ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم 18-11-2012 د. وائل مرزا الأحد 18/11/2012 المدينة لايمكن النظر إلى
تشكيل الائتلاف الوطني لقوى المعارضة
والثورة السورية إلا من باب كونه نقلة
نوعية على طريق ظهور قيادة سياسية
سورية تؤدي دورها بحنكةٍ واقتدار في
هذه المرحلة الحساسة من عمر الثورة. وهي نقلةٌ تحمل
الكثير من الدلالات الإيجابية، لكنها
تواجه أيضاً العديد من التحديات. فرغم كل الحساسيات
والمخاوف، جاءت مشاركة المجلس الوطني
السوري في الجسم الجديد لتكون عنصراً
رئيساً في نجاح المشروع. ورغم استمرار
بعض تلك الحساسيات والمخاوف داخل
المجلس وخارجه، سيكون وجود المجلس
بشكلٍ فعالٍ ومُنظّم في الائتلاف
سبباً رئيساً من أسباب استمراره
وقدرته على تأدية مهماته. فالمجلس يضم
عدداً كبيراً من الطاقات والكوادر
التي لم يتمّ تفعيلها على مدى أكثر من
سنة لأسباب عديدة. وهي كوادر لايمكن أن
يستغني الائتلاف عنها إذا أراد تحقيق
أهداف وجوده سياسياً وإدارياً. ثمة من يدعو في داخل
المجلس إلى وضع شروطٍ للاستمرار في
الائتلاف، والبعض يتحدث عن محاصصات
وطلب نسبٍ محددة في قيادته ولجانه، مع
التهديد بالانسحاب في حال رفض الشروط
المذكورة. في حين أن مثل هذا الانسحاب
يُعبّر عن تفكيرٍ سياسي قاصر لايجب أن
ينجرّ إليه قادة المجلس، لأنه سيكون
سلبياً عليه قبل غيره مع زخم الاعتراف
الشعبي والدولي الذي ناله الائتلاف. بل
قد يكون مسماراً كبيراً في نعشه،
ومدخلاً إلى تفجيره ونهاية دوره بشكلٍ
كامل، يقود إليه البعض بناءً على ردود
الأفعال.وسيكون موقع هؤلاء في أحسن
الأحوال مثل حال الفيل الذي قتل صاحبه
بصخرةٍ وهو يريد أن يطرد ذبابةً من
وجهه. لقد أفلح الإصلاحيون
في تفكيك آلية إدارة المجلس القديمة
التي كانت تقوم على مبدأ التوافق الذي
انقلب أداةً للتعطيل، وانتقلوا
بالمجلس إلى آلية الانتخاب. وهؤلاء
يُدركون أبعاد المشهد السياسي الجديد
ومطالبون بأن يتابعوا مسيرتهم
الإصلاحية من خلال المشاركة الفعالة
في الائتلاف ومؤسساته. لاداعي للافتقار إلى
الإبداع السياسي والوقوع في ثنائية
متناقضة بين عقليتي المحاصصة
والإقصاء، فثمة خيارٌ ثالث يتمثل في
الاندماح الإداري المدروس بين المجلس
والائتلاف، بحيث يستفيد الأول من زخم
الاعتراف الشعبي والقبول الواسع الذي
حازه الائتلاف وقيادته الجديدة،
ويستفيد الثاني من تراكم الخبرات
والطاقات في المجلس. وإذا صحّت النيات
وصدقت الإرادات، وأصحابها موجودون في
الطرفين، فليس مستبعداً بجهدٍ سياسيٍ
مركّز أن تقدم المعارضة السورية خلال
أسابيع قليلة قادمة جسماً سياسياً
مؤسسياً يلبي حاجات الثورة أولاً وقبل
كل شيء، وينسجم مع دعوات النظام الدولي
لترتيب الشؤون الداخلية لبيت المعارضة
السورية. لقد حققت المعارضة
المذكورة عن طريق المجلس الوطني ضربة
معلم أولى بانتخاب جورج صبرا رئيساً
للمجلس الوطني. ثم انتقل الأمر إلى
مستوىً أعلى من الإنجاز المدروس مع
انتخاب قيادة الائتلاف التي حققت
توازناً سياسياً شبه مثالي فيما يتعلق
بقيادة المعارضة من حيث خلفية أفرادها
ومصداقيتهم الكبيرة. وسيكون من العبث
والسفسطة الفارغة مامارسه ويُمارسه
البعض من هواة السياسة حين يغرقون في
عقلية المعاندة والإنكار لمحاولة
التشويش على التركيبة الجديدة.
والواضح أن هذا لايأتي إلا نتيجة جهلٍ
سياسي فاضح، أو تغليب مصالح شخصية يخاف
أصحابها أن تضيع مع نجاح التركيبة
لأنها ستكشف وزنهم الحقيقي في ساحة
المعارضة. انطلق الائتلاف
الوطني إذاً، وبلغة الأرقام والوقائع،
سيكون معيباً الزهد في حقائق عملية
تفرض نفسها يوماً بعد يوم. فثمة دلالةٌ
رمزية في أن يبلغ المشاركون على صفحة
الائتلاف خلال أسبوع نصف عدد
المشاركين في صفحة المجلس الوطني على
امتداد أكثر من عام! هذا مقياسٌ من
المقاييس التي تؤخذ بالاعتبار في عالم
الاتصال السياسي اليوم. وإذا أحصينا
بتركيزٍ كميٍ ونوعي عدد ونوعية ومصادر
بيانات الدعم والتأييد التي صدرت عن
أطياف الشعب السوري وثورته من عسكريين
ومدنيين، نجد أنه لاوجه للمقارنة
بينها وبين الشرعية التي أعطيت للمجلس
الوطني، خاصةً أنه خسر رصيداً كبيراً
منها على مدى الأيام. الأهمُّ من هذا، حصول
الائتلاف على شرعيته كممثل شرعي وحيد
من جملةٍ من الدول الأساسية، الأمر
الذي ستكون له تداعيات إيجابية أساسية
وسريعة على الوضع السوري. ويكفي أن
يقدم وفد الائتلاف دراساتٍ متقدمة
بخصوص صندوق الدعم لسوريا يوم الجمعة
الماضي في لندن لدول الحلقة الأساسية
من أصدقاء سوريا، يُقدِّر فيها
الحاجات الأولية بأربعة مليارات
دولار، وأن تستجيب تلك الدول لها
مبدئياً، على أن يتم التعاون على بلورة
مشاريع عملية لإنجازها في المسارات
المختلفة. لامفر في هذا الإطار
من الحديث عن ممارسات صاحبت مسيرة
العمل على إنشاء الائتلاف وكانت لها
دلالات على استمرارية ثقافة تقليدية
سائدة تتناقض مع كل شعارات ترفعها بعض
الشرائح. وفي هذا الإطار تأتي
عقلية الاستصغار القاتلة التي تهيمن
على مجموعات هنا وهناك. إذ يدفع هؤلاء
مثلاً على مرّ التاريخ شباباً يطلبون
منهم حمل الراية ويؤكدون الثقة
بقدرتهم وإمكاناتهم بناءً على مؤهلات
التخصص والخبرة والعمل المؤسسي. ثم إذا
حانت ساعة الجدّ رأيت درجةً غريبةً من
النكوص عن الشعارات ودلالاتها من قبل
تلك المجموعات. لايُصدّق هؤلاء
مقولة سلفنا العظيم: (هم رجال ونحن رجال)..
وحين يقتحم الشباب آفاقاً جديدة
عالمية على الساحات الإقليمية
والدولية بنجاحٍ مشهود، تُصرُّ
المجموعات المذكورة، رغم شعارات
الإخلاص والتجرد، على أحد أمرين: فإما
تخفيض سقف تلك الآفاق بحيث تنحصر في
فضائهم المحدود منذ زمن. أما إذا ماحقق
الشباب إنجازات تؤكدها وقائع كثيرة،
أصرّ التقليديون على استحالة هذا،
وعلى أنه لايعني إلا أن الشباب سقطوا
فريسة الاحتواء والضياع وبيع القضية!.. ثمة عملياتٌ كبرى من
المراجعات يجب أن يمارسها هؤلاء.
والأخطر أنهم بطريقتهم في العمل
والتفكير يُعطّلون طاقات أخرى من
الشباب في دوائر ومنظمات وهمية
ومكرورة، وهيئات تجترّ نفسها وعطاءها
وتدور حول ثقافتها التاريخية وتنحصر
في أشخاصها التاريخيين.. لانشكّ في إخلاص
هؤلاء، لكن مراجعات متجردة وصادقة
يمكن أن تؤكد ماقاله لهم أحد من يثقون
به حين سألوه عن دورهم فأجاب: حيدوا عن
الطريق وأفسحوا المجال للأجيال. ================= تاريخ النشر:
الأحد 18 نوفمبر 2012 د. رضوان السيد الاتحاد نقصد بالزمن الجديد
أمرين: حركات التغيير العربية من جهة،
والسلطات الجديدة في روسيا والصين
والولايات المتحدة وكثير من دول
أوروبا الغربية من جهة ثانية. في
أوروبا وأميركا وجنوب شرق آسيا، يتأثر
تكون السلطات الجديدة بالأزمة المالية
العالمية عام 2008. وفي المنطقة العربية
نتأثر في الزمن الجديد بثلاثة أمور:
الثورات ومعها إرادة التغيير والظاهرة
الإسلامية، والسياسات الدولية في
منطقتنا، والقضايا العربية والمشكلات
التي لا يزال الزمن القديم يؤثّر فيها
أو يحاول إبقاء طابعه عليها. وقد تحدثتُ وتحدث
كثيرون من قبل عن حركات التغيير
والظاهرة الإسلامية، ولذا فسأركّز
حديثي هذا الأسبوع على الأمرين
الأخيرين: القضايا والمشكلات،
والسياسات الدولية الجديدة القديمة.
وأهمُّ القضايا المشتعلة الآن: الثورة
السورية، وانسدادات القضية
الفلسطينية. والمعروف أن الموقف
العربي تجاه قتل الشعب السوري من جانب
نظامه، تبلور قبل نحو عام، وقاده لذلك
موقف دول مجلس التعاون. إنما لم يتبلور
موقف دولي بعد، يسمح باتخاذ قرار في
مجلس الأمن ينهي العنف، ويسمح بالدخول
في المرحلة الانتقالية. والواقع أن هناك "عوامل
مشتركة" تجمع الدوليين إزاء الأزمة
السورية أو إزاء الموقف منها. أول هذه
العوامل الخوف على أمن إسرائيل من
المتغيرات الحاصلة في سوريا وغيرها.
وفي هذا الصدد فإن الأميركيين مضغوط
عليهم من النفوذ الصهيوني. أما الروس
فإنه خيارٌ لهم، إذ لا يخشون النفوذ
الصهيوني في روسيا. فهم يريدون أن
يُظهروا نفوذهم وحرصهم ومسؤوليتهم
لأنّ عندهم مليوني يهودي من أصل روسي
بإسرائيل اليوم، أي أنهم يشكلون ثلث
مواطني الدولة العبرية. وقبل أسبوع كان
رئيس الدولة العبرية بروسيا، وأقنع
بوتين بعدم بيع إيران بعض أنواع
الصواريخ الباليستية، لأنها تهدد أمن
إسرائيل، ووافق بوتين على ذلك. وعند
الروس طموح العودة لعهود الدولة
العظمى، بينما ينكفئ الأميركيون بعد
حروبهم الهوجاء. وثاني هذه العوامل
الخوف من الإسلاميين المتطرفين.
فالولايات المتحدة والروس والصينيون
والأوروبيون يخشون "القاعدة"،
ويقولون إنها صارت في سوريا. كما يخشون
المتطرفين الآخرين غير المعروفين،
والذين لم تكن لهم ارتباطات أو اتصالات
بـ"القاعدة". ونحن نعلم مشكلات
روسيا والصين مع الإسلاميين الجهاديين
في عدد من أقاليمهما. وما نفع حتى الآن
مع هؤلاء ومع الأوروبيين القول إن طول
المدة وكثافة القتل سيتسببان في ظهور
التطرف، وإن العناصر التي يتحدثون
عنها قليلة ولا علاقة لها بالجيش
السوري الحر، ولا بأطراف المعارضة
الرئيسية. وقد تسلل إليّ الاعتقاد بأن
هذا الإصرار من جانب الدوليين على وجود
"التطرف" الذي بدأ يغير من طبيعة
الثورة، إنما هدفه أن يكون عذراً لعدم
التدخل أو عدم إمداد الثورة بالسلاح. وثالث تلك العوامل:
عدم الاطمئنان إلى الذين سيخلفون
الأسد في السلطة، لجهة الدولة المدنية
وحقوق الأقليات، ولجهة النوايا نحو
دول الجوار. والواقع أن هذا "العذر"
غير مفهومٍ ولا معقول. إذ المفروض أن
تكون الانتخابات هي التي تكون السلطات
الجديدة، ولا يمكن أن نعرف شيئاً من
الآن. ثم إن الأسد ما كانت سياسته عظيمة
ومثالية تجاه دول الجوار وبخاصة
العراق ولبنان. والمالكي الذي دعمه
الآن، سبق أن هدده بالشكوى لمجلس الأمن
بسبب التدخل السوري في العراق عبر
إرسال المسلحين المتطرفين! والعامل الرابع:
التفكير المشترك الروسي الأميركي
بكيفية السلوك مع إيران. ومحاولة ربط
التنازل عن النووي بمغريات مثل مناطق
النفوذ. ويوشك الجميع على التسليم لها
بالعراق، وهم يريدون التمهل والمساومة
على انتزاع سوريا ولبنان منها. ففي
سبيل عدم التحرش بإسرائيل سلموا منذ
العام 2010 للأسد ولـ"حزب الله"
بالسيطرة على لبنان. وقد انتهت هذه
الهدنة بالطبع بقيام الثورة السورية،
وإنما كيف يجري التسلُّم والتسليم مع
استمرار الاشتباك في النووي؟! خلاصة الأمر أنه ليس
هناك موقف واضح تجاه الثورة السورية من
جانب الغربيين باستثناء الفرنسيين
منهم. وكما تصرف الخليجيون بحزم في
البحرين واليمن، يمكن أن يتصرفوا في
سوريا، وقد ظهر ذلك في الاجتماع الأخير
للجامعة العربية بعد توحد المعارضة.
وإذا تابع العرب (الخليجيون) هذا
الموقف، فلن يكون مهماً تردد
الأميركيين وإعراض الروس. والقضية الفلسطينية
في مرحلتها الحالية أكثر تعقيداً.
والموقف الروسي الاستراتيجي لا يختلف
عن الموقف الأميركي الاستراتيجي: أمن
إسرائيل وتفوقها. لكن الروسي عنده
حريةُ في التكتيك، لأنه غير محتاج
لإسرائيل وهي المحتاجة إليه. ولذا يبدو
الأميركي أقل حريةً بكثير، وأكثر
إزعاجاً للفلسطينيين والعرب. فهو لم
يستطع إيقاف الاستيطان، ولا جَعل "الرباعية"
أكثر فعالية، ولا استطاع التأثير على
سياسات تل أبيب في منع قيام الدولة
الفلسطينية المستقلة، والاستيلاء
الكامل على القدس. ويقف الأميركي الآن
في وجه إعداد الفلسطينيين للتوجه إلى
الجمعية العامة للأُمم المتحدة للحصول
على وضع دولة غير عضو بالمنظمة الدولية.
وحجة الأميركي أن هذا "التصعيد"
يجعل من الصعوبة بمكان العودة إلى
المفاوضات، بينما هو يعلم أن
الإسرائيلي هو الذي جعل المفاوضات
بدون فائدة. ولا يغيب الإيراني عن
المشهد. فقد أرسل الطائرة بدون طيار من
لبنان، وطلب من حركة "الجهاد
الإسلامي" والجهاديين السيناويين
إرسال الصواريخ إلى إسرائيل من غزة
وسيناء، لكي يقول إنه يستطيع إزعاج
إسرائيل، والاستمرار في حمل راية
فلسطين! ولذا فإنّ موقفاً عربياً
صارماً ضروري أيضاً لهذه الناحية. وإذا
كانت هناك مشكلات مع بعض الدول بشأن
سوريا، فلا خلاف بشأن فلسطين، وتستطيع
مصر، والمغرب، لعب دور أكبر إلى جانب
الخليجيين. وإذا كان عامل الوقت لصالح
الثورة في سوريا، فإنه ليس كذلك في
فلسطين. وإذا كانت خطوة الاعتراف في
الأُمم المتحدة بدولة فلسطين
المستقلة، خطوةً رمزية فإنها تشير إلى
قدرة العرب على استنان سياسات مستقلة
تُغضب الأميركيين أحياناً، وتُغضب
الروس أحياناً أخرى. فالإغضاب غير
مقصود، لكن المقصود تحقيق المصلحة
العربية العليا وسط تصعيد من الطرفين،
الإسرائيلي الإيراني، عبر سوريا وغزة! لدى العرب اليوم إذن
قضيتان، أو قضية ومشكلة. القضية هي
إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
والمشكلة هي قيادة الثورة السورية إلى
النجاح من أجل وقف حمّام الدم. وفي
القضية والمشكلة لا يزال الدوليون
مترددين أو غير واضحين. لكننا نحن
العرب صرنا نعرف مصالحنا، كما صرنا
نعرف ما يمكن القيام به وما لا يمكن.
علينا أن نعود الإقليميين والدوليين -كما
فعلنا في البحرين واليمن- أننا لا
نتهاون بأمننا ولا بقضايانا ولا بوحدة
مجتمعاتنا ودولنا. وفي الحالتين
الفلسطينية والسورية، للمسائل حلول أو
نهايات تعتمد على قرارنا الذي يكون على
الآخرين التسليم به وليس العكس! ================ قادرون
على الثورة.. قاصرون على الحكم! عمر قدور المستقبل 18-11-2012 من المؤسف أن تترسخ
تلك الصورة التي تُظهر السوريين كأنهم
غير جاهزين لتولي مقاليد الحكم في
بلادهم حال سقوط النظام، ومن المؤكد أن
الأخير أكبر المستفيدين من رواج هذه
النظرة التي ساهمت قوى دولية فيها من
خلال تذرعها بسلبيات المعارضة السورية
كسبب لعدم اتخاذها موقفاً حازماً ينهي
معاناة الشعب السوري. سيبدو، وفق هذا
التصور، أن النظام هو الوحيد المؤهل
للإمساك بدفة البلاد، وأن السوريين
عموماً قاصرون على ذلك، وبالتالي سيتم
تبرير مختلف أنواع المساومات التي
تفتقر إلى الأخلاقية، كما سيتم تبرير
إضاعة المزيد من الوقت بما يعنيه هذا
من إعطاء مهل للنظام كي يتمكن من سحق
الثورة. منذ البداية حاول
النظام تمرير الرسالة ذاتها إلى القوى
الدولية الفاعلة، فأولاً أكد على أنه
الوحيد القادر على ضبط الحدود مع
إسرائيل، سواء عبر قواته في سوريا أو
بواسطة حليفه حزب الله في لبنان، أي
أنه طرح نفسه بلا مواربة حامياً للحدود
الإسرائيلية على العكس من الفوضى التي
يهدد بها إن استُهدف دولياً. ثم تالياً
قدّم نفسه كحامٍ للأقليات، أي كضامن
للاستقرار الاجتماعي، وكأن المجتمع
السوري لم يشهد الاستقرار أو الوحدة
إلا في سنوات حكمه. إذاً أصرّ على
التأكيد للخارج، ولجزء من الداخل، على
أنه الأجدر باحتكار السلطة دائماً،
وعلى أن مصالحهم معرضة للخطر بفعل أية
سلطة قادمة ما دام الذين سيأتون من
بعده لا يتمتعون بالمقدرة السياسية
التي يتمتع بها؛ تماماً كما حاول خلال
عقود تكريس هذه الفكرة في عقل السوريين
أولاً. لا يعرف الآخرون
الكثير عن سوريا، فقد أصبحت منذ مستهل
سبعينيات القرن الماضي بمثابة الصندوق
الأسود الكتيم، وقد أغلقت سلطة الأسد
باطراد كافة المنافذ التي تتيح
للسوريين التعبير عن إمكانياتهم. ولم
يكن مسموحاً لأحد أن يبرز على أي صعيد.
كان من المؤمل حقاً أن تتحول البلد إلى
مزرعة من المسوخ تتربع على عرشها
السلالة الحاكمة إلى الأبد، لذا كان
تغييب سوريا هدفاً تسهر عليه الأجهزة
الأمنية طوال الليل والنهار. أُفرغت
البلد من الكفاءات، ولمدة من الزمن ظنت
نسبة كبيرة من السوريين أيضاً أنها
باتت عقيمة، وغير قادرة على مواجهة
سلطة استولت في المقابل على كافة
مقومات القوة. لقد نسي العالم وجود شعب
في هذه البقعة من العالم، وكذلك كان
الأمر بالنسبة لأبناء البلد الذين
فقدوا الثقة بأنفسهم وبقدرتهم على أن
يكونوا شعباً يقارع سلطته المستبدة،
ويعيدها إلى حجمها الطبيعي كمحض
استبداد فاسد، لا يرقى في أحسن حالاته
لأن يمثّل أحداً، لا لأن يدعي علو كعبه
على ما عداه. ليس من سؤال مهين
اليوم كذلك الذي يرسم علامات استفهام
وتوجس من البديل، فهذا يتضمن إقراراً
بجدارة النظام الذي لم يمارس فعلاً سوى
الإرهاب. يتناسى أصحاب هذا السؤال أن
سوريا لم تكن طوال التاريخ محكومة
بالنظام الحالي، وأنها لم تشهد منذ
استقلالها فاشية مشابهة له، وحتى
انقلاباتها العسكرية في خمسينيات
القرن الماضي تُعدّ مزحة بالمقارنة مع
الانقلاب على كافة أسس الحياة الذي بدأ
منذ مستهل السبعينيات. كان من المتوقع،
على الأقل، أن يبدد إجرام النظام
اليومي مثل تلك التساؤلات، وأن يعزز
القناعة بأن أي بديل سيكون أقل سوءاً،
إن لم يكن أفضل. بل لعل اختيار سلطة
جديدة بقرعة عشوائية لن يكون أسوأ من
الواقع الحالي، ولن يأتي بسلطة تداني
الحالية في انعدام الأخلاق. نعم، هذه
السلطة تبز جميع السوريين، إذ يصعب أن
نتصور وجود بديل يضاهيها انحطاطاً على
المستوى الإنساني العام. ربما لم يكن أحد
ليتخيل قبل سنتين أن يثور السوريون على
نظامهم بالإرادة والتصميم اللذين
تكشفا لاحقاً، ولقد أقر العالم بدايةً
بجدارتهم وأحقيتهم قبل أن يبدأ
الانقلاب عليهم وتصيد أخطاء ثورتهم
والتذرع بها للتجاهل والتسويف. حتى بات
الكثيرون يتناسون الأسس والغايات التي
انطلقت عليها ومن أجلها الثورة، فضاعت
أحقية السوريين بمستقبل لائق وكريم في
متاهات الدبلوماسية الدولية، وفي ذلك
الجدل العقيم الذي يبتغي المساواة
بينهم وبين جلاديهم. بعض أولئك الذين
لم يعترفوا سابقاً بأهليتهم صار
مستعداً للاعتراف بها، ولكن على قدم
المساواة مع نظام قاتل. هكذا يتعرض
السوري لعملية ابتزاز كبرى، إذ ليس
هناك أسوأ من تحويل شعب إلى مجرد طرف في
بلاده بالتوازي مع العصابة التي تحتل
إرادته وتدمر يومياً مقومات حياته. كأن هناك من يضمر
القول بأن السوريين قادرون على الثورة
وقاصرون على الحكم، وفي الوقت الذي
يُنظر فيه بإعجاب إلى تضحياتهم
الجسيمة في سبيل الحرية يُنظر
باستهانة إلى قدرتهم على حكم أنفسهم.
كأن السوري، من وجهة النظر هذه، يبرهن
على قدرته على الموت وحسب، من دون أن
يُرى وراء ذلك تصميمه على الحياة. في
الواقع ما يتجاهله العديدون هنا ليس
التصميم على الحياة فقط، بل الثورة
ذاتها كفعل حياة يمارسه السوري
يومياً، ولعل أي نظرة متفحصة تكشف عن
المواهب الاستثنائية التي كشفت عنها
الثورة، والتي يُصار إلى التغطية
عليها يومياً بالمزيد من المجازر. ما سبق لا ينفي واقع
أن المعارضة السورية لم ترقَ بدورها
إلى مستوى الثورة، ومن يتابع
الانتقادات التي تتعرض لها الأخيرة في
صفوف الناشطين يدرك مدى حيوية الثورة
وقدرتها على ممارسة النقد تجاه
المستوى السياسي، بل إن ديموقراطية
الثورة تتجلى أولاً في قدرتها
الملموسة والمستمرة على نقد ذاتها،
الأمر الذي لا يكف الكثيرون عن ممارسته
وعن التذكير به. أما تعثر المعارضة
السياسية واختلافاتها فهذا ينبغي أن
يكون محموداً، ومن طبيعة الحياة
السياسية، فيما لو سقط النظام وانخرط
الجميع في العملية الديموقراطية، لذا
من المستغرب أن يطالب العديد من القوى
الدولية بتوحيد المعارضة كشرط لتقديم
المساعدة لها، بخاصة لأن غالبيتها
العظمى تتفق على هدف إسقاط النظام. إن
وضع مثل هذا الشرط ينفي أحقية السوريين
بالاختلاف حول مستقبلهم، هم الذين
ثاروا أصلاً ضد هيمنة الفرد الواحد
والرأي الواحد. ليس من النزاهة أبداً
أن يُنظر إلى الذين قاموا بالثورة
كقاصرين، ومن أهم ما تتجاهله هذه
الرؤية عمليات الاعتقال والقتل التي
مارسها النظام طوال مدة الثورة، وقد
غيبت هذه العمليات عدداً كبيراً من
الكوادر التي كان يُفترض بها تمثيل
الحراك الحالي على المستوى السياسي.
هذا الواقع أدى إلى فصل تعسفي بين
الثورة وتمثيلها السياسي، واستطاع
النظام عملياً أن يفرض تأجيل السياسة
لحساب معركة كسر العظم على الأرض، فأهم
ما يشغل الثوار هو الانتصار وليس حصد
النتائج السياسية؛ ذلك من وجهة نظرهم
حق واستحقاق لجميع السوريين عندما
يبدأ الغد. يدرك الثوار، والسوريون
عموماً، أن السياسة بكافة أشكالها
ممتنعة طالما بقي هذا النظام، لذلك فإن
أي تخرصات فيما يخص مقدراتهم السياسية
تدخل في باب الدجل السياسي ليس إلا،
فقدرة السوريين على حكم أنفسهم تتبين
لدى تمكينهم من هذا المطلب لا في الوقت
الذي لا يزال ممنوعاً عليهم. لا ضمانات
مطلقة يقدّمها السوريون للآخرين، وهذا
بالضبط من ملامح الممارسة الديمقراطية.
الضمانات المطلقة تقدّمها
الديكتاتوريات فقط، بخاصة عندما تبدأ
بالانهيار، فهي لا تخسر شيئاً إذ تبيع
مستقبل شعوبها بمجرد البقاء في السلطة.
================= من دمشق
الثورة إلى غزّة هاشم: المعركة واحدة
والعدوّ واحد بقلم: الدكتور
محمد بسام يوسف 16 من تشرين
الثاني 2012م ارفلون نت في
دمشق المنتَفِضَة، يشقّ السوريون طريق
المجد بدمائهم وأرواحهم، ويزلزلون
الأرض من تحت أقدام الأسديين
الغاصبين، الذين يترنّحون خائبين،
ليتهاوى قريباً -بإذن الله- نظام البغي
والخيانة، مُضَرَّجاً بحقده وجنونه
وساديّته.. وفي غزّة هاشم، يَسحقُ
المجاهدون العدوان، بالعزم والثبات
على الحق، والتصميم على إزهاق الباطل،
وبالإيمان بأنّ الله لن يُخْلِفَ
وَعْدَهُ المؤمنين المجاهدين،
الرابضين على الثغور، الـمُنتفِضين
على النحور: نحور الأعداء الغزاة
وحلفائهم. في دمشق الثائرة على
الاستبداد، الذي يقتات على دعم الروس
واليهود والمجوس، يرسم المجاهدون
بدمائهم طريق الحرية والنور، فتضيء
جنبات غزّة العِزّ، مستبشرةً بالفجر
القادم، الذي يَهَبُهُ الله عزّ وجلّ
لمن يستحقّون المجدَ والسؤدد والعزّة
والرفعة.. وفي غزّة هاشم، يخطّ
المجاهدون سطور الكرامة والتحرير
وإحقاق الحق وإزهاق الباطل، فيلقّنون
دجّالي بشار ونجاد وحسن، درساً جديداً
في الممانعة والمقاومة. على سفح قاسيون
الشامخ، يترنّح خونة هذه الأمة من
عملاء يهود.. وفي دمشق بني أمية،
يُهَشَّم رأس المجوس ورأس خادم صهيون
الأسديّ، وتُداس جباه الطغاة وهاماتهم..
فأول حروف الهزيمة المنكرة للغاصبين،
تُكتَب بالدم في دمشق الثورة، وتُقرَأ
بالنور في غزّة التحرير: (سَيُهْزَمُ
الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) (القمر:45). *
* * أنّى لأولئك
القَتَلَة المجرمين أن يفهموا، أنّ
مَن يطلب الموت في سبيل الله، لتحرير
الناس من عبادة خامنئي وبشار، إلى
عبادة الله عزّ وجلّ وحده لا شريك له..
لا يمكن أن يعدلَه في المواجهة مَن
يحرص على الحياة بكلّ ثمنٍ ووسيلة؟..
وأنّ آلة القتل الإجرامية لا تصنع
الرجال، ولا تمنح النصر، ولا يمكن
لِباطِلها أن يهزم حقّ الإيمان؟.. وأنّ
الشعوب التي تسعى لتحقيق كرامتها وكسر
أغلالها، لا يمكن أن تُقهَر؟.. لأنّ
الله سبحانه وتعالى يتولاّها وينصرها
ويرعاها: (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ
إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ
وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ
وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ
اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (آل
عمران:126). بالإرادة التي لا
تلين، والثبات، والصبر والمصابرة،
والتوكّل على الله وحده.. وبروحٍ
مؤمنةٍ على كفّ مجاهدٍ واثق، وتضحيةٍ
في سبيل الله عزّ وجلّ بلا حدودٍ ولا
حساب.. وبندقية.. يمكن تكسير الأصفاد،
وتهشيم الرؤوس الأسدية، والخامنئية..
والصهيونية. بشلاّل دمٍ، ودمعة
ثكلى، ولهفة طفلٍ، وصداح مئذنةٍ،
وهتاف: الله أكبر.. يمكن اجتراح فجرٍ
جديد. كلّ هذا العالَم
المتواطئ مع العدوّ المحتلّ في دمشق
الفيحاء وغزّة هاشم.. يمكن صفعه بنعل
مُرابطٍ على ثغرٍ طاهرٍ من ثغور الوطن
الجريح.. وكل تصريحات التواطؤ
والتخاذل، ومزاعم الحفاظ على حقوق
الطفل والمرأة والإنسان.. يمكن سحقها
ببسطار طفلٍ امتشق سكيناً، ليدفعَ عن
نفسه وصَدر أمّه، حقدَ وحشٍ أسديٍّ أو
صفويٍّ أو صهيونيٍ سفّاح. النصر من الله العزيز
الجبّار وحده، والعزّة لله ورسوله
والمؤمنين.. وشهداؤنا في جنّةٍ عَرضُها
عَرض السماوات والأرض، وقتلاهم في
جهنّم.. في سَقَر، التي لا تُبقي ولا
تَذَر. *
* * من دمشق إلى غزّة،
تمضي سنّة الله في أرضه، ويُصنَع العزّ
والمجد، فما بين دمشق بني أمية وغزّة
هاشم، ترتسم معالم الحرية والتحرير،
فيدفع المجاهدون بجهادهم وتضحياتهم
ومقاومتهم.. أذى العدوّ الممتدّ، من
طهران إلى دمشق.. فغزّة هاشم، ويزفّ
المجاهدون المرابطون إلى أمّتهم،
بشائرَ الحرية والتحرّر من الاحتلال،
بكل وجوهه وصفحاته وأقنعته ورموزه
وأركانه. من دمشق الشامخة إلى
غزّة هاشم، ستتهاوى أعناق الطغيان
والغطرسة والعدوان، وتُطوى صفحات
الدجل والأكاذيب، المفضوحة بسواعد
السوريين وتضحياتهم، حول (شلّة)
الممانعة الطائفية الخيانية، ولن
يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ للمؤمنين
الأطهار المخلصين المجاهدين في سبيله،
إنا في ذلك على يقين، لا يزعزعه إرجاف
المرجفين، أو يأس المتشائمين، أو
استخذاء الصامتين المتفرّجين، أو
انهزام المنهزمين، أو تخاذل
المتربّصين، أو نفاق المنافقين. (فَلا تَحْسَبَنَّ
اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ
إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ)
(إبراهيم : 47). ============================= الضغط
على النظام السوري بالتقارب مع "الائتلاف
الوطني" 2012-11-18 12:00 AM الوطن السعودية يأتي لقاء أمس بين
الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في قصر
الأليزيه في باريس ورئيس الائتلاف
الوطني السوري أحمد معاذ الخطيب لبحث
موضوع حماية المناطق السورية المحررة
ليشكل ضغطا على النظام السوري وتقاربا
آخر مع "الائتلاف" وخطوة جديدة
ضمن التحركات الدولية للمعارضة
السورية لإنقاذ الشعب السوري من عملية
القتل اليومي التي يتعرض لها من قبل
النظام. قبل لقاء "الأليزيه"
كان وزير الخارجية البريطاني ويليام
هيج قد اجتمع أول من أمس مع وفد من "الائتلاف"
في لندن، وطالبهم بمزيد من التفاصيل عن
خططهم مثل توزيع المناصب ومشاركة
العرقيات... قبل الاعتراف البريطاني
الرسمي بالائتلاف الوطني. الفرنسيون يسعون
بحسب تصريحات وزير خارجيتهم لوران
فابيوس الخميس الماضي إلى محاولة دفع
الاتحاد الأوروبي رفع الحظر عن إرسال
أسلحة دفاعية لإيصالها إلى الثوار،
مما يشير إلى أن مرحلة جديدة يفترض أن
تبدأ قريبا تغيّر موازين القوى، وتجعل
النظام يراجع حساباته قبل أن يقصف
المدن والأحياء. علما بأن ذلك الحظر تم
تطبيقه على الثوار، ولم تلتزم به روسيا
ومن ورائها إيران في تطبيقه على
النظام، وحجة الأولى هي وجود عقود
قديمة، في منطق غريب نتيجته سقوط
قذائفها وصورايخها على رؤوس المدنيين. إلى ذلك، فإن اعتراف
دول مجلس التعاون الخليجي واعتراف
وترحيب دول مهمة أخرى بالائتلاف
الوطني، والتأييد الشعبي السوري
للتحالف الجديد الذي اتضح من اسم "دعم
الائتلاف الوطني" لجمعة أول من أمس،
وما عم الدولة من مظاهرات مؤيدة لـ"الائتلاف"،
كلها أمور تحمل دلالات على أن الوضع
السوري في طريق تكوين ملامح لإنهاء
الأزمة، ولن ينفع النظام السوري تضامن
روسيا حين يصبح "الائتلاف الوطني"
هو الممثل الشرعي والوحيد للشعب
السوري. بالنظر إلى كل ما
سبق، إذا كان النظام السوري يريد إنهاء
الأزمة وحقن دماء الشعب، فليتخذ خطوة
جادة ويتعاون مع المجتمع الدولي
بطريقة يسلم بها الحكم لـ"الائتلاف
الوطني" المرحب به داخليا وخارجيا
كي يقود مرحلة انتقالية، وأي شيء يقوم
به غير ذلك لن يتجاوز تأخير سقوطه
وزيادة عدد الضحايا. ================= مساعدة
السوريين في محنتهم كيف تكون؟ فايز سارة الشرق الاوسط 18-11-2012 ليس من المبالغة
القول إن بلدا في العالم، لم يتعرض في
الخمسين عاما الأخيرة إلى مثل ما تعرضت
له سوريا وسكانها من قتل ودمار وتهجير
ونزوح، والأمر في هذا يتجاوز
التقديرات إلى الأرقام. ففي بلد لا
يتجاوز عدد سكانه ثلاثة وعشرين مليون
نسمة، قتل أكثر من ثلاثين ألف شخص،
إضافة إلى نحو مائة ألف من المفقودين
غالبيتهم في حكم الأموات، وجرح مئات
آلاف أغلبهم صارت لديهم عاهات أو
تشوهات دائمة، وهناك مئات آلاف
المعتقلين والمطلوبين. وطبقا لتقديرات
المنظمات الدولية، فإن عدد النازحين
داخل سوريا بلغ نحو ثلاثة ملايين نسمة،
وعدد اللاجئين إلى دول الجوار يزيد عن
نصف مليون شخص، وإن كانت تقديرات
الداخل السوري، تشير إلى اقتراب عدد
النازحين من أربعة ملايين واللاجئين
من مليون شخص. ولا يقل حجم الدمار
الذي أصاب سوريا بشاعة عما لحق بسكانها.
فثمة مدن وقرى كانت تضج بالحياة قبل
عشرين شهرا، أصبحت مجرد أطلال وخرائب
مدمرة، وهو أمر حاضر في أغلب المحافظات
السورية ومنها درعا وريف دمشق وحمص
وإدلب وحلب ودير الزور، حيث أدى القصف
الجوي والمدفعي والتفجيرات
والاشتباكات المسلحة إلى دمار كلي أو
جزئي لما يزيد عن ثلث المساكن في
البلاد، وقد يزيد عن تلك النسبة ما لحق
بالمحال التجارية والحرفية والمنشآت
الاقتصادية بما فيها المشاريع
الصناعية والزراعية، إضافة إلى
المنشآت الخدمية ومنها المؤسسات
العامة والمشافي ودور العبادة، وكذلك
شبكات المواصلات والاتصالات
والكهرباء والماء والصرف الصحي، وبذلك
أصيبت بدمار كبير مصادر عيش السوريين
وهياكل خدماتهم العامة. وتمثل الأرقام
السابقة ملامح كارثة إنسانية ضربت
سوريا والسوريين، وتبدو معها
المساعدات التي قدمها المجتمع الدولي
بمنظماته ودوله إلى جانب ما قدمه
المجتمع في سوريا، ضعيفة ومحدودة
التأثير في مواجهة تلك الكارثة. والأثر
الهش والضعيف المباشر لهذه المساعدات،
يمكن ملاحظته في حياة البؤس التي
تعيشها مئات آلاف العائلات في مدن وقرى
سورية كثيرة بشروط غير إنسانية تفتقد
الأساسيات من مأوى وطعام وصحة، مما
يدفع بعضها إلى اللجوء إلى دول الجوار.
كما يمكن ملاحظة الأثر المحدود
للمساعدات في واقع مخيمات اللاجئين
السوريين التي تتزايد في دول الجوار
ومنها مخيم الزعتري في الأردن الذي لا
تتوفر فيه أقل ظروف الحياة الإنسانية،
حيث يعاني اللاجئون فيه من نقص مياه
الشرب وقلة الخدمات الصحية، وهو مثال
مقارب لما عليه حال مخيمات تركيا
ولبنان، وإن كانت الظروف العامة هناك
أفضل بقليل. لقد عجزت المساعدات
التي قدمت للنازحين في سوريا
واللاجئين خارجها عن توفير أساسيات
الحياة من مكان إقامة إلى طعام ولباس
وخدمات أساسية، صارت في مكانة
الكماليات مثل الصحة والتعليم والعمل،
الأمر الذي يؤكد ضعف وهامشية
المساعدات المقدمة لمحتاجين يزدادون
يوميا، وفي ظل سوء إدارة رسمية داخل
سوريا في توزيع المساعدات المحدودة
التي تصل من الخارج، وتجريم شبه معلن
للمساعدات التي يقدمها سوريون في
الداخل ومن الخارج، وهي مساعدات
تراجعت في الأشهر الأخيرة. وحيث إن الوضع على
هذا النحو، فثمة حاجة ضرورية ومؤكدة
لتحرك دولي جدي في موضوع المساعدات
الإنسانية للسوريين، وهي مساعدات
يفترض أن تكون شاملة، وتتضمن تأمين
المأوى والطعام واللباس إضافة إلى
المساعدة الصحية والتعليمية، بل إن
الأهم من ذلك كله، توفير مسارات آمنة
من أجل وصول هذه المساعدات إلى المناطق
المنكوبة، وتلك التي تعاني من حصار
أمني وعسكري رسمي بحجة وجود «إرهابيين»
و«عصابات مسلحة» داخلها، بل ينبغي
ضمان وصول المساعدات إلى المستحقين،
وإن كان أغلب السوريين مستحقين اليوم،
فإن المساعدات ينبغي أن تذهب إلى
الأكثر حاجة إليها بغض النظر عن
مواقفهم وخياراتهم السياسية بالنسبة
للسلطة أو معارضيها. إن الطابع العام
للمساعدة المطلوبة في إطارها السابق
هو أنها إسعافية، هدفها التغلب على
الظروف الصعبة التي آل إليها وضع
قطاعات واسعة من السوريين ومساعدتهم
على مواجهة تحديات الأزمة، لكن الأهم
من المساعدة الإسعافية، هو تقديم
مساعدة جذرية وشاملة، توقف توليد
المعاناة السورية، وأساسها معالجة
الأزمة وإخراج سوريا من دوار القتل
والتدمير، بما يؤهل السوريين إلى
إعادة تطبيع حياتهم على نحو يحقق لهم
معالجة ما خلفته الأزمة، التي ضربت
بلادهم بفعل سياسات النظام الأمنية -
العسكرية وما أدت إليه. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |