الاسد، وعدم
السماح بوصول أسلحة نوعية للقوى
الثائرة حتى لا تتغير المعادلات قبل
اتضاح صورة البديل في دمشق. بالطبع تطول لائحة
الموجبات أو الذرائع التي ردعت أو أخرت
الانخراط الأميركي وأولها عدم وحدة
المعارضة وثانيها الخوف على الأقليات
وثالثها مخاطر صعود التطرف على ضوء
التجربة الليبية وغيرها. لكن القطبة
المخفية في الأداء الأميركي توجد في
تطورات المسألة الايرانية ورغبة
واشنطن في عدم حرق المراكب مع موسكو
فيما يخص الأزمة السورية، بحيث تبقى
روسيا لاعباً غير صدامي في موضوع الملف
النووي الإيراني. وفق ذلك ستكون الشهور
القادمة حتى صيف 2013 شهوراً ترسم المشهد
الاقليمي وربما تكون حاسمة لناحية
الفوز في لعبة الصراع الاقليمي أو لجهة
الدخول في لعبة امم معقدة ومفتوحة على
كل الاحتمالات من طرطوس إلى انطاكية
واصفهان. ليس من الوارد تسليم
واشنطن بخسارة اختبار القوة، والتضحية
بمصالحها الكثيرة في الاقليم، ومنها
صلاتها الحيوية مع تركيا ودول عربية في
الخليج. أياً كان الفائز في
السباق إلى سدة الرئاسة في واشنطن،
علمتنا التجارب تأرجح السياسة
الأميركية بين الرغبة في التدخل
والرغبة في الابتعاد أو عدم التأثير في
مشكلات دولية معينة. إلا أن لعبة المصالح
سرعان ما تفرض منطقها، فتدخل اميركا
الصراعات من بابها الواسع، وسيطاً أو
شريكاً أو طرفاً بمعنى ترك الخيارات
مفتوحة وفق برغماتية فلسفية تربط
النظرية بالممارسة العملية. انطلاقاً من هذه
المراقبة التاريخية ومن جردة الحسابات
الحالية إزاء الوضع السوري، يمكن
القول إنّ الكلام الأخير لوزيرة
الخارجية هيلاري كلينتون عن تنظيم
المعارضة السورية، يُعدّ بالفعل
تدشيناً لمرحلة سيتسارع فيها الدور
الأميركي في الاسابيع القادمة. بغض النظر عن التنبيه
الموجّه ضد التطرف أو أمر العمليات في
خصوص المجلس الوطني السوري والحكومة
المؤقتة، يبدو ان واشنطن ترتب أوراقها
وتعيد توزيعها كي تتعامل بشكل فعال مع
الملف السوري. في جلسة خاصة له مع
معارضين سوريين قال السفير الاميركي
في دمشق روبرت فورد إن "الحسم ضد
نظام الاسد سيكون أما عسكرياً بعد حرب
استنزاف أو سياسياً في حال فرض الحل
السياسي الملائم بعد استكمال حصار
النظام واضعافه". لكن مصدراً
اوروبياً يعتقد أن الافضلية الاميركية
هي "لتغيير موازين القوى كي يتم
ارغام النظام على التفاوض". يرتبط الدفع
الاميركي نحو تفاوض المعارضة مع جزء من
النظام في سياق استخلاص للدرس العراقي
فيما يخص الحفاظ على ما أمكن من مؤسسات
الدولة. بيد ان هذه القراءة لا تعبر عن
فهم دقيق لطبيعة النظام السوري
وتركيبته، وربما يتم تسويقها لمراعاة
الطرف الروسي أو للتحكم بالبدائل
الممكنة. في انتظار التفاوض او
الحسم، تبقى المسألة السورية أسيرة
الحسابات الاميركية حيث ان القرار
الجدي بأسقاط النظام لم يصدر بعد على
رغم كل الكلام المسال منذ اغسطس ـ آب 2011
. لن تحصل المعجزة غداة
الانتخابات الاميركية، لكنّ بداية
الخروج من المأزق اخذت ترتسم في موازاة
غزارة شلال الدماء. ================ الصراع على
سوريا في عالم مختل الأقطاب طريف الخياط الشرق الاوسط 5-11-2012 تتوجه أنظار العالم
إلى الانتخابات الأميركية، ويترقب
السوريون نتائجها، علها تضع حدا
لمرحلة اللاقرار واللعب في الوقت
الضائع، التي تمثلت بمبادرات وبعثات،
اكتفت باستعراض مظاهر العمل الفارغ
وتجارة الكلام في بازار سياسي مفتوح. وبانتظار البيت
الأبيض كي يستقبل سيده للأعوام
الأربعة المقبلة، يبدو أن لا شيء يمايز
بين رومني وأوباما بالنسبة للسوريين
سوى الاسم ولون البشرة، فقد بينت
المناظرات بين الرجلين تطابق مواقفهما
برفض التدخل العسكري في سوريا،
وتقاربهما بما يخص تسليح الثوار
المشروط بتحديد الجهة التي ستستلم
السلاح وتستخدمه، مما يضع العملية
رهنا لاعتبارات يسهل المماطلة فيها. تطرح تساؤلات كثيرة
عن سبب البرود الأميركي في التعامل مع
الملف السوري، والذي يستتبعه برود
وارتباك في الموقف الغربي وخصوصا
الفرنسي، إذ نحى مؤخرا إلى الاكتفاء
بالتركيز على الجانب الإنساني
والإغاثي، وقضايا الإدارة الذاتية
للمناطق المحررة، ومحاولات تشكيل
حكومة انتقالية، قد تحظى بشرعية دولية
ما، تمكنها من اتخاذ بضعة قرارات، لن
تخرج عن سياق الممكن للداعمين
وحساباتهم الدقيقة. لتحمّل الأسطوانة
الغربية بلازمة توحيد الجيش الحر إلى
جانب اللازمة التقليدية بتوحيد
المعارضة السياسية، وعلى الرغم من أن
كلتيهما من المطالب المحقة، إذ أن
التشكيلات السياسية السورية تتحمل -
بتشرذمها والمصلحية البحتة التي نهجت
عليها تياراتها وشخوصها في معظم
الأحيان - قدرا كبيرا من المسؤولية،
إلا أن الغرب المتردد أصلا قد استفاد
من ذلك في استجرار الحجج لتبرير
التلكؤ، فكان الاكتفاء والانكفاء خلف
المساعي الكلامية، أحد أهم العوامل
التي أوصلت الحال إلى ما هي عليه. وبالعودة إلى غياهب
موقف الولايات المتحدة، يرى كبير
باحثي جامعة ييل الأميركية في ورقة
نشرها مركز الجزيرة للدراسات، أن تردد
إدارة أوباما في دعم الثورة السورية
يعود إلى جملة من العوامل نذكر من
أهمها، أن الشعب الأميركي وكبار ضباطه
العسكريين قد سئموا الحروب، فوفقا
لاستطلاعات للرأي أجريت مؤخرا، يرى
الأميركيون أن حربي أفغانستان والعراق
«خطأ يجب ألا يتكرر». ويضاف إلى ذلك
توجس من «تزايد نفوذ القاعدة» بعد سقوط
الأسد، وتصاعد «الصراع بين الفصائل
بما يشبه أفغانستان بعد سقوط النظام
الشيوعي عام 1992». ولعل أهم ما أورده
والرشتاين مخاوف من «تراجع العلويين
إلى منشأهم الجبلي ليواصلوا القتال من
هناك»، و«تعرض الأقليات بمن فيهم
المسيحيون للاضطهاد»، بما يتساوق مع
تصريح لافروف بأن «بشار الأسد يمثل
ضمانة أمن الأقليات وبضمنهم المسيحيين».
فالتعبير الروسي على فظاظته، يحمل
كثيرا من المشتركات مع التشككات
الأميركية، ضمن منظور لا يخرج عن وصف
الصحافة الغربية للثورة السورية، التي
يرد ذكرها حربا طائفية أو حربا أهلية
بأحسن الأحوال. يوحي ظاهر الموقف
الروسي، بالتخوف من انعكاسات وتصعيد
في الجمهوريات الإسلامية المضطربة ضمن
حدوده، إلى جانب مصالح بالحصول على
موطئ قدم في المياه الدافئة، يؤمنها
ميناء طرطوس، عدا عن مبيعات الأسلحة
والتي تجد في سوريا سوقا محدودة لها.
لكن هل تكفي تلك المبررات لتفسير
التعنت الروسي والتردد الأميركي؟ ثم
إن المطالب الروسية، كما تبدو، يسهل
احتواؤها والمساومة عليها، في حال
كانت لا تستتر على مطامح أخرى. لا شك أن نهاية الحرب
الباردة، التي وضعت أوزارها مع انهيار
الاتحاد السوفياتي عام 1991، وما رافقها
من تحول النظام ثنائي القطبية إلى
أحادي القطبية، قد غيرت قواعد اللعبة
في مسرح السياسة الدولية، وحررت
الولايات المتحدة ومن خلفها الكتلة
الغربية، من عبء التوازنات الدقيقة في
حسابات المصالح وردود الفعل، فتصرف
ساسة البيت الأبيض كسادة العالم،
وأتيح لهم القيام بمبادرات وتدخلات
منفردة في مناطق عدة، خارج إطار
الشرعية الدولية. وكان الدب الروسي في
تلك الفترة منشغلا باعتلالاته
الداخلية، واقتصاده المنهار. فبدأ
سباتا شتويا طويلا لم يكن خلاله قادرا
على الالتفات لأطرافه الحيوية حيث كان
حلفاؤه وأصدقاؤه يتساقطون، فمع بداية
القرن الحادي والعشرين، أطاحت قوات
الناتو بالزعيم الصربي سلوبودان
ميلوسوفيتش عام 2000، وتم غزو العراق رغم
الرفض الروسي في الحالتين، كما شهد
محيطه الجيوسياسي المباشر ثورات غيرت
نسبيا خريطة التحالفات الهشة، ثورة
الورود في جورجيا 2003، والثورة
البرتقالية في أوكرانيا 2004، كان من
السهل حينها أن تواجه روسيا بـ«لا»
وتنكفئ على خيبتها، أما اليوم فيبدو
أنه من السهل أن يقال للولايات المتحدة:
«لا». لقد شهدت روسيا نقلة
نوعية مع نهاية حكم يلتسين الضعيف في
1999، وبداية عهد بوتين الذي استطاع أن
ينهض بالاقتصاد الروسي، ويضاعف متوسط
الدخل الشهري للمواطن بضعة أمثال،
ويراكم احتياطيات نقدية لا يستهان
بها، مستفيدا من ارتفاع أسعار موارد
الطاقة، التي كانت من جملة عوامل نهضته
بالاقتصاد، وأعادت روسيا إلى نادي
الكبار سياسيا واقتصاديا، لكنها أرادت
أن تعود قوة عظمى. فكانت نقطة التحول
الفاصلة في حرب الأيام الخمسة في
جورجيا عام 2008، حيث بدا الدب الروسي
كمن يقف في وجه محاولات انضمامها
للناتو، لمنع الأخير من التمدد نحو
حدوده المباشرة، وفي خطوة كانت ردا على
الاعتراف الغربي باستقلال كوسوفو عن
صربيا، اقتطعت روسيا جمهوريتي أبخازيا
وأوسيتيتا من جورجيا واعترفت بهما،
لتعلن بذلك بداية مرحلة جديدة، وتبدأ
الولايات المتحدة أيضا مرحلة مختلفة
مع أزمة اقتصادية عاصفة، لا تزال تعاني
بعضا من تبعاتها إلى اليوم، إلى جانب
أعباء ثقيلة من حربين طويلتين في
العراق وأفغانستان، فسحبت جيوشها من
الأولى وحددت عام 2014 لانسحابها من
الأخيرة. لقد فشل أوباما في تحقيق كثير
من وعوده الاقتصادية، ويبدو أن سيد
البيت الأبيض القادم سيمنح البلاد
استراحة محارب، ويللفت إلى شؤونها
الداخلية وعجوزات الموازنة التراكمية
والمزمنة. ومع ذلك لا تتمخض
الساحة الدولية اليوم عن قوى عظمى
بالمعنى التقليدي الذي عرفته الحرب
الباردة، ولا على شاكلة مرحلة ما بعد
الحرب الباردة أيضا، إذ يبدو العالم
الراهن مختل الأقطاب، وربما بطريقه
إلى العودة نحو تعددية الأقطاب التي
وسمت فترة ما قبل الحربين العالميتين.
ليست قوة روسيا هي المعيار إنما
استشعارها بتراجع – قد يكون مرحليا -
لندها القديم، والحاجة إلى ترسيخ
قواعد جديدة لإدارة الأزمات الدولية،
في نظام دولي جديد لم تتضح ملامحه بعد،
بما يعيد لها بعضا من مكانتها، عبر
إدارة صراع مع خصومها، وبالتحالف مع
أصدقائها، في ساحات بعيدة عن أراضيها.
فالمجتمع الدولي لم يعد ينظر إلى
الثورة السورية كثورة ضد ديكتاتور، بل
إلى صراع بين حكومة ومعارضة مع أبعاد
وامتدادات طائفية، لتسهيل إدارته
واستقطاب عناصره واستثمار نتائجه، دون
اعتبار لعامل الزمن وانعكاسات الصراع
على سوريا كساحة له. لقد قالت روسيا
كلمتها بأن «الأسد لن يرحل»، وهددت
باستمرار «حمام الدم» في حال لم تؤخذ
مطامحها بعين الاعتبار، وهي بذلك ترسل
رسالتها إلى سيد البيت الأبيض القادم
قبل أن يتولى منصبه، رسالة لبدء
التفاوض بين ندين، وليست لمساوم ينتظر
ثمنا من سيد كبير، لتقول أيضا إن هناك
نظاما دوليا جديدا يصنع الآن، على حساب
دماء شعب، سيلعن التاريخ قاتليه. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |