ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 30/12/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

29-12-2012

سد الطريق على التطرف في سوريا

تاريخ النشر: السبت 29 ديسمبر 2012

الاتحاد

رغم الالتزام الأميركي بمساعدة المعارضة السورية والوقوف إلى جانبها ضد نظام الأسد، تبقى تلك التعهدات مجرد كلام أكثر منها فعل على أرض الواقع. فبدون تقديم دعم حقيقي للمعارضة والاكتفاء بخطابات الدعم والمساعدة، سيؤدي ذلك إلى تنامي قوة بعض الجماعات الهامشية والمتطرفة في الشمال السوري. وإذا ما استمر هذا الأمر لفترة أطول فإن تحذيرات وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، من اختطاف الثورة السورية على أيدي المتطرفين ستتحول إلى حقيقة. فخلال زيارة قمت بها مؤخراً إلى الشرق الأوسط استغرقت ثلاثة أسابيع، عاينت تطورات إيجابية، كما وقفت على مؤشرات مقلقة، وقد حرصت خلال الزيارة على تفقد الوضع السوري عن كثب، حيث عرجت على حلب، كبرى المدن السورية ومركزها الصناعي، وذلك لرؤية كيف يتأقلم السوريون مع الفوضى والعنف المنتشرين في البلاد، وبخاصة في حلب حيث يخضع 75 في المئة من المدينة للثوار. وفيما توقعت أن أجد سكاناً مدنيين لا قِبل لهم بتسيير شؤون المدينة المترامية الأطراف، وأن أعاين مظاهر الفوضى والعجز عن تحمل أعباء المدينة، وجدت في المقابل إدارة مدنية على درجة من التعقيد والتطور، فالمجلس الثوري الانتقالي في حلب يدير المدينة بحوالي 23 عضواً يتشكل أغلبهم من خبراء تخرجوا من الجامعات، ولاستعادة بعض الخدمات الأساسية إلى المدينة وتلبية احتياجات السكان في المناطق المحررة، شكل المجلس 12 لجنة تغطي كافة المتطلبات تقريباً، من فرض الأمن والقانون، إلى التعليم والإشراف على المخابز، وتنسيق أعمال الإغاثة وغيرها من الأمور، بل حتى الجانب الطبي تولى المجلس الثوري الإشراف عليه من خلال إدارة ثمانية مستشفيات تقدم العلاج للمصابين.

وقد انبهرت بمدى تنظيم وحرفية الأشخاص الذين التقيت بهم، وإصرارهم على استخدام عبارة «انتقالي»، في احترام واضح لما ستسفر عنه صناديق الاقتراع بعد سقوط النظام وانتهاء الفترة الانتقالية. أما على الجانب العسكري فقد تكتلت فصائل الثوار المختلفة قبل عدة أشهر في إطار المجلس العسكري الثوري الذي يدير العمليات العسكرية التابعة للجيش الحر في حلب تحت قيادة منضبطة للعقيد عبد الجبار العقيدي. لكن اللافت أن المجلس ورغم محاولات توحيد صفوفه لطمأنة العالم الخارجي والحصول على المساعدات، ما زلت موارده قليلة للغاية، وبسبب القواعد المعقدة المرتبطة بوصول الإمدادات إلى سوريا، فإنهم يحصلون على كميات محدودة من الذخيرة يتوصلون بها على فترات متباعدة بالكاد تكفي لمواجهة قوات النظام.

وفيما تشكل فصائل الجيش السوري الحر 80 في المئة من الثوار الذين رفعوا السلاح ضد النظام، يتوزع الباقي على بعض الجهات المتطرفة، وإلى جانبها عصابات سعت للاستفادة من حالة الفوضى السائدة في البلاد. والمشكلة أن الجهود المدنية المبذولة في حلب لإدارة شؤون المدينة وتوفير الرعاية الصحية وباقي الخدمات، ثم إجبار الفئات المتطرفة من المعارضة على اتباع الخط العام، تواجه العديد من الصعوبات بسبب شح الموارد، لذا ورغم محاولات اللواء أديب الشلاف المنشق عن جيش النظام في تشكيل قوة شرطة مدنية لفرض الأمن في حلب، يبدو أنه يعاني مشاكل كبرى في إطعام جنوده، فما بالك بتوفير الزي والراتب، حيث أطلعني أنه غير متأكد من قدرته على الاستمرار في محاولاته، بل الأكثر من ذلك بدأت بعض كتائب الجيش السوري الحر، مثل كتيبة حلب الشهباء تفكر في حل نفسها لعدم توافر المال والسلاح.

وفي هذا السياق أخبرني قائد الكتيبة أن «جبهة النصرة» اتصلت برجاله لإقناعهم بالانضمام إليها، لاسيما وأن هذه الأخيرة تحظى بتمويل سخي ولديها تنظيم تسعى إلى توسيعه بتجنيد عدد أكبر من الثوار في صفوفها، ويكمن تفوقهم الوحيد على باقي الفصائل في قدرتهم على مد مجنديهم بما يعجز عنه الآخرون، وهو الرواتب والسلاح.

ومع أن الولايات المتحدة أدرجت الجبهة على لائحة المنظمات الإرهابية، فإنه غابت عن إدراكها حقيقة أن معظم من التحقوا بهذا التنظيم المتطرف إنما انخرطوا فيه لتوفيره السلاح والمال. ولعل ما يثبت ذلك لقائي بمجموعة منهم في نقطة تفتيش أثناء مروري بشمال سوريا، حيث استوقفنا مجموعة من الشباب الملتحي، ولدى سؤالهم عن سبب انضمامهم إلى «جبهة النصرة» أجابوا بأنهم يريدون السلاح لحماية أسرهم، بل إن أحد الرجال أبدى تعاطفه مع الطائفة العلوية، قائلا إنه لا يكن أي عداوة تجاههم وأن معركته مع نظام الأسد!

وإذا كانت الولايات المتحدة جادة فعلا في قطع الطريق على التنظيمات المتشددة ومنع تجذرها في أوساط الثوار، فلا مناص من تقديم المساعدات الفعلية، ولا يوجد توقيت أفضل لذلك من فصل الشتاء الحالي الذي يعاني فيه السوريون من أوضاع إنسانية ومعيشية صعبة، فمن شأن الدعم الميداني والحقيقي أن يساعد السكان على إدارة شؤونهم في المرحلة الانتقالية وترجيح احتمالات تحول سوريا بعد الأسد نحو الديمقراطية.

--------

محمد علاء غانم

قيادي في «المجلس السوري الأميركي» -واشنطن

--------

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

=================

روسيا والصين... وسوريا

تاريخ النشر: السبت 29 ديسمبر 2012

د. عبدالله خليفة الشايجي

الاتحاد

منذ أن انطلقت شرارة الثورة السورية عام 2011 ونظام دمشق يشن حرباً ضروساً شاملة على مواطنيه، وليس معلوماً كم من الضحايا المدنيين قتلوا. أما روسيا والصين فتصران على أن الصراع الدائر مسألة داخلية، على السوريين حلها فيما بينهم. وأنه يتوجب على الأطراف الخارجية، بما فيها الأمم المتحدة والجامعة العربية، احترام سيادة سوريا وشرعيتها، وأن لا يطالبوا رئيسها بالتنحي كشرط لحل الخلاف، وأن على الأمم المتحدة أن لا تعاقب النظام الحاكم استناداً إلى مقولة أن المعارضة تستخدم العنف أيضاً ضد قوات النظام. لذلك فقد استخدمت روسيا والصين«الفيتو» ضد قرارات مجلس الأمن الدولي الهادفة إلى الضغط على النظام السوري، في أكتوبر 2011 ومارس 2012 ويوليو 2012.

موقف كل من روسيا والصين تحكمه اعتبارات خاصة وعامة تتصل بمصالح الدولتين، ويعكس استخدام «الفيتو» المتكرر تمسكهما بمقولة السيادة في القانون الدولي، وبالتالي موقفهما المتغاضي عن أن للمدنيين حقوقاً يجب على النظام تأديتها قبل أن يتمسك بمبدأ الحصانة ضد التدخل الخارجي. وبشكل أكثر دقة فإن روسيا هي مصدر للدعم الاقتصادي والعسكري والمعنوي للنظام السوري لعدة عقود، وتربطها بنخبته الحاكمة علاقات متينة جداً. ويبدو أن روسيا والصين توصلتا إلى أن دول الغرب وحلفاءه يهتمون بإسقاط النظام السوري وليس بإقامة حوار بين الأطراف المتحاربة لإيجاد تسوية، وتنطلقان في مواقفهما من هذه الفرضية. وفي نظرهما أن ذلك الهدف قاد الأطراف التي تتبناه إلى دعم المعارضة دون التحقق من هوية الذين يقودون الثورة، خاصة على المستوى الأيديولوجي، ولا من خططهم المستقبلية للشكل السياسي الذي ستكون عليه سوريا. وتحذر روسيا والصين من أن النتيجة ستكون قتالاً ضارياً بين أطراف المعارضة في صراع دام للوصول إلى السلطة، والتي قد يصل إليها الإسلاميون في نهاية المطاف، ممثلين في «الإخوان المسلمين». وقبل أن يتحقق ذلك ستسفك أنهار من الدماء. ويتخوف الروس والصينيون على مصالحهم الحيوية، فدول المنطقة الداعمة للمعارضة حليفة للولايات المتحدة، وخير وسيلة لحماية تلك المصالح هي الإصرار على بقاء عناصر من النظام الحالي للإسهام في التخطيط للأوضاع السياسية القادمة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن شخص الرئيس بشار ليس مهماً، لأن وضعه كرئيس للجمهورية مهزوز جداً نتيجة للدماء الغزيرة التي سالت بسببه حتى الآن.

إن الاعتبارات السابقة أهم مما يعتقده البعض حول أن أهمية سوريا للروس والصينيين تأتي من كونها سوقاً للأسلحة الروسية، ومن أهمية ميناء طرطوس كقاعدة حربية لروسيا. والحقيقة أن سوريا ذات أهمية ليست كبيرة جداً كزبون تجاري لروسيا والصين مقارنة بدول كالهند وفيتنام والجزائر التي تشكل أسواقاً ضخمة للأسلحة والبضائع التجارية. أما ميناء طرطوس فلا يعدو أن يكون رمزاً لرفع العلم الروسي على شواطئ البحر المتوسط، بالإضافة إلى مساعدة البحرية الروسية على التموين وجمع المعلومات، والقول بغير ذلك عن أهميته العسكرية أمر مبالغ فيه. أما بالنسبة للصين فأهمية سوريا تجارياً واقتصادياً وعسكرياً متوسطة المستوى، فليس للصين قواعد بحرية أو غيرها في سوريا، وحجم التبادل التجاري بينهما متوسط. لذلك فإن فهم الموقف الصيني من المسألة السورية من وجهة نظر التحليل السياسي الاقتصادي ليس واضحاً أو مبرراً إذا ما أخذنا باعتبارات المعاناة التي يواجهها الشعب السوري على المستوى الإنساني، والذي يبدو أن السياسة الصينية تتجاهله في توجهاتها إلى العالم الخارجي.

=================

المبعوث الأممي والعربي رجع خالي الوفاض

زيارة الإبراهيمي... لا تطفئ الحريق السوري

تاريخ النشر: السبت 29 ديسمبر 2012

نيد باركر ولافا سيلو

بيروت

أنهى المبعوث الأممي والعربي الأخضر الإبراهيمي، يوم الاثنين الماضي، زيارته لسوريا التي استغرقت يومين، وقد التقى أثناءها مع بشار الأسد، من دون أن يذكر شيئاً عن تحقيق تقدم في الموقف المتفجر وبالغ التعقيد في ذلك البلد، المستمر منذ قرابة عامين.

وقال الإبراهيمي في تصريح له عقب انتهاء الزيارة «إن الموقف في سوريا ما زال مثيراً للقلق، وأتمنى أن تتبنى كافة أطراف الأزمة حلاً يفي بتطلعات وآمال الشعب السوري».

ويعتبر الإبراهيمي وزير الخارجية الجزائري الأسبق دبلوماسياً محنكاً معروفاً بقدرته على التصدي للمشكلات المعقدة والمساعدة بفعالية على إيجاد حلول لها، وقد اشتهر بالمهام التي قام بها في كل من أفغانستان والعراق، وقد بذل خلالها جهداً كبيراً من أجل معالجة المشكلات المعقدة في ذينك البلدين، بيد أنه لم يحقق -مع ذلك- تقدماً يذكر في الأزمة السورية، حتى الآن.

يشار في هذا السياق إلى أن قد سبقه في هذه المهمة الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان، الغاني الجنسية، وقد استقال في شهر أغسطس الماضي من المهمة التي كلف بها من الأمم المتحدة والجامعة العربية بسبب عدم قدرته على تحقيق نجاح من أي نوع في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الحكومة السورية وقوات المعارضة، وذلك على رغم التفاؤل الكبير الذي أحيط باختياره لهذه المهمة في البداية نظراً لما يتمتع به من خبرة دبلوماسية كبيرة، استمدها من شغله لمنصب الأمين العام للمنظمة الأممية لدورتين متتاليتين.

وقد كذب الإبراهيمي الإشاعات التي انتشرت حول كون الأسد قد أُجبر على الالتقاء معه من قبل حلفائه الروس، بعد أن هدد هو -الإبراهيمي- بالاستقالة من مهمته بسبب جمود الموقف وعدم تحقيق أي تقدم، على رغم الجهود الحثيثة التي يبذلها.

وقال الإبراهيمي للصحفيين رداً على تلك الإشاعات: «أود أن أقول إنه ليست هناك كلمة واحدة صحيحة من كل ما قيل حول هذا الموضوع».

وفي تقرير لها عن الزيارة قالت وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا» إن الأسد كان سعيداً بزيارة الإبراهيمي لسوريا، وإنه قد عبر عن رغبته الصادقة «في تأمين نجاح أي جهد يبذل من أجل تحقيق مصلحة الشعب السوري، ويحافظ على استقلال البلاد وسيادتها».

وفي إشارة على مدى حرج الموقف الأمني في سوريا وحساسيته، وصل الإبراهيمي إلى العاصمة السورية دمشق بالطريق البري قادماً من لبنان بدلا من القدوم عبر مطار دمشق الدولي كما هي العادة، وهو ما يرجع لخطورة الموقف حول المطار نتيجة لاحتدام المعارك في مناطق شديدة القرب منه خلال الأيام الأخيرة.

وقد تم اللقاء بين الإبراهيمي والأسد في نفس الوقت الذي تبادلت فيه الحكومة السورية والمعارضة اللوم بشأن الهجوم الذي وقع على مخبز في قرية «حلفاية» الواقعة في ريف مدينة حماة، والذي تفيد الأنباء أنه قد أدى إلى قتل العشرات وإصابة عشرات آخرين بعضهم إصاباتهم خطيرة مما قد يؤدي إلى ارتفاع الحصيلة النهائية لأعداد القتلى.

فمن جانبها ادعت مصادر المعارضة أن طائرات «الميج» الحربية النفاثة التابعة لطيران النظام قد أسقطت قنبلة على بلدة «حلفاية» مما أدى إلى مصرع 90 شخصاً من المدنيين.

وأظهر شريط مصور عرضته المعارضة عشرات الجثث الملقاة على الأرض وسط حالة من الهلع والاضطراب الشديدين لسكان البلدة الذين كانوا يبحثون عن أقاربهم بين الأنقاض. وقد أنكرت الحكومة السورية رواية المعارضة، وأصرت على أن الحادث قد وقع بسبب هجوم شنه الإرهابيون على البلدة. وكان من المستحيل على ضوء هذه الروايات المتضاربة تأكيد رواية أي من الطرفين هي الصحيحة.

وقال التلفزيون الرسمي السوري في تقرير عن الحادث، ألقى فيه باللوم في وقوعه على قوات المعارضة: «لقد قتل عدد كبير من النساء والأطفال في ذلك الحادث وقام الإرهابيون بتصويره كي يلقوا بمسؤولية مصرعهم على الجيش العربي السوري أثناء زيارة المبعوث الأممي والعربي الأخضر الإبراهيمي إلى سوريا».

وانتقدت مصادر المعارضة الإبراهيمي لعدم ذكره أي شيء عن مذبحة «حلفاية» في التصريحات التي أدلى بها للصحفيين. وحول هذه النقطة قالت ناشطة من ناشطات المعارضة تدعى «سوسن أحمد» عبر موقع «سكاي بي»: «من الواضح لكل ذي عينين أن الأخضر الإبراهيمي يحاول حماية الأسد». وفي تطور ذي صلة ادعى متحدث باسم المرصد السوري لحقوق الإنسان أن ستة من مقاتلي المعارضة قد قتلوا في مدينة حمص بسبب ما وصفه بـ«غاز سام». ووصف المتحدث ذلك الغاز بأنه عبارة عن مادة بيضاء عديمة الرائحة سرعان ما تتبدد في الجو، وطالب اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي بعلاج المصابين للتحقيق من صحة ادعاءات المرصد.

وكان من المستحيل بالطبع التحقق من صحة البلاغ المقدم بهذا الشأن من قبل المرصد، الذي أذاع بغرض تأكيد روايته شريطاً مصوراً يظهر فيه طبيب يقول إن الأعراض التي يعاني منها المصابون بالغاز تتمثل في ضيق التنفس وضيق الحدقتين. واتهم زميل له كان تقف بجانبه قوات الأمن السورية بأنها كانت تجرب تأثير الغاز على الضحايا.

بشار في هذا السياق إلى أن الحكومة السورية لم تعترف علناً بامتلاكها لأسلحة كيمياوية وقالت مراراً إنها لن تقدم على استخدامها -إن وجدت في الأصل- ضد شعبها.

وكان المسؤولون الأميركيون قد صرحوا هذا الشهر بأنهم قد تلقوا معلومات استخبارية تشير إلى أن القوات السورية تجري استعدادات لاستخدام محتمل للأسلحة الكيمياوية.

وفي هذا السياق حذر أوباما سوريا من أن استخدام مثل هذه الأسلحة «لن يكون مقبولاً على الإطلاق».

يشار أيضاً إلى أن المرصد السوري لحقوق الإنسان قد أعلن أن المقاتلين الإسلاميين قد اجتاحوا مساحات كبيرة من بلدة «معان» الواقعة في محافظة حماة، والتي تسكنها غالبية علوية موالية لنظام الأسد الذي تنتمي عائلته إلى نفس المذهب.

وقد ضمت القوات التي هاجمت تلك البلدة مقاتلين من«جبهة النصرة» وهي منظمة وضعتها الولايات المتحدة على لائحة المنظمات الإرهابية، بسبب ارتباطها بتنظيم «القاعدة».

وكانت لجنة تابعة للأمم المتحدة قد حذرت الأسبوع الماضي من أن الانتفاضة السورية قد تدهورت إلى صراع طائفي بين نظام الأسد الذي يهيمن عليه العلويون، والسنة الذين يشكلون غالبية سكان البلاد.

وهناك العديد من الدلائل التي تشير إلى أن الإبراهيمي لديه خطة تقوم على تشكيل حكومة انتقالية في سوريا حتى الانتخابات القادمة عام 2014 والتي تنتهي عندها ولاية الأسد. بيد أن الإبراهيمي كان حريصاً على إحاطة التفاصيل المتعلقة بهذه الخطة بالكتمان الشديد وعلى وجه الخصوص الجزء المتعلق بدور الأسد خلال تلك المرحلة الانتقالية.

وهكذا يمكن القول إنه على رغم أن زيارة الإبراهيمي الأخيرة لم تحقق تقدماً في الموقف وهو ما يمكن استشفافه من تصريحاته شخصياً، وأنها كذلك لم تقدم إجابة شافية لمن كانوا يرومون رؤية انفراجة في الأوضاع في سوريا، إلا أن ما يمكن استنتاجه من الزيارة بشكل عام هو أن الأزمة في ذلك البلد ما زالت على رأس الاهتمام الإقليمي والدولي.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة

«إم. سي. تي إنترناشيونال».

=================

الإبراهيمي إلى موسكو لعل بوتين يشارك في إيجاد الحل

سليم نصار *

السبت ٢٩ ديسمبر ٢٠١٢

الحياة

نشرت لجنة تابعة للأمم المتحدة هذا الأسبوع، تقريراً أجراه محققون حول الوضع في سورية، جاء فيه أن النزاع في هذا البلد أصبح طائفياً بشكل واضح. وذكر التقرير أن التوتر يُظهر، بما لا يقبل الشك، أن القتال قد انحرف عن خطه السابق بحيث تحول إلى خطر على الوجود بين الطوائف المتناحرة.

وفي هذا السياق، خلص أحدث تقرير لمحققين تابعين للأمم المتحدة، إلى أن النزاع في سورية بدأ يأخذ طابعاً طائفياً متزايداً. واتهم القوات الحكومية والميليشيات التابعة لها باستهداف المدنيين السنّة، فيما اتهم القوات المعارضة للنظام باستهداف العلويين والأقليات الموالية للحكم.

وتشير تلك التقارير إلى الهجرة الصامتة التي بدأت في أوساط المسيحيين السوريين الذين يتخوفون من هجمات ضدهم، كتلك التي نفذتها «القاعدة» ضد مسيحيي العراق خلال السنوات الأخيرة.

وكانت شخصيات من أمثال المبعوث الأممي-العربي الأخضر الإبراهيمي، وأمين عام الجامعة العربية نبيل العربي، وأمين عام المؤتمر الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو... قد حذرت من أن سورية بدأت تنزلق إلى حرب أهلية بين الطوائف، لذلك دعت إلى الحوار بين الدولة والمعارضة من أجل إيجاد حل وطني.

وهذا ما طالب بتنفيذه نائب الرئيس السوري فاروق الشرع، الذي أكد في حديث لصحيفة «الأخبار» اللبنانية، أن أياً من نظام بشار الأسد أو معارضيه غير قادر على حسم الأمور عسكرياً في النزاع المستمر منذ 21 شهراً. ودعا الشرع -الذي اقترحته تركيا لتولي مسؤولية المرحلة الانتقالية- الى وقف كل أشكال العنف وتأليف حكومة وطنية تكون مسلحة بصلاحيات واسعة. ووصف مهمة تلك الحكومة بالانفتاح على كل المبادرات التي من شأنها إنهاء الأزمة بالحوار والطرق السياسية السلمية.

وهذا ما طالب بتحقيقه بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي، داعياً الى نبذ العنف واللجوء إلى الحوار. وقال البطريرك في مؤتمره الصحافي الأول الذي عقده في دمشق: «نحن نؤمن بأن وجه المسيح لن يغيب عن المنطقة التي انطلقت منها المسيحية. لقد كنا موجودين في هذه البلاد... وسنبقى فيها -مسيحيين ومسلمين- نواجه الصعوبات معاً، ونعمل على تجاوزها بالحوار المثمر».

ويشكل الأرثوذكس غاليبة المسيحيين في سورية، البالغ عددهم زهاء مليون و800 ألف نسمة. وقد تعرضت هذه الطائفة لسلسلة أحداث دموية كان أبرزها اغتيال الأب فادي حداد، كاهن كنيسة مار الياس في قطنا.

ووفق بيانات «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، فإن الأب حداد كان يقوم بمهمة إنسانية لتحرير مخطوفين، عندما خطفه مسلحون وذبحوه من الوريد إلى الوريد، ورموا جثته في بلدة «دروشة» القريبة من دمشق.

بيان الإستنكار الذي أصدرته الطوائف المسيحية تحاشى لهجة الانتقام والاقتتال الطائفي، وشدد على إدانة الحادثة باعتبارها عملاً همجياً يمسّ كل مواطن سوري. وأشار البيان إلى أيدٍ أجنبية دخيلة تقف وراء حدث يمكن توظيفه طائفياً لتأجيج النزاع وزيادة حدته. والهدف - كما لمّحت التصريحات- يقود إلى تخويف المسيحيين وإرهابهم بحيث يغادرون البلاد إلى غير رجعة.

والثابت تاريخياً أن مسيحيي سورية لعبوا أدواراً سياسية وثقافية واقتصادية يصعب إنكارها أو تجاهلها، ففي مرحلة الانتداب الفرنسي مثلاً، شارك المسيحيون في حركات النضال التي أدت إلى طرد الغزاة واستعادة الاستقلال والسيادة. ومن أبرز شخصيات تلك المرحلة فارس الخوري (وهو من بلدة الكفير في جنوب لبنان) الذي اختير أول رئيس وزراء لحكومة الاستقلال. وكذلك ميشال عفلق، أحد مؤسسي حزب البعث العربي الاشتراكي.

ويقول المؤرخون إن عدد المسيحيين في سورية قد ازداد عقب المجازر التي ارتكبت ضد الأرمن الذين لجأوا إلى حلب وجوارها بحثاً عن الأمن والحماية. وفي مرحلة لاحقة هرب عدد كبير من الأشوريين إلى سورية (منطقة الجزيرة) بعدما اضطهدهم العراقيون وقاموا بإبعادهم.

أما اليوم، فإن «الربيع العربي» في سورية بدأ في 15 آذار (مارس) 2011 بإضرابات سلمية غير مسلحة، بهدف تأمين عيش كريم والتخلص من تسلط نظام الحزب الواحد مدة تزيد على نصف قرن، ولكنه انتهى بعد 21 شهراً إلى خلافات طائفية -بل مذهبية وعنصرية- قد تؤثر على نسيجه الوطني وتفكك عناصر لحمته.

وفي هذا الشأن، يقول تقرير الأمم المتحدة: «إن النزاع يؤثر على كل الأقليات في سورية، بمن فيها المسيحيون والأكراد والتركمان. ومثل هذا التطور المفاجئ دفع هذه الأقليات إلى حمل السلاح للدفاع عن نفسها. كما أجبر بعضها على الانحياز إلى أي من الطرفين المتحاربين».

ومن المؤكد أن عمليات القصف الجوي لمخيم اليرموك قد زادت من حدة الشرخ الوطني، خصوصاً بعد نزوح عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين إلى لبنان، هرباً من الغارات المتواصلة التي استهدفتهم على مرحلتين. وفسرت دمشق تلك الغارات بأنها نوع من التأديب لجماعة «فتح» و «حماس» ومختلف الحركات المؤيدة لمحمود عباس وخالد مشعل. وقالت إن التظاهرات التي خرجت من المخيم لا تدل على الوفاء لدولة احتضنتهم وعاملتهم معاملة المواطنين.

ولكن معارضي النظام السوري في لبنان لم يقبلوا هذا التبرير، وقالوا إن دولة الأسد تسعى إلى تحميل لبنان كل المتاعب المتأتية عن مسؤولية مخيمات اللاجئين. والدليل أن وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد رفض استقبال ياسر عرفات ومجموعته المقاتلة الهاربة من الأردن سنة 1970، وأوصى بضرورة فتح طريق المصنع كي يسهل الدخول منها إلى لبنان. وبعد مرور أقل من سنتين، انفجر الوضع بين حزب الكتائب ومنظمة التحرير، كما انفجر الوضع أيضاً بين زهير محسن و «صاعقته» المنتمية إلى دمشق وبين القوى المؤيدة لعرفات. وبسبب تلك التناقضات السياسية، اشتعلت حرب 1975 في لبنان، الأمر الذي سهَّل دخول القوات السورية وبقاءها مدة ثلاثين سنة تقريباً.

وفي ضوء تلك الخطة التي دشنها حافظ الأسد سنة 1970، تظهر عمليات تفريغ مخيم اليرموك من سكانه الفلسطينيين، وإجبارهم على النزوح الى لبنان، كأنها تتمة لمشروع تفجير الوضع اللبناني برمته. ومن المتوقع أن يكون فتيل التفجير مبرمجاً عقب انهيار النظام السوري وازدياد الأعداد الهاربة من مخيم اليرموك، بحيث يشعر الشيعة في لبنان أن الميزان الديموغرافي لم يعد يعمل لصالحهم.

يوم السابع عشر من هذا الشهر، عقد في السراي الحكومية في بيروت اجتماع ثانٍ برئاسة نجيب ميقاتي رئيس الحكومة، حضره ممثلون عن الدول والهيئات المانحة. كانت الغاية من ذلك الاجتماع وضع خطة، بالتعاون مع الأمم المتحدة، تقضي بمشاركة المنظمات الإنسانية والهيئة العليا للإغاثة. لكن استغاثة الحكومة اللبنانية لم توقف موجات اللجوء من مخيم اليرموك. والدليل أن أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، حذر من تحويل سورية إلى ساحة قتال إقليمية، مثلما كانت إسبانيا آخر الثلاثينات. وقال أيضاً إنه يشعر بقلق عميق من العسكرة المتواصلة للنزاع والانتهاكات المقيتة لحقوق الإنسان، وخطر تحول سورية إلى ساحة اقتتال إقليمية. ودعا الأسرة الدولية إلى دعم جهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة والجامعة العربية الأخضر الإبراهيمي. ولكن تركيا لم تقبل بهذا الاقتراح. وأعلن وزير خارجيتها داود اوغلو: «إن الحل العملي يبدأ بعملية انتقال السلطة وفقاً للمطالب المشروعة للشعب السوري. ولكي يحصل هذا الأمر، يجب على الأسد وعشيرته (يعني العلويين) ترك السلطة في المقام الأول، وتمهيد الطريق للتوصل الى حل سياسي. ذلك أنه لم يعد ممكناً للأسد أن يشارك في أي حل سياسي. وقد أعلنت المعارضة الممثلة بالائتلاف الوطني السوري أنها لن تتفاوض مع النظام».

وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف اتهم نظيره التركي والإدارة الأميركية بتجاهل مقررات مؤتمر جنيف، وما تضمنته من حرص روسيا والصين على احترام كرامة الرئيس بشار الأسد والمحافظة على سلامة عائلته. كذلك ذكر البند الأول من وثيقة جنيف، اهتمام موسكو وبكين بضرورة مشاركة الأسد في عملية التغيير، على ضوء ما تحدده الانتخابات العامة التي تجري بإشراف مراقبين من مختلف الدول العربية والأجنبية.

استناداً إلى تجربته السابقة خلال الحرب اللبنانية، يحاول الأخضر الإبراهيمي ألا يحرق أصابعه بنيران التسوية الدولية التي ضمنت له في «الطائف» نجاحاً باهراً. ومن المؤكد أنه عرض على الرئيس بشار الأسد حلاًّ تطالب به المعارضة، يبدأ بتنحيه عن الحكم. ومن المؤكد أيضاً أن الأسد كرر أمامه ما قاله لقناة «روسيا اليوم»: «أنا لست دمية، ولم يصنعني الغرب كي أذهب الى الغرب أو أي بلد آخر. أنا سوري. أنا من صنع سورية. وسأعيش وأموت في سورية».

وفهم الإبراهيمي عبر هذا الكلام، أن تسوية المرحلة الانتقالية لا تتم من دون موافقة الأسد، كما أنها في الوقت ذاته لا تتم من دون موافقة جبهة المعارضة ومَنْ يدعمها من قوى خارجية وعربية، ولهذا قرر الانتقال إلى موسكو لعله يُقنع فلاديمير بوتين بالتدخل العاجل في مسألة يصعب تأجيلها الى حين حلحلة الأمور مع الولايات المتحدة. خصوصاً أن بوتين كان قد حذر من مخاطر المماطلة عندما قال: «نحن مع التوصل إلى حل للمشكلة ينقذ المنطقة والبلاد من التفكك أولاً... ومن حرب أهلية لا تنتهي ثانياً. موقفنا ليس الاحتفاظ بالأسد ونظامه في السلطة بأي ثمن».

وبناء على هذا الموقف، ينتقل الإبراهيمي إلى موسكو لعل الرئيس الروسي يتدخل لرسم خطوط التسوية... قبل أن يتدخل نظيره الأميركي لرسم خطوط الحل على طريقة كلينتون، الذي حسم بتدخله مصير حرب البلقان!

 

=================

«أطلسة» الشرق الأوسط

مصطفى زين

السبت ٢٩ ديسمبر ٢٠١٢

الحياة

لم يتردد الحلف الأطلسي كثيراً في تلبية طلب تركيا نشر صواريخ «باتريوت» على حدودها مع سورية. استجاب الطلب بعد أسابيع قليلة من المفاوضات، وبعد موافقة إسرائيل، وتلبية أنقرة كل الشروط. وهذا أمر طبيعي فالحلف ليس جمعية خيرية، وهو يدرس كل خطوة يخطوها كي تتلاءم مع استراتيجيته، سواء كان ذلك في الشرق الأوسط أو في أوروبا أو غيرها.

وإذا اخذنا في الإعتبار استراتيجيته بعد عامين على «الربيع العربي» والحروب المتنقلة التي تدمر سورية دولة ومجتمعاً، نستطيع تصور شروطه التي لبتها تركيا، باعتبارها جزءاً منه ومن هذه الإستراتيجية.

كي لا نغرق كثيراً في التحليل، يكفي أن نلاحظ حرص الحلف على احتواء «الربيع» من تونس إلى مصر وخوضه الحرب في ليبيا واحتضانه «المعتدلين» رافضي أي حوار مع النظام في سورية واعترافه بالإئتلاف الوطني ممثلاً شرعياً للشعب السوري، ودعمه المسلحين، تمهيداً لنقل سورية من موقع إلى موقع، خصوصاً أن الإئتلاف وقبله «المجلس الوطني»، أبدى تجاوباً كبيراً مع السياسة لساعية إلى إبعاد دمشق عن طهران، بذرائع شتى. وليس أفضل من تركيا للعب دور القابلة القانونية لـ»الربيع» و»أطلسته» فهي على علاقة جيدة مع أصحابه الإسلاميين، وتشكل مرجعيتهم ومثالهم الأعلى أو مرشدهم، خصوصاً «إخوانهم»، فضلاً عن انها لم تخف عداءها للنظام السوري منذ بداية الأحداث، ولم تبخل على معارضيه، مسلحين أو غير مسلحين، بالدعم المادي والمعنوي، وباحتضانهم وتقديمهم إلى الغرب باعتبارهم حلفاء موثوقاً بهم بضمانتها.

نشرت صحيفة «راديكال» التركية أن إسرائيل رفعت الفيتو عن نشر «باتريوت» في تركيا بعدما تلقت ضمانات منها أن الإسلاميين أصحاب «الربيع العربي» سيتابعون سياسة أسلافهم، خصوصاً في مصر، وقد أثبتوا ذلك عملياً بتمسكهم باتفاقات كامب ديفيد، وبدعمهم حركة «حماس» لمغادرة سورية والإنتقال إلى العمل السياسي، ولعبهم دور الوسيط خلال الهجوم الأخير على غزة.

فضلاً عن كل ذلك، تعرف تركيا جيداً أن سورية لن تهاجمها لأسباب كثيرة، أهمها أنها غارقة الآن في دماء أبنائها، وجيشها يخوض حروباً داخلية على امتداد جغرافيتها. وطلبها نشر «باتريوت» على حدودها استعداداً لما بعد انتهاء الأحداث السورية واحتمال إقدام إسرائيل على ضرب إيران واشتعال حرب في المنطقة، بعد تحييد دمشق. وتحسباً أيضاً لحرب قد يشعلها الصراع على النفوذ في العراق. وها هي بوادر هذا الصراع قد بدأت. واتخذت أنقرة موقفاً مسانداً لمعارضي الحكومة المركزية المتهمة بأنها تلعب صلة الوصل بين طهران ودمشق، على مستوى المساعدات ونقل السلاح وفتح الأسواق أمام المنتجات السورية.

«باتريوت» تركيا لردع إيران وحماية مراحل «أطلسة» الشرق الأوسط.

=================

الثورة السورية بين الغاية والوسائل

أكرم البني *

السبت ٢٩ ديسمبر ٢٠١٢

الحياة

للاطمئنان إلى مسار الثورة السورية، لم تعد تكفي الثقة بزخم شعاراتها وصور الاستبسال المذهل لشعب ينتفض من أجل حقوقه ضد نظام لا يتوانى عن استخدام اشنع وسائل القهر وأكثرها ضراوة للحفاظ على موقعه. فثمة عامل دخل بقوة على الخط فرضته التحولات التي تشهدها التوازنات على الأرض، يتعلق بما رشح من مسلكيات وقيم أخلاقية للثوار، بمعنى صدقية التزامهم بمعايير وضوابط في الأساليب والوسائل لتحقيق الغاية المرجوة، التي تتكثف بتغيير نظام استبدادي وبناء مجتمع مدني وحر وتعددي.

ومناسبة الحديث دفاع أعمى ومفاجئ لكثير من المعارضين عن جبهة النصرة بعد أن أُدرجت أميركياً في قائمة الارهاب، وقبله إنكار حصول بعض ردود الأفعال الطائفية الانتقامية، أو التقليل من أهمية ما أوردته تقارير حقوقية عن انتهاكات قامت بها بعض الجماعات المسلحة وتجاوزات تمت في أماكن خاضعة لسيطرة المعارضة.

وهنا لا يفيد التأكيد بأن المسؤولية الأساس تقع على عاتق السلطة، مثلما لا يصح تبرير بعض التحالفات المؤذية بذريعة أولوية اسقاط النظام، وكرد على استجراره كل أنواع الدعم من حلفائه، وأيضاً لا يصح القول إن التوقيت غير مناسب لنقد أخلاق الثورة، لأنها ليست فاعلاً موحداً بل عنوان عريض لتحركات شعبية واسعة تجاهد لإنتاج البديل الديموقراطي، ولا يعيبها ان تشهد اندفاعات خاطئة وممارسات لا تمت بصلة لشعارات الحرية والكرامة التي رفعتها. لكن ما يعيبها أن لا تلاحق هذه الأخطاء وتحدد هوية مرتكبيها وإدانتهم ومحاسبتهم، كي لا تتفاقم وتلحق أفدح الأضرار بمسارها ومستقبلها، فليس أكثر من الوقوف عند المثالب وتحديد أسبابها والعمل على إزالتها، ما يدفع القوى الأصيلة في الثورة إلى الأمام ويحفزها على تطوير أدائها.

لا يمكن ثورة نهضت لمقاومة الاستبداد والتمييز أن تأخذ معناها الحقيقي إن لم تبق أمينة للشعارات التي اطلقتها، وإن لم تبادر اليوم قبل الغد لضبط التجاوزات التي يهدد تراكمها بانزلاق المجتمع إلى مزيد من التفكك وإلى دورة عنف مدمرة، وإن لم تقاوم كل إغراء مادي يترافق بإملاءات سياسية، وإن لم تسارع إلى احتواء كل أنواع الشحن الطائفي وتتحسب من التعميم ومن اقتحام التعددية الإثنية والدينية في منطق العنف والغلبة، وإن لم تتأنّ وتكبح محاولات عزلها عن بيئتها واستعداء الناس لها وهروبهم من قواتها بمجرد دخولها الى مناطقهم، وتالياً مراجعة مسؤوليتها النسبية عن الأضرار الفادحة الناجمة عن خوض معارك في أماكن مكتظة من أجل انتزاع موقع أو التقدم تكتيكياً.

ولا شك في أن النظام هو المسؤول عما آلت اليه الأمور في البلاد، وقد نجح عبر قمعه المفرط والبشع في عسكرة الثورة وجعل السلاح صاحب الكلمة الأولى والأخيرة، بدءاً بإنكار الأسباب السياسية للأزمة واعتبار ما يجري مؤامرة كونية، مروراً بتصفية رموز العمل المدني التي قادت التظاهرات ونادت بالسلمية، وضرب أي تفاعل بين مكونات المجتمع المختلفة، بين المعارضة التقليدية وحراك شبابي عفوي يتعطش لمعارفها وخبراتها، ومروراً بتعميم مقصود لممارسات استفزازية شحنت الغرائز الانتقامية والنزعات الطائفية في بلد كان يعتقد أنه محصن جيداً ضدها، إنتهاءً باستيلاد مقصود لقوى التطرف والتعصب بإطلاق سراح المئات من كوادر الجماعات الجهادية، وتسهيل دخول أنصارها إلى البلاد وتغلغلهم في الجسم الشعبي والمكون العسكري للثورة، قبل أن ينقلب السحر على الساحر وتقطع بعض الكوادر خيوط ارتباطها مع النظام وتجد في ما يحصل فرصة لتنفيذ مشروعها الخاص.

الأخطر أن ينجح عنف النظام في تحويل الثورة التي تناهضه إلى صورة تشبهه من حيث نمط التفكير وأساليبه، والمؤلم أن نهمل دور الذات ومسؤوليتها، دور القوى الميدانية وأحزاب المعارضة على تنوعها، التي لم تتمكن من إظهار صورة مشجعة للبديل المنشود، ما يهدد بتدمير التراكمات الايجابية التي تحققت في المستويين المدني والسلمي، وإفقاد الثورة فئات متعاطفة معها لكنها لا تزال مترددة.

إذا كانت أهم مظاهر الثورة السورية رص مكونات المجتمع حول شعاري الحرية والكرامة وبعث صورة الشعب، محتجاً ومتظاهراً، بعد أن غيبته آلة القمع والاضطهاد لعقود، فإن إهمال القيم الاخلاقية وعدم تكوين وعي وسلوك ديموقراطي معارض يحتذى به وجاذب للثقافات الأخرى، سيفضي إلى إضعاف أهلية استيعاب الآخر والتعايش معه وإلى إنفكاك أعداد المشاركين أو المتعاطفين مع الثورة، ما ينذر بتعديل المشهد الوطني للحراك الشعبي وتشويه عموميته.

من صفوف الثورة تسمع اليوم من يجاهر بخشيته من حصول الخراب والفوضى مرجحاً تسلم المتطرفين السلطة، ومتخوفاً من قدرتهم على احتكارها وتكرار تجربة أعتى الديكتاتوريات في القمع والإقصاء، لكن هذه المرة بعقل الميليشيات الاسلاموية، ما يضع المجتمع على شفير حرب أهلية مديدة وما تخلفه من تفكك وتشرذم وانحطاط، وتسمع اليوم أيضاً من يلوم المعارضة التي تزداد أعدادها في المهجر بينما تزداد الحاجة اليها في «المناطق المحررة» للتواصل المباشر مع القوى المدنية والعسكرية المتواجدة هناك ومقارعة جماعات مسلحة لم تعد تخفي مشروعها الاسلاموي المناهض لقيم الثورة وشعاراتها، وهي جماعات درجت العادة على الاستخفاف بوزنها لكن مع كل يوم يمر يبدو أنها تزداد حضوراً وتجذراً وتنذر بكثير من الارباكات والتعقيدات على مسار الثورة وأهدافها.

المسألة مسألة سياسية وأخلاقية في آن، سياسياً تتعلق بجدوى التحولات التي يحدثها الاصرار على السلوك الوطني والأسلوب النضالي السليم في تعديل توازنات القوى، بخاصة في ظل العجز عن تحقيق انتصار حاسم للثورة اذا لم يتم ضمان مزيد من الالتفاف الشعبي حولها واستمالة الاقليات والقوى المناهضة لمنطق العنف والغلبة، وتتعلق أخلاقياً بالحفاظ على سلامة البنية الإنسانية للمجتمع وصحة الأهداف التي يتطلع إليها. فلن تستقيم قيم الحرية والخير والكرامة إذا كانت الوسائل والممارسات تناقضها، وإذا لم ينأَ الناس عن تشوهات العنف والتعصب والثأر!

=================

سوريا.. نفقٌ لا يزال طويلاً

رأي البيان

التاريخ: 29 ديسمبر 2012

البيان

كــ «متاهة» لا مخرج منها، يبدو المشهد في سوريا مُعقّداً ومتشابكاً إلى حد تبدو ضفاف الحلول، سياسية كانت أو عسكرية، بعيدة عن مرسى سفينة أثقلها العجز والشلل الإقليمي والدولي مجتمعين، فلم يخرج إلى حيز الوجود إلّا صمت مطبق على دماء تراق كل دقيقة في سوريا، ومدنيون أقصى مطامحهم العبور إلى دول الجوار أحياء، رغم ما ينتظرهم هناك من عذابات اللجوء ومقتضياته المريرة.

وعلى الرغم من جهود يبذلها الموفد الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي لإقناع طرفي النزاع بتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات، إلا أنه لم يقدم حتى الآن ما يقنع المعارضة الرافضة جملة وتفصيلاً لأي وجود للأسد وأركان نظامه، في أي معادلة سياسية قادمة.

عملياً، لا تبدو في الأفق بوادر حلول سياسية، إذ إنّ النظام السوري قطع كل خيط ولو رفيع للوصول إليه، عبر قصف يطال كل شيء أسقط، وفقاً لإحصائيات أولية، أكثر من 30 ألف قتيل وما زال يحصد، وهجّر ما قد يلامس حدود المليون لاجئ، إلى حد أثقل كاهل الجارة تركيا فطفقت جمعياتها الخيرية تطلق حملات جمع المساعدات للاجئين السوريين.

ولعل ما يطيل من أمد الأزمة في سوريا، تبعثر المجتمع الدولي فرقاً شتى، حيث لا تزال أطراف دولية وإقليمية تقف مع النظام السوري وتعارض بقوة، بما في ذلك استخدام حق النقض، أي قرار دولي من شأنه الضغط على النظام السوري وإجباره على وقف الحرب الشعواء ضد شعبه، في حين لا يزال مجلس الأمن عاجزاً عن اتخاذ أي قرار أو فعل من شأنه التأثير على مجريات الأمور، رغم مسؤوليته المباشرة في حفظ الأمن والسلم الدوليين.

صورة المشهد تقول إنّ الأوضاع في سوريا بلغت مبلغاً خرج عن السيطرة داخلياً، مع امتدادات للجوار تُنذر بشبح حرب إقليمية، فضلاً عن أزمة إنسانية أدمت ضمير العالم ولا تزال، وهو أمرٌ يتطلب من الجميع إبداء قدر أكبر من المسؤولية، وإيجاد حلول تنهي مأساة السوريين، وتعيد الأمن المفتقد للمنطقة برمتها.

=================

مهمة الإبراهيمي.. دونها حبل الوريد

حسين العودات

التاريخ: 29 ديسمبر 2012

البيان

يبدو أن الأخضر الإبراهيمي المندوب الدولي ـ العربي، سيعود من دمشق إلى القاهرة كما دخلها، أي خالي الوفاض، باستثناء بعض العبارات الفخمة، وغير محددة التعريف وحمالة الأوجه، كالسيادة ومصلحة الشعب السوري، والأمن والأمان وما يشبه ذلك.. وهذا ما يمكن استنتاجه من محادثات الإبراهيمي مع الرئيس الأسد والمسؤولين السوريين، ومع أطراف المعارضة التي قابلها في اليوم الثاني لمقابلة الأسد.

كان الإبراهيمي على العموم حذراً جداً، ومقلاً جداً، ليس في تصريحاته فحسب، وإنما أيضاً في عرضه ما لديه، سواء أمام الرئيس الأسد أو أمام المعارضة. فهو مثلاً، لم يطرح للرئيس الأسد بجرأة وصراحة مسألة تنحيه التي يتم الحديث عنها في كل اجتماع ولقاء في الداخل والخارج، كما لم يطرح بالوضوح والصراحة مسألة إعادة هيكلة الجيش والأمن السوريين، وفي أي اتجاه، ومن يكلف بهذه الهيكلة..

وكذلك إحالة الذين ارتكبوا أعمال قتل أو مجازر أو تعذيب أو تدمير أو جرائم ضد الشعب السوري، إلى المحاكمة. وقد حاول الإبراهيمي، كما يبدو، أن يلامس هاتين المسألتين (مستقبل الرئيس ومستقبل الجيش والأمن) ملامسة ناعمة هشة غير مباشرة، لا تتجاوز جس النبض، لأنه يخشى من ردود فعل السلطة السورية بحيث تزيد مهمته صعوبة، أو حتى تنهيها، خاصة وأن السلطة السورية لا تخفي عدم اهتمامها الكلي بهذه المهمة، بل وإهمالها لها.

تأكدت أطراف المعارضة بعد اجتماعها بالإبراهيمي، من وجود "تفاهمات" روسية ـ أمريكية، وهو ما لم يصرح به الإبراهيمي علناً ولا مرة. ويبدو أن هذه التفاهمات تتركز على تشكيل حكومة انتقالية في سوريا، تعهد إليها صلاحيات "مطلقة" حسب طلب المعارضة، و"واسعة" حسب الاتفاق الروسي ـ الأمريكي، وعلى حساب صلاحيات الرئيس الحالية، وتتولى إدارة البلاد، وتكلف بإعادة هيكلة الجيش والأمن، وإصدار القوانين والقرارات اللازمة لوقف العنف وإطلاق سراح المعتقلين، وتسيير الحياة وتأمين مستلزماتها، ووضع أسس الحراك المقبل الرسمي والشعبي، وإجراء انتخابات جمعية تأسيسية تكلف بإنشاء دستور جديد، ثم إجراء انتخابات نيابية ورئاسية فيما بعد، على أن يبقى الرئيس حتى عام 2014 عام انتهاء ولايته، ولكن من دون صلاحيات.

وهذا أقصى ما يتمناه الإبراهيمي، وما تتمناه التفاهمات الروسية ـ الأمريكية، استناداً إلى مؤتمر جنيف الذي عقد في نهاية يونيو الماضي، ومؤتمر "دبلن" الذي عقد قبل أسابيع.

وهناك اتفاق روسي ـ أمريكي على صدور هذه التفاهمات، إذا ما تم الاتفاق عليها، بقرار من مجلس الأمن حسب الفصل السادس، وليس السابع (الذي يسمح بالإجراءات العسكرية للتنفيذ)، على أن تضمن الدول الكبرى مجتمعة إجراءات التنفيذ، بحيث تكون بقوة الإجراءات العسكرية.

إلا أن هذه التفاهمات، أو الاتفاقات، أو الاقتراحات الروسية ـ الأمريكية، ستواجه صعوبات جدية، وقد تواجه أمواجاً متلاطمة من الصعوبات، التي سوف تقف أمامها وأمام تطبيقها الجدي، وبالتالي لا تتيح الفرصة لها لحل الأزمة السورية.

على رأس هذه الصعوبات، إجماع الآراء على أن الرئيس الأسد سيرفض التخلي عن صلاحياته كلها، وأقصى ما يقبله هو التخلي عن بعضها، كما أنه سيرفض رفضاً باتاً التنحية قبل نهاية ولايته، وهو حتى الآن يصر على حقه في الترشح للرئاسة مرة جديدة بعد انتهاء هذه الولاية. وحتى لو تم افتراض قبوله، فإن من حوله (من الرؤوس الحامية وشركاء القرار)، وخاصة كبار ضباط الأمن والجيش وأوساط الرئاسة الأخرى، لن تقبل تنحيته وستجبره على الاستمرار.

وعلى رأس الصعوبات الهامة أيضاً، والتي لا تقل أهمية عن التنحية، رفض ضباط الأمن والجيش إعادة الهيكلة، أو تعديل مهمات أو صلاحيات أو إحالة أحد إلى المحاكمة، أو رفع اليد عن الهيمنة على الحكومة والدولة والشعب.

وبالتالي، يصبح من المستحيل الوصول إلى أية تسوية للمسألة السورية، ومن ثم تفتح الأبواب جميعها بعد ذلك للعنف وأساليبه، خاصة وقد تسرب بعض الأخبار التي مفادها، أنه إذا فشل الإبراهيمي فستزود الولايات المتحدة والدول الأوروبية المقاومة السورية بالأسلحة، وستساعد على سلوك طريق العنف والحسم العسكري.

إن مهمة الإبراهيمي هي في أزمة دون شك، إلا أنها ليست الوحيدة المأزومة، حيث يشاركها التأزم الموقف الدولي العربي والإقليمي، وعلى الأخص الواقع السوري القائم، الذي يتردى يوماً بعد يوم، ليس فقط بسبب الصراع المسلح في كل مكان من سوريا، وصعوبة حسمه لصالح أية جهة، وإنما أيضاً بسبب فقدان الأمن، وانتشار الحواجز الأمنية في كل مكان (يقال إنه يوجد في مدينة دمشق 300 حاجز)، ولحاجز الأمن مطلق الصلاحية في التفتيش والتوقيف وإعادة المسار في الطريق إلى الجهة التي أتى منها، والمصادرة، والإهانة وصولاً إلى إطلاق النار.

إضافة إلى ارتفاع الأسعار الكبير الذي لم يشهده السوريون من قبل، فالدولة غائبة، وفوق ذلك فقدان المواد الأساسية، وما زالت الشرعية الدولية، تتشبه بـ"الأرأيتيين" اللغويين العرب الذين أمضوا حياتهم يناقشون "أرأيت إن بالت فأرة في البحر، هل تنجسه أم لا؟!".

وبالعودة إلى مهمة الإبراهيمي، يبدو أن الرجل لا يريد فشلها (وهذا أمر طبيعي)، إلا أنه يبغي نجاحها حتى لو كان جزئياً على حساب بعض أصحاب الحقوق. ولذلك تجده حذراً هشاً هيناً ليناً متسامحاً، ومن المفترض أن يكون أكثر جدية وصراحة، مع الاعتراف بصدق الرجل وشعوره بالمسؤولية، وبالتزامه القومي والديمقراطي التاريخي، مما لا ينسجم كثيراً مع بعض ممارساته الحالية، كما يرى قادة المعارضة السورية الخارجية منها والداخلية.

المشكلة الكبرى الآن هي أن الحسم العسكري متعذر، والتفاهمات الروسية ـ الأمريكية دونها حبل الوريد، والمذابح تتنامى في سوريا، والأزمة تكبر، والدول الإقليمية والدولية تبحث عن مصالحها، والشعب السوري يئن تحت أثقال أزمته، وتسيل دماؤه كالأنهار، وتهدم بيوته وتحرق، ويخسر ما جناه طوال عمره، والكل بانتظار عودة "غودو" كما جاء في مسرحية بيكيت.

يبدو أن الحل في واحد من ثلاثة: أن يسلح العرب والغرب المعارضة بهدف الحسم العسكري، أو يتخذ مجلس الأمن قراراً بالإجماع بمبادرة شاملة تضمن تنفيذها الدول الكبرى وتلزم السلطة السورية بذلك، أو في انتظار تدمير سوريا كلياً.. وإلا فابشر بطول سلامة يا مربع.

=================

روسيا.. السعي لتجنيب الأسد المحاكم الدولية

2012-12-29 12:00 AM

البيان

فيما أعلن الائتلاف الوطني السوري عبر تصريحات الناطق باسمه، أول من أمس، أنه لن يقبل أي مبادرة خاصة بحل الأزمة السورية سلميا إن لم تتضمن رحيل بشار الأسد ورموز النظام، دعت الخارجية الروسية أمس رئيس الائتلاف، للمشاركة في مفاوضات تسعى لتسوية الوضع في سورية، من غير أن توضح في دعوتها التي جاءت عبر نائب وزير خارجيتها وجود الأسد أو عدم وجوده في خطتها للتسوية.

تعلم روسيا جيدا أن وجود الأسد في الخطة المفترضة لن يجعلها مقبولة من أطراف المعارضة السورية، مما يعني أن المسألة لن تتجاوز المزيد من الوقت للنظام، كي يلتقط أنفاسه ويمد في عمره الذي لم يعد فيه الكثير من الزمن. وبالتالي فإن طرحها بتلك الصيغة ليس سوى لعبة متفق عليها بين النظامين الروسي والسوري، خاصة لو تذكرنا أن بعض التصريحات الروسية تحدثت عن استمرار الأسد حتى عام 2014، وبعضها عن احتمال دخوله الانتخابات لاستمراره في الحكم دورة أخرى بعد ذلك العام.

أما لو تضمنت الخطة الروسية رحيل الأسد، فهي في هذه الحالة تكون قد أدركت أنه لا حلّ للأزمة إلا برحيل رأس النظام المرفوض من قبل شعبه والعالم أيضا، بعد قتل جيشه آلاف السوريين، وتهجيره الملايين داخل البلاد وخارجها.

أغلب الظن أن الهدف الروسي الحالي، هو إيجاد مخرج للرئيس السوري يجنبه المحاكم الدولية بطريقة ما، بعد أن شعرت بالحرج تجاه ازدياد معدل القتل، ونزف الدم وتحميلها جزءا كبيرا من المسؤولية عنه، بسبب وقوفها في صف النظام، ولذلك قال نائب وزير الخارجية الروسي "سنستمع إلى ما سيقوله لنا الإبراهيمي، وبعد ذلك نتخذ قرارا بخصوص لقاء جديد ثلاثي بين روسيا والولايات المتحدة والأمم المتحدة". وهذا يشير إلى أن اتفاقا ربما يحدث بين تلك الأطراف يرمي إلى إنهاء الأزمة.

إلى ذلك، فإن تكثيف التحركات الدبلوماسية من روسيا وإليها، بما فيها المفاوضات التي أجراها وفد من النظام السوري أول من أمس في موسكو، ووصول الموفد الدولي الأخضر الإبراهيمي إليها اليوم، توحي ببصيص أمل بأن النهاية اقتربت، وهذا ما يتمناه كل من يريد الخير للشعب السوري وليس لنظامه.

=================

لماذا الاصرار على إسقاط الاسد؟

سميح صعب

2012-12-29

النهار

لم تؤمن المعارضة السورية في الخارج المدعومة من الغرب ودول مجلس التعاون الخليجي وتركيا منذ بداية الازمة في سوريا بتسوية سياسية يكون الرئيس بشار الاسد جزءاً منها. واستند هؤلاء في موقفهم الى فرضية ان التغييرات في الدول التي اجتاحتها موجة من الاحتجاجات منذ سنتين ونيف لم تحصل الا باسقاط رأس النظام في هذه الدول دون نظر الى طبيعة الاصلاحات التي تحققت او مدى التحول الديموقراطي الذي حصل في هذا البلد أو ذاك. 

وفي المقابل، كانت روسيا والصين وايران تدعو الى حل سياسي يكون الاسد جزءاً منه. ومن هنا برز الاختلاف الجذري في المواقف الدولية. واذا كان بيان جنيف جاء غامضاً من حيث مصير الاسد، فإن كل طرف تبنى تفسيراً مختلفاً له. وسقط كوفي أنان ضحية هذا الاختلاف، وها هو الاخضر الابرهيمي يوشك على اللحاق به. 

ومنذ الاشهر الاولى للأزمة في سوريا أسقطت المعارضة في الخارج وواشنطن وباريس وأنقرة والدوحة عليها الحالات التي حصلت في تونس ومصر وليبيا واليمن، وكانت موقنة ان سقوط الاسد لا بد حاصل في غضون أسابيع او أشهر، وبنت كل استراتيجيتها على هذا التوقع.  أما روسيا والصين وايران فحدست منذ بدايات الازمة في سوريا ان ثمة رغبة غربية وعربية وتركية في تغيير النظام السوري من أجل إحداث تحول جيوسياسي في المنطقة ينتهي بتوجيه ضربة قوية الى المصالح الروسية في الشرق الاوسط وبعزل ايران واضعاف "حزب الله" في لبنان. لذلك أصر هؤلاء الاطراف على الدعوة الى الاصلاح في سوريا من ضمن النظام ووقفوا بشدة ضد كل محاولة لأخذ الازمة السورية الى المكان الذي أخذت اليه الاحداث في تونس ومصر وليبيا أو اليمن.   

وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف واضحاً قبل ايام في توصيفه للوضع السوري عندما قال ان الغرب يريد إحداث تغيير جيواستراتيجي من غير ان يدفع هو نفسه ثمن ذلك وانما السوريون أنفسهم من يدفع هذا الثمن. وبعبارة اخرى، إن الولايات المتحدة التي قررت بعد حربي العراق وافغانستان ألا تخوض حروباً مباشرة ، تدعم اليوم حرباً غير تقليدية في سوريا للغرض الذي خاضت من أجله حربين مباشرتين في العقد الماضي. 

في هذا السياق يصير مفهوماً استعصاء الازمة السورية على الحلول واستمرار رهان الغرب على حل عسكري ينتهي باسقاط الاسد واقامة نظام موال للغرب وتركيا ودول مجلس التعاون الخليجي. في حين تدافع روسيا والصين وايران عن الاسد ليس حباً بالاسد وانما لمنع التحول الجيوسياسي الذي سينقل سوريا من ضفة الى ضفة.

=================

الابرهيمي للأسد: اللعبة انتهت!

راجح الخوري

2012-12-29

النهار

أخيراً نطق الاخضر الابرهيمي عشر كلمات بعد ستة اشهر من "المهمة المستحيلة" الصابرة والصامتة، سقط خلالها أكثر من عشرة آلاف قتيل جديد ليقارب عدد الضحايا في سوريا المدمرة الخمسين ألفاً!

المهم انه نطق ومن دمشق، وانه لم يتردد في الدعوة الى ما كان يجب ان يبدأ بالدعوة اليه "حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات تتولى السلطة في المرحلة الانتقالية التي يجب ان تنتهي بانتخابات إما ان تكون رئاسية إذا اتفق على ان النظام سيبقى كما هو، وإما برلمانية تختار الرئيس الجديد". لم يتحدث عن بقاء الاسد او ذهابه لأنه كان يعلم تماماً ان فيصل المقداد الذي هرول الى موسكو التي يصلها هو اليوم، ارسل في مهمة اللحظة الاخيرة بحثاً عن مخرج لمستقبل الاسد لأن مبادرة "جنيف - 2" لم تلحظ هذا الأمر!

في الاساس لو لم تكن هناك مبادرة روسية – اميركية لما ركض المقداد الى موسكو مستبقاً الابرهيمي بحثاً عن منفذ يبقي الاسد ولو مرحلياً. ومعلوم ان المقداد نفسه كان قد حمل رسالة الى هوغو تشافيز تسلمها نائبه نيكولاس موروس تطلب اللجوء لعائلة الاسد، ولهذا فان نفي مبادرة "جنيف - 2" ليس اكثر من محاولة اخيرة لإيجاد مخرج لهذه المسألة، والدليل على هذا قول الابرهيمي وللمرة الأولى ما قد يشكل اعلاناً لنهاية حكم الاسد:

"ان التغيير المطلوب ليس ترميمياً ولا تجميلياً. الشعب السوري يحتاج ويتطلع الى تغيير حقيقي وهذا التغيير معناه مفهوم من الجميع"، والمقصود هنا تحديداً انه مفهوم من الاسد الذي لا معنى للتغيير مع بقائه لحظة واحدة كما تقول المعارضة!

لعل اكبر مؤشر على ان الاسد اوفد المقداد الى موسكو في محاولة أخيرة لتعديل محتوى التفاهم الاميركي - الروسي على المبادرة المذكورة قول الابرهيمي ان المقداد " لم يذهب ليشرح كلامي، لا، كلامي أنا سأشرحه، هو ذهب ليشرح كلامه"، بما يعني ضمناً ان شرح الابرهيمي للمبادرة يختلف عن فهم الاسد لها الذي لجأ سريعاً الى موسكو كما قرع جرس الانذار في طهران عبر السفير احمد عرنوس!

وعندما تستقبل موسكو المقداد نافية وجود المبادرة ومعلنة انها لن تتخذ موقفاً قبل وصول الابرهيمي، ثم توجه الدعوة الى رئيس الائتلاف الوطني معاذ الخطيب للبحث في حل الازمة، فهذا يعني انه لم يعد ينقص "جنيف -2" سوى ترتيب مخرج للاسد ولبعض جماعة النظام. اما الحديث عن "الفوضى الاقليمية" التي تتهدد المنطقة وعن "لعنة سوريا" فلكي تسمع الدول المنخرطة في الازمة، واما الحديث عن الذهاب الى مجلس الأمن لاستصدار قرار ملزم فلكي يفهم الاسد ان اللعبة انتهت!

=================

فلول الأسد

د. مطلق سعود المطيري

الرياض

29-12-2012

    تصريح السيد الأخضر الإبراهيمي في دمشق عن "الحكومة الانتقالية في المرحلة القادمة" يعد النهاية الفعلية لحكم بشار الأسد، واعلان اممي صريح بأن الثورة السورية وصلت لأهدافها التي قامت من أجلها، فهذه المرة الأولى التي لم يدن بها مبعوث الأمم المتحدة العنف المتبادل بين الطرفين، أو يدعو للحوار للتوصل الى اتفاق يضمن مصلحة الطرفين.. هذا الانتصار المحقق يحسب للقوة العسكرية التي تعمل في أرض المعركة، وصمود الشعب السوري في الداخل، فالانتصار يكاد يكون بقوة ذاتية شعبية، أكثر منه انتصاراً جاء بمساعدة اجنبية.

فالشعب السوري اليوم هو سيد موقفه، وهو القادر على بناء المرحلة الانتقالية السياسية، فشعب عرف كيف يدير معاركه المسلحة مع أكثر الأنظمة دكتاتورية، وقمع لن يعجز عن وضع آليات حكم سياسية تضبط مرحلة التحول السياسي وتضبط السلاح، وتمنع صعود الاجندات السياسية، فهذا الشعب كان علامة بارزة في تاريح الشعوب المكافحة من أجل الحرية والكرامة، فالمعروف أن الثورة السورية لم تقم من أجل اعتبارات طائفية أو حزبية، ولا من أجل تحقيق أطماع سياسية لأغلبية اكتشفت بعد الثورات العربية انها قادرة على التغيير، قامت من أجل كرامة الشعب ولتحقيق الحرية لجميع أطيافه السياسية والعرقية.

فالثورة التي كان وقودها أكثر من 50 ألف شهيد ومئات من الآلاف من الجرحى، وأكثر منهم مشردين، لم تكن ثورة أطماع سياسية، بل ثورة كرامة.

الطفل السوري الذي يزحف للوصول إلى رغيف خبز يقدمه لأمه الصامدة في منزلها التي طالته قذائف القصف، لا يبحث عن مقعد له في سلطة الحكم، ولكن يريد الأمن لأمه التي حمته بأحضانها من قصف طائرات الشر، فمثل ما كانت مشاهد الأطفال في الحياة والموت في سوريا هي الوقود الحقيقي لاستمرار الثورة، يجب أن تكون مشاهدهم وهم في مقاعد الدراسة، واللعب أمام منازلهم الصورة التي تعمل السياسة على حمايتها من أطماع الحالمين بالمكاسب السياسية.

الشعب السوري بعد عامين من الكفاح هو من يجب أن يقدم الدرس للتاريخ لا أن يتلقاه، فالثورة التي تسعى للانتقام سوف تنتج بعد انتصارها ثورات مضادة وتدخلات خارجية، تمسح كل صور الشرف والتضحية التي استمرت عاماً ويضاف له عام آخر تذكر العالم بأن هذا الشعب صنع من دمه سلاح انتصاره على أكبر طغاة العالم، فالانتقام من المهزوم هزيمة.. فالانتصار المشرف هو ماجاء به محمد صلى الله عليه وسلم في فتح مكة، فالضعيف حفظ له حياته، والعزيز أقعده في مكانته المستحقه بين قومه.

فأنا أستغرب من بعض الكتاب الذين يسمون المنشقين عن نظام بشار الأسد في الآونه الأخيره بمنشقي ربع الساعة الأخيرة، وكأنهم يقولون لا حاجة للثوار لانشقاقكم، هذا التوجه يعد بداية لإحياء روح الانتقام، لتتحول الحياة بعد ذلك لطلب الثأر، والملاحقات والتصفيات التي لا تنتهي، فالكرامة والنصر الشريف يطلبان من الجيش الحر الشريف أن يعلن من الآن عن ترحيبه بكل منشق، ومغفرته الوطنية لكل من شارك النظام مكرهاً في قتل اشقائه، ثورة الكرامة يجب أن يؤطرها التراحم والتسامح، لتكون سوريا بلد الشهداء والمتسامحين في حقوقهم من أجل بناء الوطن.

=================

فوضى القيادات في المعارضة السورية

ميشيل كيلو

السفير

29-12-2012

ليس هناك ما هو أفضل للحياة الديموقراطية من تنوع التنظيمات والقيادات. ولا تقوم الديموقراطية أصلا على التنظيم الواحد والقائد الواحد والفكرة الواحدة، ولا تعيش إلا في أجواء مفتوحة على التعدد ضمن فضاء يتيح الحركة الحرة لجميع مكوناته الجماعية والفردية، من دون ان تصطدم بعنف او تكون علاقتها عدائية، او أن تسوي خلافاتها بوسائل غير سلمية: حوارية ومتوازنة، على أن ينظم تعاملها داخل هذا الفضاء على أسس وقيم جامعة تلزم الأطراف المشاركة فيها، بما يجعل خططها السياسية قراءات مختلفة لهذه الأسس لا تقوم على إبطال ما هو مشترك فيها، ولا تمنع في الوقت نفسه قراءتها بأوسع قدر ممكن من التفرد والتميز.

لا حياة حرة وديموقراطية من دون تنظيمات متنوعة، تلتزم بالعام والمشترك والمتوافق عليه، وتعرف كيف تقدم قراءات متنوعة ومختلفة لهذا العام والجامع كناظم للعمل العام في المجالات التي تمس بوحدة الوطن: دولة وجماعات مجتمعية. هل تنتفي الديموقراطية بانتفاء الانتخابات الحرة؟ اعتقد أنها لا تنتفي إلا إذا انتفى هذا الفضاء المجتمعي والسياسي المفتوح على التنوع والاختلاف والتفاعل، المنضبط بالسلمية والحوار، برغم انها تبلغ أقصى مداها بفضل الانتخابات الحرة، التي تعبر عن الإرادة العامة وتركيبها في لحظة تاريخية معينة من حياة الجماعة الوطنية، وتشير إلى خياراتها ومواقفها من القضايا المطروحة عليها.

لا تستقيم الديموقراطية في ظل قيادات تعيش حالة تنافس غير منضبط يمكن ان ينقلب في أي وقت إلى فوضى، مثلما هي حال ساحة المعارضة السياسية اليوم، التي تغرق في بحر من الخلافات رغم ما تدّعيه جميع أطرافها من وحدة في المنطلقات والأهداف، وتؤكده حول وجود خلافات محدودة في أساليبها، لكن الغريب انها لا تجد ما يكفي من مشتركات تدفعها إلى اعتماد السلمية والحوار في علاقاتها، والإقرار المتبادل بحق كل منها في تقديم قراءة مختلفة حول ما هو مطروح في الساحة السياسية من قضايا ومسائل ومشكلات، وبضرورة التعامل معه انطلاقا من الإقرار بشرعية وجوده، لأن وجوده ضروري لتشكيل الفضاء المفتوح الذي لا توجد حرية او ديموقراطية بانفتائه.

ما الذي يمكن قوله عن معارضة موحدة الأهداف والمنطلقات والوسائل، لكنها لم تجد بعد ما تتفق عليه رغم مرور قرابة عامين على صراع قاتل يخوضه النظام الحاكم ضد شعبها وضدها؟ وإلى ماذا يجب ان نعزو هذه الظاهرة الغريبة وغير المفهومة او المقبولة، التي تتلخص في عجز قياداتها عن إبداء الاستعداد الضروري للتغلب على خلافاتها او تجاوز ما بينها من خصام وشقاق، مع انه تسبب بكوارث حلت بشعب سوريا، الذي يقدم يومياً نهراً من دمائه، من أجل تصحيح أخطائها وتخطى ما تضعه في طريقه من عقبات ومصاعب، مع أنها لا تقوده إلا من مصيبة إلى أخرى ومن المآسي إلى الكوارث؟

عرفت المعارضة السورية خلافات على مستوى قياداتها لم تتجاوزها حتى في الحالات التي شهدت تحالفات مديدة بين تنظيماتها. هذه الخلافات، جرتها إلى فوضى ضاربة مزقت ما كان بينها من إرادة موحدة، وفرقت صفوفها، التي بقيت متصلة برابط واه وضعيف، مثلما وقع في «التجمع الوطني الديموقراطي السوري»، الذي اعتقلت السلطة ولاحقت أطرافاً منه من دون غيرها، لكن من لم تلاحقهم أحجموا عن إبداء أي قدر جدي من التضامن مع حليفهم الملاحق والمعتقل، كأن إضعاف أحد أطراف التجمع وقمعه لم يكن يضر بهم، او كأنه لا شأن له بشريكهم. وإذا كان من الممكن إعادة هذا الوضع المثير للاستغراب إلى تباين طبيعة التنظيمات، فإن دور فوضى وخلافات القيادات فيه لم يقل أهمية عن دور هذا التباين، إن لم يكن أكثر أهمية منه، فقد تعددت القيادات وتضاربت اراؤها، وشرعت تدين بعضها بعضاً، مع أنها لم تتوقف عن عقد اجتماعات «أخوية» سادها التوجس وغلبت عليها الشكوك المتبادلة، فأي عمل يمكن ان ينجح في ظل قيادات تعمل في أجواء كهذه.

إذا ما انتقلنا إلى الواقع الحالي، وجدنا فوضى القيادات أشد وخلافاتها أسخف مما كانت عليه في أي زمن مضى. بعد ان تحولت علاقات القيادات إلى مجموعة مكائد محكمة، مفعمة بروح الغدر والأقصاء والطعن في الظهر، نتجت اولا عن حسابات متضاربة أشد التضارب، حجبتها عن الأنظار خطابات وحدة، لا قصد منها غير منع الشعب من رؤية الخلافات والاحتجاج عليها او المطالبة بوضع حد لها، ونتجت ثانياً عن تعارض أهداف القادة، الذين تصارعوا بجميع الوسائل والأساليب ونصبوا الأفخاخ بعضهم البعض، وعقدوا تحالفات ضد خصومهم من خارج التحالف القائم بينهم، الذي انقلب بالضرورة الى تحالف صوري لا قيمة له، وقاموا بخطوات ملموسة تحط من مكانة منافسيهم المفترضين وتقيد دورهم باسم الحفاظ على خط سياسي وهمي مشترك، وزاحموا خصومهم داخل المجلس بالاكتاف والمناكب على كل كبيرة وصغيرة، حتى ان اتفاقاً وقعه رئيس المجلس جوبه باحتجاج مكتوب وقعه مئة وستة عشر عضوا من أعضائه ونشروه خلال ست ساعات من التوقيع، فكأنهم كانوا يتربصون به وباتفاقه الدوائر، او كأنهم رتبوا بإتقان للأمر قبل وقوعه، ضاربين عرض الحائط بما كان سلوكهم يعنيه من انتهاك لحقه في احترام توقيعه بصفته رمزا وطنياً لا يجوز لإخوانه في المجلس إهانته، لما يلحقه ذلك من ضرر بالقضية الوطنية برمتها. في هذه الاثناء، كان أعضاء المجلس من الكتلة الإسلامية يحرصون على إصدار بيانات تخالف أقوال الرئيس ومواقفه، في مختلف المسائل التافهة والمهمة، مع ما أحدثه سلوكهم من فوضى في القيادة.

ترجع فوضى قيادات المجلس الى اختيار معظمها من قبل الخارج، وتبعيتها لمؤسسات وهيئات عابرة للوطنية، ذات ارتباط واه بالوطن الذي غابت عنه لفترة طويلة جداً لم تفعل خلالها أي شيء من أجله. كما ترجع الى تدني، وبالأصح انعدام، مستواها الثقافي وتهافت مستواها السياسي، الذي جعلها تعتبر السياسة فاعلية تآمرية ترى الوطن بدلالة المصالح الشخصية ومصالح التنظيم، وتتنكر لأي التزام وطني جامع او طويل المدى تجاه أي طرف او قضية. وترجع، أخيرا، الى تعلقها بالسلطة بوصفها مركز وغاية أي جهد عام، وبالسياسة مفهومة كصراع على السلطة لا يعرف التهاون ولا يقر بوجود صداقات دائمة، لحمته وسداه التمييز بين المواطنين، وإجازة جميع أنواع الأساليب والوسائل التي تتيح تحقيق الهدف الخاص، مهما كانت فاسدة.

لا عجب ان قيادات المجلس عززت فوضى التنظيمات بدل ان تحد منها او تقيدها، واتفقت على ما كانت مختلفة عليه واختلفت على ما اتفقت عليه في آن معاً، وسط علاقات كان من مصلحتها ان تسيطر عليها فوضى البرامج والخطط والأهداف، الموحدة شكلا المتباينة ممارسة ومضموناً إلى درجة التناقض، وتغرق في بحر من التكاذب المتبادل، الذي تمارسه عادة تنظيمات لا تعرف اصول الصراع الديموقراطي، فتتصارع مع «حلفائها» في المعارضة أكثر مما تصارع السلطة، من دون ان تمتنع عن إصدار اعلانات تمويهية تتعهد فيها باحترام الرأي الآخر والموقف المختلف!

تبرز فوضى القيادات من خلال الخطوات التي تصدر عن جهات إسلامية متطرفة، تظن أنها تناضل ضد النظام، مع ان خطها يخدمه تماماً، ويقنع بقية العالم بأنه كان على حق عندما رأى في الثورة السورية مؤامرة إسلامية تهدد دول المنطقة اكثر مما تهدده هو، وزعم انه يدافع عنها اكثر مما يدافع عن نفسه. الغريب، ان هذه الحماقات المتطرفة والتمزيقية لم تلق أي رد فعل جدي من منظمات تدّعي الاعتدال وتطالب بأن تكون مرجعية الشعب، التابع لها، لمجرد انه شعب مسلم، فهل كان سلوكها تعبيراً عن فوضى ضربت أطنابها في المعسكر الإسلامي، ام كان هو الفوضى القيادية التي مزقت صفوف المعارضة، لا لشيء إلا لأن هذه كانت طريقتها في تذكير الشعب بوجودها، ولأنها لم تجد مخططاً أفضل تتبعه غير تمزيق صفوف الشعب وحرق قياداته ورموزه التاريخية، في شهادة جديدة وقاطعة على العجز عن القبول بالآخر والمختلف، رغم «العهدات الوطنية»، التي تشبه المنهاج المرحلي لحزب البعث الأسدي، الذي باسمه قمع السوريون واحتجزت حياتهم السياسية طيلة قرابة نصف قرن، رغم حديثه المتكرر عن «الديموقراطية الشعبية».

لن تخرج المعارضة السورية، ومعها حياة سوريا السياسية، من مأزقها الراهن، ما لم تضع حداً لفوضى قياداتها، التي تلعب دوراً خطيراً في إطالة عمر النظام، وزيادة أعداد الشهداء، وحجب القضية السورية وراء جدران سميكة من الغموض المقلق للسوريين. ولن تبني سوريا نظاماً جديداً في ظل فوضى القيادات الحالية، التي تنتمي إلى ماضي بلادنا السياسي اكثر مما تنتسب إلى حاضرنا القائم، الذي تخطاها وتجاوز احزابها إلى غير رجعة. متى تفهم المعارضة وقيادتها هذه الحقيقة، وتقرر الانسحاب من الشأن العام؟

أخيراً: هل يعقل ان تبقى قيادات المعارضة على ما هي عليه من تمزق وتصارع أحمق، وأن يكون هناك هذا العدد الهائل من قيادات لا عمل لها إلا الشغل ببعضها وبقضية الحرية المقدسة، بينما لا توجد اية قيادة حقيقية على مستوى المجتمع ذاته، رغم ما ضحى الشعب به من بناته وأبنائه على درب حريته، الذي تفرشه بالأشواك قيادات تدّعي بأصوات صاخبة تمثيله والنطق باسمه؟

كاتب سياسي ـ سوريا

=================

إلى موسكو.. بطريق طارق عزيز

سمير عطا الله

الشرق الاوسط

29-12-2012

بماذا يذكرك سفر نائب وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، إلى موسكو عن طريق بيروت؟ أنا، يذكرني بأيام حزينة في بغداد. يوم كان طارق عزيز يسافر إلى موسكو عن طريق إيران، لأن مطارات العراق كانت مغلقة. رحلة بعد أخرى قام بها طارق عزيز إلى الكرملين. وكان ميخائيل غورباتشوف يقول له، كل مرة: «اذهب وقل للرئيس إن الحرب قادمة، والعراق سوف يخسرها ويدمر». في الرحلة الأخيرة قال طارق عزيز للرئيس السوفياتي: «إن صدام يقبل نصيحتك. فتش لنا عن مخرج». قال له غورباتشوف: «لقد دمرتم جميع الأبواب. فاتكم أن تقرأوا متغيرات العالم».

كان صدام حسين يراهن على معاهدة الصداقة العراقية - السوفياتية. ظن أن السوفيات سوف يخوضون حربا عالمية من أجل بلد لا يبعد عنهم إلا نحو 300 كيلومتر. غلط أيها السيد الرئيس.. فهم لم يخوضوا حربا من أجل برلين الواقعة في قلب شرقهم، ولا خاضوا حربا من أجل كوبا، أول وأهم قاعدة لهم على حدود أميركا. الحروب العالمية أيها السيد الرئيس لا تقع بسبب مزاج معكر.

تذكر رحلات كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي، وقبلهما نبيل العربي، إلى دمشق، برحلات الوسطاء إلى بغداد. توسلوا صدام حسين أن يعفي العراق والمنطقة من الحرب وتداعياتها، وأن يرد الكويت إلى أهلها. كان الجواب عن طريق وزيره، لطيف نصيف جاسم: «الكويت؟ انسوا الكويت»!.. قالها بالإنجليزية لكي يوفر الترجمة.

كم هو محزن أن تتكرر المآسي العربية على هذا المنوال. العناد باسم إرادة الشعب، والشعب في الخوف وفي الخيام وفي السجون وفي الموت. قبل أشهر، عندما كان مطار دمشق لا يزال عاملا في «بلد الأمن والأمان»، ذهب إلى موسكو وزير الخارجية بنفسه. وقال للعالم إنه اتفق على كل شيء مع سيرغي. وكرر الإشارة إلى صديقه سيرغي.

على أصدقاء الروس أن يقرأوا بعناية مذكرات غورباتشوف، وكتاب الرفيق القديم وصديق الزعماء العرب يفغيني بريماكوف (يفغيني لأهل الألفة). مثل هذه القراءات توفر عليهم الآمال الخاطئة، وعلى شعوبهم الموت والعقوبات والمدن التي تدمر وكأنها مجرد خرائب قديمة في حقول السيد الرئيس.

ثمة شيء في القانون يسمى «السابقة»، وهذه يعول عليها كسند في المرافعات. يا أيها السيد الرئيس: موسكو لن تفيدك أكثر مما أفادت جمال عبد الناصر أو صدام حسين أو ياسر عرفات أو فيدل كاسترو. ولا الصين يمكن أن تقدم لك غير ما قدمت من تصريحات «ملعلعة». لا أحد أقوى من الأمثولة.

=================

الأسد وحده الذي لا يستوعب

طارق الحميد

الشرق الاوسط

29-12-2012

ملخص ما يدور حولنا اليوم في الأزمة السورية، أن شخصا واحدا في سوريا هو غير القادر على فهم ما يجري حوله، وهو بشار الأسد، حيث يعتقد أنه ما زالت له فرصة للنجاح والبقاء، بينما الجميع، داخل سوريا وخارجها، بات متيقنا من أنه انتهى، وكل ما يحدث الآن هو إجراءات الدفن، لا أكثر ولا أقل.

فرغم كل ما يفعله الأخضر الإبراهيمي، وما يقوله، فإن الواضح أن المبعوث الدولي، والأطراف الأخرى، بمن فيهم الروس، باتوا مقتنعين بأن ليس هناك أمل، وما يقومون به الآن هو مجرد شكليات للمضي بالمرحلة التالية، وهي مرحلة ما بعد الأسد. وهذا ما فعله تماما السيد الإبراهيمي، ومثله الروس، عمليا، فالحديث عن حكومة انتقالية وخروج الأسد الآن، أو في 2014، كلها مجرد تفاصيل تفاوضية، لكن الأكيد هو أن الجميع يتفاوض على سوريا من دون الأسد، وبالطبع فإن لذلك عدة أسباب، أهمها وأبرزها الأوضاع على الأرض في سوريا نفسها، حيث باتت الكفة العسكرية تميل لمصلحة الثوار، فها هو وزير داخلية الأسد يعالج في بيروت، والمقداد يغادر إلى روسيا عبر لبنان، كما أن الإبراهيمي وصل دمشق برا قادما من لبنان. وهناك بالطبع الانشقاقات العسكرية الأخيرة، وتحديدا هذا الأسبوع، وأبرزها انشقاق ثلاثة ضباط برتبة لواء، أحدهم قائد الشرطة العسكرية في سوريا، واثنان من القوات الجوية!

وبعيدا عن الأوضاع العسكرية، ففي تركيا - ولأول مرة - التقى رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض كمال قليشدار أوغلو وفدا من المعارضة السورية، وأهمية ذلك تكمن في أن رئيس حزب الشعب التركي كان شديد الانتقاد لموقف الحكومة التركية الداعم للثورة السورية، بل إن رئيس الوزراء التركي أردوغان كان يتهم زعيم المعارضة التركية بالتقارب مع طاغية دمشق! والأمر لا يقف هنا، فكما ذكرنا من قبل فإن الروس الآن هم من يبحثون عن مخرج لهم من دعم الأسد، ويبدو أنهم يقومون بذلك بكل اقتدار، والسبب أن الأسد لم يستوعب بعد أن كل شيء قد انتهى. فحسبما نقلت بالأمس وكالة الصحافة الفرنسية، فإنه من الواضح الآن أن روسيا باتت تعترف بأن نظام الأسد «قد يكون قريبا من نهايته، وهو ما يشير إلى أن الكرملين بدأ يعد لمرحلة ما بعد النظام»، حيث نقلت الوكالة عن فيودور لوكيانوف رئيس «مجلس السياسات الخارجية والدفاعية» في موسكو أن «روسيا ليست غافلة عن واقع الأمور، والدبلوماسيون الروس ليسوا أغبياء. إنهم مدركون أن الأمور تسير باتجاه واحد»، مضيفا أنه «بات معروفا للجميع ما ستؤول إليه الأمور في نهاية المطاف، ولكن من غير المعروف متى سيحدث ذلك».

لذا، فإن كل ما يحدث الآن يقول بأن الجميع بات على قناعة بأن الأسد انتهى، وكل ما يدور الآن هو لرسم مرحلة ما بعد الأسد، لكن الأسد وحده الذي لم يستوعب ذلك، مما يعني أن نهاية الطاغية ستكون قاسية جدا، وعلى الجميع. عليه، فإن الواجب، وكما قلنا مرارا، أن تكون النهاية مرسومة تماما، ولا تترك لعنصر المفاجأة؛ لأن العواقب ستكون وخيمة.

=================

لماذا تقبيل أيادي الروس؟

عبدالرحمن الراشد

الشرق الاوسط

29-12-2012

لا نفهم لماذا هذا الحرص المستمر منذ عام ونصف على محاولة إقناع الروس بالتخلي عن نظام الأسد في سوريا بعد أن بان عناد الكرملين، ولماذا هي محور العملية العربية إلى اليوم في سبيل وقف الإبادة ضد الشعب السوري.

سيد الكرملين فلاديمير بوتين أظهر وضوحا واستمرارية في موقفه الملتصق تماما ببشار الأسد، دعمه بالسلاح والخبراء، وحماه في مجلس الأمن، ودافع عنه في المحافل الدولية، بل وطبع له الليرات السورية أيضا، بعد أن منعت أوروبا مطابعها!

في البداية، كنا نخمن الأسباب، وكانت الوفود الخليجية وقوى المعارضة تزور موسكو تحاول فك اللغز الروسي بيد وتحمل الوعود والهدايا باليد الأخرى. قلنا ربما يعتقد الروس بحجج الأسد، أو خشية على مصالحهم، أو خوفا من المتطرفين الإسلاميين، أو حبا في مصالح مادية، كلها طرحت وأُمّنت لكن بلا فائدة.

الآن، وبعد أكثر من عام على هذه الزيارات والاجتماعات والهدايا والصفقات، بات واضحا أن السبب غير مهم، الاستنتاج الوحيد المتبقي أن روسيا ستقف مع بشار إلى النهاية، حتى وإن أصبحت تستخدم عبارات مزخرفة لتبرير مواقفها المعيبة.

روسيا حتى لو بدلت موقفها الآن فإنه قد فات الأوان ليصبح ذا قيمة. لقد ساعد الروس في إطالة الحرب وساهموا في القتل الذي بلغ المسجل منه إلى الآن خمسين ألف إنسان، ودمرت معظم المدن السورية، وهجر أكثر من ثلاثة ملايين إنسان. ما قيمة الموقف الروسي اليوم؟ فعلا لا شيء. إن تخلى الروس عن الأسد سيسقط في شهر والثمن على الثوار مقابله سيكون باهظا، وإن لم يتخلوا عنه فسيسقط في شهرين. لقد فات أوان تقليل الخسائر وصارت الحال معكوسة حيث إن وقف الحرب سيقلل من خسائر الأسد وجماعته.

كنا نتمنى من الروس التدخل في العشرين شهرا الماضية ليكونوا شركاء في السلم، لكنهم اختاروا ومعهم إيران أن يكونوا شركاء مع الأسد في جرائمه. كنا نتطلع لوقف النزيف مبكرا لتلافي أي ضغائن وثأرات وإقامة دولة مدنية تمثل كل السوريين لكن إطالة أمد النزاع من قبل حلفاء بشار هيأ الأرضية لظهور الجماعات الإرهابية، والانقسامات الداخلية. لم يعد هناك متسع من الوقت لانتقال سلمي سلس، كما يتحدث أصحاب الأماني الطيبة، مثل المندوب الأممي الأخضر الإبراهيمي.

لذا، لماذا الاهتمام بالروس والحج إلى موسكو وهي التي قادت سوريا إلى مستنقع الدم؟ لأننا نعرف جيدا أن نظام بشار مهيأ للانهيار منذ أكثر من عام، لم يكن حتى عنده وقود لتزويد الآلاف من دباباته لهدم البيوت ولم يملك الذخيرة الكافية لتزويد طائراته المقاتلة للاستمرار ثمانية أشهر يوميا في تدمير المدن. وكنا نعرف، والروس يعلمون، أنه يستحيل على نظام مهما كان محصنا بقواته أن يبقى في داخل دولة معظم شعبها ثار عليه. المسألة نتيجتها معروفة لكن تاريخ سقوطه هو المجهول.

لهذا لم نعد نريد أن يستمر استجداء الروس، فالمقابر والثكلى واليتامى والمكلومون والكارهون لن يقبلوا بكل الحلول التي يريدها الروس أو يوافقون عليها.

==========================

لماذا رضي العالم ببشار الأسد؟

د. عوض السليمان 

المصدر: صحيفة العصر 21/12/2012

أياماً قليلة فقط، كانت كافية ليجتمع مجلس الأمن ويقرر بالإجماع الموافقة على إرسال قوات أفريقية إلى مالي لاستعادة السلطة من أيدي الإسلاميين. وأياماً فقط مضت على استلام الرئيس محمد مرسي السلطة في مصر حتى بدأت الحكومات الغربية وعلى رأسها أمريكا تأليب العلمانيين والليبراليين على الديمقراطية التي يدعي الغرب بأنه من حماتها.

تختلف المسألة في الحالة السورية، إذ يقف الغرب والشرق على حد سواء إلى جانب القاتل. ويصبرون على إجرامه سنتين كاملتين، ذلك لأن القاتل يعرف كيف يكون عبداً لهم، ويعرف كيف يخدم مخططاتهم في المنطقة.

وتعتمد إستراتيجية الأسد في الحفاظ على كرسيه على ثلاث نقاط رئيسة أصبحت واضحة للعيان، أولها قتل السنة في سورية بما يخدم الكيان الصهيوني بشكل مباشر ويخدم الغرب الذي يسعى لإضعاف المسلمين السنة في المنطقة العربية، ومنعهم من تشكيل كتلة قوية أو هامة.

والناظر إلى براميل الموت والقصف الوحشي الأسدي على الشعب السوري سيجده حتماً متركزاً على مناطق السنة ليس إلا. ولا شك في أن تصرف الأسد هذا يدفع حزب الله وإيران إلى الوقوف إلى جانبه على أساس طائفي.

كما يدفع روسيا للوقوف في صفه، وهي التي صرح وزير خارجيتها قبل أشهر أن على العالم أن يحذر من خطر المسلمين السنة. ليس هذا فحسب، بل وقف بعض العلمانيين مع الأسد بسبب هذه الوحشية في التعامل مع المسلمين السنة في البلاد. وقد أراد بشار أن يصيد عدة عصافير بوقت واحد، الغرب والأقليات وإيران وبعض العلمانيين أيضاً.

النقطة الثانية: سعى الأسد لإظهار نفسه للغرب وللصهاينة  خاصة، أنه قادر على الدفاع عن أمن الكيان من خلال تقتيل الفلسطينيين في سورية وتشريدهم مرة ثانية بعد أن فعل العدو الصهيوني ذلك على مدى ستين عاماً.

وهذا ما يفسر بالطبع اعتداء شبيحة الأسد وقواته على مخيم الرمل في اللاذقية، ثم هجومه بالمدفعية على حي التضامن في دمشق، وأخيراً هجومه بطائرات الميغ على مخيم اليرموك في دمشق ودرعا، وقتله للعشرات، وتشريد سكانه إلى لبنان.

والمشكلة لم تنته بالطبع بتشريد الفلسطينيين بل إن هؤلاء لا يستطيعون الدخول إلى لبنان إلا عن طريق موافقة الحكومة السورية على سفرهم وتقديم تبريرات لهذا السفر،وعلى أي فلسطيني يريد مغادرة سورية "بلد الممانعة"، أن يتوجه إلى دائرة الهجرة والجوازات ليبرر سفره. وهكذا علق الفلسطينيون على الحدود بين دولتين عربيتين واحدة تقتلهم وأخرى تمنعهم من الدخول.

بعد ذلك من الطبيعي أن نسأل كيف يمكن للكيان الصهيوني أن يجد أفضل من بشار الأسد لخدمته؟ فهو يقضي على الفلسطينيين بأيدي غيره لا بيديه. بل قد يبدي هذا الكيان تعاطفه مع الفلسطينيين المهجرين بفضل النظام في دمشق.

النقطة الثالثة: يظهر بشار الأسد نفسه كحاجز علماني أمام المد السلفي، ويعاونه في ذلك الأمريكيون الذين يريدون أن يتدخلوا في سوية للاستفادة من الثورة، فقد أعلن النظام أن جبهة النصرة إرهابية، وتبعته في ذلك الخارجية الأمريكية. وعلى كل حال فإن بشار الأسد قاتل المسلمين والفلسطينيين خير لأمريكا من اللحى الطويلة وصيحات الله أكبر.

تنكشف عورة العالم الغربي وأمريكا اليوم، عندما يصرح أمين عام حلف الناتو أن حلفه رصد إطلاق صواريخ سكود على المدن السورية. فهو يعترف أن حلفه يعرف حجم الجرائم التي يقوم بها بشار الأسد، وأنه لن يفعل شيئاً في الوقت نفسه.

فالمسألة هنا ليست مالي ولا العراق، إنها مسألة إطالة عمر صديق خدوم هو بشار الأسد. العالم الذي يعرف أن رجلاً يقتل شعبه بصواريخ سكود ولا يفعل شيئاً، هو عالم بلا أخلاق ولا ضمير.

هذا العالم الذي يترك الشعب السوري يذبح بالسكاكين ويقصف بالطائرات بل وبصواريخ سكود ثم لا يجد شيئاً ليفعله إلا أن يتهم المقاتلين ضده بأنهم إرهابيون، يعتبر بشكل أو بآخر أن السوريين لا حقوق لهم عند المنظمات الدولية ويتهرب بالتالي من تقديم أي مساعدة لهم.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ