ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم 02-12-2012 الرياض
السعودية التاريخ: 02
ديسمبر 2012 يبدو أن دمشق بدأت
تدخل حصار الجيش الحر، وأن جيش النظام
يعيش حالة التسيب والشتات، لأن الدولة
بدأت تتداعى أمام إرادة لم تكن تضعها
في احتمالاتها وتقويمها للوضع، طالما
كان العناد وكبرياء القوة، والاعتماد
على الداعم الخارجي على حساب القاعدة
الوطنية، هي التي قادت سرعة التحولات
لصالح الخصم ضد السلطة.. القتلى بعشرات
الآلاف وقريب من تعدادهم من شردهم
النظام أو سجنهم لكن إذا كانت دمشق آخر
ملاذات السلطة، وأصبحت في مرمى الجيش
الحر، ما هو التصرف الذي سيقود الأسد
للنجاة، هل التنازل عن الحكم طريق
وحيد، والقبول بكل شروط المعارضة، أم
الحرب إلى آخر قطرة دم له؟ وفي حال
اختار اللجوء أو الهروب، ما هي الوسيلة
التي ستنقذه من قبضة المعارضة، طالما
أصبحت لبنان شبه مغلقة، وليس بقدرة حزب
الله تأمين حمايته واستضافته، كذلك
الأمر بالنسبة للأردن، لا تستطيع
المجازفة بقاتل مدمر لبلده أن يحل
ضيفاً ثقيلاً عليها ثم تعارض تسليمه
لمطارديه، لأنها ترتبط بعلاقات مع
كيان بلد وليس مع شخص بدأت رحلة
انهياره قريبة؟ منفذ العراق هيمن
عليه معارضو النظام وقد يكون القنطرة
التي توصل الأسد وحاشيته لإيران، وحتى
في هذه الحال فإيران عاملته سابقاً
كحليف يمرر أهدافها ورئيس دولة يهيمن
على قرارها، لكن في حال لجوئه سيصبح
عبئاً سياسياً واجتماعياً، لأن أوراقه
احترقت بزوال نفوذه وقدرته على فرض
القرار! تركيا من جانبها في
حال نزاع مع النظام وساهمت في تعزيز
دور المعارضة سياسياً وعسكرياً،
ودخوله لها يعني تسليمه لمن سيحكم
سوريا لمحاكمته على جرائمه، وتبقى
روسيا آخر حلقات الأمل في الهروب
الآمن، لكن هل تجازف موسكو بتبعات
سياسة لا تدري كيف ستكون نتائجها في
إيواء رجل مطلوب لمحاكم جنائية وشرعية
بتسليمه لمحاكمته على جرائمه، وفي هذه
الحال هل تجني من جميع معارضاتها
واتخاذها الفيتو لصالح السلطة
وتسليمها فقط برأس الأسد واتباعها
لتجد أنها مأوى لرجل مطارد قد يجعلها
في موقف محرج عربياً ودولياً؟! بن علي اختار الهروب
لأنه قرأ المشهد التونسي، بأنه ثورة
شعب سوف تحاصره وتقبض عليه فآثر اتخاذ
قراره، وحسني مبارك أدرك ان سنه التي
تجاوزت الثمانين تمنع اعدامه وربما
كان يراوده ان المسألة وقت باستعادة
سلطته ليبقى بوطنه، والأمر مختلف مع
الرئيس اليمني علي عبدالله صالح الذي
لا يزال يحظى بحماية عناصر من قوى
داخلية، قبلت خروجه من السلطة ومعارضة
نفيه خارج اليمن، التماثل بين وضع
الأسد يبقى شبيهاً بواقع معمر القذافي
الذي أصر على الدفاع عن سلطته بقوة
مليشياته وسلاحها، لكن ما حدث من
انشقاقات وتدخل دولي انهى وجوده في
صورة مأساوية كوميدية سوداء قد
يستنسخها الشعب السوري للأسد؟ الأسد ما زال يملك
بعض القوة ولكن المعادلة بدأت تذهب إلى
الجيش الحر وعملية قطع الاتصالات في
الداخل السوري يطرح السؤال هل تريد
السلطة اخفاء تحركاتها عن العيون
الراصدة في تغيير الأماكن استعداداً
للهروب، لكن لأي جهة؟ ذلك ما ستكشفه
الأيام القريبة القادمة؟.. ================= حذار من
تحول سوريا إلى دولة فاشلة رأي المدينة الأحد 02/12/2012 ليس بوسع أحد التقليل
من خطورة التطورات التي تشهدها سوريا
الآن، حيث تتسارع وتيرة مشاهد القتل
الجماعي والتدمير الشامل للمدن
والمنشآت والمباني بشكل هستيري دونما
أي اعتبار لمئات الأرواح التي تزهق
وعشرات الملايين من الدولارات التي
تهدر يوميًا بما يضع هذا البلد العربي
الشقيق على حافة الانهيار، وهو ما دعا
المبعوث الدولي -العربي الأخضر
الإبراهيمي إلى وصف تلك التطورات
الأخيرة بأنها توشك أن تجعل من سوريا
دولة فاشلة بكل ما يحمله ذلك من مخاطر
وعواقب وخيمة ليس بالنسبة للشعب
السوري فقط، وإنما أيضًا بالنسبة
للمنطقة برمتها والسلام والأمن
الدوليين. ذلك أن تحول سوريا إلى دولة
فاشلة -لا سمح الله- يعني تفكك الدولة
ومؤسساتها وشيوع الفوضى وظهور لوردات
الحرب وقطاع الطرق ومروجي المخدرات
ومهربي الأسلحة والقناصة وعصابات
الخطف على الطريق. ومع الأسف فإن كثير
من تلك الصور أصبح بالإمكان مشاهدتها
الآن في مدن سوريا وريفها، خاصة في
الآونة الأخيرة حيث يوجد جزء كبير من
البلاد بلا اتصال بالعالم الخارجي، في
حين أجبر القتال الشرس، أمس الأول، على
إغلاق أكبر مطارات البلاد، وقطع
الإنترنت عن أكثر من 90 % منها، وهو ما
يعني في المحصلة أن النزاع وصل إلى
مستويات جديدة ومروعة من القسوة
والعنف على حد وصف السكرتير العام
للأمم المتحدة بان كي مون أمس الأول في
معرض مناقشة الأمم المتحدة للمسألة
السورية. لا شك أن سقوط حوالى 40 ألف
قتيل منذ بدء الأزمة السورية في مارس
2011 ونزوح قرابة نصف مليون لاجئ إلى
البلدان العربية المجاورة يدق ناقوس
الخطر لا سيما في ظل استمرار المجتمع
الدولي لزومه الصمت والعزوف عن اتخاذ
خطوات فعالة وحاسمة لوقف نزيف الدم
السوري الذي يزداد يومًا بعد يوم. توجه الولايات
المتحدة نحو الاعتراف بالائتلاف
الوطني السوري وزيادة الدعم المادي
لقوى المعارضة يعتبر خطوة جيدة، لكنها
ليست بالطبع كافية لوقف نزيف الدم
السوري ومعاناة شعبها، كما أن مؤتمر
أصدقاء سوريا المزمع عقده بمراكش في
وقت لاحق من هذا الشهر يعتبر خطوة جيدة
أخرى، لكنه مطالب هذه المرة باتخاذ
مواقف وقرارات أكثر فاعلية وحسمًا من
المؤتمرات الثلاثة السابقة. ================ لم يعد ثمة
مكانٌ اليوم لممارسات سياسية تتمحور
حول المناورات و(الكولسات) والمحاصصات
وتوزيعٍ الكراسي والمواقع دون إنتاجٍ
وعطاء وخدمةٍ حقيقية للثورة د. وائل مرزا الأحد 02/12/2012 المدينة يدرك الكثيرون أن
النظام السوري تعامل مع الثورة
السورية بعقلية الإنكار، وأنه لم يدرك
طبيعة التغييرات التي حصلت في المجتمع
السوري في السنوات الماضية، خاصةً
فيما يتعلق بشريحة الشباب تحديداً،
ومايمكن أن نسميه القوى الجديدة على
وجه العموم. من هذا المدخل، يمكن
اعتبار النظام (تقليدياً) بالمعنى
الشائع للكلمة. لكن المفارقة أن هذا
التوصيف ينطبق على آخرين في المجتمع
السوري، قد تكون فيهم شرائح تنتمي إلى
الثورة نفسها، خاصةً في صفوف
المعارضين السياسيين. ففي حين يعيش
البعض على وقع التاريخ، ويتحرك آخرون
على وقع الأيديولوجيا، تتجاوز القوى
الجديدة طرق التفكير والعمل التاريخية
والأيديولوجية، وتفرض تدريجياً
حضورها في كثيرٍ من مفاصل الواقع
السوري بجميع تجلياته الثورية
والسياسية والاقتصادية، بعد أن أشعلت
الثورة ووصلت بها إلى ماهي عليه الآن. لم يعد ثمة مكانٌ
اليوم لممارسات سياسية تتمحور حول
المناورات و(الكولسات) والمحاصصات
وتوزيعٍ الكراسي والمواقع دون إنتاجٍ
وعطاء وخدمةٍ حقيقية للثورة. وإذا كانت
ظروف المرحلة الأولى من الثورة
السورية قد سمحت بطغيان هذه الطريقة في
التفكير والعمل السياسي، وسمحت
لأصحابها بتصدّر المواقع، فقد بلغت
القوى الجديدة مرحلةً من النضوج
والإدراك والقوة لم يعد ممكناً معها
السماح باستمرار المعادلة السابقة. ولايمكن لسوريا
الثورة أن تعيش إلى مالانهاية على
عقلية الرموز التاريخية. فرغم تقدير
الجميع لعطاء هذه الرموز وتضحياتها،
سيكون من الظلم لها ولسوريا أن نحاصر
حاضر البلد ومستقبلها في هذا المفرق.
فالمواقع الجديدة تتطلب كثيراً من
الديناميكية والحيوية والإبداع
والحركة بلغة العصر وأدواته. والقوى
الجديدة مؤهلةٌ بقوة لامتلاك تلك
الآليات والتصدي للمواقع المطلوبة ثم
ملئها بكل أهليةٍ واقتدار. وسيكون معيباً في
مسار الثورة أن تتقوقع بعض القوى
السياسية في إطاراتها التنظيمية
الأيديولوجية. يقول العرب أن لسان
الحال أبلغ من لسان المقال. وحين تغرق
بعض هذه القوى، وخاصةً حين تكون شبابية
وثورية وترفع شعارات التقدمية، في
ممارسات توحي بقدرٍ كبيرٍ من (البارانويا)
تجاه المكونات الأخرى، وتجاه المكون
الإسلامي بكل شفافيةٍ وصراحة. حين يحصل
هذا، يُصبح من المثير للقلق وخيبة
الأمل أن تقف هذه الشريحة الطلائعية في
هذا الموقف الغريب.. لكي لانصفه بصفةٍ
أخرى. خاصةً أن هذا الواقع يظلمها قبل
أي شيءٍ آخر ويظلم أصحابها وشعاراتهم
التقدمية.. وكما ذكرنا سابقاً:لكل
دهرٍ دولةٌ ورجالُ. هذا مثلٌ عربيٌ
معروف يُعبّر عن أحد قوانين الاجتماع
البشري السائدة في كل زمانٍ ومكان.
وإذا كان هناك زمنٌ سوريٌ يمكن أن
ينطبق عليه هذا المثل فهو هذا الزمن
الذي نعيشه. لايمكن لشعبٍ أن
يستمر في امتلاك القدرة على العطاء في
هذا الزمن الصعب، بشكلٍ تتم فيه عملية
التفاعل مع متغيرات العصر، وتجاوز
مراحل الترهل والاهتراء، مالم تحصل
فيه عملية تكامل الأجيال في جميع
المجالات. فتتراكم الخبرات
والتجارب،ويبني الجديد على القديم،
ونسمح لعجلة التاريخ أن تسير. وبدون
هذا، يُصبح الوقوف عند مرحلة معينة أو
عند عطاء شريحة محددة، أياً كانت وأياً
كانوا، المسمار الأول في نعش ذلك الشعب. وفي هذا الإطار، فإن
مسؤوليةً ثقيلةً تقع على كثيرٍ من
الساسة السوريين التقليديين من جميع
ألوان الطيف الفكري والثقافي، بحيث
يكونون قادرين على الانسجام مع
طروحاتهم ومبادئهم وشعاراتهم
التقدمية، وعلى امتلاك القوة النفسية
التي تُمكِّنهم من فتح المجال أمام كل
عطاءٍ أصيلٍ في أي باب، بدل ذلك
الإصرار على البقاء إلى أبد الآبدين في
كل الواجهات والمشاريع والمؤسسات.
وهذا يصدقُ كما ذكرنا على مؤسسات سوريا
السياسية وأحزابها وجماعاتها
ومجالسها وائتلافاتها من أقصى اليمين
إلى أقصى اليسار. وإذا كنا قد تحدثنا
عن المسؤولية الكبرى الملقاة على عاتق
المخضرمين، فإن المسؤولية
الأكبرملقاةٌ على عاتق القوى الجديدة
في سورية من ثوارٍ أو ساسة أو تكنوقراط
أو سمِّهم ما شئت.. فهؤلاء لا يجب أن
ينتظروا إحسان المحسنين.. وإنما يجب
عليهم أن يمتلكوا عقلية التصميم
ونفسية العزيمة، وأن يقتحموا جميع
الأسوار ويدقوا جميع الأبواب التي
تبدو موصدةً، بينما هي في كثيرٍ من
الأحيان مهترئةٌ إلى حدٍ كبير، ولن تقف
أمام سيل التجديد والإبداع الذي إن
انساح فإنه سيقتحم جميع الحصون.. ومن ناحيةٍ ثانية،
فإن على أمثال هؤلاء، إن أرادوا فعلاً
ضمان عملية تكامل الأجيال، أن يبذلوا
جهداً مقدراً لكي يمتلك عطاؤهم صفات
التجديد والإبداع والإضافة بشكلٍ
حقيقي وبعيداً عن الشعارات، وأن
يتجنبوا التكرار والتقليد، لأن
الاحتفاظ بالنسخ الأصلية في تلك
الحالة سيكون أفضل من وجودهم على وجه
التأكيد.. لقد جاء في بعض الأثر
أن الإمام ابن عبد البر قال: «ليس من
شيءٍ أضرَّ على العلم من قولهم: ما ترك
الأول للآخِر، بل الصواب عندنا: كم ترك
الأول للآخر».. وإذا كان هذا صحيحاً،
وهو كذلك على وجه اليقين، فإن على
هؤلاء أن ينطلقوا للإنجاز والعطاء،
منطلقين من فهم متغيرات العالم
وتوازناته، وامتلاك القدرة على الحديث
بلغته ومفرداته، واستعمال أدواته. وبالتالي، فإن أي
مشروعيةٍ لوجود هؤلاء إنما يمكن أن
تُستمدَّ من خلال الإنجاز، ومن خلال
إثبات قيمة عطائهم وإبداعهم عملياً،
وليس فقط من خلال الادعاء والشكوى.
وهذا كله لا يتم إلا بتجنّب عمليات (الاستسهال)
التي كثيراً ما يقع فيها البعض سواء
كانوا مخضرمين أو شبابا، ولكن وقوع
الشباب فيها هو أسرع طريق لإثبات عدم
أحقيتهم في تحقيق عمليتي تكامل
الأجيال وقيادة الواقع. وأخيراً، فقد نُقل عن
ابن مالك مقولته: «وإذا كانت العلوم
منحاً إلهيةً ومواهب اختصاصيةً فغيرُ
مستبعدٍ أن يُدَّخرَ لبعض المتأخرين
ما أعسر على كثيرٍ من المتقدمين، نعوذ
بالله من حَسدٍ يسدُّ باب الإنصاف
ويصدُّ عن جميل الأوصاف».. من هنا، يأمل
المرء أن تكون لدى الكثيرين ممن يدّعون
الغيرة على سورية وثورتها ومستقبلها
القدرة على الارتفاع إلى هذا المستوى
من التجرد النفسي، بل ومن الفهم
الحضاري المتقدم.. لأن هذا في حدّ ذاته
سيكون مصداقاً لوطنيتهم الحقيقية في
نهاية المطاف. وعندها فقط، قد يفهم (التقليديون)
من جميع الشرائح ماكان يجب أن يفهموه
منذ زمنٍ طويل. ================ التوافق
لإنقاذ أكثر ما يمكن من سورية 2012-12-02 12:00 AM الوطن السعودية مع اقتراب توصل
الائتلاف الوطني لقوى الثورة
والمعارضة السورية - بحسب الأنباء
الواردة من القاهرة - إلى اختيار رئيس
وزراء لقيادة حكومة انتقالية بعد
اجتماعات استمرت عدة أيام، يفترض أن
يتم تسريع إنهاء الأزمة السورية بما
يخفف معاناة الشعب ويكفل حقه في حياة
كريمة في بلد آمن. أما الأخبار الأخرى
التي تصل من الواقع الداخلي السوري
فتشير إلى استمرار النظام في رفضه
لحتمية زواله، إذ بدأ يتخبط أكثر مع
فقدان سيطرته على معظم أراضي البلاد
بما فيها حقول النفط، ومع اقتراب أو
وصول المعارضة المسلحة إلى معاقله في
العاصمة، وتشير أخبار غيرها خلال
الأيام الماضية إلى معارك في محيط مطار
دمشق الدولي وأخرى بالقرب من القصر
الجمهوري، مما يعني أن الخناق بدأ يضيق
أكثر وأكثر، بحيث صارت قطع النظام
العسكرية تتمركز في مواقع معزولة عن
بعضها البعض. ولذلك فقد قطع النظام
الإنترنت والاتصالات عن معظم أرجاء
الدولة كما تقول المعارضة لعرقلة
تواصل عناصرها مع بعضهم، وتعطيل
اقترابهم من الجيش النظامي الموالي لـ"الأسد".
الواضح والمؤكد أيضا
أن النظام السوري لم يفهم الدرس ويرفض
أن يفهمه، ولذا نراه يتخبط أكثر وأكثر
فيزيد من القتل والتخريب والتدمير
ليجر البلد إلى الهاوية قبل رحيله، مما
يعني أن على المعارضة والمجتمع الدولي
الاتفاق والتوافق على العمل على إنقاذ
ما يمكن إنقاذه من سورية. وانطلاقا من
هذه النقطة فإن تعيين رئيس وزراء
وأعضاء لهذا المجلس قد يعجل في النهاية
لأن الدول سوف تجد نفسها تتعامل مع
مجموعة متفاهمة قادرة على إيصال
أفكارها لرسم مستقبل الدولة التي تعيش
اليوم تحت احتلال جيش كان واجبه
حمايتها. من الأفضل للحكومة
الجديدة أن تتعامل مع مختلف الظروف بما
يقود إلى خلاص الشعب من محنته، ولعل
الابتعاد عن الانتقام وتصفية الحسابات
وتنقية الأجواء بين الأطياف في الداخل
يجب أن تكون عنوانا لمرحلة جديدة يبني
فيها الجميع بمحبة مستقبل وطنهم بعد
الخلاص من نظام قمعي جثم على صدورهم
أكثر من أربعة عقود. =============== 2012-12-02 النهار عندما جاء نبأ شبان
طرابلس الذين قيل انهم سقطوا في كمين
للجيش النظامي السوري في تل كلخ
القريبة من حدود لبنان الشمالية داخل
سوريا، عادت الى الاذهان أنباء اكدتها
الأيام حول المقاتلين الشجعان الذين
ارادوا مقاومة الاحتلال الاسرائيلي في
جنوب لبنان في ثمانينات القرن الماضي
لكنهم سقطوا في كمائن الاحتلال قبل ان
ينصبوا له كمائنهم. ويذكر مَن رافق تلك
الحقبة ان الرسالة الواضحة التي
ابلغتها دمشق الى قادة جبهة المقاومة
الوطنية ان لا عمليات ضد اسرائيل من
دون علمنا. ولتأكيد جدية الرسالة، كان
سقوط المقاومين قبل ان يبلغوا غاياتهم
ليسقط مع هؤلاء القادة تباعاً لتخلو
بعدئذ الساحة لـ"حزب الله" الذي
صار الوكيل الحصري للنضال ضد اسرائيل.
ولم يتطلب ذلك الواقع كثيرا من الجهد
لمعرفة ان الكمائن الاسرائيلية كانت
من اعداد النظام السوري وبتسهيل من
اعوانه اتباع نظام الملالي في ايران.
ثم تواصلت الكمائن لتشمل ايضاً من هم
خارج اليسار. فكان الضحايا ايضاً من
تيارات قومية واسلامية. وليس صدفة أن
مقاومين كباراً من انصار الامام موسى
الصدر لاقوا حتفهم فيما كانوا يمتنعون
عن قبول عروض رسل طهران ووسطائها
بالقتال تحت رايتها. وحتى اليوم، وفي
الرواية التي يفرضها "حزب الله"
لا وجود لوقائع العملية الاولى التي
افتتحت تاريخ العمليات الاستشهادية
عبر الآليات المحشوة بالمتفجرات التي
اجتاحت مواقع الاحتلال الاسرائيلي.
وما لم يقله الحزب يرويه نيكولاس
بلانفورد في كتابه "محاربو الله".
وينقل عن بلال شرارة من حركة "فتح"
آنذاك ان عماد مغنية سعى الى توفير المتفجرات لأحمد
قصير ابن الـ17 عاماً فلم يلق تجاوباً
الا من خليل الوزير (ابو جهاد) قائد "فتح"
البارز فكانت العملية الاولى من نوعها
التي نفذها قصير بنفسه في 11 تشرين
الثاني 1982. انه الكتاب القديم
الذي يحاول ابناء النظامين السوري
والايراني العودة الى القراءة فيه.
ويقول احد النواب من ذوي المعرفة
بأحوال الحركات الاصولية لكاتب هذه
السطور ان الدخول الى الاراضي السورية
عبر الحدود الشمالية يحمل طابع نقل
المساعدات الانسانية واهمها الادوية.
وترافق كل حملة حراسة لتوفير الحماية
لها. وما حصل مع الشبان في آخر مرة ان
اختراقا لأعوان النظام السوري اوقعهم
في كمينه. انه النظام نفسه
واعوانه الذين اوقعوا مقاومي اسرائيل
في كمائنها يوقعون اليوم مقاومي
الديكتاتور السوري في كمائنه. واثبتت
التجارب ان لا فرق بين اسرائيل وهذا
الديكتاتور. وما هو مطلوب اليوم، كان
مطلوبا سابقاً اي حصرية الحركة بـ"حزب
الله". حتى ان اللواء وسام الحسن
الذي تجرأ على النظام السوري فكشف
مخططه الاجرامي عبر المملوك – سماحة
يطارد اليوم في ذكرى اربعين استشهاده
برصاص اتباع هذا النظام على جبهة باب
التبانة بعل محسن. ===================== إغاثة
السوريين بين الحاجة والادعاءات فايز سارة الشرق الاوسط 2-12-2012 يبدو موضوع الإغاثة
بين أهم المواضيع التي تحيط بالسوريين
واحتمالات تطور أوضاعهم داخل سوريا
وفي بلدان الجوار نظرا للزيادات
المخيفة في أعداد السوريين المحتاجين
لإغاثة نتيجة عمليات القمع الواسع
والدموي التي يتعرضون لها وتؤدي إلى
قتلهم وجرحهم واعتقالهم وتشريدهم،
مترافقة مع عمليات تدمير، تأتي على
بيوتهم وممتلكاتهم ومصادر عيشهم في
وقت يمكن فيه القول إن الأزمة أدت إلى
عطالة واسعة أصابت الاقتصاد السوري
بفعالياته المختلفة، وكان لها أثر
كبير في زيادة مستويات الفقر والحاجة
لدى أعداد كبيرة من السوريين الذين
استنفد قسم كبير منهم مدخراته. ومن الصعب تقدير
أعداد السوريين الذين باتوا بحاجة إلى
إغاثة بسبب الأوضاع الميدانية، وخاصة
لجهة تعذر إمكانية الوصول إلى كل
المناطق، وتقدير الأوضاع فيها، وحصر
أعداد ذوي الحاجة ونوعية حاجاتهم هناك.
لكن المؤكد أن ملايين السوريين باتوا
بحاجة إلى إغاثة ومساعدة، ويندرج في
عداد هؤلاء النازحون في مختلف المناطق
السورية، ويقدر عددهم بنحو ثلاثة
ملايين نسمة، يضافون إلى اللاجئين إلى
دول الجوار والأبعد منها، وقد تجاوزت
أعداد المسجلين منهم نصف مليون شخص. إن قسما كبيرا من
هؤلاء بحاجة إلى سكن، وكلهم يحتاجون
إلى غذاء ولباس وطبابة، كما يحتاج
أولادهم إلى مدارس، الأمر الذي يعني
أنهم بحاجة إلى مساعدات كبيرة وشاملة
ومتنوعة. ومنذ بدء الأزمة حاولت
القطاعات القادرة من السوريين في داخل
البلاد ومن الجاليات في المغتربات
تقديم مساعداتها لذوي الحاجة، لكنها
عجزت عن الاستمرار في هذا العبء
لأمرين؛ أولهما الزيادات الكبيرة
والمتصاعدة في أعداد المحتاجين
للإغاثة وضعف أو نضوب الإمكانات
المتاحة، والثاني سياسة السلطات
السورية في إيقاع العقوبات الشديدة
وصولا إلى القتل حيال القائمين
بعمليات الإغاثة الأهلية، ومنع القيام
بها ومصادرة مواد الإغاثة في أغلب
الأحيان، وكله تحت شعار «محاربة
الإرهاب». لقد سعت منظمات دولية
وإقليمية وبعض الدول، ولا سيما دول
الجوار السوري، لتأمين ما أمكن من
مساعدات للاجئين فيها، لكن النتائج لم
تكن مرضية غالبا بسبب ضعف الإمكانات
المحلية، كما هو الوضع في الأردن، أو
بسبب قلة المانحين الدوليين ومحدودية
الواردات، كما هو الحال في كل البلدان
المحيطة، الأمر الذي يفسر تردي أحوال
السوريين في مخيمات اللجوء، رغم كل
الإعلانات حول مساعدات مقدمة من دول أو
منظمات، ورغم كل الزيارات التي قام بها
مسؤولون في الدول والمنظمات إلى
المخيمات محاولين تأكيد تضامنهم مع
اللاجئين. والحق، فإن حال
المساعدات المقدمة للسوريين في
الداخل، لا تقل بؤسا عن مثيلتها في
الخارج، إذ هي ضعيفة وغير كافية، إضافة
إلى وجود مشاكل جدية وحقيقية في واقعها
ومسارها، والأساس في هذه المشاكل أنه
من الصعب وصول المساعدات إلى كل
المناطق السورية، حيث إن البعض منها
تحت الحصار العسكري والأمني ولا يسمح
بالدخول إليها أو الخروج منها، كما أن
السلطات السورية ترفض قيام الجهات
المانحة من منظمات أو دول بتقديم
الإغاثة والمساعدة مباشرة، وتربط
توزيع المساعدات بمرورها عبر مؤسسات
سوريا، وهذا يضعف في كثير من الأحوال
فرصة وصول المساعدات إلى أصحاب الحاجة
الحقيقيين أو بعضهم على الأقل. إن استمرار الأزمة في
سوريا، ولا سيما في ظل تواصل تردي
الأوضاع الأمنية - العسكرية وما تجلبه
من قتل وتهجير للسوريين، ودمار
للقدرات ومصادر العيش مع نضوب مدخرات
الأسر السورية، سوف يزيد أعداد
المحتاجين للمساعدة والإغاثة، سواء
المقيمون منهم داخل البلاد أو الذين
يغادرونها إلى مخيمات الجوار، وهذه
الاحتمالات تتطلب تغييرات جوهرية في
استراتيجية التعامل مع موضوع الإغاثة
في سوريا عبر ثلاث نقاط أساسية؛ أولاها
السعي الأكيد نحو وقف العمليات
العسكرية والأمنية في كل أنحاء
البلاد، ووضع صيغ جديدة في موضوع دخول
وتوزيع المساعدات، والثانية تغيير
نظرة الدول والمنظمات المانحة
للعمليات الإغاثية بالانتقال من النظر
إليها كحاجة محدودة إلى اعتبارها تتم
في واقع كارثة إنسانية، وهي بالفعل
كذلك، والثالثة البحث عن موارد جديدة
من خلال حض المجتمع الدولي بمنظماته
وهيئاته ودوله على تقديم مساعدات
عاجلة للسوريين في محنتهم، وهم الذين
أثبتوا دائما أنهم متفاعلون مع
المجتمع الدولي وحاضرون في مساعدة دول
وشعوب احتاجت للمساعدة على مدى عقود
مضت. ==================== ميشيل كيلو الشرق الاوسط 2-12-2012 السيدان: وزير
الداخلية ووزير المصالحة الوطنية في
سوريا تحية وبعد قبل قرابة شهر، كتب
شخص اسمه «عيسى مسوح» رسالة على «فيس
بوك» يطالب فيها أحد أشقائي بالتنصل
مني وبإدانة ما أقول وأفعل، وإلا تم
إحراق عيادته في اللاذقية والاعتداء
عليه وعلى أخوتي وبناتهم وأبنائهم
وأحفادهم. وبالأمس، نشرت
مجموعة من حملة الأسماء المسيحية
رسالة أخرى على «فيس بوك» يعلنون فيها
بالحرف الواحد أنهم «قرروا قتلي وأن دم
إخوتي وأبنائهم صار حلالا لهم». هذه
المرة جاء التهديد جماعيا وبالأسماء
الصريحة. هذان التهديدان
بالقتل، اللذان يطاولان أشخاصا لا صلة
لهم بما أقوله وافعله، وليسوا مسؤولين
عنه، كان يجب أن يثيرا اهتمامكما، بغض
النظر عن موقفكما السياسي أو الشخصي
مني، وأن يستدعيا تدخل أجهزتكما ضد من
يدعون علانية إلى قتل مواطن سوري هو
أنا، لمجرد أن آراءه ومواقفه لا تعجبهم
أو لا تتفق مع آرائهم ومواقفهم، علما
بأن القانون يلزمكما بالتدخل، لأنه لا
يجوز لأي سوري تطبيق القانون بعيدا عن
القضاء، ولأن رجال الشرطة وحدهم
مكلفون بتنفيذ ما يصدر عن المحاكم من
أحكام. ولعلمكما، أنا لست محكوما وهم
ليسوا قضاة أو رجال شرطة، ومن غير
الجائز أن يحميهم موقفهم الموالي
للنظام، ولا بد من إلقاء القبض عليهم
وسوقهم إلى العدالة بتهمة الشروع في
القتل، خاصة أن الدولة تقول دوما: إنها
تحمي المواطنين من العصابات المسلحة،
وهؤلاء عصابة تدعو علانية إلى القتل،
يتجول بعض أفرادها في شوارع اللاذقية
ودمشق والسلاح في أيديهم، وأنا مواطن
أعزل يحتاج إلى حماية، حتى إن كنت لا
أعيش اليوم في سوريا، ما دام المبدأ
السيادي يقول بنزع العنف من أفراد
المجتمع وحصره في أجهزة الدولة، التي
لها وحدها أن تحمي المواطنين وأن تقصر
عقابهم على القضاء، الذي يصدر أحكامه
ضدهم، وعلى الشرطة التي تنفذها. السيدان الوزيران أنا متهم بدعم
الإرهاب، لكنني لست مدانا بعد. وفي نص
القانون: كل مواطن بريء إلى أن تثبت
إدانته. أنا ما زلت إذن بريئا لم تثبت
إدانته، فلا يحق لأي كان الدعوة إلى
قتلي ناهيك عن قتل إخوتي وأولادهم
وأحفادهم، فكيف إن أتت الدعوة علنية
ومنشورة على صفحات التواصل الاجتماعي
الشهيرة كـ«فيس بوك»، التي يقرؤها
جميع الناس، صالحين وطالحين؟! ماذا
سيحل بالحياة العامة، خاصة في مقبلات
الأيام، إذا كان كل من هب ودب سيأخذ
القانون بيده وسيطبقه على هواه، وكانت
أجهزة الدولة ستتفرج عليه دون أن تفعل
شيئا ضده؟ بالمناسبة، لا أريد لفت
نظركما إلى أن القانون السوري لا يعتبر
آراء المواطن جرمية، وأنه يقصر هذه
الصفة على أفعاله، وأن دعاة قتلي وأهلي
يأخذون عليّ آرائي التي يعتبرونها
مهددة للمسيحيين، الذين ينصبون أنفسهم
حماة لهم، مع ما في هذا السلوك من تعدٍ
على حقهم في التعبير السلمي المباشر عن
أنفسهم، وعلى الرغم من أن أحدا منهم لم
يفوض دعاة القتل هؤلاء بالحديث نيابة
عنه، ولم يطلب إليهم تحويل اختلاف في
الرأي، في حال وجد حقا، إلى أفعال
جرمية تودي بحياة أبرياء لا شأن لهم
بما يقوله، هم إخوته وأبناؤهم
وأحفادهم. السيدان الوزيران إنني أطالبكما
باستخدام القانون ضد هذه العصابات
وبإصدار أمر إلى الشرطة بإلقاء القبض
على أفرادها وتحويلهم إلى القضاء،
لينالوا الجزاء على ما يريدون ارتكابه
من جرائم ضد مواطنين آمنين يعيشون في
كنف القانون ويخضعون له ولا يقومون بأي
فعل مناف له أو معاكس لمآربه، هم إخوتي
وأولادهم، الذين قد لا يشاطرونني
آرائي ومواقفي، وأكرر أنهم ليسوا
مسؤولين عما أقول وأفعل، أو منخرطين في
تنظيمات وأحزاب تتبع لي أو تخصني،
ويمنع الدستور والقانون تعريضهم
لعقوبات جماعية، فكيف إن عوقبوا بسبب
أفعال لم يقوموا بها، أو انتقاما من
قريب لهم، خاصة إن كان مثلي لا يحسب لهم
أي حساب، عندما يتخذ موقفا أو يكتب
مقالة أو يدلي بتصريح أو يقوم بأي نشاط. نشر الشبيحة أسماءهم
الصريحة على «فيس بوك»، لاحقوهم
واقبضوا عليهم، كي لا يقتلوا أبرياء
ويحرقوا بيوتهم، كما يقول تهديدهم
المعلن. أما أنا، فإنني لن أغير نهجي
ومواقفي، لأن من حقي دستوريا وقانونيا
تكوين آرائي والتعبير عنها بالطريقة
التي أحددها بملء حريتي، على أن أرضخ
لأي حكم قضائي يصدر ضدي، في حال التزم
القضاة بالقانون واحترموا حقي في
الدفاع عن نفسي. أما أن أغير مواقفي لأن
شبيحا اسمه عيسى مسوح وآخر اسمه سامر
جبور يهددان بقتلي، فهذا لن يحصل،
والأعمار أولا وأخيرا بيد الله، وأنا
لست خيرا من أي مواطن سوري استشهد وهو
يدافع عن حقه في الحرية والعدالة
والكرامة والمساواة! أخيرا، أضع هذه
القضية تحت أنظاركما وأرى أنكما
ستكونان مسؤولين عن أي أذى يلحق بأي
فرد من أسرتي الكبيرة في سوريا، بعد أن
تقدمت إليكما بشكواي هذه، التي آمل أن
تلقى منكما الاهتمام الذي تستحقه. ================= العدالة
الانتقالية للضحايا... ولكنْ أيضاً
للمنتهكين وائل السواح الأحد ٢
ديسمبر ٢٠١٢ الحياة من حيث المبدأ، سقط
النظام السوري منذ اول رصاصة أطلقها في
18 آذار (مارس) 2011 على متظاهرين سلميين
خرجوا الى الشارع يهتفون للحرية
والإصلاح. واقعياً، ليس من الممكن
تحديد إطار زمني لرحيل النظام
والتأسيس لمرحلة انتقالية تقود إلى
سورية جديدة. ولكن من نافل القول إنه لا
يمكن نظاماً قتل أكثر من ثلاثين ألفاً
من مواطنيه، تسبب في مقتل آلاف أخرى من
جنوده ومؤيديه، اعتقل وعذب مئات
الآلاف، هدم البنية التحتية لبلاده
ودمر اقتصادها، دمر النسيج الاجتماعي
بين العناصر المكونة للأمة، وعزل
سورية عن محيطها العربي ومجالها
الدولي، أن يستمر في حكم بلده وشعبه. وبصرف النظر عن
النظام الذي سيأتي بعد رحيل النظام
الحالي، فإن موضوعة العدالة والمساءلة
يجب أن تكون في بال جميع السوريين،
عندما ينتقلون من طور الصراع للبقاء
ونيل الحرية إلى طور المحاسبة
والمساءلة. وتتصدر كل أشكال العدالة
والمساءلة قضية العدالة الانتقالية
التي أثبتت نجاعتها في شكل متفاوت في
عدد كبير من الدول التي شهدت صراعات
أهلية مريرة، بخاصة في تشيلي
وغواتيمالا وجنوب أفريقيا وبولندا
وسيراليون وتيمور الشرقية وأخيراً في
المغرب (2004). وتتجاوز العدالةُ
الانتقاليةُ العدالةَ التقليديةَ
التي غالباً ما تكون عمياء أو معصوبة
العينين، كما يصورها التمثال الإغريقي
الشهير، لكنها تختلف عما تم التعارف
عليه في الماضي بالعدالة الثورية في
أنها عدالة لا تبحث عن الثأر وإنما عن
إحقاق الحقيقة. فهي إذاً ليست انتقاماً
في أي حال، لكنها أيضاً لا تدير خدها
الأيسر حين تلطم على الأيمن. تقوم العدالة
الانتقالية إذاً على إيجاد وسائل
خلاقة لمواجهة إرث انتهاكات حقوق
الإنسان في إحدى الفترات التي تشهد
حكماً ديكتاتورياً أو اقتتالاً
أهلياً، لتجاوز تلك الفترة من طريق
محاسبة المسؤولين الفعليين والبحث عن
الحقيقة والإقرار بالذنب والمصالحة
الشاملة. وهي تستند في تحقيق ذلك إلى
آليات باتت معروفة ومختبرة في كثير من
البلدان والمناطق، منها المحاكمات،
سواء كانت محلية أم دولية؛ والبحث عن
الحقيقة من جانب الحكومات المنتخبة
ديموقراطياً والمجتمع المدني
والمنظمات الدولية؛ والإقرار
بالجريمة من جانب المنفذين في الدرجات
الدنيا بخاصة الذين أُجبِروا على
تنفيذ ما ارتكبوه؛ وجبر الضرر من طريق
التعويض المادي أو المعنوي؛ والإصلاح
المؤسسي، بما في ذلك إصلاح المؤسسة
الأمنية؛ وتأسيس ذاكرة جماعية من خلال
افتتاح المتاحف وإقامة المناسبات
والنصب التذكارية لضحايا تلك الفترة. وتهدف العدالة
الانتقالية إلى إطلاق المصالحة
المجتمعية الشاملة، لكي تتمتع الأجيال
المقبلة ببيئة اجتماعية وأخلاقية
سليمة وغير مشوهة بأحقاد أو مساعٍ
للثأر. كما أنها المدخل اللازم لتعزيز
النظام الديموقراطي السليم والاعتراف
بضحايا الفترة السابقة ولمنع تكرار ما
حدث. في سورية، نجادل في
أن مسار العدالة والمساءلة ليس فقط في
مصلحة الضحايا المفترضين في جانب
الثورة والمعارضة والمدنيين الذين
قتلتهم آلة النظام ودمرت بيوتهم،
وألقت بهم إلى البطالة والتشرد. إنها
أيضاً في مصلحة الشريحة الكبرى من آلة
القمع ذاتها، بخاصة تلك التي لم تكن
مقتنعة بكل ما ارتكبته من جرائم وأفعال
منكرة. نتذكر في هذا السياق،
التجربة التونسية التي لا تزال راهنة
في الحقيقة. لقد ساد دائماً اعتقاد
إبان حكم طاغية تونس بأن عدد رجال
الشرطة التونسية يبلغ مئتي ألف عنصر
وضابط. ولكن، تبين بعد سقوط بن علي أن
ذلك كان رقماً مبالغاً فيه وأن الرقم
الفعلي كان في حدود 50 ألف عنصر شرطة.
ويبدو أن المبالغة في الأعداد
التقديرية لرجال السلطة ترجع إلى
ساعات العمل الطويلة والشروط الصعبة
التي كان رجال الشرطة يعملون فيها.
وثمة تقارير تقول إن رجال الشرطة كانوا
يعملون وسطياً اثنتي عشرة ساعة
يومياً، وفي ظروف سيئة جداً، في مقابل
راتب أقل من راتب سائق حافلة عامة. في سورية، لا يمكن
الحـــكم بأن كل أفراد الجيش الذين
ظلوا تحت قيـــادة النظام أو أفراد
الأمن أو أعضاء حزب «البعث»
والنـــقابات والمنظمات الموالية لـ «البعث»
هم مشاركون فعليون في قمع ثورة
السوريين من أجل الديموقراطية
والــكرامة ومكافحة الفساد. المفترض
بالعدالة الانتقالية أن تتحرى سلسلة
إصدار الأوامر ومحاســـبة الذين
أصدروا الأوامر بالقتل بالدرجة
الأولى، ومن ثم تتنـــاول الأفــراد
الآخرين والعـــناصر الذين، وإن
شـــاركوا في القمع، فقد فعلوا ذلك
تنفيذاً للأوامر أو خوفاً من انتقام
قادتهم. لكن ذلك لا ينطبق على
الذين كانوا يتبرعون طوعاً وعن طيب
خاطر في قمع الثورة وقتل المدنيين
وارتكاب المجازر. كما لا ينطبق على
الذين ينتمون إلى معسكر الثورة أو
الذين قاتلوا باسمها وارتكبوا جرائم
في حق مدنيين أو عذبوا ومثّلوا بجثث
موالين للنظام. إن العدالة
الانتقالية هي في مصلحة الذين كانوا
جزءاً من النظام، كما هي في مصلحة
الضحايا المدنيين والمجتمع بأسره.
فتحقيق هذه العدالة قمين بإعادة دمج
هؤلاء الأفراد بمجتمعهم، واعترافهم
بأفعالهم يساعدهم في إعادة احترامهم
لنفسهم، وحتى قبولهم بالعقوبة في حال
وقوعها سيمكنهم من التحرر من العبء
الهائل الذي سيحملونه إلى آخر العمر.
وأخيراً فإن مصالحة حقيقية مع المجتمع
ستنهي عقوداً من القمع والاضطهاد
والخوف. يجدر بنا تذكر
الرسالة المهمة التي نسبت إلى الزعيم
الأفريقي نلسون مانديلا ولم تلق
ترحيباً إعلامياً لائقاً، عندما قال
إن إقامة العدل أصعب بكثير من هدم
الظلم. وأضاف مخاطباً
الثوار العرب: «عليكم أن تتذكروا أن
أتباع النظام السابق في النهاية
مواطنون ينتمون الى هذا البلد،
فاحتواؤهم ومسامحتهم أكبر هدية للبلاد
في هذه المرحلة، ثم إنه لا يمكن جمعهم
ورميهم في البحر أو تحييدهم نهائياً،
ثم إن لهم الحق في التعبير عن أنفسهم،
وهو حق ينبغي أن يكون احترامه من
أبجديات ما بعد الثورة». وتمنى أخيراً
أن يستحضر الثوار قولة النبي محمد
الشهيرة: «اذهبوا فأنتم الطلقاء». ============================== ماذا
يجري في سوريا؟! * عريب الرنتاوي الدستور 2-12-2012 فقد النظام السوري
سيطرته الفعلية على مساحات واسعة من
البلاد، الشمال والشمال الشرقي بات في
قبضة غيره، ريف دمشق ودرعا يكاد يكون
خارجاً عن السيطرة، دمشق ذاتها مقطعة
الأوصال، التواصل بين أحيائها يكاد
يكون “مجازفةً مهلكة”، الوصول منها
إلى بيروت أسهل وأكثر أماناً من السفر
عبر مطارها، أما من يسيطر على هذه
المناطق، فتلكم حكاية أخرى، فهم هنا
جنود “الجيش الحر”، وهم هناك تحت
سيطرة الإخوان المسلمين، وهم في مكان
آخر تحت سلطة السلفيين والجهاديين. باستثناء الساحل
والسويداء، لا يبدو أن هناك منطقة لم
تشتعل بالمواجهات الدامية بين النظام
ومعارضيه، والنظام الذي انكفأ إلى
المدن منذ بعض الوقت، يواصل انكفاءه
إلى قلب هذه المدن و”قصباتها”، حلب
على سبيل المثال منقسمة بين الجيش
ومعارضيه، ودمشق تدور معاركها في قلب
أحيائها الراقية والشعبية، وحال بقية
المدن، لا يختلف حالاً. هل يعني ذلك أن
النظام السوري بدأ يلفظ أنفاسه
الأخيرة، هل يعني هذا أن النظام قد
انهار أو هو على وشك الانهيار؟، المؤكد
أن النظام في حالة دفاع انكفائية ظاهرة
للعيان، فقد قدرته على المبادرة
والمبادءة، معنويات جنوده وضباطه كما
تقول مصادر متطابقة ليست في أحسن
حالاتها، صحيح أن الانشقاقات في صفوفه
لم تعد كما كانت عليه من قبل، من حيث
العدد و”النوعية”، لكن حالات الفرار
من الجيش السوري في المستويات
القاعدية ما زالت مستمرة، بل ومتصاعدة. هل سيشجع ذلك مختلف
الأطراف واللاعبين على غذّ الخطى صوب
“الحسم العسكري” للإجهاز على النظام،
أم أن ضعف النظام سيشجع الأطراف على
البحث عن بدائل وحلول سياسية،
بالاستناد إلى فرضية أن ضعف النظام
سيجعل مثل هذه التسوية ممكنة؟!. إن الخلاف بين هذين
الاتجاهين ينبع في الأساس من خلاف حول
معنى انهيار النظام، وما إذا كان ذلك
سيفضي إلى “انهيار الدولة” في سوريا،
الإبراهيمي يفترض أن انهيار النظام
سيفضي إلى انهيار الدولة، وثمة تيارات
في المعارضة السورية ترى شيئاً
مماثلاً، لكن آخرين في المعارضة
السورية وبعض حلفائهم في المنطقة
والعالم، يرون أن الطريق إلى انقاذ
الدولة، يمر حكماً بتسريع عملية إسقاط
النظام وترحيله. خلال الأسابيع
القليلة الفائتة، شهدت الأزمة السورية
سباقاً محموماً بين الدبلوماسية و”العسكرة”،
وهذا السباق يحتدم هذا الأيام،
ميدانياً على الأرض بين النظام
ومعارضيه من جهة، ودبلوماسياً في
مختلف المحافل والأروقة الدولية
والإقليمية من جهة ثانية. على الأرض، يبدو أن
النظام قد فقد زمام المبادرة، وبدأ
يخسر المعركة بالنقاط والجولات، وليس
بالضربة القاضية الحاسمة، أما
دبلوماسياً، فما زال المجتمع الدولي
على تردده وحيرته، خطوة للأمام وأخرى
للوراء، روسيا وحلفاؤها يستعجلون
التسوية و”الصفقة الشاملة”،
الولايات المتحدة تدير الملف بالوكالة
الإقليمية (تركيا وقطر) والدولية (فرنسا)،
أما المحور التركي- القطري- السعودي،
فيستعجل الحسم العسكري و”التسليح” و”التدخل
الدولي”. في مطلق الأحوال، لا
يبدو أن الأزمة السورية ستضع أوزارها
قريباً، فالنظام وإن انكفأ إلى المدن
وقصباتها، بل وحتى إن فقد حلب ودمشق،
سيلجأ للدفاع عن “خط دفاعه الثاني”،
وخط الدفاع الثاني، سوف يأخذ طابعاً
مذهبياً “أقلوياً”، وستكون كلفته
البشرية باهظة، حتى أن مراقبين باتوا
يحذرون من الآن، من مذابح كبرى، يدفع
السوريون عامة، وبخاصة “الأقليات”،
ثمنها غالياً. ====================== الجنود
يتبادلون الشتائم والمنشقون
المحتملون يتم إبعادهم عن الخطوط
الأمامية المأزق
السوري: جيش ضعيف الولاء ومعارضة بلا
سلاح تاريخ
النشر: الأحد 02 ديسمبر 2012 الاتحاد توم بيتر حلب كان أحمد الظهار قبل
أكثر من أسبوع بقليل، عضواً في جهاز
أمن الحكومة السورية المحاصر في
العاصمة دمشق. ورغم أنه كان يعمل
حارساً بشكل رسمي، لكن لم يكن مسموحاً
له بحمل السلاح أو الذهاب في أي مهمة
بسبب أنه مسلم سني، بينما قادة البلاد
الأساسيون هم من المسلمين العلويين. ويقول:
«إنهم يخشون من أن يقوم السنة بقتل
الموالين للنظام، بالإضافة إلى الشك
الذي يساورهم من أن ينشق هؤلاء عنهم». وخلال الأيام الأولى
من الصراع الذي استمر 20 شهراً حتى الآن
والذي راح ضحيته نحو 40 ألف شخص، يقول
أحمد الذي انشق حديثاً، إن المهام كانت
توكل للجنود مثله من غير العلويين،
لكنهم كثيراً ما كانوا ينشقون وينضمون
إلى المعارضة حالما يغيبون عن أنظار
قادتهم. وعندما يتم الإمساك بهم من قبل
الضباط يوضعون تحت الرقابة المباشرة
ويتم سحب السلاح منهم. وبعد أشهر من القتال
العنيف، بدأت تخف حدة الصراع في العديد
من المناطق دون أن يحرز أي من الطرفين
تقدماً يذكر. وتتنامى الكثير من الشكوك
حول إمكانية تقدم جيش بشار الأسد الذي
يفتقر إلى قوات برية موالية كافية
للقيام بأي هجوم رئيسي، دون حدوث
انشقاقات واسعة في صفوفه. وبينما تستمر
الاشتباكات اليومية، يدور معظم العنف
في حلب حالياً، نتيجة لوجود أسلحة
طويلة المدى، مثل المدافع والطائرات
الحربية والدبابات والقناصين، ما يسبب
دماراً للمدينة وأحيائها المختلفة، في
ذات الوقت الذي يمكن فيه تقليل احتمال
الاحتكاك المباشر وحدوث الانشقاق. وقد رسم عدد من
الأفراد الذين تركوا جيش الأسد خلال
الأسابيع والشهور الماضية، صورةً
لمعاناة الجيش للحفاظ على ولاء أي شخص
لم يستفد من رعاية نظام الأسد له خلال
الفترة الطويلة التي قضاها في سدة
الحكم. ويقول أبو عبيدة، الذي انشق قبل
خمسة أشهر لينضم إلى «الجيش السوري
الحر» في حلب: «عندما بدأت الثورة لم
يتوقعوا أن العديد من الجنود ربما
ينشقوا، حيث قاموا بإرسال كثير منهم
إلى المدن التي ينتمون إليها،
وأخبروهم بأنهم سوف يقاتلون
الإرهابيين، لكن عند وصولهم فوجئوا
بأن هؤلاء ليسوا سوى أصدقائهم وأبناء
عائلاتهم”. وكان رجال الشرطة
الذين يقاتلون الآن مع «الجيش الحر»،
من بين الذين لم يجدوا أي صعوبة تذكر في
الانشقاق، نظراً لعدم إجبارهم على
العيش في قواعد عسكرية. وقبل اندلاع
القتال في حلب، خلال صيف هذا العام،
كان أبو عمر الحمصي، واحداً من بين 70
شرطياً يعملون في بستان الباشا بمدينة
حلب. وبعد محاولات متكررة، نجح عمر في
الانشقاق قبل أربعة أشهر تقريباً،
ليصبح واحداً من بين ثلاثة آخرين
ينضمون للمعارضة من وحدته التي لم يتبق
منها سوى 11 شرطياً فقط في الوقت الحالي.
ويضيف قائلاً: «تم تحويل ما تبقى من
الأفراد إلى قاعدة جوية وحبسهم هناك».
ولا زال يتحدث إلى بعضهم عبر الهاتف
النقال، حيث ذكر أن الانشقاق لم يعد
خياراً لمن تبقى من زملائه إلا إذا قام
«الجيش الحر» بتحرير قاعدتهم. وتقترب الخطوط
الأمامية في العديد من مناطق حلب بشدة،
للحد الذي يستطيع فيه مقاتلو «الجيش
الحر» وقوات النظام، التحدث لبعضهم
البعض عبر الجدران أو من خلال الصراخ.
وذكر مقاتلو «الجيش الحر» أن القوات
الحكومية أبدت رغبتها بالانشقاق في
عدد قليل من المناطق، لكنهم يتخوفون من
أن تنالهم رصاصات القناصين الذين لا
يتوانون في إطلاق النار على كل من تسول
له نفسه الهرب. ويقول بسام حميدي،
الذي انشق وانضم إلى الجيش الحر قبل
ستة أشهر ويتعافى الآن من الإصابة التي
تعرض لها في قدمه خلال إحدى المعارك: «جميع
جنود جيش الأسد منهزمون في الواقع
ومعنوياتهم محطمة، وحتى عندما كانوا
يقاتلون لم يكن ذلك كما ينبغي، حيث
يتلقى بعضهم مكالمات من عائلاتهم
تطالبهم بالانشقاق». وكان بسام قبل
انشقاقه، يخدم مع وحدة في القوات
الخاصة في حمص، حيث ذكر أن أولئك الذين
يشك النظام في احتمال انشقاقهم يتم
الاحتفاظ بهم داخل المدينة، لحراسة
نقاط التفتيش في المناطق التي تخضع
لسيطرته التامة والتي لا تجري فيها أي
عمليات قتال. وذكر عدد كبير من
مقاتلي «الجيش الحر»، أن معظم جنود
الحكومة من الموالين المتعصبين الذين
لا يزالون يقاتلون في الخطوط الأمامية
في حلب، يتبادلون الشتائم أكثر من
الحديث عن الانشقاق. كما يتم إبعاد من
هم أكثر احتمالاً للانشقاق، عن الخطوط
الأمامية. وعلى الرغم من
محاولات نظام الأسد المعلن عنها
للتغلب على مخاوف الانشقاق، إلا أن
قوات المعارضة عانت في سبيل الاستفادة
من ذلك، نظراً إلى افتقارها وبدرجة
كبيرة لكمية السلاح المطلوبة. كما أن «الجيش
الحر» لا يملك المعدات والمؤن
اللازمة، لشن هجوم بري كاسح يمكنه من
خلاله كسر ذلك الجمود السائد. ويقول محمود ندوم،
قائد إحدى وحدات «الجيش الحر» في حلب: «ليس
هناك ما يكفي من السلاح والذخيرة. ولو
كنا نملك ما يكفي من الأسلحة، لاستطعنا
إنهاء هذه الحرب في غضون أسبوعين فقط
لا أكثر. كما أنه ليست هناك ذخيرة تكفي
للكلاشنكوف طراز أيه كي 47. كما يعرض كل
جندي يفشل في قتل الجندي المستهدف عند
التصويب، نفسه للمعاقبة». ينشر بترتيب خاص مع
خدمة «كريستيان ساينس
مونيتور» ================== كرد
سوريا والنازحون و "الجيش الحر"
منطقة منكوبة نفسياً الحسكة ـ
عارف حمزة المستقبل 12-2-2012 "الحياة مملة من
دون إشاعات". جملة ذهبية نطق بها
هيروسترات. الجملة التي كانت، وما
زالت، أحد الأسلحة الكبيرة التي
استخدمتها الجيوش، كبيرة كانت أم
صغيرة، في زرع الرعب، وربّما الهزيمة
المسبقة من دون قتال، في نفوس الجيوش
التي قابلتها، ناهيكم عن أدوارها،
وحيواتها الأخرى، في تدمير وإعمار
الشخصيّات والعلاقات والمصائر ... الخ،
مثلما استخدمها الشاعر كافافي قسطنطين
في قصيدته الشهيرة "في انتظار
البرابرة". في الثورة السوريّة
كانت تتتالى المدن المنكوبة في
نكبتها، البشريّة والعمرانيّة
والتاريخيّة... بسبب الوحشيّة التي
قوبلت بها التظاهرات السلميّة
المطالبة بالحريّة من القهر
والاستبداد، ومن ثمّ المظاهر المسلحة
التي خرجت، بداية، لحماية المتظاهرين
السلميّين في مطالباتهم السلميّة، ثمّ
تحوّلت، بتعنّت وتدبير من العقليّة
الوحشيّة للطرف القويّ، إلى مواجهة
مسلحة بين الطرفين المسلحين. فصارت تلك
المدن، التي كانت حاضنة لعناصر الجيش
السوريّ الحرّ، مدناً منكوبة من كلّ
النواحي، جاعلة سكّانها، الذين نجوا
من القتل والاعتقال، نازحين في المدن
والأرياف القريبة والمحاذية
والمنتظرة لنكبتها القادمة عاجلاً أم
آجلاً. وهذا بالضبط ما كان حال مدن
كبيرة مثل درعا وحمص وإدلب ودير الزور
وحلب وجزءاً من حماه المنكوبة في
الثمانينات من القرن الماضي، ومدن
صغيرة مثل جميع مناطق ريف العاصمة وريف
حلب وريف دير الزور ... ولم يبق على
الأرض سوى مدن طرطوس واللاذقية على
الساحل، التي تحوّلت إلى مناطق مغلقة
نوعاً ما، تودّع جنودها المقاتلين،
وتستقبل جنودها الشهداء، والسويداء،
في أقصى الجنوب الغربي، التي صارت
ملاذاً كبيراً للنازحين من ريف دمشق
وحلب بالخصوص، ومدينة القنيطرة التي
ظلت تعيش في الكتب المدرسيّة وزيارات
الزعماء والشخصيّات المختلفة، كدليل
على وحشيّة العدوّ الإسرائيلي خلال
حرب السادس من تشرين الأول من عام 1973،
والرقة والحسكة اللتين تحوّلتا إلى
منطقتي نزوح كبيرتين لسكان حلب وحمص
ودير الزور، على التوالي، مع وجود
أعداد قليلة لعائلات من المناطق
الأخرى نزحت بسبب علاقات القربى أو
التزاوج. في يوم 7/8/2011 كان
النزوح الأول لعائلات من دير الزور إلى
مدينة الحسكة، التي تبعد عنها /125/
كيلومتراً، إلا أنّهم عادوا بعد أسبوع
إلى مدينتهم، التي كانت ملجأ للنازحين
من مدينة حمص، عندما تمّ اجتياحها من
الجيش النظاميّ في شباط من عام 2012.
ليأتي النزوح الكبير بتاريخ 22/6/2012
لأكثر من ثلاثمائة ألف نازح من
الديريّين والعائلات الحمصيّة التي
كانت نزحت إليها، والمستمرّ لحد الآن. كان هناك اتفاق غير
مكتوب على أن تبقى محافظة الحسكة،
والرقة والسويداء، بعيدة عن دخول
الجيش السوريّ الحرّ إليها، وبالتالي
عدم إيجاد ذرائع لدخول الجيش النظامي
إليها وتدمير كامل المحافظة، في طريقه
للقضاء على "المجموعات الإرهابيّة
المسلحة" التي دأبت الحكومة على وصف
الجيش الحرّ بذلك. لكن مدينة الحسكة،
التي استقبلت الدفقة الأولى الكبيرة
من النازحين، ما يقارب خمسة آلاف
عائلة، عاشت أياماً عصيبة رغم مشاعر
الأخوّة، التي ترسّخت بين سكان
المنطقة والنازحين القادمين من دير
الزور، التي طمرت أياماً سوداء انطلقت
شرارتها من ملعب القامشلي، شمال
الحسكة، أثناء المباراة والتي جمعت
فريقي الجهاد والفتوة في يوم الجمعة
12/3/2004. الأيام العصيبة هذه ابتدأت إثر
ازدياد أعمال السلب والنهب
والمشاجرات، ثمّ تطوّر الأمر إلى خطف
أسماء معروفة، بملاءتها الماليّة
وقربها من النظام، وطلب فدية مالية من
أهاليهم تراوحت بين المائتي ألف ليرة
سوريّة والخمسة ملايين. ورغم كثرة
عمليّات الخطف، التي زادت عن ثلاثين
حالة، لم يتحدّث المخطوفون عن الجهة
التي قامت بخطفهم، ولا عن ملامحهم
ولهجاتهم، ولا عن تصوّراتهم للأماكن
التي تمّ خطفهم إليها، الى درجة أنّ
أيّ واحد من المخطوفون لم ينظم ضبطاً
لدى الشرطة، أو يتقدّم بشكوى لدى
المحاكم، حتى أنّ أهاليهم لم يحاولوا
التنسيق مع الأمن لاسترداد مخطوفيهم!!...
وكانت الإشاعات تثار بأنّ النازحين هم
مَن يقوم بذلك، ولكنها سرعان ما تبدّدت
مع التأكد بأنّ الخاطفين متعاملون مع
جهات نافذة تختار أسماء بعينها، من
العنصر المسيحيّ على الأغلب، لبثّ
الرعب لدى السكان ودفعهم للتصادم مع
النازحين، أو طردهم من المدينة نفسها،
أو لدفع العنصر المسيحي للهجرة بكثافة
من المدينة، وهو ما حدث للأسف. في بداية عام 2012
تفاجأ الناس في محافظة الحسكة بانتشار
كبير لمقاتلي حزب (P.Y.D)،
التابعين لحزب العمال الكردستاني،
وظهورهم بشكل علني مع أسلحتهم
وأعلامهم في جميع المناطق ذات
الأغلبيّة الكرديّة، رغم أن هذا
الحزب، مع الحزب المشكل من أعضائه،
حورب بشتى الوسائل، من قتل وتهجير
ومحاكمات أمام محكمة أمن الدولة
العليا، التي تمّ إلغاؤها، منذ
اتفاقيّة أضنة التي تمّ بموجبها تسليم
زعيم حزب العمال الكردستانيّ السيّد
عبد الله أوجلان بتاريخ 14/2/1999، للحكومة
التركية بتعاون مع المخابرات
السوريّة، كما صرّح بذلك قياديو الحزب
أنفسهم. وسرَت الإشاعات بأنّ
سيطرة مقاتلي حزب (P.Y.D)،
وانتشارهم العلنيّ الكثيف، في مناطق
لا يملكون فيها الأغلبيّة من
المناصرين، وسيطرتهم على كثير من
المخافر والمراكز الأمنيّة شمال شرقيّ
البلاد، قد تمّ باتفاق مع النظام،
للوقوف في وجه الثوار في تلك المناطق
من جهة، ومنع دخول الجيش السوريّ الحرّ
إلى تلك المناطق، ومقاتلته بدلاً عن
النظام إن دخل، وبالتالي نشر سيناريو
مخيف عن حرب أهليّة كرديّة عربيّة
هناك، وإيجاد ذريعة لاجتياح المنطقة
من الجيش النظامي، من جهة أخرى. ورغم أنّ عناصر هذا
الحزب قد ساهموا في منع وجود أزمات
اقتصاديّة، من احتكار أو إخفاء مواد
أساسيّة من السوق، كالخبز والحليب
والغاز والبنزين.. أو رفع أسعارها، كما
منعوا نشوب توترات عشائريّة أو
أمنيّة، إلا أنّ الإشاعة التي سرَتْ،
في "عمالتهم" للنظام الحاكم، جعل
هذا الوصف ملتصقاً بهم، مهما حاولوا
تبديده من أذهان الناس، وصنعَ حواجز
بينهم وبين مناصري الأحزاب الكرديّة
الأخرى من جهة، وبينهم وبين المكوّنات
البشريّة الأخرى في هذه المنطقة
الحسّاسة من جهة أخرى. عند دخول الجيش
السوريّ الحرّ إلى مدينة رأس العين،
التي تبعد عن مدينة الحسكة ما يقارب
مئة كيلومتر، في 8/11/2012، وهو ما حدث لأول
مرة منذ اندلاع الثورة في 15/3/2011، تمّ
الترويج لإشاعات تتحدّث عن قتال لا بدّ
منه بين عناصر الجيش الحر ومقاتلي حزب
العمال الكردستاني، وهذا ما لم يحدث
طوال أكثر من عشرة أيام، وأحسّ الناس
بالطمأنينة من عدم اندلاع حرب عرقيّة
بين الأكراد، الذين يشكلون النسبة
العالية من التواجد في تلك المناطق
ونادوا بسلميّة الثورة حتى النهاية،
والعرب الذين هم عماد الجيش السوريّ
الحرّ وأعلنوا المواجهة العسكريّة مع
النظام. إلا أنّ الإشاعة تحققت وتمّ
القتال بين الطرفين بتاريخ 19/11/2012،
وقتل في يومين ثلاثة من عناصر حزب /P.Y.D/،
وعشرة جرحى، ومقتل 35 من عناصر الجيش
الحر وسقوط 17 جريحاً، ثمّ توقفت
المواجهات ليومين، واندلعت من جديد
ليلة 22/11/2012 ليُقتل عنصر من حزب (P.Y.D)،
وخمسة عشر عنصراً من الجيش السوريّ
الحرّ. والسكان هنا، من المقيمين
والنازحين، مرتعبون من إشاعة امتداد
القتال العرقيّ الى باقي المناطق ذات
الأغلبيّة الكرديّة، أو دخول الجيش
النظامي بحجّة حماية الأقليّات. لم يتأخر النظام في
تحقيق الإشاعة التي ارتبطت بالإشاعة
السابقة، وهي بأنه بمجرّد اندلاع
المواجهات بين عناصر حزب (P.Y.D)
ومقاتلي الجيش السوريّ الحرّ سيدخل
الجيش النظاميّ إلى محافظة الحسكة،
للحفاظ على السلم الأهلي، ومنع الجيش
الحرّ كونه "عصابة إجراميّة" من
ترويع الأهالي، وسيُصدر قبل ذلك
بياناً بأنّ أهالي مدينة الحسكة
يطلبون تدخل الجيش النظامي لحمايتهم
من الجيش السوريّ الحرّ، وهي الديباجة
التي يستلمها الناس من التلفزيون
الرسميّ قبل تدمير مدنهم على من فيها،
إلا أن الجيش النظامي أصبح متواجداً في
مداخل مدينة الحسكة بالفعل في ليلة
21/11/2102 عندما تمّ قطع التيار
الكهربائيّ لمدة 12 ساعة عن كامل
المدينة، ليتفاجأ الناس، نهار اليوم
الثاني، بوجود سواتر ترابيّة عالية،
من التربة الحمراء الغريبة عن تربة
المدينة، وتخفي خلفها دبابات ومرابض
مدفعيّة وخنادق فرديّة وجماعيّة، كرسم
مرتجل لجبهة أزليّة بين دولتين
متصارعتين، في مدخلي مدينة الحسكة
الجنوبيّ والشرقيّ. وتواجد الكثير من
الضباط والعسكريّين في مبنى الجمارك
الحديث وفي الحديقة الكبيرة الملاصقة
لمتحف الحسكة ومديريّة الثقافة،
لينضمّوا إلى الكتيبة المتواجدة،
بكامل عتادها، في حديقة حيّ غويران! الحوّامات جاءت
بقوات وأسلحة جديدة عصر يوم الجمعة
23/11/2012، ليبدأ الناس بالتفكير جديّاً
في مغادرة هذه المدينة، ولكن إلى أين
في هذا الشتاء والفقر الكبير؟ وإلى أين
سيلجأ النازحون الذين نزحوا إلى
الحسكة منذ خمسة أشهر واستمرّوا فيها
إلى الآن ومدنهم، التي جاؤوا منها، ما
زالت مدمّرة؟ الإشاعات التي تمّ
ترويجها في المدن المنكوبة روّجها أمن
النظام من أجل قتل الناس نفسيّاً.
والذين نجوا من الموت النفسي تمّ قتلهم
بكلّ الوسائل الوحشيّة والوطنيّة غير
المباحة!. فالإشاعات كلّها تحققت؛
فالهجوم تمّ على النساء والأطفال
والشيوخ، سنّة كانوا أم علويّين، وتمّ
ذبحهم بالسكاكين والسيوف، الاغتصابات
تمّت، وكذلك تشويه الأجساد قبل قتلها،
والبيوت والمحال نهبت قبل هدمها،
الطائرات تمّ استخدامها ببراعة في
إصابة المدنيّين، وبعدم إصابة
المسلحين قدر الإمكان، استخدمت
الدبابات والمدفعيّة والصواريخ
والقنابل العنقوديّة والفراغيّة،
وتمّ نهب الآثار في المتاحف والعراء،
وتمّ تدمير المدن بكاملها، بساكنيها
أو من دونهم، وتمّ التغيير
الديموغرافيّ في كلّ المدن، عندما
تحوّلت الدولة إلى دويلات نازحين.... هناك إشاعات ما زالت
تروّج، قد تحقق جزء منها، وهي الحرب
الأهليّة التي بدأت مع بداية المواجهة
العسكريّة، بينما استخدام الأسلحة
الكيميائيّة أو التقسيم بحاجة الى وقت
أكبر! رغم أنّ الأهالي، الذين بقوا على
قيد الحياة، قد يصل بهم الحال ويرغبون
باستخدام القنبلة النوويّة لإنهاء
دولتهم وحياتهم الممزّقة على عجل. =========================== الائتلاف
الوطني توحيد الجهود والسير نحو
المأسسة اسطنبول ـ عمر
كوش المستقبل 12-2-2012 في إحدى السهرات
الشامية، منذ بضعة أشهر مضت، جمعتنا
صديقة عزيزة في بيتها على العشاء. ليس
العشاء ما كان يهمّ لفيف المثقفين
والنشطاء السوريين، ولا يهم صاحبة
الدعوة المعروفة بنشاطها وتألقها
وعراقتها، بل فرصة اللقاء الجامع،
التي لا نحوز عليها، إلا بعد تحضير
مسبق، وفي أوقات متباعدة نسبياً،
للتحاور في أوضاع البلد والناس،
والتفكير في سبل دعم الثورة السورية
وناسها، وتناول مسار الأحداث، ومناقشة
ما يطرح من بيانات ومبادرات ومشاريع. ضمّ اللقاء العديد من
الكتاب المستقلين والناشطين، من
الجنسين. منهم من كان في المجلس الوطني
السوري أو قريب منه، وبعضهم له مآخذ
على أدائه وتركيبته. وآخرون ينشطون في
بعض الهيئات المدنية العاملة على
الأرض، التي نشأت في سياق الحراك
الاحتجاجي، بعد أن كسر السوريون حاجز
الخوف، بفضل ثورة الخامس عشر من آذار/مارس
2011. كانت أصوات القذاف
والقصف المدفعي تسمع، من حين لآخر،
لتقطع حدة النقاش، وتشتت الأفكار،
وتعيدنا إلى صمت ثقيل مشوب بالترقب
والقلق. وكانت التساؤلات تحاول معرفة
أي المناطق تقصف في هذه الليلة، هل هي
التل أم برزة ام الميدان أم القابون أم
حرستا أم زملكا أم مناطق أخرى عديدة لا
نسمع أصوات الطائرات الحربية التي تدك
مضاجع ساكنيها، ليلاً ونهاراً؟ ثم
ماذا عن حلب وريفها ودير الزور
ومناطقها وقراها، وحمص المنكوبة،
ودرعا وإدلب وسائر أحياء المدن
والمناطق والبلدات الثائرة. في تلك الليلة، طرح
أحدنا مسألة ما يطرح حول دعوة المعارضة
السورية لتشكيل حكومة موقتة. بعضنا سخر
من الدعوة إلى مثل هذه الحكومة، إذ من
المبكر الحديث عنها، لأن الأجدى هو دعم
الثورة، والبحث عن تشكيل ائتلاف أو
تحالف أو هيئة جامعة لمختلف أطياف
المعارضة السياسية، والاتفاق على
مبادئ أساسية من أجل الاستجابة لحاجات
الثوار، ودعم صمود الناس في المناطق
الحاضنة للثورة، وطمأنة جميع السوريين
على مستقبلهم. وطرحت مسألة لجنة أو
هيئة تمثيلية، تضم أشخاصاً من جميع
أطياف وتكوينات الشعب السوري، تراعي
مختلف تكوينات الطيف السوري، ومختلف
المناطق السورية، ممثلة بمجالسها
المحلية. ولعل الأفكار والطروحات،
كانت تتلاقى حول أهمية وجود شخصية
وطنية، تحمل على عاتقها مهمة
المبادرة، والسعي إلى تشكيل وطني سوري. لم تك مصادفة أن
تلتقي الطروحات حول طرح أفكار
متقاربة، إذ، وبعد أشهر قليلة، خرجت
"المبادرة الوطنية السورية"، أو
مبادرة رياض سيف، وأخذت خطوطها
الواضحة بالتشكل، ثم باتت أكثر وضوحاً
بعد لقاءات في القاهرة وباريس، لتأخذ
شكلها النهائي، في شكل بيان يدعو إلى
اجتماع عام لمختلف أطياف المعارضة
السورية، بمختلف تكويناتها لتدارس سبل
إنجاح المبادرة، والسير خطوة كبيرة
نحو اتجاه مأسسة وتوحيد الجهود في خدمة
الثورة السورية وناسها، بل وخدمة جميع
السوريين الساعين إلى بناء سوريا
الجديدة، الديمقراطية التعددية،
القائمة على المواطنية، وسائر قيم
الدولة المدنية الحديثة.. ويمكن القول بكل حرية
وأمانة أن المبادرة نشأت بناء على حاجة
داخلية سورية، ولم تك وليدة ساسة
الولايات المتحدة أو فرنسا أو تركيا أو
قطر وسواها، أي صنعها سوريون، كان رياض
سيف المبادر الذي حملها، وأخذ على
عاتقه مهمة جمع التأييد الدولي
والإقليمي لها، والهم المشترك
للداعمين للمبادرة، هو جمع مختلف
أطياف المعارضة لمأسستها ولجعلها
صناعة سورية بامتياز. وقد تحقق ذلك
بولادة "الائتلاف الوطني لقوى
الثورة والمعارضة" في الحادي عشر من
شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2011. والسؤال الذي يطرح
نفسه هو، هل سيختلف المولود الجديد عن
التشكيلات السابقة؟ هناك اختلاف واضح، بل
وافتراق على الأقل ما بين ظروف ومعطيات
التي أفضت إلى نشأة الائتلاف الوطني عن
سائر التشكيلات السياسية السابقة، لكن
المشترك بينها، هو قيامها على مبدأ
التوافق ما بين قوى سياسية عديدة. وهو
عامل يمكنه أن يشكل عامل إخفاق، وفي
الوقت نفسه عامل قوة، حيث أن الأمر
يعتمد على الخطوات التالية لتشكيل
الائتلاف، وخاصة، العمل على مأسسة
الجهود، والابتعاد عن الفردية
والتمركز على الذات. ومن يتفحص خارطة
القوى والشخصيات المشاركة فيه، يجد
أنها شاملة لمختلف القوى الفاعلة في
الثورة السورية. وهو أمر لم يتحقق من
قبل في أي تشكيل سياسي للثورة السورية،
والأهم هو أن قادة الائتلاف هم من نتاج
الثورة في الداخل السوري، وساهموا في
حراكها على الأرض، وتعرضوا للسجن
والملاحقة، واضطروا إلى مغادرة بلدهم،
نتيجة عنف النظام وقمعه. كما أن طاقم
رئاسة الائتلاف خرج عن طريق الانتخاب،
وهم من أبناء الأحياء العريقة في
العاصمة السورية وسكانها. ونهض التشكيل الجديد
على مبدأ عدم إلغاء أو تهميش أياً من
قوى الحراك الثوري والمعارضة
السياسية، بوصفه إطاراً يوفّق بينها
جميعاً في بنية تنظيمية، تضمن العمل
المشترك البنّاء، خاصة وأن الثورة
السورية بأمس الحاجة لوجود قيادة
قوية، قائمة على المشاركة والندية لا
على التفرد والاستئثار، وتعمل على
الاستجابة لحاجات الثورة، وتطمئن جميع
أبناء سوريا إلى مستقبلهم، الامر الذي
يكسب هذه البنية التنظيمية التأييد
الشعبي، بما يعني امتلاكها الشرعية،
للحصول على الاعتراف بها كممثلٍ له. وبالرغم من التأييد
الدولي لتشكيل الائتلاف، وقيام العديد
من مسؤولي بعض الدول بمساع وجهود
للتقريب بين وجهات النظر، والحثّ على
الانخراط في التشكيل الجديد، إلا أن
الأهم هو أن يرتكز العمل على وثائقه،
التي أكدت على مبدأ الحفاظ على السيادة
الوطنية، واستقلالية القرار الوطني
السوري، والحفاظ على وحدة التراب
الوطني السوري، ووحدة الشعب السوري،
وعلى رفض الحوار مع النظام السوري، وأن
لا يبدأ الحل السياسي في سوريا، إلا
بتنحية بشار الأسد، ومعه رموز السلطة
القامعة، وضمان محاسبة المسؤولين منهم
عن دماء السوريين، مع التأكيد على قيام
سوريا المدنية التعددية الديمقراطية.
إضافة إلى السعي لإنشاء صندوق دعم
الشعب السوري، ودعم الجيش الحر،
وإدارة المناطق المحررة، والتخطيط
للمرحلة الانتقالية، وتأمين الاعتراف
الدولي، والعمل على تشكيل مجلس عسكري
أعلى، يضم ممثلي المجالس العسكرية
والكتائب المسلحة، ولجنة قضائية، وفي
نهاية المطاف تشكيل حكومة مؤقتة من
التكنوقراط. وإن كان الائتلاف
الوطني الجديد يسعى إلى تشكيل تحالف
حقيقي، من حيث ضمه غالبية قوى ومكونات
الثورة، إلا أنه جاء كي يعبر عن تحول
مفصلي في مسار الأزمة السورية، الأمر
يفتح الباب واسعاً أمام متغيرات
وتطورات جوهرية في المشهد السوري على
مختلف المستويات، السياسية
والدبلوماسية والقانونية، ويحدث
تغيراً في ميزان القوى الميداني على
الأرض. وما يجعل الائتلاف
الوطني حدثاً سورياً، هو مدى قدرته على
قيادة الحراك الثوري، وفق منهج واضح
وخطط ممأسسة، وأن يتخذ خطوات تسهم في
التعجيل بسقوط النظام، وأن يبرهن على
قدرته في قيادة قوى الثورة والمعارضة،
المشكلة له، إلى جانب كونه مظلة سياسية
واسعة، حاضنة لقوى الثورة والمعارضة
السورية، ومنوط بها مهام عديدة، لعل
أهمها توحيد المجموعات والتشكيلات
العسكرية في الداخل، وتقوية المجالس
المحلية في مختلف المناطق الخارجة عن
سيطرة النظام، وتمكين الناس في الداخل
السوري، من خلال تأمين ممكنات
مقاومتهم واستمرار حراكهم الثوري. ويبدو أن التأييد
الذي حصل عليه الائتلاف في الداخل
السوري، وفي الخارج، يعد نجاحاً
سياسياً لقوى الثورة والمعارضة، تزامن
من النجاحات العسكرية على الأرض، لكن،
دعم هذه النجاحات مقرون بالبرهنة على
امتلاك القوة والشرعية، والقيام
بخطوات ملموسة تؤكد ذلك، خاصة أن
التقدم الذي يحرزه الجيش الحر على
الأرض، ومعه سائر التشكيلات العسكرية،
يدفع التفكير باقتراب نهاية النظام،
وإلى الخشية من الفراغ الذي قد يحدثه
سقوط مفاجئ. وما يدعم توقع السقوط
المنتظر هو فقدان النظام السيطرة على
مساحات كبيرة من سوريا، بالرغم من فارق
القوة العسكرية واللوجستية ما بين
قوات النظام وسائر المجموعات العسكرية
المدافعة عن الثورة، الأمر الذي
يفسره، ليس فقط حالة الانهاك التي بات
يعاني منها الجيش السوري، بعد اقحامه
في معارك الشوارع والأحياء والبلدات
السورية، وحدوث انشقاقات متتالية
ومتسارعة في تركيبته، بل هناك أمور
عديدة، تتعلق بأن المجندين داخل الجيش
النظامي مكرهين في معظمهم على القيام
بما يطلب منهم، تحت تهديد الإعدام
الميداني والتصفية والاعتقال، وقسم
منهم مغرر به، ويستخدم ضحية أو وقوداً
لخدمة بقاء رموز النظام في السلطة.
بالمقابل، فإن غالبية الثوار يدافعون
عن أحيائهم وبلداتهم وأماكن عيشهم
وسكناهم في وجه اجتياحات وحداث الجيش
وقوى الأمن وقطعان الشبيحة، وبالتالي،
فإنهم مسلحون ليس بالعزيمة والإصرار
والاستعداد للتضحية فقط، بل يحظون
بالاحتضان من طرف الناس، الذين يجمعهم
الإيمان بضرورة الخلاص مهما كانت
التضحيات والخسائر. وهناك معطيات عديدة،
تشير بوضوح إلى تدهور الوضع
الاقتصادي، وشحّ الموارد المالية،
التي يسخرها النظام من أجل تمويل
شبيحته وقواه الأمنية والعسكرية، إلى
جابن هبوط قيمة الليرة السورية
السريع، في الآونة الأخيرة، أمام
العملات الأجنبية، بما يؤشر على
اقتراب النظام من حالة الإفلاس
والانهيار المالي والاقتصادي، التي
يحدّ منها بشكل أو بآخر، تدفق الدعم
المالي والاقتصادي الإيراني،
والاسناد الروسي، ودعم بعض أفراد
مافيات النظام وأعوانه، الذين عاشوا
طويلاً على نهب مقدرات البلد واستثمار
حالة الفساد والافساد، إلى جانب دعم
بعض الأطراف من دول الجوار وسواها. لا شك في أن هناك
تحديات عديدة، تفرض مهام صعبة التحقيق
ومحفوفة بالمخاطر، لكن الرهان هو على
قدرة الائتلاف على العمل الجماعي
المؤسسي، وتوحيد الجهود والسير نحو
المأسسة. ===================== أخي
الثائر: شعار إرحل لم يكن موجهاً إليك! دمشق ـ
عمر قدور المستقبل 2-12-2012 على الأرجح لم تنزف
ثورة من أبنائها كما نزفت الثورة
السورية، فبالإضافة إلى آلاف القتلى
من الناشطين هناك عشرات الآلاف من
المعتقلين أو المفقودين، وهناك الكثير
من الروايات الموثقة عن تصفية
المعتقلين تحت التعذيب أو إعدامهم في
السجون. لكن الأنظار تتجه غالباً إلى
أولئك الذين غادروا البلد بعد اندلاع
الثورة، إما على خلفية مضايقات تعرضوا
لها فعلاً، أو تحسباً من القمع الذي من
المتوقع أن يطال كل ناشط أو صاحب رأي؛
هذا إذا استثنينا القمع العشوائي الذي
يتعرض له أي سوري من دون أن يعرف سبباً
له. لكن الأسباب السابقة
لا تمنع جدلاً يتجدد شفاهة أو على
صفحات التواصل الاجتماعي حول أحقية
بعض المهاجرين بمغادرة البلاد قياساً
إلى معاناة غيرهم، أو حول جدارة بعضهم
بتمثيل الثورة خارج الحدود. وبالطبع لن
يخلو جدل كهذا من عوامل التقييم
الذاتية، إذ يستحيل وجود معايير تحدد
لكل فرد عتبة التحمل الخاصة به، مثلما
يستحيل أن يُملى عليه مقدار الجهد الذي
ينبغي أن يبذله خدمة لقضية ما. غير أن
نسبية الأمر لا تلغي وجاهة النقاش حول
ظاهرة مؤثرة كهذه، وبخاصة حول
تداعياتها السلبية على الثورة،
فالمسألة وإن بقيت في حيز القرار
الشخصي إلا أن بعض أصحابها على الأقل
ينسبونها إلى الشأن العام، بالقدر
الذي ينسبون فيه لأنفسهم المساهمة فيه. في الواقع ثمة صور
سلبية يقدّمها بعض النشطاء في الخارج،
وهم بالأحرى باتوا يتعيشون على ثورة
الداخل أكثر مما يقدّمون لها، وتزداد
الصور قتامة مع ما ينسبه البعض إلى
نفسه زوراً ليبدو كأنه في واجهة الثورة.
ثمة مدّعون في مدن كبيروت والقاهرة
واسطنبول مثلاً لم تكن لهم فعالية
تُذكر في الداخل، وهذا ليس عيباً بحد
ذاته، لكنهم لا يرضون بأقل من تصوير
أنفسهم كقادة للحراك الثوري. ولن يكون
من شأن الآخرين من أبناء تلك الدول،
وبخاصة المتعاطفين مع الثورة منهم،
التمحيص في كل ادّعاء، ومع أن الادّعاء
أيضاً قد لا يتسبب بضرر مباشر إلا أن
ترافقه مع أمراض الانتهازية الأخرى هو
ما يضرّ بصورة الثورة من خلال أولئك. لا يقبل بعض نشطاء
الخارج أنه، مع الأسف، ليس سوى نازح،
أو أنه صار هكذا بحكم الواقع المرير،
ولا ميزة له على مئات ألوف النازحين
العاديين في الخارج والداخل إلا
بمقدار نشاطه الفعلي. فلا ينبغي هنا
المساواة بين ناشطات أو نشطاء كانوا
سفراء حقيقيين للثورة وآخرين يرفلون
بنعيم الهبات والمنح، من دون أن تسعفهم
علاقاتهم العامة سوى بالحصول على
المزيد منها، وفي كثير من الأحيان على
حساب مستحقيها في الداخل أو الخارج. لا
بأس بالقول هنا إن فساد النظام قد حمله
البعض إلى الثورة، وهي بأمسّ الحاجة
للنأي عن أية شبهة من هذا القبيل، ولقد
استغل هذا البعض المزاج العام
المتسامح أو المتحمس لتمرير مكاسبه
الشخصية؛ ثمة ملفات معروفة أو شبهات لا
يتوقف عندها السوريون لأنهم يكرسون
جهدهم حالياً من أجل إسقاط نظام القتل،
لكن أولوياتهم الراهنة لا تعني جهلهم
بمكامن الفساد والانتهازية التي قد لا
تخلو منها أية ثورة. تحتاج الثورة
السورية، وربما أكثر من أية ثورة أخرى،
إلى نشطاء حقيقيين في الخارج.
فالسوريون حرموا طوال وجود النظام
الحالي من العلاقة الطبيعية مع الآخر،
وهم بحاجة حقيقية للتعريف بأنفسهم
وبثورتهم، ويزداد الأمر إلحاحاً مع
أذرع النظام الإعلامية التي نجحت في
أكثر من مكان بالترويج لصورة أصولية أو
طائفية للثورة. لذا لا بد من الإشارة
إلى أن وجود بعض النشطاء في الخارج هو
بحكم الضرورة الملحة، ولا بد في
المقابل من التساؤل عن وجود العدد
الأكبر من الذين، وإن كانوا أحراراً في
المغادرة، فهم لم يبذلوا جهداً يُذكر
في منافيهم لشرح قضية الشعب السوري.
سيكون مؤسفاً حقاً ألا يستطيع هؤلاء
حشد عدد ضئيل في يوم التضامن العالمي
مع الشعب السوري، هذا على سبيل المثال
لا أكثر، ويزداد الأمر بؤساً بالنظر
إلى العدد الضئيل من السوريين الذين
شاركوا في تلك الوقفات الاحتجاجية،
والذي لم يتجاوز عدد أصابع اليدين في
بعض المدن الكبرى. على صعيد متصل، ينبغي
الإقرار بأن بعض الناشطين الذين
غادروا في مستهل الثورة ابتعدوا
تدريجياً عن مجرياتها، وهذه نتيجة
منطقية بحكم طول المدة والتحولات
الكبرى التي رافقت الثورة، أو فُرضت
عليها. لذا يعتمد هؤلاء على شذرات مما
تبثه وسائل الإعلام، وهي لا تكفي
بطبيعة الحال لإيصال الوضع الميداني
على حقيقته، وحيث أن نسبة معتبرة منهم
لا تملك صلات ميدانية، وبات حضورها
مقتصراً على المستوى السياسي، فقد
ساهم هذا في انفصال المستوى السياسي
للثورة عن مجرياتها الميدانية، وبات
أصحابها أقرب إلى المعارضة وأكثر
بعداً عن الثورة. من الموقع الجديد،
الأقل فهماً وحساسية تجاه الوقائع
الميدانية، تغيرت أولويات البعض، ولم
تعد تنسجم مع الأولويات الملحة للشارع
السوري. وبالتأكيد سيصعب على الكثيرين
في الخارج الإقرار بهذا، خصوصاً مع
غياب تقاسم وظيفي للمهام بين الداخل
والخارج. سبق لكاتب هذه السطور
نشرُ مقال في صحيفة المستقبل بعنوان
"موسم الهجرة إلى الثورة"، عن
شخصيات سورية عادت إلى البلد مع مستهل
الثورة وواجه بعضها مصيره التراجيدي،
وتقتضي الواقعية الإشارة أيضاً إلى
ظاهرة الهجرة من الثورة التي طالت
بالدرجة الأولى بعضاً من المثقفين
والعلمانيين الذين ربما كان لوجودهم
في الداخل تأثير أفضل على قسم من
خيارات الثورة. وعلى الرغم من أن
الثورة ليست ثورة نخب ثقافية أصلاً إلا
أن التفاعل الاستثنائي بين شريحة
المثقفين ومحيطهم الاجتماعي كان يَعِد
بحال أفضل للجانبين، وكان متوقعاً
لاستمراره أن يردم فجوة مديدة من سوء
الفهم والتفاهم بينهما؛ هذه الفجوة
التي عادت إلى البروز مع غياب وهجرة
الفعل الثقافي بدعاوى اليأس أو
اللاجدوى، أو حتى إعادة قراءة الثورة
من أكثر جوانبها حلكة. لكن، وعلى الرغم مما
سبق، لا يجوز لنا الانجرار إلى تقسيم
يروجه النظام طوال الوقت بين معارضة
داخلية وأخرى خارجية، فلا الداخل
مستقل ومنسجم بذاته ولا الخارج كذلك،
وبالتأكيد ليس ثمة مفاضلة بين وطنية
الجانبين على نحو ما يريده النظام.
النقاش الدائر حول ظاهرة الهجرة يتعلق
أساساً بالمفاضلة بين أفضل السبل
لخدمة الثورة، وهو يُحسب لها من حيث
قدرة أبنائها على ممارسة النقد تجاه
بعض ظواهرها، ومن دون أن يمتلك أحد
الحقيقة في جيبه أو الوصاية على غيره.
أما على الصعيد الانفعالي أو العاطفي
فلا شك في أن هذا الجدل بين الداخل
والخارج يحمل عتباً مُحباً من الطرف
الأول، ولأن لافتات التظاهرات السورية
نابت أحياناً عن الجدل، واختزلت في
مفردات بسيطة عمق القول، فقد جاء العتب
هذه المرة من داريّا. داريا التي
تعرّضت لإحدى أفظع المجازر على أيدي
الشبيحة، ولا يزال القصف من قوات
النظام يدكّ ناسها وعمرانها، لم تتوقف
عن التظاهر السلمي، ولم تنسَ أولئك
الأبناء المهاجرين، ومن أجلهم قبل شهر
من الآن رفعت لافتة تقول: أخي الثائر:
شعار ارحل لم يكن موجهاً إليك. ========================= النظام
السوري يستنسخ تجربة "حزب الله"
اللبنانية دمشق ـ
غازي دحمان المستقبل 12-2-2012 كانت واضحة حال
الإستعجال التي سيطرت على عملية تشكيل
الإئتلاف الوطني لقوى المعارضة
السورية، فلم يكن في أجواء المعارضة ما
يشي بإمكانية نجاح هذا التشكيل
السياسي، إذ بدا أن مبادرة المعارض
رياض سيف وكأنها تأتي من سياق مختلف
بالنسبة لفلسفة المجلس الوطني ونهجه،
الهيئة الأكبر في المعارضة السورية. غير أن مبادرة سيف
بدت أنها تحاكي سياقاً دولياً
وإقليمياً ينشد إعادة تفعيل قوى
المعارضة السورية وتزخيم بنيتها، بعد
أن تبين لتلك الجهات عدم قدرة البنية
الحالية للمعارضة السورية على تغيير
حالة "الإستاتيكو" التي علقت فيها
الثورة السورية ميدانياً وسياسياً،
ولكون هذه البنية، بما تحمله من تشوه
بداخلها بفضل سيطرة التيار الإسلامي
على القرار فيها، صارت طاردة لحماسة
التحرك بإتجاه دعم الثورة، فكان الشرط
الشارط لتزخيم هذا التحرك تطوير بنية
المعارضة وتحويلها إلى إطار فضفاض من
الناحيتين الحركية والإيديولوجية،
وأكثر مرونة في التعاطي السياسي مع
الأزمة واستحقاقاتها المقبلة، من جهة
أخرى، لتصبح أكثر مقبولية، ليس
بالنسبة لتمثيل الشعب السوري وحسب،
وإنما لمنحها المساعدات بمختلف
أنواعها، والتي من شأنها إحداث
التغييرات الميدانية، وإقناع الأطراف
الدولية والإقليمية، التي تقف إلى
جانب النظام بالبحث في مصيره وإيجاد
المخرج اللازم للأزمة. يشي إسلوب بناء هذا
النسق السياسي بأن الهدف من هذه
العملية السياسية هو تحريك المعطيات
على سطح الأزمة، ومع انه من المتوقع
ألا تصل الأمور ضمن هذه العملية إلى حد
الإجتياح العسكري، فإنه من المتوقع أن
تشمل مروحة واسعة من الإجراءات التي قد
تبدأ بتحصيل إعتراف أممي بالمعارضة،
بوصفها ممثلاً للشعب السوري، وصولاً
إلى حد تقديم المساعدات العسكرية، بما
فيها إدارة مسرح العمليات من قبل
الخبراء العسكريين. مقابل ذلك، يبدو أنه
قد إستقر في إدراك النظام، متأخراً،
بأن سوريا غادرت مواقع الولاء الكامل،
أو حتى الجزء المطلوب منه للإستمرار في
الحكم، لذا فهو وإن كان في الظاهر يعمل
على إستدامة حكمه في سوريا، فإنه صار
يعمل أيضاً بإتجاه تحسين مواقعه كطرف
في أية تسوية قادمة، إنطلاقاً من
حساباته بأن وجوده ساعة التسوية،
كطرف، من شأنه أن يحقق مكاسب مهمة
لبيئته، أفضل بكثير مما إذا كان خارج
التسوية. وفي إطار ذلك، ثمة
جملة من الإجراءات يقوم بها النظام،
تؤكد توجهه لإعادة إنتاج تجربة" حزب
الله" اللبنانية في سوريا، من خلال
إحتكاره للسلاح داخل بيئته والسيطرة
على الجيش عبر" علونته"، حيث يقوم
بتطويع أعداد كبيرة من أنصاره في صفوف
الجيش، وبخاصة في ظل حالة إستنكاف
السنّة عن الإلتحاق بالجيش. وفي حال
دخول النظام، مدعوماً من روسيا، مرحلة
التفاوض، فإنه سيقاتل من أجل تثبيت وضع
الجيش على حاله، لضمان السيطرة
مستقبلاً على البلاد، عبر واجهات
سياسية سنيّة تتحرك في إطار أهدافه وفي
خدمته، تماماً كما هو حاصل الأن في
تجربة" حزب الله" اللبنانية. وفي سبيل السيطرة
المطلقة على الجيش السوري تجري الآن
عمليات تسريح كبيرة في صفوف الضباط من
خارج بيئة النظام، ويترافق ذلك مع
عمليات إعدام وإعتقال بحق ضباط آخرين،
في ظل ظروف الفوضى التي تشهدها سوريا
حالياً، ما يشكل تطبيقاً لعملية
التطهير أو التنظيف، التي كان الأسد قد
أشار لها في مقابلته مع قناة" الدنيا"،
والتي لمح فيها إلى أنه سهّل عملية
خروج البعض، وكان المقصود حينها
العميد مناف طلاس، ربما لأنه يريد
تنظيف القيادات العليا من الضباط
الذين لاينتمون لبيئته الطائفية. غير أن عملية اللعب
بالمعطيات، تدار الأن في إطار عملية
صراع إقليمية ودولية كبرى، إذ تتحرك
الأهداف المحلية في سياق أهداف الدول
الفاعلة، وتبدو متناغمة ومنسجمة معها،
ففي الوقت الذي تريد فيه روسيا وإيران
المحافظة على سيطرتهما على مراكز
القوى والبنى المؤثرة في هياكل الدولة
السورية لضمان مصالحهما المستقبلية،
كي لا تقعان تحت رحمة ما يجود به الغرب،
فإن الطرف الآخر يعمل على إضعاف النظام
وتشتيته، وصولأ إلى تخفيض سقف
الطموحات الروسية والإيرانية
وإقناعهما بقبول القليل. ولعل الصراع
الميداني يعكس حال التسابق بين أطراف
الصراع الخارجية ويترجم وقائعه على
الأرض، فبعد نجاح الحلف المؤيد
للنظام، ومن خلال ذراع "حزب الله"
العسكرية، في إغلاق جبهة حمص - القصير
وصولأ إلى ريف دمشق الغربي، وهي الجبهة
التي تكفلت بإستنزاف النظام لمدة
طويلة، عمدت المعارضة ومؤيدوها إلى
توسيع قوس المواجهة على طول الحدود
التركية بأكملها من غربي إدلب مروراً
بحلب وريفها وإمتداداً إلى الرقة ودير
الزور والحسكة، وهي مساحة تتجاوز
مسافة تسعمئة كيلومتر، فضلاً عن
الإختراقات في جبهة الجولان وإشعال
العاصمة عبر تفجير خواصرها الجنوبية
والغربية والشرقية، ولعل المراقبون
العسكريون يفهمون معنى هذا التوسع في
الإشتباك وخطورته على جيش نظامي، إذ
يضطر النظام في هذه الحالة إلى إشراك
كامل قوته العسكرية، التي حيّد جزءاً
كبيراً منها لشكه بولائها، وفي ذلك،
مغامرة لا يستطيع أحد تقدير أبعادها،
فربما يؤدي الضغط المتواصل إلى كسر
حلقته الصلبة المتمثلة بقوات النخبة
المؤيدة له والتابعة لطائفته. الصراع بين تحريك
المعطيات وترسيخها عنوان المرحلة
الراهنة في الحدث السوري، وهو صراع ما
من شك بأنه جدّي، ودليله ليس قساوته
وحسب، وإنما إعتماده من قبل الأطراف
كإستراتيجية أخيرة، في سياق بحثها عن
نافذة للولوج إلى مرحلة التفاوض
الكبرى حول مصير سوريا. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |