ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم 15/16-11-2012 2012-11-16 12:00 AM الوطن السعودية تتسارع الأحداث
في منطقة الشرق الأوسط وتضع بلدانها
وشعوبها، بل والعالم كله، على صفيح
ساخن ينذر بخطر كبير. الصراع الدموي في
سورية مستمر منذ حوالي 20 شهرا وحصد حتى
الآن عشرات الآلاف من الضحايا بين قتيل
وجريح وأفرز مئات الآلاف من النازحين
واللاجئين داخل سورية وخارجها. لبنان
لم يكن بعيدا يوما عما يجري من أحداث في
الجارة سورية، وهناك مؤشرات مقلقة من
احتمال انتقال الصراع إلى أراضيه بشكل
يعيد إلى الذاكرة الحرب الأهلية التي
دامت 15 عاما وأوقعت مئات الآلاف من
الضحايا. تركيا بدأت تتململ من تدفق
اللاجئين السوريين عبر حدودها الذين
تجاوز عددهم حاجز الـ100 ألف، ومع
اللاجئين جاءت إفرازات تعدت العبء
الاقتصادي وأصبحت تنذر باحتمال صراع
طائفي بين اللاجئين السنة والأتراك
العلويين الذين يشكلون الغالبية في
مناطق تواجد اللاجئين السوريين. حزب العمال
الكردستاني، بدعم من سورية، يصعد
عملياته العسكرية ويوقع أعدادا كبيرة
من الضحايا بين الجنود الأتراك. قذائف
ونيران من الجانب السوري تسقط على
الجولان المحتل، وإسرائيل ترد بطلقات
تحذيرية وتهدد برد أشد إذا استمر سقوط
القذائف. المظاهرات تعم معظم المدن
والمناطق الأردنية بسبب رفع أسعار
المحروقات، وهناك خوف من خروج الأمور
عن السيطرة. وفوق هذا كله، تتعرض غزة
الجريحة مرة أخرى إلى عدوان همجي من
قوات الاحتلال الإسرائيلي، وهناك
تهديدات إسرائيلية متصاعدة بالقيام
بعملية عسكرية برية واسعة داخل قطاع
غزة، ويبدو هذا الاحتمال أكثر خطورة،
خاصة مع الرد القوي الذي تقوم به
الفصائل الفلسطينية ضد العدوان
الإسرائيلي. هذه الأحداث ليست إلا
عناوين رئيسية لما يجري في المنطقة
حاليا، وهناك في التفاصيل خفايا لا تقل
خطورة عنها، وهي مجتمعة تهدد بانفجار
مريع لبركان الشرق الأوسط لا يعرف أحد
المدى الذي قد تصل إليه الحمم التي
ستتطاير منه في أي لحظة. وهذا يتطلب من
دول المنطقة بشكل خاص، ومن المجتمع
الدولي بشكل عام، تحمل مسؤولياتها
لوضع حد لتصاعد حدة التوتر بشكل فوري،
والعمل بعد ذلك بشكل جدي على إيجاد حل
دائم وشامل لجميع الصراعات الإقليمية
لتجنب الوصول إلى نقطة اللاعودة التي
لن ينجو منها أحد. رغم كل المآسي
التي تمر بها المنطقة حاليا، إلا أنها
قد تكون مجرد أعمدة دخان تحذيرية من
فوهة البركان قبل ثورته ما لم يتم
إطفاء النار بداخله. =============== تاريخ النشر:
الجمعة 16 نوفمبر 2012 د. رياض نعسان أغا الاتحاد لم يعد الصراع في
سوريا بين فريقين، معارض ومؤيد، فقد
صارت سوريا ساحة للصراعات الدولية،
وسوق تصفية الحسابات بين متنافسين
كبار على مواقع الصدارة في العالم. ولم تكن حكاية
المؤامرة الكونية في بداية ترويجها
أكثر من هروب من مواجهة الحقيقة اتكاء
على القابلية التاريخية عند العرب
لفكرة المؤامرة الخارجية، ولكن
الأكذوبة صارت حقيقة فعلاً حين نجحت
خطة تدويل الصراع، وامتدت مساحته
الزمنية لتوفر الوقت لرسم سيناريوهات
التدخل الخارجي، بمعنى أن المؤامرة
حدثت، وباتت كونية فعلاً، ولكنها لم
تأت ضد النظام، وإنما بدت مؤامرة كبرى
على سوريا، وعلى العرب جميعاً. ولعل كثيراً من
المشككين بقدرة الشعوب على فعل أي شيء
إيجابي، سيصرون على أن "الربيع
العربي" كله هو نتاج مؤامرة، وأن
كبار قادة الاستخبارات في العالم
المعادي للعرب اجتمعوا سراً
بالبوعزيزي البائع الجوال على عربة في
بلدة تونسية مهمشة، ودفعوا شرطية
لضربه، وتعهد لهم البوعزيزي بأن يحرق
نفسه بعد تلقيه الصفعة كي يسقط عرش
رئيس تونس، وتمتد شرارة عود ثقابه إلى
ليبيا ومصر واليمن وسوريا! والمفارقة
أن هذا التصور الذي يبدو مضحكاً يتبناه
مفكرون ومثقفون كبار لم تتحمل عقولهم
صدمة أن يكون البوعزيزي وأمثاله من
بسطاء الناس أهم منهم في صناعة
التاريخ، وهم الذين قدموا أنفسهم على
مدى عقود بأنهم فلاسفة العصر. ولا يمكن تجاهل
السياق التواصلي بين الثورات في
الجمهوريات العربية، وحسب المتأمل أن
يرى ما حدث في المغرب حين كانت استجابة
الملك عاقلة كيف عاد الناس إلى أعمالهم
وقبلوا خطة الإصلاح، ولو أن القادة
الآخرين عالجوا الموقف بقليل من
التواضع والحكمة والاعتراف بحق الشعوب
في الحرية والكرامة (وهما المطلبان
الوحيدان في شعارات المظاهرات السلمية)
لأحبطت المؤامرة التي كانوا يتخيلون،
ولكن بعض القادة خافوا من هذا التنازل
أمام الشعب لأنه حسب ما ظنوا يكسر هيبة
الدولة (وهي ذات الدولة التي كسروا
عظامها ومزقوا لحمها)، كما أنهم خافوا
أن تتوقف مصالحهم الشخصية، فبعضهم آثر
أن يتصرف بعقلية صاحب شركة عائلية، بدل
أن يتصرف بعقلية رئيس دولة، وبعضهم
أخذته العزة بالإثم، ونجحت خطة خلط
الأوراق فاستخدمت كل أدوات تمزيق
الشعب الذي حمل أغصان الزيتون فواجهه
سيل الرصاص. كان لابد بعد صبر
طال من أن يدافع الناس عن أرواحهم
فانتقلوا من السلمية إلى الدفاع،
وانتصر أصحاب الضمائر الحية من ضباط
الجيش وهم جميعاً بعثيون، لأن الجيش
السوري جيش عقائدي لا يدخله إلا
بعثيون، وهم على الغالب ممن دخلوا في
الحزب لأنهم لا يجدون طريقاً آخر. ومع اشتداد
الصراع وتحوله إلى مجازر يومية يقتل
فيها المئات كل يوم، تمكن كبار قادة
المجتمع الدولي من إحكام مؤامرة
حقيقية وجادة هذه المرة، ولكنها أحكمت
ضد سوريا كلها، وكان الهدف المتفاهم
عليه (دعوا السوريين يقتل بعضهم بعضاً،
ويدمرون سوريا فنخلص منها كما خلصنا من
العراق، ولئن كنا اضطررنا لخوض حرب
كبيرة وإقامة تحالف دولي ضخم لهدم
العراق وتفتيت قوته، فإن ما يحدث في
سوريا يحقق ما نريد بأيدي السوريين
أنفسهم دون أن نبذل عناء أو ندخل حرباً)
وهذا ما يفسر صمت المجتمع الدولي،
وتلكأه وإصراره على مد أمد الصراع،
وعلى المعالجة بالمسكنات عبر مبادرات
الدابي وعنان والإبراهيمي، وعبر
افتعال "الفيتو" الروسي والصيني،
وتبرير تلك المسرحيات الهزلية بانقسام
المجتمع الدولي حول القضية السورية. وأنا واثق أنه لا
يوجد انقسام حقيقي، وإنما هناك توزيع
أدوار، ضمن لعبة دولية تريد أن ترى
سوريا ضعيفة منهكة، وهي بعد نهاية
الدمار ستخذل النظام الذي تدعي أنها
تقف إلى جواره، وعندها ستكون إسرائيل
مطمئنة إلى أمنها المستقبلي، وهو
الهدف الأكبر لدى قادة المجتمع
الدولي، فالسوريون سيعودن من المنافي
والشتات مشغولين بإعداد مخيمات لسكن
ملايين من المشردين الذين دمرت
بيوتهم، وستقع الحكومات السورية في
اضطرابات ما بعد الثورة التي ستأكل
أبناءها في صراعاتهم المتوقعة على
السلطة، وستكون مشكلات تمويل إعادة
الإعمار مأساة كبرى، ولن يفرغ أحد لشيء
من مشاريع سوريا القومية. والفاجعة الأكبر
التي أحدس بها خشية أن تصير حقيقة، هي
احتمال ظهور تيارات يتراجع عندها
الشعور بالكراهية نحو إسرائيل إلى
المرتبة الثانية، بعد أن بدأ السوريون
يكتشفون أن هناك عدواً داخلياً أخطر
عليهم من إسرائيل، ولاسيما أن الكوارث
التي حلت بالسوريين وطرق القتل
الجماعي بالذبح والإبادة لم تكن أقل
بشاعة مما فعل الإسرائيليون
بالفلسطينيين، بل إن ما كنا ندرسه عن
مجازر كفر قاسم ودير ياسين وما عشناه
من الحرب على جنوب لبنان وغزة ورأينا
فيه فظاعة وحشية الإسرائيليين، كله لا
يعادل ما ذاقت حلب وحدها من دمار، فكيف
إذا أضفت إليها مجازر بابا عمرو
والحولة وبانياس والحفة ودير الزور
وريف إدلب وحماه وفوق ذلك كله ريف
العاصمة الذي لم تتوقف المجازر فيه
ليلة واحدة منذ عشرين شهراً. وربما يستغرب
قارئ اتهامي للمجتمع الدولي بالرغبة
في تهديم سوريا، ويقول هل حقاً يريد
قادة المجتمع الدولي الكبار أن يروا
سوريا مهدمة؟ وأضيف له أنهم يريدون أن
يروا الوطن العربي كله مهدماً منهكاً
ضعيفاً، لقد قال كبار من مفكري الغرب
ومنهم برنارد لويس وبعده هنتنغتون "إن
الإسلام جعل أوروبا تعيش على قلق ألف
عام"! ومشكلة انتشار الإسلام في
أوروبا بدعم عربي مقلقة للصهيونية
التي تسعى إلى إحياء النزعة الصليبية
في أوروبا. ولم يكن سراً شعارهم "نريد
عالماً بلا إسلام" وقد زجوا
الولايات المتحدة في حروب متلاحقة ضد
العرب والمسلمين، وحين لم تفض هذه
الحروب إلى تحطيم نهائي للخصم، بدأت
سياسة الاحتواء المزدوج، وهذا ما يفسر
القبول الدولي الحذر والمضطر للتعامل
مع قوى إسلامية صاعدة على مبدأ اقتل
عدوك من داخله. ومع أنني ضد التدخل
العسكري الأجنبي في سوريا وأتفاءل بحل
داخلي، إلا أنني وكل السوريين غاضبون
من التجاهل الدولي لتدمير سوريا، مع
تقديرنا وامتناننا لمن قدموا دعماً
إغاثياً لشعبنا على رغم كونه أقل مما
نحتاج ومما يستطيعون. وفصل الشتاء
القادم مرعب لمن يفترشون الأرض في
العراء، ويلتحفون السماء. ================== هل تنسحب
أميركا من الشرق الأوسط؟ الرأي الاردنية 16-11-2012 د. فهد الفانك تحت رئاسة باراك
أوباما ، انسحبت أميركا من العراق بعد
تكبدها خسائر مالية وبشرية فادحة ،
راضية من الغنيمة بالإياب. وهي تتعجل
الآن الانسحاب من أفغانسـتان في أقرب
وقت ممكن ، فهل يعني ذلك أنها سوف تنسحب
من منطقة الشرق الأوسط كما يدعو البعض. هذا البعض
الداعي للانسحاب ينقسم إلى قسمين ،
الأول يمثل الاتجاه الإنعزالي
الأميركي الذي كان راسخأً لمدة طويلة
قبل تورط أميركا في شؤون العالم خلال
القرن العشرين بما في ذلك خوض حربين
عالميتين. والثاني يمثل من
يعتقدون أن منطقة الشرق الأوسط في
الجيب ، وأن على أميركا أن تركز
اهتمامها بعد اليوم على القوى الجديدة
الصاعدة التي تمثل التحدي الحقيقي
لسلطة أميركا عالمياً. وفي المقدمة
الصين ، التي توشك أن تصبح عملاقاً
اقتصادياً وعسكرياً يحسب له ألف حساب. مع ذلك فإن من
المشكوك فيه أن تنجح دعوة الداعين
للانسحاب الأميركي سياسياً وعسكرياً
من الشرق الأوسط ، لأن لأميركا مصالح
استراتيجية في المنطقة لا تستطيع ولا
ترغب في التخلي عنها ، وفي المقدمة
إسرائيل والبترول والإرهاب. لا تستطيع أية
إدارة أميركية أن تتخلى عن التزاماتها
تجاه إسرائيل ، لأن الأخيرة تملك قوى
أميركية داخلية ضاغطة تستطيع إحراج
وربما إسقاط من يحاول ذلك. ولا تستطيع أية
إدارة أميركية أن تتخلى عن هيمنتها
الضمنية على البترول العربي وتأمين
حرية وصوله إلى الأسواق العالمية. وفي
هذا المجال يعتبر مضيق هرمز مثلاً نقطة
أمن دولية لا تحتمل التساهل. ولا تستطيع
أميركا أن تتغاضى عن خطر الإرهاب
ومصادر إنتاجه في المنطقة. ويقول
خبراؤها أنه حتى لو انسحبت أميركا
عسكرياً من منطقة الشرق الأوسط فإن
الإرهاب لن يتركها لحالها ، ولذا فهي
تفضل أن تلاحقه في ارضه ، لا أن تنتظره
في أرضها. بالنتيجة فإن
أميركا كانت وستظل في المستقبل
المنظور قوة شرق أوسطية وجارة سياسية
وعسكرية لجميع الدول في المنطقة. وهي
بوضوح أحد أهم العوامل التي تقرر
الاتجاهات العامة للتطورات الإقليمية
، كما أصبحت في المدة الأخيرة تأخذ على
عاتقها تهيئة بعض الجهات لاستلام
الحكم إذا كانت قادرة على تأمين
المصالح الاستراتيجية الثلاث المشار
إليها أعلاه. ==================== بين دمشق
وغزة: أي فارق في هوية الضحية وطبائع
الجلاد؟ صبحي حديدي 2012-11-15 القدس العربي العدوان
العسكري، في أغراضه الردعية ـ الأمنية
بصفة خاصة، ركيزة كبرى قام عليها كيان
إسرائيل منذ حروب تأسيسها، ولم يكن
ارتكاب المجازر خياراً مستبعَداً ضمن
هذه العقيدة، والأمثلة عديدة،
ومستويات الوحشية التي انطوت عليها
كانت قياسية على الدوام. في عبارة أخرى،
لم تكن إسرائيل بحاجة إلى ذريعة لكي
تطلق عملية 'عامود هاعنان'، فتمارس ما
اعتبرته 'قصاص السماء' ضدّ غزّة، بما في
ذلك اغتيال أحمد الجعبري، القيادي في 'كتائب
عز الدين القسّام'، وهو الأبرز ربما،
والقائد الميداني الفعلي. غير أنّ
انتفاء الحاجة إلى ذريعة لا يعني، من
جانب آخر، أنّ التخطيط لهذا العدوان لم
يضع في الحسبان إمكانية استغلال
سياقات معيّنة تشهدها المنطقة، قد
تساعد في تخفيف الضغط 'الأخلاقي' الذي
قد يخضع له جيش العدوان الإسرائيلي في
ناظر الرأي العام العالمي. وهكذا، إذا ما
قورن عدد شهداء غزّة، جرّاء القصف
الإسرائيلي؛ بعدد شهداء سورية، جرّاء
قصف النظام السوري لمناطق في حلب ودير
الزور وريف دمشق وسواها... فإنّ
المقارنة لن تنعقد لصالح القصف الأوّل
(أقلّ من عشرة فلسطينيين، مقابل أكثر
من مئة سوري)، فحسب؛ بل سيبدو من حقّ
جنرال إسرائيلي أن 'يتفاخر' بها،
قياساً على سلوك أيّ من جنرالات بشار
الأسد! ومع حفظ الفارق بين عدوان 'وطني'،
يمارسه استبداد سوري محلّي؛ وآخر
صهيوني، تمارسه دولة معادية قامت على
العدوان والاستيطان والعنصرية؛ فإنّ
فارق الضحية، بين سوري وفلسطيني، غير
قابل لحفظ تمييزي (إلا عند أولئك 'الممانعين'،
و'القومويين'، الذين قد يساجلون بأنّ
مجزرة يرتكبها طاغية عربي ضدّ أبناء
بلده، أقلّ مضاضة من مجزرة يرتكبها
كيان أجنبي غاصب!). في المقابل ثمة
مَن يذهب أبعد، ليس دون وجه حقّ،
فيساجل بأنّ توقيت عملية 'عامود هاعنان'
لم يكن قد استهدف هذا الغرض وحده، حتى
إذا كان تخفيف بعض الضغط الأخلاقي عن
جيش العدوان الإسرائيلي يستحقّ ضبط
التوقيت عند سياق يتيح عقد المقارنات
بين وحشية أجنبية وأخرى عربية. الغرض
الآخر، في نظر هؤلاء، هو تخفيف الضغط
الهائل الذي يتعرّض له النظام السوري،
ليس أخلاقياً فقط، بل سياسياً
وعسكرياً، عن طريق 'محاصصة' من طراز ما،
تحقق الغاية الإسرائيلية، كما تلوح
وكأنها تُشرك النظام السوري في
الحملات العسكرية لمحاربة 'الإرهاب':
كوادر 'كتائب القسّام'، في غزّة؛ و'العصابات
المسلحة'، و'القاعدة'، و'الجهاديين'، و'المندسين'...
في سورية. هذه المساجلة
تتكيء على فرضية مفادها أنّ الموقف
الإسرائيلي الفعلي، الذي لا يُفصّل
علانية بالطبع، وإنما يُلتمس في
الأفعال على الأرض، يفضّل الإبقاء على
النظام السوري الراهن، رغم كلّ مزاعمه
عن 'الممانعة' و'المقاومة'، لأنه يظلّ
أفضل لأمن إسرائيل، وأعلى ضمانة، من
أيّ نظام سوري قادم، معلوماً كان أم
مجهولاً. ورغم يقين إسرائيل، الذي بات
نهائياً وقاطعاً، بأنّ نظام 'الحركة
التصحيحية' يوشك على السقوط، والأمور
مرهونة بخواتيم الوقت وبعض الترتيبات
السورية والإقليمية؛ فإنّ النقاش
الإسرائيلي الداخلي، في الحلقة الأضيق
من صناعة القرار الأمني ـ العسكري،
انتهى إلى ترجيح خيارات مدّ النظام
بمزيد من أسباب الاستمرار... إلى حينٍ
محسوب تماماً، بالطبع، حين ستستقرّ
إسرائيل على صيغة عسكرية و/أو سلمية،
لمعالجة ملفّ البرنامج النووي
الإيراني. العلائم تقود
المراقب للموقف الإسرائيلي ـ وخاصة
ذاك الذي خَبِر مقدار السلام الفعلي،
المتين والمنيع، الذي هيمن على وديان
وسهول وتلال الجولان المحتلّ (مقابل
حالة 'الحرب' المعلَنة رسمياً!)؛ وذاك
الذي يحسن استذكار طبيعة الخدمات
المباشرة، وغير المباشرة، التي أسداها
نظام 'الحركة التصحيحية' طيلة أربعة
عقود ونيف ـ إلى خلاصتَين، بين آراء
أخرى أضعف دلالة ربما، حكمتا القرار
الإسرائيلي. الأولى عسكرية صرفة،
تطرحها غالبية الجنرالات، وترى أنّ
إطالة عمر النظام سوف يتكفّل بإلحاق
المزيد من الأذى بالجيش السوري، عدداً
وعدّة ومعنويات؛ وهو جيش يظلّ عدوّاً
لإسرائيل في الكمون البعيد، ومرشّح
لأن يصبح أشدّ عداءً، وأقوى شوكة، في
سورية المستقبل، بعد سقوط النظام
الراهن. الخلاصة الثانية
عسكرية ـ أمنية مختلطة، ترى أنّ
استمرار تآكل النظام السوري سوف ينتقل
ـ حكماً وسريعاً، وليس من باب الاحتمال
والتدريج ـ إلى هضبة الجولان، وعلى
جميع خطوط المواجهة مع الاحتلال
الإسرائيلي. الخطر هنا سوف يتمثل في
قفز 'القاعدة'، أو هذه أو تلك من
الكتائب المسلحة ذات التوجه الإسلامي
والجهادي المتشدد، إلى ملء الفراغ في
الجولان، الأمر الذي سيضع إسرائيل في
مواجهة مفتوحة، هي الأولى من نوعها، مع
طرائق القتال التي تعتمدها 'القاعدة'،
واختبرتها وجرّبتها في أفغانستان
والعراق واليمن. يزيد في الأخطار أنّ
مناطق الفصل بين القوّات، على امتداد
الجولان، تشكّل طبوغرافية اختلاط
معقدة، ومربكة تماماً، بين قوّات
الاحتلال الإسرائيلية، والجيش
السوري، ومراقبي الأمم المتحدة. وكانت المعطيات
تفيد بتوافق رئيس الوزراء الإسرائيلي
بنيامين نتنياهو مع وزير الدفاع إيهود
باراك على تفضيل الخلاصة الأولى،
ميدانياً وعلى المستوى العسكري؛
وتدعيمها سياسياً، عن طريق الاستنجاد
بمجموعات الضغط الأمريكية، لإقناع
إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما
بأن تبقى الضغوطات على النظام السوري
مقتصرة على الدبلوماسية والعقوبات
الاقتصادية. إلا أنّ الأمر أخذ يتبدّل
في الآونة الأخيرة، وبدا أنّ إسرائيل
تريد للتبدّل أن يتخذ صفة تهويلية،
وذلك عن طريق إجراءات مسرحية مثل إخلاء
جبل الشيخ من السيّاح، بذريعة نجاح 'مسلحين
سوريين معارضين للنظام' في الوصول إلى
مناطق قريبة من ذرى حرمون، و'على
الحدود مع إسرائيل'. ومع اندلاع أولى
المواجهات العسكرية بين قوّات النظام
السوري والمقاومة الشعبية في بعض قرى
وبلدات الجولان المحاذية للاحتلال
الإسرائيلي، وخاصة ريف مدينة القنيطرة
(بريقة، وبير عجم)، أخذ تبدّل الموقف
الإسرائيلي يتجلى أكثر، وبات أوضح. ذلك
لأنّ هذه المواقع السورية تقع في منطقة
الفصل منزوعة السلاح، وبالتالي لا
يحقّ للجيش السوري أن يستخدم فيها أيّ
طراز من الأسلحة الثقيلة أو المدفعية؛
وما دام جيش النظام السوري قد قصفها
بشدّة، وبمعدّل قذيفة في كلّ دقيقة،
وسكت الجانب الإسرائيلي عن عمليات
القصف (ما خلا تلك 'الطلقات التحذيرية'،
الخلّبية، التي استهدفت ذرّ الرماد في
العيون)؛ فإن التفسير يصبح بسيطاً بقدر
ما هو جلي: أنّ عمليات القصف هذه تخدم
إسرائيل، ولهذا فإنها لم تسكت عنها
فحسب، بل قبلتها وتقبّلتها، إذا لم
يذهب الظنّ إلى ترجيح احتمال تطوّعها
لتقديم العون في التنفيذ. ولقد لاح، في
المقابل، أنّ جنرالات الجيش
الإسرائيلي قد أحنوا الهامة أمام
أقطاب المؤسسة الأمنية، فعرضت التلفزة
الإسرائيلية لقطات سخية من جولة
تفقدية قام بها الجنرال أفيف كوخافي،
رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية، 'آمان'،
على بعض نقاط حدود الاحتلال
الإسرائيلي. صحيفة 'يديعوت أحرونوت'
نقلت عن كوخافي هذا التصريح
الدراماتيكي الدالّ: 'إنّ المعارك
السورية تقع على مبعدة أميال قليلة من
إسرائيل، وهي تهدد أمننا'؛ فضلاً عن
أنّ 'القتال بين الجيش النظامي السوري
والثوّار يقترب شيئًا فشيئًا من الخط
الحدودي بيننا وبين سورية'. أمّا جرعة
التهويل الختامية فقد انتهت إلى
التالي: 'تشير تقديرات الاستخبارات
الإسرائيلية إلى أن هضبة الجولان
ستصبح، فى الوقت القريب العاجل، منطقة
ضعيفة مع ضعف الحكم المستمر فى سورية'؛
وأنّ 'عدم سيطرة النظام السوري على
الحدود، وتسلل المزيد من عناصر نظام
الجهاد العالمي، خلـق أوضاعاً جديدة
تهدد النظام الأمني في إسرائيل'. أليست هذه هي
جرعة التحذير، الأمنية ـ العسكرية،
الأشدّ تهويلاً، منذ قرابة 40 سنة، أو
حتى قبلئذ؟ متى تحدّث جنرال أمني
إسرائيلي عن اقتراب 'نظام الجهاد
العالمي' من حدود الاحتلال، مقترناً
بتقدير صريح عن 'ضعف الحكم المستمر' على
الضفة الأخرى؟ وإلى جانب إغماض العين
وصمّ الآذان عن قصف بلدات مثل بير عجم
وبريقه، وتوفير المعلومات
الاستخبارية والتجسسية حول انتشار 'الثوار'،
وذلك عن طريق إطلاق القنابل الضوئية في
نطاق عمليات جيش النظام السوري... ما
الذي يمكن لإسرائيل أن تفعله، لكي يعود
النظام السوري إلى سابق عهده في حُسْن
حماية 'الحدود'، كما فعل طيلة أربعة
عقود؟ المرء يعود
بالذاكرة إلى 18 شهراً خلت من عمر
انتفاضة الشعب السوري، وإلى التصريحات
التي نسبتها صحيفة 'نيويورك تايمز'
الأمريكية إلى رامي مخلوف، ابن خال
الأسد، صيرفي النظام، وتمساح
الاستثمار والأعمال الأشرس، بصدد
العلاقة الوثيقة بين استقرار النظام
السوري، واستقرار إسرائيل. آنذاك، قال
مخلوف بالحرف: 'إذا لم يتوفّر استقرار
هنا، فلا سبيل إلى استقرار في إسرائيل'؟
بعد أسابيع قليلة، سوف يفتعل الأسد
حكاية السماح لعدد من الفلسطينيين
باقتحام حدود الاحتلال الإسرائيلي في
محاذاة بلدة مجدل شمس، على السفح
الجنوبي لجبل حرمون، في الجولان
المحتل. وكانت تلك رسالة إلى أصدقاء
إسرائيل، والعالم بأسره، أنّ الأسد
مستعد لخرق المحرّمات، وافتعال حرب
فلسطينية ـ إسرائيلية (لن تتضمن إرسال
جيش النظام ذاته لعبور الحدود، غني عن
القول!)، حفاظاً على نظام الاستبداد
والفساد الذي ورثه عن أبيه. والمرء يتذكّر،
أيضاً، أنّ مناحيم بيغن، رئيس الوزراء
الإسرائيلي سنة 1981؛ وأرييل شارون،
وزير الدفاع الصقر؛ ويوسف بورغ، وزير
الداخلية الممثل للأحزاب الدينية
المتشددة؛ وجدوا فرصة ذهبية سانحة
لإصدار قرار من الحكومة الإسرائيلية،
صادق عليه الكنيست بعدئذ، وقضى بضمّ
الجولان المحتلّ إلى دولة إسرائيل. كان
حافظ الأسد منشغلاً، يومها، بتنفيذ
مجازر جبل الزاوية، وسرمدا، وسوق
الأحد وحيّ المشارقة في حلب، وساحة
العباسيين في دمشق، وسجن تدمر... ولم
تكن الفرصة متمثلة في انشغال جيش
النظام بمعاركه ضدّ الشعب السوري، إذْ
كانت الحكومة الإسرائيلية واثقة
تماماً أنّ الأسد الأب لن يحرّك ساكناً
في كلّ حال؛ بل لأنّ ضمّ الجولان سيمرّ
دون حرج دبلوماسي، ودون تعاطف دولي مع
نظام يذبح مواطنيه في طول سورية
وعرضها؛ وبالتالي فهو غير مكترث
بخسران أرض محتلة، هو عاجز أصلاً عن
تحريرها، لا بالحرب ولا بالسلام. وهل
للمرء أن يردّد: ما أشبه اليوم بالأمس،
إذاً، بين قرار ضمّ الجولان، وعملية 'عامود
هاعنان'، من حيث استغلال السياقات
المجاورة، أو البناء عليها؟ أغلب
الظنّ أنّ الإجابات، باستثناء تلك
التي يمكن أن تصدر عن 'الممانع' و'القوموي'
دون سواه، لن تفلح في طمس البُعد
الأكبر في معادلات المقارنة: فارق
طبائع الجلاد لا يصنع فارقاً نظيراً،
في هوية دم الضحية! ============== مشاري الذايدي الشرق الاوسط 16-11-2012 أخيرا بعد نحو
سنتين من فتك بشار الأسد بالشعب السوري
على بصر العالم وسمعه، تولى العرب
المبادرة الجدية، وخرجوا باتفاق
الدوحة الذي أوجد إطارا شرعيا جامعا
للقوى السورية المناهضة لبشار وعصابته. سقطت حجة جديدة
من حجج التلكؤ الأميركي الغربي في نصرة
المقتولين يوميا في سوريا على يد عصابة
بشار، ومن معها من الخمينيين والروس
وأذيالهم في العراق ولبنان. حتى هذه اللحظة،
وبعد اعتراف المجموعة العربية
الخليجية ثم الجامعة العربية ثم
فرنسا، بائتلاف القوى السورية، الذي
تمخض عن اتفاق الدوحة، لم تعترف أميركا
به، وإن أزجت كلمات الترحيب بالخطوة. كانوا يقولون في
بداية الكارثة، يوم مجزرة أطفال درعا،
نريد حلا سياسيا، نريد قرارا دوليا، لا
نريد الانفراد، وبعد ثلاث صفعات
مفرقات على عدة أشهر، بكف الفيتو
الروسي والصيني، كشفت الحيلة، وفقدت
هذه الحركة قدرتها على البقاء، فتم
اللجوء إلى لعبة المبعوثين الدوليين
والعرب، من الجنرال السوداني الكارثة،
الدابي، إلى «الأكرث» منه، الدولي
كوفي عنان، وأخيرا إلى المبعوث
العتيد، الأخضر الإبراهيمي، الذي
انتهى به المطاف إلى أن «يشحذ» مهلة
العيد، عيد الأضحى، للاكتفاء بتقديم
قرابين الشياه والخرفان عوض البشر
والأطفال والنسوان، فيا له من إنجاز! لقد تأخر الجميع
في التدخل الجاد في سوريا، حتى بت أميل
إلى التشاؤم بشأن مستقبل الاستقرار
فيها حتى لو رحل بشار هذا القاتل أو خلع
أو هلك، لقد تسبب تأخر العالم في
التدخل في مفاقمة العلة، ولكن لا مناص
من اقتلاع الورم الأسدي. الأمر واضح لمن
يرى، الروس ماضون في هذه اللعبة
السياسية العارية، ولا يهمهم سقوط
القتلى، ولا يهمهم خراب سوريا، ولا
يهمهم، غضب الناس في العالم العربي
والإسلامي، همهم هو الحفاظ على ما
يتوهمونه مصالح في منطقة الشرق الأوسط
وضفاف المتوسط، أي أنهم يمسكون برقبة
سوريا لضرب الفيل الأميركي! إضافة إلى
أنهم يشعرون بأنهم يدفعون نار الغضب
الإسلامي في التكوين الروسي المسلم،
سواء في الشيشان وتتارستان وداغستان،
في الاتحاد الروسي، أو في الجمهوريات
الإسلامية الآسيوية. باقي الحسابات
بالنسبة للقيصر الجديد، بوتين، ليست
إلا «فكة عدد» مهما بلغ أنين الموت
وحرارة الدم. أما «العبقري»
أوباما، فهو كما قال لنا الصحافي
الأميركي العبقري الآخر، توماس
فريدمان، في حوار أخير مع صحيفة «حرييت»
التركية، لن يتدخل عسكريا في سوريا،
ولو «بطرف إصبعه»، وهو استخدم هذا
التشبيه تحديدا، وقال ما معناه إن
الرجل سينغمس في شؤون أميركا
الداخلية، وعليكم أنتم أيها الأتراك،
والعرب طبعا، تولي هذا الأمر بأيديكم،
مع لمسات من المباركة الأميركية. هنا أقول صدقنا
فريدمان، وهو الكاتب الذي ثبتت سطحية
وزيف أغلب آرائه وتوقعاته حول الربيع
العربي، لكن لعله يكون أقرب للدقة حين
الحديث عن سياسات أوباما. لذلك حسنا
فعل العرب، أخيرا، بتولي زمام الأمر في
سوريا. منذ البداية كان
واضحا أن من يريد التعويل على «جدية»
أميركية أو حتى أوروبية بنصرة
السوريين ضد هذا القاتل، بشار،
وعصابته، فهو يحرث في البحر ويقبض
الريح. ما حك جلدك مثل
ظفرك.. اصنع الواقع على الأرض، ثم
يتعامل الآخرون معه، طوعا أو كرها، هذا
هو الحزم والعزم والفهم. ================== المواجهة
في لبنان: حزب الله وميقاتي بعد الأسد رضوان السيد الشرق الاوسط 16-11-2012 كان الشيخ أحمد
الأسير يشيع مرافقيه اللذين قُتلا في
كمين لحزب الله بحي التعمير عند مخيم
عين الحلوة الفلسطيني، عندما كان
الأمين العام لحزب الله يخطب داعيا
جبهة 14 آذار إلى الخضوع للحوار معه أو
يلغيهم لصالح آخرين. أما السيدة بهية
الحريري فكانت تقول لرئيس الحكومة
ميقاتي، الذي تطالبه قوى 14 آذار
بالاستقالة منذ اغتيال اللواء وسام
الحسن: إن الله يغفر لمن يحج سائر ذنوبه
باستثناء الدماء، وإن الموقف الذي هو
فيه أقسى على والديه الراحلين، وعلى
المسلمين، من اغتيال رفيق الحريري! يبدو الصراع
السياسي (والأمني) في ظاهره بلبنان
دائرا داخل الأوساط السياسية، بين
الذين يريدون إزالة ميقاتي، والذين
يريدون الإبقاء عليه لحين إيجاد مخرج
آمن له! والواقع غير ذلك تماما بالطبع.
فالأمر يعود إلى عام 2009 عندما كان
الأميركيون في أول عهد أوباما ونهجه في
«القوة الناعمة» يخططون لخروج آمن
لعسكرهم من العراق، وللحيلولة دون
نشوب نزاع مسلح جديد بين إسرائيل
وإيران عن طريق استخدام حزب الله. تم
التوافق بسرعة لأن أوباما كان على عجلة
من أمره لسببين: تحقيق الوعد الانتخابي
بالانسحاب من العراق، وإنجاز شيء في
الملف الفلسطيني. لقد وقع التوافُق على
تنصيب المالكي بالعراق، وعودة السفير
الأميركي إلى سوريا الأسد، والحصول
على ضمانات من إيران بعدم إزعاج
إسرائيل، وهي ضمانات فهم منها
الإيرانيون والأسد ونصر الله إمكان
الاستيلاء على الحكومة اللبنانية
دونما اعتراض أميركي. وقد حقق ذلك
للإيرانيين وللحزب أمرين: أولا إحباط
المساعي السعودية في إحداث مصالحة
وطنية بالداخل اللبناني، وبين الإخوان
المسلمين وسوريا، وثانيا إتمام
استيلاء الحزب على كل مؤسسات الدولة
ومرافقها تقريبا بما في ذلك المرفأ
والمطار. وقد كان من بين القرارات
الأولى لحكومة ميقاتي إجازة سفر
الإيرانيين إلى لبنان من دون تأشيرة
دخول! وما كان اختيار ميقاتي - وليس عمر
كرامي - لرئاسة الحكومة العتيدة عبثا
أو مصادفة. فهو شريك الرئيس الأسد في
أعماله التجارية منذ عام 1995، وهو الذي
أدخله إلى الحياة السياسية اللبنانية
منذ عام 1996 أيضا. ما تزعزع المحور
الإيراني في السنوات الأخيرة إلا
عندما قامت الثورة السورية. وكان
الإيرانيون أول الذين هبوا لمساعدة
الأسد بالمال والعتاد أولا، ثم
بالرجال ثانيا. وأرسل الروس الخبراء
والسلاح الثقيل ظنا منهم أنهم بذلك
ينتقمون لما أصابهم في ليبيا، ويعودون
قوة عظمى. وقد طال صمود الأسد، كما طال
أمد الصراع، وكثر وقوع الضحايا، وهَول
الخراب، ليس بسبب الدعم الإيراني،
الذي وصل إلى استخدام حزب الله في
القتال بداخل سوريا؛ بل وأيضا بسبب
إعراض الأميركيين والأوروبيين عن
المساعدة للمعارضة لأطول مدة ممكنة.
والسائد أن ذلك كان بسبب الانتخابات
الأميركية، وأن الأطلسي لا يستخدم
قواته من دون موافقة أميركية، وخشية
الاصطدام بالروس. لكنْ ينبغي التفكير
دائما في العامل الثاني في الاتفاق
الأميركي - الإيراني عام 2009: عدم التحرش
بإسرائيل وبـ«اليونيفيل». ولو أنهم
ساعدوا المعارضة السورية قبل الأوان،
وقبل اتجاه الأسد للانكسار، لكان من
المتصور أن يتحرش الحزب بـ«اليونيفيل»
وبإسرائيل! وسط فراغ أو
امتلاء هذه الجبهة المغلوبة على أمرها
في لبنان، جرى اغتيال اللواء وسام
الحسن، فطالبت قوى 14 آذار رئيس الحكومة
بالاستقالة، حتى لا يظل غطاء للجرائم
والاعتداءات على الدولة والمؤسسات.
والطريف أن الذين هبوا للدفاع عنه وعن
حكومته - قبل نصر الله وعون - هم سفراء
الدول الغربية ومسؤولوها في لبنان، ثم
في البلدان الأصلية. لقد تحدثوا عن
الاستقرار، وعن الخشية من الفراغ. وهم
في الواقع ما خشوا شيئا من ذلك، لأن
الحكومة الحاضرة كانت هي المزعزعة
للاستقرار، والمصرة على التحالف مع
الأسد ومخابراته وكتائبه المسلحة. وقد
قال حسن نصر الله إن رجاله - الذي كثر
القتلى بينهم - إنما يدافعون عن
اللبنانيين في سوريا! وصور السفراء
الأمر على أنهم مفتونون بميقاتي
وشخصيته الناعمة والثرية والباعثة على
الاطمئنان كما قالوا. بيد أن دوائرهم
الأمنية كانت تذهب إلى أن الحزب قدم
أجندته الأمنية والعسكرية لثلاثة أشهر:
إلى الشهر العاشر من عام 2012، بدلا من
الشهر الأول من العام القادم. فقد
اقتنع الإيرانيون والروس أخيرا بأن
الأسد دنا سقوطه، ولا بد من الاستعداد
لما يأتي، بتشديد القبضة على لبنان.
ولذلك تحركت الملفات الأمنية، وازدادت
الإنذارات العسكرية، ومن ضمنها: زيادة
عدد القوات الإيرانية والعراقية
والنصرية في سوريا، والاستنفار في
لبنان، واحتضان حكومة ميقاتي بقوة،
وإرسال الطائرة من دون طيار إلى
إسرائيل، وتهديد كل من يرفع رأسه أو
يتلفت إلى جانب آخر. لا يزال الأمين
العام للحزب إذن يعتبر نفسه سيد الموقف.
وهو يريد الإيحاء بذلك إلى حزبه
وطائفته وحلفائه بالداخل، وإلى دول
وجهات الجوار بالخارج. أما رئيس حكومته
ميقاتي فهو في موقع أكثر حرجا وإن كان
أقل مسؤولية. نصر الله مسؤول أساسي في
المحور الإيراني الذي يتحرك الآن بقوة
في العراق والبحرين واليمن وأماكن
أخرى. وهذا المحور تكاثرت عليه المطالب:
اضطراب بالعراق، وثورة في سوريا،
وتمرد مدني في لبنان. وقد استخدم
الجماعات الشيعية من جديد في كل مناطق
النفوذ، واستخدم الجهاديين القاعديين
بسيناء، والجهاد الإسلامي بغزة.
وميقاتي بالطبع لا ناقة له ولا جمل في
ذلك، فقد جاء من أجل الأسد، ومن أجل
الدوليين، ومن أجل إرضاء طموحاته في
الزعامة. لكنه وقد جاء واعيا وساعيا
برجليه، صار الآن رهينة بين الإباديين
(الأسد)، والجهاديين (نصر الله)! متى يجري القفز
من السفينة الغارقة؟ يبدو أن الروسي
يحاول ذلك الآن. أما الإيراني فلا
يستطيع ذلك لخطورة التداعيات عليه، من
العراق وإلى الملف النووي. هل يقوم
بمبادلة؟ لقد تأخر الوقت، وكان يستطيع
الإفادة قبل عام. وقد نجت حماس بنفسها
وما كادت. وهناك روايات عن النأي
بالنفس من جانب المالكي. إنما بالعودة
إلى نصر الله وميقاتي؛ فإن نصر الله
ماض مضطرا إلى الحرب بالداخل والخارج.
وهو مؤمن دائما بأن هذا هو واجبه
الجهادي، سواء أكان ذلك بالهجوم على
إسرائيل أو باحتلال بيروت، أو بالوقوف
إلى جنب الأسد، أو بقتل مرافقي أحمد
الأسير. أما ميقاتي فإنه رهينة من دون
رسالة ولا دعوة، إذ إن الأسد لن يتركه
الآن بعد أن أفاد من شراكته طويلا. ونصر
الله يريد أخذه معه إلى الجهاد. لقد
خمدت في نظراته أطماع أشعب، وبقي لديه
خبث جحا دون ظرافته! وقد جلب كل هذا
الاضطراب على أهل محور الممانعة: الدم
السوري، وعظمة الشعب السوري. ================= خالد غزال * الجمعة ١٦
نوفمبر ٢٠١٢ الحياة يبدو مفيداً في
قراءة مجريات الأزمة السورية، استحضار
الحرب الأهلية اللبنانية والمسار الذي
اتخذته خلال خمسة عشر عاماً. لم يكن
يدور في خلد المتقاتلين اللبنانيين
عام 1975 أن قتالهم سيتحول بعد أشهر عدة
من اندلاع الجولات العسكرية إلى
اختلاط بين حروب داخلية من جهة،
وخارجية من جهة أخرى، ما جعل حربهم
متعددة الجبهات وساحة تصفيات بين قوى
دولية وإقليمية، واتسعت فيما بعد
لتأخذ طابع حروب بديلة وجدت القوى
الدولية في الأرض اللبنانية مسرحاً
لعملياتها. فهل بدأت الأزمة السورية
المستعصية على الحل السياسي الداخلي
تأخذ المنحى اللبناني نفسه، فتتحول
الأرض السورية إلى مسرح لحروب
الآخرين، إضافة إلى كونها ميدان قتال
القوى الداخلية؟ ثمة مؤشرات دالّة على
هذا الاتجاه. عندما اندلعت
الانتفاضة السورية، كانت واضحةً فيها
الشعارات السياسية الهادفة إلى إسقاط
نظام الاستبداد السوري وإقامة نظام
ديموقراطي بديل. كان الغالب على طابع
الانتفاضة كون قواها داخلية بامتياز.
لم يكن خافياً على النظام السوري أنّ
بقاء الانتفاضة في حدود الأراضي
السورية لن يكون لمصلحته، فأطلق منذ
الأيام الأولى تهديداته بنقل الأزمة
إلى الجوار الإقليمي، واستدرار إشراك
القوى الدولية والإقليمية وزجها في
الصراع العسكري، لإفقاد الانتفاضة
طابعها السلمي ولتشويه مطالبها
الوطنية الهادفة إلى الخلاص من
الاستبداد. انطلقت التصريحات جلية من
أركان النظام من أن الاستقرار في
المنطقة، بما فيها مع إسرائيل مرهون
ببقاء النظام السوري الحالي بكل
مقوماته. لذا، بدا استدراج تدويل
الصراع الدائر مطلباً أساساً للنظام
السوري، بكل ما يعنيه من إدخال قوى
دولية وإقليمية في الأزمة. ولم يكن
ينقص القوى الدولية المعنية بأزمة
الشرق الأوسط الرغبة في أن تكون طرفاً
في الصراع الدائر وفي الحلول التي
ستحصل حين تنضج ظروفها. هكذا، منذ أكثر
من عام باتت الأزمة السورية في قبضة
التدويل الذي اتخذ حتى الآن أشكالاً
متفاوتة، لكنها لا تزال بعيدة من
التدخل العسكري. عبّر التدويل عن
نفسه بنقل الأزمة إلى مجلس الأمن،
وقبله إلى الجامعة العربية، ونجم عنه
تكليف مبعوثين أمميين – عربيين هما
كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي. فشل
المبعوثان في التوصل إلى حلول للأزمة
وعادا بخفَّي حنين، خصوصاً لدى
الإبراهيمي الذي راهن على إمكان وقف
لإطلاق النار خلال عطلة عيد الأضحى،
لكن النظام كان له بالمرصاد، فلم يتوقف
قصف الطيران والدبابات. لم يكن فشل
المبعوثين الأمميين ناجماً فقط عن
تعنت النظام السوري وإصراره على الحل
العسكري وسيلة وحيدة لإنهاء
الانتفاضة، بل كانت هناك عوامل متصلة
بالصراع الدولي على المصالح في منطقة
الشرق الأوسط، وجدت تعبيرها في الموقف
الروسي والصيني المانع اتخاذ قرار في
مجلس الأمن ضد النظام السوري، وفي
التدخل الإيراني المباشر في دعم
النظام السوري عسكرياً ومادياً. يضاف
إلى ذلك التدخل الآتي «من بعيد» من بعض
الدول الخليجية وتركيا، وهو تدخل لم
يتجاوز بعض المساعدات المالية القليلة
قياساً لاحتياجات الانتفاضة، أو عبر
المخيمات المخصصة للاجئين السوريين
إلى تركيا والأردن. صحيح أننا لسنا
أمام مشهد الحرب الباردة التي عرفها
العالم قبل سقوط المعسكر الاشتراكي،
لكن الدور الروسي - الصيني يحاول أن
يكون فعالاً وساعياً إلى الإفادة من
الأزمة السورية لإعادة موضعة مصالحه
في منطقة الشرق الأوسط والإفادة من
الثروات النفطية الغنية فيه. لا شك في
وجود تضارب مصالح مع الولايات المتحدة
والغرب في هذا المجال، حيث يبدو أن
الموقف الروسي يصارع في سورية داعماً
النظام على أمل الفوز في تسوية مع
الولايات المتحدة تضمن له مصالحه
الشرق أوسطية، ومكتسباته في بلدان
المعسكر الاشتراكي السابق. كما أن
الصين لا تبدو بعيدة من الأهداف
الروسية نفسها. أما إيران، فإضافة إلى
أن النظام السوري قد أمّن لها موقعاً
في المنطقة العربية وبوابة للدخول
منها إلى قضاياه الحساسة ومنها القضية
الفلسطينية، إلا أن النظام الإيراني
يصعّد في سورية وعينه على استدراج
الغرب للبحث في ملفه النووي وتخفيض
العقوبات عليه. أما تركيا الطامحة
أيضاً لدور أكبر في الشرق الأوسط، فبعد
أن بدا لفترة من الزمن، خصوصاً في
الأشهر الأولى من الانتفاضة، حيث
صعّدت كثيراً في الكلام عن عدم قدرتها
على السكوت عما يحصل في سورية
واستعدادها للتدخل العسكري، فإن هذا
التصعيد الكلامي سرعان ما تلاشى بعدما
أتى القرار الغربي حاسماً بالامتناع
عن هذا التدخل. يضاف إلى هذه
العناصر المدرجة في قلب التدويل، عدم
إخفاء ما تمارسه القوى الإقليمية
والدولية من تدخل على صعيد القوى
المناهضة للنظام، أي المعارضة السورية.
ليس من شك في أن قوى المعارضة، في أقسام
واسعة منها المقيمة في الخارج، باتت
أسيرة التدخلات الإقليمية والدولية في
شؤونها، بما يصل إلى حد تعيين
التشكيلات الواجب اعتمادها. وهو أمر قد
تكون له أسبابه الموضوعية الناجمة عن
طبيعة قوى المعارضة وكيفية تشكلها،
لكنه واقع يمس الانتفاضة نفسها التي
باتت مدار تلاعب من هذه القوى الخارجية.
يندرج تضخيم حجم القوى المتطرفة
والأصولية وتصويرها بأنها تشكل عصب
الانتفاضة، في تشويه مضاعف لقوى
الانتفاضة الشعبية، وتبريراً لمسلك
القوى الدولية في الإحجام عن وضع
الحلول الفعلية أو تقديم المساعدة
الفاعلة لهذه المعارضة. جرى سابقاً وصف
الحرب الأهلية اللبنانية بأنها داخلية
مئة في المئة، وخارجية مئة في المئة،
وهو وصف صحيح جداً جواباً على «حروب
الآخرين في لبنان». تبدو الحرب الأهلية
الدائرة في سورية على الطريق نفسه، ما
يعني أننا أمام مسار مديد من التلاعب
بالساحة السورية، ومزيد من التفتيت
للجيش والمجتمع والاقتصاد، وبالتالي
المزيد من المعاناة للشعب السوري. كل
ذلك في انتظار التوافق على تسويات بين
القوى الإقليمية والدولية، وهو ما لا
يبدو أن الأفق مفتوح أمام تحققه حتى
الآن. ======================== علي حماده •2012-11-15 النهار أول التعليقات
التي صدرت عن ديبلوماسيين غربيين في
بيروت اثر بدء العملية العسكرية
الاسرائيلية ضد غزة، لم تستبعد ان تكون
من بين أهدافها اضافة الى البعد
الانتخابي الداخلي الاسرائيلي،
محاولة خلط الاوراق في البعد العربي
المباشر، اي احداث اختراق سلبي على
مستوى المعركة الديبلوماسية التي
يديرها الرئيس الفلسطيني محمود عباس
لتقديم طلب الاعتراف بفلسطين دولة غير
عضو في الجمعية العامة للامم المتحدة،
ومن ناحية أخرى دفع الصراع العربي -
الاسرائيلي الى الواجهة بما يخدم
مصلحة النظام في سوريا غداة تعرضه
لضربة سياسية كبيرة تمثلت في تشكيل
الائتلاف الوطني في الدوحة، ثم اعتراف
جامعة الدول العربية به، وبدء دورة
الاعترافات به اوروبياً واميركياً. كل
ذلك مع التقدم النوعي الذي تحققه
الثورة السورية على مسرح القتال في كل
مكان، وبالتحديد مع توسع نطاق معركة
دمشق، واعلان وزير الدفاع الاسرائيلي
ايهود باراك أن الجيش السوري الحر
يسيطر على معظم القرى المتاخمة
للجولان المحتل. الضربة
الاسرائيلية في غزة تستهدف أساساً
حركة "حماس" التي تغيرت كثيراً
عما كانت عليه سنة ٢٠٠٨
في حرب غزة السابقة. فقد حصلت الثورات
العربية ولا سيما في مصر حيث وصل "الاخوان
المسلمون" الى الحكم، ثم اشتعلت
الثورة في سوريا، وخرجت "حماس" من
دمشق، وانسحبت بهدوء من المحور
الايراني - السوري، لتنكفئ الى غزة في
محاولة منها لصنع "شرعية" حكم
اكثر استقراراً. هل قام نتنياهو
بالعملية العسكرية لنجدة بشار كما
يتهم ثوار سوريا؟ غالب الظن ان اسرائيل
لا تحدد سياساتها في اطار خدمة
الآخرين، لكنها لا تنظر بعين الرضا
والارتياح الى الثورة لكونها تحدث
تغييرات كبيرة في المعادلات التي قامت
منذ اربعة عقود بين اسرائيل ونظامي
حافظ وبشار الأسد. فعلى مدى أربعين
عاماً لم يخرق الأسد الأب والابن
الخطوط الحمر مع الدولة العبرية. في مطلق الاحوال
تبدو العملية العسكرية الاسرائيلية ضد
غزة عملية سياسية اكثر منها عملية لحسم
عسكري. فالغارات قد ترمم الردع
الاسرائيلي لفترة، لكنها لن تنهي
خطر الصواريخ، ولن تنهي "حماس" في
غزة، لكنها بتزامنها مع العديد من
التطورات الساخنة في المنطقة تذكر
العالم بأن الشرق الاوسط المثقل
بالازمات والصراعات المتقاطعة يقف على
فوهة بركان. والعملية العسكرية
الاسرائيلية الأخيرة تبرز الحاجة الى
مزيد من الانخراط الدولي في تفكيك
الالغام القابلة للانفجار. واول
الالغام الازمة السورية حيث الحاجة
الى الدفع في اتجاه حسم الامور واخراج
بشار الاسد من الحكم، ومعه تدمير الجسر
الايراني الى المنطقة. وثانيها الصراع
العربي – الاسرائيلي بالمسارعة الى
اطلاق عملية سلام جدية تنتهي بولادة
دولة فلسطين المعترف بها دولياً. خلاصة القول، إن
المنطقة التي طال انتظارها انتهاء
الانتخابات الأميركية تحتاج الى
ديبلوماسية أميركية منخرطة أكثر مما
كانت عليه في الأشهر الثمانية عشر
الأخيرة. ================= فهيم الحامد عكاظ 15-11-2012 تحول محوري وتاريخي
شهدته الأزمة السورية مؤخرا عبر تشكيل
الائتلاف الوطني السوري المعارض،
والذي يعتبر بكل المعايير تطورا نوعيا
واستراتيجيا في تاريخ الأزمة السورية،
إذا وضعنا في الاعتبار، ما تسببت فيه
المعارضة من انتكاسات لثورة الكرامة. وليس هناك شك أن
الاعتراف الخليجي والعربي السريع بهذا
الائتلاف، أعطاه دفعة سياسية ومعنوية
كبيرة وقوية باعتباره ممثلا شرعيا
وحيدا للشعب السوري، كما أنه أعطى أيضا
الثورة والشعوب العربية، روحا ونفسا
إيجابيا كبيرا، وشعر الجميع ولأول مرة
أن هناك توحيدا في الرؤى السياسية
للمعارضة وخارطة طريق وواضحة المعالم
للوصول للهدف النهائي وهو إسقاط
النظام طوعا أو كرها عاجلا أو آجلا. وأعتقد جازما، أن
انضواء المجلس الوطني تحت لواء
الائتلاف وتأجيل الخلافات فيما بين
القيادات المعارضة على الأقل حتى
إشعار آخر أيضا خطوة يحمد عليها. ويجسد التوافق على
شخصية قيادية وهو أحمد معاذ الخطيب
لقيادة الائتلاف خطوة مهمة من ممثلي
قوى الثورة المختلفة، خاصة أن الخطيب
شخصية إسلامية معتدلة وغير حزبية،
تحترم التعددية وعدم تهميش الآخر، ما
جعلته يلقى القبول في الداخل السوري
والمحيط العربي وحتى الدولي. وبعد هذا الإنجاز
السوري غير المسبوق المطلوب من
الكيانات العسكرية في الداخل السوري
التي تعتبر رئة وشريان النضال ضد
النظام الأسدي أن تتحد وتنضوي تحت لقاء
هذا المولود الذي حظي بالشرعية
الخليجية والعربية والدولية لكي تنصهر
هذه المجالس في مشروع نضالي موحد وتعطي
الضربة القاضية لنظام الأسد المتهاوي،
ويتحقق التكامل بين المعارضة الشرعية
والمجالس العسكرية في الداخل لكي نوقف
نزيف الدم السوري ويتحقق الانتصار
الكامل على طاغية سوريا. ويرسل المناضلون
السوريون الشرفاء رسالة واضحة لأولئك
الذين دعموا النظام الأسدي أن استمرار
وقوفهم خلف نظام يتهاوى ستكون له عواقب
وخيمة وسيدفعون ثمنه كبيرا قريبا. لقد حان الوقت لكي
يستعيد الشعب السوري المناضل كرامة
ثورته التي دفع قيمتها الآلاف من
الشهداء وأن تستعيد سوريا مجدها الذي
سلبه نظام ديكتاتوري طائفي سرق حريتة
لعقود. إن الثورة السورية ستسجل اسمها
بأحرف بيضاء في تاريخ الثورات
العالمية وستثبت أن الظلم والاستبداد
قد يستمر لعقود ولكنه لن يستطيع
الاستمرار للأبد. ============= طارق الحميد الشرق الاوسط 15-11-2012 بعد مقال «إسرائيل
تحاول إنقاذ الأسد»، المنشور الثلاثاء
الماضي، كان السؤال الرئيسي المطروح:
هل فعلا تقوم إسرائيل بإنقاذ الأسد؟
ولماذا لا يكون الجيش الحر هو من يريد
جر إسرائيل للمعركة؟ وأسئلة كثيرة،
فالواضح أن كثيرين باتوا قلقين من
اقتراب الأزمة السورية للحدود
الإسرائيلية، وخطورة انعكاسات ذلك. وما يجب التنبه إليه
هنا أمران؛ الأول أنه من المؤكد أن من
مصلحة إسرائيل بقاء حدودها مع سوريا
بشكل آمن ولأربعين عاما مقبلة، كالتي
مضت، حيث كان نظام الأسد، الأب والابن،
خير حارس لاتفاقية وقف إطلاق النار بين
سوريا وإسرائيل، رغم سعي النظام
الأسدي لإحراق المنطقة بمعارك وأزمات
مع إسرائيل، سواء في غزة، أو لبنان، أو
تسخين الملف المصري الإسرائيلي، منذ
اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية.
وذلك استثمارا للشعار الكاذب للمقاومة
والممانعة، حيث تكون المقاومة في كل
مكان إلا الجولان. وهذا الواقع، وعلى
مر أربعة عقود، كان موضع تقدير
إسرائيلي؛ حيث لم تقم إسرائيل بتقليم
مخالب الأسد إلا عندما يخرج عن قوانين
اللعبة، بين فترة وأخرى، ودائما ما
تقوم إسرائيل بخطوات استباقية ضد نظام
الأسد، الذي دائما ما يردد أنه يحتفظ
بحق الرد! وما يؤكد هذا الأمر
التصريحات الإسرائيلية المتكررة حول
أهمية المحافظة على حدود هادئة وآمنة
مع سوريا، كما كانت بالطبع طوال أربعة
عقود! الأمر الآخر المهم
هنا هو أن جميع ما طرحه النظام الأسدي
من تهديدات منذ بدء الثورة، سواء على
لسان مقربين منه، أو عبر الإعلام
الإيراني، أو ما قاله بشار الأسد نفسه
حتى في مقابلته الأخيرة مع «روسيا
اليوم»، تم تنفيذه، أو الشروع فيه،
سواء في لبنان، أو الأردن، أو على
الحدود مع تركيا، وكذلك العراق، ولم
يتبق إلا أمران اثنان من تلك التهديدات
لم يقم النظام الأسدي بفعلهما وهما
إقحام إسرائيل في الأزمة السورية،
واستخدام الأسلحة الكيماوية. والآن
بدأ النظام الأسدي باستخدام الورقة
الإسرائيلية، وسارعت إسرائيل للرد
عليه، ثم عادت وأحجمت، وربما إلى حين،
مدعية ضبط النفس لأنه بات من الواضح أن
تدخلها يعني حماية الأسد، لا أكثر ولا
أقل، خصوصا أن المجتمع الدولي بات
يتحرك بشكل أسرع، وأكبر الآن، وقبله
الدول العربية، وخصوصا الاعتراف
بالائتلاف الوطني السوري كممثل وحيد
للشعب السوري، من قبل العرب وفرنسا
وأميركا. فحتى زيارة وزير الخارجية
الروسي للسعودية ستكون أمام واقع من
الصعب تجاهله، أو القفز عليه، وهو أن
الخليجيين هم أول من اعترفوا
بالائتلاف الوطني السوري. وبالتالي
فليس هناك الكثير مما يمكن أن يقدموه
للروس، فكما يقول أحد أبرز الساسة
العرب في المنطقة إن روسيا كمن يبيع
الآيس كريم في الظهر، وتغالي في السعر
دون أن تشعر أن الآيس كريم قد ذاب بين
يديها. والخطورة الآن أن تأتي «الهبة»
الإسرائيلية لتعيد تجميد هذا الآيس
كريم! ولذا فنحن أمام خطرين
حقيقيين، هما تدخل إسرائيل في الأزمة
السورية ولخبطة الأوراق، والخطر
الثاني أنه لم يتبق إلا الأسلحة
الكيماوية من قائمة تهديدات الأسد
التي لم تستخدم بعد. عدا عن ذلك فإن كل
حيل الأسد وتهديداته قد تم استنفادها. =============== للثورة
السورية ظروفها الخاصة انتصارها بات
مسألة حتمية طارق الحميد الشرق الاوسط 15-11-2012 قبل الخطوات
التوحيدية الأخيرة التي اتخذتها
المعارضة السورية المسلحة والجيش
السوري الحر وقبل آخر اجتماعات
المعارضين السوريين المدنيين في
الدوحة في قطر تعرضت هذه المعارضة،
وبخاصة جناحها العسكري، إلى حملات
تشويه غير بريئة شارك فيها نظام بشار
الأسد وحلفاؤه الإيرانيون والروس
وإعلامهم بكل وسائله وأشكاله، كما
شارك فيها أيضا الأميركيون وبعض
الأوساط الغربية بحجة أن العمليات
العسكرية التي تشنها المعارضة
العسكرية باتت تتخذ طابع العنف
الإرهابي وأن التنظيمات الأصولية التي
تعتبر امتدادا لـ«القاعدة» غدت هي
التي تقوم بمثل هذه العمليات التي
تستهدف أناسا أبرياء، والتي تطال بعض
أفراد الجيش النظامي بعد الاستسلام
وتسليم أنفسهم. وحقيقة، لا يمكننا
الدفاع عن بعض التجاوزات ولا تبرير بعض
الأفعال المشينة والمدانة ولا إنكارها
لكن ما يجب أخذه بعين الاعتبار هو أن كل
ثورات التاريخ التي كانت ولادتها
عسيرة، والتي كانت من إنتاج ظروف صعبة
كالظروف التي كان لا بد أن تفرز وتعطي
هذه الثورة السورية المباركة العظيمة
قد وقعت في أخطاء كهذه الأخطاء، وقد
ارتكبت تجاوزات ربما أسوأ من هذه
التجاوزات وهذا بالتأكيد يشمل الثورة
الخمينية الإيرانية ويشمل أيضا حتى
الثورة الجزائرية العظيمة التي تعتبر
أحد معالم القرن العشرين. ثم ويجب الأخذ بعين
الاعتبار ونحن نتحدث عن هذه المسألة
الخطيرة أن نظاما مخابراتيا كالنظام
القائم في سوريا الآن لا يمكن إلا أن
يلجأ، منذ البدايات وحتى الآن وفي
المستقبل إذا استمرت الأوضاع الحالية،
إلى تشويه هذه الثورة وتسريب عملائه
إلى قلب الفصائل المقاتلة، التي ما كان
يجب أن تتكاثر وتتعدد على هذا النحو،
لارتكاب تجاوزات بشعة ومرفوضة إن ضد «الأسرى!!»
من ضباط وأفراد الجيش النظامي وإن ضد
المواطنين العاديين من طوائف معينة
وتحديدا من الطائفية «العلوية»
المختطفة من قبل هذا النظام الذي هو
نظام طائفي لكنه ليس نظام هذه الطائفة. إن من لم يتردد في
إرسال «شبيحته» ومغاويره واستخبارات
قواته الجوية لإلقاء القبض على شابٍ
صغير بتهمة الغناء للثورة السورية
والتغني بها ورمْيه في نهر العاصي في
حماه بعد انتزاع حنجرته، من غير
المستبعد أن يدس أعدادا كبيرة من
مخابراته في صفوف «الثوار»، الذين
وجدوا أنفسهم مضطرين لحمل السلاح في
ظروف صعبة واستثنائية لا تسمح بأن تكون
هناك عمليات فرز حقيقية للمنتسبين
إليهم، والسعي لتشويههم وتلطيخ أيديهم
بدماء الأبرياء من خلال القيام
بالأفعال الشنيعة التي نقلتها شاشات
الفضائيات العربية والعالمية. كل ثورات ما سُمِّي «الربيع
العربي» لم تنْشأ في مثل الظروف
والأوضاع التي نشأت فيها «الثورة
السورية»؛ ففي تونس أدى انحياز الجيش
التونسي إلى انتفاضة الشوارع، التي
بدأت في الجنوب الفقير والمحروم، في
اللحظة المبكرة الحاسمة، إلى فرار زين
العابدين بن علي إلى الخارج، وحسم
الأمور بسرعة. وفي ليبيا، التي لا تزال
أوضاعها لم تستقر نهائيا بعد، وكان
لتدخل حلف شمالي الأطلسي (الناتو)
الدور الرئيسي في تدمير كتائب معمر
القذافي العسكرية وتمكين الثوار من
الانتصار في فترة زمنية معقولة. أما في
مصر، فإن ما بات مؤكدا هو أن الجيش قد
انحاز ومبكرا إلى ثورة الخامس
والعشرين من يناير (كانون الثاني) وهو
أن المجلس العسكري الأعلى بقيادة
المشير حسين طنطاوي وبالتنسيق مع مدير
المخابرات السابق عمر سليمان، رحمه
الله، قد انقلب على حسني مبارك وأرغمه
على الاستقالة في اللحظة الحاسمة، ثم
تمت بعد ذلك الإجراءات الانتقالية وفق
المراحل الدستورية المعروفة مما جنب
هذا البلد العربي الذي تجاوزت أعداد
مواطنيه الخمسة وثمانين مليون نسمة ما
هو أسوأ بألف مرة مما تعرضت وتتعرض له
سوريا. ولنتصور، لو أن
المجلس العسكري الأعلى لم يبادر مبكرا
إلى الانحياز إلى ثورة شعبه، ماذا كان
من الممكن أن يحدث لو أن مبارك لم يذعن
لتوجهات الجيش المصري وانحيازه إلى
الثورة ويبادر إلى الاستقالة التي
فرضت عليه فرضا.. إنَّ ما لا نقاش فيه
على الإطلاق هو أن خسارة مصر بالأرواح،
ما كانت تقتصر على 864 قتيلا، وأن
الأرقام على هذا الصعيد كانت ستصل إلى
الملايين لو أن ما جرى في سوريا قد جرى
في مصر، ولو أن القوات المسلحة المصرية
لم تغلّب انحيازها إلى مصر وإلى الشعب
المصري على ولائها للحاكم، الذي يختلف
عن الحاكم السوري بأنه ابن هذه القوات
وأنه كان قد قادها في أهم محطات الظروف
الصعبة وأنه صاحب أول ضربة جوية
لإسرائيل في حرب أكتوبر (تشرين الأول)
عام 1973 وذلك رغم أنه كان قائد سلاح الجو
المصري في تلك الفترة. ولذلك فإننا عندما
نقلب هذه الصفحة ونفتح الصفحة السورية
فإننا نجد أن الجيش السوري بكتائبه
الطائفية لا يزال مواليا لنظام بشار
الأسد، وأنه بقي يقدم هذا الولاء
الطائفي على الولاء للوطن وعلى الولاء
للشعب السوري. ولهذا فإننا نجد أن
الانشقاقات عن هذا الجيش، الذي خضع
لتربية «أسدية طائفية إسبارطية»
ولتصفيات وتنقيات امتدت على مدى نحو 50
عاما، بقيت فردية واقتصرت في البدايات
على بعض «المغامرين» و«المجازفين»
لكنها ما لبث أن اتخذت طابعا شموليا
بعد تمادي هذا النظام الدموي الأرعن في
ذبح شعبٍ أعزل وتدمير المدن والبلدات
السورية. على مدى أكثر من 40
عاما، أي منذ ما سمي «الحركة التصحيحية»
التي كانت انقلابا عسكريا قاده حافظ
الأسد في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1970
ضد رفاقه الذين ألقى بهم في زنازين «المزَّة»
حتى ماتوا جميعا، اتبع هذا النظام كل
الأساليب التدميرية التي استخدمها كل
طغاة الكرة الأرضية ضد شعوبهم لتدمير
الشعب السوري نفسيا وسياسيا واجتماعيا
واقتصاديا. ولهذا فإن هذه الثورة
العظيمة قد بدأت في درعا في الثامن عشر
من مارس (آذار) العام الماضي كانتفاضة
شعبية دون أي إطار تنظيمي ودون قيادة
ودون أي تنسيق مسبق على مستوى «القطر
العربي السوري» كله. وهنا فإن ما يفترض أن
لا خلاف عليه ولا نقاش حوله هو أن هذه
الثورة كان من الممكن أن تبقى سلمية
كما انطلقت لو لم يتقصد بشار الأسد
ومعه مجموعته الحاكمة ومخابراته
واستخباراته إلى استدراجها استدراجا
إلى العنف والمواجهة المسلحة. ولهذا، ولانعدام
الأطر التنظيمية والحزبية المسبقة، إن
في الجيش والقوات المسلحة وإن بالنسبة
للشعب السوري كله بكل فئاته، وأيضا إن
لانعدام القيادات الـ«كاريزمية» التي
من الممكن أن تحقق التفافا وطنيا حولها
ومنذ البدايات، فقد جاءت الانشقاقات
العسكرية فردية وعشوائية لم تأخذ طابع
التمردات «القطاعية» حتى الآن، وقد
جاءت التشكيلات المدنية السياسية
كمجموعات جهويَّة وعشائرية، وذلك رغم
بروز «التنسيقيات» التي لعبت ولا تزال
أدوارا تنظيمية وطنية مؤثرة حافظت على
شمولية العمل وعلى التواصل بين
الفصائل المتعددة والمجموعات
المختلفة. وهذا كله أدى إلى هذه
الاختلالات التي تسربت من خلالها
أجهزة النظام الأمنية والمخابراتية
لتعزز بروز المجموعات المتطرفة
القادمة من الخارج. ثم وبالإضافة إلى كل
هذا، فإن ما بات واضحا هو أن تعدد
الأطراف والجهات المساندة والداعمة
العربية وغير العربية قد عزز هذه
الظاهرة «الشللية» إن بالنسبة
للمعارضة السياسية الخارجية، التي
اتخذت انشقاقاتها وتقارباتها
وتباعدها طابع الانشطار البكتيري، وإن
حتى بالنسبة للمعارضة المسلحة
الداخلية والجيش السوري الحر التي
بادرت أخيرا إلى تحقيق إنجاز توحيدي،
بالإمكان البناء عليه، بتشكيل الخمس «جبهات»
العسكرية التي جرى تشكيلها والتي
تلاءم إنشاؤها مع ما جرى في الدوحة في
قطر، والذي في النهاية، وبالنتيجة، من
المفترض أن يؤدي إلى وحدة الجسم
الرئيسي والحقيقي لهذه المعارضة
الخارجية وإلى إنجاز خطوة الاتفاق على
الحكومة الانتقالية المؤقتة التي غدت
مطلبا للشعب السوري كله ومطلبا عربيا
ودوليا. ================ «الائتلاف»
السوري... مهمتان في النفق زهير قصيباتي الخميس ١٥
نوفمبر ٢٠١٢ الحياة بتوسيع المظلة
السياسية الحاضنة لقوى الثورة
والمعارضة في سورية، يدخل الصراع
مرحلة توحيد الفصائل و «الكتائب»
المسلحة تحت جناح مجلس عسكري لـ «الائتلاف
الوطني» الذي وُلِد في الدوحة، بعد
مداولات عسيرة مع تلك القوى. دشّن مجلس
التعاون الخليجي الاعتراف بالائتلاف «ممثلاً
شرعياً للشعب السوري»، فيما بقيت
جامعة الدول العربية دون هذا السقف،
لتثير قلقاً لدى المعارضة التي ظنّت ان
لقاءات الدوحة وما تمخّضت عنه، كفيلة
بإعلان بدء العد العكسي للمرحلة
الأخيرة من الصراع مع النظام السوري. إعلان الرئيس
الفرنسي فرنسوا هولاند اعتراف باريس
بـ «الائتلاف الوطني لقوى الثورة
والمعارضة السورية ممثلاً شرعياً
وحيداً للشعب»، إذ يذكر برفع سلفه
نيكولا ساركوزي راية الحرب على نظام
معمر القذافي، تبقى واشنطن متمسكة بـ «القيادة
من خلف». تعترف بالائتلاف «ممثلاً
شرعياً» لكنها تصر على أن ما تحقق في
الدوحة لا يبرر إسقاط سياسة الامتناع
عن تسليح المعارضة. تنتظر إدارة أوباما
الثانية أن يثبت الائتلاف وبعده مجلسه
العسكري قدرتهما على احتواء «الكتائب»
لمعالجة هواجس الأميركيين والغربيين
عموماً إزاء «تغلغل الجهاديين»
والمتشددين المتطرفين في صفوف الثوار،
وهذه ما زالت مقولة النظام وحلفائه في
الخارج، لتبرير حرب «استئصال» ما
يسميه «المجموعات المسلحة الإرهابية». وشتان ما بين قيادة
أميركا الحرب على نظام القذافي «من خلف»-
عبر الغطاء الجوي لعمليات «الأطلسي»-
وقيادتها بحذر ديبلوماسية مواكبة
الصراع في سورية. وبعدما نأى الغرب
طويلاً عن أي سيناريو للتدخل العسكري
من أجل وقف المجازر التي حصدت حوالى
أربعين ألف قتيل من المدنيين
والمعارضين وقوات النظام السوري،
توجّه واشنطن الى «الائتلاف» رسالة
تحدد له مهمة أخرى غير إسقاط النظام،
هي «تطهير» البلد من «الجهاديين»
وبعدها يمكن إدارة أوباما تسليح
الثوار، باطمئنان. والحال أن الرئيس
الأميركي الذي فاز قبل أيام بولاية
ثانية، سيجد كثيراً من الأعذار
للتراجع حتى عن «القيادة من خلف». وإلى
وطأة الأزمة الاقتصادية، تتحول هزة
الفضائح في واشنطن كرة ثلج، منذ
استقالة مدير «سي آي أي» التي لو
كُشِفت قبل أسبوعين مثلاً، لربما
بدّلت في حظوظ أوباما خلال الانتخابات
الرئاسية. سينقلب الحذر مزيداً
من موجات التردد والتلعثم في السياسة
الخارجية للولايات المتحدة، وقد يبقى
الاعتراف الأميركي بـ «الائتلاف»
السوري الجديد مجرد حماسة لفظية، ربما
ينقذها إقدام موسكو على طرح مخرج من
الحرب في سورية، لئلا تغامر بفقدان ما
بقي من مصالحها في المنطقة. أما وقد
اعتبرت دمشق لقاءات الدوحة «إعلان حرب»،
فما الذي يبقى لروسيا لتناور به؟ قبل وصول وزير
الخارجية سيرغي لافروف الى الرياض أمس
للقاء نظرائه في دول مجلس التعاون
الخليجي، طُرح السؤال مجدداً عن جوهر
الأفكار أو «المبادرة» التي يحملها،
علماً أن الديبلوماسية الروسية كانت
تلح لعقد اللقاء منذ فترة. وإذا كان
جلياً أن الهوة بين موقفي الكرملين
والمجلس وراء تأخير المحادثات
الوزارية، فاللافت أن رئيس الوزراء
الروسي ديمتري مدفيديف استبق الاجتماع
بتكرار مقولة «انحياز» بعض الدول الى
المعارضة السورية، بالشكل الذي «لا
يشجع الحوار لإيجاد حل سياسي» مع
النظام. ومشكلة الثنائي بوتين- مدفيديف
مشكلتان: أن لا أحد في المنطقة ولا في
أوروبا وأميركا يصدق ادعاءهما عدم
الانحياز الى أي من طرفي الصراع في
سورية... وأن الكرملين لم يدرك بعد نعي
غالبية المعارضين السوريين الحوار مع
النظام منذ شهور، أي منذ أُرغِمت
الثورة على العسكرة تحت وطأة المجازر
والتدمير الشامل للمدن. وللسبب ذاته،
أي موت فرص الحلول السياسية، منذ ما
قبل كسر المجازر حاجز العشرة آلاف
قتيل، لم تعد المعارضة تعي مغزى الدعوة
العربية - الأوروبية الى حوار «موسع»
بين «الائتلاف الوطني» والمبعوث
العربي- الدولي الأخضر الإبراهيمي، من
أجل تأمين «انتقال (سلمي) للسلطة»! ينتظر هولاند لتسليح
المعارضة، إعلانها حكومة انتقالية
تحظى بشرعية... ينتظر أوباما «تطهير»
سورية من «الجهاديين» لئلا تقع في
أيديهم صواريخ «ستينغر». ينتظر
الإبراهيمي ويتكتم على خطته. يتريث
أردوغان معتصماً بإنذارات وضمانات من
«الأطلسي». وحدهم السوريون الى الأمام...
في النفق الطويل. ================== المرحلة
الأخيرة: اعتراف وسلاح وإغاثة
للمعارضة عبدالوهاب
بدرخان * الخميس ١٥
نوفمبر ٢٠١٢ الحياة تغلّب المنـطق
وانتصرت المصلحة على الخلافات بين
مكوّنات المعارضة السورية وأشخاصها،
لكن مع إلحاح من «مجموعة أصدقاء الشعب
السوري» على تأكيد تجاوز تلك
الخلافات، وإلا فإنها سـتُربك المرحلة
الدقيـقة المـقبلة وتـعرقلهــا. ففي
أروقة لقاءات الدوحة عـلى مدى
اســبـوع كان هـناك أمر واحد مؤكد: إن «المـبادرة»
التي ولـّدت «الائـتلاف الوطني»،
طُرحت لتُقـبل، وعـلى رغم النـقاش
الـطويل لم يكن هناك خيار آخر أمام «المجلس
الوطني»، الـذي تيقن أيضاً بأن «المبادرة»
لا ترمي الى إلغائه بل تحتاج الى
قاطرته لكنها تتطلع الى «قيادة جديدة».
والأمر الآخر الـمؤكد هـو أن دول «مجـموعة
الأصـدقاء» بدت متـوافقـة على ضرورة
التغيير، فبعد عشرين شهراً من الأزمة
أصبحت تعرف أكثر عن حقائق الوضع
الميداني وقدرات الحراك الثوري،
وتكوّنت لديها خيارات محددة لمساعدة
الشعب السوري، قوامها تجميع العناصر
المبعثرة للمشهد الداخلي: مجالس
عسكرية، لجان مدنية محلية، وجماعات
مسلحة موزّعة على اتجاهات متعددة: تطرف
طبيعي نتيجة القمع الوحشي وتعثر الدعم
الخارجي، تطرف متغلغل بلباس الارهاب «القاعدي»،
والتطرف الأكثر ضراوةً الذي تمثله
عصابات أنشأها النظام وتدّعي معارضته
فيما تنفذ أبشع مجازره. كانت مواقف المجموعة
الدولية منسجمة، على رغم أن تركيا
امتعضت من تجاوز «المجلس الوطني» الذي
ولد في حاضنتها وكان عنواناً لنفوذها
على الثورة، وكذلك على رغم مقاومة
للتغيير من بعض رموز «المجلس» أوحت بأن
ثمة دولاً ظلّت تناور حتى اللحظة
الأخيرة للحفاظ على دورها في رعاية
المعارضة. لكن تباينات الدول تلاشت
شيئاً فشيئاً مع ارتسام الصيغ
المقبولة التي جسّدها «الائتلاف» مع
إبقاء «المجلس» في الصورة. كان ردّ
الفعل على «المبادرة» انعكس على أول
انتخابات أجراها «المجلس» لأمانته
العامة، إذ دفع وجوهاً أساسية الى عدم
الترشح، فيما استبعدت الصناديق وجوهاً
اخرى، ما أثار استياء في الكواليس من
النظام الذي اعتمد للانتخاب ومن طريقة
التكتل وتشكيل اللوائح لأنهما أدّيا
الى نتائج فئوية همّشت المستقلين، كما
برزت انتقادات قوية لـ «الإخوان
المسلمين». لذلك صير الى «التصحيح» في
انتخاب المكتب التنفيذي باختيار جورج
صبرا رئيساً لـ «المجلس»، وهو مسيحي من
المعارضين المزمنين وكان اعتُقل بعد
اندلاع الثورة وخرجت تظاهرة من مسجد
بلدته قطنا للمطالبة بالإفراج عنه. كان على «المجلس
الوطني» أن يدرك أهمية توافق «مجموعة
الأصدقاء» التي انتظرت طويلاً لتتعرّف
الى توجهات الادارة الاميركية بعد
الانتخابات، ولتبدأ أخيراً تعاملاً
أكثر ديناميكيةً مع الأزمة. من الواضح
أن هذه الدول لم تجد في تركيبة «المجلس»
ما يمكّنها من العمل، فدأبت طوال
الشهور الأخيرة على تكرار المطالبة
بتمثيل أوسع وأقرب الى معارضة الداخل
وإلى ارتباط أوثق بين القيادة
السياسية والمجالس العسكرية واللجان
المحلية، كما دعت الى تشكيل حكومة
تستطيع الاعتراف بها ودفعها الى صيغة
عمل أكثر تركيزاً على إسقاط النظام. اذ
ان استبعاد خيار التدخل العسكري
الخارجي، وفقاً لما حصل مع ليبيا، حتّم
الاعتماد على الجهد السوري الداخلي
الذي أثبت أنه يمكن أن يكون أكثر
فاعليةً لتحرير مناطق جديدة وتأمينها
اذا توافرت له الأسلحة المناسبة، واذا
عضدته قيادة سياسية وحكومة لإدارة تلك
المناطق. مُنح «المجلس» الوقت اللازم
لترتيب تلك الاستحقاقات لكنه تأخّر
كثيراً، ما أكد الانطباع بأن تركيبته
وأشخاصه غير قادرين على انجاز المهمة.
لذلك راحت القوى الخارجية المعنية
تُنضج خيارات مكمّلة أو بديلة سواء
يالتشاور مع أطراف الحراك الثوري في
الداخل أو من خلال المشاورات في غرفتي
العمليات في الاردن وتركيا. وعندما
أعلن رياض سيف اقتراحه «هيئة المبادرة
الوطنية» كان تأكد له أن «مجموعة
الأصدقاء» لم تعد ترى جدوى من حصر
عملها في اطار «المجلس الوطني»، وأن لا
خيار للمعارضة إلا بالاعتماد على
الدعم الدولي، ولأجل ذلك تحمّل سيف كل
أنواع النقد والتجريح الشخصي من أعضاء
في «المجلس» بلغ بعضهم حدّ تخوينه
وتلقيبه بـ «كارزاي سورية». لعل التوافق على أحمد
معاذ الخطيب شكّل مفاجأة. ولعل أفضل
الأوصاف للرجل قول أحد المعارضين إن
رئيس «الائتلاف» مسلـم سـوري يشـبه
حـاليـاً «أكـثرية السوريين» الذين
ظهّرت المحنة الراهنة إسـلامهم، لكنهم
لم «يتأخوَنوا» ولا التحقوا بالـسـلف.
انه الاسلام الوطني غير المتعصّب وغير
الطـائفي، والخطيب متأصّل في هذا
الموقع، ومعروفٌ جيداً في الداخل بأنه
معارض صلب ومحنّك وإنْ لم يكن موجوداً
في الاعلام، وهو معروف أكثر بآرائه
المتقدمة ودعوته المعكوسة الى «فصل
الدولة عن الدين»، بمعنى أن تكفّ
الأنظمة عن «ركوب الدين لتحقيق
مصالحها». اذ اعتبر منذ وقت طويل أن «المشكلة
التي نعيشها أكبر من تيار الاسلام
السياسي» (نيوزويك 2007). وفي احتفال
التوقيع على اتفاق «الائتلاف» لفتت
كلمته بشمولها وردّها على معظم
الاسئلة، اذ كان بالغ الوضوح في الدفاع
عن إسلام وسطي يمثله، وفي الاعتراف
بمكانة المرأة ودورها في الثورة. لا
بدّ من أن سيرته هي التي شجّعت على
اختياره لترؤس أول «برلمان» مشكّل
بالتوافق، وسيكون عليه أن يتفادى
أخطاء «المجلس الوطني» وأن يعمل
بتناغم مع «الحكومة الموقتة» والمجلس
العسكري الموحّد لاستيعاب المساعدة
الدولية. بدهي أن السؤال الذي
يؤرق الجميع، بعد كل الضغوط لإحداث هذا
التغيـير في جـسم المـعارضة، يتعلّق
بـ «الضمانات». فالمـتـوقع مـنذ الآن
أن يــجرى العمل سريعاً لئلا يفقـد «الائتلـاف»
قوة الدفـع التـي بدأ يستـمدّها من
اعتراف مجلـس التعاون الخليـجي به كـ «مـمـثل
شـرعي» للـشـعب الســوري ومن تـبـنـيه
لدى الجامعة العربية والاستعداد
لتكريـسه في اجتماعين دوليين يعقدان
في لندن ومراكـش. صـحيح أن الوعود
كثـيرة وتتســم بالـجـدية خــلافاً
للمرحلة السابقة، إلا أن المعارضة لا
تزال تجهل ما هي التوجهات الحقيقية
للادارة الامـيركـية، خصوصاً أن مسألة
الاعتراف اصـطـدمـت لتوّها مع
مـقتـضيات مـراعـاة مهمة المبعوث
الدولي – العربي الأخضر الابراهيمي. فمن بين الاجراءات
المترتبة عن الاعتراف إمكان تسليم
السفارات السورية الى المعارضة وقبول
الوثائق الرسمية الصادرة عنها، ومنها
مثلاً اعلان مسبق بعدم الالتزام بأي
عقود يبرمها النظام ولن يُتاح
إيفاؤها، وفي ذلك تحذير للدول كافةً
ولا سيما روسيا والى حدٍ ما ايران. كما
يفترض الدعم المالي إمكان رفع الحظر
ولو جزئياً عن الأموال السورية في
الخارج، وسيتوقف هذا على موافقة
اميركية لن تحصل بـسهولة. أما التسليح
النوعي فالأرجح أن تـغضّ واشنطن
النـظر عـنه وفقـاً لـشـروط يصار الى
تـحـديـدها بين الأجهزة المختصّة،
لكنها لن تعطي الضوء الأخضر لتوفيره
إلا بعد أن تتأكد من سير العمل بين
المكوّنات السياسية والعسكرية
للائتلاف ومن الجهة التي ستكون مسؤولة
عن تسـلّم الأسلـحة. لكل ذلك، كان
مفهوماً أن تقول سهير الأتاسي إن «الضمان
الوحيد» هو الحراك الداخلي الذي أجبر
الدول الكبرى على مراجعة سياساتها
ولجم اندفاعاتها الى تسوية مع النظام. تؤشر ولادة الائتلاف
الى بداية مرحلة جديدة - أخيرة
استشعرها النظام، ولذا راح يلوّح
بتحريك الورقة الاسرائيلية، لكن بعد
فوات الأوان. فحتى الحرب ضد العدو لن
تغيّّر شيئاً في أحواله. ولعل الحذر من
انقلابات الموقف الدولي، بالأخص
الاميركي، هو ما فرض البندين الأولين
في اتفاق الائتلاف، اذ ينصّان على «إسقاط
النظام بكل رموزه وأركانه» و «عدم دخول
أي حوار أو مفاوضات معه». لا يمكن
العثور على محاور أو مفاوض واحد في
صفوف المعارضة الحقيقية، وفي ذلك ما
فيه من اقصاء لتسوية أو حل سياسي كما
تأمل روسيا وإيران، ولا عزاء لهما إلا
ببذل كل جهد لإطالة الأزمة بحثاً عن
ترضيات اميركية. ================== السياسة
الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط:
حذر وانسحاب جزئي؟ يزيد صايغ * الخميس ١٥
نوفمبر ٢٠١٢ الحياة الاعتقاد السائد هو
أنّ الرؤساء الأميركيين الذين يفوزون
بولاية رئاسية ثانية يتحرّرون جزئياً
من القيود الانتخابية المحلية التي
تقيّدهم في سياساتهم الخارجية. إلا أنه
من غير المرجح أن يُقدم الرئيس باراك
أوباما على مبادرات جريئة في الشرق
الأوسط، بل الأرجح تماماً أن يلتزم
موقف الحذر العام الذي اتبعه حتى الآن،
بل وقد يشرف على انسحاب استراتيجي جزئي
من بؤر عدة في المنطقة. يشكّل تقلّص الموارد
المالية والاقتصادية المتاحة للإدارة
الأميركية في عهد «أوباما الثاني»
قيداً على سلوكه الخارجي. ما يجعل
تقليص العجز في الموازنة أولوية
ملحّة، في الوقت الذي يزداد عبء إصلاح
التعليم ومعالجة العيوب في النظام
الصحي الوطني على الخزينة. وتُضاف إلى
ذلك كلفة إعادة تأهيل البنية التحتية
المترهّلة، الأمر الذي يزداد إلحاحاً
من أجل استدراك وتجنّب الأضرار
البالغة الناجمة عن الكوارث الطبيعية
مثل إعصار «ساندي» الأخير. كما تبنّت إدارة
أوباما، على عكس ترددها بدايةً،
برنامجاً طموحاً لتطوير نظم الدفاع ضد
الصواريخ الباليستية، وأيضاً لتحديث
إجمالي الترسانة النووية الأميركية،
والذي تبلغ قيمته وحده ما لا يقلّ عن 352
بليون دولار خلال السنوات العشر
القادمة، في أقل تقدير. وبما أنّ
الشفاء الاقتصادي الذي تشهده الولايات
المتحدة لا يزال ضعيفاً وعرضةً إلى
الاهتزاز والتراجع مجدداً بسبب الخطر
الذي تشكّله أزمة المديونية الأوروبية
على النظام المصرفي العالمي، ناهيك عن
استمرار ارتفاع معدلات البطالة
الأميركية لتبلغ 25 مليون شخص، فإنّه لن
يكون بوسع الإدارة الأميركية سوى أن
تخفّض من مساعداتها والتزاماتها
الدولية. ولذلك كله عدّة
انعكاسات على السياسة الأميركية تجاه
الشرق الأوسط، تدلّ جميعها على قيام
الإدارة الأميركية بتخفيض صدارتها في
المنطقة، عبر البحث عن شركاء يتقاسمون
معها القيادة والمبادرة أو يحلّون
محلّها، وبالتأقلم مع اختلاف الأجندات
المحلية وتمايزها عن الأجندة
الأميركية. مغزى ذلك، أولاً، أنّ
الولايات المتحدة سوف تُبقي على
استثماراتها ذات الكلفة المتدنية،
وأفضل مثال على ذلك المعونة العسكرية
إلى مصر. ففي فترة حكم المجلس العسكري
في 2011-2012، واجهت إدارة أوباما خياراً
محرجاً بين شراكتها مع القوات المسلحة
المصرية للحفاظ على معاهدة السلام مع
اسرائيل والترتيبات الأمنية على
الحدود مع غزة – وهي المصلحة
الأميركية العليا في مصر – وبين
دعوتها لتحقيق الانتقال الديموقراطي.
وقد ساهم النقل السلمي للسلطة من
المجلس العسكري إلى الرئيس المنتخب
محمد مرسي في نهاية حزيران (يونيو) 2012،
والانسحاب العسكري من التدخل السياسي،
في حل هذا التناقض، على رغم أنّ بنود
مسودة الدستور قيد المناقشة الآن تمنح
القوات المسلحة درجة عالية من
الاستقلالية عن السيطرة المدنية
الديموقراطية. وينطبق النموذج
المصري أيضاً على بلدان شمال أفريقيا،
حيث يواجه صانعو القرار الأميركيون
مشهداً غير مألوف مع صعود الحكومات
الإسلامية أو المدعومة من الإسلاميين.
كما أنّ الظهور القوي للأحزاب
السلفية، وبخاصةً أجنحتها الأكثر
تشدداً في تونس وليبيا، يشكّل مصدراً
للقلق. ورغم ذلك، استجابت إدارة أوباما
الى التعامل السياسي، ولو بحذر، مع
الحكومات الجديدة في تونس ومصر
وليبيا، وبتقديم المساعدة الاقتصادية
والأمنية المتواضعة. غير أنّ جلّ الاهتمام
الأميركي في شمال أفريقيا ينصبّ على
الخطر المتنامي للمنظمات الإسلامية
الجهادية. بل إنّ هذا ما يشغل بال صانعي
القرار الأميركيين في سياستهم تجاه
الأزمة السورية، ويهيمن تماماً على
تصرّفهم في اليمن. إلا أنّ تضييق نطاق
الاهتمام الأميركي وحصره بمكافحة
الإرهاب، وما يوازيه من حملة
الاغتيالات بواسطة الطائرات من دون
طيار ضد جهاديي اليمن، إنما يؤكد
الانحسار والانسحاب الاستراتيجي
الأميركي. وكان من شأن برامج الدعم
والمعونة الاقتصادية الشاملة أن توفر
استراتيجية أكثر فعالية لكبح التجذر
والتطرّف، من خلال تمكين حكومات ما بعد
الثورة، المُنتَخبة ديموقراطياً، من
تعزيز شرعيتها في الفترة القادمة عبر
معالجة مشاكل الفقر والبطالة والتهميش
الاجتماعي. إلا أنّ ما قدّمته الولايات
المتحدة متواضع، بل هو الحد الأدنى. لقد نأت الإدارة
الأميركية بنفسها حيث تفتقر إلى
الأدوات أو الاهتمام لتغيير مسار
الأحداث مباشرةً. ويظهر ذلك بوضوح في
سياستها تجاه سورية ولبنان والعراق.
وفي الحالة الأولى، ما زالت الولايات
المتحدة غير مستعدة إطلاقاً لتزويد
المعارضة السورية بالأسلحة الفردية
المتقدمة المضادة للطائرات
والدبابات، ناهيك عن التدخل عسكرياً
مباشرة، رغم خطابها العلني المنادي
برحيل الرئيس بشار الأسد. فهي تفتقر
إلى الوسائل والإرادة، على حد سواء،
لتجنب ما قد ينتج من جمود عسكري طويل،
حتى لو أدى ذلك إلى زيادة مخاطر انتقال
الأزمة إلى الدول المجاورة مع مرور
الزمن. قد يكون للحذر منافعه.
فقد تعاملت إدارة أوباما مع حكومة رئيس
الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي بتروٍّ،
رغم ضمّها وزراء من «حزب الله». ولا
يقلّ عن ذلك أهمية القبول الأميركي
بسياسة النأي بالنفس التي تتبعها
الحكومة اللبنانية تجاه الأزمة
السورية، بعد أن فهمت أنّ ممارسة
الضغوط السياسية أو فرض العقوبات
المالية قد يؤدي إلى سقوط الحكومة
ونشوب الفراغ الذي يزيد من مخاطر
الاقتتال الطائفي. ولكن تَظهر حدود
الإمكانات الأميركية بوضوح تام في
العراق، حيث عملت الولايات المتحدة
على مدى ثماني سنوات على بناء نظام ما
بعد صدام حسين. فقد حصل انتقال
ديموقراطي فعلي، يشوبه السعي الحثيث
لرئيس الوزراء نور المالكي لتركيز
السلطات وأدوات الحكم الأساسية بين
يديه – أي الجيش والشرطة والقسم
الأكبر من مجالس المحافظات والمالية
العامة. وإذ يسعى لتعزيز استقلاليته عن
النفوذ الإيراني، إلا أنه يظهر
استقلاليته أيضاً عبر تباينه عن
السياسة الأميركية تجاه سورية وإيران. من المفارقات أنّ
الإدارة الأميركية ربما تميل إلى
إدارة الأمر الواقع مع إيران، بدلاً من
تحويله جذرياً. وصحيح أنّ الإدارة قد
أعلنت عقوبات جديدة ضد إيران فور إعادة
إنتخاب أوباما، ولكن المعروف أيضاً
أنّ الإدارة تدرس عرض «المزيد مقابل
المزيد» في الملف النووي: أي تخفيف بعض
العقوبات وتقديم التنازلات الأميركية
الأخرى، مقابل القيود القابلة للتحقق
من برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني.
وقد أعلنت الوكالة الدولية للطاقة
الذرية في آب (أغسطس) الماضي أنّ إيران
قامت بتحويل الجزء الأكبر من
اليورانيوم المخصّب الذي بحوزتها إلى
صفائح الوقود الصلب، ما يؤخّر تخصيبه
إلى المستوى المرتفع اللازم لإنتاج
الأسلحة النووية لمدة سنة أو سنتين.
فيتيح ذلك فرصة أكبر للتفاوض، رغم
استعداد الكونغرس الأميركي في الوقت
ذاته لاستهداف الموجودات الإيرانية في
الخارج، وواردات إيران وقطاعها
النفطي، بالمزيد من العقوبات. فتلك هي
سياسة احتواء، لا سياسة مجابهة. وسوف يرافق احتواء
إيران سياسة «العمل كالمعتاد» في
علاقات الولايات المتحدة بالدول
الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي.
ويعني ذلك عملياً القبول الأميركي
الضمني بازدياد القيود على حرية
التعبير عن الرأي والتظاهر السلمي
وحصر الحياة البرلمانية أو التمثيلية
في بعض الدول الخليجية، فيما تتواصل
مبيعات الأسلحة الأميركية، التي بلغت
ما مجموعه 38.2 بليون دولار في العام 2011
وحده. وما يؤثّر أيضاً في
تشكيل السياسة الأميركية في المنطقة
هو تراجع اتكال الولايات المتحدة على
استيراد الطاقة من الخارج، وبخاصةً
أنها سوف تصبح المُنتِج الأكبر
عالمياً للنفط بحلول العام 2020. ولا
يكفي ذلك إطلاقاً لجعل الولايات
المتحدة تفكّ ارتباطها بالشرق الأوسط،
ولكنه يتيح للإدارة الأميركية
الابتعاد نوعاً ما. كما يوحي ذلك أيضاً
بأنّ منافس أوباما في الانتخابات
الرئاسية الأميركية، ميت رومني، ما
كان سيتصرّف بطريقة مغايِرة تماماً لو
فاز. ====================== الائتلاف
الوطني السوري وبداية الحل د. موسى شتيوي الغد الاردنية 15-11-2012 كان من أهم
الانتقادات التي توجّه للمعارضة
السورية، هو أنها غير موحدة ومنقسمة في
الداخل، وبين الداخل والخارج، وبين
المعارضة المسلحة وغير المسلحة.
وتمثلت الاستراتيجية الوحيدة
للمعارضة الخارجية، وبخاصة المجلس
الوطني السوري، في طلب التدخل العسكري
الخارجي، مع عدم قدرة المجلس على تمثيل
كافة الأطراف وتفرد إحدى الفئات به
وبسياساته. أما على الأرض، فقد تنافست
قوى المعارضة الإسلامية المتشددة،
ولاسيما ذات الارتباط بتنظيم القاعدة. إن عدم قدرة المجلس
الوطني على ضم كافة أطراف المعارضة،
وبخاصة الداخلية منها مثّل مشكلة،
وتحديداً للولايات المتحدة، لأن
المجلس كان رافضاً للحوار مع النظام.
وتنامي المعارضة المتشددة بدأ يثير
حفيظة الولايات المتحدة، لأنه لم يكن
في واردها التدخل العسكري. وعليه، فقد
أصبح المجلس الوطني السوري عبئاً
عليها، وكذلك الحال فيما يتعلق
بالمعارضة العسكرية المتشددة التي
أصبحت تثير قلق النخبة في الولايات
المتحدة، وبخاصة بعد الهجوم على
السفارة الأميركية في ليبيا، ومقتل
السفير الأميركي على يد متشددين
إسلاميين. لقد تمّ وضع الأزمة
السورية على صفيح ساخن بعد الانتخابات
الرئاسية الأميركية، وإعادة انتخاب
باراك أوباما. وهذا ما حدا بوزيرة
الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون،
إلى توجيه انتقادات حادة للمجلس
الوطني وللمعارضة العسكرية المسلحة
المتشددة. لذلك، جاء تشكيل "الائتلاف
الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية"
ليتجاوز الثغرات في تشكيلة هذه
المعارضة، المدنية منها والعسكرية.
ومن وجهة النظر الأميركية، فإن دعم
تشكيل هذا الائتلاف يحقق مجموعة من
الأهداف، أهمها إيجاد تمثيل أوسع
للمعارضة السورية من الداخل، واحتواء
المعارضة المسلحة، وإضعاف الأطراف
الراديكالية منها. وبالطبع، فإن هذه
الترتيبات ليست من أجل المعارضة
السورية، وإنما لتهيئة الظروف
للاستراتيجية الأميركية في سورية. حتى هذه اللحظة، فإن
التدخل العسكري الأميركي الشامل في
سورية ليس خياراً مطروحاً على
الطاولة، لأسباب عدة، من أهمها
المخاطر الإقليمية المترتبة على ذلك،
والمعارضة الروسية والصينية التي لن
تسمح بإعطاء غطاء دولي لهذا التدخل.
وفي المقابل، فإن إبقاء الأمور كما هي
سوف يأخذ سورية إلى المجهول. لذلك، فإن
الاستراتيجية المحتملة هي حلّ الأزمة
سلمياً. وحتى يتحقق هذا الهدف، فسوف
تصعّد الولايات المتحدة، من خلال
أدواتها الإقليمية والمحلية، الضغط
العسكري لإضعاف النظام من أجل القبول
بتسوية سياسية لا يمكن أن تتم إلا
بتفاهمات يشكل النظام والمعارضة
أطرافاً أساسية فيها، ولكن تشارك فيها
القوى الدولية والإقليمية. الخطوة الأساسية بعد
تشكيل "الاتئلاف الوطني" هي
إعطاؤه مشروعية سياسية، دولية وعربية.
وهذا ما يحصل الآن، وبخاصة من جانب
الجامعة العربية التي اعترفت
بالائتلاف باعتباره ممثلاً شرعياً
ووحيداً، وكذلك اعتراف فرنسا به. ومن
المتوقع أن تتوالى الاعترافات الدولية
في الفترة المقبلة. خلاصة القول إنه يتم
تهيئة الظروف السياسية والعسكرية على
جبهة المعارضة السورية، من أجل تهيئة
الظروف لحلّ سلمي للأزمة السورية من
خلال حكومة انتقالية تشارك فيها أغلب
الأطراف السورية الفاعلة. ان الاّراء الم ==================== صحف عبرية 2012-11-14 القدس العربي جلست على ضفة بحيرة
متجمدة خارج مدينة تقع في الشمال
البعيد من الكرة الارضية. وكانت الريح
الباردة تضرب وجهي وأحاول بلا نجاح ان
أرفع قبعة المعطف شيئا ما. كنت أنتظر
هنا أكثر من ساعة في ليلة بلا نجوم.
وحينما استقر رأيي بالضبط على التخلي
جاء يلبس لباسا رياضيا وحذاءا رياضيا.
وقال بابتسامة تُدير الرأس: 'أعذريني
على اللباس لأنني سأخرج بعد الحديث
للجري. فالرحلات الجوية والحياة
المُنعمة تُفسد قدرتي البدنية تماما'.
انه ودود جدا. وحينما يحيط به جمهور
أكبر يبدو أكثر صرامة أو جامدا تقريبا.
سكبت لنا كأسين من الشاي من التيرموس
الذي جلبته. يتولى ن.س عملا
سياسيا رفيعا في تحالف الثوار
السوريين. وقد جاء الى هذه المدينة
الشمالية كي يتحدث عما يحدث في سوريا
وكي يؤكد في الأساس رغبة المتمردين
القوية في تدخل سريع، عسكري ايضا،
للحكومات الغربية فيما يجري في بلاده.
حينما قدّمت نفسي قبل ذلك حظيت
بمصافحته وقال: 'آه، يديعوت احرونوت،
أنا شديد الاطلاع على ما يحدث في
اسرائيل، وأنا اقرأ الـ واي نت
بالانجليزية كل يوم'. 'في كل يوم يمر'، يقول
الآن، وهو يُدفيء يديه فوق كأس الشاي، 'يزداد
التطرف. ان الحقيقة بسيطة فليست تلك
حربا أهلية بل هي ثورة شعب يريد ان يكون
حرا على سلطة مستبدة قاتلة وسننجح.
فنهاية بشار الاسد صارت مكتوبة،
والسؤال هو ما الثمن الذي سنضطر الى
دفعه قبل ان يحدث ذلك'. يجري الحديث جريانا
سلسا طبيعيا ويتحدث ن.س بصوت متحمس عن
دمشق قبل ان يخرج جاليا وعن اعتقاله في
السجن السوري (وكان ذلك عقابا لأنه سأل
اسئلة محظورة)، وعن الشوق الى بيته وعن
شعوره حينما يرى الفظائع في الفيديو.
وهو يتحدث عن الفظائع خاصة ما لا يحصى
من اعمال الاغتصاب وقتل الاولاد بلهجة
منضبطة نسبيا. 'ان جثث الاولاد تتراكم
في الشوارع لأن قناصة السلطة ينتظرون
ان يأتي الآباء لجمعها وعندها يطلقون
النار عليهم ايضا'، يقول. ان ن.س، وهو رجل مثقف
يعد بأن سوريا 'الجديدة' ستكون
ديمقراطية بصورة رائعة تعطي النساء
والأقليات حقوقا متساوية ('بعد بضع
سنوات انتقالية قاسية بالطبع'). وهو
يتحدث عن التسامح وعن بحث الشعب السوري
الطبيعي عن السلام. 'ان من يظل حياديا
في حال عدم العدل يختار جانب المضطهد'،
يقول مقتبسا من كلام رجل الدين من جنوب
افريقية ديزموند توتو. من الواضح للقيادة
السياسية للمتمردين انه يجب التوصل
الى سلام مع اسرائيل، يضيف. 'نحن نعلم
ان السلام ضروري من اجل بناء الدولة من
جديد. يجب ان يعود الجولان بالطبع الى
أيد سورية لكن كل ذلك سيتم على نحو ناضج'.
وهو يتحدث عن صلاته بعدد كبير من 'الجهات'
في البلاد. ودع بعضنا بعضا
بمصافحة وتمني مشترك للسلام بين
شعبينا واتجه الى عدوه الليلي حول
البحيرة. وبقيت أنظر في الظلام الجامد
وفكرت انه اذا كان كل شيء متفائلا الى
هذا الحد فلماذا لم يرفض فقط اجراء
اللقاء باسمه الحقيقي بل أصر ايضا على
ان تكون ظروف اللقاء غامضة. 'أنا أعلم
أنكِ لا تريدين ايقاع ضرر بي وأنتِ
تدركين عظم الخطر'، قال بابتسامته
المُذوبة. إيمي غنزبورغ يديعوت 14/11/2012 ===================== تاريخ النشر:
الخميس 15 نوفمبر 2012 الاتحاد إن الصعوبات الخطيرة
التي تفرضها الاضطرابات في سوريا على
صناع القرار في الغرب تفوق كل ما فرضته
عليهم الأحداث السابقة في بلدان "الربيع
العربي". فكما تضم سوريا مجتمعاً
أكثر تعقيداً من مجتمعات الدول
العربية الأخرى التي تمر الآن بمخاض
التحول السياسي، فإن علاقاتها
الخارجية أيضاً أشد تعقيداً بكثير.
ونتيجة لهذا فإن أية محاولة لتدخل
عسكري حاسم لن تكون صعبة فحسب، بل
وستكون أيضاً في غاية الخطورة. ويشكل الدور المؤثر
الذي تلعبه سوريا في لبنان، حتى بعد
سحب قواتها المحتلة من هناك، أحد
التعقيدات، وثمة تعقيد آخر يتمثل في
أقلية علوية حاكمة في دولة ذات أغلبية
سُنية، الأمر الذي يجعل من سوريا
وكيلاً لإيران الشيعية في العالم
العربي السُّني. وهناك أيضاً أقليات
أخرى في سوريا -الشيعة غير العلويين،
والمسيحيون الأرثوذكس والكاثوليك،
والدروز- ترتبط بدول مجاورة ولاعبين
إقليميين، الأمر الذي يستدعي الاهتمام
الشديد في الخارج بل وحتى الدعم النشط.
وكل من تركيا والمملكة العربية
السعودية وروسيا لديها مصالح
استراتيجية وارتباطات طائفية في سوريا. ولا شك أن الولايات
المتحدة والدول الحليفة لها في حلف
شمال الأطلسي "الناتو" تفضل
نظاماً ديمقراطياً ذا توجهات غربية في
سوريا. ولكن نظراً للمجتمع المعقد
والصلات الخارجية، ينبغي للغرب، من
وجهة نظري الخاصة، أن يرضى بأي حكومة
مستقرة لا تهيمن عليها روسيا أو إيران،
ولا تدخل في صراع عسكري مع الدول
المجاورة، بما في ذلك إسرائيل. والسؤال: ما هي إذن
السياسة الأفضل التي يتعين على
الولايات المتحدة والغرب انتهاجها؟ إن
إنهاء الحرب الدائرة حالياً من خلال
التفاوض يعني بقاء الأسد في السلطة،
ولو بوجه آخر وشكل جديد. ومثل هذه
النتيجة تشكل انتصاراً لقبضته
الديكتاتورية المتعنتة، وقمعه لحقوق
الإنسان، وأيضاً لرهان إيران وروسيا.
ولكن التوصل إلى هذه النتيجة يصبح
أيضاً أقل إمكانية مع تصاعد العنف. وهذا يقودنا إلى
ضرورة دعم الثوار، ولكن أي فصيل منهم،
وكيف؟ ثم إن هناك عاملاً آخر يعمل
أيضاً ضد التدخل، وهو أن توزيع السلطة
الناتج عن "الربيع العربي" يجعل
نفوذ واشنطن ضئيلاً ويجعل المعلومات
الاستخبارية المتوافرة لديها قليلة.
ولكن من غير الممكن أن تترك الولايات
المتحدة والغرب الأمر بالكامل لآخرين
أو أن يقصرا جهودهما على الأمم
المتحدة، في ظل حرص روسيا والصين على
منع أي تحرك فعّال. ما العمل إذن؟ في
اعتقادي أن الولايات المتحدة من
الممكن أن تعمل مع تركيا والمملكة
العربية السعودية (مع الحرص على عدم
دعم المتطرفين الإسلاميين)، ومع
حلفائها في حلف شمال الأطلسي، وبخاصة
فرنسا وبريطانيا، على تكوين حكومة
محتملة لسوريا، وتسليح عناصرها
العسكرية. ولابد أن تكون هذه الحكومة
ممثلة لكافة الأطياف ومتماسكة. ويتعين
على القوى الغربية أن تكون حريصة على
ضمان عدم وقوع أسلحتها بين أيدي جهات
معادية محتملة أيضاً. ولأن إيران تسلح نظام
الأسد فإن هذا يدعو إلى اتخاذ تحرك
تعويضي موازن. وقد اقترح البعض دوراً
عسكرياً أكثر نشاطاً للولايات
المتحدة، بداية بفرض منطقة حظر طيران.
وقد يصل الأمر إلى هذا. وينبغي للولايات
المتحدة قبل البدء على هذا المسار أن
تكون مقتنعة بأن العمل العسكري لن
يتطلب إرسال قوات برية أميركية إلى
سوريا. وينبغي لها أيضاً أن تكون على
ثقة (وهو أمر مستحيل الآن) بشأن طبيعة
الحكومة الجديدة. ولتلبية هذه
المعايير فإن الأمر يتطلب توحيد جهود
الدول المهتمة من أجل اكتساب قدر أعظم
من التبصر بالعواقب الداخلية في
سوريا، والإقليمية المترتبة على العمل
العسكري. والواقع أن الاهتمام المكرس
للمسألة السورية أثناء قمة دول "عدم
الانحياز" الأخيرة في طهران كان
بمثابة محاكاة هزلية لهذه الممارسة. إن عقد مؤتمر كهذا
ليس بالمهمة السهلة. بل إن مجرد
الانتهاء من إعداد قائمة الضيوف
سيتطلب جهوداً دبلوماسية فذة. ولابد
بكل تأكيد من دعوة تركيا ومصر والمملكة
العربية السعودية والعراق، ولابد
أيضاً من حضور روسيا والولايات
المتحدة وربما فرنسا وبريطانيا. ولكن
استبعاد جارة مثل إسرائيل، ودولة
تابعة لسوريا مثل لبنان، أو دولة راعية
مثل إيران سيكون أمراً غريباً -وتوجيه
الدعوة إلى كل هذه البلدان يُعَد أيضاً
بمثابة وصفة أكيدة للفوضى. إن الانتفاضة في
سوريا، وهي الأشد عنفاً بين ثورات "الربيع
العربي"، تتوالى فصولها ببطء وبشكل
مهلك. والواقع أن العدد المقدر للوفيات
على مدى عام ونصف العام يعادل عدد من
قُتِلوا في غضون بضعة أيام فقط في عام
1982 في مدينة حماة على يد حافظ الأسد (والد
بشار)، الذي نجحت سياسة الأرض المحروقة
التي انتهجها في تعزيز قبضته على
السلطة ولم يترتب على ذلك سوى إدانة
خطابية من جانب المجتمع الدولي. ومن المرجح أن تكون
التداعيات أكثر تعقيداً عندما يسقط
النظام، عاجلاً أو آجلًا. فقد كانت
أسرة الأسد حريصة على قمع العنف
الداخلي وتطلعات السوريين. ولكن
التعقيد الذي تتسم به الظروف في سوريا
يعني أن نهاية النظام هناك قد تؤدي إلى
عملية انتقال لا مثيل لها في غيرها من
بلدان "الربيع العربي"، المختلفة
في مسارها على المستوى المحلي وفي
تأثيرها على المنطقة. إن الدبلوماسيين
يصنعون سمعتهم المهنية بإيجاد حلول
إجرائية محددة للمعضلات غير القابلة
للحل، ومن المؤكد أنهم يأملون في عقد
مؤتمر قادر على استيعاب ومطابقة
المواصفات الاستراتيجية المرغوبة.
فحتى الآن نجحت الولايات المتحدة في
التعامل مع أشكال التحول السياسي
المختلفة في دول "الربيع العربي"
من دون الوقوع في أخطاء شديدة الضرر.
ولكن سوريا تشكل التحدي الأصعب حتى
الآن. --------- هارولد براون وزير الدفاع
الأميركي في إدارة كارتر، وهو عضو مجلس
السياسة الدفاعية الآن. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |