ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم 30-11-2012 هل بدأت معركة
دمشق... "الحاسمة"؟ سركيس نعوم 2012-11-30 النهار قبل بضعة أشهر
عنُفت الاشتباكات بين الثوار السوريين
وقوات نظام آل الاسد في ما يسمى ريف
دمشق ودمشق نفسها. قيل في حينه في
الاعلام وخارجه ان معركة السيطرة على
العاصمة قد بدأت، وإن من شأن ذلك تسريع
انتصار الثورة، وانتقالها الى مرحلة
بناء الدولة وفقاً لنظام جديد يقول كل
قادتها على تنوعهم السياسي والطائفي
والمذهبي انهم يريدونه ديموقراطياً.
لكن المعركة المشار اليها فشلت اذ نجحت
وحدات الجيش النظامي في الامساك
بالعاصمة بقوة بعد اقفال الثغر التي
تسلل منها اليها الثوار. وهي ثغر
حدودية، اذا جاز التعبير بين العاصمة
وريفها. لماذا هذا
الكلام الآن عن محاولة عسكرية ثورية
فشلت في تحقيق هدفها قبل اشهر؟ لأن
وسائل الاعلام كلها ملأى ومنذ ايام
كثيرة بأخبار تؤكد ان معركة دمشق بدأت،
ولكن بمبادرة هذه المرة من النظام الذي
قرر على ما يبدو حسم الوضع في العاصمة
لمصلحته، ولأن مصادر الاخبار ولا سيما
التي منها جدية وفعلية في آن واحد تؤكد
هذه الاخبار سواء في صيغتها المنشورة
في الاعلام او في صيغ اخرى. هذا فضلاً
عن ان ترك الاوضاع في دمشق على ترديها
التصاعدي من شأنه ارباك قادة النظام
وفي مقدمهم الرئيس بشار الأسد ووضعهم
جدياً ربما للمرة الأولى امام احتمال
بداية النهاية وإن طويلة. ذلك أن ريفها
صار في غالبيته تحت سيطرة الثوار، او
في صورة ادق توزعت السيطرة عليه بين
قوات الفريقين مع أرجحية واضحة جداً
للثوار. كما ان هؤلاء صاروا ومن جهات
عدة على تخوم العاصمة او على ابوابها.
ولذلك فان الدفاع عنها يقتضي اولاً
اخراج الثوار من "الريف"
واستعادته، ثم الإطباق عليهم في
العاصمة وإحكام السيطرة عليها. وهذا ما
سيجري قريباً. ولا شك في ان معركة دمشق
ستؤدي الى شمولها "بنعمة التدمير"
التي لم توفّر اياً من مدن سوريا
وأريافها. هل تنجح معركة
"تحرير" ريف دمشق من الثوار على
أيدي قوات النظام، وإبعاد تهديدهم
الجدي لها في الاشهر القليلة الماضية؟ مؤيدو النظام
السوري من اللبنانيين، الذين يعتمدون
على عواطفهم عند اطلاق المواقف
السياسية والتحليلات والاستشرافات،
يؤكدون ان الاسد سيحسم المعركة في دمشق
وريفها، وان ذلك سيكون المنطلق
لاستعادة سائر المناطق "المحررة"
من الثوار بعد القضاء عليهم. اما الذين
من هؤلاء يعتمدون على العقل والمنطق
فانهم لا يجزمون بالنجاح رغم رغبتهم
الصادقة فيه، وربما رغم المساعدة
المباشرة التي يقدمونها "للنظام"
من اجل تحقيقه. أما المعادون للنظام من
لبنانيين وسوريين وعرب ومعهم
المتابعون الاجانب للأوضاع في سوريا
فانهم يعطون حظوظاً كبيرة لاخراج
النظام وقواته من دمشق وريفها وتاليا
لتسريع انهياره. لكنهم يلفتون الى أن
السيطرة على العاصمة ومحيطها قد تحتاج
الى معارك لا معركة واحدة. اما التأكد
من النصر فنابع من ان القوى النظامية
التي تقاتل هي المضمونة الولاء، اما
الاخرى المشكوك في ولاء كل افرادها
فانها بعيدة الى حد ما عن القتال
المباشر. لكن الأولى تعبت. ولذلك فان
النظام يحاول تجنيد من هو قادر على
القتال وراغب فيه او ملتزم فيه. ولذلك
ايضاً توقفت غالبية القتال البري ولجأ
النظام الى الطيران الحربي والمدفعية
والصواريخ. لكن الصواريخ المضادة
للطائرات بدأت تصل وقد تُعطِّل جزئياً
قدرته العسكرية. هذا مع الاشارة الى ان
النظام قد بدأ من دون اعلام تنفيذ
الاجراءات التي يجب على كل جيش تنفيذها
في حال خسارة المعركة وذلك فقط من باب
الاحتياط. ماذا عن المدن
السورية الأخرى التي "يشترك" في
السيطرة عليها وعلى اريافها الجيش
النظامي والثوار؟ لا بد ان تستمر
المعارك فيها بين الطرفين، يجيب
المتابعون الأجانب انفسهم. لكنهم
يستبعدون ان تشهد معارك حاسمة في اثناء
خوض المعركة النهائية في دمشق وريفها
وعليهما، ربما لأن "امكانات"
الفريقين عسكرياً لا تسمح لهما بذلك.
علماً ان هذه المعارك ستبدأ وبالتدريج
فور انتهاء الأعمال العسكرية في دمشق
اياً يكن الرابح والخاسر فيها. ماذا بعد
معركة دمشق والمعارك التي ستليها؟ الجواب عن هذا
السؤال ليس واحداً عند المتابعين
الاجانب اياهم وتحديداً اذا كان
النظام السوري هو الخاسر فيها. وقد
يعود ذلك الى غياب مخططات نهائية عند
احد من الثوار لما يجب ان يكون عليه
الوضع في الدولة المذكورة بعد انهيار
نظام الأسد، وخصوصاً بعد التشرذم ومنذ
بداية الثورة للقوى المشتركة فيها،
وخصوصا بعد تحولها مسلحة، وبعد العجز
حتى الآن ورغم كل المساعي والضغوط
الدولية والعربية لتوحيدها. انه
جوابان ومتناقضان. ما هما؟ ====================== الثورة السورية
من أجل «الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر»؟ الجمعة ٣٠
نوفمبر ٢٠١٢ السفير سوسن جميل حسن بعد أكثر من
عشرين شهراً على الثورة السورية، لا بد
من التوقف أمام الحالة الراهنة وطرح
بعض الأسئلة على الذات، فالنقد الذاتي
والشفافية والموضوعية يمكنها أن تصقل
التجربة وتدفع خطوة أو أكثر في الاتجاه
الصحيح. مفهوم الثورة
بتعريف بسيط، يعني الانقلاب على نظام
اجتماعي اقتصادي سياسي وتغييره
تغييراً جذرياً. ومفهوم الديموقراطية
يحمل في بطانته الكلية معنى الاتفاق
بين أطياف المجتمع وتعاقدهم على تأسيس
وبناء نظام سياسي مدني يقوم على
المواطنة وينحو نحو إقامة دولة مدنية.
والثورة هي إرادة الشعوب تعتمد فيها
الشعوب على قواها الداخلية، وليست
كالنزاعات الخارجية يمكن التحالف فيها
مع الأجنبي لكسب المعارك أو الحرب
الدائرة. إذا انطلقنا من هذه المفاهيم،
فكيف يمكننا قراءة الثورة السورية في
المرحلة التي وصلت إليها اليوم، وبعد
أن دُفع المنتفضون إلى التسلح، وتحويل
نضالهم السلمي في وجه نظام أمعن على
مدى عقود في تقليص مساحات الحريات إلى
حدّ انتفائها، وحوّل البلاد إلى معسكر
غارق في الفساد، محكماً قبضته الأمنية
حدّ تهديد الحياة عامة، إلى مواجهة
عسكرية فتحت المجال لتحالفات
واستقواءات كثيرة بالخارج، فصارت
سوريا ميدان نزاع مسلح واسع لكل
الأطراف الإقليمية والدولية، وقوده
أبناء هذا الشعب؟ باستقراء
الواقع والتاريخ الحديث يظهر للناظر
أن الاحتجاج نشأ كمخاض لجنين نما في
رحم ظروفه وشروطه الاجتماعية
والسياسية والثقافية والنفسية، لكن
ليست كل الولادات تنتهي مباشرة بوليد
متكامل قابل للحياة، وليس كل المواليد
مرغوباً بهم من قبل من ينتظرهم،
فعمليات الإجهاض وحالات الوأد بالمعنى
الحرفي والمجازي ما زالا وسيلة بيد بعض
البيئات والظروف، كما أن اختطاف
الولدان الجدد وأخذهم في مسارات أخرى
بعيداً عن حاضنتهم يمكن أن تخدم غايات
ومصالح معينة ظاهرة ما زالت موجودة،
والنتيجة هي أن هناك خلطاً بين الإقرار
بالثورة كظاهرة اجتماعية حتمية لها
أسبابها الموجبة، وبين اعتبارها
مفبركة وموجهة من بعض القوى الخارجية،
أو على أقل تقدير هناك نية لمصادرتها
واستغلالها من بعض القوى بعد أن تبدأ
وتتخلق. وصل النزاع في
سوريا إلى مرحلة تحتاج تدبيراً
إسعافياً يقوم به عقلاء وحكماء وشجعان
ينتمون إلى هذا الوطن من أجل وقف
حمامات الدم، وتدمير كل أشكال الحياة،
من أجل وقف الانهيار السريع لأركان
الوطن بعد أن صار كل شيء في مرمى
النيران، حتى الذاكرة ومعالم المدن
وهوياتها، والأمثلة تنتصب صارخة في كل
لحظة أمامنا، حمص، دير الزور، حلب،
والآن دمشق. إن ما يفاجئنا
به الواقع كل يوم من ملامح غير مطمئنة
للمجتمع السوري يزيد الأمر تعقيداً،
كممارسات بعض الكتائب المسلحة والتي
منها ما يعلن انتماءه إلى «الجيش الحر»،
وبعض الكتائب الأخرى التي ترفع راية
الجهاد وتحرير الشعب السوري من أنظمته
المارقة وفرض الشريعة الإسلامية من
خلال فهمهم لها وتبنيها، وذلك بالقوة،
وليس ما نسمعه من أهالي بعض المدن عن
تلك الممارسات إلا دليلاً يفسر القلق
الذي استبد بالمواطنين السوريين،
فدفعهم في مسارات مختلفة، ليس أخطرها
الهجرة خارج البلد، بل تضييق الخيارات
أمامهم ودفعهم إلى الاحتماء
بالانتماءات الضيقة أو بالنظام
باعتباره، بحسب تقديرهم، الضامن
الوحيد لهم في وجه هذا التطرف المخيف،
لقد بدأت تظهر في بعض المناطق مجموعات
تشبه جماعة الأمر بالمعروف، فتقوم
بتكسير المحال التي تبيع الخمر أو
تقدمه، وبعضها ينظم الحياة ويديرها
وفقاً لهذه المبادئ، كما تشهد بعض
المناطق في حلب عمليات تعليمية
وتربوية في مدارس يجري فيها فرض الحجاب
على الفتيات منذ مرحلة الحضانة
والابتدائي، وليس ما قدمه بيان
التشكيلات الحلبية بقيام الإمارة
الإسلامية سوى تأكيد لهذه المخاوف. هذا
التحول أضاف سبباً آخر لتمترس بعض
شرائح الشعب السوري وراء انتماءات
ضيقة، وساهم ويساهم في صياغة مواقف
أكثر تشدداً وميلاً نحو العنف، أو
الدفاع المسلح عن الذات، في الوقت الذي
تعددت الجهات التي تقوم بتوفير السلاح
إلى الناس ودفعهم إلى أتون حرب تحصد كل
يوم العشرات وأحياناً المئات، وكلهم
من أبناء هذا الشعب. في الوقت ذاته
لم تستطع القوى المعارضة الرقي إلى
مستوى العمل السياسي القادر على توحيد
الأهداف، وتوحيد الحراك في الشارع، ما
زالت القوى المعارضة دون مستوى الحوار
والاتفاق أو التوافق في ما بينها،
مثلما هي مرتبطة في قسم فاعل منها
بأجندات خارجية تجعل الشارع مقسوماً
تجاهها بين مؤيد ومبارك لأطروحاتها،
ورافض ومشكك فيها. وإذا كان
ائتلاف قوى الثورة قد حظي بمباركة من
بعض الجهات الخارجية، فإنه لم يحظَ
بقبول شعبي كاف يمنحه الشرعية بأن يكون
الممثل المأمول للشعب السوري، خصوصاً
لجهة الجهة التي رعته والطريقة التي تم
استيلاده بواسطتها. لقد تعب الشعب
السوري، وبات قسم كبير منه يرى أن ما
كان لديه من مكتسبات اجتماعية يهدد
يوماً بعد يوم، بدلاً من أن يحلم
بمكتسبات أكثر ويتقدم خطوات كبيرة في
مجال الحريات بكل أشكالها. كاتبة من
سوريا ================= الإبراهيمي
متخوّف من «عرقنة» سوريا: اتفاق جنيف
وبعثة لمراقبة الهدنة معركة حاسمة
تلوح في أفق دمشق .. أم كمين؟ السفير الجمعة ٣٠
نوفمبر ٢٠١٢ محمد بلوط عملية
استباقية للجيش السوري حول دمشق أم
استعجال للمعركة التي يجري التحضير
لها، من قبل المعارضة والنظام على
السواء؟ إنها محاولة
استباق هجوم لـ«الجيش السوري الحرّ»
على العاصمة، هكذا يرى مقربون من
الأخير في باريس. المعركة التي دارت
أمس في منطقة قريبة من طريق مطار دمشق
الإستراتيجي، وفي بلدات حران العواميد
وحجيرة وعقربا، تظهر مؤشرات مهمة على
اقتناع الطرفين بأن المعركة حول دمشق
تلوح في الأفق. وعزّز فرضية
اقتراب الصراع من دمشق، ما حصل من
إغلاق للطريق إلى مطار دمشق الدولي
أمس، والذي سرعان ما أعلنت السلطات
السورية إعادة فتحه مشيرة إلى أنه بات
«آمناً» بالكامل. وكانت وزارة الإعلام
السورية ذكرت أن «الطريق الى مطار دمشق
الدولي آمن بعد اعتداءات من مجموعة
إرهابية مسلحة على السيارات العابرة
وتدخل الجهات المختصة»، وذلك بعد
ساعات من إعلان مصر ودولة الإمارات
تعليق الرحلات الجوية إلى مطار دمشق
بسبب الوضع الأمني. وبالعودة إلى
جبهتي الصراع، فعلى جبهة المعارضة،
أظهرت الصواريخ المضادة للطائرات
عنصراً جديداً في عملية تعديل ميزان
القوى المستمر لمصلحة المعارضة. تلك
الصواريخ، تسمح للمعارضة المسلحة
بالرهان على تحييد جزء كبير من الطيران
الحربي السوري، الذي يلحق خسائر كبيرة
بوحداتها التي تحتشد حول العاصمة وفي
ريف دمشق. ويقدّر أحد
المعارضين القريبين من «الجيش الحر»
عدد المقاتلين الذين توغلوا في ريف
دمشق بما يقارب 40 ألف مقاتل، يملكون
مخزوناً كبيراً من الأسلحة والذخائر،
ويظهرون قدرة على القتال لفترة طويلة
بفضل خطوط إمداد آمنة على الرغم من قصف
الطيران، وهو ما يرجح بأن يتيح نهاية
مختلفة لمعركة دمشق الثانية. وكانت وحدات «الجيش
الحر» قد انسحبت قبل أشهر أمام هجوم
مضاد وواسع قامت به الوحدات النظامية،
بسبب افتقادها كما قالت آنذاك إلى طرق
إمداد آمنة وأسلحة وذخائر كافية. وبحسب
مصدر سوري موثوق، فإن وحدات من «الجيش
الحر» تخلّت عن مواقع لها في منطقة
حوران وتوجهت للقتال في مناطق ريف دمشق.
ويضيف تضخّم العديد مؤشراً ثانياً على
اتجاه المعارضة المسلحة لخوض معركة
دمشق واعتبارها أولوية في هجومها على
الجيش السوري، واستدراج وحدات النخبة
الموالية له المتمركزة حول دمشق إلى
ساحات القتال. في المقابل،
يشير تعميم داخلي في بعض وحدات «الجيش
الحر» بريبة إلى التقدم السريع الذي
أحرزته وحداته في منطقة ريف دمشق.
ويحذر التعميم من احتمال أن يكون الجيش
السوري قد تراجع في بعض المناطق حول
مطار دمشق وفي الريف وأخلاها، بهدف
استدراج وحدات «الجيش الحر» إلى معركة
غير متكافئة، فضلاً عن القضاء على
المجموعات التي يقوم بإرسالها إلى
المنطقة لفرض حصار على المدينة
والاستيلاء على الطرق الاستراتيجية
المؤدية إلى المطار، أو تلك التي تربط
دمشق ببيروت. ويقدّم
التعميم سيناريو لكمين كبير قد يكون
نصبه النظام السوري للمعارضة المسلحة
لإيهامها بأنه لم يعد قادراً على
المواجهة، قبل الانقضاض على وحداتها. ويعزّز مثل
هذا السيناريو، الحماس الذي يبديه
النظام، بحسب خبراء في العاصمة
السورية، وهو مماثل لحماس المعارضة
لخوض معركة دمشق، وتحقيق انتصار عسكري
واسع في ريفها ومنع اختراق دفاعاته.
وتوجد مؤشرات عديدة على الأرض تدل على
أن الجيش السوري يعمل منذ أشهر على
تحويل ريف دمشق إلى مصيدة لـ«الجيش
الحر». فخلال الأشهر الماضية، تقدمت
استراتيجية تحطيم البيئة الحاضنة لـ«الجيش
الحر» بشكل واسع. وبات واضحاً أن معظم
بلدات الغوطة الشرقية ومدنها الممتدة
من دير العصافير حتى حرستا أصبحت مدناً
مهجورة. وتتمركز في المنطقة وحدات
النخبة من الحرس الجمهوري والفرقة
الرابعة، وقد تحولت معظم البلدات
القريبة من العاصمة وحزامها الشرقي
إلى ساحة قتال يمكن المناورة فيها
بحرية أكبر ومن دون عائق «مدني». وتُعدّ حرية
المناورة من دون عوائق مدنية ضرورة
لجيش كلاسيكي من طراز الجيش السوري في
مواجهة مجموعات تخوض حرب عصابات فعالة
ضده وتتمتع بخزان من المقاتلين لا
ينضب، رغم الخسائر الكبيرة التي
ألحقها به القصف المدفعي والطيران. ويمكن إضافة
اللجوء الكثيف إلى الطيران إلى لائحة
مؤشرات تدل على تصميم النظام على
استخدام كل ما يملك من أسلحة، من دون أن
يغيّر ظهور الصواريخ المضادة للطائرات
شيئاً في المعادلة القائمة بنظره.
وتقول معلومات إن الجيش السوري لا
يعتقد أن المعارضة المسلحة تملك أكثر
من 50 صاروخ «أرض - جو» استخدمت منها 12
صاروخاً حتى الآن، وإن معظمها تملكها
مجموعات تعمل في الشمال السوري بشكل
خاص بعيداً عن العاصمة. وقد يلجأ
الجيش السوري للحفاظ على قدرته للقصف
بالطائرات إلى الاستغناء عن «الميغ 21»
و«الميغ 23» التي فُقد بعضها في المعارك
واستخدام طائرات من طراز «ميغ 25» و«ميغ
30» التي يمكنها التحليق عالياً،
بعيداً عن مرمى الصواريخ التي زوّد
القطريون بها المعارضة. وكانت قطر قامت
بتزويد المعارضة السورية المسلحة بهذه
الصواريخ منذ أشهر، إلا أن قرار
استخدامها الذي اتخذ منذ أيام كان
قراراً سياسياً يدل على احتدام السباق
نحو هدفين: إسقاط الشمال السوري بأسرع
وقت ممكن، وتحويله إلى منطقة آمنة في
ظلّ حكومة مؤقتة، فضلاً عن تشديد الضغط
على دمشق وريفها. ويبدي مقربون
من النظام رباطة جأش تتناقض مع اقتراب
المعارضة المسلحة من أبواب العاصمة،
حيث لا يخشى النظام من نقص العديد. وهذا
ما يؤكده مصدر من دمشق، مشيراً إلى أنه
خلال الأشهر الماضية عاد الآلاف من
الجنود والضباط من إيران وروسيا بعد أن
تلقوا تدريبات على «حرب العصابات»..
كما أن عمليات الانشقاق التي واجهها في
البداية تقلصت بشكل واضح، فضلاً عن
لجوء الجيش إلى استخدام الفرق التي كان
يتردّد في زجها في المعارك خوفاً من
انشقاقها، بعد أن باتت أكثر استعداداً
لخوض القتال. ويعزو الخبراء
تغير المزاج العسكري للسنة في الجيش
بشكل خاص إلى تطور دور الإسلاميين في
قلب المعارضة المسلحة، والخوف من
وصولهم إلى السلطة. وعملت صور عمليات
الإعدام التي تعرّض لها الجنود
والضباط من دون أي تمييز في انتمائهم
الطائفي على حسم أمر المترددين في
القتال. ويقول مقربون
إن عدم دخول «الفرقة الثالثة» ساحة
القتال بعد، ليس خوفاً من أي انشقاق،
إلا أن الفرقة تلقت تدريبات على حرب
العصابات في الأشهر الأخيرة وتتمتع
بتشكيلات قتالية عالية التسليح، وهي
حالياً في موقع الاحتياط بانتظار
معارك مقبلة. ولم يقدم المبعوث
الدولي والعربي إلى سوريا الأخضر
الإبراهيمي، أمس، جديداً على ما كان
أعلنه سابقا. وقال، في مؤتمر صحافي في
نيويورك بعد تقديمه ملخصا لمجلس الأمن
حول جهوده لحل الأزمة السورية، «تحداني
البعض لتقديم خطة. اعتقد أن الجميع
يعرف الآن عناصر الخطة، لكن لا يمكن
تطبيقها إلا إذا اتحد هذا المجلس وكان
جاهزا لتبني قرار سيكون الأساس لحل
سياسي» في سوريا. وقال، ردا على
سؤال عن احتمال تغيير النظام السوري
بهدف إنهاء النزاع، «من الواضح جداً أن
الشعب السوري يريد التغيير، (يريد)
تغييراً حقيقياً لا تغييراً مصطنعاً».
وأضاف إن «سوريا الجديدة لن تشبه سوريا
الحالية»، متحدثاً عن «تطور نحو سوريا
جديدة»، مؤكداً أن «السوريين أنفسهم
سيحددون ماهية النظام الذي يريدونه». واعتبر أن «المكان
الوحيد الذي يمكن أن يبدأ فيه عمل
سياسي ناجح هو مجلس الأمن»، مضيفاً «طلبت
من أعضاء مجلس الأمن أن يستأنفوا
محادثاتهم وبحثهم عن اتفاق. وبيان جنيف
يمكن أن يكون أساساً صالحاً لذلك، من
أجل أن يكون هناك قرار جديد من مجلس
الأمن يؤدي إلى الحل السلمي الذي
نتمناه، والذي سوريا في أمس الحاجة
إليه». وأضاف «ما
أعتقد أنه سيكون في هذا القرار هو
عملية تمّ وصفها بشكل عام في جنيف،
تبدأ بهيئة انتقالية حاكمة، كما
أطلقوا عليها، ذات سلطات تنفيذية
كاملة، وتنتهي بانتخابات، وأشياء
كثيرة تحدث في ما بين ذلك. ولا شك في أن
هناك حاجة ماسة جداً جداً لوقف لإطلاق
النار يمكن أن يستمر». ولفت إلى أنه «من
واقع تجربة الجامعة العربية وبعثة
الأمم المتحدة للمراقبة في سوريا،
والتجربة القصيرة لوقف إطلاق النار
الذي دعا إليه، فإن أي وقف إطلاق النار
لن يستمر ما لم تتم مراقبته بقوة. وهذا
في اعتقادي يتطلب بعثة حفظ سلام». وعن دور محتمل
للرئيس السوري بشار الأسد في المرحلة
الانتقالية حتى انتخابات العام 2014،
قال الإبراهيمي إن «الحديث يجري عن
الأسد كما لو كان هو المشكلة الوحيدة
أو الحل الوحيد للأزمة السورية». وأضاف
إن «الشعب السوري أهم بكثير جداً من
هذا كله، وكلام جنيف يتحدث عن حكومة
انتقالية كاملة الصلاحيات، ثم تنتهي
إلى انتخابات. وإما برلمان، إذا كان
نظاماً برلمانياً، أو رئيس جديد». ونقلت مصادر
مطلعة أن الابراهيمي رسم صورة قاتمة
للأوضاع، حيث تشهد الازمة تدهوراً،
مضيفة انه يعتبر ان الاولوية يجب أن
تكون كيفية الحفاظ على مؤسسات الدولة
لمنعها من الانهيار حتى لا نصل الى
مرحلة شبيهة بالعراق. ===================== الاطلسي والملف
السوري: رسائل 'باتريوت' غير العسكرية صبحي حديدي 2012-11-29 القدس العربي ليس عسيراً
فهم الأغراض الأخرى غير العسكرية،
التي قد لا تقلّ أهمية في حسابات
العلوم العسكرية ذاتها، خلف الطلب
التركي من حلف شمال الأطلسي بنشر أنظمة
صواريخ 'باتريوت' على الحدود مع سورية؛
وهذه حدود تمتدّ على شريط طويل، متباين
في التضاريس، متغاير في الأهمية
الستراتيجية، يتجاوز 900 كم، كما هو
معروف. الصواريخ 'دفاعية'
كما تُصنّف في الرطانة العسكرية،
وتاريخ نشرها الأقرب عهداً في ذاكرة
المنطقة يعود إلى مطلع التسعينيات،
بعد الغزو العراقي للكويت وأثناء
عمليات 'عاصفة الصحراء'، وتهديد بغداد
بإمطار تل أبيب، وسائر إسرائيل،
بصواريخ 'الحسين'. وأمّا جدوى الصاروخ
على هذا المستوى، الدفاعي، فإنها ليست
محلّ إجماع لدى خبراء الأسلحة
الصاروخية (ما تزال غامضة، حتى الساعة،
حصيلة أنظمة 'باتريوت' في المثال
الإسرائيلي؛ وهنالك واقعة واحدة، على
الأقلّ، برهنت على فشل ذريع: العجز عن
التصدّي لصاروخ سكود عراقي أصاب ثكنة
للجيش الأمريكي في الظهران، السعودية،
وتسبب في مقتل 28 جندياً أمريكياً). ورغم هذا
السجلّ الإشكالي، وحقيقة أنّ هذه
الأنظمة الصاروخية بيعت لدول أخرى في
المنطقة (مصر، الكويت، السعودية،
الإمارات العربية المتحدة، فضلاً عن
إسرائيل بالطبع)؛ فإنّ الغضب الإيراني
من نشرها على الحدود السورية ـ التركية
بدا أشدّ حدّة بالمقارنة مع وجود
الصواريخ ذاتها لدى ثلاث من جارات
إيران، غير تركيا! وهكذا، نقلت وكالة
أنباء الجمهورية الإسلامية الايرانية
عن رئيس البرلمان الإيراني، علي
لاريجاني، تصريحاً أعقب عودته من
زيارة إلى سورية ولبنان وتركيا، اعتبر
فيه أنّ 'وضع هذه الأنظمة في المنطقة له
آثار سلبية، وسوف يعقد المشكلات'...
متناسياً أنها لم توضع، بعد، في المكان
الذي يتخوّف منه لاريجاني، أي الحدود
السورية ـ الإيرانية؛ في حين انها
متوفرة، لتوّها، هنالك حيث يتوجب أن
يتخوّف صاحبنا، أي على محاذاة الحدود
مع إيران. رامين مهمان باراست، المتحدث
باسم وزارة الخارجية الايرانية، كان
أكثر وضوحاً، وبالتالي أشدّ فضحاً
للسبب الحقيقي وراء سخط إيران: نشر
الصواريخ 'لن يساعد في حلّ الموقف في
سورية، وسيجعله أكثر صعوبة وتعقيداً'. الموقف
الإيراني (ومثله الموقف الروسي، في
الواقع) يكشف بعض فحوى الأغراض غير
العسكرية وراء التلويح بنشر هذه
الصواريخ، في أنها تبعث ـ عبر بريد
القبضة الصاروخية، ليس أقلّ! ـ بأربع
رسائل سياسية ـ عسكرية، غير تلك
الرسائل الأخرى البلاغية والتعبوية
والعقائدية: 1) أنّ الحلف الأطلسي ليس
غائباً عن الملفّ السوري، ويمكن أن
ينخرط فيه على أي نحو، في أيّ وقت قريب؛
و2) أنّ تركيا دولة عضو في الحلف،
وأمنها من أمن المنظومة الأطلسية
بأسرها؛ و3) وأنّ الصواريخ لا تُبْلِغ
الرسالة إلى نظام بشار الأسد أوّلاً،
بل إلى طهران (على خلفية برنامجها
النووي، ابتداءً)، ثمّ إلى موسكو (مفاوضات
الدرع الصاروخي الأوروبي، المعقدة
المتثاقلة)، ثمّ عراق نوري المالكي (في
مسائل شتى، لا تبدأ من انحيازات
الأخير، الداخلية والإقليمية، ولا
تنتهي عند تأزيم الوضع مع إقليم
كردستان...)؛ و4) أنّ أنظمة 'باتريوت'
تحمي، كذلك، جميع حلفاء الأطلسي
وأصدقائه في المنطقة، وبعضهم في هذا
يستوي في الأهمية مع تركيا ذاتها، إنْ
لم يكن يفوقها (كما في مثال إسرائيل،
أساساً). ويُفهم، بذلك،
قرار حلف شمال الأطلسي بعقد اجتماع
قياته البرّية في مدينة إزمير
التركية، اليوم تحديداً؛ وتصريحات بن
هودجز، قائد القوّات البرّية المشتركة
للحلف، التي تسكب جرعات متعاقبة من ماء
ساخن وآخر بارد، على مشروع نشر الـ'باتريوت'
على الحدود السورية ـ اللبنانية. فهو
من جهة أولى، يؤكد أن هذه الأنظمة
الصاروخية 'دفاعية' في الأصل، و'لا يمكن
أن تُستخدم لشنّ هجوم'، أو 'لإنشاء
منطقة حظر جوي'. ولكنه، من جهة ثانية،
يشدّد (وكأنّ أحداً يجهل!) أنّ 'حدود
تركيا هي حدود الحلف الاطلسي'، و'في حال
تعرضها لهجوم، فإن الحلف سيجتمع
مباشرة دون تأخير'؛ لاتخاذ قرار نشر
الصواريخ. وبين هذا وذاك، يذكّر هودجز
بأنه 'لم يُتخذ، بعد، قرار نهائي في
الحلف بشأن هذه الصواريخ، وأنّ
المسألة في مرحلة البحث'؛ لأنّ نشرها
يتطلب موافقة 28 من الدول الأعضاء،
الأمر الذي لا ينفي اعتقاد الجنرال
بعدم وجود سبب لدى أي من أعضاء الحلف
للاعتراض على نشرها. ولأنّ
الأطلسي، في تعريفه الأمّ، وكذلك بحكم
منطق الأمور الأبسط، حلف عسكري وسياسي
معاً؛ وهو، اليوم، توسّع إلى 28 دولة،
بينها جمهوريات سوفييتية سابقة (إستونيا،
لاتفيا، ليتوانيا)، وأخرى كانت منضوية
في حلف وارسو طيّب الذكر؛ فإنّ الحلف
ليس الوحيد في عالمنا المعاصر، فحسب؛
وليس التذكرة الوحيدة، تقريباً، بأنّ
البشرية عاشت الحرب الباردة طيلة حقبة
كاملة متكاملة، فحسب أيضاً؛ بل هو،
أساساً ربما، حلف جغرافي ـ حضاري ـ
ثقافي، إلى جانب السياسة والأمن
والعسكرة. هذا ما كانت الإنسانية قد
فهمته من كلام الرئيس التشيكي الراحل
فاتسلاف هافيل، حين احتضنت بلاده قمّة
للحلف الأطلسي لم تكن تشبه سواها من
القمم، لأنها ببساطة كانت 'قمّة
التحوّل'. التحوّل
العسكري؟ نعم، ولكن ليس تماماً، أو ليس
حصراً. قال هافيل، في نبرة تحذير لا
تخفي هذا الواجب الملحّ: 'على الحلف أن
لا يتوسّع خارج مضمار محدّد للغاية من
الحضارات التي عُرفت عموماً باسم
الحضارات الأورو ـ أطلسية أو الأورو ـ
أمريكية، أو الغرب ببساطة'. هل كانت
تركيا هي المقصودة بهذا التعريف 'المضماري'،
الذي لا يفلح تماماً في تنقية كلّ
الروائح العنصرية؟ أم هي الدول التي ما
تزال تعيش فيها جاليات مسلمة؟ وما
الدافع إلى إطلاق ذلك التحذير،
تحديداً، والقمّة تناقش توسيع الحلف
شرق وجنوب أوروبا، وضمّ سبع دول جديدة
إلى النادي؟ أيّ من هذه الدول (نفسها
التي تسلمّت وثائق عضويتها في الحلف من
الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن،
يومذاك: إستونيا وبلغاريا وسلوفينيا
وسلوفاكيا ورومانيا ولاتفيا
وليتوانيا)، لم تكن تنطبق عليها معايير
المضمار الحضاري الأورو ـ أطلسي؟ البعض يقول،
بحقّ، إنّ أسئلة كهذه تظلّ نافلة
كائناً مَنْ كان طارحها، ما دام جوهر
الحلف عسكرياً ـ سياسياً، وما دامت
الولايات المتحدة هي الدولة الأهمّ في
بقائه على قيد الحياة، وفي تعزيز شوكته
العسكرية - التكنولوجية. صحيح، آنذاك،
أنّ الفرنسيين والألمان لم يكفّوا عن
مضايقة البنتاغون، واليمين في إسبانيا
خسر معركة الحلف المقدّس مع واشنطن،
والعراق يغلي ويتفجّر ويحترق... ولكن من
الصحيح أيضاً أنّ الولايات المتحدة لم
تتسوّل قرار الحرب من الحليفات
الأطلسيات، ناهيك عن طلب المساعدة
العسكرية. ألا يعرف جميع الحاضرين، من
مدنيين وعسكريين على حدّ سواء، أنّ
هزّة 11/9 منحت الولايات المتحدة أكثر من
ترخيص عسكري واحد، وجنّبت واشنطن حرج
التشاور مع الحليفات الأطلسيات كلما
رنّ ناقوس في كنيسة؟ وإذا كان لقاء
براغ قد استحقّ بالفعل تسمية قمّة
التحوّل ، فليس ذلك لأسباب عسكرية
أبداً، وإنما بسبب اختراق الحلف
الأطلسي جميع مواقع حلف وارسو
السابقة، وبلوغه ظهر وبطن وخاصرة
روسيا، شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً! من الصحيح،
كذلك، أنّ التوازن داخل الحلف ليس
مختلاً لصالح الولايات المتحدة، فقط؛
بل هو يفتقر بالفعل إلى جملة العناصر
التي تتيح استخدام مفردة 'التوازن'،
وفق أيّ معني ملموس. مراسل صحيفة الـ 'إندبندنت'
البريطانية اختار، يومها، وجهة طريفة
للتعبير عن هذا الإختلال، فسجّل حقيقة
أنّ الوفد الأمريكي إلى قمّة التحوّل
تلك شغل سبع طبقات من فندق الـ'هلتون'
الذي يحتضن الوفود، مقابل طبقة واحدة
للوفد الهولندي مثلاً! وأمّا في
مصطلحات أخرى أكثر دلالة، فإنّ
الولايات المتحدة تنفق، وحدها، مليار
دولار أمريكي يومياً على شؤون الدفاع؛
في حين أنّ مجموع الدول الأوروبية
الغربية، الأعضاء في الحلف، كانت
قرابة 500 مليون دولار. اليوم، إذْ
تلاحظ إليزابيث شيروود، مساعدة الرئيس
الأمريكي باراك أوباما لشؤون أوروبا،
أنّ الحلف، في أفغانستان وحدها، ينشر
125 ألف مقاتل، من 28 دولة عضواً في
الحلف، و22 دولة صديقة أو شريكة؛ تذكّر
بجوهر موقف أوباما من الأطلسي: أنه 'التحالف
الأكثر نجاحاً على امتداد التاريخ
الإنساني'. كما تضيف، بنبرة قاطعة،
وصحيحة تماماً في الواقع: 'لا توجد
اليوم مسألة ذات أهمية للأمن القومي
إلا ونشتغل عليها مع حلفائنا
الأوروبيين: مواجهة الإرهاب، التعامل
مع أسلحة الدمار الشامل وانتشار
الأسلحة الصاروخية، معالجة أمن شبكة
الإنترنت، تطوير أمن الطاقة، واللائحة
طويلة، عدّدوا فيها ما شئتم'... ما لا
يتوجب نسيانه في ملاحظات شيروود، التي
قيلت بمناسبة انعقاد قمة الاطلسي في
شيكاغو هذه السنة، هو استذكارها أنّ
سنة 2012 تسجّل الذكرى الـ15 لتدشين تعاون
الحلف الأطلسي مع دولة لا تخطر على
البال بسهولة: روسيا! شيروود، في
مساهمة مطوّلة حول تجديد شباب الحلف،
تتفاخر بملفات صربيا وأفغانستان
والعراق وليبيا، ولا تأتي على ذكر
سورية مرّة واحدة، وكأنّ ما يجري في
هذا البلد ليس 'مسألة ذات أهمية للأمن
القومي'، على أيّ نحو. لكنّ الحمقى
وحدهم يمكن أن يصدّقوا أنّ شيروود لا
تضمر الحديث عن سورية في أي، وكلّ،
تلميح إلى أولويات الحلف الأمنية في
المنطقة؛ وأنّ الرسائل التي يبعث بها
مشروع نشر صواريخ 'باتريوت' على الحدود
التركية ـ السورية، هي من الطينة ذاتها
التي تحثّ شيروود على التنبيه، مراراً
وتكراراً، إلى أنّ روسيا ليست خصماً في
النظام الأمني العالمي الراهن. ونعرف،
من تجارب شعوبنا وشعوب أخرى سوانا،
أنهم حين يتفقون على خلاصات أيّ نظام
أمني عالمي، فإنّ طموحاتنا إلى الحرية
والديمقراطية والكرامة والاستقلال
والنهوض... هي آخر ما يدرجونه في
حساباتهم الكبرى، إذا لم يدرجوا
نقائضها، لصالح أنظمة الاستبداد
والتبعية ذاتها التي تسوم شعوبنا
عسفاً ونهباً. وليس مدهشاً،
بذلك، أنّ يكون أردأ قارئي رسائل
صواريخ 'باتريوت'، أناس من أمثال بشار
الأسد (الذي اعتبر نشرها 'خطوة
استفزازية'!) ونوري المالكي (الذي طالب
الحلف الأطلسي بـ'البقاء بعيداً عن
الحرب الأهلية في سورية'، متهما تركيا
بمحاولة جرّ الحلف إلى الصراع!).
الأوّل، بعد أبيه، أبقى حدود الجولان
المحتلّ آمنة أمام الاحتلال
الإسرائيلي طيلة أربعة عقود، وتواطأ
مع تركيا ضدّ الأكراد، وتناسى لواء
الإسكندرون السليب؛ والثاني يدين
بوجوده إلى الاحتلال الأمريكي، ثمّ
الوصاية الإيرانية). وفي المقابل، ليس
مستغرباً أن يكون أبناء الشعب السوري ـ
المنخرطون، دون كلل، في سيرورات
الارتقاء بالحراك الشعبي، وتطوير
أشكال مقاومة آلة النظام العسكرية،
وتسجيل انتصارات يومية على النظام
وعلى أخطاء وعثرات انتفاضة عبقرية
فريدة ـ هم الأقلّ اكتراثاً بالرسائل:
المرسِل، والمرسَل إليه، وساعي البريد...
سواء بسواء! ' كاتب وباحث
سوري يقيم في باريس ===================== عن المسؤولية
تجاه أسلمة الثورة السورية عمر قدور * الجمعة
٣٠ نوفمبر ٢٠١٢ الحياة قد لا تُعرف
بالضبط قصة بيان الكتائب المسلحة في
حلب التي أعلنت إقامة دولة إسلامية،
فهناك تشكيلات ورد اسمها في البيان
ونفت علمها به، أما المؤكد فهو أن أياً
منها لم يتنصل من المبدأ الذي قام عليه
البيان. أي أن هذه الألوية والكتائب لم
تعلن رفضها لفكرة الدولة الإسلامية
كما وردت فيه، ولم تعلن انضواءها تحت
المظلة السياسية التي يقبل بها
السوريون، كما لم تقل إن مهمتها تنحصر
في تحرير المناطق السورية من سيطرة
النظام، وترك المسائل الدستورية
والسياسية الأساسية ليبتّ فيها
السياسيون أو عموم الشعب السوري. لكن المشكلة
لا تنحصر في تدخل العسكر في السياسة،
وهذه علة تستوجب وقفة منفصلة، وليست
المشكلة أيضاً في العسكرة الإجبارية
التي اتجه إليها جزء من الثورة، وإنما
هي في تسلل الطابع الجهادي إليها وعدم
الوقوف على مداه الحقيقي على الأرض من
جهة، وقلة الحيلة إزاءه من جهة أخرى. ما
كشف عنه البيان، وممارسات أخرى من
الطينة نفسها، أن النزوع الإسلامي
المتطرف أكبر من التقديرات التي ذهب
أغلبها إلى القول بهامشيته، أو إلى
ردّه إلى تعبيرات عن الإسلام الشعبي لا
أكثر، وأن هذا التطرف ينتشر مدعوماً
بالعنف المفرط للنظام، وأيضاً مدعوماً
بالعسكرة غير المنضبطة أو المنظمة
للثورة، فضلاً عن الضحالة الفكرية
التي وسمت تجارب سابقة مماثلة من
أفغانستان وصولاً إلى الجزائر
والصومال. لقد أثبتت
التجربة، حتى الآن على الأقل، هشاشة
الإسلام الشعبي الوسطي أمام تغلغل
الإسلام السياسي أو الجهادي، خصوصاً
في أوقات الأزمات، وقد لا تكون سورية
استثناء من ذلك على نحو ما يؤكد البعض
في شكل متكرر. إذ ليس من المحتم أبداً
البقاء عند العتبة المعتدلة للمجتمع
السوري التي وسمته قبل عشرات الآلاف من
القتلى، وقد لا تتسنى الفرصة للقوى
المعتدلة كي تستدرك تضاؤل نفوذها
الميداني بعدما سبقتها القوى المتطرفة
إلى الإمساك بزمام عسكرة الثورة؛
الأمر الذي يعود بغالبيته إلى تردد
الأولى وتلكؤها إزاء خيار التسلح
قياساً إلى ديناميكية الثانية. اتضح
هذا جلياً، على سبيل المثال، في تجربة
المجلس الوطني. فبينما كانت القوى
العلمانية فيه تناقش خيار تبني الجيش
الحر ودعمه علناً، كانت القوى
الإسلامية في المجلس قد مارست الدعم
فعلاً لحسابها الخاص، وتحديداً من
خلال الكتائب الجهادية التي يغلب
عليها المتطوعون المدنيون، والتي
امتازت على نظيرتها المكونة من
المنشقين بقدراتها المادية
والتسليحية. غير أن
المقدمات الفعلية للأسلمة الحالية
تسبق بروز المكون العسكري، فالقوى
المدنية أو العلمانية توسلت منذ
البداية الإطار الرمزي الإسلامي
الواسع، وكان مفهوماً أن الثورة لن
تنتشر وتمضي قدماً في غيابه. ضمن منطق
الضرورة هذا، غضت النظر عن الكثير من
التمظهرات الإسلامية، وحتى عن النزوع
الإسلامي الواضح إلى الهيمنة، وردّته
إلى محض تعبيرات ثقافية اجتماعية... ولا
يخفى البعد «شبه الاستشراقي» لدى بعض
العلمانيين الذين احتفوا بالرمزيات
الإسلامية وكأنهم يكتشفونها للمرة
الأولى، في المقابل من علمانيين آخرين
تشبثوا بانفصالهم التام عن المجتمع
وصبّوا مجهودهم الفكري في طاحونة
النظام. كذلك لا يخفى أن الكثيرين
أوّلوا انتزاع السلطة من الأقلية
الحاكمة على أنه يعني إعادتها إلى
الأكثرية، ما يتعين «موقتاً» بإعادة
الاعتبار إلى الغالبية السنية،
وبالتالي التسليم لها ولو على سبيل
النكاية بطائفية النظام. لعلها إحدى
مفارقات الحالة السورية أن يُضطر
الناشطون المدنيون والعلمانيون إلى
تبرير هيمنة الرمزيات الإسلامية،
بدلاً من الدخول معها في اشتباك فكري،
فيكون من شأنهم إيجاد التأويلات
الأكثر اعتدالاً لها، أو التوقف عند
بعدها الثقافي من دون الوصول إلى
تجلياتها السياسية والسلطوية. من وجهة
النظر هذه، سيكون السكوت عن الأسلمة أو
تبريرها أو الدفاع عنها نوعاً من
الدفاع عن الثورة، بوصف الأولى أهون
الشرّين قياساً إلى الفظاعات غير
المسبوقة التي يرتكبها النظام. لكن هذا
سيستدعي قراء ثقافية «برّانية» للحضور
الإسلامي، إذ سيتم تأويله وقسره وفق ما
يشتهي دعاة الوسطية، لا وفق منطوقه
الذاتي المتحرك. وليس مستبعداً أن
تفتقر هذه القراءة إلى التاريخية، ما
دامت تتشبث بوسطية سابقة، وتتعاطى
معها كسمة مستدامة، فلا تتحسب للعناصر
التوتاليتارية، وهي عناصر موجودة
بالقوة وقابلة للوجود بالفعل في كل
الأيديولوجيات الشمولية. ربما لا ينبغي
أن يغيب عن أذهاننا في هذا الصدد أن
غالبية القوى العلمانية السورية تحمل
في طياتها جرح الدين، لأنها تنحدر من
أصول يسارية سابقة، بل إن بعض اصطفافات
اليوم ليس بريئاً تماماً من شبهة الأمس
في استعادة للمواقف حيال مواجهة
الإخوان المسلمين مع النظام في
الثمانينات من القرن الماضي؛ حينها
تحالف قسم من اليسار مع الإخوان بعدّهم
تمثيلاً لحركة احتجاج شعبي، بينما
تخلى القسم الآخر عن مناوأته للنظام في
تحالف مضمر معه. في الواقع لم يقدّم أحد
من اليسارَين مراجعة موضوعية متوازنة
لتحالفه آنذاك، وترك الماضي آثاره
الفكرية على رغم الاقتراب من فكرة
الدولة المحايدة الذي ظهر في العقد
الأخير أو خلال ما عُرف بربيع دمشق. إلا
أن فكرة الدولة ككائن اعتباري معنوي
منفصل عن السلطة المنتخبة وعن
التعيينات الأيديولوجية لها لم تترسخ
حقاً، وبقي الإسلام السياسي يرخي
بظلاله على أطياف المعارضة الأخرى، من
دون التوصل إلى فصله هو الآخر عن
الإطار الرمزي الإسلامي للمجتمع، أي
نزع احتكاره لما ينبغي أن يكون مشاعاً
للجميع. صحيح أن عسكرة
الثورة أفسحت في المجال أمام تسلل
التطرف، وحتى أمام تسلل بعض الجهاديين
من دول أخرى، لكنها من ناحية أخرى كشفت
عما هو دفين ولم يكن من اصطناعها. والحق
أن العسكرة قطعت أيضاً الطريق على ما
يتيحه الحراك السلمي من تفاعل اجتماعي
يتولد عنه الاعتدال؛ هذا أصبح أمراً
واقعاً يصعب التراجع عنه، ولن يكون
مفيداً هجاء العسكرة، أو الدعوة إلى
التخلي عنها والتي ليست سوى دعوة إلى
الإقرار بالهزيمة. الخيار الوحيد
المتاح ربما هو انخراط أكبر لمكونات
المجتمع السوري في الثورة، ومنها
القوى المدنية والعلمانية، وإيلاء
الأهمية القصوى لتوحيد الكتائب
المقاتلة تحت مظلة سياسية تلقى قبولاً
داخلياً ودولياً، وعزل الكتائب التي
تحمل أجندات خاصة بها. لعل المطلب
الأخير يتجاوز في ضرورته الآنية موضوع
وحدة التنظيمات السياسية للمعارضة،
فليس من المستبعد، إن استمر الوضع
الميداني الراهن، ألا يبقى لها رصيد
كافٍ لتجتمع عليه. ===================== النزاع في
سورية مرشح للاستمرار باتريك سيل * الجمعة ٣٠
نوفمبر ٢٠١٢ الحياة هل يمكن القول
إن القوى الغربية وحلفاءها يرتكبون
خطأ في سورية؟ لقد اعترف البعض منهم،
كبريطانيا وفرنسا، فضلاً عن تركيا
والمملكة العربية السعودية وقطر،
بالائتلاف الجديد الذي شكّلته فصائل
المعارضة السورية في الدوحة في 11 تشرين
الثاني (نوفمبر)، وستتعرض هذه الدول
الآن لضغوط كبيرة من أجل تزويد الثوار
السوريين بأسلحة «دفاع» أثقل وأكثر
تقدماً، على غرار مضادات الطائرات
ومضادات الدبابات. وهو الموضوع الذي
تتم مناقشته في عدد من العواصم. ولكن،
هل ستكون أسلحة أفضل كافية للإطاحة
بالرئيس بشار الأسد؟ يرى معظم الخبراء
العسكريين أنه أمر مشكوك فيه، فمع أن
الثوار أحرزوا تقدماً ملحوظاً، لكنهم
لا يزالون بعيدين من تسديد ضربة قاضية. ووسط قلق
الولايات المتحدة من بروز المجموعات
الإسلامية المقاتلة –التي تشبه إلى حد
كبير تلك التي تقاتل في أفغانستان
وباكستان واليمن وأماكن أخرى– بقيت
مترددة حتى الآن حيال الاعتراف
بالائتلاف الجديد، مع أنها لعبت دوراً
رئيسياً في تشكيله، ما يعكس المشاكل
التي تواجهها القوى الغربية. وفي حال حصل
الثوار على أسلحة أفضل، وفقاً لما
تعكسه الترجيحات، فمن المتوقع أن يردّ
نظام الأسد وأن يقحم أسلحته الخاصة
الأكثر تقدماً في المعركة، بما يشمل
طائرات «ميغ 29» والدبابات الأكثر
تطوراً والصواريخ والأسلحة الطويلة
المدى التي بقيت حتى الساعة في
مخازنها، وسيكون التصعيد العسكري
بمثابة وصفة للمزيد من سفك الدماء
بدلاً من أن يؤدي إلى بداية حوار. وما تريده
المعارضة يتعدّى السلاح، فما تأمله
فعلاً هو تدخّل عسكري غربي على نسق
النموذج الليبي. إلا أن تدخلاً من هذا
القبيل لا يبدو محتملاً، فستستعمل
روسيا حق الفيتو ضد أي قرار يتيح
استعمال القوة يصدر عن مجلس الأمن
الدولي. وفي مطلق الأحوال، لا تريد أي
قوة غربية الانجرار إلى الصراع
السوري، والجميع سعيد بالاختباء خلف
الفيتو الروسي. ومن خلال
تسليح الثوار، تواجه القوى الغربية
وحلفاؤها خطر تقويض جهود الأخضر
الإبراهيمي، مبعوث الأمم المتحدة
وجامعة الدول العربية، الرامية إلى
وضع حد لسفك الدماء وإرساء أسس
التفاوض، بالطريقة ذاتها التي
قُوِّضَت فيها جهود سلفه كوفي أنان.
والجدير ذكره أن الكلام عن وقف إطلاق
النار وانتقال السلطة الذي يتم
التفاوض عليه في ظل تسليح الثوار، لن
يكون إلا ضمانة لاستمرار القتال. وتفيد مصادر
ديبلوماسية عربية أن الإبراهيمي وضع
مسوّدة لخارطة طريق جديدة للسلام، ومن
المتوقّع أن يقدّمها إلى مجلس الأمن
ودول المنطقة في الأيام المقبلة. ويقال
إن خطته تدعو إلى تشكيل حكومة وحدة
وطنية تضم شخصيات معارِضة وموالية
للنظام على حد سواء، وتقوم مهمتها على
إجراء انتخابات حرّة وعادلة بإشراف
دولي. ووفقاً لهذه
المصادر، أبقى الإبراهيمي مسألة مصير
الأسد المثيرة للجدل مفتوحة. وترفض
المعارضة البحث في محادثات ما دام
الأسد باقياً في السلطة، في حين أن
مؤيدي النظام على الصعيد المحلي
والدولي يرون أنه من الضروري أن يكون
جزءاً من العملية الانتقالية. ويبدو أن
الإبراهيمي يفكر، شأنه شأن كوفي أنان،
أن العملية يجب أن تكون «بقيادة سورية»،
ما يعني أن الأسد يجب أن يشارك فيها. إلا أن مهمة
الإبراهيمي تكاد تكون مستحيلة، حيث
إنّ أيّاً من النظام أو المعارضة لا
يُظهر أي بوادر استعداد للتوصل إلى
اتفاق. وتعلن معظم الفئات المعارضة –والمجموعات
المقاتلة بالتأكيد– أنها ستواصل
القتال إلى أن تتم الإطاحة ببشار
الأسد، ومن الواضح أن الأخير يأمل
بدوره في القضاء عليها. ويرى كلّ من
الطرفين أنه يجدر أولاً تغيير ميزان
القوى لمصلحته قبل أن تصبح المفاوضات
ممكنة. وفي مطلق الأحوال، سبق أن
هُدِرت دماء كثيرة، ونشأ قدر كبير من
الكراهية، ولا مجال حالياً للتفكير
بطريقة منطقية، كما أنه لا يوجد
استعداد عند أحد لتقديم أي تنازلات. غير أن مظلّة
الائتلاف الوطني تشكّل تحسناً ملحوظاً
بالمقارنة مع المجلس الوطني السوري
الذي كان مقره في تركيا، والذي تم
استبدال الائتلاف به وضمه إليه، فهو
أكثر تمثيلاً لمختلف فئات المعارضة،
علماً أن رئيس الائتلاف معاذ الخطيب
لديه أمور كثيرة تصب في مصلحته
الشخصية، فهو دمشقي (شأنه شأن الصناعي
رياض سيف، أحد نائبي الرئيس)، كما أنه
مسلم معتدل، يتقبله عدد كبير من
المسيحيين، وقسم لا بأس به من الغالبية
الصامتة. حتى إن بعض الموالين للنظام
قد يُظهرون استعدادهم للاصطفاف خلفه.
والأهم أنه عاش وعمل في سورية طوال
حياته، ويعرف مختلف الفئات التي يتشكل
منها الفسيفساء السوري. وهو لم يرحل عن
وطنه الأم إلا مؤخراً، بعكس بعض أعضاء
المجلس الوطني الذين عاشوا في المنفى
طوال عقود. إلا أن الخطيب ليس رجلاً
سياسياً، بل هو رجل مثقف وأكاديمي، ومن
المحتمل أن تكون الآمال مبالغاً فيها
بالنسبة إلى ما يمكنه تحقيقه. وتجدر الإشارة
إلى أن الشوائب كثيرة في الائتلاف الذي
يترأسه. فهو لا يمثّل أقليات كثيرة في
سورية، ولم تقبل أي مجموعة كردية
الانضمام إليه. ولا شك كذلك في أن
العلويين غائبون منه. علاوة على ذلك،
ستجد مجموعة المنفيين المدنيين هذه
صعوبات في فرض مشيئتها على المقاتلين
داخل البلاد الذين يتجاهلوها، معتبرين
أنها صُنعت في الخارج. ومن الملحوظ أن
المجموعات الجهادية تحديداً –التي
تكتسب قوة متزايدة وترتبط في بعض
الحالات بتنظيم «القاعدة»– تكره
المعارضة المدنية في الخارج. وترفض
التعاطي مع أي طرف لا يكون «جهادياً».
وهدفها هو إقامة دولة إسلامية بقوة
السلاح. وسبق أن تكوّنت خليّتها في
الجزء الذي يسيطر عليه المتمردون في
حلب. ومن الضروري
أيضاً أن يواجه معاذ الخطيب الواقع
الذي يفيد بأن الدول التي اختارت
الاعتراف بائتلافه بحد ذاتها بعيدة كل
البعد من توحيد صفوفها. ويبدو أن كل
دولة تدعم فئة معينة ذات أجندة مختلفة.
وقد تحوّلت سورية إلى ساحة لصراعات
القوات الأجنبية. ومن السهل
توقع النتيجة المحتملة للسياسة
الغربية الراهنة. ويبدو أنها مستعدة
لقيادة عملية تصعيد عسكري ستؤدي إلى
ارتفاع أعداد القتلى عند الطرفين،
وزيادة الأضرار المادية والانقسامات
الطائفية والكراهية ومستويات تسلّح
كلّ فئة لحماية نفسها. والأكثر خطورةً
هو أن التصعيد العسكري سيقسم البلاد
أكثر مما هو حاصل في الوقت الحالي.
وسيحارب كل طرف للدفاع عن المناطق
الواقعة تحت سيطرته، ومن المرجح أن
يكون القتال في الأشهر المقبلة دامياً. ويُعتبر دور
سورية الإقليمي على رأس ضحايا الصراع
القائم، فقد كانت سورية تلعب دوراً
محورياً في السياسة العربية منذ الحرب
العالمية الثانية، بالتعاون في أوقات
مختلفة مع العراق ومصر والمملكة
العربية السعودية ومؤخراً تركيا. وكان
شعار المرحلة انه لا حرب ممكنة من دون
مصر ولا سلام ممكن من دون سورية. وهي
اعتُبرت حجر الزاوية في مجال مقاومة
إسرائيل منذ إنشاء الدولة اليهودية –
وهو دور استمرت بتأديته في العقود
الماضية في سياق ما سمّي بـ «محور
الممانعة» بالتعاون مع إيران وحزب
المقاومة اللبناني الشيعي «حزب الله».
ومع انهيار سورية، من المحتمل أن يظهر
توزيع إقليمي جديد للنفوذ، من المتوقع
أن يلعب فيه الإسلاميون بمختلف فئاتهم
الدور الأكبر. وفي هذا
الصدد، قالت لي شخصية عربية نافذة هذا
الأسبوع «إن سورية التي كنا نعرفها
انتهت». =============================== رحلة مع «السلفيين
والعصابات المسلحة» في جبال القلمون
السورية عبدالله أمين
الحلاق الجمعة ٣٠
نوفمبر ٢٠١٢ الحياة تقترب السيارة
التي أستقلها وأحد الأصدقاء من مدينة «النبك».
يشير لنا عناصر على الحاجز بتغيير
الطريق والانحراف عن أوتوستراد حمص –
دمشق. نمتثل رغماً عنا وندخل النبك
ونطوف بعض شوارعها لنخرج منها ونعود
بالاتجاه المعاكس إلى يبرود، حيث يزول
أي أثر للنظام وجيشه لندخل المدينة «آمنين»
تبعاً للعنوان العريض الذي خطّه
الثوار على جدار في مدخل المنطقة هناك:
«يبرود حرة، ادخلوها إن شاء الله آمنين».
ذلك التلازم المضمر بين الحرية
والأمان الذي تختزنه تلك العبارة يعطي
شعوراً عميقاً وراسخاً نافياً الخطاب
الرسمي للنظام. الأقليات
والأكثرية والعلاقة مع الثورة ما يخيم على
الثورة السورية من تباينات، ترسم
المشهد تبعاً لكل منطقة وخصوصيتها،
يفضي لملاحظة ارتسام التعصب الديني
عنواناً لأي مدينة محررة، بعد أن اتخذت
المقاومة المسلحة للنظام السوري في
كثير من المناطق الثائرة بعداً دينياً
متطرفاً «ولهذا أسباب ليست مجالنا في
هذا المقام». لذا، شحذتُ همتي للاصطدام
بواقع متخيل مسبقاً في ذهني، كأن أرى
علم القاعدة أو إحدى إماراتها مرتفعاً
في سماء يبرود، وأن تكون اللحية
الجهادية المستوردة من خارج تقاليد
المجتمع السوري وعلاقته بالدين
الإسلامي هي المسيطرة أنى حللتُ وأنى
استقرت أوراقي وأفكاري فيها، لكن
الواقع كان مختلفاً تماماً. ذلك أن
المدن والمناطق المحررة في سورية هي
ممن ينتمي أهلها وسكانها إلى الطائفة
السنية، والتي كان السوريون من
أبنائها عماد الثورة بقوة منذ
أسابيعها الأولى لكونهم الأكثرية
العددية في البلد، واستدعى ذلك من
النظام السوري أن يصب جام غضبه ورصاصه
وقذائفه عليهم وعلى بيوتهم، وبعنف قاد
بالضرورة إلى عنف مضاد وإلى تسلح
الأهالي المدنيين، وتنسيقهم مع العسكر
المنشق عن النظام والبدء بالثورة
المسلحة هنا وهناك. إدلب وحمص وريفها
وريف حلب ليست الأمثلة الحصرية على
ذلك، وإن تكن الأمثلة الأبرز. أما في
المناطق التي تشهد تواجداً لافتاً
للأقليات الدينية أو الطائفية، فقد
اكتفى النظام فيها بالترهيب
والاعتقالات، أو القتل لكن على نطاق
ضيق، مقارنةً بالمناطق الأخرى
المتجانسة طائفياً. وقائع ودلالات
الثورة في يبرود استقبلني
المسؤول الأمني للجيش الحر في
المنطقة، وقادني إلى ما عرفت لاحقاً
أنه كان «مخفر الشرطة» ذات يوم، ومررنا
بالساحة العامة حيث أزيلت أي مظاهر
بعثية وأسَدية وارتفع علم الثورة
عوضاً عن تلك المظاهر. المخفر الآن
عبارة عن مركز لتسهيل وترتيب أمور
العسكر المنشقين عن الجيش وتوزيعهم
على المناطق السورية، أو تسييرهم إلى
مدنهم وقراهم أو إلى لبنان عبر الحدود
الجبلية لمن انشق عن النظام ولم يعد
يرغب في دخول المواجهة معه من جديد. هذا المخفر
كان أحد نقاط الاعتداء على المتظاهرين
السِّلميين في يبرود، يوم كانت الثورة
السورية لا تزال سلِمية كما علمتُ من»
أبو إبراهيم». في الأسبوع الثاني من
الثورة خرجت أول تظاهرة في يبرود،
وكانت صغيرة لناحية عدد المتظاهرين،
وتم الاعتداء عليهم من قبل بعض الأهالي
المؤيدين للنظام وإلقاء الأوساخ عليهم.
وفقاً لـ «أبو إبراهيم» المسؤول في
الجيش الحر. معظم المتظاهرين في
البداية كانوا من ريف يبرود، حيث يبلغ
تعداد سكان الريف هناك 100 ألف نسمة
مقابل 50 ألفاً هم سكان المدينة
الصغيرة، وكان للبعثيين والشبيحة في
المدينة صولات وجولات في البداية عبر
تمكنهم من اعتقال بعض المتظاهرين أو
تسليم أسمائهم إلى الجهات الأمنية. غير
أن واقع الحال اختلف جذرياً مع تصاعد
ونمو الاحتجاجات وتصاعد العمل الثوري
والتظاهر هناك. فقد كبرت التظاهرات
ودخل أحرار رنكوس وقارة وتماهوا مع جسد
التظاهر يوم الجمعة في يبرود، واستمر
الحال على ما هو حتى الشهر العاشر من
عام 2011. آنئذٍ نزل عناصر شرطة وأمن
انطلقوا من مخفر المدينة لقمع تظاهرة
يوم الجمعة، واعتقلوا متظاهرين بينهم
نسوة. هنا خرج الأهالي وجرى اشتباك
بالسلاح قرب المخفر وسقط شهيد على يد
قوات النظام هو الشاب خالد النمر. تشييع «النمر»
كان تظاهرة حاشدة تجاوز عدد المشيعين
فيها 20 ألف متظاهر، وهي كانت بداية
إعلان يبرود نقطة ثائرة بقوة في سياق
الثورة الوطنية السورية التي لم تكن
العسكرة قد ظهرت فيها وصارت متناً على
ما هو الحال اليوم. تشييع النمر الذي
كان أول شهداء الثورة في يبرود أعلن
انطلاق التظاهرات الكبرى المناهضة
للنظام كل جمعة وخلال أيام الأسبوع
أيضاً. ومع نزوح عائلات ومتظاهرين
وثوار من حمص إلى مناطق شتى في سورية
ومنها يبرود، اكتسبت تظاهرات المدينة
لوناً لا يتمايز كثيراً عن ألوان لوحات
الثورة في سورية بأسرها، مع انتقال
هتافات وأهازيج وأغاني أحرار حمص إلى
جبال القلمون. أبو أحمد، شاب في
العشرينات من عمره يحمل بندقية من نوع
«كلاشينكوف» ويعتبر الرجل الثاني بعد
أبو إبراهيم في المقر العسكري للجيش
الحر، قال لنا أنه «كان سلمياً في
البداية كما الكثيرين، لكن محاولات
النظام اقتحام يبرود عدة مرات خلال عام
2012 دفع الشباب في المدينة إلى حمل
السلاح تحسباً لأي طارئ». معاني مشاركة
الأقليات في الثورة وملامحها تمشي في شوارع
المدينة فلا ترى إلا ملامح وشعارات
الثورة السورية وعندما تسأل الثوار عن
السر وراء غياب الخراب والدمار الذي
شهدته مدن سورية منكوبة بقذائف النظام
وبراميله المتفجرة، يأتيك الجواب: «وجود
المسيحيين في المدينة يقي الثوار شر
القذائف والبراميل، وثمة تفاهم بين
بشار الأسد والبابا بينديكتوس تعهد
فيه الأسد بحماية المسيحيين وعدم
التعرض لهم منذ بداية الثورة». لا نعلم مدى
دقة الكلام المتعلق بتفاهم البابا –
الأسد، لكن من المؤكد أن النظام لم يزل
يجانب التعرض المباشر للأقليات
الدينية التي ثارت بعض شرائحها
الاجتماعية أو أفرادها ضده. اقتحم
النظام المدينة بالدبابات والرجال،
واعتقل العشرات وقتل الكثير من سكان
المدينة، لكن قذائف طائراته كانت تخطئ
المدنيين عمداً فيها حفاظاً على «الأقلية
المسيحية». ذلك كان فرصة أيضاً لكي
يتحرر الحراك الثوري في يبرود من ربقة
الخراب العميم الذي قد يحيق بالمدينة
عقاباً لها. أضف أن بعض المسيحيين
يفتحون بيوتهم للمقاتلين في صفوف
الجيش الحر، كما فتحت الكنيسة أثناء
الاقتحام واختبأ فيها مطلوبون مُسلمون
من الثوار في القلمون. تجار مسيحيون
كبار في المدينة من آل نخلة وآل بطرس
قدموا معونات إغاثية ومادية للعائلات
المنكوبة النازحة إلى يبرود تحديداً
أهالي حمص. وأنا أجلس في
غرفة أبو إبراهيم في ما كان مخفراً ذات
يوم، كان علم الاستقلال، علم الثورة،
يغطي مساحة كبيرة من جدار الغرفة، وقد
كتب أبو إبراهيم بين النجوم الحمر
الثلاث وبخط يده: «الله أكبر». كان هذا
هو العلم الثاني الذي تُكتب عليه هذه
الكلمات بخط اليد بعد العلم العراقي،
الذي خط عليه صدام حسين عبارة: الله
أكبر. عبارة صدام حسين وعبارة أبو
إبراهيم تلتقيان على تمجيد الله، لكن
لمسات الطاغية العراقي القبيحة لم يكن
ليلقي بها في بئر النسيان إلا كلمات
ثائر من طراز أبو إبراهيم الذي علمتُ
قبل مغادرتي يبرود أنه طالب ماجستير في
العلوم الاجتماعية. كلمات بسيطة جميلة
ذات بعد إيماني غيبي كتبها ثائر من
منطقة جبلية منسية عبّر فيها عن توقه
لرحيل بشار الأسد. ================ كريستيان ساينس
مونيتور - ترجمة: مصطفى منسي | 2012-11-30
العرب قالت صحيفة «كريستيان
ساينس مونيتور» إنه بعد أشهر من القتال
الوحشي تحول الوضع في سوريا إلى
الجمود، وذلك في العديد من المناطق،
حيث لا يبدو أن أيا من الجانبين قادر
على إحراز تقدم ملموس في القتال، وبررت
الصحيفة هذا الوضع بالإشارة إلى أن
الجيش النظامي السوري للرئيس بشار
الأسد يواجه صعوبة في تحقيق التقدم،
لأنه لا يجد ما يكفي من القوات البرية
الموالية لإطلاق هجوم كبير دون أن
يعاني الانشقاقات الواسعة. ============== الأزمة السورية
ونفاق الغرب والعرب 2012-11-28 القدس العربي بعد حرب مطولة لم تشأ
أن تضع أوزارها في سورية والتي كان
النظام قد أشعلها في مطلع العام 2011
والتي كانت ولا زالت تحصد اليابس
والأخضر، والتي كان وقودها الشعب
السوري الأبي الذي يواجه الرصاص بصدور
عارية في مواجهة نظام غاشم ديكتاتوري
لا يعير اهتماما للشعب. قد يتساءل البعض عن
الثورة السورية التي طال أمدها ويحاول
مقارنة تلك الثورة بثورات تونس وليبيا
ثم اليمن، لكن هذه المقارنة لا تصلح
هنا وربما قد تسقطنا في ما لا تحمد
عقباه، ثورة سورية لا يمكن في الحقيقة
مقارنتها لا بثورة ليبيا ولا بثورة
اليمن وتونس، حيث كانت مدة هذه الثورات
قصيرة إضافة إلى أن أغلب الشعب في هذه
الدول كان مع سقوط تلك الأنظمة مع دعم
دولي مباشر لهذه الثورات وهو عكس ما
يحدث الآن في سورية بالرغم من أن
غالبية الشعب السوري تدعم الثورة
وتطالب الرئيس بشار بالرحيل عن
السلطة، إلا أن هناك على العكس من يدعم
النظام في المقابل ويحثه على البقاء
والتصدي لما يعتبرونه هجمة صهيونية
ومؤامرة عالمية لغزو سورية . فالغرب الذي يدعي أنه
المخلص الوحيد للشعوب العربية
والإسلامية من ظلم الحكام وتسلطهم ظهر
على حقيقته بعد ثورة سورية، عندما كان
الأمر يتعلق بليبيا كان الغرب متحمسا
لدعم الثورة ومحاولته الإسراع لإسقاط
النظام لأنه كان يعرف أن ليبيا ما بعد
الثورة ستفتح لهم أبوابها على
مصراعيها وتصبح مرتعا وملاذا آمنا
لامريكا وحلفائها وتصبح قاعدة أبدية
لهم وموقعا استراتيجيا يحقق أهدافهم
العسكرية. نحن هنا لسنا ضد
الثورات، بل سبق وأن طبلنا لهذه
الثورات واعتبرناها بداية عهد جديد
يتيح للشعوب العربية والإسلامية تقرير
مصيرها والخروج من غياهب الظلم
والتسلط لكننا لا نرى أن هذه الثورات
قد حققت الهدف والغاية المرجوة،
فالبرغم من أن البعض من هذه الثورات
استطاع أن يزيح أنظمة ديكتاتورية جثمت
على صدور الشعوب لعقود طويلة إلا أنها
لم تستطع في المقابل أن تتصدى لحملات
الغرب الذي كشر عن أنيابه وبدأ يخطط
لكسح نفوذ داخل هذه البلدان، كذلك هو
الشأن في سورية فالأزمة متشابكة قد لا
تعرف طريقها للحل في مدة قصيرة وإن كنا
نؤمن أن النظام إلى زوال مهما طال أمده. فالغرب أكثر من أي
وقت مضى أظهر نفاقا واضحا في تعامله مع
الثورة السورية لا من حيث مدة إصدار
القرارات ولا من حيث طريقة الحسم التي
تعود على القيام بها مع الثورات
السابقة التي كانت بدافع تحقيق مصالحه
لا اقل ولا أكثر. لا يمكن الحديث عن
سورية دون الحديث عما يسمى بمحور
الممانعة والتي كانت سورية دائما في
صفه إلى جانب ايران وحزب الله في
لبنان، فإن كانت في الحقيقة هذه
الأخيرة تدعي أن هذا المحور الذي يمتد
من طهران إلى بيروت هو ضد الهيمنة
الأمريكية والصهيونية في العالم
العربي فإن ذلك قد ظهر للعيان وتبين أن
ذلك القناع المسمى بمحور الممانعة ما
هو إلا كيان يخدم أجندة ايران في
المنطقة، فإذا كانت هذه الدول بالفعل
تدعم المقاومة وقوى التحرر الوطني
بالعالم العربي والإسلامي فلماذا لم
تنفذ ولو واحدا من وعودها كتحرير
فلسطين والجولان التي لم يتجرأ النظام
السوري على إطلاق ولو رصاصة واحدة منذ
45 سنة تجاه الكيان الصهيوني، بل يمكن
القول أن النظام السوري كان الحامي
الأبدي الذي تتأسف عليه دولة الكيان
الصهيوني وخير دليل على ذلك ردود فعل
الكيان المغتصب التي اعتبرت أن رحيل
الأسد هو خسارة للكيان الإسرائيلي. فبين العرب
المنقسمين بين الممانعة والإعتدال
وبين الغرب المنافق الذي تكالب على
الدول العربية والإسلامية والذي يحاول
استغلال الثورات، تبقى الأزمة السورية
لا تعرف طريقها للحل، فالأيام القادمة
في سورية تنذر بأوضاع كارثية ضحيته
الشعب السوري الأعزل الذي بات من
الواضح أنه يؤدي ثمنه لوحده وسط صمت
عالمي مخز. رشيد أخريبيش ================= محاولة في نقد
الفكر السياسي في العالم العربي د. يوسف نور عوض 2012-11-28 القدس العربي
أحداث كثيرة تمر
بالعالم العربي في هذه الأيام، خاصة
بعد الثورات التي أطاحت أنظمة الحكم في
تونس وليبيا ومصر واليمن وأشعلت
الثورة في سوريا، ورغم ذلك لم يكن
الفكر السياسي الذي تبع تلك الثورات في
المستوى الذي يتلاءم مع هذه المرحلة
الجديدة من تاريخ الأمة العربية، ذلك
أن معظم الكتابات تركزت حول تغيير
الأنظمة والبدائل المحتملة من منظور
تقليدي يركز على كيفية الوصول إلى
السلطة وليس كيفية إحداث التغيير في
النظم السياسية، ولا ينفي ما ذهبنا
إليه أن بعض المفهومات الحديثة طرحت
دون أن تتم معالجتها بالمستوى
المطلوب، ومن أهم هذه المفهومات مفهوم
الديموقراطية الذي يعني عند الكثيرين 'الانتخابوية'
التي تبرر للأحزاب أو الأفراد أن يصلوا
إلى السلطة، إذ ظل الكثيرون يعتقدون أن
مجرد انتخاب فرد أو جماعة يبرر له أو
لها أن تفعل ما تريد بكون الديموقراطية
في نظر الكثيرين هي مجرد عملية انتخاب
فقط، ولا يقف هؤلاء ـ عادة ـ عند النظام
الذي تتم فيه عملية الانتخاب، وتلك هي
المشكلة الأساسية في العالم العربي،
ذلك أنه إذا نظرنا إلى البلاد العربية
التي توجد فيها برلمانات وجدنا هذه
البرلمانات تتكون من مجموعات طائفية
أو زعامات قبلية أو أصحاب وجاهة
اجتماعية، وهم في معظم الأحوال لا
يصلون إلى الحكم لأن لهم برنامجا خاصا
يريدون تحقيقه لصالح المجتمع بصفة
عامة بل لأن هدفهم الوصول إلى السلطة
من أجل تحقيق نفوذهم وإقصاء الآخرين
والاستفادة من مقدرات الدولة بصورة
غير مشروعة ما يسبب انتشار الفساد بشكل
واسع في هذه الأنظمة. ويختلف هذا النظام
عما هو سائد في الديموقراطيات
الحقيقية في العالم .وأذكر في هذا
السياق أن أحد الأشخاص من الذين حصلوا
على الجنسية البريطانية قال لي أنه صوت
في ستة انتخابات برلمانية أعطى فيها
صوته لأشخاص لا يعرفهم، وعندما سألته
لماذا؟ قال لأن المرشحين في
الانتخابات البريطانية لا يستندون إلى
نظم قبلية أو وجاهات اجتماعية إذ هم
أشخاص يعملون في إطار نظام حزبي معترف
به، وبالتالي فإن المواطن يصوت
للمبادئ أو البرامج التي يعلنها الحزب
ولا يهم من الذي يقوم بتنفيذها، ذلك أن
الحزب له آليته التي يضبط بها سلوك
نوابه، وبذلك لا يضع الحزب عبئا على
المواطن. ولا يقتصر النظام
الديموقراطي في بريطانيا على عملية
انتخاب النواب فقط إذ هو نظام يستند
أيضا على أسس اقتصادية قوية، ذلك أن
الأغنياء في النظام الديموقراطي
يحققون ثراءهم عن طريق العمل والجد وهم
بعد أن يحققوا الثروة لا يرحلونها إلى
العالم الخارجي بل يضعونها في المصارف
الداخلية أو يوظفونها في مشاريع العمل
بحيث يستفيد الجميع منها، ويوجد في
النظم الديموقراطية كذلك نظام للضمان
الاجتماعي الذي يوفر الحياة الكريمة
لكل من يجد نفسه خارج الوظيفة أو
العمل، وذلك ما يجعل الكثيرين يقبلون
على دفع ضرائبهم ولا يتهربون منها،
بكونهم يعلمون أن هذه الضرائب ستعود
عليهم بالفائدة حين يتعطلون عن العمل
أوحين يصلون إلى سن التقاعد. ولا يقتصر
الأمر على ذلك، إذ نجد في النظام
الديموقراطي أيضا نظام قضاء نزيه
ومحايد لا يأتمر بأمر السلطة ولا يتدخل
السياسيون في عمله، وذلك ما يجعل سائر
المواطنين يحسون بالأمان لأنهم قادرون
على أخذ حقوقهم كاملة إذا ما تعرضوا
لظلم. ولا أريد هنا أن أقول إن هذه
المفاهيم غائبة في العالم العربي
لأنها موجودة كما تقول هالة مصطفى في
كتابها القيم أزمة الليبرالية
العربية، ولكنها موجودة في إطار فردي،
ذلك أن العالم العربي لا يعدم الأشخاص
الذين كتبوا كتابات مستنيرة في مفهوم
الدولة من زوايا مختلفة، لكن تبقى معظم
هذه الكتابات فردية التوجه ولم تتحول
إلى نظم اجتماعية حقيقية كما تقول
الكاتبة. ويشعر الكثيرون
بالأسف لأن الناس في العالم العربي
كانوا يتطلعون دائما إلى مصر ويرون
أنها القلعة التي سيحدث منها التحول،
فقد انفتحت مصر منذ عهد محمد علي باشا
على العالم العريض وبدأت تدق باب
الحداثة بعنف وكان العالم العربي ينظر
بإعجاب لما يحدث فيها ويتمنى أن تكتمل
تجربتها وتكون أنموذجا يحتذيه العالم
العربي، وبدأت مصر تضع أولى خطواتها في
طريق الديموقراطية من خلال التعددية
الحزبية التي لا تستند إلى أسس طائفية
أو عرقية، ولكن جاءت ثورة يوليو وأوقفت
كل هذا المد، وحولت البلاد في عهد عبد
الناصر والسادات ومبارك إلى دولة
بوليسية تعادي الشعب وتفتح له
المعتقلات وتطارده بأجهزة المخابرات،
وحتى بعد أن سقط هذا النظام وظن
الكثيرون أن مصر مقبلة على عهد جديد
خاب ظن الكثيرين عندما رأوا أن البلاد
تدخل في جدل عقيم حول قضية واضحة
المعالم ولا تحتاج لأن يختلف الناس
حولها في إطار نظام ديموقراطي سليم. ويبدو المشهد العربي
في ضوء ذلك مشهدا يتسم بالفوضى والقصور
الفكري، ذلك أن المطلوب في هذه المرحلة
ليس تزاحم التيارات التي تريد أن تصل
إلى السلطة بل بدء التفكير في كيفية
إنشاء الدولة الحديثة. وفي ضوء ذلك لابد أن
يقلع الكثيرون عن التفكير بالأساليب
الطائفية والعرقية والعقدية بكون هذه
الأساليب لن تقيم نظام الدولة القويم،
وهو النظام الذي يحتاج إلى تفكير عريض
يستند إلى الأسس التي تبنى عليها الدول
الحديثة، ولا شك أن هناك نماذج كثيرة
في عالم اليوم يمكن الاستفادة منها مثل
النموذج البريطاني والنموذج الفرنسي
والنموذج الأمريكي، وهنا يجب أن يتوقف
التفكير التقليدي في العالم العربي
الذي لا يرى في النظم المتقدمة إلا نظم
استعمار واحتلال، إذ يجب أن تعرف
الشعوب العربية أن مواقف الدول
الغربية منها ليس بسبب رغبتها في
المصالح والتحيز فقط بل أيضا بسبب
الواقع العربي ذاته الذي يشجع على مثل
هذا التعامل، وقد رأينا في نموذج
مقاومة حماس للاعتداءات الإسرائيلية
دليلا على ذلك، إذ عندما صمدت حماس
وأدرك العالم أن صمودها سيكلف الطرف
الآخر كثيرا وقف العالم معها من أجل أن
ينهي تلك الحرب، وذلك ما يجب أن يحدث في
المواقف العربية كلها لأن حالة الضعف
والتشرذم السائدة في العالم العربي هي
التي تشجع على مواقف العالم الغربي من
العرب وتجعل الخصومة حاجزا دون إقامة
الدولة الحديثة في هذا المكان من
العالم، ولا شك أن الكثيرين يعتقدون أن
التغيير يعني فقط قلب أنظمة الحكم وذلك
خطأ كبير لأن العالم فيه النظم
الجمهورية والنظم الملكية وغيرها،
وليس المهم أن يكون الحاكم رئيسا أو
ملكا بل المهم أن يكون هناك نظام يحقق
الأسس الديموقراطية التي تحدثنا عنها،
وبالتالي يجب أن تكون المرحلة المقبلة
هي مرحلة التفكير السوي بحيث لا يصبح
مشروع إقامة الدولة الحديثة في العالم
العربي مشروعا محدودا في أذهان بعض
الأشخاص يسطرونه بأقلامهم في كتبهم،
لأن المطلوب هو أن يتحول المشروع إلى
واقع بحيث يحدث التغيير الحقيقي في
العالم العربي. ================= فايز سارة * الخميس ٢٩
نوفمبر ٢٠١٢ الحياة ثمة أوهام كثيرة
اليوم في امكانية ان يقوم كيان ما
بتمثيل السوريين بصورة حصرية وشرعية،
والاساس في هذه الاوهام تصور اصحابها
بأنهم يمكن ان يكونوا بديلاً من
السوريين كلهم او أكثريتهم، وهم في هذا
انما يستندون الى الظرف الاستثنائي من
حياة السوريين، ووقوعهم في ظل احداث
العشرين شهراً الاخيرة سواء اعتبروها
ثورة كما يقول المعارضون للنظام، او
مؤامرة كونية لها ادوات محلية من
السوريين، كما يصفها النظام وانصاره،
وهي الظروف التي يأمل كل السوريين
بالخروج منها، وفي الافق رؤيتان
متناقضتان، أولاها ترغب في انتصار
الثورة بما تمثله من اهداف تحقق الحرية
والكرامة والعدالة والمساواة، واخرى
ترغب في استعادة النظام لسلطته،
واعادة السوريين الى بيت الطاعة على
نحو ما كان عليه الوضع في آذار (مارس)
2011. والحق فإن الظرف
الحالي بما فيه من اختلافات وتناقضات
بين النظام ومعارضيه، يمثل بيئة تبين
بوضوح الاهم في مشكلة تمثيل السوريين.
فالنظام رغم كل ما فعله، ما زال يدعي
تمثيل السوريين جميعاً، وان كانت بعض
اوساط النظام في ظل وقائع انقسام
السوريين بين مؤيدين ومعارضين والحرب
بينهما، خففت قاعدة تمثيله الى قول، ان
النظام يمثل السوريين المؤيدين ولـ «الأكثرية»
التي تقف الى جانبه في مواجهة «المؤامرة
الكونية» وأدواتها من «الارهابيين» و
«الجماعات المسلحة». واذا كانت فكرة تمثيل
السوريين على هذا النحو عند النظام،
فإن فكرة التمثيل عند معارضيه، تبدو
اكثر التباساً وتعقيداً. ليس لأن
معارضي النظام، لم يعودوا يعترفون
بتمثيلية النظام ولو النسبية،
باعتباره نظاماً ساقطاً او في طريقه
للسقوط فقط، بل لأن المعارضين منقسمون
انقسامات متعددة، اذ هم في الواقع
موزعون ما بين معارضة سياسية، واخرى
عسكرية، وثالثة يعبر عنها الحراك
الشعبي بما فيه من فعاليات اهلية
ومدنية، وكل واحدة من هذه الانقسامات
في المعارضة فيها كتل واطراف، كما هو
حال المعارضة السياسية، التي وان قدمت
تكوينها الجديد والاوسع مؤخراً تحت
اسم الائتلاف الوطني السوري، فان فيها
كتلاً رئيسية، يدعي اثنان، ان كل منهما
يمثل اغلبية المعارضة، وهذه اشارة الى
المجلس الوطني السوري وهيئة التنسيق
الوطنية، واســـتناداً الى هذا
الادعاء، يمد كل منهما اذرعه الى
المعارضة العسكرية والى الحراك
الشعبي، ويحاول كل منهما القول، ان
لديه قاعدة اوســـع للتمثيل الشعبي في
سورية. لقد ساد في الفترة
الماضية من عمر ثورة السوريين، وهم
تمثيل السوريين لدى هيئة التنسيق عند
تأسيسها اواسط العام 2011، ثم تكرر ذلك
لدى المجلس الوطني بصورة اكبر عند
تأسيسه في خريف العام نفسه، بل ان
الوهم تزايد عند الاخير بسبب ما احيط
بتأسيسه من اضواء اعلامية وتصريحات
اثبتت انها غير ذات جدوى ولا صدقية،
ارتبطت بتقصير عملي وسياسي في اداء
المجلس الوطني السوري باعتباره «ممثلاً»
للشعب السوري وفق ما ردده البعض في
المجلس وخارجه. وعلى رغم تقصيره،
حاول المجلس الوطني ان يتقمص دور ممثل
الشعب السوري في الاصرار على ضرورة
انضواء الآخرين تحت لافتته ووفق
توجهاته، واعتبر اي جهد خارجه او
ملاحظات على سياساته وسلوكيات قياداته
بمثابة مؤامرة ضده وضد الثورة، ولم
تنفع النداءات والاصوات التي ظهرت
داخل المجلس او خارجه في تغيير نظرة
المجلس لنفسه ولعلاقاته الخارجية في
مستوياتها السورية والخارجية، وهو
الامر الذي يفسر تصريحات ساخنة ضد
اطراف سورية وخارجية، صدرت عن بعض
اركان المجلس في اعقاب اطلاق رياض سيف
النائب السوري السابق المبادرة
الوطنية التي حازت على تأييد ملحوظ في
المستويين السوري والدولي، لانها كانت
تعني ايجاد تعبير سياسي تمثيلي يتجاوز
المجلس الوطني ويحتويه. ولعل ذلك دفع المجلس
الوطني في اجتماعات الدوحة الاخيرة
لتحسين وضعه التمثيلي عبر خطوتين
اثنتين اولاها اعادة هيكلة المجلس
واجراء اصلاحات داخلية فيه من جهة،
والثانية قيامه تحت ضغوطات كبيرة
بالانضمام الى الائتلاف الوطني السوري
المطور عن مبادرة النائب سيف، وحصوله
على موقع مميز داخله في محاولة لتعزيز
حضوره وقوته داخل الائتلاف الجديد. وعلى رغم ان تشكيل
الائتلاف الوطني السوري، بما اعلنه من
توجهات، وما احتواه من كتل وقوى وناله
من دعم عربي ودولي، يجسد المحاولة
الاهم في سعي السوريين لإبراز تمثيل
لهم، فإن من الخطأ اعتباره الممثل
الشرعي والوحيد للشعب السوري، والامر
في هذا لا يتصل بالمخاوف التي تحيط به
من حيث احتمال سيره على طريقة المجلس
الوطني او هيئة التنسيق، وهي مخاوف
مشروعة. بل يتصل ايضاً بأمرين اثنين
ينبغي ان يثبتهما المجلس، اولهما
السعي الجدي لاستيــعاب ما هو خارجه من
فعاليات وقوى سياسية وعسكرية وحراك
شعبي في الداخل، والثاني وضع
استراتيجية تستجيب بالفعل لمصالح
الغالبية السورية وثورتها من دون ان
يغفل ملاحظة اوضاع السوريين خارج
الغالبية، وان يكرس هذه الاستراتيجية
في سياسات مباشرة وعملية، لا ان تكون
افكاراً على ورق. ولعله من الحق القول،
ان فرصة تشكيل الائتلاف الوطني في
بنيته وبيئته، تستحق الدعم والمساندة
ليأخذ الائتلاف دوره في السعي الى
معالجة الاوضاع في سورية وتحقيق مطالب
السوريين في وقف القتل والدمار
والانتقال من الاستبداد الى
الديموقراطية بأقل قدر ممكن من
الخسائر، واعادة بناء البلاد وطناً
لكل السوريين وبمشاركتهم، وهذا وحده
سوف يساهم في ولادة كيان تمثيلي شرعي
للسوريين، اما ان يكون ذلك الكيان
وحيداً، فاعتقد ان السوريين لا
يريدونه وحيداً في كل الظروف بفعل
تجربتهم المرة مع «البعث» الذي وضع
دستوراً ينص على ان حزب «البعث»، هو «الحزب
القائد في الدولة والمجتمع»، ولا في ظل
احتمال مجيء من يعتبر نفسه ممثل الله
في الارض، وما على السوريين سوى السمع
والطاعة. ================= علي حماده 2012-11-29 النهار في معلومات من دمشق،
ان القيادة العسكرية في النظام قررت
تقليص درجة الاعتماد على القوات
النظامية في الجيش من اجل القيام
بمهمات قتالية، اذ دلت التجربة خلال
الاشهر الاخيرة ولا سيما في الاسابيع
الماضية ان المهمات التي تكلف بها
القوات النظامية نادرا ما تحقق
اهدافها لاسباب كثيرة، وغالبا ما
تنتهي بإنشقاق العديد من الجنود
والضباط المتوسطي الرتبة. وفي
المعلومات ايضا ان النظام يستعين اكثر
بالميليشيات التي انشأها (الشبيحة)
وايضا بميليشيات "حزب الله" الذين
ارتفعت اعدادهم كثيرا في المرحلة
الاخيرة، وهم منتشرون في المناطق
المحيطة بدمشق ذات البيئة السكانية
العلوية او الشيعية او حتى المسيحية
والكردية، ويشكلون الدرع ما قبل
الاخير للنظام في دمشق. فخلف هؤلاء
تنتشر قوات فرقة الحرس الجمهوري
وحامية دمشق (اللواء ١٠٥)،
وتجري استعادة آلاف الجنود من الحرس
الجمهوري الى دمشق. بالفعل بدأت معركة
دمشق من دون اعلان رسمي. بالنسبة الى "حزب
الله" ارتفعت وتيرة التورط العسكري
المباشر ولا سيما في المناطق الى الغرب
من دمشق والتي تمتد لغاية الحدود مع
لبنان، هي تعتبر شريانا حيويا للحزب
وايران وترتبط بمخازن سلاح، وبتسهيلات
مطار دمشق الدولي. وفي مطلق الاحوال
وبالرغم من قدرات مقاتلي الحزب
وكفاءاتهم القتالية فالتقدير العام
انهم لا يشكلون وزنا يعتد به للتأثير
على المآل الاخير للصراع في سوريا.
فالصدام بين الثورة والنظام يتجاوز
طاقات "حزب الله". وكلما عادت جثث
مقاتلي الحزب الى البلدات والقرى في
البقاع والجنوب، سرت بلبلة اضافية في
البيئة الحاضنة لأنه مهما قيل في "الواجب
الجهادي"، يبقى على ارض الاخرين. ما تقدم يعيدنا الى
ما قاله النائب وليد جنبلاط اخيرا عند
تقديمه مبادرته الوفاقية، حيث دعا
فريقي الصراع السياسي في لبنان الى
تجنب الانغماس في ميدانيات الازمة
السورية. فأين "حزب الله" من نصائح
جنبلاط؟ علما ان فريق ١٤ آذار لا
يملك قدرات قتالية، ولو امتلكها فعلا
لكانت تغيرت امور كثيرة عندنا. قبل يومين اتصل بي
وزير "وسطي" قال: "لماذا تصرون
هكذا على استقالة الحكومة؟ فالحكومة
اشبه ما تكون بالمستقيلة وتصرف
الاعمال، والرئيس ميقاتي حرص على ان
يكون خلال توليه السلطة حاميا لتركيبة
المعارضة في الادارة. وقام سياسيا بكل
الخطوات التي كان ليقوم بها الرئيسان
الحريري والسنيورة". اجبت: "عزيزي
اوافقك الرأي بالنسبة الى تصريف
الاعمال. انتم الجزء الذي يصرف الاعمال
في الحكومة، ولا وزن لكم في مواجهة
الجزء الآخر الذي يحكم بالفعل وهو لا
يصرف الاعمال بتاتا. ومثال بسيط على ما
اقول، ان "حزب الله" طيّر طائرة
"ايوب" مباشرة بعد "اعلان بعبدا"
حول مرجعية الدولة للسلاح، وفي الوقت
نفسه اعلن عن "الواجب الجهادي " في
سوريا فألغى بند تحييد لبنان عن ازمة
سوريا". في الخلاصة : ان "حزب الله"
الى مزيد من التورط بدماء السوريين، و"الوسطية"
الى المزيد من التنظير الاكاديمي. ================= عبد العزيز
الخيِّر ورفيقيه... سلاماً فايز سارة السفير 29-11-2012 مضى شهران على غياب
عبد العزيز الخير واثنين من رفاقه،
وليس من خبر او علم يطمئننا انهم بخير،
وهذا قلق اضافي، ينبع من ظروف غياب عبد
العزيز ورفيقيه اياس عياش وماهر طحان،
وكان الثلاثة في سيارة تحملهم من مطار
دمشق الدولي باتجاه قلب العاصمة دمشق
وصولاً الى عائلاتهم التي كانت
بالانتظار. ولقوات الامن
السورية حضور قوي وشديد الفعالية على
طريق المطار المصنف بين اهم المناطق
الامنية في سوريا، وهي تنشر حواجزها
على امتداد طريق المطار وعلى
التقاطعات الرئيسية فيه بحيث يصعب على
اي كان القيام بخرق امني في هذه
المنطقة، التي اعتقل فيها الرجال
الثلاثة دون اي اعلان من جانب السلطات
على نحو ما جرت العادة. وعندما تتالت
الاسئلة للاجهزة عن اعتقالهم، نفت ان
يكون الرجال الثلاثة قد اعتقلوا،
والنفي سياسة ثابتة في سلوكيات
الاجهزة الامنية، وهو احد متممات
سياسة الاعتقال وتوابعها. الرجال الثلاثة،
قياديون في هيئة التنسيق الوطنية لقوى
التغيير في سوريا، وهي تكتل سياسي علني
معارض، يجمع احزاباً وجماعات وشخصيات
من اتجاهات متعددة ومتنوعة التلاوين
في الواقع السوري، وفيهم من القوميين
العرب مثل الاتحاد الاشتراكي الى
القوميين الاكراد كما هو الاتحاد
الديموقراطي الكردي وصولا الى تنظيمات
ليبرالية ويسارية بينهم حزب العمل
الشيوعي وغيرهم. اثنان من الرجال
الثلاثة اضافة الى المنسق العام
للهيئة حسن عبد العظيم، كانوا في وفد
لهيئة التنسيق عائد من زيارة للصين في
اطار مساع هدفها البحث عن معالجات
سياسية للازمة التي تطحن البلاد منذ
نحو عامين، وكلفت سوريا خسارات بشرية
ومادية كبيرة. وزيارة وفد الهيئة للصين
جزء من جهود البحث عن حل سياسي للازمة
مع حليفين آخرين للنظام في دمشق، هما
روسيا وايران، وتم التباحث معهما مرات
في دمشق وكل من موسكو وطهران في العام
الماضي، لكن المحصلة النهائية لكل
الجهود لم تثمر بسبب تدني محتوى
مبادرات الوسطاء الثلاثة مقابل
المطالب الشعبية، ونتيجة تشدد النظام
في دمشق وانحيازه النهائي الى خيار
الحسم الامني ـ العسكري للصراع القائم.
عبد العزيز الخير، هو
احد المساهمين الاساسيين في تأسيس
هيئة التنسيق الوطنية، التي اعلنت في
حزيران 2011 بعد ثلاثة اشهر من الحوار
بين اطراف كثيرة من المعارضة السورية،
وهي لم تكن تجربته الوحيدة في المشاركة
في تجارب هدفها خلق تحالفات سياسية
لجماعات معارضة، فقد كان الرجل احد
المشاركين في اعلان دمشق للتغيير
الوطني الديمقراطي المعارض في العام
2005، وتم انتخابه في مركز قيادي في
اعلان دمشق قبل ان يغادره في العام 2008،
كما ساهم في اقامة تجمع اليسار
الماركسي في سوريا (تيم) في ربيع العام
2007، حيث ضم عددا من التنظيمات
والجماعات اليسارية والشيوعية. وجهود عبد العزيز في
العمل ضمن التكتلات والتحالفات
السياسية، انما هي ثمرة تجربة طويلة من
العمل السياسي بدأت في اواخر
السبعينات في انضوائه في حزب العمل
الشيوعي، وقد صار احد ابرز قيادييه
وخاصة في المجال الاعلامي والدعاوي،
قبل ان يعتقل بعد ملاحقات امنية تجاوزت
السنوات العشر، وحكم عليه بالسجن لمدة
اثنين وعشرين عاماً، امضى منها ثلاثة
عشر عاماً قبل ان يطلق سراحه في العام
2005 بموجب عفو رئاسي. ولعل الاهم في تجربة
عبد العزيز اثناء فترة اعتقاله قدرته
على ان يفرض نفسه طبيباً في السجن وهو
حدث استثنائي في تاريخ السجون
السورية، إذ استطاع كطبيب، ان يقنع
ادارة السجن الذي كان معتقلاً فيه
بتحويل احدى الزنزانات الى عيادة طبية
تقدم الخدمة للسجناء، وفي تلك التجربة
قدم خدمات لما يزيد عن مائة الف حالة
مرضية من خلفيات ايديولوجية وسياسية
مختلفة ولسجناء قضائيين مختلفين. عبد العزيز الخير
بدوره في العمل العام وبقدراته التي
وظفها من اجل خدمة مجتمعه، يمثل
نموذجاً للانسان الذي تحتاجه سوريا في
محنتها الراهنة وفي التحديات التي
تواجهها، حتى ولو اختلفت جماعات
وشخصيات مع بعض آرائه ومواقفه
السياسية، التي يتشارك فيها مع رفيقيه
اياس عياش وماهر طحان وجميعهم يستحقون
الحرية والكرامة، والنظام الديمقراطي
البديل الذي يصر السوريون ويسعون من
اجله دون كلل او ملل. كاتب سياسي ـ سوريا ================= الأزمة السورية
تفاقم انقسامات العراق بول سالم * الخميس ٢٩
نوفمبر ٢٠١٢ الحياة بعد مرور نحو عشر
سنوات على سقوط نظام صدام حسين وسنة
على انسحاب القوات الأميركية، لا يزال
العراق يجهد لإرساء الاستقرار السياسي
فيه وبناء أمنه الوطني. كما لا تزال
الخلافات في ما يتعلّق بالفدرالية
وإدارة موارد النفط والغاز، والسيطرة
على القوات المسلحة، فضلاً عن
التوترات على الخطّين الكردي-العربي
والسنّي-الشيعي، على أشدّها. وجاءت
الانتفاضة السورية على نظام الأسد
لتزيد الأزمة العراقية سوءاً. صحيح أن حكومة
المالكي لا تكنّ ودّاً للنظام السوري،
إلا أنها تخشى أن يؤدّي صعود حكومة
يسيطر عليها السنّة في دمشق إلى تقوية
سنّة العراق في الأقاليم الشمالية
والغربية، وربما إلى صراع متجدّد
للسيطرة على بغداد. صحيح أن الحكومة لم
تُبدِ المقدار نفسه من الدعم العلني
للأسد الذي أبدته كلٌّ من إيران وحزب
الله، حيث التقى المالكي أعضاء من
المعارضة السورية وأقرّ بالحاجة إلى
إجراء تغيير دستوري في سورية، إلا أنها
امتنعت عن التصويت في الجامعة العربية
في العام 2011 لتعليق عضوية سورية،
وعارضت إطاحة النظام السوري بالقوة.
ولكن الأهمّ أن بغداد شكّلت مصدراً
مهماً للدعم المادي لنظام الأسد، إذ
فتحت مجالها الجوي أمام الطائرات
الإيرانية لنقل المساعدات إلى النظام
في سورية، وسمحت للشاحنات بنقل
الإمدادات من الحرس الثوري الإيراني
إلى سورية عبر العراق. كما وقّع العراق
على اتفاق لمدّ سورية بوقود الديزل
الذي هي في أمسّ الحاجة إليه. هذه السياسات أسفرت
عن مشكلات بين بغداد وواشنطن من جهة،
وبين بغداد وكلٍّ من أنقرة ومجلس
التعاون الخليجي من جهة أخرى، كما
قرّبت بغداد أكثر من إيران، وهو وضع
غير مريح للمالكي. فهذا الأخير يعرف
أنه ليس الزعيم السياسي الشيعي
العراقي المفضّل لدى إيران (إذ شكّل في
انتخابات العام 2010 لائحة منفصلة عن
اللائحة المدعومة من طهران)، وهو يخشى
أن تكثّف طهران جهودها للسيطرة على
العراق، فيما نظام الأسد يضعف، الأمر
الذي يؤدّي في نهاية المطاف إلى تقويض
موقعه السياسي الداخلي. لقد وقّعت
بغداد اتفاقيات عسكرية مع الولايات
المتحدة وهي تنظر في إمكانية شراء
معدات عسكرية من روسيا، ناهيك عن أن
المالكي يهيمن الآن على جيش مؤلّف من 350
ألف جندي. لكن مع أن رئيس الوزراء أرسى
هيمنة سياسية قوية في وزارات الدولة
ومؤسساتها، إلا أنه عجز عن بناء ائتلاف
سياسي وطني يضمّ كلاً من الأكراد وعرب
العراق السنّة، فيما الأزمة السورية
لا تؤدّي سوى إلى مفاقمة التوتّر مع
هذين الطرفين. لقد أبدى الرأي العام
في المحافظات العراقية الشمالية
والغربية، السنّية في الغالب، دعماً
كبيراً للانتفاضة السورية ضدّ نظام
الأسد. كما أنه يجري نقل المقاتلين
والإمدادات من محافظة الأنبار إلى
سورية. وقد أعلنت بعض المجموعات
المسلّحة داخل العراق عن إنشاء جيش
عراقي حرّ على غرار الجيش السوري الحرّ.
فضلاً عن ذلك، يشعر العديد من العرب
السنّة بأن حكومة المالكي تهمّشهم،
ويبدون استياءهم إزاء ما يعتبرونه
احتكاراً شيعياً للسلطة في بغداد.
ولذلك هم يراهنون على أن سقوط نظام
الأسد وقيام حكومة جديدة بقيادة سنّية
في سورية، سيعزّزان نفوذهم في العراق
إلى حدّ كبير ويتيحان لهم السعي مجدداً
إلى الحصول على حصة أكبر من النفوذ في
السنوات المقبلة. إضافةً إلى ذلك،
عزّزت الأزمة طموحات الأكراد في
العراق، ففيما نظام الأسد يضعف، يبسط
الأكراد في سورية سيطرتهم على مناطقهم
التي أصبحت تتمتّع بحكم ذاتي فعلي الآن.
وقد تحقّق ذلك بمساعدة حزب العمال
الكردستاني ودعم السلطة الكردية في
أربيل برئاسة مسعود برزاني، فها هم
أكراد العراق يتطلّعون لأول مرة إلى
منطقة كردية أخرى ذات استقلال ذاتي،
الأمر الذي يعزّز نفوذهم، إذ يعني أن
نموذج الحكم الذاتي الإقليمي الكردي
ليس حكراً على العراق، بل يمكن أن
يُستنسَخ في سورية، وربما في تركيا
وإيران يوماً ما أيضاً. كما أن هذا
الواقع يذكي بلا شك طموحات الذين لا
يزالون يضعون الاستقلال الوطني الكردي
التام نصب أعينهم على المدى الطويل. وتتّسم المنطقة
الكردية السورية بأهمية خاصة بالنسبة
إلى أربيل، لأن أكراد سورية –وبالتعاون
مع المجموعات التركمانية في شمال
سورية– يقاتلون غرباً لضمان منفذ إلى
البحر المتوسط في الممر بين الجزء
الشمالي من المنطقة العلوية وبين
الحدود السورية مع تركيا جنوب أنطاكيا.
ومن شأن هذا المنفذ الكردي إلى البحر،
أن يوفر لأربيل -وأي كيان كردي مستقبلي
آخر- مدخلاً استراتيجياً مهماً إلى
البحر. صحيح أن هذه الطموحات
الكردية الصاعدة تثير المخاوف في
أنقرة، إلا أن حكومة رئيس الوزراء رجب
طيّب أردوغان أرست علاقات اقتصادية
وسياسية متينة للغاية مع أربيل، وبدأت
تنظر إلى حكومة إقليم كردستان في شمال
العراق باعتبارها حليفاً في وجه حكومة
المالكي التي تربطها بأردوغان علاقات
سيئة للغاية. بعبارة أخرى، تشعر أربيل
أن التطورات في سورية وعلاقاتها
المتينة بتركيا أعطتها زخماً، الأمر
الذي حسّن موقعها التفاوضي إزاء حكومة
المالكي في بغداد. والواقع أن التوترات
بين بغداد وأربيل طفت على السطح في شكل
اشتباكات مفتوحة في أواسط تشرين
الثاني (نوفمبر) الحالي، وتطلّبت إبرام
اتفاقية أمنية عاجلة الإثنين الماضي
بين المسؤولين العسكريين الفدراليين
والأكراد، تضمّنت تشكيل لجان أمنية
مشتركة والعمل على تجنُّب اندلاع مزيد
من القتال. فضلاً عن ذلك، لم
يصبح الوضع العام أكثر سهولة مع عودة
عشرات آلاف اللاجئين العراقيين من
سورية التي فروا إليها خلال السنوات
الماضية، ومع تدفُّق أكثر من 50 ألف
لاجئ سوري إلى الأراضي العراقية. لقد
نظّمت حكومة المالكي رحلات منتظمة
لمساعدة العراقيين على العودة إلى
وطنهم، لكنها حاولت إغلاق الحدود في
وجه المزيد من اللاجئين السوريين،
لأنها خشيت أن يكون معظم هؤلاء من
السنّة الداعمين للمتمردين السوريين
والذين قد يناصبون حكومة بغداد العداء. والواقع أن النزاع في
سورية جعل من إمكانية حل النزاعات
الداخلية العراقية أمراً صعباً للغاية
في المستقبل القريب، فمستوى الثقة بين
مختلف الأحزاب كان قد وصل أصلاً إلى
أدنى مستوياته، والنزاع في سورية لم
يؤدّ سوى إلى تشدد المواقف، فتردّ
حكومة المالكي على المخاوف من
التطورات السورية باتخاذ مواقف أكثر
حدة، فيما يشعر معظم السنّة والأكراد
أن مواقعهم ستتعزز من حصيلة الصراع في
سورية وسقوط نظام بشار الأسد، وهم
بالتالي يفضلون انتظار هذه الحصيلة
قبل أن يعودوا إلى طاولة المفاوضات مع
بغداد، أو إلى ما هو أخطر: ساحة المعركة. ================= أكراد سورية مع
ثورة الشعب... أم ضدّها؟ عبدالوهاب
بدرخان * الخميس ٢٩
نوفمبر ٢٠١٢ الحياة تحتاج الثورة
السورية الى مساهمة الأكراد، وهم
يحتاجون الى تفهّم الثورة لمطالبهم.
كان الشباب الكرد سبّاقين الى التواصل
مع التنسيقيات واعتماد هدف اسقاط
النظام، خلافاً للقوى السياسية التي
أغرقت نفسها في حسابات كردية - كردية أو
كردية - اقليمية وراحت تقيس الى ما لا
نهاية احتمالات الاقتراب من/
والابتعاد من النظام تارةً أو
المعارضات «العربية» تارةً اخرى. لم
ترضِها تركيبة «المجلس الوطني» لأنها
رأت هيمنة لـ «الإخوان المسلمين»
عليها، ولا صيغة «الائتلاف الوطني»
لأنها لا تزال تجد مسحة اسلامية غالبة.
وفيما كان أكراد العراق موسوسين بكل ما
تُشتمّ منه رائحة «قومية عربية»، يبدو
أن أكراد سورية أضافوا التوجس من كل ما
هو «اسلامي» بعدما اتيح لهم أن
يتعرّفوا الى البدايات المتعثرة
والمقلقة لـ «الاسلام السياسي» في مصر
وتونس، لكن تماسهم مع غالبية سوريي
الثورة لا بد من أن يوضح لهم حقيقة أنها
ليست منتظمة أيديولوجياً، لا في «الأخوَنة»
ولا في «التسلّف»، بل إن قسوة النظام
ووحشيته دفعتاها الى الاستيعاذ بالله
من الشيطان الرجيم. لعل التشرذم الذي
ظهرت عليه المعارضة السورية لم يشجّع
الكرد على الاندفاع المتوقع منهم الى
مساندة الثورة، أو شكّكهم بإمكان
انتصارها، اذ إنهم ذاقوا الأمرّين من
ممارسات النظام منذ بدايات تهميشهم
والشكّ بولائهم أواخر أربعينات القرن
الماضي، مروراً بحقبة حافظ الأسد التي
شهدوا فيها أسوأ الانتهاكات لحقوقهم
القومية والانسانية (هجمة التعريب،
مصادرة الأراضي، نقل السكان العرب لـ «تخليط»
مناطقهم، وإحاطتهم بـ «حزام عربي»،
والفصل بينهم وبين موطنهم وذويهم عبر
الحدود مع تركيا، فضلاً عن حجب
الجنسية، وعدم الاعتراف بلغتهم،
وحرمانهم من التملّك، واستبعادهم عن
أي وظائف...)، وصولاً الى البطش بهم في
القامشلي والجزيرة خلال أحداث 2004. غير
أن أسباب تشرذم المعارضة «العربية»
تكاد تكون هي نفسها أسباب تشرذم «المعارضة
الكردية»، وتستدعي تفهماً متبادلاً،
وصولاً الى تسويات واجبة. فالكرد ليسوا
جسماً واحداً وإنْ حاولوا توحيد
صفوفهم واستبعاد أي مواجهات بين
تنظيماتهم. ومن الواضح أن كردستان
العراق باتت قِبلتهم ومثالهم وملاذهم،
ففي تموز (يوليو) الماضي كان لاجتماعهم
في اربيل، وبرعاية رئيس الاقليم مسعود
بارزاني، تأثير حاسم في تحديد
استراتيجيتهم للتعامل مع التحوّل
السوري. غير أن النفوذ البارزاني على «المجلس
الوطني الكردي» لا يشمل «حزب الاتحاد
الديموقراطي» المعروف بأنه فرع سوري
لـ «حزب العمال الكردستاني» بزعامة
عبدالله اوجلان ويعمل بإمرة نظام دمشق. في كل لقاءات الخارج،
مع قادة «المجلس الوطني» أو مع الهيئات
الاخرى المعارضة، فاجأ الأكراد أو
صدموا «الجانب العربي»، كما يسمّونه،
برفض مبكر لصفة «العروبة» التي أسبغها
الآخرون بعفوية الموروث الثقافي على
وطنهم السوري المستقبلي. وجد الكرد أن
الإصرار على هذه الصفة يحمل كل المخاطر
على احتمالات الاعتراف بهويتهم
وحقوقهم، ثم حدسوا لاحقاً بأن العروبة
المتأسلمة كفيلة بأن تطيح حلم «الدولة
الديموقراطية المدنية» الذي راود كل
ثورات الخلاص من الأنظمة المستبدّة. قد
يكونون محقّين في مخاوفهم، ولعلهم
مبالغون، فكما أنهم يهجسون بـ «عقدة
الهوية» التي يولدون ويعيشون معها،
كذلك يعاني الآخرون شيئاً من هذه
العقدة، فلا يمكن مثلاً إقناعهم بـ «العلمانية»
كما ينادي بعض الكرد. هذا لا ينفي أن كل
تجارب الأنظمة القومية أو مدّعية
القومية أو ماسخة القومية، بأنماطها
الناصرية والبعثية و «القذافية»، وعلى
رغم توافقاتها وأحلافها ومناحراتها،
التقت في النهاية على نمط واحد من
الحكم التسلّطي - الأمني غير الآبه بحق
المواطنة ولا بـ «دولة القانون» ولا
بأبسط الحقوق الانسانية. أما ورثتها من
الأنظمة المبنية على سرقة انتفاضات
الشعوب وامتطائها، فلا تبدو سوى
مشاريع لإعادة انتاج الاستبداد تحت
العباءة الدينية. استُهلك وقت طويل في
النقاش حول ما يمكن أن يتعهده «عرب»
سورية لـ «مواطنيهم» الكرد في نظام ما
بعد الاسد. كان «تقرير المصير» ولا
يزال عنواناً تختبئ تحته كل النيات
الحسنة والسيئة، واقتُرحت له صيغ
للتوفيق، وكأن المسألة تقتصر على مجرد
عبارات مقبولة في برنامج سياسي أو بيان
اعلامي، أو كأن «العربي السوري» مفوّض
إذ يُسأل الآن أو مخوّل إعطاء «الكردي
السوري» حقوقاً لم يكن له رأي أصلاً في
مصادرتها، فكل ما يستطيعانه واقعياً
وبنزاهة أن يتوافقا على مبادئ حاكمة
لعلاقات مواطنة متساوية بين كل
مكوّنات المجتمع، بل لا بدّ من إثبات
الاعتراف الدستوري بحقوق الكرد في
اطار سورية موحّدة وديموقراطية. لكن
النقاش العقيم كان مجرد استكشاف
متبادل للنيات، فلم يعرض فيه الكرد
طموحاتهم صراحةً سواء كانوا يريدون «حكماً
ذاتياً» أو «فيديرالية» وفقاً للنموذج
العراقي. وقد اختصر أحد المعارضين «العرب»
الموقف بقوله: الكرد غير واضحين،
وتقديري أنهم يريدون أن نوقّع لهم على
وثيقة قبول بانفصال «محافظاتهم»، لا
أحد منّا يستطيع ذلك. وفي الواقع، لم تكن
أفضل الصيغ التوافقية لتقنع الأكراد
بانخراط أكثر التزاماً بالثورة،
لماذا؟ لأن قرارهم الحقيقي كان ولا
يزال الحفاظ على أنفسهم وعلى أمنهم
وعدم التسبب بتحويل مناطقهم حقول قتال
أو أهدافاً سهلة لوحشية النظام. هذا ما
فهم من لقاء اربيل الذي توصل الى تخفيف
التناقض على الأرض بين أحزاب «المجلس
الكردي» و «حزب الاتحاد». لكن هذا
النأي بالنفس عن مسار الثورة، وبالأخص
بعد انجازاتها العسكرية، تناقض جذرياً
مع ما اتّبعه «الاوجلانيون» حين
سلّمتهم قوات النظام، في خطوة منسّقة،
مناطق كردية حدودية ليباشروا منها في
المقابل حربهم الخاصة ضد تركيا،
وأيضاً لخلق أسبابٍ للصدام بين مقاتلي
هذا الحزب و «الجيش السوري الحرّ» في
سعيه الى توسيع السيطرة أو تثبيتها.
ولو كان الأكراد مساهمين في الثورة،
لما برزت تمايزات بين منطقة متاحة لـ «الجيش
الحر» أو ممنوعة عليه، ولما حصلت
مواجهات دامية في مناطق مختلطة، كما في
حلب. لكن الأهم أن النأي بالنفس انطوى
على مخاطرتين: اذ أشاع انطباعاً بأن
مناطق الكرد باقية مع النظام وغير
مرشحة للخروج عن سيطرته، ثم إنه أضعف
حجج «المجلس الوطني الكردي» في سعيه
الى ضمانات تتعلق بالمستقبل. فكيف لمن
لا يساهم في إسقاط النظام أن يفرض
مطالبه على النظام التالي. في الأسابيع
والأيام الأخيرة تعددت الصدامات «العربية
- الكردية»، ما استوجب تأسيس «الجيش
الكردي الحرّ» للتنسيق مع «الجيش
السوري الحر»، وهذه خطوة لازمة
وضرورية بمقدار ما أنها تعني بروز
التأثير «العراقي» في الواقع الكردي
السوري، وبداية الخروج من «النأي
بالنفس» للانتقال الى دور أكثر
ديناميكية في مسار إسقاط النظام. أضف
أن «الائتلاف» الجديد أفرد لهم منصباً
قيادياً لم يقرروا إشغاله بعد. اذا كان أكراد سورية
يسترشدون بالنموذج العراقي، فالأكيد
أنهم مدركون ريادة أكراد العراق العمل
لإسقاط نظام صدّام حسين، انطلاقاً من
الاعتراف الدولي بمنطقتهم «الآمنة»،
وكيف حددوا مطالبهم وخاضوا حوارات
وخصامات مع أطراف المعارضة ومع القوى
الدولية قبل أن ينتزعوا الموافقة على «الفيديرالية»
التي قادتهم الى وضعية «دولة مستقلّة»
تنتظر حسم مصير المناطق المتنازع
عليها لإعلان انفصالها. وحين تسأل
أوساط المعارضة «العربية» تأتيك
الاجابة بأن الكرد السوريين لم يطرحوا
مطالب واضحة بل يدفعون بصيغ غامضة.
وحين تسأل أوساطاً كردية تلمس أنهم
يعتبرون الوصول الى وضعية كردستان
العراق ذاتها طموحاً مشروعاً ومنصفاً
لإنهاء الظلم التاريخي الذي أُنزل بهم
لدى رسم خرائط «سايكس – بيكو»، إلا
أنهم مدركون أن «كردستان سورية» لا
تتمتع حالياً بمقوّمات تؤهلها لأكثر
من ادارة ذاتية، وهذه قد تكون مقبولة
مبدئياً ضمن لا مركزية ادارية عامة.
إلا أنها، باستثناء منطقة الجزيرة
المتاخمة لكردستان العراق وشبه «النقية»
إثنياً، عسيرة التطبيق في مجمل
المناطق التي يعتبرونها «خاصّتهم»
تاريخياً بالنظر الى عدم تواصلها
جغرافياً ووجود «جيوب عربية» كبيرة
فيها. أضف أن الهيمنة التي يمارسها «الاوجلانيون»
حالياً لا تبدو مساعدة كردياً أو
سورياً أو تركياً أو دولياً على تولّي
الكرد حكماً ذاتياً حتى لمناطقهم. وسبق
للأميركيين أن أكدوا لممثلي اكراد
سورية أن لا وعود ولا ضمانات لديهم
لتكرار تجربة كردستان العراق في
سورية، وأن الأولوية الآن هي لتأمين
مرحلة انتقالية إما بتسوية سياسية اذا
وافق النظام على التنازلات المطلوبة
وإما بالعمل على إسقاطه بتفعيل
الانجازات الميدانية للثوار. وفي
المرحلة الانتقالية ستضغط اميركا
لضمان حقوق جميع الاقليات، بمن فيهم
الكرد. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |