ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 23/12/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

22-12-2012

استثنائية سوريا... مسؤوليات استثنائية

تاريخ النشر: السبت 22 ديسمبر 2012

حازم صاغية

الاتحاد

تحولت الثورة السورية، في نظر بعض المحلّلين والمراقبين، إلى «أزمة سورية» من طبيعة إقليمية ودولية، تنخرط فيها بلدان الغرب والعرب وتركيا وروسيا وإيران، بل الصين كذلك. كما تحوّلت، في نظر بعض آخر منهم، إلى حرب أهلية مستعرة تتبادل حممها الطوائف والجماعات والمناطق والإثنيات جميعاً. وغالباً ما يرد التقديران في افتراض واحد وعبارة واحدة.

لكنْ بغضّ النظر عن مدى دقة هذين التقويمين أو عدم دقتهما، وهذه مسألة أخرى، فإنهما يدلان على الطبيعة المهمّة، بل الاستثنائية، التي ينطوي عليها الحدث الثوري السوري. فإذا أضفنا درجة العنف غير العادي الذي استخدمته سلطة الأسد برّاً وجوّاً، وأعداد القتلى والمصابين والمهجّرين التي لا تكفّ عن التزايد، ومدى الاستطالة الزمنية التي لم تعرفها أيّ من الثورات العربية الأخرى، اكتملت عناصر تلك الأهمية القصوى التي تحظى بها سوريا وثورتها.

وهذا إنما يعود إلى أسباب ثلاثة متفاوتة المصادر يختلف البلد المذكور فيها، أو في بعضها، عن البلدان العربية الأخرى، أكانت تلك التي عرفت ثورات «الربيع العربي» أو تلك التي لم تتعرّض لها أصلاً.

أمّا السبب الأول فيرجع إلى الموقع الجغرافي لسوريا التي تجاور كلاً من العراق والأردن وإسرائيل ولبنان وتركيا. وحين نعدّد هذه البلدان فإننا نعدّد كلّ هموم المشرق العربي وقضاياه على نحو أو آخر: من الصراع العربي- الإسرائيلي إلى المسألة الكردية في تركيا والعراق إلى مسائل الأقليات والجماعات في سائر هذه البلدان، من دون أن ننسى الوقوع على مقربة من خزّان العالم النفطي في العراق والخليج. وقد أضاف التحالف السوري - الإيراني الذي بني في عام 1979، لاسيّما بعد التقرّب العراقي الأخير من طهران، قدرة هائلة للتأثير السوري في مجريات الصراعين الإقليميين العربي- الإيراني والسني- الشيعي.

وربّما جاز القول إنّ لبنان ظلّ، على مدى أربعة عقود، الساحة المثلى لاستعراض هذه القدرة السورية التي طوّرت كفاءاتها في التعامل مع جميع المسائل المعقدة، ابتداء بالمسألة المسيحية- الإسلامية في السبعينيات، ثمّ تلك اللبنانية- الفلسطينية في السبعينيات والثمانينيات، وأخيراً المسألة السنية- الشيعية منذ التسعينيات.

ويعود السبب الثاني وراء الاستثنائية السورية إلى تركيبة وتوجّهات النظام الذي أنشأه الأسد الأب في عام 1970 ثمّ ورثه عنه، في عام 2000، نجله بشّار. فهذا النظام الذي طمس الداخل السوري حتى كاد يلغيه بالكامل، فعطّل كلّ حراك محتمل فيه، استعاض عن الداخل هذا بالتعويل على السياسات الخارجية، أي بما عُرف في لغة التداولين الإعلامي والديبلوماسي بامتلاك أكبر عدد ممكن من «الأوراق» التفاوضية والاحتفاظ به. وكان لهذا النهج، الذي ساهم في التدمير النشط للبنان والفلسطينيين وتسهيل عبور الإرهابيين إلى العراق، أن جعل حركة الانعكاس المتبادل بين الداخل والخارج بالغة الشفافية والمباشرة. فما يؤثر في سوريا يؤثر في كمّ ضخم من الدول والقضايا، والعكس بالعكس.

والحال أنّ هذا التبديل الأسدي في أولوية الداخل والخارج، مرفقاً بالاستفادة من التطوّرات الملائمة التي هبّت على المنطقة، هو الذي يفسّر صفات الذكاء الخارق والعبقرية الاستراتيجية غير المسبوقة التي كثيراً ما أُسبغت على حافظ الأسد وطريقة حكمه الدموية والبطّاشة.

وغني عن القول، من ناحية أخرى، إنّ القصف الجوي المكثف الذي تعرّض له، قبل أسبوع، مخيّم اليرموك الفلسطيني، جنوب دمشق، برهان لا يخطئ على وظيفية هذه «الأوراق» وعلى انعدام المبدئية في استخدامها. وهذا لا يعدو كونه مثلاً واحداً على نهج يضجّ بالأمثلة المشابهة.

وأمّا السبب الثالث فيتعلّق بتاريخ المشرق العربي الآسيوي الذي تحتلّ سوريا إحدى أوسع مساحاته وموقع القلب منه. ذاك أنّ العالم ما بعد العثماني بمِلله ونِحله وبمعاندته الانتقالَ إلى الدولة- الأمّة الحديثة، إنما بلغ في سوريا كمالاً لم يبلغه في أيّ مكان آخر. يكفي التذكير بتاريخ الانقلابات العسكرية ما بي عامي 1949 و1970 والتي لم ينافسها عليه إلا العراق في الحقبة ذاتها تقريباً. وهذا إنما كان دليلاً لا يخطئ على صعوبة عبور البلد إلى استقرار وعادية سياسيين. بل يكفي التذكير بأنّ سوريا، في عام 1958، ألقت نفسها كليّاً في أحضان مصر وجمال عبدالناصر علهما ينقذانها من استعصاءاتها وتناقضاتها الكبرى الناجمة عن ضعف الإجماعات فيها. هكذا، ولهذا السبب، أنشئت «الجمهورية العربية المتحدة» التي لم تعمّر أكثر من ثلاث سنين مضطربة لتنحلّ في عام 1961.

في هذا المعنى فإنّ تغيّراً يطال سوريا سيكون اليوم أقرب إلى الحدث الجيولوجي منه إلى الحدث السياسي. فهو يمهّد لإعادة نظر تطال الأشكال والخرائط والحدود السياسية القائمة، كما لو أنه يعاود استنطاق التاريخ الحديث لسوريا والسوريين، وربّما تصحيحه أيضاً. وهذا ما يبرّر قول البعض إنّ انهيار النظام الأسدي سيكون تأثيره على المشرق العربي وجواره من طينة التأثير الهائل الذي خلفه تداعي الاتّحاد السوفييتي السابق وكتلته الشرقية على عموم أوروبا الوسطى والشرقية.

وتلك الأهمية السورية الفائقة التي استُعرضت أسبابها أعلاه، تطرح اليوم بإلحاح شديد المسؤوليات التي يرتبها الانتقال إلى ما بعد الأسد، وما بعد الأسدية عموماً، ومنهما إلى رحاب المستقبل. ذاك أنّ النظام القائم غدا في حكم الساقط، وهو ما بات حلفاؤه الروس أنفسهم يقرّون به، على ما جاء على لسان نائب وزير خارجيّتهم بوغدانوف. لكنْ إذا كان اكتمال السقوط الجسدي مسألة وقت، فهذا ما يعني الانتقال إلى مشكلات لن تكون بحال من الأحوال أقلّ صعوبة من مشكلة إسقاط النظام. والأمر، هنا، يعني، فضلاً عن السوريين بطبيعة الحال، كلّ شعوب المنطقة وجميع القوى الفاعلة إقليمياً ودولياً.

إنّ استثنائية سوريا هي، في معنى ما، مسؤولية استثنائية تتقاسمها أطراف كثيرة، بعضها يتعلّق بالتركيب الداخلي للبلد وبعضها بأمن الإقليم الذي تحتلّ سوريا موقعاً مركزياً فيه. فهل تكون الاستجابة في حجم التحدّيات؟

=================

انقسام المعارضة يثير أسئلة المستقبل

الثورة السورية... وتحديات ما بعد الأسد

تاريخ النشر: السبت 22 ديسمبر 2012

توم بيتر

الاتحاد

بدا واضحاً خلال الأسابيع الأخيرة أن عدداً من فصائل المعارضة السورية في مدينة حلب بدأت تستعد لسقوط نظام بشار الأسد على أساس أن انهياره قد بات عملياً مسألة وقت لا أكثر، ولكن قد تكون الإطاحة بالنظام هي الجزء الأيسر من التحديات بالنظر إلى ما ينتظر السوريين من مهام جسيمة في مرحلة ما بعد انهيار النظام، وأهمها توحيد الثوار الذين يبدو في بعض الأحيان وكأن ما يجمعهم في هذه اللحظة هو كرههم للنظام ورغبتهم في إسقاطه.

وبدون هذا الهدف الذي يوحد الجميع اليوم ليس معروفاً ما الذي سيُبقي فصائل المعارضة المختلفة صفاً واحداً لفترة طويلة، وهذه الرغبة في رص الصفوف والحديث بصوت واحد تحقق جزء منها على الأقل خلال الشهر الماضي عندما اتفقت المعارضة على توحيد صفوفها في الدوحة وتشكيل ائتلاف جديد للمعارضة يعبر عن الحساسيات المختلفة في الثورة السورية، وهي الخطوة التي رحب بها العديد من الثوار داخل سوريا معتبرين أنها الطريق الأمثل لإدارة البلاد بعد تنحي الأسد ومنع حدوث انشقاقات في صفوف المعارضة.

ولكن على غرار باقي مظاهر التفاؤل في سوريا التي لا تعمر طويلا سرعان ما بدأت الشكوك تتسرب إلى احتمالات الانقسام في مرحلة ما بعد الأسد وتداعياتها السلبية على الفترة المقبلة، ولعل مما أثار المخاوف من احتمالات الخلاف ما صدر عن مجموعة من قادة الثوار في حلب مباشرة عقب الإعلان عن تشكيل الائتلاف الجديد في قطر ومؤداه أنهم لا يوافقون على ما تم إنجازه في العاصمة القطرية، معلنين عن تشكيل مجلسهم الخاص وقيام «دولة إسلامية» في المناطق المحررة بحلب، وهو ما عبر عنه محمد عبده، قائد لواء التوحيد، أحد أكبر فصائل الجيش السوري الحر في حلب قائلا «إن الإسلام الحقيقي يقوم أصلاً على حقوق الإنسان وتحقيق العدالة، وهو ما نريده في الدولة الجديدة، نحن نريد أن تكون الشريعة هي دستور البلاد، أو نُطبق الحدود».

ومع أن باقي مكونات المعارضة السورية في الداخل، ولاسيما من المدنيين، لم تشارك في إعلان الدولة الإسلامية، ولم يؤخذ رأيها، إلا أن عبده أكد أنهم سيوافقون.

غير أن رأي المدنيين يبقى مختلفاً حسب ما أوضحه مثنى الناصر، المتحدث باسم جمعية المحامين الأحرار في حلب، واصفاً قرار تشكيل دولة إسلامية بالمتعجل، وأنه «لا يمثل المعارضة»، وهكذا بدا أن لحظة الاصطفاف وراء مواقف موحدة ومتفق عليها، التي جاء الائتلاف الوطني للثورة السورية في اجتماعه بالدوحة ليعززها، بدأت تواجه تحديات حقيقية على أرض الواقع بعد التصريحات المتضاربة لمكونات أخرى في الجيش الحر.

بل أكثر من ذلك فقد ظهرت أيضاً عناصر أخرى في كتائب الثوار ممن شاركوا في الاجتماع الذي أعلن الدولة السورية ليعلنوا أنهم قد غُرر بهم وضُللوا للمشاركة في التصريح، وهو الأمر الذي أكده أحد القادة الذين حضروا الاجتماع، واسمه أبو محمد، حين قال: «كان الاجتماع مخصصاً للحديث عن الاستراتيجية العسكرية، ولكن فجأة طلبت منا جبهة النصرة ما إذا كنا مع دولة إسلامية، ولأننا مسلمون كان علينا الرد بالموافقة»، وأضاف أبو محمد الذي ينتمي إلى «الإخوان» ويقود كتيبة دار الوفاء «كانت خطوة غير محسوبة من قبل جبهة النصرة، والعديد من الكتائب الأخرى نددت بالإعلان غير المتوقع للدولة الإسلامية».

والحقيقة أن تشكيل ائتلاف جامع للمعارضة في الدوحة بعد صعوبات كثيرة شابت العملية، ثم خروج بعض فصائل الجيش السوري الحر من الإسلاميين في حلب لرفض التحالف وإعلان الدولة الإسلامية، وتنديد البعض الآخر ضمن الجيش الحر بهذا الإعلان باعتباره متسرعاً ولا يعبر عن المعارضة في الداخل، يؤكد حجم الصعوبات التي تنطوي عليها عملية توحيد المعارضة في الداخل وبلورة خطة متفق عليها لرسم ملامح المستقبل في سوريا ما بعد الأسد.

وهذا الأمر قد يُحدث إشكالات كبرى في حال تمكنت الثورة من الإطاحة بالأسد وإزالته من السلطة، حيث سيكون على البلد حينها وضع خطة لإدماج القوات والفصائل التي حاربت في إطار الجيش السوري الحر.

وإذا كان العديد من هؤلاء الثوار يؤكدون استعدادهم للاندماج في صفوف الدولة الجديدة والرجوع إلى حياتهم المدنية، إلا أنه في ظل غياب رؤية واضحة واستراتيجية متماسكة لإدارة المرحلة المقبلة يصبح من غير المؤكد أن تعهدات الثوار بوضع السلاح ستتحقق على أرض الواقع، بحيث يبقى وارداً أن يشعر بعض الثوار بالإقصاء ليعودوا مجدداً لحمل السلاح.

وهذا الأمر يتطرق إليه «أرمان نيرجوزيان»، الخبير في الشؤون السورية بمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية قائلاً: «نحن اليوم نصف الثوار الذين يحملون السلاح في وجه نظام الأسد بالكتائب والألوية، ولكن غداً قد يتحولون في الخطاب السياسي الجديد إلى ميليشيات، وعندما ينقشع غبار المعارك سيتساءل هؤلاء الثوار عن المغانم في الدولة الجديدة، وقد يجدون أنفسهم، أو على الأقل جزءاً منهم، في بلد يهيمن عليه أمراء الحرب والإقطاعات الخاصة، وشبكة من العلاقات الريعية القائمة على أسس جغرافية وقبلية واجتماعية».

وهذه الإشكالات بدأت تثير مخاوف محسوسة حتى في صفوف المدنيين، حيث برز قلق لدى البعض في مدينة حلب من تصرفات بعض عناصر الجيش السوري الحر التي تتخذ بمعزل عنهم ولا يشاركون في بلورتها.

ويبقى السؤال الحقيقي للنشطاء المدنيين في الثورة السورية ما إذا كان الجيش السوري الحر سيلقي السلاح بعد سقوط الأسد، أم أنه يستمر في ممارسة نفوذه على المدنيين والتحكم في مفاصل الدولة، ولذا فليس غريباً أن تعلو أصوات محتجة على بعض عناصر الجيش السوري الحر.

يقول الناشط وائل أبو مريم إنه مع أن الجيش السوري الحر ما زال يحظى في أنظار السوريين بمكانة مرموقة باعتباره الجهة التي تقف في وجه دبابات النظام وتعمل على حماية المناطق المدنية من تجاوزات الميليشيات التابعة للأسد.

إلا أن هناك من بدأ يرصد تسلل بعض العناصر إلى صفوفه لأغراض خاصة، بل إن هنـاك مخـاوف أيضـاً من احتمال نشـوب صراعات بين كتائب الجيش الحر المختلفة في الوقت الذي يسعى فيه كل طرف داخله إلى مراكمة القوة واستقطاب أكبر عدد من المتطوعين استعداداً، حسب ما يعتقد البعض، للمواجهة والصراع من أجل السيطرة بعد سقوط الأسد.

بيد أنه على رغم هذه المخاوف يرى أغلب السوريين أنه من السابق لأوانه تبني مواقف متشائمة لما سيؤول إليه الوضع السوري بعد الأسد، وإذا كانت بعض الخلافات الأيديولوجية بين عناصر الجيش السوري الحر واضحة ويصعب جسرها، إلا أن الناشطين والثوار يقولون إن تلك الخلافات تبقى في الوقت الراهن فرضيات نظرية فيما الأولوية هي القضاء على النظام وإسقاطه وتحرير سوريا من ظلم استمر طويلاً.

=================

الشرع حين يكشف أسرار الأسد

يحيى محمود

الرأي الاردنية

22-12-2012

الاهم في التصريحات الاخيرة لنائب الرئيس السوري فاروق الشرع هو تحميله الرئيس الاسد المسؤولية الكاملة عما تشهده سوريا الان.

 فوفقا للتصريحات التي نشرتها صحيفة الاخبار اللبنانية ،المتعاطفة مع النظام السوري- ولكن الاقرب لايران- ونقلتها وكالة الانباء السورية الرسمية سانا ،هو قول الشرع ان الاسد ومنذ اللحظة الاولى اختار الحل الامني بمواجهة الاحتجاجات، وانه منذ اللحظة الاولى ايضا كان هناك اعتراض سياسي من داخل حزب البعث واخر عسكري من داخل القيادة العسكرية على مثل هذا الحل.

ولم يتوقف الشرع عند هذا الحد من التاشير الى دور رئيسه في تعقيد الموقف، بل تحدث بوضوح عن هيمنة الاسد المطلقة على قرار كل السلطات السورية وصولا الى الموظفين التنفيذيين الذين يبررون كل تصرفاتهم بالقول بانهم يتلقون اوامرهم من الرئيس مباشرة.

كما يعود الشرع بالذاكرة الى بدايات الازمة حين جرى تكليفه بادارة حوار وطني لتنتهي تلك المحاولة بالفشل، لان الاسد تمسك بالحل الامني العسكري . وفي معرض السخرية قال الشرع انه في بداية المظاهرات كان انصار الحل الامني يبحثون عن قناص او مسلح وسط المتظاهرين لتبرير وجهة نظرهم، الى ان وصل الوضع الى ما هو عليه الان من مواجهات مدمرة للجميع.

وفي ضوء هذه الرسائل الواضحة التي تضمنها حديث الشرع المفاجئ يتضح ان ما يجري الحديث عنه من اتصالات سرية اميركية روسية لحل سياسي يخرج بموجبه الاسد من موقعه هو امر يلقى صداه في الداخل السوري ،على المستويين السياسي والعسكري ،وان الشرع حين تحدث بمثل هذا الوضوح عن مسؤولية الاسد المباشرة تجاه ما تشهده سوريا يتمتع بحماية عسكرية سياسية منعت ،حتى الان، دفعه ثمن جرأته في كشف اسرار رئيسه وهو على بعد امتار منه في عاصمة بلاده.

وهنا يحضر الى الاذهان السؤال حول السبب الذي اخر الى الان تشكيل الحكومة السورية المؤقتة التي كان يفترض ان تنبثق عن الائتلاف السوري المعارض الذي اعترفت به مؤخرا اكثر من مئة دولة بمباركة وقيادة اميركية.فمثل هذا التاخير مرتبط على الارجح بما يجري خلف الكواليس بشان صفقة اقصاء الاسد مقابل الابقاء على دور ولو انتقالي لمن اختلفوا معه من سياسيين وعسكريين منذ بداية الازمة وفقا للشرع وصولا الى سوريا الجديدة. فلا عودة للوراءكما قال الشرع .

وعلى وقع السباق المحموم الذي يجري بين الاحداث على الارض وبين مشاريع الصفقات السياسية فان الايام المقبلة ستكون حافلة بالمفاجآت، لكنها ستلتقي عند شبه الاجماع الدولي على اهمية منع الفراغ والفوضى في سوريا، وان الرئيس الاسد لن يستمر في حكم البلاد ايا كان المآل الذي سينتهي اليه الوضع بالقوة او التوافقات ،والانتظار هذه المرة لن يطول.

=================

سوريا..هذا هو البديل!!

صالح القلاب

الرأي الاردنية

22-12-2012

كَثُر طرْح سؤال :»ماذا بعد الأسد ومن هو البديل» وهو سؤال محقٌّ وضروري فالأوضاع في سوريا باتت تشبه لوحة «سريالية» كل من ينظر إليها يقرأها حسب رغباته وتوجهاته فـ»فلول» البعثيين يقولون أن البديل هو حزب البعث بعد أن يجدد نفسه و»الإسلاميون» يقولون أن تجربة نحو خمسين عاماً ،منذ الثامن منذ مارس (آذار) 1963، أثبتت فشل كل القوى والإتجاهات القومية وبالتالي فإنه لا يصح إلاّ الصحيح والصحيح أن الدَّور أصبح للإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين.

وحقيقة أن الوريث المفترض لا هو «البعث» ،الذي أكل نفسه قبل أنْ يأكله الآخرون والذي فشل في الإمتحان التاريخي فشلاً ذريعاً إن في العراق وإن في سوريا، ولا هو الإخوان المسلمون الذين أطاحت تجربتهم القصيرة العمر في مصر بكل المراهنات عليهم وأثبتوا أنهم لا زالوا غير مؤهلين للحكم وأثبتوا أيضاً أنه قد تكون لديهم برامج للهدم لكن ليست لديهم أي برامج للبناء وبالتالي فإنهم حتى وإنْ هم إغتنموا فرصة سانحة في لحظة إختلاط الأوراق ورمادية كل الألوان وتداخلها فإنهم سيفشلون حتماً كما فشل «إخوانهم» المصريون فالشعب السوري بعد كل هذه المعاناة الطويلة وبعد كل هذه التضحيات لا يمكن بإستبدال شمولية قومية وشعارها :»الوحدة والحرية والإشتراكية» بشمولية رجعية تستخدم الشعارات الإسلامية.

ولذلك وحتى وإنْ سقط بشار الأسد إنْ باتفاقٍ كاتفاق سقوط علي عبد الله صالح وإنْ بالضربة القاضية التي غدت متوقعة في أي لحظة فإنه لابد من ان تكون هناك مرحلة إنتقالية ستكون صعبة وقاسية بالتأكيد وقد تتخللها صراعات أكثر دموية من صراع العامين الماضيين والسبب هنا هو غياب التنظيم القادر على التوفيق بين كل هذه الإتجاهات التي تتكاثر يومياً وهو أيضاً أنَّ هذا النظام الأرْعن فعلاً قد لجأ ومنذ اليوم الأول إلى تحويل سوريا إلى ساحة للصراعات الإقليمية والدولية.

ستكون المرحلة الإنتقالية هذه صعبة بالفعل فالبلاد غدت مدمرة إقتصادياً وسياسياً.. وأيضاً إجتماعياً لكن ما هو مؤكد أن تحمل آلام هذه المرحلة الإنتقالية سوف يكون بداية لتحولات واعدة فهذا البلد لديه من الإرث الحضاري والثقافي ما يجعله مؤهلاً لطيِّ صفحة كانت قد بدأت مع أول إنقلاب عسكري في عام 1949 واستمرت إلى ان كتب أطفال درعا الباسلة بـ»طباشير» مدرستهم على جدران مدينتهم الحورانية البطلة :»الشعب يريد إسقاط النظام».

ستمر هذه المرحلة الإنتقالية ،التي ستتخللها أوجاع وعذابات كثيرة، بسرعة وستنهض سوريا من بين رماد النيران التي بقيت متأججة لأكثر من نصف قرن من الأعوام ذاق خلالها الشعب السوري العظيم مرارة القهر والقمع والإستبداد وستكون هناك ولادة جديدة ولن يكون هذا البلد إلاّ دولة ديموقراطية وتعددية ولكل أبنائها فإستبدال شمولية بشمولية غير ممكن على الإطلاق ومن المستحيل بروز «ديكتاتورٍ» لا بملابس عسكرية ولا بملابس مدنية فمواسم إنتاج الديكتاتوريين قد إنتهت وهذا العصر هو عصر صناديق الإقتراع والحريات العامة وحكم الشعب نفسه بنفسه.

كل الثورات الحقيقية التي عرفها التاريخ كانت قد مرَّت بمراحل إنتقالية صعبة ومؤلمة فهناك دائماً وأبداً قوىً مضادة للثورة وبإسم الثورة وهناك دائماً وأبداً نزعات إستئثارياً إن فردياً وإن تنظيمياً لكن هناك أيضاً أن الغلبة كانت لإرادة الشعوب المكافحة وحقيقة ان الشعب السوري بقدرته على التحمل وبإستعداده على الإستمرار بالبذل وتقديم المزيد من التضحيات قد أثبت أنه هو الرمز الحقيقي لهذا «الربيع العربي» وأثبت قدرته على تخطي كل الصعاب وعلى النهوض ببلده مرة أخرى ليُصبح أجمل البلدان وكما كان عليه قبل أن يُبتلى بلحظة تاريخية شديدة السواد استمرت لنصف قرن وأكثر.. إن هذا هو البديل الذي لا غيره بديل!!

===================

سوريا ما بعد الأسد

طرفة بغجاتي

2012-12-21

القدس العربي

ما من أحد بات يشك اليوم، سواء اعترف بذلك أم لزم الصمت أو لاذ بالإنكار، بأن تنحي بشار الأسد صار ضرورة حتميةً وذلك لأنه يتحمل بشكل شخصي مباشر المسؤولية عما حصل ويحصل في سوريا، منذ اندلاع الثورة، من قتل وتشريد وتخريب، فالتحدي الآن يكمن في إيجاد صيغة توافقية للخطوات التي يجب أن تتخذ فور تنحيه أو رحيله:

-1تفكيك أجهزة المخابرات والتخلص من النظام الأمني وإخلاء جميع فروع المخابرات من المعتقلين وإغلاقها بالشمع الأحمر من أجل عمليات التوثيق التي يمكن أن تبدأ فوراً من قبل لجان قضائية مختصة ومستقلة.

- 2تشكيل قيادة جديدة موحدة للجيش السوري الحر والنظامي من الضباط الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء السورية ولم يكن لهم دور في قمع الشعب أو في استخدام الجيش لأغراض مخابراتية وقمعية، إذ لا يمكن أن يُسمح بأي حال من الأحوال بوجود جيشين مسلحين أو أكثر على أرض سورية، ومن الواجب التعلم من التجربة الليبية والبدأ على الفور بجمع السلاح وتوثيقه وتسجيله.

3- تسمية قيادة مدنية مهمتها إدارة المرحلة الانتقالية، بقيادة متفق عليها كمعاذ الخطيب بعد عودته إلى سورية فور تنحي بشار الأسد، يمكن أن تضم فيمن تضم بعض أعضاء الحكومة الحالية أو الحكومات الســابقة المعروفين ببراءة ذممهم والموثوقين من قبل الشعب السوري، وهنا لا بد من توسيع تركيبة الإئتلاف الوطني ليضم الكــفاءات المطلوبة مِنَ الداخل السوري. مع وجود جدول زمني واضــح معلن لمهام هذه الحكومة الانتقالية.

4 - تزامن سقوط النظام بأركانه المخابراتية والأمنية مع الوقف الفوري لإطلاق النار، هذا الوقف يجب أن يكون ملزماً للجميع وهنا يكمن خطرٌ كبير وخاصة فيما يتعلق بعمليات الإنتقام أو رغبات الثأر من النظام السابق وأعوانه، فيجب أن يعلن إجماع وطني بأنه لا يحق لأحد مهما وصلت درجة التضحيات بأن يأخذ ثأره بيده، وليس لأحد سوى لسلطة القضاء الحق بأن يقوم بالخطوات اللازمة من إجراء تحقيقات إلى عمليات التوقيف أو إصدار أحكام سجن، وهنا يجب على الفور تحريم وتجريم كل أنواع التعذيب بغض النظر عن التهم الموجهة أو لإنتزاع إعترافات، إضافة إلى تشكيل قيادة سياسية وعسكرية تجمع بين جميع كتائب الجيش الحر والمجالس العسكرية، هذا طبعاً بعد إعلان المعارضة المسلحة تأييدها الكامل للقيادة المدنية. مع التعهد بالتعويض للمتضرين و الشهداء الذين ينتظرون وصول حقهم عبر القضاء قدر الإمكان (سواء ماديا أو تسهيلات حياتية أو دراسية إلخ.(

5 - أحد وظائف القيادة الأنتقالية وضع دستور للبلاد و طرحه لاستفتاء قبل انتخاب حكومة دائمة تفاديا للمطب المصري. ولعله في هذا المقام من المناسب اعتماد دستور 1950 بشكل مؤقت باعتباره اول و آخر دستور في سورية ما بعد الاستقلال تم اعتماده بإرادة شعبية و في أجواء حرة مع كل الملاحظات الممكنة و ملابسات الفترة التاريخية المعقدة في ذاك الوقت.

بعد كل هذا قد يأتي من يقول بأن هذا الكلام مجرد كلام نظري يصعب تطبيقه، لكننا نجيب بأن رسم الخطوات السياسية للمرحلة الآنية والمستقبلية يحتاج إلى إجماع قيادي في جميع المجالات الدينية والمذهبية والسياسية والإجتماعية والثقافية، وإن سورية بحاجة ماسة وفورية لعمليات إغاثية وعمليات إعادة بناء، وهي قبل كل شيء بحاجة إلى نظرة سياسية مستقبلية واستشرافية واعية بكل أنواع التحديات القادمة بعيداً عن العقلية الإقصائية التي كانت سائدة وبعيداً عن استدعاء نظرية المؤامرة، كما أنها تحتاج إلى سياسة خارجية متوازنة قادرة على الحؤول دون تحويل سورية إلى كرة يتم تجاذبها في الملاعب الإقليمية والطائفية والدولية.

إن قيادة المرحلة الإنتقالية يجب أن تكون نابعة من حضن سورية ومن رحم ثورتها، وما يدعو للتفاؤل هو مدى تقبل السوريين لمثل هذه الأفكار على اختلاف أديانهم ومذاهبهم وقومياتهم ومشاربهم السياسية، ولهذا السبب علينا التصرف بحكمة وبسرعة، فالدماء السورية تستحق من يدافع عنها.

==========================

الأزمة ومخارجها في العقل السوري

غازي دحمان ـ دمشق

المستقبل

22-12-2012

يبدو من الطبيعي إتجاه العقل السوري، في ظل الأزمة الوطنية التي تغرق بها البلاد، ويشتد أوراها في هذه الحظات، إلى البحث عن مسارات للخروج من الازمة، وهذا أمر طبيعي تواجهه مختلف المجتمعات التي تسعى للتغيير على إعتبار أن هذه المرحلة تتطلب عدة ذهنية وآليات عمل مختلفة تواكب هذا التغيير، غير ان معطيات الحالة السورية فرضت نمطاً مختلفاً من التفكير يرتكز على توقعات شكل المرحلة القادمة على سوريا وطبيعتها دون الطموح في التاثير عليها وإمكانية ضبطها وتوجيهها.

ومن شأن المتابع للإنتاجات الفكرية والصيغ الذهنية السورية في هذه المرحلة ملاحظة أن آليات عمل العقلية السورية تقع بين حدين متناقضين، حد التفاؤل الذي يبشر بنهاية سعيدة للأزمة، وينطلق من حيثيات عديدة في هذا المجال، مثل إرتكازه على عنصر التسامح الذي طبع الشخصية السورية عقوداً طويلة وبالتالي فإن التراث الكبير لهذا العنصر لابد ان يشكل داعماً طبيعياً للخروج من الأزمة ويشكل عنصر حماية للوطنية السورية التي رسخت قيم التسامح والإخاء في مضموناتها، غير أن هذا العنصر يعاني من إشكالية تاريخانيته، بمعنى عدم لحظه للتطورات الكبيرة والكثيرة التي تم إستداخلها ومن ثم إستبطانها في الذهنية والوجدان السوريين، سواء عبر مرحلة الحكم المديدة للعائلة الأسدية التي إعتمدت بشكل كبير على منطق تخويف المكونات الأهلية السورية من بعضها بعضاً، أو تلك العناصر والمكونات الذهنية والسكيولوجية التي أفرزتها حرب العراق وما رافقها من حرب سنية شيعية، إذ لايزال هذا النمط من التفكير يستند الى واقعة تسلم فارس الخوري لوزارة الأوقاف السورية؟.

الحيثية الأخرى في بنية المنطق التفاؤلية تلك تعتمد على واقعة أن الجرح السوري عميق لدرجة تدفع مكونات الشعب، وبشكل اوتوماتيكي، إلى البحث عن كل ما من شأنه تعزيز روح الإخوة وقيم الرحمة والغفران، ذلك وأنه حسب هذا المنطق، فإن الإشكالية كانت تكمن فقط في نظام ظلم الجميع وسيكفي ذهاب النظام لإغلاق هذا الجرح والإنطلاق لغد جديد مختلف تسوده المحبة والوئام، لكن هذا العنصر يغفل جانبا مهما من الأزمة وهو أن كلا الطرفين باتا يشيران بأصابع الإتهام تجاه بعضهما نتيجة ما حل بهما من نكبات.

أما المتشائمون من مستقبل سوريا، فإنهم يؤسسون تشاؤميتهم على حيثيات عدة تحتل واقعة حجم الضحايا الكبير وتوقعاتهم بان انتهاء الحرب سيكشف عن حجم أكبر للجرح بحيث يصعب معه تجاوز هذه الحالة من دون إفرازات خطيرة على السلم الأهلي إنطلاقا من تصورهم بأن المجتمع السوري ذو طبيعة عشائرية وأن الحالة المدنية لا تعدو كونها قشرة تغطي هذه الحالة، ما سيفتح المجال واسعا لإزدهار عمليات الثأر بين مختلف المكونات وبعضها بعضاً على أسس عشائرية ومناطقية وطائفية، ولن يسلم احداً من هذه اللوثة، ذلك أن النظام قد عمل جاهداً على توريط كل المكونات السورية، سواء بإرادتها او من خلال تخويفها وإرغامها بالدم السوري.

كما يستند المتشائمون على حقيقة اخرى وهي ملامح الفوضى التي باتت ملحوظة في المشهد السوري، وغياب او عدم تأثير المرجعيات الاهلية والمدنية مما سيجعل حالة الفوضى تتطور وفق ديناميكيتها الخاصة إلى حدها الأقصى في ظل فقدان أي إمكانية لضبطها، وما سيعزز هذه الوضعية حالة الإحباط التي سيتركها واقع البلد المدمر واستمرار نمو إقتصاد الحرب وظهور الحالة المافيوية على هامشه وما قد يتبعه من ظهور حالة ميليشيوية مساندة لهذا النمط الإقتصادي والإجتماعي.

غير ان هذه النظرة التشاؤمية لا ترى بعض الحالات المدنية، على ضعفها، في الإدارة والتسيير والضبط التي ظهرت في مناطق عدة وكانت لها نتائج إيجابية ملحوظة، كما انها لاتلحظ حقيقة وجود كوادر مهمة افرزتها الأزمة وهي مرتبطة بالثورة وموجودة في أماكن الإدارة ومتشوقة لخدمة البلد في مناخ الحرية والديمقراطية.

والواقع أن كلا النظرتين لهما ما يعززهما في الواقع السوري، وحتى لا نقع ضحية التبسيط والتبشير، لا بد من الإعتراف بحقيقة ان الأمور ستكون صعبة وقاسية خصوصاً مع توقع نفاذ موارد الدولة الأساسية وما ستلحقه الهجمة الأسدية الاخيرة من أضرار كبيرة في البنى التحتية للإقتصاد السوري، الضعيف أصلاً، وفي النسيج الإجتماعي المتضعضع والمنزاح بفعل الأزمة صوب التطرف والإنغلاق، ولا شك بأن الخروج من هذا الواقع سيحتاج إلى جهود جبارة تبذلها النخب الفكرية والواجهات الاهلية والإجتماعي، وهذا يحتاج إلى تطوير هذه البنى لطرق تواصل مع بنى المجتمع الأخرى وإقناعها بجديتها في العمل، ولأهم بقدرتها على الإدارة والضبط، وخاصة وأن عناصر الفوضى والتفلت كبيرة لدرجة يصبح التعويل على مجرد سقوط الاسد وحده كخشبة خلاص من الأزمة امرأ مفرطاً في السذاجة.

لم يستطع النظام الحفاظ على السلطة، ولن ينجو من السقوط، لقد أشرف بنفسه على وضع خريطة سقوطه، لكنه نجح، وربما بمساعدة حلفائه، على تأسيس حالة من الخراب والفوضى لسوريا تتطلب جهودأ إستثنائية للخروج منها، ما يعني أن مرحلة البناء والضبط التي ستتبع سقوطه لن تكون سهلة بدورها، لأن النظام وحلفاءه لا بد أنهم يجهزون لإستراتيجية تالية يؤسسونها على الأرض السورية، ثورة مضادة بأدوات جاهزة وبالإستناد على المعطيات المذكورة.

=================

من المسؤول عن مأساة مخيم اليرموك؟! * ياسر الزعاترة

الدستور

22-12-2012

قد يبدو السؤال أعلاه مقبولا بالنسبة لمراقبين دوليين، أو صحافيين أجانب جاؤوا يتفحصون معالم المأساة وأسبابها، لكنه ليس كذلك بالنسبة لصاحب ضمير حي يعرف حقيقة ما يجري في سوريا منذ قرابة عامين؛ حقيقة أن هناك 40 ألفا سقطوا ضحية الإجرام الأسدي، وأن هناك مئات الآلاف من الجرحى ومثلهم من المعتقلين، فضلا عن أكثر من مليوني مشرد في الداخل والخارج. ثم يعرف إضافة إلى ذلك أن هناك أكثر من 700 فلسطيني قد قضوا نحبهم في الصراع الدائر في سوريا؛ كان نصيب مخيم اليرموك منهم وافرا إلى حد كبير.

كيف لمخيم يعيش وسط السوريين ويلتحم بهم وبأحيائهم أن يظل بمنأىً عما يجري في بلدهم؟! كيف له أن يمارس الحياد في معركة بين نظام مجرم وبين شعب يعيش معه وبين أبنائه؟! يثير الازدراء بالطبع أن يخرج عليك من يتحدث بلغة تحميل الجميل للفلسطيني، فيشير إلى وضعه الجيد في سوريا، لكأن بشار وأباه من قبله كانوا يدفعون للفلسطينيين من جيوبهم، أو لكأن اللجوء الفلسطيني قد تم في ظل حكم البعث (الأسدي)، ولم يبدأ في العام 48، ومعه طبيعة التعاطي الرسمي مع اللاجئين.

الأكثر سوءا من هذا وذاك، هو تجاهل حقيقة أن الذاكرة الفلسطينية لا تحتفظ لهذا النظام بالكثير من الود، لاسيما أنها ليست ذاكرة قصيرة يمكنها نسيان مجزرة تل الزعتر، أو حرب المخيمات مع قدر من التواطؤ على إخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان، حتى لو تحدثنا عن مرحلة جيدة من الدعم لقوى المقاومة خلال الألفية الجديدة.

مع ذلك، فقد حاولت المخيمات أن تنأى بنفسها عن المعركة الدائرة، أعني أن تنأى بنفسها ككتلة كاملة، وليس كأفراد، فبين الثوار هناك الكثير من الشبان الفلسطينيين الذي اقتنعوا بنبل الثورة ومطالبها المشروعة وانخرطوا فيها واستشهدوا مع إخوانهم السوريين، لاسيما أن الأعمى وحده هو من يعتقد أن هذه معركة ملتبسة (بعض اليساريين الذين يديرون الحملات لصالح بشار وضد “الإرهابيين” القادمين من الخارج، ينسون احتفالهم بجيفارا الذي كان يقاتل أنظمة ربما كان بعضها أفضل من نظام بشار بالنسبة لشعبه).

أيا يكن الأمر، فما جرى هو أن الثوار الذين سيطروا بشكل شبه جيد على الأحياء الملاصقة للمخيم (الحجر الأسود والتضامن والميدان)، لم يعملوا على احتلال المخيم، بل كانوا يعبرونه بشكل عادي نحو وجهتهم، فما كان من المليشيات المحسوبة على الجبهة الشعبية (القيادة العامة) وبعض المجموعات الأخرى إلا أن استهدفتهم، فقتلت بعضهم واعتقلت البعض الآخر، فكان طبيعيا والحالة هذه أن يردوا على ذلك.

في شهادة لأحد الفارين من المخيم أوردتها الغارديان تلخيص للحكاية. فقد قال الرجل إن النظام افتتح منذ الصيف مكتبين أمنيين تابعين للاستخبارات الجوية والسياسية لتجنيد أي راغب بالانضمام للجبهة الشعبية (القيادة العامة)، وأي شخص وافق على الانضمام أعطي بندقية. وأوضح أن المخيم لم يشهد أي معارك في داخله باستثناء مناوشات على مشارفه، ولم يدخله الجيش الحر إلا بعد تعرضه للقصف من قبل النظام.

رغم الجرائم التي ارتكبت بحق المخيم، وأفضت إلى نزوج جماعي لسكانه، إلا أننا لم نعدم “مقاومين وممانعين” يلقون بمسؤولية ما جرى على جبهة النصرة والإخوان والجيش الحر، مبرئين النظام من وزر الجريمة، مع أن قصف مسجد وقتل 25 إنسانا فيه، وجرح أكثر من 150 هو جريمة بشعة حتى لو كان المخيم كله يقاتل النظام.

خلاصة القول هي أن النظام هو الذي سعى إلى زج المخيم في الصراع، وليس الجيش الحر والثوار، بدليل أن الثوار اليوم لم يشترطوا شيئا للخروج من المخيم سوى إخراج كافة المقاتلين التابعين للنظام منه، وهم أحرص على دماء الناس فيه وفي سواه، مع أنهم لو استمروا داخله بحكم الاضطرار لأجل استكمال إسقاط نظام مجرم، لما كان في ذلك ما يدينهم أصلا.

أي منطق بائس هذا الذي يتبناه بعض أنصار النظام ومنهم فلسطينيون مع الأسف؟! إن ما يجري هو جريمة بحق الفلسطينيين، وقبل ذلك بحق السوريين، ودم الفلسطينيين ليس أغلى من دم إخوانهم السوريين، ومن يبرر لهذا النظام ما يفعله مجرم مثله مهما كان فكره، وأيا كان تاريخه.

==================

سورية الجديدة ومسألة العدالة الانتقالية

أنور البني *

السبت ٢٢ ديسمبر ٢٠١٢

الحياة

لعّل مسألة العدالة الانتقالية هي المسألة الأهم ومن أولى القضايا التي يتم العمل عليها بعد التغييرات الجذرية في المجتمعات التي يصاحبها اقتتال وضحايا وتدمير.

فإغلاق المرحلة السابقة وإعادة السلم الأهلي ووحدة المجتمع والمصالحة الداخلية يتطلبان أولاً تهدئة النفوس برد المظالم وإعادة الحقوق لأصحابها والتعويض على المتضررين والكشف عن مصير المفقودين وإظهار حقائق ما جرى وتحديد المسؤوليات ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات والجرائم عبر المؤسسات القانونية والقضائية، وهذا شرط لازم وواجب وضروري، فلا يمكن أن تبرد روح الثأر والانتقام ومحاصرة الفوضى المحتملة، ما لم يشعر المتضررون بأن حقوقهم لن تضيع وأن المرتكب لن يفلت من العقاب، ولا يمكن الإنسان أن يغذي انتماءه إلى المجتمع ويساهم ببنائه إذا لم يطمئن إلى أنه سيحصل على العدالة.

ومفهوم العدالة الانتقالية هو مفهوم استثنائي للعدالة يختلف عن مفهوم العدالة العادي بالأهداف والقواعد والمعايير والهيئات والآليات، لأن الظروف الاستثنائية تفرض معالجة استثنائية ولا تصح أو تستقيم معها قواعد العدالة العادية وآلياتها.

فهدف العدالة الانتقالية ليس إدانة المجرمين وتطبيق القانون فقط بل أساساً هو إعادة السلم الأهلي وتحقيق المصالحة الوطنية ومحو آثار مرحلة سابقة تشجع على استمرار الخراب إذا لم يتم تجاوزها. فعلى سبيل المثل إن إسقاط الحق الشخصي أو عدم الادعاء من قبل المتضررين بالنسبة لعدد كبير من الجرائم الواقعة بحقهم قد يؤدي إلى إسقاط الدعوى كلها خلافاً للقانون العادي مع حفظ حقوق هؤلاء المتضررين بالتعويض الذي سيقع على عاتق الدولة عبر مؤسسة العدالة الانتقالية نفسها، وهنا لا دور لمؤسسة النيابة العامة كجهة مدافعة عن المجتمع إلا في القضايا التي تمس المجتمع كله. ونضيف أن هدف العدالة الانتقالية لا ينحصر في محاسبة مرتكبي الجرائم وبعث الطمأنينة في النفوس بأن حقوقهم لن تهدر بل ينسحب هدفها إلى إعطاء الطمأنينة لغير المرتكبين أنه لن تتم محاسبتهم أو الاقتصاص منهم عن جرائم لم يرتكبوها، مثلما تعطي ضمانة مهمة للمرتكبين أنفسهم بأنهم لن يكون تحت وطأة رد الفعل الثأري وأن مؤسسات العدالة والقضاء هي التي ستحاسبهم بالدلائل والقرائن المثبتة على ما ارتكبوه.

ولعل أهم تميز في القواعد والمعايير الحاكمة للعدالة الانتقالية أنها تستند إلى القواعد والقوانين العالمية، مع الأخذ في الاعتبار أن كثيراً من الجرائم المرتكبة في ظروف الصراع الأهلي الاستثنائي، قد لا تغطيها القوانين المحلية أو تطاولها أو تنص عليها لأنها جرائم تسمها هذه الاستثنائية وتتطلب مرجعية دولية أنتجتها ظروف وأحداث مماثلة.

والتميز أو الاختلاف الآخر هو أن مؤسسة العدالة العادية تستند إلى الهيئات القضائية الطبيعية وتقتصر على القضاة فقط الذين يديرونها بينما تتفرع عن مؤسسة العدالة الانتقالية هيئات عدة لها طراز مختلف عن التركيبة القضائية وتضم بعض ممثلي المجتمع وهيئاته المتنوعة لتشارك القضاة والمحاكم في تحقيق العدالة. وقد بدأت فكرة العدالة الانتقالية بفكرتها الأولى بعد الحرب العالمية الثانية بمحاكمة مجرمي الحرب بنورمبرغ وتطورت في سيراليون ورواندا، وحتى لبنان كان هناك تطبيق جزئي لها في وزارة المهجرين وصندوق الجنوب فيما أحيلت للقضاء العادي والعسكري مهمة محاكمة المرتكبين.

ويمكن تقسيم عمل مؤسسة العدالة الانتقالية إلى خمسة محاور:

أولاً: صندوق لتعويض الأذى الجسدي والمادي للمواطنين المتضررين إما بفقد أحد أفراد أسرتهم وأحبتهم وأيضاً التعويض للجرحى والمعاقين ولمن تدمرت منازلهم أو أماكن عملهم أو ممتلكاتهم كلياً أو جزئياً، ويتم ذلك عبر لجان فنية مختصة تقوم بالمسح الميداني لكل المناطق بوضع قائمة بأسماء الضحايا والمفقودين وتقدير قيمة الأضرار المادية وتحديد عدد المصابين والجرحى وتأمين استمرار علاجهم والبدء بإجراءات سريعة لإيواء المهجرين الفاقدين منازلهم وتسديد معونات سريعة لمن تضررت أوضاعهم جزئياً لترميم منازلهم والسكن فيها.

ثانياً: إنشاء محاكم خاصة ومستقلة عن القضاء العادي محكمة مركزية في دمشق للقضايا الكبرى ومحاكم فرعية في كل المحافظات للنظر بالجرائم المرتكبة خلال الأحداث وملاحقة المجرمين والقبض عليهم ومصادرة الأموال والأشياء المنهوبة والمسروقة. ويجب أن يكون قضاة هذه المحاكم من القضاة المشهود لهم بالنزاهة والحيادية والاستقلال.

ثالثاً: تشكيل لجان للسلم الأهلي والمصالحة الوطنية تضم شخصيات ثقافية وعلمية وقانونية وفنية ودينية واجتماعية ذات احترام للتوجه إلى المناطق التي شهدت نزاعات أو إشكالات دينية أو طائفية أو قومية لتهدئة النفوس وإرساء الصلح وتبديد الشكوك وإعادة الثقة بين مكونات المجتمع، وتكون من مهماتها هذه اللجان أيضاً المساهمة في الكشف عن المفقودين والمختطفين والمعتقلين وإعادتهم لأهلهم. كما العمل على إقامة لجان وجمعيات للدعم والعلاج النفسي لضحايا الانتهاكات.

رابعا: تشكيل مكتب إعلامي مهمته القيام بحملة شاملة لشرح مفهوم العدالة الانتقالية ووسائلها وهيئاتها ودورها واستخدام كل وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء من أجل ذلك يديرها مختصون قانونيون واجتماعيون. وتساعدهم في ذلك لجان من الشباب المتطوعين تشكل بالتعاون مع جمعيات أهلية ويجرى تدريبهم لإيصال فكرة العدالة الانتقالية إلى كل المواطنين ومساعدتهم للتفاعل مع هيئاتها والثقة بها وتقديم طلباتهم إليها ومتابعتها.

خامساً: إنشاء مكتب تخليد الذكرى، ومهمته توثيق الأحداث التي مرت وتوضيحها وتأريخها بما في ذلك تخليد أسماء الضحايا الذين قضوا عبر النصب التذكارية أو إطلاق أسمائهم على المدارس والأماكن والساحات في المواقع الجغرافية التي سقطوا فيها، وإدخال هذه المعلومات في كتب التاريخ للمدارس حتى يكون ما مرّ على البلاد درساً يستفيد الجميع منه ويشكل عبرة ومأثرة للأجيال المقبلة، ولا تضيع التضحيات الكبرى التي قدمت بل تكون صورتها ماثلة دائماً في ذاكرة المجتمع وخالدة في ذاكرة الوطن.

ويمكن الحديث هنا عن مسألة العفو ودوره في إرساء المصالحة وليس لتغييب العدالة، فاستخدام هذا الطريق ضروري ولكن، لا يمكن أن يكون عاماً بحيث تضمّد الجروح وهي ما زالت تنزف أو من دون أن تكون مطهرة فتشكل ناراً تحت الرماد يمكن تأجيجها في أي وقت بل يجب أن يكون محدوداً وخاصاً ويستعمل في شكل دقيق لإغلاق ملفات تم إنهاؤها أهلياً وتمت المصالحات في شأنها وليس كأسلوب تبويس اللحى وعفا الله عما مضى.

إن العدالة الانتقالية وتهيئة مؤسساتها وهيئاتها هي أولى المهمات في المرحلة المقبلة وعلينا أن نكون على أهبة الاستعداد والجاهزية، بل الشروع منذ الآن بتقديم المبادرات والاجتهادات لتهيئة الأسس والمقومات لها وخصوصاً البدء الفوري بحملة شعبية لنشر مفهومها وتعريف المواطنين بها لنضع اللبنة الأولى لإعادة بناء سورية الجديدة.

=================

لماذا يمانع بوتين في إنهاء الحرب الأهلية في سورية؟

سليم نصار *

السبت ٢٢ ديسمبر ٢٠١٢

الحياة

في رسالته السنوية أمام المشرعين الروس، تحدث الرئيس فلاديمير بوتين عن برنامجه الاستراتيجي في ظل الأوضاع المقلقة والتناقضات الكبرى التي يشهدها هذا العصر. وقال إن بلاده، مثل سائر بلدان العالم، تواجه مرحلة انعطاف خطيرة داخل فلك دولي جديد تكثر فيه المتغيرات والهزات السياسية الشاملة.

وبعدما رسم بوتين ملامح المرحلة المقبلة، شدد على ضرورة تحديث المؤسسة العسكرية التي وصفها بأنها ضمانة أمن روسيا وعنوان استقلالها. وفي تعليقه على مطالب المعارضة أكد أن روسيا في عهده لن تتخلى عن الديموقراطية. ولكنه اشترط أن تكون ديموقراطية غير مستوردة من الخارج، وإنما مرتكزة على تقاليد الشعب والقوانين المطبقة.

وقرأ زعماء المعارضة في هذا الخطاب سلسلة مشاريع عسكرية ضخمة يصعب على الخزينة تحملها. كل هذا من أجل بناء ترسانة عسكرية ضخمة يمكن أن تحقق هدفين: الأول، إقامة نظام قمعي يحيي مبادئ مؤسسة الاستخبارات (كا جي بي) التي خدمها بوتين في برلين طوال فترة الحرب الباردة. الثاني، تشكيل حلف إقليمي قوي في الفضاء السوفياتي السابق، بهدف منع الغرب من اختراق دول الجوار وتطويق روسيا.

قادة المعارضة الروسية اعترضوا على مشاريع التسلح لاقتناعهم بأن المنافسة على خطة «حرب النجوم»، التي أطلقها الرئيس الأميركي رونالد ريغان، كانت بمثابة مطب اقتصادي دمر منظومة الاتحاد السوفياتي. وهم يلوحون بالإضرابات والاضطرابات في حال قرر بوتين تحدي دول الحلف الأطلسي وإرهاق البلاد ببرامج التسلح وحرمان المواطنين من فرص التنمية والازدهار.

المخاوف التي تعلنها المعارضة الروسية ضد سياسة بوتين الداخلية ليست أقل من مخاوفها حيال سياسته الخارجية في الشرق الأوسط. ذلك أن احتضانه لموقف النظام السوري في المحافل الدولية ومجلس الأمن يمكن أن ينعكس في شكل سلبي على مستقبل العلاقات مع دول المنطقة. لهذا كان الرهان على اجتماع بوتين ورجب طيب أردوغان، لعل الزعيمين، الروسي والتركي، يتمكنان من المساهمة في حل المعضلة السورية.

ومع أن المعلومات التي تسربت عن ذلك اللقاء كانت شحيحة إلا أن مصادر موثوقة، في موسكو وأنقرة، أعلنت عن بعض الإيجابيات والسلبيات بما يمكن اختصاره بالآتي:

أولاً، أعرب بوتين عن استيائه من تثبيت منصات صاروخية على الأراضي التركية، مذكراً بأن أزمة كوبا عام 1962 كانت بسبب نشر صواريخ على الحدود التركية المحاذية لروسيا. وأنكر اردوغان أن تكون نوعية الصواريخ هجومية، وقال إن الحلف الأطلسي وضعها على سبيل الاحتياط، أي في حال قرر النظام السوري استعمال أسلحته الكيماوية ضد تركيا أو ضد معارضيه. وفي نهاية اللقاء وعد أردوغان بسحب الصواريخ عقب انتهاء الأزمة السورية.

ثانياً، اتفق الرئيسان على زيادة التبادل التجاري والسياحي بحيث تحقق العائدات للبلدين كمية تصل إلى مئة بليون دولار، أي بنسبة ضعفي كمية التبادل لهذه السنة. كذلك وعد أردوغان بزيادة واردات بلاده من روسيا في مجال الطاقة، مقابل الحصول على تسهيلات لوجيستية في مضيق الدردنيل.

ثالثاً، بالنسبة إلى الأمور السياسية المتعلقة بدور روسيا في سورية، ظهر الخلاف واضحاً بين الزعيمين. ولم ينكر بوتين المكاسب الاستراتيجية التي وفّرتها لأسطوله تسهيلات الدولة السورية. واعترف بأنه لا يريد التخلي عنها لأسباب عسكرية، كونها أمنت له موقعاً جغرافياً متقدماً على البحر الأبيض المتوسط. وهذا ما يجعله شريكاً مع الولايات المتحدة في إيجاد تسوية مقبولة للقضية الفلسطينية أولاً... ولمستقبل سورية ثانياً.

رابعاً، لم يخفِ بوتين حذره من احتمال منح حزب «الإخوان المسلمين» دوراً مركزياً في النظام البديل لنظام البعث العلماني. خصوصاً بعد ظهور مجاهدين من القوقاز تطوعوا للقتال إلى جانب «الجيش السوري الحر.» وقال بوتين لأردوغان إن وجود التنظيم الإسلامي على رأس الحكم سيجدد القتال ضد قواته في الشيشان. وأكد في الوقت ذاته أن الصين تشاركه في هذه المخاوف لأن امتداد الإسلام السياسي إلى دول البلقان وآسيا يشكّل خطراً على استقرار دولتين كبيرتين.

المعارضة الروسية تدّعي أن موقف بوتين حيال أزمة سورية نابع من منفعة تجارية بحتة. ووفق تفسيرها، فهي ترى أن إطالة أمد الحرب الأهلية السورية تعود بالفائدة الاقتصادية على روسيا. ذلك أن الدول المستوردة للطاقة باتت تخشى من تورط دول مجلس التعاون الخليجي في الحرب القريبة من حدودها. وهذا ما دفع بعض الدول الآسيوية، مثل اليابان والهند وتايلند، إلى توقيع عقود مع موسكو بزيادة كميات إيراداتها النفطية. ورفض بوتين هذا التفسير، واتهم المعارضة بتضليل الرأي العام وحرف الحقيقة.

الطرف الآخر المعني بقضية الشرق الأوسط منذ أكثر من ستين سنة أبعدته مجزرة نيوتاون عن الاهتمام بالمسألة السورية، الأمر الذي وفَر للرئيس بوتين فرصة إضافية لاستغلال عزلة الرئيس بشار الأسد. علماً أن أوباما كان يسعى في مطلع ولايته الثانية إلى منع بنيامين نتانياهو من الإقدام على مغامرة حربية ضد إيران عقب فوزه بالانتخابات المقبلة (21 كانون الثاني – يناير– المقبل).

الصحف الإسرائيلية فسرت قرار رئيس الوزراء بإعلان تحالفه مع زعيم حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، بأنه قرار متهور وخطير. وتوقعت أن ينتهي بفصل السياسة الخارجية لدولة اليهود عن سياسة راعيتها وداعمتها الولايات المتحدة. وهذا ما فعله مناحيم بيغن قبل أن تتخذ حكومته عام 1981 قرارها بموعد ضرب المفاعل النووي العراقي. ذلك أنها جمدت تعاونها مع واشنطن، ورفضت إبلاغ الرئيس ريغان بساعة الصفر (الساعة 3 بعد ظهر 7 حزيران (يونيو) 1981). وقد نشرت إدارة الرئيس ريغان في حينه بياناً للرأي العام، قالت فيه إنها علمت بالأمر بعدما شكت الحكومة الأردنية من أن سرباً من الطائرات الحربية الإسرائيلية قد اخترق أجواءها.

يقول نتانياهو إن حربه مع ايران هي حرب وجود ضد نظام يُفاخر بأنه سيمحو دولة اليهود من الوجود. وعليه قرر مع حليفه ليبرمان استفتاء الشعب في انتخابات مبكرة على أمل استقطاب قاعدة شعبية واسعة تؤيدهما في عملية ضرب المفاعل النووي الإيراني. خصوصاً أن نتانياهو يصنف دوره بين أدوار المؤسسين من أمثال ديفيد بن غوريون ومناحيم بيغن. وهو دائماً يردد هذه العبارة: إذا كان المؤرخون يعتبرون بن غوريون... المؤسس. فأنا مستعد لأن أقنعهم بأنني المخلص. أي مخلص الدولة التي تهددها إيران بقنبلة الفناء.

الصحف الأميركية تشير إلى احتمالات حدوث خلاف آخر بين أوباما ونتانياهو، يتعلق بمستقبل الدولة الفلسطينية. ففي حين يرى الرئيس الأميركي أن نشر المستوطنات حول القدس الشرقية يعرقل مساعي التسوية مع الرئيس محمود عباس فإن نتانياهو يعتبر نفسه في حل من شروط استئناف العملية السلمية. وهو يتمنى لو أن أبو مازن تحالف مع خالد مشعل في غزة، لكان قاسمه شرعية النصر السياسي الذي أحرزته «حماس» في معاركها الأخيرة. أي شرعية الاعتراف بسلطة «حماس» في قطاع غزة. وكانت الوزيرة الأميركية هيلاري كلينتون قد فاوضت على إنهاء وقف العنف بدعم من الرئيس المصري محمد مرسي.

وعندما أعلنت إسرائيل عن وقف عملية «عمود السحاب»، جاء خالد مشعل من قطر إلى غزة ليشارك إسماعيل هنية فرحة الاحتفال بالنصر. وبعد أن قبَّل الأرض عند معبر رفح أعلن أن طريق المقاومة هي أقصر الطرق لاسترداد ما سلبته إسرائيل من حقوق وأرض.

وترجمت منظمات الأمن الإسرائيلية، «الموساد» و «الشاباك» و «أمان»، كلام مشعل بأنه دعوة لتفجير انتفاضة ثالثة داخل الضفة الغربية. وقد عزز هذا التصور اكتشاف بعض الخلايا الناشطة في منطقتي نابلس والخليل. كذلك ضبط الجيش الإسرائيلي، خلال هذا الشهر، عناصر من المجاهدين تخطط لانتفاضة ثالثة بقصد إرباك حكومة نتانياهو ومنعها من إجراء انتخابات هادئة وسليمة.

والمعروف أن ظروفاً مشابهة حدثت في مثل هذا الشهر من عام 1986، هي التي أطلقت الانتفاضة الفلسطينية الأولى. وربما وجد أبو مازن أن الفرصة مواتية لتقديم مشروع قرار إلى مجلس الأمن يدين عمليات الاستيطان الإسرائيلية في القدس الشرقية المحتلة والعمل على وقفها. كما هدد أيضاً باللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية بعدما وافقت لجنة التخطيط على بناء 2610 وحدات سكنية في حي «جيفعات هامتوس».

وترى السلطة الفلسطينية أن مشروع البناء في هذه المنطقة المحتلة هو جزء من مشروع أوسع أقرته حكومة نتانياهو. أي المشروع الذي يتألف من 9600 وحدة استيطانية، ويفصل وسط الضفة الغربية عن جنوبها بطريقة تمنع التواصل في دولة فلسطين.

مرة أخرى كررت «حماس» رفضها كل مشاريع التوطين، وأعلنت أن أهدافها لا تتحقق إلا باستئناف عمليات الكفاح المسلح. وذكّرت بالكلام الذي نقله نتانياهو عن صديقه آرييل شارون، بأن إسرائيل أخطأت يوم ساعدت الأردن على التخلص من منظمة التحرير عام 1970. وبما أن رئيس الوزراء يُعتبر من مؤسسي جمعية «الأردن هو فلسطين»، فإن المحاولة التي أقدم عليها عام 1997 لقتل خالد مشعل بواسطة السم، لم تكن أكثر من شرارة لإحراق مشروع الدولتين. وهو حالياً يؤكد موقفه الداعم لمشروع «الأردن هو فلسطين». وليست سياسة تكثيف المستوطنات فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة أكثر من تثبيت عملي لتلك السياسة.

وعليه، ترى «حماس» أن رئيس السلطة الفلسطينية يضيع وقته في الجمعية العامة ومجلس الأمن، لأن إسرائيل لا تفهم إلا بلغة البندقية لا بلغة غصن الزيتون. وهذه هي العبرة الوحيدة التي أخذها معه ياسر عرفات إلى القبر!

 

 

* كاتب وصحافي لبناني

=================

الأطراف الخارجية ومستقبل سوريا

فايز سارة

السفير

22-12-2012

لعل من بين اهم نتائج اطالة عمر الازمة في سوريا، انها اتاحت للعديد من الدول والقوى، ان يصير لها نفوذ في سوريا طالما رغبت تلك الدول والقوى في هذا، ذلك أن الانقسام الحاد وما رافقه وأعقبه من صراع عنيف ودموي، فرض على القوى المتصارعة، فتح الابواب امام قوى دولية واقليمية للدخول على الخط السوري، وكان الأمر ملحاً بل ومطلوباً من جانب قوى لها موقف من النظام وسياساته سواء كانت

 دول لها علاقات قوية ووثيقة بالنظام كما هو حال روسيا والصين وايران، او اخرى طالما كانت علاقاتها مع دمشق في حركة نوسان وعدم استقرار على ما هو عليه الموقف الاميركي ـ الاوربي، وفي بعض الاحيان، ادت الازمة السورية وتطوراتها الى تبدلات دراماتيكية في مواقف بعض القوى كما حصل في موقفي كل من تركيا وقطر، فانتقلتا من موقع الحليف والصديق للنظام في دمشق الى موقف المناهض، ان لم نقل العدو على نحو ما تظهر بعض السياسات والمواقف التي اتخذها البلدان في فترة الازمة، وما كان للنظام في دمشق من مواقف وسياسات في مواجهة تركيا وقطر في الفترة ذاتها.

لقد انقسمت الدول والقوى من الناحية السياسية ازاء الوضع في سوريا. ورغم ان مؤيدي النظام كانوا قلة بين الدول، مقابل كثرة من وقفوا ضده مؤيدين للثورة، فان فاعلية مناصري النظام، كانت أقوى وأشد حضوراً في المجالات كافة. وعلى سبيل المثال فان روسيا والصين منعت مرات اية ادانة او قرار دولي بإكراه النظام وإجباره بوقف الحل الامني العسكري والذهاب مؤكداً الى حل سياسي، وزاد مؤيدو النظام على ما سبق تقديم امكانات عززت استمراره في مقاومة ثورة مواطنيه لأكثر من واحد وعشرين شهراً متواصلة، بما في ذلك دعمه بالاسلحة والذخائر والخبرات اللوجستية العالية، وهو ما ترافق بأوسع حملة دعاوية ضد معارضي النظام والتشهير بهم وبأهدافهم المعلنة.

اما القوى الدولية والاقليمية التي بدت مؤيدة للثورة ورغم كثرتها وأهميتها، فقد غلبت الضبابية على مواقفها، وأغلبها تأخر في إعلان موقفه ربما حذراً، أو ان الصورة لم تكن واضحة لديه. وهكذا جاءت المواقف في مواجهة النظام لفظية وضعيفة ومترددة ومحسوبة، يقابلها ضعف وتردد في تأييد المعارضة، وشح في المساعدات، وتحديد لمجالات صرف المقدم منها للمعارضة وتنظيماتها، وغالباً، فان سياسات ومواقف القوى المؤيدة للثورة على ضعفها وهشاشتها، أحيطت بإثارة ثلاث نقاط، اولها وحدة المعارضة بالقول، لأن المعارضة مقسمة، والثاني موضوع الاقليات والتخوف من طغيان الاكثرية، والثالث موضوع التطرف الديني وتسلل «القاعدة» واخواتها الى سوريا.

لقد تسلل نفوذ القوى الاقليمية والدولية الى بنى الدولة والمجتمع في سوريا، وان كان ذلك تم برضا النظام في علاقاته مع داعميه، ولاسيما ايران وروسيا، فإنه تم أيضاً بغياب او سكوت معارضي النظام وقبول بعضهم بما يتعلق بتسلل الداعمين والاقليميين وعلى سبيل المثال، لم يكن بإمكان قوى المعارضة وقف أو الحدّ من التدخل التركي في الشأن السوري، والأمر ينطبق على دول أخرى، بدا وان ثورة السوريين بحاجة الى دعمها ومساندتها السياسية والمادية.

خلاصة القول، إن ما تمّ من تدخلات دولية وإقليمية في الشأن السوري في فترة الصراع بين النظام والمعارضة، سيكون له حضوره وتأثيره في الفترة التالية سواء كانت فترة انتقالية قريباً من النموذج اليمني او فترة تغيير عاصف وفق النموذج الليبي، وفي كل واحدة من الحالتين سوف يكون الحضور مختلف للقوى الدولية والاقليمية في مستقبل سوريا مع ارجحية خاصة للقوى المناصرة للثورة، لأن النظام على ما هو عليه الآن، لن يكون موجوداً، اذ سيتغير كلياً او بنسبة كبيرة على الاقل.

ان ولوج سوريا في مرحلة انتقالية ناتجة عن حل سياسي رغم ما يحيط بهذا السيناريو من صعوبات، سوف يسمح لكل من روسيا وايران اللتين سوف تشاركان في صنع حل سياسي، بالحضور في السياسة السورية في المرحلة الانتقالية، وقد يتطور ذلك، اذا احسن البلدان تجديد سياستهما السورية وتقديم المساعدة الجدية في إعادة إعمار البلاد وتطبيع حياة السوريين، ليس انطلاقاً من واجبهما الانساني والاخلاقي، بل من جانب كونهما مسؤولين بدرجة ما، عما حلّ بسوريا والسوريين من دمار وقتل في الفترة الماضية، وهذا سيعطيهما دوراً نسبياً الى جانب القوى التي وقفت الى جانب الثورة وخاصة في الفترة الاخيرة للمشاركة في إعادة بناء المستقبل السوري.

اما في حالة ذهاب سوريا للتغيير وفق النموذج الليبي، فإن القوى الخارجية المؤيدة للنظام، لن يكون لها دور في مستقبل سوريا المنظور، وهي ستحتاج الى فترة وجهود مكثفة، لإعادة تطبيع علاقاتها مع السوريين، وسيكون الباب مفتوحاً للمساعدة في مستقبل السوريين امام كتلة الدول التي ناصرت ودعمت أهداف السوريين من اجل التغيير وإعادة بناء دولتهم الديموقراطية التعددية، دولة العدالة والمساواة وحقوق الانسان.

غير انه وفي الحالتين، فان دور الاطراف الخارجية في رسم المستقبل مرهون بوضع المعارضة السورية ووحدة قواها السياسية والعسكرية والشعبية، وقدرتها على التحول الى قوة جامعة وموحدة لكل السوريين ومسؤولة عن مصيرهم المشترك ومصير بلدهم، ليس في المفاوضات الصعبة، التي ستجري مع الأطراف الخارجية لرسم ملامح التعاون المشترك فقط، بل في الحد من تدخلاتها التي قد لا تتوافق مع محتوى السياسة السورية المطلوبة في المرحلة المقبلة.

 

=================

ذبذبات سورية من قَطَر: قسوةُ قلوبٍ وعقول

جهاد الزين

2012-12-22

النهار

الكلام مع المثقفين - السياسيين السوريين الجدد حول شراسة النظام وقمعيّته... تحصيلُ حاصل. لذلك كلما كان الحديث يصل أسرعَ إلى "الثوار" كلّما ظهر "أنضج"! لا يغيب الحسُّ النقدي لديهم حول ممارسات الفصائل المسلّحة في المعارضة لكن المثير أنه لا تترتّب أية مسؤوليات عن هذا النقد مما يحوّله إلى مجرد روايات مقلقة لا إلى معطى سياسيٍّ يُبنى عليه.

 

علّمتني التجربة في الحياة العامة أن المثقفين – أعني هذا "القطاع" من ممارسي الكتابة - هم عادةً الفئة الأكثر قلقاً في خياراتها السياسية أفراداً وجماعة. لا يستقيم خطٌ سياسيٌّ يتبنّاه أو ينخرط فيه المثقّف بدون قدْرٍ من القلق الذاتي يسبغ على تناوله الشفهي أو المكتوب طابعاً يبلغ حدّ التردد الناتج بطبيعة الحال عن مستوى "تكويني" من عدم اليقين حيال الأفكار و التصوّرات المتبادلة.

واحدٌ من انطباعاتي التي كوّنتها خلال وجودي لبضعة أيام في مؤتمر في قطر، بعد لقاءات مع عددٍ من المثقفين السوريين المعروفين الذين وجدوا أنفسهم فجأة يلعبون أدوارا سياسية متفاوتة في المرحلة الجديدة التي نتجت عن اندلاع الثورة السورية كآخر موجات "الربيع العربي"... واحدٌ من انطباعاتي هو تلك "القسوة" التي باتت تًسِمُ مواقفَهم وتحليلاتِهم إذا جاز لي استخدام تعبير "قسوة".

سأسارع إلى شرح هذا الانطباع. نحن هنا نتحدّث عن مثقفين سوريين جاؤوا بمعظمهم من صفوف المعارضة قبل الثورة. بعضهم سُجن وبعضهم قضى معظم شبابه أو جزءاً منه منفياً أو هارباً في الخارج وبعضهم كان مقرّبا من مركز صنع القرار في النظام السوري أو حتى على صلةٍ شخصية بالرئيس بشار الأسد ثم انشقّ مبكراً عن النظام. كنا في الدوحة بدعوة من "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" الذي أسّسه في قطر ويديره السياسي والمثقف الفلسطيني عزمي بشارة في مؤتمرٍ رعاه شخصياً بشكلٍ لافت وليُّ العهد. 

ومع أن البيئة العامة للمؤتمر تشكّل إطاراً مألوفاً لهؤلاء "الناشطين" السوريين لا سيما مع حضور مثقفين آخرين كثيرين من العالم العربي هم أيضا فتحَتْ ثوراتُ "الربيع العربي" البابَ أمامهم للتحوّل إلى سياسيّين "فاعلين" لا هامشيين أو مهمَّشين كما كانوا قبل سقوط أنظمة بلدانهم... مع ذلك فقد بدا المثقفون السوريون فئةً مختلفة عن الآخرين بسبب الوطأة الحربْ أهلاوية التدميرية الصارخة التي تلقي بظلّها على كل سوريا. بل بدا جميع السوريين الحاضرين ومنهم قيادات في"الإخوان المسلمين" فئة مختلفة موضعَ اهتمامِ و"مراقبةِ" الآخرين.

تحت هذه الوطأة هناك مفارقة في الوضع الجديد لهؤلاء وأمثالهم: هم الوجوه المدنية البارزة في الخارج لثورة – حرب أهلية لم يعد لديها سوى "وجوه" عسكرية على الأرض السورية. لهذا بالقدْر الذي ازدادت فيه الأهمية السياسية للعديد من المثقّفين السوريين وُلِد في حالتهم وضعٌ جديدٌ من الهامشية: قوة التعبير عن الحالة السورية وفي الوقت ذاته انعدام التأثير الميداني بل الفعلي... فكيف إذا كان المؤثِّرون الميدانيون في معظمهم من "جنس" أيديولوجي يتعلّم هؤلاء المدنيون (يساريون سابقون وليبراليون جدد) أن يتعايشوا معه عن قرب كـ"الإخوان المسلمين"  وغالبا لا يعرفونه كـ"جنس" السلفيين.

الكلام مع المثقفين - السياسيين الجدد السوريين حول شراسة النظام وقمعيّته... تحصيلُ حاصل. لذلك كلما كان الحديث يصل أسرعَ إلى "الثوار" كلّما ظهر "أنضج"! لكن الذي لفتني هو تلك "القدَريّة" الكاملة في نظرتهم إلى تطور الصراع بدون أية أوهام أو "نظرة إلى الوراء": انخراط كامل. لا يغيب الحسُّ النقدي لديهم حول ممارسات الفصائل المسلّحة في المعارضة لكن المثير أنه لا تترتّب أية نتائج أو مسؤوليات عن هذا النقد على تصوّراتهم السياسية لمستقبل الوضع مما يحوّله إلى مجرد روايات مقلقة لا إلى معطى سياسيٍّ يُبنى عليه.

سُئل أحد البارزين منهم: ماذا سيكون ثمن سقوط النظام؟ فأجاب فورا: تدمير دمشق. مع الأسف لا خيار آخر في ظل كثافة القوة العسكرية للجيش النظامي فيها.

ألا يستحق وضعٌ تراجيدي كهذا – أي إنقاذ دمشق – تعديلٌ ما في خطط المعارضة؟ لا جواب.

سألتُ "ناشطا" قيادياً آخر: إلى أين سيصل هذا المسار التدميري؟ أجاب: أريد أن أعترف أمامك أنني أحيانا وعبر الاتصالات التي نجريها أو تُجرى معنا أرتاب أن الهدف "الدولي" الحقيقي هو تدمير سوريا وليس إسقاط النظام.

أحدهم، أي المثقّفون – السياسيون الجدد، يقول انه سأل مؤخّراً المبعوثَ الأخضر الإبرهيمي لماذا يتأخّر في إعلان موقف "أكثر تقدّما" ضد النظام السوري وأن الإبرهيمي أجابه بأن لديه أولوية رئيسية هي "منع صوملة سوريا".

لا ينضح من كلام الوجوه المدنية المعارضة هذه أيّة رغبةٍ بالتسوية – ومن هنا "الريبة" بالأخضر الإبرهيمي – لا بل إن "المناخ" السائد هو انتظار سقوط النظام عسكرياً لا غير. أما بأي ثمن؟ مجرى الدم لم يعد يسمح بالاستدراك في منتصفه حتى لو كان الاستدراك نظريا بسبب ضغط هائل ضاع فيه كلُّ فارقٍ بين الثورة و"لعبة الأمم".  وهذا ليس فقط "مناخا" قطَريا وإنما اسطنبوليٌّ وباريسيٌّ بل أوروبي رغم أن مجرّد التواجد في بيئة سياسية كهذه في الدوحة يعني غلبةَ لغةٍ قاطعةٍ مع النظام السوري يبرّرها معارضو الخارج من المثقفين باعتبارها العقوبة الملائمة لنظام استبدادي لم يُصغِ طويلا للآخرين دون اعتراف بأنها تلبية لا خيار فيها لقرار قوى دولية وإقليمية هائلة ضد هذا النظام الذي اعتمدته هذه القوى لعقود.

باختصار: تُعلّمنا الثورة – الحرب الأهلية السورية أن بعض البلدان يدخل إلى مصيره القاتل كما لو أنه قضاءٌ وقدَر... فكيف إذا كان المنخرطون يشعرون بالقوة القِيميّة للشعار التعبوي التغييري بما يبرّر أمامهم الانهيار الكامل لبلد كسوريا بصفته انهيارا لاأخلاقياً بكل معاني الكلمة. هي قسوة قلوبٍ وعقولٍ معاً في واحدة من تلك "اللحظات" التي تبدو فيها كلمة كارل ماركس التي لا أكفّ عن تذكّرها (حتى في إمارة قطر) نفّاذةً إلى أعمق درجات النفاذ كأنها اختراق في جيولوجيا التاريخ. يقول: "التاريخ يتقدّم دائماً من ناحيته الخطأ".

هكذا كنا في لبنان في السنتين الأوليين للحرب الأهلية. والعياذ بالله من الأثمان التي بات علينا أن ندفعها لتغيير الأنظمة السياسية.

السؤال الأخير هنا هو: هل فات الأوان في المشهد السوري المروِّع أن نسمع موقفا يطالب بوقف القتال – التدمير مهما كانت الحسابات السياسية خاسرة؟

هذا موقف يحتاج إلى قائد سياسي "تاريخي" أو مثقف استثنائي.

=================

فيمَ يفكر الروس؟

سميح صعب

2012-12-22

النهار

إذا ما عطفنا كلام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن ان موسكو لا تدعم بقاء الرئيس السوري بشار الاسد في السلطة بأي ثمن، على كلام مبعوثه الشخصي الى الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف قبل أيام عن ان النظام السوري يفقد المزيد من الأرض وان المعارضة  المسلحة يمكن ان تنتصر عسكرياً وان روسيا أرسلت سفناً لاجلاء محتمل لرعاياها، فإننا نتلمس بداية انتقال في الموقف الروسي قد يكون مبعثه ملاقاة المواقف الاميركية والاوروبية والعربية والتركية التي ترفض أي تسوية في سوريا تتضمن بقاء الأسد في السلطة.  

وقد لا تكون ملاقاة الغرب والعرب وتركيا، هي الباعث الوحيد وراء اللغة الروسية الجديدة حيال سوريا. فروسيا ربما تأثرت بالتطورات الميدانية التي حصلت على الأرض السورية منذ صدور بيان جنيف في 30 حزيران الماضي. يومذاك كانت موسكو تقدم قراءة مختلفة لبيان جنيف. وردت واشنطن وأوروبا وتركيا والعرب المتحمسون لحسم عسكري (ولعل أكثرهم حماسة الامين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي) بدعم المعارضة السورية المسلحة التي حققت مكاسب على الارض أملت على موسكو تقديم قراءة مختلفة لذلك البيان.  

وتبدو القراءة الروسية الجديدة لبيان جنيف أقرب الى تطبيق الحل اليمني في سوريا، الامر الذي كانت موسكو ترفضه بشدة منذ نشوب الأزمة في سوريا. لكن السؤال الأكثر إلحاحاً في لحظة التحول الروسي، هل ان الكرملين مقتنع بان أي تسوية سياسية للأزمة السورية  تنص على رحيل ولو تدريجياً للاسد عن السلطة، يمكن ان تضمن الحفاظ على المصالح الروسية في سوريا؟  

ذلك انه من الصعب تخيّل اعارة الحكم الجديد الذي سيقوم في سوريا أي انتباه للمصالح الروسية. فالحكم الناشئ سيكون مديناً للولايات المتحدة وتركيا وأوروبا وقطر والسعودية، وموالياً لهذه الدول التي أتت به الى الحكم.   

ومن هنا  يبرز التباس في الموقف الروسي المستجد. هل هو مجرد مناورة في انتظار انقلاب في الموازين العسكرية في سوريا، ام هو بداية تغيير فعلي حيال النظام في سوريا املاً في ألا تخسر موسكو في سوريا بالقدر الذي خسرت فيه في ليبيا بعد سقوط معمر القذافي؟  

وما يزيد الامر التباساً ان الغرب لا يقدم القدر نفسه من التنازل الذي تقدمه روسيا من أجل التسوية في سوريا. ومنذ بداية الازمة قال الغرب إن لا حل إلا باسقاط الاسد وإنه يمكن التفاهم على بقاء البعث في السلطة كما بقي حزب المؤتمر الشعبي في الحكم بعد علي عبدالله صالح. وأي تنازل روسي الآن سيفسره الغرب بأنه علامة ضعف وتالياً لا مكان للضعفاء في الصراعات الدولية. ولا بدّ ان بوتين يدرك ذلك أكثر من غيره.

=================

محمد الشعار: العدالة الالهية حقيقة

علي حماده

2012-12-22

النهار

فيما يرقد وزير خارجية بشار اللواء محمد الشعار على سرير في مستشفى الجامعة الاميركية ببيروت، ويعالج من اصابات حارقة خطيرة اصيب بها خلال هجوم قام به "الجيش السوري الحر" على موكبه قبل ايام، تعود الذاكرة بأبناء طرابلس ولا سيما في باب التبانة الى كانون الاول ١٩٨٦ يوم ارتكبت القوات السورية مجزرة في باب التبانة ذهب ضحيتها العشرات من اهلها ممن نفذت في حقهم اعدامات ميدانية. يتذكرون ان المسؤول الاول الميداني عن المجزرة كان محمد الشعار الراقد اليوم بين الحياة والموت في قلب بيروت يعالجه اطباء ربما معظمهم مناوئ للنظام في سوريا، وبالتأكيد ان بعضهم يحتقر النظام واركان النظام من اعلاهم شأنا الى ادناهم، غير انهم يقومون بواجباتهم كأطباء يلتزمون قسم ابي الاطباء "ابيقراط"، ويستوي عندهم كأطباء اطيب الناس مع احقرهم واكثرهم اجراما ووحشية. من هنا نقول لابناء التبانة وعموم طرابلس، ان عدم الاقتصاص من مجرمي الحرب في النظام السوري ليست نهاية المطاف، ما دامت العدالة الالهية تمهل ولا تهمل. فها هو محمد الشعار محروقا، وها هم جنرالات بشار الاسد الذين قتلوا في تفجير مقر الامن القومي في دمشق مطلع الصيف الفائت يواجهون ربهم الاعلى. وها هو ماهر الاسد المصاب، بحسب معلومات استخبارية متقاطعة، بجروح بالغة من جراء التفجير عينه، وهو متوار عن الانظار لم يظهر منذ شهور طويلة. لذلك فاننا لا نشمت بل نقول ببساطة المؤمنين: لكم الله يا من ظلمتم. ولكم شعب سوريا العظيم الذي نتعلم منه في كل يوم دروسا رائعة في البطولة، والتضحية، والصبر، والتصميم والاصرار. لقد ناضل الاستقلاليون اللبنانيون طويلا من اجل المحكمة الخاصة بلبنان، بهدف تثبيت حقهم القانوني والانساني بالعدالة في قضية اغتيال رفيق الحريري وسائر شهداء "ثورة الارز" الذين سقطوا مضرجين بدمائهم في الوقت الذي كان نضالهم السياسي سلميا. لقد ناضلنا بكل الوسائل غير العنفية من اجل بلوغ المحكمة الخاصة بلبنان، كي نقول للعالم اجمع ان في لبنان مجتمعا يؤمن بحق لا يؤخذ وفق شريعة الغاب، بل يمكن ان يؤخذ بالقانون وبتطبيقه. سقط كثيرون على طريق المحكمة، في وقت كنا وما زلنا نجبه نوعين من القتلة: الاول أتى من الخارج شبيه بمحمد الشعار ورفاقه، والثاني، ويا للاسف، لبناني يقال انه شريك في الوطن من امثال مصطفى بدر الدين ورفاقه ومن يقف وراءهم او يحميهم. ومع ذلك قلنا دائما وكل منا على طريقته اننا مع ان تتحقق عدالة القانون على الارض، ولكننا في الوقت عينه مؤمنون بأن ثمة عدالة اخرى في السماء لن تتأخر حتى تسود من اجل بناء السلام.

محمد الشعار وقبله آصف شوكت وآخرون تتحقق عبرهم عدالة بيد الله لاجل كل لبناني ظلموه على مر عقود، ويد الله هذه تضرب بسواعد ثوار سوريا الذين قرروا ذات يوم انهم لن يكتفوا بانتظار جثة عدوهم تمر في النهر... بل نهضوا ليواجهوا. هكذا تبنى الاوطان وهكذا تُستحق الحرية.

=================

خيرالله خيرالله / الأسد وروسيا ... والواقع والتمنيات!

الرأي العام

22-12-2012

أخذت روسيا علما بسقوط النظام السوري وأعلنت ذلك بحياء وحذر عن طريق نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف. يبدو أن العالم كلّه يدرك ان النظام في حكم المنتهي باستثناء بشّار الاسد الذي يعيش في عالمه الخاص، الذي لا علاقة له بما يدور حقيقة في العالم وداخل سورية نفسها.

سيعتبر الاسد الابن النفي الصادر عن وزارة الخارجية لكلام بوغدانوف دليلا على تراجع موسكو، في حين أن الكلام والنفي اقرب الى تحذير آخر موجه الى الرئيس السوري. فحوى التحذير أنه لم يعد مستبعدا دخول الكرملين يوما في مفاوضات تتناول الوضع السوري في مرحلة ما بعد سقوط النظام. والواقع أن هذه المفاوضات بدأت بالفعل بين الروس من جهة وكلّ من الاميركيين والاتراك من جهة اخرى.

قبل صدور النفي، رجّح نائب وزير الخارجية الروسي انتصار المعارضة السورية ممثّلة بـ «الجيش الحرّ» مشيرا الى ان النظام يفقد السيطرة أكثر فأكثر على الارض. كان كلامه منطقيا، خصوصا بعدما اقترب الثوار من مطار دمشق وباتوا يهددون العاصمة نفسها، بما في ذلك الاحياء الراقية التي يقيم فيها اهل النظام.

لم تمض ساعات على توزيع كلام بوغدانوف، حتّى صدر نفي له عن وزارة الخارجية الروسية. أكّد النفي أن موقف موسكو من النظام السوري «لم يتغيّر ولن يتغيّر».

لماذا هذا الامعان الروسي في تضليل الاسد الابن. أليس في موسكو عاقل يدرك ان مثل هذا النفي سيجعل بشّار الاسد يتمسّك أكثر فأكثر بالحل العسكري من منطلق أنّه لم يستطع يوما التمييز بين الواقع والتمنيات؟

يتمثّل الواقع في ما ورد على لسان بوغدانوف، في حين أن التمنيات تتمثل في أن موقف موسكو «لم يتغيّر ولن يتغيّر» على الرغم من التطورات التي تشهدها الارض السورية. وهذا يعني في طبيعة الحال أنّ لا تراجع روسيا عن الموقف المتذبذب الذي يدفع بشّار الاسد الى مزيد من العنف، في المواجهة مع الشعب السوري، من منطلق أن لديه غطاء روسيا ودعما ايرانيا لا حدود له.

كيف يمكن لموسكو التمسّك بموقفها من النظام السوري على الرغم من أن الوضع يتغيّر على الارض باعتراف نائب وزير الخارجية؟ لا جواب واضحا عن هذا السؤال. كلّ ما يمكن قوله إن الموقف الروسي محيّر الى حدّ كبير ولا يمكن ادراجه الاّ في سياق المواقف المتخذة منذ قيام دولة اسرائيل في العام 1948. كان الاتحاد السوفياتي من بين اوائل الذين اعترفوا بتلك الدولة. جاء اعترافه بها قبل الولايات المتحدة. هذه حقيقة. بعد ذلك، لم يتردد الاتحاد السوفياتي في بيع العرب الاوهام. لم يصدر عنه يوما اي موقف حازم من ارتكابات الانظمة العربية، بما في ذلك تلك التي طاولت الشيوعيين العرب الذين كانوا من ضحايا السياسة السوفياتية في المنطقة.

ابان الحرب الباردة، كان العداء للولايات المتحدة يتحكّم بالسياسة السوفياتية. بقي جمال عبدالناصر «بطلا قوميا» و«مناضلا» يقف في وجه الامبريالية على الرغم من ذبحه الشيوعيين العرب من الوريد الى الوريد... أو تذويبهم بالاسيد، كما حصل مع القائد الشيوعي اللبناني فرج الله الحلو. أوقف الحلو في سورية في فترة الوحدة المصرية السورية التي استمرّت بين 1958 و1961. الى الان لم يظهر له اثر من ايّ نوع كان.

لم يصدر عن الاتحاد السوفياتي اي موقف له قيمة تذكر، في ما يتعلّق بالشرق الاوسط والعرب، في اي يوم من الايام. كلّ ما صدر هو شعارات لا قيمة لها على ارض الواقع وكأنّ بيع السلاح الى مصر وسورية والعراق وليبيا والسودان والجزائر واليمن اهمّ بكثير من دمّ الشيوعيين العرب وحقوق الانسان والحرية والعدالة والشعارات الاخرى التي كان يتشدّق بها الرفاق في موسكو. انهار الاتحاد السوفياتي وقامت روسيا الاتحادية. لم يتغيّر شيء في موسكو. لم يصدر يوما موقف من نظام ديكتاتوري ما بسبب حقوق الانسان او الديموقراطية، حتى عندما كان الامر يتعلّق بمناضل يساري او حزب صدّق في يوم من الايّام أن هناك مبادئ مشتركة تؤمن بها موسكو.

ما يفعله العرب حاليا هو عين الصواب. اتخذوا في اجتماع مراكش موقفا مؤيدا للشعب السوري وداعما له. انّهم يدركون أن لا أمل بروسيا، مثلما أنه لم يكن هناك أي امل بالاتحاد السوفياتي الذي شارك، عن طريق النظام السوري، في توريط العرب، على رأسهم مصر والاردن، في حرب 1967 من دون أن يرفّ له جفن. لو اتكل انور السادات على نصائح ولم يطرد الخبراء السوفيات من مصر في العام 1972، لما كانت حرب تشرين 1973 ولكانت سيناء لا تزال الى الان محتلة، كما حال الجولان!

لا قيمة للموقف الروسي إلاّ إذا اخذنا في الاعتبار ما يتعرّض له الشعب السوري على يد نظام امتهن الارهاب والابتزاز داخل سورية وخارجها. كلّ ما يمكن أن يؤدي اليه الموقف الروسي هو اطالة عذابات سورية والسوريين والمساهمة في تفكيك هذا البلد العربي المهمّ. ففي كلّ يوم يمرّ نرى مجموعات متطرفة، خصوصا في منطقة حلب، تلعب دورا اكبر في السيطرة على مناطق سورية معيّنة تنفيذاً لاجندة لا تصبّ بالضرورة في مصلحة سورية والسوريين والدولة المركزية.

هل تفكيك سورية هدف روسي او هدف روسي- ايراني؟ مثل هذا السؤال مشروع في ضوء اصرار موسكو وطهران على اطالة عمر النظام السوري مع ما ينطوي عليه ذلك من اخطار مرتبطة بتقوية التيارات الدينية المتطرفة التي لا هدف لها سوى اخذ المجتمع السوري وسورية الى مكان آخر لا علاقة له لا بالمؤسسات الديموقراطية ولا بحقوق الانسان... أو بما هو حضاري في هذا العالم.

=================

الحروب التي تلوح في أفق 2013

الوطن السعودية

ميشيل ستاينبرج   

2012-12-22 1:32 AM

إعادة انتشار قوات الناتو بحد ذاتها لا تسبب الكثير من القلق. لكن الولايات المتحدة تتحرك في نفس الوقت لوضع خطط عدائية لبناء دروع صاروخية واسعة في أوراسيا، بدءا من الشرق الأوسط والشرق الأقصى للمحيط الهادئ

بعض الأصدقاء المقربين من صفوف كبار ضباط الجيش الأميركي يعتقدون أن منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) فوتت فرصة العمر عندما انهار الاتحاد السوفييتي. كان الناتو يمتلك الفرصة لإعلان الانتصار التام في الحرب الباردة التي دامت 45 سنة – دون أن يضطر لإطلاق رصاصة واحدة. ربما كان يمكن إقامة عروض عسكرية في واشنطن، باريس، أو حتى برلين، احتفالا بالانتصار على الشيوعية. وبعد ذلك كان يمكن للناتو أن يحتفل بالانتصار وأن يعلن حل نفسه وعودة كل جندي إلى بيته.

الآن، بعد عشرين سنة من انهيار الاتحاد السوفييتي، تطور الناتو في الحقيقة إلى قوة شرطة عالمية. ومع أنه كان مفهوما أن أعضاء حلف الناتو الأوروبيين كان لديهم مخاوف مشروعة عندما اندلعت الحرب الإثنية في البلقان، بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، أصبح الناتو يتدخل الآن في مناطق من العالم لا تشبه منطقة الأطلسي ثقافيا أو دينيا أو سياسيا. النتيجة ستكون سيئة على الأرجح. ردا على طلب من تركيا، وهي عضو في الناتو، سيقوم الحلف بنشر بطاريات باتريوت متطورة في جنوب تركيا قرب الحدود السورية. أنظمة الباتريوت مصممة لإسقاط الصواريخ والطائرات القادمة. احتمالات أن تقوم حكومة الأسد في سورية بشن حرب تقليدية أو حرب كيماوية على تركيا قريبة من الصفر. سيكون شن حرب على الناتو بمثابة انتحار. هناك اعتقاد سائد بأن نشر صواريخ الباتريوت وطائرات الأواكس للاستطلاع في تركيا جزء من الاستعداد لعملية عسكرية هجومية ضد سورية و/أو إيران. بالإضافة إلى بطاريات الباتريوت وطائرات الأواكس، أعلن حلف الناتو أيضا خططا لإعادة نشر جميع قواته البرية الموجودة حاليا في إسبانيا وألمانيا، إلى تركيا أيضا. منظمة حلف الناتو تتوجه شرقا من المحيط الأطلسي وتتوجه إلى آسيا الصغرى ومناطق أخرى في الشرق.

ضباط كبار في الجيش الروسي قالوا في الأسبوع الماضي إن نشر الباتريوت والأواكس في تركيا هو استعداد للحرب ضد إيران في 2013.

أنا قلقة، مثل مجموعة كبيرة من كبار الضباط الأميركيين من أن خطر الحرب الحقيقية خلال الشهور والسنوات القادمة هو نشوب حرب أكبر بكثير، تشمل الولايات المتحدة وروسيا والصين، وجميع هذه الدول تمتلك ترسانات ضخمة من الأسلحة النووية الحرارية مع أجهزة توصيل مناسبة لها.

إعادة انتشار قوات الناتو بحد ذاتها لا تسبب الكثير من القلق. لكن الولايات المتحدة تتحرك في نفس الوقت لوضع خطط عدائية لبناء دروع صاروخية واسعة في أوراسيا، بدءا من الشرق الأوسط والشرق الأقصى للمحيط الهادئ، حيث التهديدات من كوريا الشمالية وإيران هي موضع التركيز الأول. في الأساس، من خلال اتفاقيات تمت مناقشتها في لشبونة، البرتغال منذ سنتين، فإن نظام الدفاع الصاورخي البالستي لأوراسيا كان يفترض أن يكون مشروعا مشتركا بين دول حلف الناتو وروسيا. عرضت روسيا تقديم منشآت رادار في أزربيجان من أجل جهود مشتركة للدفاع في حرب محتملة مع إيران في حال شنت ضربات صاروخية ضد جيرانها في منطقة الخليج.

قبل اتفاق لشبونة، كان لدى إدارة بوش- تشيني خططا أحادية لوضع أنظمة صواريخ دفاعية في أوروبا الشرقية، وهي حركة أغضبت كثيرا القيادة الروسية.

في بداية فترته الرئاسية الأولى، ألغى باراك أوباما تلك الخطط وطلب من واضعي الخطط الدفاعية الأميركيين إعادة وضع خطط جديدة. اتفاقيات لشبونة جاءت من تلك العملية من إعادة التفكير.

عندما سقطت الاتفاقية، لجأ الرئيس أوباما إلى نسخة معدلة من خطة بوش-تشيني بالذهاب إلى حل منفرد. روسيا ترى في ذلك انهيارا أساسيا لنظام الردع الذي جنب العالم حربا نووية خلال الحرب الباردة. الرئيس رونالد ريجان كان قد اقترح في 1983 بأن تعمل الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي معا لتطوير نظام دفاع صاروخي عالمي يجعل من الحرب النووية أمرا غير ممكن –أو على الأقل مكلفة بشكل أكثر مما يمكن تبريره. في ذلك الوقت، رفضت القيادة السوفييتية عرض ريجان لأسباب لا تزال محيرة.

الآن، يتحرك الناتو شرقا إلى مناطق جديدة على الحدود الروسية. الخلاف على نظام الدفاع ضد الصواريخ البالستية يجبر الروس على تسريع تحديث ترسانتهم من الأسلحة النووية، وعلى التهديد بضرب أنظمة الدفاع الصاروخية التابعة للناتو القريبة من حدود روسيا.

هناك بعض المصداقية للاتهامات الروسية بأن نشر صواريخ الباتريوت والأواكس في تركيا مؤشر على أن الناتو يستعد لحرب قريبة الأجل ضد إيران. بعد النجاح الأخير للقبة الحديدية الإسرائيلية خلال الهجوم على غزة، قد يكون نظام باتريوت قرب إيران رادعا ضد ضربات صاروخية انتقامية ضد إسرائيل في حال هجوم إسرائيلي أو إسرائيلي-أميركي على إيران.

ما هو الهدف من كل هذا؟ ما لم تتحسن العلاقات الأميركية-الروسية فإن الصراعات في الشرق الأدنى يمكن أن تخرج عن السيطرة وتتطور إلى أزمة أكبر بكثير، وربما إلى حرب أكبر بكثير. سلسلة "الحروب الصغيرة" التي اندلعت في البلقان بين 1890 و 1914 أشعلت في النهاية الحرب العالمية الأولى. دعونا نأمل أن السنة الجديدة ستخرجنا من هذه الصراعات وتجنبنا حربا لا يريد أي عاقل حتى أن يفكر بها.

=================

سوريا.. الآن المخرج الروسي!

طارق الحميد

الشرق الاوسط

22-12-2012

الواضح أننا وصلنا الآن إلى مرحلة إيجاد مخرج للروس في الأزمة السورية، وليس مخرجا لبشار الأسد من سوريا، فالتصريحات الروسية الأخيرة، ومنها تصريحات الرئيس الروسي نفسه، تقول إن موسكو بدأت عملية النزول من السلم السوري، كما قال لي أحد المطلعين على هذا الملف.

الروس يحاولون الآن الظهور بأنهم يقدمون ما بوسعهم، دبلوماسيا، لتقديم حلول في الأزمة السورية، بينما يظل الرافض لكل ذلك هو الأسد نفسه. وعليه، يكون بمقدور الروس حينها الإعلان عن تحول جذري في موقفهم تجاه الأزمة السورية، وهذا تقريبا رأي من تحدثت إليهم من المتابعين للملف السوري، وخصوصا العلاقة مع روسيا. فهناك إجماع بين من تحدثت معهم على أن هناك موقفا روسيا متطورا، خصوصا أن الأوضاع على الأرض باتت تسير بسرعة كبيرة ضد النظام الأسدي.

ومن ضمن التحركات الروسية حديث عن مقترح روسي لتشكيل مجموعة مكونة من الدول الإسلامية، ودول ذات علاقة بالملف السوري، لمباشرة تشكيل حكومة انتقالية في سوريا، مع تشديد روسي على أن موسكو لن تقبل باستضافة الأسد! كما أن موسكو تتواصل الآن مع الأميركيين، من خلال اجتماعات جنيف، وأيضا مع الأتراك، مع الدفع بضرورة إعطاء فرصة للممثل الأممي السيد الأخضر الإبراهيمي، الذي سيلتقي الأسد، رغم اقتناع موسكو بأن الأسد سيرفض كل الحلول. وبحسب من تحدثت معهم، فإن الهدف الروسي هو من أجل أن يتسنى لهم القول بأنهم قد فعلوا كل ما بوسعهم مع الأسد، ثم تقوم موسكو بتغيير موقفها علنا. ويقول لي مسؤول مطلع على الملف، وعلى تواصل مع الروس إن «الروس يريدون النزول من السلم بكل هدوء، لكن بعد أن يقولوا، ويظهروا فعليا، بأنهم قد استنفذوا كل ما بوسعهم لإقناع الأسد»، مضيفا: «يجب عدم إغفال أن لدى الروس حلفاء آخرين، ولا بد أن يكون التحول بالموقف الروسي مقنعا لهؤلاء الحلفاء، وليس تحولا وحسب».

وبالطبع فإن هناك أسئلة مستحقة ستواجه الروس، في الداخل والخارج، وهو لماذا أطالت روسيا في الوقوف مع الأسد؟ وما الثمن لذلك؟ ولماذا تتخلى عنه الآن؟ وما الثمن لذلك أيضا، أي ما هي معايير الربح والخسارة في هذا الأمر؟

ولذا، فمن الواضح اليوم أن الروس هم الذين في حاجة إلى مخرج من الورطة السورية، وليس البحث عن مخرج للأسد من سوريا، خصوصا أن طاغية دمشق بات أقرب من أي وقت مضى للسقوط، سواء بوساطة روسية، أو من خلال فتح روسيا الطريق لقرار بمجلس الأمن، أو من خلال الثوار السوريين على الأرض، والذين يحققون تقدما مذهلا على قوات طاغية دمشق.

محصلة القول إنه من الواضح، وكل المؤشرات تقول ذلك، أن الروس هم من بحاجة لمن يوجد لهم مخرجا، وليس الأسد، في الأزمة السورية، ونحن هنا لا نتكلم عن ثمن، بل عن مخرج يحفظ ماء الوجه لموسكو، ويبرر إعلان تغير الموقف الروسي في سوريا بشكل جذري. وعليه، فمن الذي سيقوم بتوفير هذا المخرج للروس، هل هم الأميركيون، أم العرب، وتحديدا الخليجيين، أو قل السعوديين؟

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ