ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 15/12/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

13/14-12-2012

سوريا بين الدمار والحوار

تاريخ النشر: الجمعة 14 ديسمبر 2012

د. رياض نعسان أغا

الاتحاد

لا أحد يعرف عدد من قتلوا في سوريا تحت الأنقاض وهم لابد بعشرات الآلاف، ولا توجد وسائل تقنية عند الناس البسطاء المفجوعين لإزالة تلال الركام الإسمنتي، والبحث عن جثث أو عن أحياء حين يأتيهم القصف العشوائي الذي بات الدليل الأبرز على الوحدة الوطنية بين السوريين، فهو لا يميز بين الأعراق والطوائف ولا حتى بين الانتماءات السياسية، وبراميل الموت لا تملك أهدافاً محددة، وهي ترى أن الجميع صاروا أعداء، وقد تم تدمير نحو خمسين في المئة من البنى السورية، والتدمير في تصاعد وازدياد، ولم ينجُ منه إلى الآن سوى بعض المناطق التي لم تشهد أي احتجاج أو استنكار لما يحدث، ربما خوفاً من مصير مماثل.

أما الذين قضوا وهم قيد الاعتقال فلا يعلم عددهم إلا الله، وكل الأرقام التي تعلن عن عدد المفقودين هي تقريبية، وأما عدد المعتقلين الأحياء والمطلوبين للاعتقال، فقد وصل إلى ما يستحق التسجيل في موسوعة الأرقام القياسية، وأما الذين تشردوا في الداخل والخارج فقد تجاوز عددهم الملايين، وقد جاء فصل الشتاء مع برده القارس ليزيد معاناة السوريين، وأوشكت البلاد أن تدخل في المجاعة مع حرمانها من المواد الغذائية، ولأول مرة منذ نحو عشرة آلاف عام (هي التاريخ الذي نعرفه لسوريا) يعيش السوريون هذه الحالة المريعة، فقد سبق أن تعرضت سوريا لمحن كثيرة وكبيرة، وقصفت دمشق ودمرت حلب ومدن سورية عدة مرات في تاريخها، ولكن ذلك كله كان يتم عبر عدوان خارجي، أما أن تدمر سوريا بيد من يفترض أنهم أبناؤها فهذا يحدث لأول مرة في التاريخ.

وإذا كان الهدف من كل هذا العنف هو تحقيق الانتصار على الثوار، وقمع الانتفاضة، فهل تدمير المدن يزيد حجم المؤيدين؟ أيؤدي الإسراف في استخدام العنف إلى تمتين العروة الاجتماعية لمقاومة ما يسمى بالمؤامرة الكونية أم أن العنف هو الذي يستدعي العنف المضاد؟ أطرح هذه الأسئلة التي لا تبحث عن إجابة، إزاء حالة من جنون العنف الذي لم يبق له هدف سوى التدمير أو السعي إلى الإبادة الجماعية التي أطلق عليها اسم التطهير، وهو يطلق على التطهير العرقي أو الديني أو المذهبي، فإن أطلق على من صاروا إرهابيين (ولا أنكر توغل بعضهم في المشهد السوري المضطرب والمرتبك) فإن الغالبية المطلقة في المعارضة المسلحة اليوم هم ضباط وجنود الجيش العربي السوري الذين رفضوا ما سمي الحل الأمني العسكري، ولم يتمكنوا من النصح أو التعبير عن استنكارهم، فلم يجدوا وسيلة غير الانضمام إلى شعبهم للدفاع عنه، فكيف يصير هؤلاء إرهابيين وكانوا قبل يوم من الانشقاق حماة الديار؟ أما كانت كل هذه الانشقاقات جديرة بوقفة تأمل ومراجعة وإبداع لحلول تتم فيها تضحيات وتنازلات من أجل الحفاظ على وحدة الوطن وتجنيبه هذا الدمار؟ وكم كان ضرورياً أن يسارع من بيده الأمر للحفاظ على وحدة الجيش السوري، فقد بات انفراط عقده أخطر ما في المشهد المفجع، الذي بتنا نرى فيه ضابطاً سورياً يوجه مدفعيته أو صواريخه أو براميل المتفجرات إلى حي من أحياء سوريا حيث يسكن أهله الذين يفترض أنه المدافع عنهم حتى وإن كان أعداؤه من رفاق السلاح قد لجأوا إلى هذا الحي أو ذاك، فالحوار يسبق، والعداوة المفترضة هي نتاج العنف الذي قوبل به المتظاهرون الذين أصروا في البدء على سلمية مظاهراتهم.

ويبدو أن تلك السلمية كانت مخيفة، وهذا ما دفع إلى تحويلها من ثورة بيضاء إلى احتراب داخلي، وربما كان أمل الخطة أن يقود الاحتراب إلى مفاوضات وحوار تنتهي بهما الحروب عادة، على أمل أن يكون التقسيم هو المخرج.

أتوجس من ذلك، لأن الدعوة إلى التقسيم لم تعد مجرد شائعات أو تكهنات، فقد بات الحديث الهامس حولها يعلو بالتدريج، وربما يصير موضوع حوار سياسي قريباً، وقد بدأ الداعون إليه يرتبون الحجج والذرائع، وينشرون الخوف من الانتقام لتبرير الخطة، وتقسيم سوريا كان مشروعاً فرنسياً أيام انتداب فرنسا على سوريا مطلع القرن العشرين، وقد قاومه السوريون ورفضوه، ووقف الشرفاء من العلويين ضده، وأصروا على العودة إلى اللحمة السورية، وكان هدف التقسيم يومذاك، إضعاف سوريا لتمكين إسرائيل من إعلان دولتها. ومع قناعتنا بأن أشراف العلويين سيرفضون اليوم ما رفضه آباؤهم، إلا أننا نخشى أن نجد من يشجع على ذلك ليدخل سوريا في حروب لا تنتهي، ولتصير قضية فلسطين والجولان هامشية وثانوية في الأولويات السورية. وبعض المحللين يرون أن خطة تدمير سوريا وإنهاكها هي مقدمة ضرورية لإعلان خطة التقسيم، فلابد من أن يعود المشردون إلى معاناة تشغلهم عن وحدة التراب وعن كل القضايا الكبرى، حيث سيكون الهم الأكبر هو تأمين المخيمات والمعسكرات لملايين ممن لن يجدوا بيوتاً يسكنونها، ولن يجدوا أدنى مستلزمات العيش الكريم، فضلاً عن حالة الاضطراب والفوضى التي ستحل بالمجتمع في صراعات السلطة قبل الاستقرار، وعادة تأكل الثورات أبناءها، وما يحدث في مصر اليوم سيحدث في سوريا غداً، وسينشغل الناس بالدستور وبالعلمانية وبالإسلام، وسينشغل السوريون بإعادة الإعمار والبحث عن المنح والمعونات والقروض الدولية. وربما تثير فكرة التقسيم شهية بعض الأقليات، ولا ندري من يفكر كذلك بأن تكون له حصة خاصة من سوريا الممزقة، وهي عماد من ركائز العروبة المتبقية، فإن سقط سقطت الأمة ودخلت مرة أخرى في عصر الأقليات المتناحرة المتحاربة ولعل أخطر ما يمكن أن يقود إلى استمرار الدمار هو إجهاض التجارب الديمقراطية ونشر أفكار متطرفة تتيح لأعداء الأمة أن يجنوا وحدهم ثمار «الربيع العربي».

إنني أدعو الله ألا يحدث شيء من هذه الاحتمالات كلها، وأرجو من السوريين جميعاً أن يكون هدفهم الأول هو الحفاظ على وحدة التراب السوري وعلى بنية الدولة، وأن يرفضوا كل الدعوات المريبة أيضاً إلى خطط المحاصصة السياسية التي وقع لبنان والعراق في معتركها، وأن يجمع السوريون على مبدأ المواطنة، وإلا فإن سوريا مهددة بالخروج من التاريخ.

==============

الدعم المفتوح حتى زوال الطغيان

عكاظ

14-12-2012

•• لم تكن مساهمة المملكة بمائة مليون دولار في دعم الائتلاف السوري خلال مؤتمر أصدقاء سوريا في المغرب هي كل ما نقدمه للشعب السوري المنكوب..

•• كما أنها لن تكون بمثابة آخر عون لهم على مواجهة عمليات القتل اليومي التي يتعرضون لها من قبل نظام جائر قرر أن يقتل كل شعبه.. ووقف العالم عاجزاً ــ حتى الآن ــ عن إنقاذه.. بفعل الموقف الروسي المتصلب إلى جانب ذلك النظام القاسي وكأن الروس ينتقمون بذلك من كل شعوب العالم التي شهدت تآكل الدب الروسي وتساقطه في يوم من الأيام بذهول..

•• واليوم وقد أجمعت الإرادة الدولية بعيداً عن الدب الروسي الظالم.. أجمعت على الاعتراف بالائتلاف ممثلا للشعب السوري.. فإن هذا الدعم السياسي وذلك الدعم المادي من قبل الكل كفيل إن شاء الله تعالى بأن يخلص سوريا والشعب السوري من أفظع عمل إجرامي تعرض له شعب مسالم وأعزل في التاريخ.

•• ونحن هنا في المملكة العربية السعودية سوف نواصل الوقوف إلى جانبهم بكل ما نملك حتى يخلصهم الله سبحانه وتعالى من هذا الظلام الدامس ويعينهم على إعادة بناء دولتهم وتنظيم صفوفهم وإبعاد جميع الأخطار عنهم وتأمين سلامتهم.. وهو القادر على نصرتهم وكسر شوكة الظالم لهم بحوله وقوته.

==============

في مرمى مجلس الأمن

د. عبدالرحمن الحبيب

عكاظ

14-12-2012

حقق الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة في اجتماع مراكش نصرا وتقدما كبيرا عندما حصل على اعتراف أكثر من 120 دولة وجهة دولية به كممثل شرعي وحيد للشعب السوري. ويأتي في مقدمة هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية. بالإضافة إلى الدعم والمساعدات المالية من المملكة بـ 100 مليون دولار وأمريكا بـ 40 مليونا وألمانيا بـ 22 مليونا. ولا شك أن النجاح الذي حققه هذا الاجتماع يدعونا للقول أن مسؤولية الائتلاف الوطني تتزايد اليوم في توحيد صفوف المعارضة وإيجاد صيغة موحدة ومشتركة بين جميع أطياف وفئات المعارضة بحكم أنه أصبح الآن الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري وبالتالي فقدان النظام السوري الحالي لشرعيته بالكامل.

ومن هنا نرى أن الكرة الآن في مرمى مجلس الأمن في تحمل مسؤوليته الكاملة وفقا لميثاق الأمم المتحدة في حفظ الأمن والسلام الدوليين وذلك بسرعة معالجة الملف السوري في ضوء التطورات الأخيرة على الأرض .. وهي تطورات تؤذن بسقوط النظام وبالتالي ضرورة التأهب لما بعد تولي الشعب مهمة إدارة شؤون البلاد بإدارة وطنية موحدة .. وبرؤية مستقبلية مستوعبة لكل الأخطار والتحديات وفي مقدمتها خطر التفتت والتمزق والتشرذم والتشدد لا سمح الله.

==============

هل يضمن "الإخوان" سوريا جديدة "غير تكفيرية"؟

سركيس نعوم

2012-12-14

النهار

كانت الادارة الاميركية منسجمة مع مواقفها عندما أدرجت "جبهة النصرة" المقاتلة الى جانب الثوار السوريين على "لائحة الارهاب". فهي، استناداً الى معلوماتها، على علاقة وثيقة بـ"تنظيم القاعدة" الذي تعتبره ارهابياً، والذي تخوض معه حرباً منذ عقود سجل فيها عليها نقاطاً كثيرة بعضها موجع جداً، وكبَّدته خلالها خسائر فادحة جعلته في موقع دفاعي. علماً ان حاله هذه لا تمنعه ولن تمنعه من الاستمرار والتجدد، لأنه ليس تنظيماً عادياً مهيكلاً، وليس جيشاً نظامياً، ولأن بيئاته الحاضنة له هي دائماً "الشعب" الذي يرى فيه أملاً في التخلص من عبودية انظمة، او من طغيان فقر وفساد، أو من هيمنة قوى استعمارية – دينية "كافرة". و"تنظيم القاعدة" يشكل خطراً على حلفاء اميركا في المنطقة وفي مقدمهم اسرائيل والانظمة العربية "المعتدلة" في سياساتها العامة على رغم بعض التطرّف في سياساتها الدينية. كما انه يشكل خطراً على "الثورات العربية" التي يسعى الى السيطرة عليها بغية تحويل دولها مناطق آمنة له وقواعد لعناصره ونقطة انطلاق لعملياتهم "الجهادية". وما يجري في تونس وليبيا، وما قد يجري في مصر وربما في سوريا بعد سقوط نظام الاسد، دليل واضح على ذلك. إلا أن ذلك لا يعني ان مواقف "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" و"الإخوان المسلمين" السوريين كما "الجيش السوري الحر" المنتقدة للقرار الاميركي في شأن "جبهة النصرة" ليست في محلها ايضاً. إذ في وجه آلة القمع والقتل التي امتلكها النظام السوري ولا يزال، وفي مواجهة قراره بتصفية الثورة على نظامه وإن أدى ذلك الى تدمير سوريا والقضاء على نصف شعبها، وفي ظل "تريث" الغرب والعرب في تزويد الثوار ما يحتاجون اليه من أسلحة نوعية للانتصار، وهو تريث استمر نيّفاً وبضعة اشهر، إذ في وجه كل ذلك وظله ولم يكن في وسع الثوار إلا الترحيب بكل من يأتي الى مساعدتهم.

هل يؤثِّر القرار الاميركي إدراج "جبهة النصرة" على لائحة الارهاب على مسار الثورة السورية، وعلى التزام العرب والغربين الاميركي والاوروبي مساعدتها للتخلص من نظام الاسد ولإقامة نظام بديل يعتمد الديموقراطية ويعترف بالتعددية ويحترمها؟

المعلومات المتوافرة عند جهات عدة إسلامية وغربية تستبعد ذلك. فنسبة الاصوليين الاسلاميين التكفيريين في سوريا اليوم ضئيلة إذا ما قيست بنسبة غالبية الثوار. بعضهم غير عرب، وبعضهم سوري. لكن "الجيش السوري الحر"، استناداً الى مصادر اسلامية معتدلة مطلعة، صار قوياً ويمتلك المال والسلاح. وهو يتطور تدريجاً. وبعد تأسيس "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" وتبني معظم العالم له لم تعد هناك مشكلات اساسية غير قابلة للحل. طبعاً، يقول هؤلاء قد يحصل فوضى في سوريا المحررة في حال سقوط النظام على نحو مفاجئ، أو في ما يتحرر منها جراء انكفائه الى "مربعه الجغرافي المذهبي". وهذا امر طبيعي جراء الصراع على السلطة بين الاسلاميين انفسهم وبينهم وبين غير الاسلاميين... لكن هناك قدرة على ضبط الوضع وتنظيمه. فجماعة "الإخوان المسلمين" مثلاً عززت وجود عناصرها في الالوية والكتائب المقاتلة داخل "الجيش السوري الحر" وداخل الفصائل الاخرى. وهي تتولى عملية التوجيه والدفع في اتجاه الوحدة. و"الإخوان" سيكون لهم على ما يبدو دور مهم واساسي في مرحلة ما بعد الثورات بقبول الغرب والتفاهم معه وتالياً مع العرب. فالقيادة العسكرية للثورة التي شكّلت حديثاً "إخوانُها" راجحون. والدور الغربي – العربي في تشكيلها واضح. وسيكون لهذه القيادة عندما يحين الوقت 20 الف عنصر مدربون جيداً في تركيا وربما في الاردن تستعملهم عند عودتهم الى بلادهم سوريا لتشكيل نواة جيش جديد، ولمنع الفوضى، ولتجميع كل الفصائل والفئات الساعية فعلاً لإقامة دولة جديدة وحديثة.

اما العرب والغرب، الذين اكثروا أخيراً من اجتماعات عسكرييهم الكبار لوضع اللمسات الاخيرة على الخطط المتعلقة بسوريا ما بعد الاسد او بتسريع اسقاطه، فإنهم سيصبحون أكثر سخاء في موضوع السلاح والمال والمساعدات المتنوعة.

هل من تقدير لموعد نجاح الثوار في إسقاط الاسد؟ لا جواب واحداً عن ذلك. البعض يقول خلال اسابيع، والبعض الآخر يقول خلال اشهر، والبعض الثالث يتمسك بالقول: لا تزال الأزمة طويلة. والتناقض ناجم عن نقص في المعلومات، أو عن تصارع في الاهواء والميول السياسية، أو عن تمنيات.

==============

معركة دمشق... فصل ختامي!

راجح الخوري

2012-12-14

النهار

إطلاق صواريخ "سكود" على المعارضة بعد القنابل الروسية الحارقة لن يغيّر شيئاً في مآل معركة دمشق وهي الفصل الاخير من سنتي الدمار والخمسين الف قتيل، التي بات واضحاً انها إما ان تنتهي بانهيار دراماتيكي للنظام وإما بانتقاله الى المناطق الشمالية لإعلان الدولة العلوية، ربما لهذا دعا أحمد معاذ الخطيب العلويين الى العصيان المدني ضد"النظام فقد ظلمكم كما ظلمنا"!

يؤكد هذا ايضاً الموقف الاميركي المتحرك اخيراً ليس عبر الاعتراف بالائتلاف الوطني ممثلاً وحيداً للشعب السوري فحسب، بل على صعيد الاستعجال لمحاولة الامساك بأكبر مقدار ممكن من اوراق القوة على الارض وفي الميدان، ومن هنا يمكن ان نفهم اشتراط واشنطن عزل "جبهة النصرة" التي تعتبرها ارهابية كمقدمة لتسليح الثوار!

ولكي يتضح الموقف الاميركي اكثر علينا قراءة كلام فريدريك هوف مستشار الخارجية الاميركية لعملية نقل السلطة في سوريا الى صحيفة "لوس انجلس تايمس": "نحن في حاجة الى السيطرة على الخدمات اللوجستية واتخاذ القرار بشأن من يحصل على السلاح وعلى اي نوع من السلاح"، ولعل اخطر من هذا قوله: "ان تردد واشنطن في عسكرة الوضع لم يعد مناسباً. ان العنف الطائفي يدمر سوريا والوقت عدونا، كلما كانت الاضرار اكبر صارت عملية اعادة بناء سوريا اصعب"!

لا ادري ما اذا كان باراك اوباما قد قرأ تصريح هوف جيداً، لكن أجد من المناسب القول للرئيس الاميركي على طريقة غوّار الطوشة: صحّ النوم سيدي الرئيس! لقد انتظرت سنتين من المآسي لتلتفت الى ما يجري وما يمكن ان يشكله من خطر على مستقبل سوريا والمنطقة والتوازن الاقليمي. في اي حال واضح ان "المناوشة السياسية" حول التسليح و"جبهة النصرة" لن توقف العد العكسي لسقوط النظام في دمشق!

لكي نتبيّن التوجهات المتسارعة التي بدأت ترسم ملامح ما بعد الاسد، ليس علينا إلا قراءة كلمات الشيخ حمد بن جاسم رئيس الوزراء القطري في مراكش، ليس لأنه يكاد يكون روبسبيير الثورة السورية في تأكيده "ان الشعب السوري على ابواب استكمال نصره واسقاط نظام الاسد"، بل لأنه أضاء على الفصل المقبل من المسألة عندما قال ان الاعتراف بالائتلاف خطوة مهمة لكن تليها بالضرورة عملية التحضيرللمرحلة الانتقالية وتأمين انتقال منتظم للسلطة في سوريا، وهي الآن المهمة الاساسية للممثل الخاص الاممي - العربي الاخضر الابرهيمي "بعدما اضحى من المحسوم نهاية نظام الاسد"!

اكثر من هذا بدا الشيخ حمد وكأنه يتجاوز السؤال "من سيحكم سوريا" الى التساؤل الضروري "كيف سيعاد بناء سوريا سياسياً وانسانياً ومدينياً"، وذلك عندما اقترح عقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار سوريا ودعم اللاجئين السوريين وهو استشفاف مثير لنهاية الاسد!

==============

الشعب السوري يريد وقف إطلاق النار * ضياء الفاهوم

الدستور

13-12-2012

كان الأردن وما زال في مقدمة الدول التي دعت إلى حل الأزمة السورية بالوسائل السلمية حفاظا على شقيقته وجارته العزيزة سوريا وكل أهلها وضيوفها. ورغم أنه تحمل من أجل ذلك الكثير بقي بعون الله ثابتا على موقفه هذا طوال الواحد والعشرين شهرا الماضية.

وجاء في تصريح للمبعوث العربي والدولي المكلف بإيجاد حل للنزاع السوري الأخضر الإبراهيمي أفضى به مؤخرا أنه تم الاتفاق مع أميركا وروسيا على حل النزاع السوري عن طريق تشكيل حكومة انتقالية من الطرفين المتقاتلين. والجدير بالذكر أن الإبراهيمي صرح قبل ذلك بحوالي أسبوعين بأنه لم يعد من الممكن حل النزاع في سورية إلا بقرار من مجلس الأمن الدولي على أساس مشروع قدمه بهذا الشأن. ومما ذكرته آخر الأخبار أن موسكو وواشنطن قد اتفقتا على ضرورة حل النزاع السوري بالحوار.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: هل يتبنى مجلس الأمن الدولي قرارا في وقت قريب بشأن وقف إطلاق النار في سورية وحل مشاكلها بالطرق السلمية لخروج بلاد الياسمين من الأوضاع الدامية والمدمرة والمهجرة التي ابتليت بها لمدة اقتربت من عامين مليئين بالمآسي والأوضاع المعيشية الصعبة؟.

والحقيقة أنه قد أصبح من واجب كل العرب أن يعملوا على إنقاذ الشعب السوري مما أصابه من ويلات كارثية فاقت كل التصورات والوقوف ضد كل من يتدخل في الشؤون السورية بشكل يزيد الأوضاع خطورة في سوريا وأن يبذلوا كل ما في استطاعتهم من أجل تحقيق ما يريده السوريون مثل أن تدار الأمور في بلادهم بحرية لا تشوبها شائبة وبديمقراطية تامة يقوم من يختارهم شعبهم بالمراد من الإصلاحات في كافة الشئون وأن يسود القانون على الجميع دون استثناء وأن لا يزج أحد بالسجون لأسباب سياسية أو اختلاف في وجهات النظر.

ولما كان قول الحق والنضال من أجل إحقاقه واجبا وطنيا وإنسانيا كبيرا فإنه يجب احترامه وتأييده بكل همة ونشاط من قبل كل أصحاب القيم والمثل العليا والداعين إلى التقيد بمقتضيات الحق والعدل وحقوق الإنسان في ربوع العالم قولا وعملا. وهذا بالطبع يشمل القضايا العادلة في كل أنحاء العالم ومن أبرزها قضية الشعب العربي الفلسطيني الذي ظلم كثيرا من عالم خنع طويلا للصهيونية التي سرقت البلد العربي الفلسطيني وهجرت أهله وسببت لهم عذابات صارخة بحجج واهية ومراوغات لها أول وليس لها آخر.

وما لا يجيب أن يغيب عن البال أن أغلبية الشعب السوري قد ضاقت ذرعا بالاقتتال الدامي الذي لم يعد يحتمل التفجيرات المتكررة في أنحاء مختلفة من الجمهورية العربية السورية والتي يروح ضحيتها في أغلب الأحيان مدنيون مسالمون يكدون من أجل لقمة العيش ومواجهة الأوضاع المعيشية المضطربة التي سببها الاقتتال المتواصل بين رجال النظام والمعارضة بكل ما فيه من قسوة وتدمير ودون إعطاء أية أهمية للويلات التي سببها المتقاتلون وما زالوا يسببونها لجميع أبناء سوريا.

وقد أعرب كثيرون من أبناء سوريا عن تفضيلهم لأن يتم ما يريدونه من إصلاح بتفاهمات متفق عليها أكثر بألف مرة من اتيانه بسفك الدماء المرعب الذي شهدته سوريا وما زالت تشهده بسبب خلافات شديدة على الحكم. وأشار بعضهم الى الاعتقاد بأن انتفاضة شعبية سورية عارمة ضد المتقاتلين ربما أصبحت قاب قوسين أو أدنى وأعربوا عن يقينهم بأن أهلها سيحرصون على أن يتولى الأمور في سوريا من يؤثرون مصالح الوطن العربي السوري على كل ما عداها. ومن المعروف أن سوريا شهدت الكثير من أمثال هؤلاء الكبار منذ ما قبل استقلالها في الأربعينيات من القرن الماضي ومن ثم أثناء استقلالها وما بعده بسنوات.

ومع كل ذلك فما زال الشعب السوري يريد من مجلس الأمن أن يتخذ في أقرب وقت ممكن قرارا بوقف إطلاق النار في بلاده وأن يتبنى إجراءات سريعة لتنفيذه والعمل على إزالة كافة آثار الاقتتال الدامي الذي فرض على بلاد الياسمين طوال الواحد والعشرين شهرا الماضية.

==============

الأزمة السورية ومؤتمر مراكش * عبدالمجيد جرادات

الدستور

13-12-2012

بدأت أول أمس الأربعاء جلسات مؤتمر أصدقاء سوريا، الذي استضافته المملكة المغربية، في المدينة العريقة (مراكش)، وقد جاء هذا المؤتمر بعد سلسلة من اللقاءات بين وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، ونظيرها الروسي سيرجي لافروف، وبمشاركة مبعوث هيئة الأمم المتحدة الأخضر الابراهيمي، الذي ظهر هذه المرة متفائلا بوجود تطورات ايجابية، يأمل الجميع أن تؤسس للخروج من تداعيات الأزمة السورية.

أمران يخضعان خلال هذه الفترة لاعادة التقييم حول المشهد السوري، يتمثل الأول، باستبعاد فكرة الاستعانة بتدخل عسكري من خارج سوريا لحسم الموقف ضد النظام الحالي، والمقصود بذلك هو تجنب الدخول بمواجهات (طائفية) قد تؤدي بعد حين لتقسيم الدولة السورية، أما الأمر الثاني، فهو يتعلق باحتمالات اللجوء لاستخدام الأسلحة الكيماوية سواء من قبل الرئيس بشار الأسد في اللحظة التي يرى فيها أنه يقف أمام حتفه، أو ان وقعت هذه المعدات بأيدي فصائل تنتمي للمعارضة المسلحة في سوريا، لكنها لا تتعامل مع اسرائيل بالود الذي يحول دون ازعاج أو ايذاء اليهود فيما اذا تطايرت شظايا هذه الأسلحة، وانتشرت سمومها، والدليل هو أحدث قرار للادارة الأميركية والذي صنف جبهة النصرة، منظمة ارهابية.

من الواضح أن (مناخ مدينة مراكش) قد انعكس على طبيعة الكلمات التي ألقيت من قبل مندوبي الدول والمنظمات العالمية التي شاركت بهذا المؤتمر وعددها 114، فهو يخلو من الحدة التي تضاف لمنسوب الخلافات الداخلية بين مكونات الشعب السوري، وكنا نتمنى أن يتجلى هذا الخطاب منذ بدايات الأزمة السورية، والمهم هو أننا سمعنا بعض التأكيدات على أهمية استعادة الدور الحيوي لسوريا ضمن محيطها العربي، ولأن الهدف الرئيس لهذا المؤتمر هو التوافق على شكل الحكومة الانتقالية، فان السؤال المطروح هو: من أين ستبدأ هذه الحكومة، وكيف ستكون خططها المستقبلية؟. بحسب مخرجات الأوضاع القائمة في الداخل السوري منذ اندلاع الأزمة، فان عدم قدرة قوات النظام على حسم الموقف وضبط الأمور، يتطلب التوقف عن حالة التآكل التي تستنزف مقدرات الجميع، بمعنى ادق فان غياب شروط سيادة الدولة على جميع أراضيها، يستوجب الاذعان لمنطق الأمور، وهو القبول بالدور الذي يصون وحدة الشعب ويحرص على مبدأ الخروج من الأزمة قبل أن تسوء الأحوال أكثر مما هي عليه، ويبقى دور الجهات التي ستأخذ على عاتقها تحمل أمانة المسؤولية، وفي هذا السياق، لا بد من التذكير بأن فن ادارة الأزمات في مثل هذه الظروف، يكمن بفضيلة الترفع وعلى مختلف المستويات عن اللجوء لنزعة الثأر، أو تصفية الحسابات.

أثناء جلسات مؤتمر مراكش، عرضت الفضائية البريطانية B.B.C، لقطةً لمجموعة من اللاجئين السوريين في الجنوب التركي بعد أن وصل التدافع بينهم الى حالة متطورة من العراك، وكل ذلك من أجل الحصول على مستلزمات تقيهم شدة البرد، وهو مشهد يتكرر في أكثر من مكان، وفيه من بلاغة الصورة ما نرى أنه يستجير بروح الحمية التي تأبى توجيه السلاح لصدور الأقارب أو أبناء العمومة.

==============

جبهة النصرة إرهابية ؟

مازن كم الماز

2012-12-13

القدس العربي

لا شك أن الإدارة الأمريكية تتصرف بنزقها المعتاد، هي مرة أخرى تمنح نفسها وضعية القاضي والخصم، الأمر الذي كان وراء الغضب المستحق الذي يطاردها في الشرق وفي كل مكان .. ما تفعله أمريكا بهذا العمل هو أن تحدد خصومها ليس إلا لأنها أخلاقيا لا تملك الحق في اتهام الآخرين رغم أنها تملك القوة لملاحقتهم ولو أن هذا هو المهم في الموضوع بالنسبة للكثيرين.

قيل الكثير عن الإرهاب وعمن يمارسه، في سوريا وغيرها، خاصة عن نظام الأسد الذي أصبح خارج المعقول في إرهابه ودمويته، وقيل الكثير أيضا عن جبهة النصرة نفسها .. الحقيقة أنه هناك الكثير من التخبط في كل هذا، فلا العالم يكره أمريكا لأن شعبها يملك حريات أكثر من غيره، كما زعم بوش ذات يوم، بل يكرهها لأنها تمارس دور البلطجي العالمي، لأنها أكبر إرهابي في العالم، ولا جبهة النصرة هي البطل المقدام للثورة السورية، كما يزعم البعض أيضا، لأن البطولة في الثورة السورية كما في كل الثورات هي بطولة جماعية تشمل الآلاف إن لم يكن الملايين من البطولات التي مارسها السوريون منذ 22 شهرا والتي يستحيل حصرها في أية ظاهرة .. مع ذلك يبدو صحيحا أن مقاتلي جبهة النصرة يستحقون الكثير من الثناء بسبب بطولاتهم، فهم أيضا يملكون ذلك السحر الخاص للتمرد في مواجهة واقع لا يطاق لكنه في نفس الوقت واقع عنيد وقاسي في قمعه لأية محاولة للرفض أو الاحتجاج، يستحقون تلك الهالة الأسطورية التي حملها من قبل سبارتاكوس وغيفارا .. هذه المرة أيضا يستحوذ المتمرد على القلوب، ليس المقاتل الجهادي إلا النسخة الأخيرة الراهنة الخاصة بنا من هذا المتمرد على الطغيان عبر العصور .. مهما قيل في هؤلاء المقاتلين فإنهم يستمدون سحرهم من تمردهم العنيف ورفضهم المطلق لواقع لا إنساني عبثي .. وإذا كان كامو قد اعتبر في دراسته عن المتمرد أن التمرد المعاصر قد أصبح تمردا ميتافيزيقيا، كتحدي في وجه واقع عبثي أكثر منه انتفاضة جياع، فإن هذا أكثر ما ينطبق على الجهاديين اليوم .. إن المقاتل الجهادي هو بشكل من الأشكال راسكولنيكوف دوستويفسكي بطل روايته الجريمة والعقاب الذي يمنح نفسه، بحكم معاناته وآلامه وتفانيه في خدمة قضيته، الحق في ارتكاب الجريمة لصالح البشرية ..

من قرأ كتاب معالم في الطريق لسيد قطب، مانيفستو الجهاديين الإسلاميين، وكتب العدميين الروس والفوضويين الأوروبيين في أواخر القرن التاسع عشر لا بد أن يكون قد أثار دهشته ذلك التشابه الهائل بين هذه الكتابات، وأيضا الشبه الكبير بين أفعالهم ضد السلطة القائمة .. الحقيقة أن كتاب سيد قطب هو ترجمة عربية أو إسلامية لمانيفستو الثائر الروسي سيرغي نيتشايف الذي مات شابا في سجون القيصر الروسي الرهيبة في القرن التاسع عشر، سواء في مركزية فكرة الثورة على الواقع وتدمير هذا الواقع بالكامل كهدف أساسي بل ووحيد، وفي الفصام الكامل عن العالم المحيط وفي إنكار الذات أو حتى الميل لتدمير الذات .. في أفكارهم وممارساتهم عرف الثوار الروس والأوروبيون أيضا فكرة إباحة كل شيء في سبيل انتصار الثورة (فكرة التمترس الجهادية ذكرت ومورست بأشكال أخرى من قبلهم) ..

صحيح أن مقاتلي النصرة والأجيال السابقة لهم من الجهاديين استندوا إلى إيديولوجيا مختلفة تماما عن إيديولوجيا ثوار القرنين الأخيرين لكن عدا عن تطابقها في المحتوى فإن هذا كان نتيجة الضرورة ليس إلا الإيديولوجيا التي يتسلح بها المتمرد في مواجهته للواقع وللاستبداد يجب أن تكون بالضرورة نقيض خصمه الأول، وهذا ما كان عليه الحال في سجون عبد الناصر التي فرخت هذا الفكر الذي مازال يغذي التمرد عند أجيال غاضبة من الشباب العربي والمسلم .. صحيح أن لينين قد رفض مشروع هؤلاء الثوريين الإرهابي، الذين كان من بينهم أخوه نفسه والذي خسر حياته نتيجة مشاركته في اغتيال القيصر، لكن كثيرين يذهبون إلى أن ما أراده لينين هو إنجاز ذات المشروع بأساليب مختلفة، أقل دموية، لكن أكثر نجاعة .. إذا كان هذا الكلام صحيحا فإن الكثير من دموية النظام الستاليني يمكن نسبتها إلى تلك المحاولات الدموية من القرن التاسع عشر لقلب النظام القيصري وغيره من أنظمة ذلك الزمان في أوروبا وأمريكا ..

يؤكد كامو شيئا كهذا أيضا في دراسته عن المتمرد، تماما كما كان مصير راسكولنيكوف الشخصي في رواية دوستويفسكي .. بالعودة إلى اللحظة الراهنة، يمكن القول، أنه لا يمكن للربيع العربي أن يزهر من دون الإسلاميين، لا يمكن إقامة مجتمع البشر الأحرار والمتساوين من دون أن يتمتع كل فرد فيه بنفس الدرجة من الحرية، لكن في نفس الوقت، يبدو أن إقصائية الإسلاميين وشمولية مشروعهم هي اليوم أحد أهم العوائق أمام تحقق مثل هذه الحرية للجميع .. يبقى السؤال هنا مفتوحا للأيام القادمة: هل المتمرد محكوم بذات الشمولية دائما، هل هذا جزء حتمي من مأساته أو أسطورته، أن يساهم في خلق وحش جديد، هذه المرة باسم الحرية وباسم خلاص البشرية؟ .. هذه معضلة ليس من السهل حلها، لكن الأكيد أن حلها منوط أساسا بجماهيرنا التي صنعت الثورات وليس بأية قوى سلطوية تحاول تطويعها.

==============

حقوق الإنسان 'العالمي' وعقوق الإنسان السوري

صبحي حديدي

2012-12-13

القدس العربي

في اليوم العالمي لحقوق الإنسان (10/12 من كلّ عام)، والذي يحتفي هذه السنة بالذكرى الرابعة والستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كانت الإحصائيات التي تخصّ حقوق الإنسان السوري تشير إلى المعطيات التالية: القتلى، أكثر من 48,798؛ بينهم 3,653 من الأطفال، و3,662 من الإناث، و5,442 من العسكريين؛ كما قضى تحت التعذيب 1295، وبعضهم مُثّل بجثته على نحو وحشي؛ وسُجّل أكثر من 76,000 مفقود، يصعب تحديد أعداد الأحياء في صفوفهم؛ وتجاوز الجرحى 137,000، دون احتساب المصابين بإعاقات مختلفة؛ ولا تقلّ أعداد المعتقلين عن 216,000، يُحتجزون في معسكرات جماعية مكشوفة صيفاً وشتاء، أو في ملاعب كرة القدم، أو حتى في حاويات الشحن المعدنية؛ والعدد الإجمالي للاجئين خارج سورية بلغ 507.011...

وفي تلك الذكرى ذاتها، أصدرت منظمة 'هيومان رايتس وتش' تقريراً مفصلاً يفيد بأنّ النظام السوري بدأ يستخدم 'الذخائر الحارقة'، ولوحظ هذا في أربع مناطق حتى الساعة: داريا، ريف دمشق؛ ومعرّة النعمان، إدلب؛ وببيلا، ريف دمشق؛ والقصير، حمص. وأوضحت المنظمة أنّ هذه الأسلحة الحارقة 'يمكن أن تحتوي على الكثير من المواد الملتهبة، بما فيها النابالم، أو الثرمايت، أو الفوسفور الأبيض، وهي مصممة لإشعال النار في الأغراض الجامدة، أو إحداث حروق شديدة الإيلام، تصل إلى العظام في أغلب الأحيان، كما يمكنها التسبب في تلف الرئتين'. كذلك تتسبب هذه الأسلحة في 'اشتعال الحرائق على نطاق البنى التحتية، بسبب تأثيرها على مساحات واسعة، مما يعني تعذّر استخدامها بطريقة تميز بين الجنود والمدنيين في المناطق المأهولة بالسكان'.

هذه الحال ـ المريعة الفظيعة، الهمجية البربرية، المنفلتة من كلّ رادع وعقال ـ إنما تتواصل أهوالها بسبب سلسلة من أنساق التواطؤ التي تنخرط فيها حكومات وديمقراطيات وأنظمة تتشدّق باحترام حقوق الإنسان، سواء تلك الحقوق المنبثقة من فلسفات الأنوار أو التنظيرات الليبرالية الغربية (أوروبا عموماً، والولايات المتحدة)؛ أو تلك التي تمتزج فيها تقاليد الاستبداد الستالينية بالأوتوقراطية المافيوية (كما في روسيا فلاديمير بوتين/ ديمتري مدفيديف)؛ أو الطبعة الرثة من هرطقة 'الديمقراطية الاشتراكية'، في الصين أساساً؛ أو حقوق الإنسان كما يختارها، بعد أن يشخّص فوائدها، الولي الفقيه في إيران... وباستثناء مقادير العنف القصوى التي يعتمدها النظام السوري، منفرداً عن أنظمة الكون بأسره عملياً؛ فإنّ الانتهاكات الصارخة ليست جديدة على البشرية، وقد تكررت على نحو أو آخر طيلة العقود التي انصرمت منذ تبنّي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

لكنها تعيد التذكير بسلسلة حقائق تخصّ ملفات حقوق الإنسان الكونية من جهة، والإعلان العالمي ذاته من جهة ثانية؛ كما تذهب، بالضحية في المقام الأوّل، إلى نقيض مناخات الاحتفاء والاحتفال والبهجة، لأنها إنما تُسائل جوهر الإعلان ذاته، وأيّ حقوق يحمي، وما طرائق انتهاكه علانية أو في الخفاء. هنا بعض تلك الحقائق:

1 ـ ليس دقيقاً القول إنّ التصويت على الإعلان في الجمعية العامة للأمم المتحدة تمّ بالإجماع، لأنّ 48 دولة صوتت لصالحه، مقابل ثماني دول ضده. ولو أنّ عدد الدول النامية (دول 'العالم الثالث' في عبارة أخرى) كان كما هو عليه اليوم، فإنّ من الصعب تخيّل بلوغ نسبة التصويت هذه، بل لعلّه من الصعب تخيّل الإعلان وقد فاز بالتصويت أصلاً.

2 ـ الدول التي صاغت، ورَعَت وسوّقت التصويت على الإعلان، لم تكن سوى تلك القوى الغربية الكبرى ذاتها، الضالعة في سياسات استعمارية هنا وهناك في العالم، والتي كانت تمارس انتهاك حقوق الإنسان (وحقوق الشعوب، في عبارة أدقّ) حتى وهي تنخرط في معمعة النقاشات المحمومة حول هذه الصيغة أو تلك من فقرات الإعلان نفسه. وقد يكون هذا بعض السبب في أنّ المؤتمر التأسيسي لدول عدم الانحياز (باندونغ 1955) رفض الإعراب عن أيّ دعم سياسي للإعلان، واكتفى رؤساء الدول (وكانوا من الكبار، لمَنْ ينسى: الهندي جواهر لال نهرو، والمصري جمال عبد الناصر، والأندونيسي أحمد سوكارنو، واليوغسلافي جوزيف بروز تيتو...) بالقول إنهم أخذوا به علماً!

3 ـ الإعلان يسكت تماماً عن حقّ الشعوب في تقرير مصيرها (الأمر الذي يتناقض على نحو صارخ مع الفقرة الأولى التي تقول: 'يولد البشر أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق'). أكثر من ذلك، تسوّغ بعض بنوده مفاهيم الوصاية والانتداب والهيمنة الاستعمارية، حين يحثّ الدول الأعضاء (المستقلة و/أو الاستعمارية) على احترام حقوق شعوبها مثل حقوق الشعوب والأراضي الواقعة تحت سلطتها القانونية (أي: الدول غير المستقلّة و/أو المستعمَرة).

4 ـ الإعلان يحدّد مفهوم حقوق الإنسان انطلاقاً من شخصية الإنسان الغربي وحده، من قِيَمه وثقافته وأعرافه وفلسفاته، ومن حضارته التي كانت هي التي انتصرت (على نفسها، في واقع الأمر!) بعد الحرب العالمية الثانية، حين انعقد مؤتمر سان فرنسيسكو لتأسيس الأمم المتحدة، وتأسيس النظام الدولي الجديد... آنذاك، وليس عام 1992 في أعقاب 'عاصفة الصحراء'، أو 2001 بعد انهيار برجَي التجارة في 11/9، أو 2003 بعد غزو أفغانستان والعراق. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كان وليد تلك البرهة الإجماعية الغربية بامتياز، ولم يكن مدهشاً بالتالي أن تكون صورة العالم كما يرسمها الإعلان هي صورة العالم كما رسمتها لتوّها الحضارة الغربية.

5 ـ إنها، بمعنى النقلات الحضارية الكبرى، تبدأ من اليونان الإغريقي الكلاسيكي، ثم روما الإمبراطورية، ولا تنتهي عند مفاهيم 'صدام الحضارات' و'نهاية التاريخ'؛ بعد أن تمرّ بالكنيسة الكاثوليكية، جدير بالتذكير. هنالك، إلى هذا، منتجات عصر الأنوار، والثورة الفرنسية، والثورة الأمريكية، والآلة البخارية، والثورة الصناعية، والحداثة، والعولمة. وهنالك، بين حين وآخر، فلسفات كانط، ديكارت، نيتشه، هيغل، وماركس. ولا تغيب عن هذا التراث، أيضاً، أحقاب فاصلة شهدت الحروب الصليبية، و'اكتشاف' أمريكا، ومحاكم التفتيش، والفتوحات الاستعمارية، والأنظمة الإمبريالية والفاشية والنازية والستالينية...

6 ـ في صياغة نصّ الإعلان، وبعد الاتكاء المباشر على صورة العالم هذه، جرت الإحالة إلى تراث غربي طويل في صياغة العلاقة الحقوقية بين الحاكم والمحكوم: العريضة الإنكليزية لعام 1627، إعلان الاستقلال الأمريكي لعام 1776، دستور الولايات المتحدة لعام 1787، قانون الحقوق الأمريكي لعام 1791، الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن لعام 1789. هنالك، بمعنى آخر، الصالح مثل الطالح، والكوني مثل المحلي، والعامّ مثل الخاص...

هذه ملاحظات لا تصدر بوحي الانحياز إلى أية ثقافة واحدة، أو حتى إلى كتلة ثقافات، مناهضة للثقافة الغربية أو موازية لها؛ خصوصاً وأنّ نقد الاستشراق ـ في أعمال الراحل الكبير إدوارد سعيد، بصفة خاصة ـ دلّنا إلى سُبُل تفكيك مفاهيم مثل 'الشرق' و'الغرب' و'الشمال' و'الجنوب'، وردّها إلى مكوّناتها الباطنية ذات الصلة بعلاقات القوّة والإخضاع والتفوّق والهيمنة، قبل العلاقات الثقافية بين الأمم والحضارات. والحال أن الملاحظات التي تطعن في 'كمال' الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يمكن أن تصدر عن مهاتير محمد مثل جيمي كارتر، وعن دانييل بيل (أبرز الأدمغة الغربية الرصينة المدافعة عن فلسفات اليمين) مثل نوام شومسكي.

ذلك لأنّ الواقع الفعلي على الأرض يذهب بالكثير من ألق النظرية الكامنة طيّ الفقرات الثلاثين من الإعلان؛ وفي وسع المرء، وربما كان من واجبه، أن يبدأ من الدول الغربية الكبرى نفسها، أو من الولايات المتحدة الأمريكية بالذات: الدولة التي ترفع راية قيادة العالم الحرّ منذ أن وضعت الحرب العالمية أوزارها. وهذه مناسبة للإشارة إلى أن الإعلان كان صنيعة الحلفاء الخارجين من حرب غربية ـ غربية، ألحقت الخراب بالشرق مثل الغرب. والشعوب تملك، الآن كما في الماضي القريب، مسرداً طويلاً لانتهاكات حقوق الإنسان في الولايات المتحدة، وكيف انقلبت تلك الانتهاكات إلى تشريعات أساسية في الدستور الأمريكي نفسه.

هنالك، علي سبيل المثال، حقيقة الغياب التام لكلمة مساواة في ذلك الدستور، الذي لا ينصّ البتة على توفير ضمانات تكفل حقّ المواطن في الغذاء، واللباس، والمسكن، والصحة، والعمل، والراحة، والأجر المعقول إنسانياً، والضمان الإجتماعي في العمل والحياة، وحماية الأسرة والأطفال. أليست هذه في صلب حقوق الإنسان؟ أليس ضمان الحقّ المتساوي في الطعام واللباس والمسكن، هو جوهر الشرائع والحقوق؟ وأيّ حقوق إنسان، حين تثبت هيئة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أنّ المواطن الأمريكي ليس متساوياً أمام القضاء، وأنّ الأحكام الصادرة بحقّ الأمريكيين السود والآسيويين أقسى بثلاثة، وأحياناً بأربعة، أضعاف من الأحكام الصادرة بحقّ البيض في قضايا مماثلة؟

وقبل قرابة عقد من الزمان كانت شيرين عبادي ـ المحامية الإيرانية المسلمة، غير المتعصبة وغير الأصولية، ابنة العالم الثالث، غير المتطرّفة وغير الراديكالية، حاملة نوبل للسلام ـ قد وضعت الإعلان العالمي موضع مساءلة نقدية، حين ردّت الكثير من أسباب انتهاكات حقوق الإنسان إلى الأنظمة الحاكمة، وأعراف المجتمع البطريركي، والتخلّف والفقر. وفي محاضرة نوبل توقفت عبادي عند أوضاع حقوق الإنسان، ليس في البلدان التي اعتادت انتهاكها فحسب، بل أساساً في البلدان التي اعتادت تمجيد تلك الحقوق وتحويلها إلى أناجيل معاصرة: 'انتهكت بعض الدول المبادىء والقوانين الكونية لحقوق الإنسان عن طريق التذرّع بأحداث 11 أيلول والحرب على الإرهاب الدولي (...) وإنّ قلق المدافعين عن حقوق الإنسان يزداد حين يلاحظون أنّ قوانين حقوق الإنسان الدولية لا تُنتهك على يد خصومها المعتادين تحت ذريعة النسبوية الثقافية فحسب، بل هي أيضاً تُنتهك في الديمقراطيات الغربية، أي في البلدان التي كانت هي ذاتها في عداد روّاد ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان'.

وهذا، في واقع الأمر، هو المعنى الآخر للرأي الذي يقول إنّ وثيقة 1948 لم تكن قادرة على تمثيل حصيلة إنسانية مشتركة حول العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ولم تكن خالية من الثغرات التي ترقى إلى مستوى المساوىء البنيوية. وذلك، في المقابل، لا يلغي البتة أياً من محاسنها، والتذكير بأنها كانت الخطوة الأولى الأبرز على طريق صياغة تعاقد إنساني عالمي حول حقوق الإنسان، فضلاً عن انطلاق معظم عناصرها من حصيلة نضالات المواطن الغربي ضدّ وحشيَن كاسريَن: الدولة ـ الأمّة، سيّما حين تحتكر العنف؛ والرأسمالية الصناعية، لأنها في طبيعتها لا تكفّ عن احتكار الجهد الإنساني وفضل القيمة.

هذه الحال الازدواجية هي التي تتيح للغرب أن يرفع رايات حقوق الإنسان في ذروة دعمه ومساندته، بل وأحياناً قتاله إلى جانب، أعتى أنظمة الاستبداد في العالم الثالث عموماً، وبلدان الشرق الأوسط خاصة. وهي التي تتيح للنظام السوري، في غمرة تمتّعه بشبكات التواطؤ المتعددة، أن يرتكب أقصى العقوق بحقّ الإنسان السوري، محتفياً على طريقته بالذكرى الرابعة والستين لإعلان حقوق الإنسان 'العالمي'!

==============

دور موسكو في سورية ما بعد الأسد

راغدة درغام

الجمعة ١٤ ديسمبر ٢٠١٢

الحياة

مطّاطية وتضارب المواقف الروسية من سورية تعمّق تضليل الرئيس السوري بشار الأسد، وتورط القيادة الإيرانية في حسابات خاطئة، وتضرب طوق العزلة على روسيا نفسها التي تبدو اليوم وكأنها تطلق النار على قدميها. الصين تبدو محرجة أكثر فأكثر وهي ترافق مضطرة ذلك الاضطراب في المواقف الروسية المتأرجحة يوماً عمداً ويوماً تخبّطاً. وهناك مَن يعتقد أن الصين باتت جاهزة لاستراتيجية خروج لها من التلازم بين مواقفها ومواقف روسيا والذي تمثل في الفيتو المزدوج الثالث في مجلس الأمن. موسكو تبدو اليوم على مفترق التناقضات ساعة تلمح بأنها مستعدة للتخلي عن بشار الأسد والمشاركة في صنع البديل لتكون ركناً في «اليوم التالي» لمغادرته السلطة. ساعة أخرى، تشتاط غضباً وتطلق الاتهامات وتوسّع تلك الحفرة بينها وبين «الائتلاف الوطني السوري» الذي حصل على اعتراف دولي كبير بصفته ممثل الشعب السوري بما في ذلك من الرئيس الأميركي باراك أوباما عشية اجتماع «أصدقاء سورية» في مراكش بحضور أكثر من مئة دولة عربية وغربية. مهما كان هناك من مبررات لمواقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تنبثق من عنفوانه القومي أو الشخصي، فإن روسيا بدأت تدفع ثمناً باهظاً للسياسات البوتينية، ولقد بدأ يفوتها القطار في سورية والمنطقة الغربية. فرصة التوصل إلى «صفقة كبرى» ولّت وولّى معها دورٌ روسي رائد ومحترم في المنطقة. لكن اليوم، هناك فرصة أخيرة تتطلب من موسكو وكذلك واشنطن استثماراً جدياً وصادقاً في شراكة مبنية على تفهّم مصالح - وكذلك عقدة - الطرف الآخر. لهذا، من الضروري البناء على «دبلن» ما بعد «مراكش» بسرعة فائقة بلا تأخير أو مماطلة. فإذا كانت طرطوس «قاعدة» روسية لن تتخلى عنها موسكو مهما كان، حان لواشنطن أن توافق عليها سيما أن العلاقة الحقيقية ستكون بين حكومة ونظام جديد في دمشق وبين حكومة روسية اختارت أن تستثمر مع النظام القديم وأساءت حساباتها. وإذا شاءت حكومة بوتين أن تبعث برسالة الرغبة في إصلاح العلاقة مع سورية «اليوم التالي»، حان لها أن تعجّل في اعتماد سياسة واضحة ومتماسكة نحو كل من النظام في دمشق والائتلاف الوطني السوري. حان لها أن تبلع الخسارة التي حصدتها حتى الآن، إنقاذاً لما تبقى لها من فائدة.

التضارب في المواقف الروسية يبدو متعمداً ربما لحسابات يفهمها الكرملين مهما بدت اعتباطية. إذا كان ذلك صحيحاً، فإن المشكلة جذرية حقاً والأرجح أن تؤدي إلى أسوأ.

فليس منطقياً أن توفد موسكو مبعوثيها إلى مختلف العواصم ليتحدث بعضهم بلغة الازدراء ببشار الأسد والاستعداد للتخلي عنه وبعضهم الآخر بلغة الإصرار على دور له في العملية السياسية الانتقالية وبقائه في السلطة حتى عام 2014. حيناً يقول مسؤول روسي أن موسكو جاهزة للانخراط في الحديث عن «اليوم التالي» والمشاركة فيه، وحيناً يقول مسؤول آخر إن موسكو لم تستنتج بعد أن النظام في دمشق سيسقط بل إن بشار الأسد صامد وسينتصر.

تلك المطاطية وذلك التضارب أساءا إلى روسيا وزادا من عزلتها الدولية. جزء من هذه العزلة ضربته موسكو على نفسها إذ إنها رفضت دعوة الحكومة المغربية لحضور اجتماع مراكش بحجة أن ذلك الاجتماع لا يدعم الشعب السوري بأكمله، وكأن موقف روسيا الداعم للنظام يُعتبر دعماً للشعب السوري كله - كما تزعم موسكو. حصيلة الأمر، أن موسكو استبعدت نفسها بنفسها بعدما كانت حرقت ورقة مجلس الأمن الذي شلّته بنفسها بسبب الفيتو الثالث.

الآن، هناك مواقف علنية تطالب بأن يتم تحديد «إطار زمني» للخطوات التي هي متوقعة من مجلس الأمن ومن الممثل العربي - الأممي، الأخضر الإبراهيمي، كما قال وزير خارجية تركيا أحمد داوود أوغلو في مراكش لأن «الشعب السوري لا يمكن أن يقبع في ظل أفق زمني مفتوح لمجلس الأمن».

نائب وزير خارجية قطر، خالد العطية، أوضح في اجتماع «حوار المنامة»، في البحرين إن «روسيا مهمة جداً لنا ولقد حاولنا إقناعها» ولكن «في نهاية المطاف، تعلّمنا ما في وسعنا القيام به في الأمم المتحدة» من أجل «حماية الشعب السوري من الفيتو» الروسي. وتابع «إننا نفكر جدياً» بالتوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة تحت شعار «متحدون من أجل السلام» الذي يعطي صلاحيات للجمعية العامة مماثلة لصلاحيات مجلس الأمن المُلزمة مشيراً إلى أن ثلاثاً من الدول الخمس الدائمة العضوية تنتمي إلى مجموع «أصدقاء سورية» التي اعترفت بالائتلاف الوطني السوري ممثلاً شرعياً للشعب السوري.

رئيس الحكومة الأسترالية السابق كيفن رود قال في «حوار المنامة» علناً إن الصين جاهزة، وفق مفهومه، للانفصال عن تلازم الفيتو مع روسيا في مجلس الأمن واقترح صياغة مشروع قرار للتوجه به سريعاً لتحقيق الانفصام بين الموقفين الروسي والصيني.

وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف قال في أعقاب اجتماع مراكش إن أميركا تعوّل على انتصار المعارضة السورية بالسلاح، وقد يكون محقاً بذلك. واشنطن بدأت تعمل على مد السلاح إدراكاً منها أنها بتأخرها عن الانخراط في الملف السوري ساهمت في عسكرة الانتفاضة السورية وإن كان بدرجة أقل من المساهمة الروسية الكبرى في العسكرة ليس فقط من خلال تحييد مجلس الأمن بفضل الفيتو الروسي، وإنما أيضاً من خلال تعمد إطالة النزاع واستمرار تدفق السلاح الروسي إلى النظام تنفيذاً لعقود عسكرية.

كلام موسكو عن حل سياسي في سورية بات كلاماً عقيماً ما لم تهرول إلى التفاوض على شكل وأسماء الأشخاص في العملية السياسية الانتقالية من دون بشار الأسد. لم يعد أحد يتحدث عن نائب الرئيس السوري فاروق الشرع ليكون الشخص الذي يفوّضه بشار الأسد البحث في العملية الانتقالية إلى نظام جديد بديل. هناك كلام عن منشقين عن النظام مثل رئيس الحكومة السابق رياض حجاب رئيساً لحكومة انتقالية مناصفة بين النظام والمعارضة. لكن كلام الأمس عن تفويض من الأسد - مع بقائه - بات من الماضي.

تجدد الكلام عن احتمال توصل بشار الأسد إلى اقتناع بأن الوقت حان - إن لم يكن فات الأوان - على «رحيل برغبته بدلاً من ترحيله بالقوة أو بالقتل». روسيا، وفق مسؤول روسي، لن تستقبل الأسد «لن نستقبله، ولن نهدده». ثم إن الأسد «ليس المشكلة، ولا هي بقاءه أو رحيله أو مصيره». وهذا الموقف بالذات يساهم في اتساع الفجوة بين موسكو وبين كل من دول «أصدقاء سورية» والائتلاف الوطني. ويساهم أيضاً في ارتفاع أسهم الحسم العسكري بدلاً من مزيج من الحل السياسي والحل العسكري.

هناك تفاوت بين مواقف دول «أصدقاء سورية» حول نوعية الدعم العسكري للمعارضة السورية، وحول التصنيف الأميركي لـ «جبهة النصرة» في خانة الإرهاب نظراً لارتباطها بتنظيم «القاعدة». قطر تبدو أكثر تطرفاً في مواقفها المصرة على عدم استبعاد أي من المقاتلين في سورية أو تصنيفهم إرهابيين، لأن ذلك «يفتح باب التدخل الخارجي لملاحقتهم» كما قال نائب وزير الخارجية القطري مصراً على أن «مناداتهم الله أكبر لا تعني أنهم متطرفون».

قال أيضاً إن لا حاجة الآن إلى فرض «منطقة حظر الطيران» من الخارج لأن المقاتلين في سورية «لا يريدونها» من الخارج وهم «جاهزون للقيام بها بأنفسهم». في الوقت ذاته حذر العطية من أن الإطالة في الحسم ستنمّي التطرف وتجعل منه وحشاً Monster يصعب احتواؤه.

نائب وزير الخارجية السعودي الأمير عبدالعزيز بن عبدالله اختلف في الرأي قائلاً إن من الخطأ السماح بوقوع «الأسلحة في الأيدي الخطأ» ويجب أن تكون هناك يقظة حول «أين ولمن» تذهب الأسلحة ذلك لأننا «قلقون من الإرهاب في سورية». قال أيضاً «إننا قلقون جداً من اندلاع» ما يحدث في سورية إلى الدول المجاورة، لبنان والأردن بالذات.

واشنطن، من جهتها، حسمت أمرها نحو أمثال «جبهة النصرة» بوضعها على قائمة الإرهاب وأوضحت أنها عقدت العزم على نقلة نوعية أتت باعترافها بالائتلاف الوطني السوري كالممثل الشرعي للشعب السوري. هذا الاعتراف السياسي والمعنوي يشكل خطوة جذرية ستترتب عليها خطوات لاحقة.

معنى هذه الخطوة أن إدارة أوباما استخلصت أن تطويق أمثال «جبهة النصرة» يستلزم استباق اضطرار المعارضة السورية للاتكاء والاتكال على مثل هذه المجموعات. وهذا استلزم الاعتراف بالائتلاف وحشد الدعم له لتقنين المعونات به وبمجلسه العسكري الأعلى. استخلصت أيضاً أن الولايات المتحدة غير قادرة إما على تنفيذ توعدها بإجراءات إذا استخدم النظام في دمشق الأسلحة الكيماوية بمفردها، أو على الاضطرار للعمل العسكري ضد تفشي أمثال «القاعدة» في سورية. لذلك استعجلت لاستباق الاضطرار إما إلى الإنفاق على سورية أو إلى التورط عسكرياً هناك.

الشراكة التي تريدها واشنطن لا تستبعد روسيا بقرار مسبق بل إن الولايات المتحدة ما زالت تريد شراكة روسيا ومساعدتها، شرط أن تحسم موسكو أمرها الآن، بلا المطاطية والمماطلة. تريدها أن تقتنع أن هذه هي بداية النهاية، وأن الوقت حان للجدية في المحادثات الروسية حول «اليوم التالي» من دون الإصرار على أن يكون بشار الأسد ركيزة في العملية الانتقالية.

إذا اتخذت موسكو هذا القرار، هناك مؤشرات إلى استعداد واشنطن للأخذ والعطاء، سيما حول ميناء طرطوس. فإدارة أوباما تريد إستراتيجية خروج من أزمة التورط وازدياد التطرف وتريد موسكو شريكاً في إستراتيجية خروج الأسد. إنها لا تريد أشهراً إضافية من الاختلاف على تفسير ما يعنيه تفاهم جنيف لجهة دور الأسد في العملية الانتقالية أو عدمه.

دور موسكو يبقى مهماً إذا شاءت أن تلعبه إيجاباً أو سلباً. فالقيادة الإيرانية تمتطي الفيتو الروسي وتعتبره مؤشراً إلى اصرر روسي على البقاء طرفاً فاعلاً في الحرب الدائرة في سورية. العبء على موسكو وبالذات فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف عبء أخلاقي نحو حلفاء موسكو، في المعركة على سورية ونحو روسيا وليس فقط نحو سورية. موازين المعركة اختلفت الآن وهي توشك على نهاية قد تكون سريعة أو قد تكون طويلة. أمد استمرار النزاع قرار روسي بامتياز. أما شكل النظام الإقليمي الجديد، فإن صياغته ما زالت مفتوحة أمام موسكو إذا استعجلت. أما إذا ماطلت، فسيفوتها القطار وسترسّخ عداءً مع أكثرية شعوب المنطقة ليس أبداً في مصلحتها.

==============

العسكرة والأسلمة في سورية

حسام عيتاني

الجمعة ١٤ ديسمبر ٢٠١٢

الحياة

القمع بذرة التطرف. زرع النظام السوري قمعاً كثيفاً وراح يحصد ظواهر التجذر السياسي والديني العميقة والمنبئة بصعوبة مرحلة ما بعد سقوط بشار الأسد.

منذ المؤتمر الصحافي الاول للمستشارة بثينة شعبان، بعد ايام قليلة من انطلاق الثورة السورية في درعا، انتشر الحديث عن الإمارات السلفية والجهاديين العرب والأجانب و «العصابات التكفيرية»، فيما كان غياث مطر وغيره من الناشطين السلميين يوزعون الورود على الجنود. كانت نبوءة ذاتية التحقق وفرت لها المنظومة الامنية - العسكرية - العائلية الحاكمة كل عوامل الانتشار والتفشي. وآتت جهود النظام أُكلها بدفع الثورة إلى التسلح والعسكرة، ورفعت مستوى الخطاب المعارض إلى علو شاهق لم تعد تعني فيه الدعوات إلى الحوار والإصلاح شيئاً أمام عمليات القتل المنهجي والمدروس والتعذيب الذي يفوق أي خيال مريض، والتي يمارسها زبانية النظام حتى اليوم.

الواقع هذا لم يؤد فقط إلى رفض الدولة التي أقامها حزب البعث، والقائمة على الاعتباط والعنف وتسليط الرعاع على المجتمع السوري، رفضاً عنيفاً وجذرياً، بل أدى أيضاً الى رفض كل أشكال الدولة والسلطة، وصولاً الى ظهور من يقسم «بمحاربة الدولة المدنية الديموقراطية» التي قد يسعى أصحاب «المشروع الخبيث» إلى فرضها على سورية ما بعد الأسد، في ارتكاس طفولي إلى زمن النقاء والطهارة الخيالي.

أسماء كتائب وألوية الجيش الحر المستلة من التراث الديني، الدعوة إلى إقامة الدولة الإسلامية من عدد من كتائب حلب، نشاط «جبهة النصرة» والدفاع عنها من قبل شخصيات وقوى معارضة بعيدة من التيار الديني، غداة وضع الإدارة الأميركية للجبهة على لائحة المنظمات الإرهابية، إنشاء «لواء أنصار الخلافة»، ليست تفاصيل على طريق الثورة السورية. لقد وقع القمع المجنون الذي لجأ النظام اليه على جسد اجتماعي مجوف ومحروم من كل أشكال التعبير والتفكير الحر، فكان أقرب الى طبيعة الأمور أن تستند ردود الفعل إلى المخزون الثقافي والقيمي التقليدي الذي قد لا يختلف في صميمه عن مخزون النظام الإقصائي.

لكن طبيعة الأمور قابلة للتغيير. وإذا كانت ظواهر مثل «جبهة النصرة» مؤهلة للانتشار وتستطيع العثور على من يبرر أعمالها، فإن ذلك لا يعني التسليم لها بالحق في الهيمنة على مسار الثورة وعلى مستقبل الشعب السوري في المراحل المقبلة. ولا يعني التسامح مع نظرتها القاصرة إلى العلاقات مع المكونات العرقية والدينية الموجودة في سورية وجوداً راسخاً لا يُساءل في شرعيته وحضوره.

ورغم ما يبدو من «ممرات إخبارية» اضطرت الثورة السورية الى الخوض فيها، ومنها العسكرة واللجوء الى الدين كسند أيديولوجي في مواجهة النظام، إلا أن ذلك لا يعفي المعارضة السورية من مسؤوليتها الكبرى في لجم النوازع العدمية لبعض القوى المنخرطة فيها، والمساهمة في إنجاز المهمة التي باشرها نظام الأسد في حربه على المجتمع السوري بغية الإجهاز عليه. وعلينا ألاّ نصل الى مرحلة يستعير فيها قادة أجهزة الأمن السورية مقولة الاشتراكيين الأوروبيين عن أن «بسمارك يقوم بمهماتنا».

من هذه الزاوية، تتجاوز الثورة السورية ساحتها الأصلية لتتحول إلى الأداة الأهم في تغيير المشرق العربي ورسم صورته لعقود طويلة مقبلة. وبذلك، لا يقود المعارضون السوريون التغيير في بلادهم وحدها، ولا يدفع إن الثورة السورية، الأعمق والأكثر جذرية بين كل ثورات الربيع العربي، ستدخل التاريخ كحدث مؤسس لمرحلة جديدة نوعياً في المنطقة. وربما هذا بالذات ما يجعلها على تلك الدرجة من الصعوبة وما يزيد من الآمال المعلقة عليها.

==============

فوضى الشام كسيناريو لليوم التالي

ماجد الشّيخ *

الجمعة ١٤ ديسمبر ٢٠١٢

الحياة

اعتبر المبعوث العربي والأممي إلى سورية الأخضر الإبراهيمي أن حل الأزمة السورية ما زال ممكناً، مشيراً إلى وجود اتفاق أميركي ـ روسي على هذا الأمر وعلى ضرورة أن يقوم أي حل سياسي على بنود «إعلان جنيف». ما يعني أو ما يوحي وكأن «الحرب الباردة الجديدة» على سورية بين واشنطن وموسكو قد انتهت؛ أو هي تشارف على الانتهاء؛ وهذا هدف ما فتئ بعيد المنال، على رغم ما أصاب النظام وقواته في الفترة الأخيرة حتى داخل عاصمته وفي مطارها الرئيس.

وإذ تسعى الاتصالات الدولية للبحث عن سبل للمضي قدماً بعملية سياسية، توصل إلى حل سياسي لأزمة تقلبت على جمر تحولاتها من أزمة سياسية إلى أزمة نظام سياسي، إلى أزمة نظام أمني/بوليسي، لا يجيد غير هذا النمط من فنون الصراع الدامي، بل الفاشي ضد مجتمع جرى تصحير السياسة فيه، إلا أن هذه بالتأكيد ليست الموجة الأولى من الاتصالات المغدورة التي تحاول في كل مرة استحضار «حل سياسي» مجهض سلفاً، يعرف أطرافها (الاتصالات) وأنصار ذلك الحل أنه في غياب الإرادة السياسية للنظام؛ غابت وتغيب إمكانية الوصول إلى إتمام عملية سياسية غير متكافئة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى غياب إرادة سياسية موحدة ومتماسكة من جانب قوى المعارضة المختلفة، إضافة إلى نشوء عامل «التنظيمات المتطرفة» التي تنسب نفسها إلى ما يسمى «القاعدة» من قبيل «جبهة النصرة» وعشرات الأسماء التي تستلهم أسماء إسلاموية تاريخية.

لهذا العامل ولعوامل أخرى كثيرة، لا يبدو أن ليل الأزمة السورية، يوشك أن ينتهي، فحتى لو سقط النظام، ولم يبق من سلطته سوى النزر اليسير في منطقة الساحل، فإن نيران الأزمة سوف تواصل الاشتعال، نظراً إلى تعقيدات القوى وحساسية السلطة وطبيعتها، في منطقة تتحسس فيها القوى الغربية مدافعها في حال تعرض المصالح الغربية الإستراتيجية، ومن ضمنها ثابت الأمن الإسرائيلي، للخطر، لا سيما من قبل أنظمة الطوق، وبخاصة النظام السوري الذي أثبت أنه الأكثر تأقلماً وملاءمة لذاك الدور المنوط بتلك الأنظمة السلطوية، بغض النظر عما تدعيه وتزعمه لنفسها من أدوار مفترضة؛ وبالتالي فإن سقوطه، قد يسبب مخاطر عدة مركبة، لا قبل للولايات المتحدة في ظل معطيات وضعها الراهن، وفي ظل أزمة مالية واقتصادية دولية، لتحملها؛ علاوة على إيجاد المخارج اللازمة لحلها، مع الإبقاء على مصالحها الخاصة مصانة مما يتهددها في حال دبت «فوضى الشام» في كامل أرجاء المنطقة، التي تعتبرها إسرائيل مجال أمنها الإستراتيجي لها ولحلفائها الغربيين.

فأي حل سياسي ممكن، في ظل تعقيدات وضع سيء، يتفاقم تدهوراً يوماً بعد يوم، حيث تكثر أحاديث الحسم العسكري على حساب أي حديث عن حل سياسي، بخاصة ذاك الذي تعتقد القوى الدولية أنه يقوم على العناصر الأساسية للبيان الختامي لاجتماع جنيف في آخر حزيران (يونيو) الماضي. فعلى هذه القاعدة تتواصل المحادثات الدولية، في تكرار لذات المواقف التي دعت يومها إلى ضرورة تشكيل حكومة انتقالية في سورية لوقف إراقة الدماء، لكنها اختلفت يومها على تفسير ما إذا كان الرئيس السوري بشار الأسد سيشارك فيها أم لا؟ وها هم الروس اليوم يؤكدون على ذات الموقف، حيث شدد لافروف على أن «الأولوية هي لوقف القتال في سورية وليس بحث مصير رجل واحد». فأين تكمن الإمكانية الحالية راهناً للوصول إلى الحل السياسي الممكن الذي يعولون عليه دولياً وحتى عربياً؟ فيما التطاحن الداخلي السوري يبلغ مديات عليا من الدفاع كل عن مواقفه الخاصة؛ النظام من جهته مصمم على الاستمرار والاستمساك بالسلطة، ولو استخدم من فاشية القوة ما يفوق التصور والإمكان، والمعارضة على اختلاف أطيافها من جهتها لم يعد ممكناً تجاهلها، أو نفي وجودها كقوة سياسية ينبغي أخذها في الاعتبار.

أما الرهان الغربي المتجدد اليوم، فهو يقوم على محاولة تقليص موسكو وواشنطن رقعة الخلافات بينهما؛ على رغم إن واشنطن لم تستبعد استمرار الخلاف مع موسكو، حيال الفترة الانتقالية في سورية، فيما تستمر روسيا بالتحذير من تعزيز عسكرة الأزمة السورية، لتشير إلى أنها تلقت تأكيدات من الدول الغربية أنها لن تتدخل عسكرياً في سورية، وأنها تبحث عن حل سياسي، وذلك مع إعلان حلف شمال الأطلسي موافقته على نشر صواريخ «باتريوت» على الحدود التركية - السورية، مع تأكيده أنه لا يمكن استخدام المنظومة لأغراض هجومية أو فرض منطقة حظر جوي فوق سورية.. فيما اعتبر وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل أن «الانتقال السياسي للسلطة في سورية، أصبح أكثر حتمية وضرورة للحفاظ على سورية أرضاً وشعباً»، مشيراً إلى أن «الأمر هناك يزداد تدهوراً».

لكن اللافت ما ورد في تصريحات تعكس القراءة الأميركية للوضع الحالي، لنظام الأسد ولدور روسيا في المرحلة الانتقالية، حين أكد السفير الأميركي لدى سورية روبرت فورد أن «أيام نظام الأسد معدودة»، وأن الاقتتال في دمشق «سيتزايد والنظام يزيد من خسائره»، داعياً روسيا إلى «ممارسة ضغوط أكبر على الأسد». وتحدث عن جهود في إطار مجلس الأمن، معتبراً أن توحيد المعارضة سيساعد في توحيد الموقف الدولي. وقال: «إن الأسد وزمرته ليس لهم دور في المرحلة الانتقالية وعليهم الرحيل».

من الواضح أن هذه القراءة تواصل الرهان على تغيير في الموقف الروسي، نظراً لعدم استطاعة واشنطن وتحالفها الغربي التصرف إزاء استعصاء الإطاحة بالنظام، وعدم الرهان على كثير من قوى في المعارضة تعتبرها إرهابية، وبالتالي فإن الخشية على الأمن الإسرائيلي والمصالح الاستراتيجية المهمة في المنطقة، لا تشجع على اتخاذ قرارات حاسمة في شأن الصراع على سورية، علماً أن الرهان على النظام الحالي، واستمراره في السلطة قد سقط، وصار من الماضي. ولكن تبقى الخشية من المستقبل هي محور الحيرة والتردد الغربي الراهن؛ ما يجعل من الرهان على تغيير في الموقف الروسي أهون السبل لتقطيع الوقت، والرهان على ما تحققه المعارضة في الأيام المقبلة على الأرض من تفكيك وتداعي أسس النظام؛ الأمر الذي يعني في ما يعنيه أن لا حل سياسياً ممكناً في الأفق، بل على العكس، فإن ما يمكن تسميته «فوضى الشام» هو السيناريو الأقرب إلى الحلول محل كل التوقعات التي لا تسندها الوقائع.

==============

«اليوم التالي» السوري وليله الطويل

وليد شقير

الجمعة ١٤ ديسمبر ٢٠١٢

الحياة

إذن، بات هناك شبه إجماع على أن ما يجري من مداولات على المستويين الإقليمي والدولي في شأن الأزمة السورية يُخصّص في القسط الأكبر منه لمرحلة «اليوم التالي» لسقوط النظام. هذه العبارة تتردد على معظم الألسن في العواصم المعنية.

ومع أن البحث في «اليوم التالي» هذا يقفز فوق احتمالات زيادة تعقيدات ما بعد سقوط النظام بسبب إطالة الفترة الفاصلة عنه والتي ليس لدى أي من المراجع تقديرات واضحة حول المدة الزمنية التي ستستغرقها، فإن هذا القفز سيعني مزيداً من التدمير والقتل وبالتالي الحقد والبغض الذي سيتحكم بالمرحلة الانتقالية التي ستشهدها سورية بعد سقوط النظام وتضاعف صعوبات إدارتها.

وما التدمير المنهجي والكامل للمدن والمناطق المحيطة بدمشق، بعد حمص وحلب وحماة، وبأكثر مما تعرضه شاشات التلفزة بعشرات الأضعاف، إلا دليل على أن رأس النظام والحلقة الضيقة المحيطة به قد أخذوا على عاتقهم تطبيق ما ينقل عنهم حرفياً: «إذا أرادوا أخذ دمشق فليأخذوها مدمرة». ومن سيتولى هذه العملية هم حفنة من كبار الضباط الذين أخذوا على عاتقهم المهمة مطمئنين الى أن غابة مرابض المدفعية ومنصات الصواريخ في جبل قاسيون المطل على العاصمة وضواحيها ستتكفل بتحقيق هذا الهدف، في وقت بدأ عدد لا بأس به من كبار الضباط الشديدي الولاء، وتحديداً من الطائفة العلوية، المغادرة الى مدينة اللاذقية ومناطق الساحل السوري والجبل المحيطة بها، تنفيذاً لمهمة التحصّن هناك، في شكل يطيل المواجهة بين المعارضة وبين النظام مدة أكثر، نتيجة تعاونه مع إيران ومقاتلي «حزب الله» على إبقاء هذه المناطق وغيرها (حتى في العمق السوري) عصية أطول مدة من الزمن، على الثوار.

وإذا كان إعلان نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف أمس أنه «لا يمكن استبعاد انتصار المعارضة» بفعل فقدان النظام السيطرة أكثر فأكثر، تسليماً ضمنياً باستحالة تحقيق المرحلة الانتقالية مع بقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة، بدلاً من مباشرة خطواتها من دونه كما يرى أصدقاء سورية منذ إقرار خطة جنيف في حزيران (يونيو) الماضي، فإن هذا التسليم يقفل الباب على ما روّجه ما تبقى من قوى الممانعة، الذي ما زال يدور في الفلك الإيراني، قبل أسابيع عن أوهام اقتراب التسوية بين المعسكر الدولي – الإقليمي المعادي للنظام وبين دول الـ «بريكس» على بقاء الأسد في السلطة. والأرجح أن «قوى الممانعة» المتبقية هذه، باتت ضمناً تأمل بالتفاوض على «حصتها» في سورية، في بازار القضايا الإقليمية العالقة بين إيران والمعسكر الغربي – العربي، بعد أن فُتح هذا البازار بين موسكو وواشنطن في محادثاتهما في دبلن وجنيف الأسبوع الماضي.

ومع أن خفض سقف الآمال عند معسكر الممانعة، وتحديداً إيران، لا يعني أن الآمال الجديدة قابلة للتحقيق، فإن الإصرار على إطالة الليل الأسود والدموي والمدمّر الذي يسبق «اليوم التالي»، هدفه جعل مرحلة ما بعد سقوط النظام شديدة الصعوبة على المعسكر الغربي – العربي، والنتيجة الوحيدة هي المزيد من الإجرام والقتل والإبادة ضد الشعب السوري على طريقة الأرض المحروقة من دون النظر الى أضرار كل ذلك على سورية بكيانها ومؤسساتها الباقية وعلى المكونات المذهبية والطائفية في سورية وجوارها.

يدرك مؤيدو النظام، مثل خصومه، أن الأسد لم يعد يمارس الحكم في سورية وأنه بات معزولاً عن كل ما حوله ويعيش عالماً افتراضياً بعيداً من الواقع، ويترك لحفنة من الضباط المجرمين قيادة المواجهة وارتكاباتها البشعة النادرة في فظاعتها في التاريخ، وأنه يسلّم دفة القيادة الى هؤلاء ولتنسيقهم مع الدول المتمسكة بالنظام حتى اللحظة الأخيرة. لكن ما يأملونه هو أن تتحول مهمة قوات حفظ السلام التي يمكن أن يرسلها مجلس الأمن بعد توافق روسي – غربي، من دول عربية (بعيدة جغرافياً من سورية) وإسلامية آسيوية ومن أميركا اللاتينية، الى مهمة صعبة، في اليوم التالي، وإلى مهمة الفصل بين مناطق نفوذ بدل المساعدة على وحدة سورية. وأن تتحول مهمة قوات كهذه الى إدارة مرحلة جديدة من الأزمة والصراع بين مناطق النفوذ، بدلاً من إدارة المجتمع الدولي للمصالحة بين مكونات الشعب السوري وعملية إعادة البناء السياسي والاقتصادي للبلد المدمّر.

النظام سيسقط حكماً. لكن ما يجري الآن هو السباق بين من سيسعى الى تقاسم تركته، وبين من يعمل على جعل هذه التركة قنبلة موقوتة ومشكلة للورثة. وهو أيضاً سباق بين من يخططون لدفع الكتلة العسكرية – السياسية التي ما زالت تقاتل معه للحفاظ على الامتيازات التي اكتسبتها وبين أولئك الذين يعملون على إيجاد ضمانات لهذه الكتلة إذا ساهمت في التعجيل بسقوطه من الداخل، بدل تجديد الصراع في اليوم التالي. فأصدقاء سورية لا يبدو أنهم مستعجلون.

==============

هل ستكون سوريا بلدا أفضل؟

مراد يتكين

الشرق الاوسط

14-12-2012

التقت أول من أمس «مجموعة أصدقاء الشعب السوري»، وهي مجموعة مكونة من عدة بلدان تشكلت العام الماضي لتحديد شكل سوريا بعد رحيل الأسد، في المغرب في رابع اجتماع لها، والذي اتسم بكونه اجتماعا حاسما لسببين أساسيين: الأول هو أن مرحلة الحرب الأهلية في سوريا تعطي انطباعا بأن نظام بشار الأسد يستعمل آخر سلاح في جعبته من أجل البقاء في السلطة، وأحدث تصريح بهذا المعنى جاء من جهاز الاستخبارات الخارجية الألماني، الذي لمح إلى أن أيام النظام السوري ربما تكون معدودة، كما توجد معلومات لدى الحكومة التركية منذ أسابيع بأن أجزاء كبيرة من البلاد قد أصبحت الآن خارج سيطرة دمشق. وعلى الجانب الآخر، فإن اتساع نطاق الحرب الأهلية والطبيعة غير المنظمة لقوات الثوار تسببا في ظهور جماعة إسلامية متشددة تدعى «جبهة النصرة» وتبدأ في القتال مع الثوار بدعم من «مجموعة أصدقاء الشعب السوري» أيضا. وقد بدأت الفصائل الانفصالية الكردية بالفعل في القتال نيابة عن قوات الأسد، وبالتالي فإن الوضع برمته قد يتحول إلى حالة من الفوضى.

والسبب الثاني هو أن رياح السياسة الدولية قد بدأت في التحول أكثر فأكثر ضد سوريا، حيث وقعت سلسلة من التطورات المثيرة للاهتمام خلال الأيام الـ10 الماضية، مثل التصريحات التي أدلى بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أثناء مؤتمر صحافي مشترك عقده في إسطنبول مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يوم 3 ديسمبر (كانون الأول)، وقال فيه إن بلاده لا تناصر نظام الأسد. ويعتبر ذلك تطورا هاما في موقف روسيا، على اعتبار أنها كانت (بالإضافة إلى الصين) البلد الذي صوت 3 مرات متتالية ضد صدور أي قرار من الأمم المتحدة بشأن سوريا. وفي اليوم التالي، أعلن المتحدث باسمه أمام الصحافيين في مدينة عشق آباد أن الدبلوماسيين الأتراك والروس قد يبدأون في بحث بعض الأفكار الجديدة، أعقب ذلك تأكيد مصادر في أنقرة أن تركيا وروسيا اتفقتا على بحث خطة جديدة تجاه سوريا. وفي يوم 7 ديسمبر الماضي، التقت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بنظيرها الروسي سيرغي لافروف والمبعوث الرسمي للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية الأخضر الإبراهيمي في دبلن للتشاور حول الوضع في سوريا، وكانت قد أقرت في مطلع شهر يوليو (تموز) الماضي الإجماع الذي تم التوصل إليه في جنيف على تشكيل حكومة انتقالية في سوريا بالمشاركة ما بين روسيا والغرب. وفي اليوم التالي، تحدث لافروف مجددا وذكر أنه سيكون من الخطأ الاعتقاد بأن الموقف الروسي من سوريا قد تغير، مما زاد من حالة البلبلة والارتباك.

والسؤال الذي يدور في ذهن الروس ربما يكون عن نوعية الحكومة الانتقالية المطلوبة لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا التي يقترحها مؤتمر «مجموعة أصدقاء الشعب السوري» في المغرب. وترى تركيا وفرنسا وعدد آخر من البلدان ضرورة احتضان عناصر حزب البعث الذي ينتمي إليه الأسد كي لا يتكرر السيناريو العراقي مرة أخرى، بالإضافة إلى حماية أرواح وحقوق الأقليات في ظل الصعود القوي للسنة في البلاد، بعد أن ظلوا يعانون من القمع طوال عقود. وتم تمثيل «الائتلاف الوطني السوري» الذي تأسس حديثا في مؤتمر المغرب، وإذا كانت نتيجة المؤتمر مرضية لكل من المعارضة وأجزاء من الحكومة السورية الحالية وروسيا و«مجموعة أصدقاء الشعب السوري»، فربما تكون هناك فرصة للعثور على إجابة للسؤال المذكور في العنوان: هل ستكون سوريا بلدا أفضل بعد سقوط الأسد؟

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية

==============

مخاوف أميركية مما بعد الأسد

عماد الدين أديب

الشرق الاوسط

14-12-2012

من الواضح أن أي دعم سياسي لائتلاف المعارضة السورية في الخارج ليس سوى ورقة ضغط دولية ضد نظام الرئيس بشار الأسد. وفي يقيني أن من يريد تغيير خارطة الوطن في سوريا ودعم القوى الشعبية الرافضة، عليه أن يدعم هذه القوى بالمال والسلاح المناسبين كي يتمكنوا من إسقاط هذا النظام.

أما فكرة الإدانات الدولية، وتحريك المجتمع الدولي، وجمعيات حقوق الإنسان، ومخاطبة القوى السياسية الفاعلة في العالم، فهي في حد ذاتها مسألة هامة لكنها ليست هي الحل الحاسم إزاء نظام الأسد. نظام الدكتور بشار الأسد لا يحاور معارضيه أو حتى يعتقلهم أو يتحفظ عليهم لكنه يقوم بقصف مدنهم بالسلاح الجوي، وتدمير قواهم بمدفعية الميدان الثقيلة ويستخدم المدنيين العزل كدروع بشرية.

نظام الدكتور بشار الأسد أدى إلى نزوح داخلي تعدى المليون مواطن، ونزوح في الأردن وتركيا والعراق ولبنان ومصر تجاوز النصف مليون.

إذن أسلوب الرد يجب أن يتجاوز الحلول السياسية التقليدية القائمة على المناظرات والاختلافات والنظريات والمصالح السياسية. وهناك قوى تستشهد بعد قتال على الأرض، وهناك قوى تختلف بعد حوار في الخارج!

والأزمة التي أتصورها حينما تهدأ المعارك ويسقط النظام الأسدي هي الإجابة على السؤال الكبير: من سوف يحكم سوريا؟ ومن يحدد قواعد اللعبة المقبلة؟

هل ستكون المعارضة التي تعيش في الخارج أم هي فصائل المقاومة المتواجدة على الأرض الممسكة بالسلاح؟

التخوف، من أن نعود إلى النموذج الليبي الذي حدث فيه انشقاق قوى بين قوى المعارضة السياسية وقوى وأطياف مقاتلة حملت السلاح ضد نظام القذافي وحتى الآن لم تسلمه إلى السلطة الجديدة وما زالت تريد الاستمرار عبر فوهة البندقية المقاتلة.

وتتحدث عدة تقارير أميركية عن قلقها من معرفة حقيقة توجهات فصائل المقامة المسلحة السورية

وأصولها الفكرية وإلى أي حد تنتمي إلى الفكر الجهادي السلفي.

وتزداد المخاوف الأميركية عن ضعف سيطرة معارضة الخارج على القوى المقاتلة في الداخل مما يجعل مرحلة ما بعد الأسد هي معركة جديدة بحد ذاتها قد لا تؤدي إلى استقرار قريب.

==============

ما بعد الأسد

حسين علي الحمداني

الشرق الاوسط

14-12-2012

علينا أن نقول إن نظام بشار الأسد يعيش مرحلته الأخيرة، وهذا ليس توقعا بقدر ما إن الوقائع على الأرض السورية تؤكد هذا مع تنامي الاعتراف الدولي بالمعارضة السورية كممثل شرعي للبلد، وهو الأمر الذي يؤكد حتمية سقوط نظام بشار الأسد بشكل نهائي.

وعلينا أن نفكر في مرحلة ما بعد الأسد؟ وعندما نقول نفكر فإنني أقصد بدول الجوار السوري وعمقه العربي، وعلينا ألا نكرر الأخطاء التي صاحبت سقوط نظام صدام حسين في العراق وما تركته من تداعيات كبيرة ليس على العراق فقط، بل في عموم المنطقة.

إن تأسيس وقيام نظام ديمقراطي في سوريا من شأنه أن يساهم كثيرا في استقرار المنطقة مع الأخذ بنظر الاعتبار بأن هنالك تشابها كبيرا جدا في بنية الدولة الأسدية والصدامية سواء العسكرية أو الأمنية أو الحزبية أو حتى في مناوراتها ما بعد سقوطها.

دول مثل سوريا الأسد وعراق صدام، دول بوليسية قائمة على مجموعة خطوط أمنية ما إن يسقط خط حتى يلد آخر، وتظل هذه الخطوط في تواصل مستمر، يضاف إلى ذلك كله العدد الكبير من المستفيدين من النظام والذين ستتضرر مصالحهم وهم ليسوا قلة يمكن تجاوزهم، بل هم مجموعة كبيرة ومؤثرة، ولمسنا ذلك بوضوح في التجربة العراقية التي عمدت في مراحلها الأولى لإقصاء هؤلاء فكانت النتيجة سلبية على الوضع الأمني، مع الأخذ بنظر الاعتبار دور الدول الإقليمية في دعم هؤلاء في التجربة العراقية.

ولكن قد نجد من يدعم بقايا الأسد من ذات الجهات الذي عمدت لدعم خصومه؟ قد يستغرب البعض هذا، ولكن الحالة والتجربة العراقية أثبتت لنا أن أشد الدعاة لإسقاط صدام قاموا فيما بعد بدعم فلوله ضد التجربة الديمقراطية في العراق.

مرحلة ما بعد الأسد تتطلب من الدول المجاورة لسوريا، بما فيها العراق، الاعتراف بالنظام السياسي الجديد والابتعاد عن الضبابية في الموقف، لأن النظام السوري لم يكن في يوم ما مع التجربة العراقية بل إنه ظل يناصبها العداء ويمرر الكثير من الإرهابيين للعراق ويحتضن بقايا النظام السابق ورموزه، ولم يتخل عن هذا إلا بعد اندلاع الثورة السورية وتقاطعه مع الكثير من التنظيمات المسلحة التي تحولت ضده بعد أن كانت لفترة قريبة تتدرب بإشرافه وتمول من قبله لأنها كانت تقاتل في العراق ولم يكن أحد يسأل: تقاتل من؟

ولهذا فإن على الحكومة العراقية أن يكون لها موقفها الثابت من القضية السورية والذي يتمثل باحترام خيارات الشعب السوري وما يقرر، خاصة أن شكل النظام السياسي القادم لسوريا لن يكون حكم الحزب الواحد، بل ستكون انتخابات ديمقراطية يهتم بها المجتمع الدولي، ولن تكون أغلبية لأحد على حساب الآخر، بل إن النسيج الاجتماعي في سوريا يشبه إلى حد كبير ما هو موجود في العراق وقد يزيد عن ذلك، وبما أن بوصلة الناخب السوري لن تنظر للبرامج الانتخابية بقدر نظرتها للتخندقات الفئوية والطائفية والمناطقية، وهو أمر طبيعي حينما تمارس الشعوب الديمقراطية لأول مرة فإنها تمارسها من خلال نظرتها القاصرة أحيانا كثيرة.

لهذا فإن شكل النظام القادم في سوريا سيكون ضعيفا جدا ولن تتاح له مهمة تصدير الفوضى لدول الجوار كما يتخوف البعض من ذلك، لهذا أقول إن على العراق أن يكون منذ هذه اللحظة جزءا من الحل في سوريا. وقد تكون الخطوة المطلوبة الآن هي السعي لأن يتهيأ الفكر السياسي العراقي الحالي لمرحلة ما بعد الأسد لكي نتجاوز مرحلة مهمة مر بها العرب قبلنا والتي تتمثل بصدمة السقوط. العرب مروا بهذه المرحلة يوم سقوط صدام ولم يفيقوا منها إلا بسقوط أنظمة أخرى بعد عقد من الزمن.

==============

ما بعد الأسد

سوسن الابطح

الشرق الاوسط

14-12-2012

علينا أن نقول إن نظام بشار الأسد يعيش مرحلته الأخيرة، وهذا ليس توقعا بقدر ما إن الوقائع على الأرض السورية تؤكد هذا مع تنامي الاعتراف الدولي بالمعارضة السورية كممثل شرعي للبلد، وهو الأمر الذي يؤكد حتمية سقوط نظام بشار الأسد بشكل نهائي.

وعلينا أن نفكر في مرحلة ما بعد الأسد؟ وعندما نقول نفكر فإنني أقصد بدول الجوار السوري وعمقه العربي، وعلينا ألا نكرر الأخطاء التي صاحبت سقوط نظام صدام حسين في العراق وما تركته من تداعيات كبيرة ليس على العراق فقط، بل في عموم المنطقة.

إن تأسيس وقيام نظام ديمقراطي في سوريا من شأنه أن يساهم كثيرا في استقرار المنطقة مع الأخذ بنظر الاعتبار بأن هنالك تشابها كبيرا جدا في بنية الدولة الأسدية والصدامية سواء العسكرية أو الأمنية أو الحزبية أو حتى في مناوراتها ما بعد سقوطها.

دول مثل سوريا الأسد وعراق صدام، دول بوليسية قائمة على مجموعة خطوط أمنية ما إن يسقط خط حتى يلد آخر، وتظل هذه الخطوط في تواصل مستمر، يضاف إلى ذلك كله العدد الكبير من المستفيدين من النظام والذين ستتضرر مصالحهم وهم ليسوا قلة يمكن تجاوزهم، بل هم مجموعة كبيرة ومؤثرة، ولمسنا ذلك بوضوح في التجربة العراقية التي عمدت في مراحلها الأولى لإقصاء هؤلاء فكانت النتيجة سلبية على الوضع الأمني، مع الأخذ بنظر الاعتبار دور الدول الإقليمية في دعم هؤلاء في التجربة العراقية.

ولكن قد نجد من يدعم بقايا الأسد من ذات الجهات الذي عمدت لدعم خصومه؟ قد يستغرب البعض هذا، ولكن الحالة والتجربة العراقية أثبتت لنا أن أشد الدعاة لإسقاط صدام قاموا فيما بعد بدعم فلوله ضد التجربة الديمقراطية في العراق.

مرحلة ما بعد الأسد تتطلب من الدول المجاورة لسوريا، بما فيها العراق، الاعتراف بالنظام السياسي الجديد والابتعاد عن الضبابية في الموقف، لأن النظام السوري لم يكن في يوم ما مع التجربة العراقية بل إنه ظل يناصبها العداء ويمرر الكثير من الإرهابيين للعراق ويحتضن بقايا النظام السابق ورموزه، ولم يتخل عن هذا إلا بعد اندلاع الثورة السورية وتقاطعه مع الكثير من التنظيمات المسلحة التي تحولت ضده بعد أن كانت لفترة قريبة تتدرب بإشرافه وتمول من قبله لأنها كانت تقاتل في العراق ولم يكن أحد يسأل: تقاتل من؟

ولهذا فإن على الحكومة العراقية أن يكون لها موقفها الثابت من القضية السورية والذي يتمثل باحترام خيارات الشعب السوري وما يقرر، خاصة أن شكل النظام السياسي القادم لسوريا لن يكون حكم الحزب الواحد، بل ستكون انتخابات ديمقراطية يهتم بها المجتمع الدولي، ولن تكون أغلبية لأحد على حساب الآخر، بل إن النسيج الاجتماعي في سوريا يشبه إلى حد كبير ما هو موجود في العراق وقد يزيد عن ذلك، وبما أن بوصلة الناخب السوري لن تنظر للبرامج الانتخابية بقدر نظرتها للتخندقات الفئوية والطائفية والمناطقية، وهو أمر طبيعي حينما تمارس الشعوب الديمقراطية لأول مرة فإنها تمارسها من خلال نظرتها القاصرة أحيانا كثيرة.

لهذا فإن شكل النظام القادم في سوريا سيكون ضعيفا جدا ولن تتاح له مهمة تصدير الفوضى لدول الجوار كما يتخوف البعض من ذلك، لهذا أقول إن على العراق أن يكون منذ هذه اللحظة جزءا من الحل في سوريا. وقد تكون الخطوة المطلوبة الآن هي السعي لأن يتهيأ الفكر السياسي العراقي الحالي لمرحلة ما بعد الأسد لكي نتجاوز مرحلة مهمة مر بها العرب قبلنا والتي تتمثل بصدمة السقوط. العرب مروا بهذه المرحلة يوم سقوط صدام ولم يفيقوا منها إلا بسقوط أنظمة أخرى بعد عقد من الزمن.ما بعد الأسد

علينا أن نقول إن نظام بشار الأسد يعيش مرحلته الأخيرة، وهذا ليس توقعا بقدر ما إن الوقائع على الأرض السورية تؤكد هذا مع تنامي الاعتراف الدولي بالمعارضة السورية كممثل شرعي للبلد، وهو الأمر الذي يؤكد حتمية سقوط نظام بشار الأسد بشكل نهائي.

وعلينا أن نفكر في مرحلة ما بعد الأسد؟ وعندما نقول نفكر فإنني أقصد بدول الجوار السوري وعمقه العربي، وعلينا ألا نكرر الأخطاء التي صاحبت سقوط نظام صدام حسين في العراق وما تركته من تداعيات كبيرة ليس على العراق فقط، بل في عموم المنطقة.

ان تأسيس وقيام نظام ديمقراطي في سوريا من شأنه أن يساهم كثيرا في استقرار المنطقة مع الأخذ بنظر الاعتبار بأن هنالك تشابها كبيرا جدا في بنية الدولة الأسدية والصدامية سواء العسكرية أو الأمنية أو الحزبية أو حتى في مناوراتها ما بعد سقوطها.

دول مثل سوريا الأسد وعراق صدام، دول بوليسية قائمة على مجموعة خطوط أمنية ما إن يسقط خط حتى يلد آخر، وتظل هذه الخطوط في تواصل مستمر، يضاف إلى ذلك كله العدد الكبير من المستفيدين من النظام والذين ستتضرر مصالحهم وهم ليسوا قلة يمكن تجاوزهم، بل هم مجموعة كبيرة ومؤثرة، ولمسنا ذلك بوضوح في التجربة العراقية التي عمدت في مراحلها الأولى لإقصاء هؤلاء فكانت النتيجة سلبية على الوضع الأمني، مع الأخذ بنظر الاعتبار دور الدول الإقليمية في دعم هؤلاء في التجربة العراقية.

ولكن قد نجد من يدعم بقايا الأسد من ذات الجهات الذي عمدت لدعم خصومه؟ قد يستغرب البعض هذا، ولكن الحالة والتجربة العراقية أثبتت لنا أن أشد الدعاة لإسقاط صدام قاموا فيما بعد بدعم فلوله ضد التجربة الديمقراطية في العراق.

مرحلة ما بعد الأسد تتطلب من الدول المجاورة لسوريا، بما فيها العراق، الاعتراف بالنظام السياسي الجديد والابتعاد عن الضبابية في الموقف، لأن النظام السوري لم يكن في يوم ما مع التجربة العراقية بل إنه ظل يناصبها العداء ويمرر الكثير من الإرهابيين للعراق ويحتضن بقايا النظام السابق ورموزه، ولم يتخل عن هذا إلا بعد اندلاع الثورة السورية وتقاطعه مع الكثير من التنظيمات المسلحة التي تحولت ضده بعد أن كانت لفترة قريبة تتدرب بإشرافه وتمول من قبله لأنها كانت تقاتل في العراق ولم يكن أحد يسأل: تقاتل من؟

ولهذا فإن على الحكومة العراقية أن يكون لها موقفها الثابت من القضية السورية والذي يتمثل باحترام خيارات الشعب السوري وما يقرر، خاصة أن شكل النظام السياسي القادم لسوريا لن يكون حكم الحزب الواحد، بل ستكون انتخابات ديمقراطية يهتم بها المجتمع الدولي، ولن تكون أغلبية لأحد على حساب الآخر، بل إن النسيج الاجتماعي في سوريا يشبه إلى حد كبير ما هو موجود في العراق وقد يزيد عن ذلك، وبما أن بوصلة الناخب السوري لن تنظر للبرامج الانتخابية بقدر نظرتها للتخندقات الفئوية والطائفية والمناطقية، وهو أمر طبيعي حينما تمارس الشعوب الديمقراطية لأول مرة فإنها تمارسها من خلال نظرتها القاصرة أحيانا كثيرة.

لهذا فإن شكل النظام القادم في سوريا سيكون ضعيفا جدا ولن تتاح له مهمة تصدير الفوضى لدول الجوار كما يتخوف البعض من ذلك، لهذا أقول إن على العراق أن يكون منذ هذه اللحظة جزءا من الحل في سوريا. وقد تكون الخطوة المطلوبة الآن هي السعي لأن يتهيأ الفكر السياسي العراقي الحالي لمرحلة ما بعد الأسد لكي نتجاوز مرحلة مهمة مر بها العرب قبلنا والتي تتمثل بصدمة السقوط. العرب مروا بهذه المرحلة يوم سقوط صدام ولم يفيقوا منها إلا بسقوط أنظمة أخرى بعد عقد من الزمن.

==============

فك شيفرة لافروف

عيسى الشعيبي

الغد الاردنية

13-12-2012

طوال عشرين شهراً من عمر الربيع السوري الدامي، بعد ان تحول إلى تمرد شعبي مسلح، كان ناظر الدبلوماسية الروسية العتيد بمثابة حامل أختام قصر الشعب في دمشق والأمين على أسراره، وكان سيرغي لافروف الناطق المعتمد باسم النظام المعزول حين يغيب وليد المعلم، الذي طالت غيبته في الأشهر الأخيرة، وفي كثير من الأحيان بدا وزير خارجية فلاديمير بوتن وكأنه واحد من الحرس القديم في القيادة القطرية لحزب البعث، إلى الحد الذي أطلق عليه بعض السوريين، على سبيل التهكم، اسم وليد لافروف.

كان هذا الدبلوماسي العتيق، من زمن الاتحاد السوفييتي السابق، آخر ضيف مهم حل في دمشق أوائل الأزمة، حيث جرى استقباله بحفاوة رسمية بالغة، شاركت فيها حشود شعبية لا سابق لها في مراسم الترحيب على طول الطريق بوزير خارجية، مما بدا وكأنه رئيس دولة عزيز حل في العاصمة التي امتنع عن زيارتها الرؤساء والوزراء العرب والأجانب، بمن في ذلك الضيوف اللبنانيون الذين اعتادوا على اخذ صورهم مع الرئيس الحاكم بأمره في الديار اللبنانية.

ومنذ أول إطلالة له على خشبة مسرح الأزمة السورية، كان لافروف أشبه ما يكون بمسوّق غير بارع لبضاعة منتهية الصلاحية، فلما تم صده من جانب المستهلكين، عاد ليعرض ذات البضاعة الفاسدة بغلاف جديد وتاريخ انتهاء مزور، وفي سبيله لتمرير هذه البضاعة المغشوشة، قام بحملة إعلانية واسعة، قدم فيها كل التسهيلات بالدفع، كما عرض جوائز مغرية، لعل هناك مشترٍ يقبل المجازفة بعرض مثل هذا المنتج البائر على رفوف دكانه.

والحق أن دبلوماسية العناد والمناكفة، التي بالغ وزير الخارجية الروسي في اتباعها، حققت بعض النجاحات الجزئية المهمة، حيث بدت موسكو أول الامر كعبة الساعين لحل الأزمة، وصاحبة القول الفصل في عقد أي صفقة، كما بدت روسيا وهي تمسك بتلابيب الحل والعقد في هذه الأزمة، كدولة عظمى تستعيد تدريجياً مكانتها الباذخة على المسرح الدولي زمن الاتحاد السوفييتي، إلا انه عندما تجاوزت موسكو قواعد اللعبة، راحت تخسر أوراقها تباعاً، فتضاءلت فعاليتها بانتظام، وأخرجت نفسها بنفسها من المعادلة.

ولعل السؤال هو: ما الذي يدفع موسكو إلى التمسك إلى هذا الحد بحكم آل الأسد، وهي ترى بأم العين الجيش الحر يتقدم نحو تخوم العاصمة؟ وهل هناك حقاً مصالح استراتيجية روسية كبرى لا يضمن أحد تحقيقها في سورية غير طبيب العيون الذي فقد بصره ورشده؟ ولم كل هذه المقامرة بصداقة موسكو التاريخية ومصالحها بعيدة المدى مع العرب، كرمى لخاطر حاكم مستبد مالت شمسه إلى الغروب، ودنت ساعة فراره أو قتله؟.

وإذ يمكن لنا فهم مغزى التورط الإيراني في دماء السوريين، بالمال والسلاح والخبرات البشرية، باعتبار أن طهران تحارب في الخط الأول من دمشق دفاعاً عن نفسها وعن ذراعها الطويلة في لبنان، وتستقتل في الإبقاء على أهم اختراق لها في العالم العربي تحت مسمى قوى الممانعة، غير أنه لا يمكن لنا بالمقابل فهم كل هذا التماثل بين موسكو ودمشق، وكل هذا الترويج الروسي الساذج لرواية طاغية دمشق عن العصابات الإرهابية والمؤامرة الكونية، ناهيك عن دعمه بالقنابل العنقودية وصواريخ سكود والبراميل المتفجرة وغيرها من الأسلحة المحرمة.

وبالنتيجة، أحسب أن كل محاولة لفك ألغاز شفرة لافروف هذه، التي حيرت الباب بعض المعلقين الروس، لن يكتب لها النجاح، بمعزل عن إدراك حقيقة أن الدبلوماسية الروسية الخارجة لتوها من بيات شتوي طويل كانت ولا تزال بطيئة، وتأتي في العادة متأخرة، يشوبها عناد غير مبدئي، وتسكنها أحلام استعادة ماضٍ إمبراطوري مضى، تتملكها رغبة في تأكيد حضور سياسي موازٍ لغريمتها أميركا، وتتنازعها مع الأسف حسابات صغيرة وتحسبات أصغر، تخصم بشدة من رصيد حسابها الضئيل لدى الشعوب العربية.

===================

البديل الإسلامي لن يكون ديموقراطياً

ميشيل كيلو

السفير

13-12-2012

ساد اقتناع كامل لدى قطاعات واسعة من السوريات والسوريين بأن سقوط أو إسقاط النظام السوري سيأخذنا بصورة حتمية إلى البديل الديموقراطي. واستمر هذا الاقتناع طيلة فترة غير قصيرة، كان الحراك فيها سلميا، رغم ما أريق خلالها من دماء بريئة برصاص السلطة. لكن الامور بدأت تصير أكثر تعقيدا، بعد بدء عمليات الجيش الحر والمقاومة، ثم صار التعقيد سيد الموقف بعد تشكيل ما سمي «المجلس الوطني السوري»، فغامت صورة المستقبل وتقدم الى الساحة بديل معاد للديموقراطية هو البديل الإسلامي، الذي يصعب تعيين حدوده أو طابعه، بسبب تنوع وتضارب أنماط واستراتيجيات القوى الإسلامية، وخاصة المسلحة منها، التي تعدنا بكل شيء غير السلم الأهلي والوحدة الوطنية والبديل الديموقراطي، وتريد تقويض الدولة باعتبارها دولة علمانية كافرة، وترفض فكرة المساواة بين المواطنين ومعها مبدأ العدالة .

واليوم، وقد استقدم المجلس بالتعاون أو بالتكامل مع النظام جميع القوى الاقليمية والعربية والدولية إلى سوريا، التي تحولت إلى ساحة يتصارع كل من هب ودب فيها وعليها، وجر السوريين الى مخاطر لا سيطرة لهم عليها كالتدخل الخارجي المفتوح والحرب الأهلية المتربصة، أخذ قطاع هائل الاتساع من السوريين يشعر بالحيرة والخوف، وفي أحيان كثيرة، بالندم، واقتنع خلق كثير أن الأمور ذهبت في غير المنحى المأمول والأصلي: منحى الحرية والعدالة والمساواة، وأن ما كان يبدو أكيدا صار إما وعدا غامضا لا شيء يضمن تحقيقه، تقدمه جماعات إسلامية اشتهرت بالكذب والتهافت على السلطة والتعاون مع القوى الاجنبية، أو خطرا داهما تلوح علاماته المهددة والأكيدة في الاحداث اليومية السورية كما في وقائعها العامة والتفصيلية، بينما يتقلص طابع الحراك الثوري، ويتم إبعاد الثوريين وطلاب الحرية عن مشروعهم وتشوه سمعتهم، وتسود عقلية منحطة ما دون سياسية ومجافية لاي نزعة إنسانية، تدعو إلى الثأر والقتل الأعمى والى الانتقام على الهوية، ولا تكترث كثيرا بما إذا كانت مواقفها الإجرامية ستؤدي إلى تقطيع البلاد وتدمير من بقي حيا فيها من العباد، فلا عجب ان بعض ممثلي هذه المعارضة يتحدثون عن الدماء وكأنهم يعبون الماء الزلال، ولا مطمح لهم غير فترة فوضى وفلتان شاملة يفرضون خلالها سلطانهم على ما بقي في سوريا من عمران ومجتمعية، علما بأنهم لا يلاحظون تناقض مآربهم الإجرامية مع ثورة الحرية، التي قالت بتساوي الجميع امام القانون وفي الواقع، وبعدم التمييز بين السوريين تحت أي ظرف كان، وباحترام حياتهم وحقوقهم وإيجاد متسع لهم في الحياة العامة الجديدة، التي ستلي إسقاط النظام.

باختصار: صار من الضروري إنقاذ الثورة واستعادة هويتها الأصلية كثورة من أجل حرية الشعب وديموقراطية النظام، وبناء وحدة شعبية وطنية على أسس من العدالة والمساواة، ودولة مواطنة وكرامة وقانون.في هذا السياق، ينطرح سؤالان خطيران لطالما تفادينا طرحهما وتجنبنا الحديث عنهما والخوض فيهما خلال الحقبة الماضية، هما: هل كل من يريد إسقاط النظام ثوري، وهل هو بالضرورة والقطع شريك للثوريين في نضالهم، إن كانت الثورة تعني حصرا الحرية والكرامة والعدالة والمساواة وليس الانتقام والتمييز الطائفي والعنف الارعن؟ وهل سقوط أو إسقاط النظام هو الثورة، أم أنه يمكن أن يكون خطوة على طريق لا تحقق أهدافها ولا تفضي بصورة حتمية إليها؟ وفي هذه الحال: ما هي الثورة، التي اعتبرناها طيلة سنوات وسنوات معارضة النظام والانتفاض ضده واسقاطه؟

شخصيا: كنت دوما من القائلين بوجود تناقض رئيس بين الشعب والنظام لا يجوز ان ننساه ولو للحظة واحدة، ونحن نمارس العمل العام، ولا يحق لنا تجاهل نتائجه والعمل ضدها أو خارجها. واليوم، عتقد اعتقادا جازما ان هذا التناقض يجب ان يكون أساس أي عمل ثوري يستحق اسمه ويعدنا بالنجاح، فهل هو أيضا أساس أي عمل سياسي مما يحترفه تجار الاسلام وشاربو الدماء؟ هل يتطابق اليوم العملان السياسي والثوري، بعد أن حفر خبراء المكائد والتي يتقنها اتباع الإسلام السياسي والحربي هوة واسعة بينهما، مثلما يبدو جليا منذ تأسس ذلك الكيان الكارثة، الذي اسموه زورا وبهتانا «مجلسا وطنيا سوريا»، ركز جل دوره الخطير على طمس وإضعاف وحذف هذا التناقض، آن انخرط اسلاميوه في تناقض مدمر مع بقية أطرف المعارضة، جعلهم يصارعونها أكثر مما يصارعون النظام، ترتب عليه قلب تناقض فرعي يفترض أن يكون ثانويا إلى تناقض عدائي رئيس بين النشاطين السياسي والثوري، كانت نتيجته المباشرة إضعاف النشاط الثاني إلى درجة الإلغاء، واستخدام السياسة كأداة لإثارة الفرقة والتمييز والاقتتال بين مواطني سوريا، الذين خرجوا في ثورة تهتف «الشعب السوري واحد»، وجروا إلى مواقفهم حلفاءهم من بهاليل ودراويش إعلان دمشق، الذين لم يتعلموا شيئا من تجارب تونس ومصر وليبيا، وأخذ بعضهم على «المنبر الديموقراطي السوري» نقده للإسلاميين، الذي زعموا أنه يهدد وحدة الثورة ويخدم النظام، ولم يلاحظوا الانزياح المخيف الذي أحدثه حلفاؤهم في رهاناتها وممارساتها، وكيف قلص هؤلاء كل فاعلية عامة إلى مسألة واحدة هي إسقاط النظام، علما بأن سياساتهم الطائفية والاقصائية أطالت عمره ولم تقصره، ووحَّدته ولم تضعف تماسكه، بينما شحنت المجال العام المعارض والشعبي بخلافات وتناقضات وأخطاء ترتقي إلى مستوى الجرائم؟

يقودني هذا إلى سؤال أظنه مهما :هل يجب أن نستمر في رؤية الثورة بدلالة إسقاط أو سقوط النظام، مع إبراز مسألة بشار الأسد ومصيره باعتبارهما القضية المركزية والفارقة في تحديد هوية الثورة والثوريين، أم يجب أن نرى الثورة بدلالة القضايا الاخرى، التي قد تكون فائقة الخطورة بالنسبة للدولة والمجتمع السوريين، والتي يبدو أنها ستتمخض حتما عنها، ما دام سقوط الأسد، الذي لا يمثل نقطة خلاف بين معظم المعارضين، صار وشيكا، كما تقول تطورات مختلفة ومتلاحقة: عسكرية وسياسية، محلية وعربية / إقليمية ودولية؟. أليس من الضروري أن نصحح اليوم، وقبل سقوط الأسد، الأخطاء الكثيرة، التي تم اقترافها خلال قرابة عامين من حراك كان سلميا بوجه عام ثم صار مسلحا تحت ضغط النظام الإجرامي وجهود الإسلاميين، ويرجح كثيرا أن تأخذنا إلى فوضى سلاح وتنظيمات، واقتتال أهلي، وكبح جدي وعنيف لاي تطور ديموقراطي، وإضعاف وربما اضطهاد وتصفية قوى الحرية والتقدم العلمانية؟.

في ظني، نحن ننتقل الآن من فكرة رأت الثورة كمرحلة واحدة، بدأت مع حراك درعا وتنتهي بإسقاط الأسد بوصفه سقوط النظام، ستبدأ بعده مرحلة ثانية وجديدة اسماها العقل الحالم مرحلة الدولة «الديموقراطية/المدنية». هذه المرحلة الثانية تناقصت فرصها وتراجعت باضطراد بل وسارت نحو التلاشي خلال العام الأخير، وصار من الجلي أنه ستحل محلها مرحلة مختلفة لا تنتمي إلى حلم الدولة الديموقراطية / المدنية، يقتضي واجبنا تجاه شعبنا أن نرى ما يجري اليوم في ضوئها وبدلالتها، بما في ذلك إسقاط الأسد، الذي لن يكون نهاية مطاف الاستبداد، كما كنا نؤمن. فهل نواصل رؤية الثورة بدلالة الأسد أم نراها بدلالة ما سيتمخض عن أخطاء بعض المنخرطين فيها من خصوم الحرية والعدالة من السياسيين اعداء الثورة؟ وهل نقوم باتخاذ ما يلزم من خطوات وتدابير كي تستعيد ثورتنا وجهها الأول وأصالتها ونزاهة مقاصدها وطابعها كثورة مجتمعية لجميع مواطنات ومواطني سوريا، ولوحدة الدولة والمجتمع واستقلالهما التام والناجز، وسيادتهما، أم نواصل التغافل، باسم وحدة الثوريين التي يتوهمها دراويش إعلان دمشق، عن واقعة فارقة هي عدم وجود امرأة واحدة بين من انتخبوا في هزليات المجلس الوطني اللاديموقراطية الأخيرة، ثم ما زفه إلينا احد المجلسيين من بشائر على صفحته في «الفيسبوك» من تعيين ثلاث نسوة فيه، ينتمين جميعهن إلى العصر الحجري، بينما تقوم المرأة بقسط كبير جدا من الجهد الثوري على الأرض وتعاني الأمرين، فيكافئها ممثلو الجاهلية السياسية بإقصائها عن مجلسهم «الوطني»؟.إذا كان صحيحا أن النظام يلفظ أنفاسه الأخيرة وسيسقط في فترة غير بعيدة، يكون من اول واجباتنا العمل لقطع الطريق على ما يمكن أن يترتب من نتائج بالغة السوء على السياسات والمواقف التي اتخذتها جماعات إسلامية سيطرت على المجلس، أدخلت إلى الساحة السورية قوى غير ثورية وغير وطنية، مذهبية ومؤدلجة من أخمص قدمها إلى قمة رأسها، تمثل خطرا حقيقيا على دولة ومجتمع سوريا. تكمن الثورية اليوم في العمل لقطع طريق تقدمها إلى موقع القرار في الآتي من أيام وطننا، ومنعها من نشر الفوضى والسلاح في حياته السياسية والعامة، وقلب ثورة الحرية إلى ما خطط النظام دوما له: اقتتال طائفي وحرب أهلية!.

هل ننجز هذه المهمة؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه علينا تطور مخيف نفرط بحقوق شعبنا ان لم ناخذه بعين الاعتبار في استراتيجيتنا النضالية وجهودنا اليومية. فهل نفعل؟ للحديث بقية.

[[[

ملاحظة مهمة: اتصل بي الصديق المحامي الأستاذ ميشيل شماس لافتا نظري إلى تقويم غير دقيق لمواقف المطران موسى الخوري، جاء في مقالتي عن الراحل الكبير البطريرك أغناطيوس الرابع هزيم. لم يكن قصدي الإساءة إلى نيافة سيدنا او غيره، وإذا كنت قد قومته بما لا يتفق ومواقفه، فإنني اسجل على نفسي أنني ظلمته، واعتذر منه واطلب صفحه وغفرانه.

كاتب سياسي ـ سوريا

 

=============

إجماع "أصدقاء سورية" على "الائتلاف".. بداية النهاية

2012-12-13 12:00 AM

الوطن السعودية

يبدو واضحا أن نظام الأسد بات في أيامه الأخيرة، ودليل ذلك هو تسارع المجتمع الدولي في الأيام الماضية إلى الاعتراف بالائتلاف الوطني المعارض ممثلا وحيدا للشعب السوري. الولايات المتحدة اعترفت أول من أمس بالائتلاف الجديد للمعارضة السورية، وقد سبقها إلى ذلك كل من فرنسا وبريطانيا. هذا السعي أو الركض من القوى العظمى إلى دعم المعارضة السورية سياسيا، وبشكل جاد، يأتي بالتزامن مع النجاحات الكبيرة التي حققها الجيش السوري الحر على الأرض. وهذه هي سياسة القوى العظمى، وبالأخص الولايات المتحدة، تجاه كثير من النزاعات والحروب والثورات في العالم، إذ تكتفي في بداية كل أزمة أو صراع بالحرب الناعمة، استخباراتيا ومعلوماتيا، أو عبر تكرار الشعارات والخطابات المتعلقة بحقوق الإنسان أو حماية الأقليات أو حريات الشعوب.. ثم تنحو إلى الرصد والمتابعة لكل الأحداث الجارية، وعندما تقترب هذه الأزمة أو الصراع أو حتى الثورات من نهايتها وتتحدد الأطراف الخاسرة والمنتصرة ترمي الولايات المتحدة بكل ثقلها السياسي، أو العسكري، لإنهاء هذه الأزمة أو الصراع كليا، بعد أن تكون معظم أطراف الأزمة منهكة، إن على المستوى السياسي أو الاقتصادي، وهكذا تأتي الولايات المتحدة لتقطف ثمار معظم النزاعات والثورات والحروب، تماما كما حدث في الحرب العالمية الثانية، مع فارق التشبيه بينها وبين ما يحدث في الشرق الأوسط، عبر سياسة تعتمد في نهجها الإمبراطوري التدخل المباشر في الوقت المناسب، وعلى ذات الطريقة الأميركية.

لقد سعت دول عدة، وعلى رأسها المملكة، إلى دعم الثورة السورية، وإرسال الإعانات إلى المتضررين والنازحين من الشعب السوري، ومحاولة إيجاد الاتفاق بين أطياف المعارضة السورية، وهذا النهج الثابت والواضح من المملكة يأتي بسبب إدراكها منذ بداية الثورة الشعبية في سورية أن هذه الأزمة يجب ألا تكبر وتتوسع، لأن النظام السوري قد فقد شرعيته، واستمراراه في التضحية بشعبه سيقود إلى كارثة إقليمية كبرى، سيخسر بسببها الجميع، خاصة دول المنطقة، فسورية، بسبب الأوضاع التنموية والإنسانية المتردية جراء إرهاب نظامها ستصبح وكرا للجماعات الإرهابية، ومرتعا للميليشيات المسلحة، و"كانتونات" تتصارع فيها ولاءات لدول ومنظمات إقليمية، وهذا ما وعته المملكة قبل غيرها من دول العالم.

نرى الأزمة السورية أوشكت على الانتهاء، فمجرد الاتفاق بشأن المعارضة يعد الخطوة الأهم في إنهاء الأزمة.

=================

النظام السوري يدّعي على خصومه اللبنانيين

تزامناً مع نزع شرعيته دولياً

روزانا بومنصف

2012-12-13

النهار

بدت مفارقة لافتة ان يتوجه السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي الى وزارة الخارجية كي يعلن من منبرها رفع دعوى ضد سياسيين لبنانيين يتهمهم النظام السوري بمساعدة معارضيه بالتزامن مع انعقاد مؤتمر اصدقاء سوريا في المغرب الذي اعترف بالائتلاف السوري المعارض ممثلا شرعيا للشعب السوري ما يعني نزع الشرعية الدولية عن النظام السوري كممثل لهذا الشعب. وتاليا فان لا قيمة مهمة في رأي ديبلوماسيين متابعين لما اعلنه الديبلوماسي السوري في ظل انحسار الاعتراف الدولي بالنظام وهو على وشك خسارة هذا الاعتراف كليا في الخطوات اللاحقة التي ستتبع خطوة الاعتراف الاميركية بالائتلاف وكذلك نحو مئة دولة من اصدقاء سوريا يمثلون غالبية الاعضاء في الجمعية العمومية للامم المتحدة. وتندرج خطوة النظام ازاء سياسيين لبنانيين داعمين للثورة السورية في اطار جملة اعتبارات البعض منها انتقامي في موضوع الوزير السابق ميشال سماحه وتورط مسؤولين في نظامه استدعاهم القضاء اللبناني بمقدار ما هو انتقامي كون المعارضة اللبنانية هي التي هزت ركائز نظامه منذ 2004 وبدت تبعات ادائه على الاثر مكلفة جدا. ويندرج ايضا هذا المسعى في اطار محاولة استمرار استخدام لبنان او الافرقاء اللبنانيين في السعي الى مواجهة الدول العربية التي لا يستطيع النظام مواجهتها فيما يتهمها بتمويل الثورة السورية وتسليحها فيختصر الطريق الى لبنان الاقرب والاضعف من خلال محاولة توجيه رسائل الى هذه الدول عبر استهداف المعارضة اللبنانية كما ان المسألة لا تبتعد عن الاطار نفسه لاثارة المشاكل في لبنان كما في موضوع سماحه واغتيال اللواء وسام الحسن وجملة امور النظام مسؤول عنها مباشرة او بالواسطة منذ انطلاق الثورة على ارضه بما في ذلك محاولات التوتير في طرابلس او عبر الحدود اللبنانية السورية.

في أي حال لا يكتسب الادعاء السوري أهمية تذكر باعتبار انه سبق للنظام ان اعتمد اسلوبا مماثلا قبل بضعة اعوام من دون ان يسجل اي نجاح في هذا الاطار كونه لا يملك قضية فعلية متينة بل كانت قضية سياسية ولتخويف او ترهيب خصومه. ولا يعتقد ان فرصته افضل في هذه المرحلة خصوصا ان القضية السياسية مستمرة و باعتبار ان سنونوة واحدة لا تكفي لتبشر بالربيع. اي ان التحرك الخارجي شبه اليتيم، باعتبار انه لا يرصد له اي حركة ديبلوماسية خارج لبنان او خارج الامم المتحدة، ليس كافيا للدلالة على ان النظام لا يزال متمتعا بموقعه وهو لم يعد يؤخذ بجدية بل ان كلام السفير السوري من حيث توقيته وظروفه انما يهدف الى محاولة خلق حالة من الضغوط الداخلية من خلال التلاعب على وتر الازمات السياسية المتفاعلة كما انه يحول الانظار عن انعقاد مؤتمر اصدقاء سوريا الذي انعقد في المغرب امس الاربعاء في 12 الجاري مكملا خطوة اعلن عنها الرئيس الاميركي باراك اوباما وقضت بالاعتراف بالائتلاف السوري المعارض ممثلا شرعيا للشعب السوري بالتزامن مع تصنيف "جبهة النصرة" تنظيما ارهابيا. ويبدو الاعتراف الاميركي بالائتلاف السوري التفافا على توسيع جبهة النصرة سيطرتها الميدانية واحتمال انتزاع او قطف ثمار الثورة السورية وتجييرها لمصلحتها في المرحلة اللاحقة اذ تبين ان الولايات المتحدة قد تكون اخطأت في تأخرها في دعم المعارضة والاعتراف بها مما افسح في المجال امام سيطرة جبهة النصرة التي تعتبرها جزءا من تنظيم القاعدة في العراق على مواقع كثيرة يمكن ان تمهد لها لاحقا وضع اليد على السلطة. ومضمون هذا السؤال يراه الديبلوماسيون المتابعون ملحا اكثر على روسيا التي دافعت عن النظام حتى الان بذريعة خوفها من وصول الاسلاميين الى السلطة اضافة الى السؤال اذا كانت ستدرج جبهة النصرة على لائحة التنظيمات الارهابية ايضا ام لا.

 الا ان الاعتراف الاميركي مهم جدا وهو يعني عمليا من جهة ثانية جملة امور ابرزها: انه لم يعد في الامكان العودة الى الوراء اي ان تحسين الرئيس السوري وضعه لاي سبب كان لن يدفع بالولايات المتحدة الى سحب اعترافها بالمعارضة. وان الاعتراف الاميركي يعني اعترافا من غالبية دول العالم بالائتلاف السوري لان الولايات المتحدة تشكل مفتاحا مهما على هذا الصعيد فضلا عن استدراج الاعتراف جملة خطوات يفترض الا تتأخر في الظهور تباعا وسريعا ما لم يمكن توظيف الخطوة الاخيرة في تسريع وتيرة التفاوض الاميركي الروسي او تحفيزه وتاليا اعطاء مجال اضافي لروسيا من اجل ان تقوم بخطوات تؤثر فيها على الرئيس السوري كأن تقنعه بالتنحي او ما شابه او ان تساعد في الاتفاق على المرحلة الانتقالية من دون الاسد. ذلك ان الاعتراف بالائتلاف السوري المعارض ممثلا شرعيا يفترض تاليا الطلب منه تسمية ممثله في واشنطن كما في سائر الدول التي اعترفت به كون الدول لا تستطيع الاعتراف سوى بممثل واحد للشعب وليس اكثر. (ولن يكون ممثل الائتلاف بصفة سفير وان كان سيتمتع بمهماته في غياب مؤسسات الدولة ورئيسها). ولكن الامر سيستدرج قطع العلاقات الديبلوماسية مع النظام السوري واقفال السفارات مما يعني المزيد من عزل النظام وقطع صلته بدول العالم ما خلا تلك التي تدعمه حتى الان واهمها ايران وروسيا والصين وبعض دول اميركا اللاتينية.

=================

الائتلاف يدفن جمهورية الأسد

علي حماده

2012-12-13

النهار

بالامس كانت سوريا على موعد مع جولة واسعة من الاعتراف الدولي بالمعارضة الممثلة بـ"الائتلاف الوطني لقوى المعارضة" برئاسة معاذ الخطيب، تمثلت بإعلان ١٣٠ دولة مشاركة في مؤتمر اصدقاء سوريا في المغرب الاعتراف بالائتلاف ممثلا شرعيا للشعب السوري، بما يعني ذلك من سحب اعتراف بالنظام في سوريا، واستطرادا تسليم سفارات سوريا لممثلي الائتلاف بعد طرد ديبلوماسيي النظام على التوالي. لقد اتت الخطوة التي تزامنت مع اعتراف حمل رمزية كبيرة في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ سوريا، حيث اعلن الرئيس الاميركي قرارا اميركيا كان منتظرا منذ زمن اعتراف بلاده بالائتلاف عينه، ودعوة رئيسه واركانه الى واشنطن لاجراء محادثات تتناول مستقبل سوريا. ومن اللافت ان يأتي هذا الزخم الديبلوماسي الكبير في اعقاب جولة مفاوضات اجرتها وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون مع نظيرها الروسي سيرغي لافروف في حضور المبعوث الاممي – العربي الاخضر الابرهيمي في العاصمة الايرلندية دبلن. ومعنى هذا ان المفاوضات كانت الفرصة الاخيرة التي منحت لموسكو كي تستقل سفينة التغيير في سوريا، ولكنها لم تلتقطها لانها وفق تعبير وزير خارجية فرنسا السابق آلان جوبيه، علقت في فخ مواقفها وتعجز عن الخروج منه. والمفاوضات توقفت بين واشنطن وموسكو عند نقطة اساسية هي مصير بشار الاسد وفريقه، اذ ترى اميركا ومعها ١٣٠ دولة عبر العالم بينها معظم الدول العربية، ان على الرئيس السوري التنحي لانه فقد شرعية بقائه، ولان اي تسوية مستقبلية لا يمكن ان تضمه. فتورطه المخيف في الدم السوري، لا يؤهله للبقاء في الحياة العامة، وانما يؤهله لملاحقات واسعة النطاق من محكمة الجزاء الدولية اسوة بمجرمي الحرب في يوغوسلافيا السابقة وغيرها.

فشلت المفاوضات الاميركية – الروسية، فتحركت واشنطن خطوة اضافية في محاصرة النظام في سوريا. ولا يستبعد المراقبون ان تكون المرحلة المقبلة التي تلي الاعتراف الكبير بالائتلاف، للتسليح المدروس لـ"الجيش السوري الحر"، ولا سيما ان المعركة على الارض هي الاساس الذي عليه تبنى المواقف. لقد انتهى بشار، وبات اشبه بالطريد في قلب بلده سوريا. ولعل ما صرح به رئيس الاكوادور قبل يومين ان بلاده مستعدة لدرس طلب استضافة بشار الاسد اذا ما تقدم الاخير بطلب في هذا الخصوص، يكشف حقيقة المآل الذي بلغه النظام من الانهيار. خلاصة القول ان المعارضة السورية التي حصدت اعتراف ١٣٠ دولة بها سائرة بخطى حثيثة نحو قلب صفحة سوداء من تاريخ سوريا، والانتصار بات على الابواب. والمهم اليوم هو ان يتزامن تصعيد القتال ضد النظام في العاصمة والمناطق الحساسة مع الجلوس الى الطاولة والتفكير بجدية ومنهجية في شكل سوريا الغد، والصيغة التي سترسو عليها بعد دفن جمهورية آل الاسد. ان التحدي كبير، حاضرا، لكنه سيكون أكبر مستقبلا. ذلك هو بيت القصيد.

=================

أوباما... لماذا يتعامى عن سوريا؟!

راجح الخوري

2012-12-13

النهار

عندما يسأل الدكتور احمد زويل الحائز جائزة نوبل: "هل ينتظر العالم ابادة عرقية في سوريا؟"، يبدو السؤال موجهاً في شكل خاص الى الرئيس الاميركي باراك اوباما الذي يحافظ منذ سنتين تقريباً على موقف المتفرج من المذابح المروعة، حيث تقصف المدن والأحياء بالطائرات ومدافع الميدان وقد تجاوز عدد الضحايا اربعين الفاً، بينما يدأب البيت الأبيض على تكرار التعليقات الفارغة: "إن أيام الاسد باتت معدودة... إن النظام سوف يسقط في النهاية"!

لكن اوباما في الواقع لا يملك حتى الآن اجوبة واضحة ومقنعة ينتظرها السوريون من الدولة الأكبر التي ترفع رايات الحرية وحقوق الانسان. صحيح انه تقدم في الساعات الاخيرة سنتيمتراً الى الامام عندما اعترف متأخراً عن الدول الاوروبية بالمعارضة ممثلاً شرعياً للسوريين، وذلك في مقابلته مع باربارا والترز على شبكة "اي بي سي"، حيث لم يكن في وسعه ان يتهرب من الامر على الملأ، لكن اعترافه جاء ضعيفاً: "قررنا أن الائتلاف الوطني السوري المعارض أصبح يضم ما يكفي من المجموعات وهو يعكس ويمثل ما فيه من الكفاية لكي نعتبره الممثل الشرعي للشعب السوري"!

اوباما الذي حرص حتى الآن على تقديم مساعدات "غير مؤذية" للمعارضة ومنع تركيا والخليجيين من تزويدها اسلحة مضادة للطائرات بما يساعد في حسم المعركة التي باتت الآن تنحصر في دمشق وريفها، لم يوضح كيف سيترجم اعترافه هذا على صعيد الدعم الميداني وما اذا كان سيخرج من تلك "اللعبة الجهنمية" التي، بسبب ترددها ازاء تمادي النظام في القتل والمذابح، سمحت بفتح الابواب لدخول عناصر متطرفة من "القاعدة" تسلّلت من العراق، وهو ما أشار اليه بقوله ان واشنطن تعتبر إن هذه العناصر ارهابية!

لكن كان من الواضح ومنذ بداية جنوح "الربيع العربي" في اتجاهات سنّية "اخوانية" وحتى متطرفة على بعض ما في تطورات الصورة التونسية والليبية والمصرية، ان المشروع الاميركي الصهيوني الذي يلقى قبولاً مصلحياً روسياً انما يهدف في النتيجة الى وضع الاسلام في وجه الاسلام [التطرف الشيعي الايراني في مواجهة تطرف سني عربي] بما يريح اميركا واسرائيل ربما مئة سنة الى الامام!

كذلك يتصل التقاعس الاميركي عن التدخل لوقف المذابح في سوريا بالاستراتيجية السياسية للرئيس الاميركي، الذي دخل البيت الأبيض رافعاً شعار "التغيير"، اي الانكفاء عن سياسة سلفه جورج بوش، ولهذا كان الانسحاب من العراق ثم التمهيد للانسحاب من افغانستان، ثم جاءت الانتخابات الرئاسية لتمنع اي تورط اميركي في مستنقع الدم السوري حيث يتورط الروس والايرانيون الى آذانهم!

هل سيتغير المشهد الآن؟ من المبكر توقع تغيير حقيقي في الموقف الاميركي.

=================

وقت للتأمل بعد 50 ألف قتيل!

زهير قصيباتي

الخميس ١٣ ديسمبر ٢٠١٢

الحياة

«جبهة النصرة» التي صنّفتها واشنطن «تنظيماً إرهابياً مرتبطاً بالقاعدة»، أتاحت للأميركيين والغرب عموماً الذريعة الكاملة للتشبث برفض تسليح قوى الثورة والمعارضة في سورية. وليس أكثر دلالة من دعوة وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الى التريث أشهراً، قبل تلبية نداءات «الائتلاف الوطني» السوري لمؤازرة مقاتلي المعارضة بالسلاح، لكي يتمكنوا من التعجيل في إسقاط النظام.

في مراكش، حيث عُقد أمس الاجتماع الدولي الرابع لـ «أصدقاء الشعب السوري»، لتشكل نحو مئة دولة عربية وأجنبية مظلة إجماع على الاعتراف بـ «الائتلاف» ممثلاً وحيداً للشعب السوري، كانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون الغائب الأكبر، بسبب فيروس معوي أرغمها على تكليف وليام بيرنز الذهاب الى مراكش. وإذ استبق الرئيس باراك أوباما الاجتماع بإعلان اعتراف الولايات المتحدة بـ «الائتلاف» ممثلاً للشعب السوري، وجّهت إدارته الى المعارضة وقوى الثورة رسالة متزامنة عشية الاجتماع، فحواها ان على الذين يُمسكون بمفاصل جبهات القتال في سورية، التخلص سريعاً من «فيروس» المتشددين المتطرفين... وأن المجتمع الدولي الذي بيده منح الشرعية الكاملة لأي حكومة انتقالية في دمشق، والمبادرة الى المساهمة في إعادة إعمار سورية ومحو الخراب، لن يقدّم طوعاً هدية الى المتشددين، وينصّبهم شريكاً في مرحلة التعددية الديموقراطية.

تلقف الجميع الرسالة في الغرب، التقطها رئيس «الائتلاف» أحمد معاذ الخطيب في الوقت الخاطئ. ومن على منبر مراكش، أعلن امتنانه للاعتراف الأميركي، خطا الى أمام بدعوته العلويين الى العصيان المدني، وخطا إلى وراء إذ بدا مدافعاً عن دور «جبهة النصرة». وحين دعا واشنطن الى مراجعة قرارها تصنيف الجبهة «إرهابية»، تلقى الجواب سريعاً من بيرنز.

الأرجح ان الغرب المأخوذ بهاجس «القاعدة» يميل إلى بعض المبالغات في تبرير مخاوفه من علاقات التنظيم وشبكاته، واختياره ساحات المواجهة حيث تكون تربة خصبة لعملياته، بما فيها التفجيرات التي تحصد أرواح أبرياء أكثر بكثير مما تُلحق ضرراً بـ «العدو». تلك على الأقل رؤية معارضين سوريين لما وراء تردد الغرب في تسليحهم أسوة بمؤازرته الثورة الليبية. وما لا يحتمل الالتباس لدى كثيرين منهم، أن أميركا وأوروبا ما زالتا تفتعلان الذرائع- ومنها «جبهة النصرة»- لتمديد مشهد المجزرة الكبرى التي أوقعت خمسين ألف قتيل في سورية، كما أعلن رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني.

صحيح أن المخاوف من سقوط السلاح الثقيل في أيدي أصوليين مشروعة، أياً تكن ارتباطاتهم أو صِلاتهم، لكن الصحيح كذلك أن تمديد فصول الصراع في سورية هو أقصر الطرق إلى إنضاج بذور حروب أهلية، ليست مأساة بلدة عقرب بعد الحولة سوى المشهد المريع لبداياتها المحتملة... مهما بلغت تضحيات السوريين.

بين المعارضين، يرسم المحبَطون من «بكاء» الأميركيين والأوروبيين أمام وحشية الصراع، وما يُرتكب في حق المدنيين وعلى رؤوسهم، «خريطة طريق» لتدرّج مطالب واشنطن وباريس ولندن: توحيد المعارضة المدنية، توحيد الفصائل العسكرية، تنظيم علاقة مَنْ في الخارج مع الذين يقودون جبهات القتال... وأخيراً «تطهير» الجبهات من المشبوهين بـ «الإرهاب».

ومرة أخرى، ومن حيث يدري الأميركيون أو لا يعلمون، ومثلهم الفرنسيون الذين يتبارون معهم في التنديد بارتكابات النظام السوري، يرتعب السوريون كلما لاحت علامات الاستفهام حول مآل الاستراتيجية الغربية. في المحصلة النهائية، هي كسياسة موسكو، تترك الثورة في مواجهة النظام كأنها شأن داخلي، وإذا كان أمن إسرائيل أولوية في حسابات الأمن القومي الأميركي، أتضير الدولة العبرية حروب بلا نهاية، بدماء السوريين، أو يضيرها تدمير بلد عربي آخر وتفتيته، بعد إنهاك العراق ولبنان بالانقسامات المذهبية- الطائفية؟

خمسون ألف قتيل في سورية خلال عشرين شهراً، أيكون ذلك ثمناً لاعتراف نحو مئة دولة، بأن «الائتلاف» يمثل الشعب، وأما الأموات ومَن هم على طريق الشهادة، فلهم أقسى عبارات التنديد الغربي بالنظام، إلى أن يقتنع بالرحيل!

خطأ الخطيب - رغم رفضه «كل فكر تكفيري» - لا يبرر دور الشاهد الكفيف في واشنطن وموسكو الذي لا يكفّ عن ترداد معزوفة النصائح المملّة. الخطأ يتقاسمه مع معارضين انكفأوا الى التقاء مصالح مع مسلحين أعلامهم شتى. لكن الصواب حتماً هو أن قتل ألف سوري كل أسبوع، لن يشجع احداً على رفع رايات الحوار والاعتدال، أو حتى إعلان معركة «تطهير» لجبهات الثورة، لكي تكمل بعدها حرب إطاحة النظام.

في مراكش، طمأن بيرنز الجميع الى ان انتقال السلطة في سورية «آتٍ بصورة أو أخرى»، وما لم يقله في حضور وزراء عرب وأجانب، أن تجربة صعود تيارات الإسلام السياسي الى السلطة بعد ثورات «الربيع العربي»، واستئساد «الإخوان المسلمين» بالحكم في مصر وغيرها، بذريعة حماية الثورة من الغدر وأشباح «الفلول»، يمنحان الغرب مبرراً آخر للتريث مع «إخوان» سورية، وتأمل عواقب تسليحهم... إذا حان وقته.

مزيد من الوقت إذاً للتأمل، وقتل ألف سوري كل أسبوع!... ما دام صراع المصالح في ذروته بين الكرملين والبيت الأبيض، ومجلس الأمن ساحة لـ «تصفية حسابات» بين أعضائه، كما قال وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل.

=================

الأسد وما بعده: «الكيماوي» لابتزاز ضمانات لكيان عَلَوي

عبدالوهاب بدرخان *

الخميس ١٣ ديسمبر ٢٠١٢

الحياة

خلال الأسبوع الماضي لم يعد السلاح الكيماوي مجرد عنوان مثير لـ «البروباغندا» الحربية، ولا مجرد «ذريعة» مفتعلة لتبرير التدخل الخارجي كما يقول محللون متناقضون، بل أصبح جزءاً من التداول بين أطراف الأزمة ومن مصطلحاتها، بل من وقائعها. وقد علم الجميع أن قوات «الجيش السوري الحر» اضطرت إلى وقف قصفها على قاعدة الشيخ سليمان غربي حلب خشية أن تكون فيها أسلحة كيماوية تقضي على حاميتها النظامية ويمكن أن تلحق الضرر بمحيطها وبمهاجميها. ولعل كثيرين شاهدوا ذلك الشريط الذي أظهر وجود الألبسة الخاصة الواقية في أحد مقار قوات النظام بعد وقوعها في أيدي «الجيش الحر».

في غمرة الواقع الكيماوي الذي فرض نفسه، اذا بالنظام يقدّم مذكرة إلى الأمم المتحدة لتأكيد أنه لا يعتزم استخدام هذا السلاح. كان هذا اعترافه غير المباشر، الأول من نوعه، بأنه يمتلكه، رغم التقريع المهين الذي تلقاه الناطق السابق جهاد المقدسي، لأنه تحدث يوماً بلهجة العارف بأن هذا السلاح موجود. ثم إنه كان يمكن أخذ كلام النظام، الرسمي جداً، على محمل الجدّ، وحتى تسجيله على أنه تعهُّد، لولا أنّ طَبْعَه غلب تطبُّعه، اذ ما لبث أن اتهم «الارهابيين»، أي كل الشعب الذي يقاتله، بإمكان استخدامهم «الكيماوي». لذا انقلب «التعهّد» إلى عكسه تماماً، وفُهم أن المذكرة رمت إلى إنذار المجتمع الدولي بأنه عازم فعلاً على اللجوء إلى «الكيماوي». لماذا؟ لا لأنه يمكن أن يحسم الصراع لمصلحته، وليس فقط لأنه «يائس»، وإنما لأنه يريد استدعاء من يفاوضه على شروط النهاية المقتربة بسرعة.

أكثر من أي مرحلة سابقة، دهم الهاجس المؤرق الدول الكبرى: احتمال السقوط المفاجئ للنظام من دون أن تكون هناك خطة واضحة لاحتواء الفوضى المتوقعة في اليوم التالي. ومع الوتيرة الحالية للانهيار الميداني المتدرّج لقوات النظام لم يعد هذا الاحتمال خيالياً أو مستبعداً، لذا مسّت الحاجة الى تسريع «التفاهم» الأميركي-الروسي. ومسألة السلاح الكيماوي، بما تعنيه من إبادة جماعية واسعة، وضعت المجتمع الدولي أمام تحدٍّ كابوسي. ومع ذلك، لا يمكن الوثوق بردود فعلها، فبعدما استطاعت حتى الآن التعايش مع حصيلة أقل من الواقع تقارب الخمسين ألف قتيل، ما الذي يضمن جدية «الخط الأحمر» الأميركي لـ «الكيماوي»؟ ليس مؤكداً أن الاعتبارات «الأخلاقية» هي التي تميّز الولايات المتحدة وحلفاءها عن روسيا، فعلى الأقل كانت هذه الأخيرة حريصة منذ البداية على إيضاح أنها لا تأخذ أعداد الضحايا في الاعتبار عندما ترسم سياساتها. إن ما حتّم على الدول الكبرى أن تدخل مرحلة الواقعية في التعامل مع الحدث السوري هو أنها باتت ترى بوضوح خط النهاية، فلم يعد هناك ما يمكن المراهنة على النظام بشأنه.

لا فرق في أن يُسمّى الحاصل حالياً سعياً إلى أن «جنيف 2» أو «تنقيحاً جنيف» أو تراجعاً تكتيكياً لموسكو عن جزء من التعديلات التي فرضتها، بالتوافق مع واشنطن، على «جنيف 1»... فالمهم بالنسبة إلى الروس أن سلّة المصالح والمكاسب التي اشترطوها بدأت تجهز، بالتزامن مع إدراكهم أخيراً أن ترويج الأوهام وبيعها لم يعودا مجديين، لا اعتماداً على القدرة النارية التي وفّروها لبشار الاسد وخطط الحسم التي وعدهم بها، ولا على التخويف من «حرب أهلية»، أو على التنديد الدائم بـ «تدخل خارجي» كانوا يعلمون أن الأميركيين لا يريدونه. كان «اتفاق جنيف» خطة للشروع بمرحلة انتقالية أرادتها موسكو مع بقاء الأسد وأرادها «أصدقاء سورية» والمعارضة من دونه، بل أن تبدأ فعلياً بتنحيه ورحيله. لم يتبدد هذا الشرط، لكنه فقد معناه الذي دافع عنه الروس، وما تغيّر أن موسكو صارت أكثر انفتاحاً على البحث في تفاصيل صيغة الانتقال استناداً إلى «الائتلاف الوطني السوري» الذي يبدو أكثر مرونة من «المجلس الوطني» في استيعاب المنشقّين أو حتى جهات وأشخاص من «معارضة الداخل»، وبالتالي إلى «الحكومة الموقتة» التي يشكلها «الائتلاف». ورغم أن الروس لم يكونوا ممثَّلين في اللقاء الدولي الذي شهد ولادة القيادة العسكرية الموحّدة في أنطاليا (تركيا) إلا أنهم لم يكونوا بمعزل تام عن هذا اللقاء. وصحيح أنهم رفضوا مجدداً تلبية الدعوة إلى حضور مؤتمر مراكش لمجموعة «أصدقاء سورية» في مراكش، إلا أن محادثات جنيف (الأخضر الإبراهيمي مع نائبي وزيري الخارجية الأميركي والروسي) غداة اجتماع دبلن (هيلاري كلينتون وسيرغي لافروف مع الإبراهيمي) كانت في جانب كبير منها تحضيراً للموقف الأميركي في مراكش في ضوء تفاهمات مع الروس تأخذ في الاعتبار اقتراح الإبراهيمي إرسال «قوات لحفظ السلام». وإذ اختصر المبعوث الدولي-العربي الموقف بأن الدولتين الكبريين تبحثان عن «تسوية» في سورية فإن هذه لا تعني بأي حال «تسوية» مع الأسد بمقدار ما يمكن أن تركّز على برمجة المرحلة الانتقالية لوضع الأسد أمام الأمر الواقع الدولي.

أدرك الأميركيون أن عليهم مساعدة الروس على تجاوز «عقدة الأسد» طالما أنهم صاروا مقتنعين باستحالة التسوية معه، وفي المقابل أدرك الروس أن عليهم مساعدة الأميركيين على تجاوز «عقدة المعارضة» الرافضة أيَّ تفاوض مع الأسد أو بوجوده طالما أن المعارضة ستحقق هدفها عملياً. لم يعد وارداً بقاء بشار إلى نهاية ولايته، ولا إبداؤه أي رأي في ترتيبات المرحلة الانتقالية بعدما مُنح فرصاً كثيرة في هذا المجال لم يبالِ باستغلالها. لكن ثمة عُقداً عدة لا تزال قيد البحث في ما يتعلّق بالأجهزة الأمنية التي تُدار جميعاً بواسطة ضباط علويين، ولا بدّ من إجراءات فورية لإعادة توجيه عملها قبل إعادة هيكلتها. والفكرة التي باتت ملحّة حالياً هي إلى أي حدّ يمكن الاعتماد على «قوات حفظ السلام»؟ وهل تكفي وحدها لضبط الوضع غداة السقوط، على أن يسلّحها مجلس الأمن بصلاحيات؟ وهل تكون هي «التدخل الخارجي» الذي كثرت مؤشراته أخيراً؟ الأكيد أنها لن تُنشر في توقيت قد يُفهم بأنه يهدف إلى حماية النظام أو فلوله، فهذا لم يعد خياراً، لكنها قد تهتم خصوصاً بتأمين مناطق الأقليات وبتحقيق الربط بين جيش المعارضة والجيش المحسوب حالياً على النظام ولا يشارك فعلياً في الصراع.

ما الذي يمكن أن يهمّ بشار الأسد في اللحظات الأخيرة لنظامه إذا كان جاداً في رفضه الرحيل إلى خارج سورية؟ ولماذا يواصل القتل والقتال رغم اتضاح خسارته؟ وهل يلوّح بالسلاح الكيماوي للردع أم لاستهلاك انتقامه من الشعب إلى أقصاه، أم لاستدراج القوى الدولية الى صفقة أخيرة معه؟ لا بدّ أنه يبحث عن مَخرج له ولضباطه، ولا بدّ أنه طرح مسألة إيجاد «وضع خاص» مع ضمانات دولية للمنطقة الساحلية التي سينكفئون اليها بأسلحتهم، على أن يُصار لاحقاً إلى تطوير هذا الوضع لتثبيته كـ «كيان ذاتي» أو «دويلة». إنه يراهن على تشظي سورية إلى كيانات وأقاليم، ويرفده في ذلك الأكراد الذين يطالبون بـ «الفيديرالية».

=================

أميركا والثورة السورية: صناعة التطرف

شادي كسحو *

الخميس ١٣ ديسمبر ٢٠١٢

الحياة

ربما لم يعد مريحاً لأحد من متتبعي الثورة السورية أن يزعم اليوم كونية القيم الأميركية، وربما لم يعد ثمة من يتوافر على السذاجة الكافية لكي يجعل من الديموقراطية الأميركية مثالاً هادياً لتفكيره. لكن ما لا تفقده أميركا في أي وقت هو قوتها وبراغماتيتها، إنه خطاب القوة والمصلحة في كل مرة، أو هي بكلمة أخرى القوة غير المفهومة بعد.

لذلك يخطئ من يظن بأن أميركا قد تراهن على دمقرطة الثورة السورية والسعي نحو التحول الديموقراطي في المجتمع السوري، فأميركا تشتق وجودها أصلاً من الطمس الجذري لماهية الآخر المغاير والمختلف، ولذلك فهي لا ترى من دلالة لوجودنا، نحن السوريين، ووجود بقية الدول العربية، سوى دلالة مضادة لوجودها، لذلك فهي اليوم قوة عارية بلغت أقصى استعلائها الحضاري والتاريخي لتفريغ العالم من الغيرية والاختلاف، وتحولت إلى سلطة قهرية تطارد كل أشكال التفرد والخصوصية، وتسعى لفرض مزاجها السياسي والفكري على الآخر بعامة. إنها بكلمة واحدة: محض اقتلاع للآخر من التاريخ الذي ينتمي إليه، وكلبية سياسية لا ترى في الآخرين أكثر من هويات مؤقتة قابلة للصوغ والتشكيل في أي وقت.

لم تمتلك أميركا بَعدُ النضج الروحي والفكري لفهم ما يجري في بلدان الربيع العربي، ولعل هذا ما يفسر عدم إيمانها السياسي بقدرة الشعب السوري على اختيار حريته إلى الآن. لكن لهذا السلوك ما يبرره تاريخياً، كما يرى تشومسكي، فقد قامت أميركا منذ نشأتها على حكم قيمة حضاري يقضي بتفوق الإنسان الأميركي على الآخرين، واعتباره المواطن الوحيد في العالم، لذلك فمشكلتها مع الثورة السورية ليست حول شكل السلطة كما يظن البعض، وليست حول الخوف من وصول الإسلاميين للسلطة كما تدعي، بل إن مشكلتها هي في كونها تنظر إلى الثورة السورية كحالة حرية غير غربية، أي أنها ثورة تقع خارج الأفق النظري للثورات الغربية، بمعنى أنها ثورة بلا تقاليد تاريخية في التحرر العالمي والكوني، لذلك فرغبة التحرر لدى الشعب السوري -وفق الفهم الأميركي- ليست رغبة في الديموقراطية والتحرر بالمعنى الليبرالي للكلمة، بل مجرد انتفاضات مرعبة واحتجاجات عنيفة بلا أي أفق أخلاقي أو أجندة سياسية محددة.

إن أميركا لا تؤمن بنا إطلاقاً، لذلك يبدو هذا الترهل الأخلاقي والإنساني حيال شلال الدم المستمر في سورية مفهوماً إلى أقصى حد، فالآخر وفق المدونة الأخلاقية للعقل الأميركي ليس جزءاً من الآلة الحقوقية للمجتمع الغربي المتمدن، لذا فالقضاء على خمسين ألف سوري، وتشريد ما يناهز المليوني شخص لا يغير من الموقف السياسي لأميركا شيئاً، فالحالة السورية بالنسبة للعقل السياسي الأميركي هي مشكلة سياسية أكثر من كونها مشكلة أخلاقية، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالمهمة الإلهية لأميركا المتمثلة بحماية إسرائيل، لذلك فهذا الانقراض القومي الذي يقوم به النظام حيال الشعب السوري ليس أكثر من حدث تأملي عارض في تاريخ الشرق الأوسط، وليس مشكلاً إنسانياً مريعاً.

إن الدلالة الأخرى لفهم الموقف الأميركي من الثورة السورية، هو توجيه النظر إلى أن أميركا لا تخشى من وصول الإسلاميين إلى السلطة كما تدعي، وإنما بالأحرى هي من يصنعهم، فالتسيب الأميركي والموقف البراغماتي الذي تتبناه السياسة الأميركية تجاه المشكلة السورية، هي التي أوجدت هذا التطرف المقابل وهذا العنف المضاد، إنه عنف مقابل عنف، ونسيان مقابل نسيان، فهو تطرف ناتج عن سلبية الموقف الأميركي وانتهازيته، إنه ناتج عن خيبة أمل المهانين والمذلولين والمسحوقين، وناتج عن تكشف أقنعة أميركا في التحرر والليبرالية وحقوق الإنسان، إنه ذلك النوع من التطرف الذي يعتمد في وجوده على اليأس المطلق وخيبة الأمل المريعة، التي تجعل الإنسان ينجذب دون إرادته إلى غريزة الموت والتدمير وكل ما هو مضاد للحياة.

من خلال ذلك يمكن القول: إن أميركا "كنسيان جذري للآخر" تشترك في صناعة التطرف في الوقت ذاته الذي تدعي فيه الخوف والخشية منه، فما يتناساه التحليل الأميركي في نهاية المطاف، هو أنه كلما زاد تقاعس هذا الموقف حيال العنف الموجه ضد السوريين، كلما زادت الرغبة في الانتقام منه وزاد التطرف الموجه نحوه من قبل المسحوقين بسببه، وبالتالي تخلق أميركا عدوها من ذاتها وتخلق نقيضها من أفعالها، لا سيما أن التطرف سيغدو والحال هذه، الفعل الوحيد القادر على الحيلولة دون تدمير قدرة الشعب السوري على المواجهة والاستمرار في الثورة.

وهكذا، فالتطرف الذي يتزايد في سورية، لم يكن خياراً في أي وقت من الأوقات، وإنما كان قدراً، فهو ليس صنيع نفسه وليس صنيع الثقافة السورية المعروفة بالتعدد والانفتاح، بل هو الابن غير الشرعي للموقف الغربي عموماً والأميركي خصوصاً، إنه ابنها الذي نشأ من تناقضاتها الفاضحة، فهو الظل المرافق لكل مراحل الفشل الذي ميزت السياسة الأميركية في سورية، بل إنه موجود في صلب السياسة الأميركية التي تدعي أنها تحاربه.

ليس الثائر السوري اليوم متطرفاً ولا إرهابياً، فمن يقاوم ويثور من أجل حريته، إنما يستخدم العنف الوحيد الذي بحوزته، لذلك فمجابهة التطرف في سورية، وبالتالي الوقوف إلى جانب الشعب السوري، إنما يعني مجابهة الصمت والصمم الدولي إزاءه، أي مجابهة الأسباب التي أدت إلى وجوده وساعدت في استنباته، فالتطرف كما قلنا ليس وليد نفسه، بل وليد تلك الكلبية السياسية التي ترعاه وتنتجه وتعمل على استمراره بطرق مباشرة أو غير مباشرة.

 

* كاتب سوري

=================

ليس قتالا لأجل البقاء * ياسر الزعاترة

الدستور

13-12-2012

لم يكن أحد المحللين الروس هو أول من قال إن محاولة الأسد ركوب طائرة والفرار من المعركة ستعني قتله على يد مرافقيه أو ضباط جيشه، فقد سبقه إلى ذلك محللون غربيون قبل شهور من الآن، أي قبل أن تتضح معالم المعركة أكثر باقتراب الثوار من العاصمة دمشق بعد سيطرة شبه كاملة على ثلاثة أرباع مساحة البلاد.

ما يعنيه هذا الأمر هو أن بشار الأسد لم يعد بتحكم بمصيره من الناحية العملية، بل هو أسير القيادة العسكرية (قيادة الجيش والمؤسسة الأمنية)؛ تحديدا العلوية منها، مع بقايا من الضباط السنة الذين ربطوا مصيرهم بالوضع الراهن، أو ممن يخشون أن يكون مصيرهم سيئا في حال انشقوا في اللحظات الأخيرة؛ هذا إذا كان بوسعهم الانشقاق.

وجود بشار بالنسبة للقيادة المشار إليها هو مثل “خيال المآتة” أو “فزاعة الحقول” لا أكثر، إذ تعتقد أن بقاءه يعني حماية الوضع من الانهيار الكامل والسريع. لكن ذلك لا يعني بحال قناعة رموزها بإمكانية بقاء النظام برمته مهما طال صموده في مواجهة الثوار.

ما تريده تلك القيادة بالتفاهم مع إيران وروسيا هو الصمود لمزيد من الوقت من أجل الضغط على الثوار والمعارضة كي يأتوا إلى طاولة التفاوض بحثا عن حل سياسي، مع الإبقاء على خيار الدويلة العلوية موضوعا على الطاولة كجزء من الضغوط أيضا.

وفيما كان التحالف المشار إليه يصرُّ على تجنب إعطاء أية إشارة على إمكانية التنازل عن بقاء بشار من أجل التوصل إلى تسوية سياسية، فقد ذهب لافروف وزير الخارجية الروسي للمرة الأولى إلى أن موسكو غير متمسكة ببقاء بشار، وهي إشارة ما كان لها أن تصدر لولا وجود توافق عليها مع قيادة الجيش ومع طهران في الآن نفسه.

وفيما تسعى روسيا إلى الحفاظ على مصالحها في سوريا، ولو في الحد الأدنى، مع الحرص (وهذا هو الأهم) على عدم الظهور بمظهر المهزوم أمام الغرب في وقت تتقدم فيه على الصعيد الدولي كقوة دولية كبرى، فإن لإيران أيضا مطالب مشابهة تتمثل في تجنب التعرض لهزيمة واضحة ومحسومة تؤثر سريعا على منجزاتها في العراق ولبنان، فضلا عن الأمل بإمكانية بقاء الجيش من أجل الحفاظ على الأقلية العلوية، وكذلك الشيعية الموالية من احتمال التعرض لاستهداف واسع النطاق يشمل استئصالها من أجهزة الدولة العسكرية والأمنية.

لا ننسى أن إيران هي وحدها من يصرُّ إلى الآن على توفير خط لا ينقطع من المساعدات العسكرية وغير العسكرية للنظام عبر العراق، وربما عبر طرق أخرى، وبالطبع لأنها لم تفقد الأمل في إطالة أمد العركة، إما لأجل مزيد من التدمير كي يفقد البلد قدرته على التأثير في الجوار، وإما من أجل سيناريو الدويلة العلوية أيضا، لكن هدف التسوية يبقى هو الأهم بعد فقدان الأمل ببقاء النظام.

خلال الأيام الأخيرة بات واضحا أن النظام لا يركز على شيء قدر تركيزه على تحصين العاصمة دمشق خشية الوقوع في يد الثوار بعيدا عن محاولات الحفاظ على مواقع يصعب الحفاظ عليها، لكن المشكلة أن التراجعات المتوالية لا زالت تمنح الثوار مزيدا من القوة، فضلا عن مزيد من سلاح الغنائم، لكنها قد تدفعهم نحو التسرع الذي قد يضر بمعركة الدخول إلى العاصمة، لاسيما أن المشهد قد تحوَّل من حرب عصابات يتفوق فيها الثوار، إلى مشهد مدينة يتحصن فيها من يدافعون عنها في مواجهة جيش مهاجم.

وفي ظل المفاوضات السرية والعلنية التي بدأت تجري بين موسكو وواشنطن من أجل البحث عن حل سياسي، وفي ظل مساعي المعارضة لتشكيل حكومة انتقالية بعد الاعترافات المتوالية بالائتلاف ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب السوري (آخرها الاعتراف الأمريكي ومؤتمر أصدقاء سوريا)، مع توحيد ما أمكن توحيده من الكتائب العسكرية، يبدو أن الأمور قد دخلت في نوع من السباق المحموم بين الحسم العسكري، وبين التفاوض الذي يغيب الثوار عن جزء لا بأس به منه، بل تغيب عن بعضه أيضا دول فاعلة مثل تركيا وقطر والسعودية بقدر ما، وكل ذلك تحت ستار من ضجيج الحرص على حماية الأسلحة الكيماوية التي يخشى الكيان الصهيوني من وقوعها في أيد “غير أمينة”، لكن أحدا لن يتمكن من فرض حل سياسي دون توافق تلك القوى مع ممثلي الثوار السياسيين والعسكريين.

في ظل هذا الهياج الدبلوماسي والتصعيد العسكري من طرف الثوار، والدفاع الشرس من الطرف الآخر، يبدو من الصعب الجزم بالمدى الزمني للمعركة، ولا بنتائج الحوارات السياسية، وإن كنا متأكدين من اقتراب الحسم في الحالتين، في ذات الوقت الذي نعوّل فيه على قدرة المعارضة على التصدي لأي حل لا يلبي طموحات الشعب السوري، في الحرية والكرامة، إلى جانب رفض أية تسوية تحصّن المجرمين أو تسمح لهم بالفرار بجرائمهم وبالأموال التي سرقوها من عرق ومقدرات الشعب السوري.

التاريخ : 13-12-2012

=================

رأي الراية ... المعارضة السورية تنال الشرعية

الراية

13-12-2012

يشكل اعتراف أكثر من مئة وثلاثين دولة بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية ممثلاً شرعياً للشعب السوري تأكيداً جديداً على أن النظام في سوريا انتهى وأن سطوته تتهاوى وتتلاشى وأن المجتمع الدولي قد لفظه نهائياً.

لقد أكد معالي الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية في الكلمة التي ألقاها في الاجتماع الرابع لأصدقاء الشعب السوري الذي يعقد في مراكش على ضرورة الاعتراف الدولي بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية الذي يضم مختلف أطياف الشعب السوري كممثل شرعي للشعب السوري فالائتلاف أثبت أنه ممثل حقيقي وشرعي لهذا الشعب وأنه البديل الشرعي للنظام الحالي، والمؤتمن على استلام السلطة وإدارة الفترة الانتقالية.

إن المطلوب الآن وبإلحاح بعد هذا الاعتراف الواسع من قبل المجتمع الدولي تطبيق هذا الاعتراف على أرض الواقع دون تباطؤ ودعم الائتلاف السوري مادياً ومعنوياً والاعتراف بممثليه في مختلف دول العالم كممثلين حقيقيين عن الشعب السوري . فدعم الشعب السوري والوقوف إلى جانب سوريا وشعبها في هذه المرحلة الخطيرة يعد تسديداً لدين يجب على الجميع سداده لبلد أسهم وعلى مدى قرون في ازدهار الحضارة الإنسانية ولشعب لم يتخل يوماً عن مسؤولياته تجاه أمته وعالمه وامتد تأثيره الإيجابي في كل قارات العالم.

الإجماع الدولي على شرعية الائتلاف الوطني السوري وفشل جميع الحلول المطروحة لحل الأزمة سياسياً ـ حيث لم يعد هناك مجال أو إمكانية لأي حوار مع نظام فقد شرعيته ومقومات بقائه وأصبح جزءاً من الماضي - يستدعي من مجلس الأمن الدولي القيام بدوره لفرض وقف إطلاق النار وتأمين انتقال السلطة .

إن معركة الشعب السوري ضد نظام القتل والقهر والتدمير توشك على الانتهاء لمصلحة هذا الشعب وتطلعاته لتبدأ معركة أخرى هي معركة تأسيس العهد الجديد الذي ينعم فيه الشعب السوري بالحرية والديمقراطية ويوجه كل طاقاته وإمكانياته لبناء سوريا الجديدة وتشكيل حكومة تستوعب الجميع ولا تستثني أحداً، وإقامة ديمقراطية حقيقية لا تعزل ولا تحجر ولا تميّز بين مواطن ومواطن بحيث يكون الوطن للجميع وبالجميع.

الواجب الإنساني والأخلاقي يحتم على المجتمع الدولي تقديم كل الدعم والمساندة وبكل الوسائل المشروعة لمن يقاتلون ضد الظلم والقهر ومن أجل الحرية والكرامة الإنسانية فمسؤولية المجتمع الدولي تقتضي الآن الوقوف إلى جانب الشعب السوري ودعمه في تحقيق الانتصار وفي إعادة إعمار ما دمرته الحرب التي شنها النظام على شعبه وتسببت ولا تزال في وقوع مآس إنسانية كبيرة وفي تشريد الملايين من أبناء الشعب السوري داخل وخارج الوطن.

=================

معركة دمشق لن تكون الأخيرة

طاهر العدوان

الرأي الاردنية

13-12-2012

قبل مؤتمر أصدقاء سوريا الذي عقد امس في مراكش جرت تحركات سياسية لافتة على المستوى الدولي مثل اللقاء الثلاثي الذي جمع وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون مع نظيرها الروسي بمشاركة الوسيط الأممي الاخضر الإبراهيمي ، وبعدها عقد في جنيف لقاء جمع الاخير مع وكيل الخارجية الامريكية وليام بيرنز ومساعد وزير الخارجية الروسية . اما في بروكسل فقد التأم وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي بحضور رئيس الائتلاف السوري معاذ الخطيب .

محللون وصفوا هذه التحركات بانها تستهدف أمرين ( بسبب المشاركة الروسية) الاول :- الضغط على موسكو لتقديم ضمانات بان لا يستخدم الاسد الاسلحة الكيماوية بعد ما تداولته الأوساط الغربية من قيامه بتجهيز بعض هذه الاسلحة في طائرات وقذائف مدفعية . الثاني :- تجديد المحاولة لإقناع موسكو بالقبول بمرحلة انتقالية بدون الاسد . وصاحب ذلك تسريبات عن تحرك روسي لتامين اقامة له في فنزويلا . اما عن دوافع هذا الضغط الامريكي والأوروبي على روسيا فهو تزايد القناعة بان النظام يعيش مراحله الاخيرة وان معركة دمشق قد تكون المعركة الاخيرة له .

يبدو ان هذا الجهد السياسي الدولي تجاه موسكو لم يأت ثماره ولهذا توالت الاعترافات بالائتلاف السوري كممثل شرعي للشعب السوري مع ضغوط على المعارضة لكي تقوم بتشكيل حكومة مؤقتة وهذا ما نتج عن مؤتمر أصدقاء سوريا في المغرب ، ويبدو ان هذا الاعتراف سيفتح الباب امام دعم مادي للمعارضة مع إرسال مزيد من الاسلحة الى الجيش الحر .

حتى الان لا يبدو ان السيناريو الدولي الجديد في التعامل مع الازمة سيدفع النظام الى القبول بالأمر الواقع ، ومن التسرع بمكان تجاهل ما بقي من قدرات الاسد في البقاء وربما في تنفيذ سيناريوهات مضادة قد تجعل من الأسابيع او الأشهر المقبلة محل تطورات قد تكون الاكثر دموية في سوريا . والأكثر انعكاسا على استقرار الاوضاع في الاقليم ، مثل أقدام الاسد على استخدام الاسلحة الكيماوية في اطار هجوم معاكس في الداخل وعبر الحدود يقلب الاوراق ويحيل جميع التنبؤات بالوصول الى نهاية الصراع الى كوابيس .

ان محاولات المحللين السياسيين تصوير معركة دمشق بانها سهلة هي أبعد ما تكون عن الواقع فالنظام مثله مثل الثوار اختار المناطق السكانية للاستمرار في القتال وهذا ما حدث في حمص ويحدث في حلب وقد تستمر معركة دمشق أشهر طويلة . ومن ناحية اخرى يرى كثير من العارفين بطبيعة النظام وأهدافه ، انه لا يعتبر العاصمة معركته الاخيرة وانما الجسر الاخير الذي ينقله الى المربع الطائفي على الساحل ، والذي تم تجهيزه منذ اكثر من ثلاثة عقود باحدث انواع الاسلحة البرية والجوية وبحماية القاعدة الروسية البحرية.

يستبعد كل من يعرف النظام السوري فكرة رحيل الاسد الى فنزويلا او اي مكان اخر لانه لا يستطيع ذلك حتى لو أراد فانصاره الذين يخوضون معه غمار مصير مشترك لن يقبلوا ان يتركهم وحدهم لمواجهة أعباء حرب دموية ، وأمام هذا الانسداد بوجه محاولات انهاء هذه المأساة فان المسؤوليات تزداد ثقلا على موسكو لانها باتت تتحمل مهمة ايجاد مخرج يفتح الأبواب لمرحلة انتقالية تتم بدون الاسد لكن بالاتفاق مع أركان النظام والجيش لإخراج البلد من مستنقعات القتل والتدمير والانقسام .

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ