ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم 01-01-2013 الثلاثاء، 01
كانون الثاني 2013 02:10 د. عيدة المطلق
قناة السبيل رغم تغوُّل نظام
الأسد في الجريمة والوحشية، وانكشاف
التخاذل العربي، وافتضاح التواطؤ
الدولي، ورغم جسامة التضحيات وقوافل
الشهداء، ومناظر الأشلاء، وشلالات
الدماء، ها هي الثورة السورية المجيدة
في شهرها الحادي والعشرين، تشهد
تحولات متسارعة نحو الحسم، أركان
النظام في حالة انهيار متسارع،
وتتواصل الانشقاقات بين صفوف
العسكريين، ولم تتوقف، بين صفوف
السياسيين، وعلى الأرض فقد النظام
السيطرة على مساحات كبيرة من سوريا،
والجيش السوري الحر يتقدم بقوة وثبات
على الأرض وفي مختلف مناطق سوريا،
ومعركة انتهاء النظام تكاد تحسم في
حلب، وووصلت حتى قلب دمشق. بالمقابل، ما يزال
خطاب النظام مرتبكاً متناقضاً لم
يغادر المقولات والأحكام المعلبة، ولا
يتوقف ساسة النظام وقادته العسكريين
عن الحديث عن البطولات التي يخوضها «الجيش
والقوات المسلحة» ضد الثائرين «العصابات
المسلحة» وحاضنتهم الشعبية «المؤامرة
الكونية»، وما يزالون يتحدثون عن
معركة الحسم التي بدؤوها في حمص، ثم
انتقلوا للحسم في إدلب، فدرعا، وعن «أم
المعارك» في حلب، وها هي معركة النظام
الأخيرة قد بدأت وأخذ النظام يفقد
السيطرة على مساحات كبيرة من سوريا،
والجيش السوري الحر وقوى الثورة يحقق
إنجازات نوعية من حيث التقدم
والانتشار الأفقي والعمودي ويسجل
انتصارات واضحة، ورغم فارق القوة
العسكرية واللوجستية، فقد أنجز الجيش
الحر تحرير مناطق واسعة من سوريا،
والجيش النظامي في حالة إنهاك بعد
إقحامه في معارك الشوارع وما تشهده
صفوفه من انشقاقات، وانهيارات نفسية
ومعنوية بوضعهم تحت ضغط التغرير
والترغيب من جهة، والترهيب والترهيب
تحت تهديد الإعدام الميداني والتصفية
والاعتقال، واستخدامهم ضحية أو وقوداً
لخدمة بقاء رموز النظام في السلطة. النظام السوري في
الأصل ليس بنظام، بل هو عصابة غاصبة
متفردة امتهن الظلم والوحشية والبطش،
واعتاش على الدماء والاستئصال
والاجتثاث، وأفرغ الحياة السياسية من
أي تنظيم أو فصيل سياسي فعّال لصالح
هيمنة هذه العصابة المارقة من الطغاة
الذين تفوقوا على سائر الطواغيت. وارتهن المدنيون
الأبرياء بعقلية الشبيحة الجرائمية
التي تحرص على القتل والتنكيل، نظام
زرع الخوف وسحق إنسانية شعبه، وأفقده
قدرته على الاعتراض عقوداً طويلة من
الظلم والسواد! حين بدأ أصحاب الحق
بالتململ العلني، كان من الطبيعي
لنظام لا يملك أي بدائل للبطش والقتل
أن يفقد كل أعصابه، فما كان منه إلا أن
اتخذ منذ البداية نهج الصدمة
والترويع؛ فاستباح كافة الحرمات
والمحرمات، بل سجل براءة اختراع لحاكم
يقتل شعبه ويدمر وطنه، لم يدع مرفقاً
إلا واستهدفه.. المخابز والأسواق..
التاريخ والآثار والمتاحف.. المساجد
والكنائس.. المدارس والمستشفيات
والملاجئ.. المساكن والمخيمات.. وحتى
المقابر.. نظام رهن كل مكونات سوريا
بشرعة الغاب وللحالة العصابية التي
تعيشها رموز هذه العصابة وعناصرها،
كما ارتهن الشعب بالغرائز يسعى جاهداً
ليأخذ قوى الثورة رهينة الانتقام،
ويأخذ الموالين له رهينة الخوف، ويأخذ
الجيش رهينة سياسة الإعدام الميداني
والتصفية والاعتقال والانتقام! وطور
أوحش وأغرب وسائل هذا النهج واتخذ من
الإرهاب بالمجازر الجماعية والتدمير
المنهجي وسياسة الأرض المحروقة
استراتيجية عسكرية لوأد الثورة، بآلة
عسكرية وأسلحة محرمة وأسلحة غبية
عالية التدمير، بدءا من القنابل
العنقودية وصولاً إلى براميل «تي إن تي»
والغازات السامة تحصد الأرواح حصدا،
حتى غطت المجازر الجماعية معظم
محافظات الوطن السوري مروراً
بالمخيمات الفلسطينية، إذ امتدت حالة
السعار العصابية إلى مخيمات اللاجئين
الفلسطينيين حين أدخلها منذ البداية
في معادلات صراعه مع شعبه ليسقط ورقة
التوت الأخيرة عن خرافة المقاومة
والممانعة، فتتأكد عداوته للإسلام
والعروبة وكل الشعب السوري، ولفلسطين
شعباً وقضية!! بمثل هذا النهج أغلق
نظام الأسد كافة الآفاق، ووضع الثوار
والوسطاء في وضع صعب من انعدام
الخيارات، فلم يبق للثوار سوى خيار
إسقاط النظام بكافة رموزه وأركانه،
ومساءلتهم وملاحقتهم ومحاكمتهم
كمجرمي حرب ارتكبوا كل أشكال الجرائم
ضد الإنسانية الموصوفة والمجرمة في
شرائع السماء والأرض من شرعة حقوق
الإنسان والقانون الدولي وقانون
المحكمة الجنائية الدولية. ================= فايز سارة 1 كانون الثاني
2013 القدس تثير الأحداث
الأخيرة في مخيم اليرموك أكبر
المخيمات الفلسطينية كثيرا من النقاط
التي تتعلق بالوجود الفلسطيني في
سوريا، ومدى تأثره وتأثيره في الأحداث
التي تعيشها البلاد منذ نحو عامين،
وصولا إلى الإجابة عن سؤال مطروح اليوم
خلاصته: هل يمكن تحييد الفلسطينيين
والمخيم الفلسطيني خصوصا في الصراع
الدائر بين السلطة ومعارضيها
السوريين؟ وهو سؤال تبدو الإجابة عنه
ضرورية لمعرفة ما سيكون عليه وضع
المخيمات الفلسطينية ومجمل وضع
الفلسطينيين هناك في الفترة القريبة
المقبلة. جاء القسم الأكبر من
الفلسطينيين إلى سوريا خلال الحرب
العربية - الإسرائيلية 1948، فيما جاء
قسم منهم قبل ذلك، وآخرون وصلوا إلى
سوريا من لبنان بعد الحرب بسنوات،
وتوزع الفلسطينيون الذين بلغ عددهم
نحو ثمانين ألفا على عدد من المحافظات
السورية بينها دمشق ودرعا وحمص وحماه
وحلب واللاذقية، وقد أقيم فيها جميعا
مخيمات أكبرها مخيم اليرموك بدمشق
والذي شهد أحداثا مأساوية في الشهر
الماضي قتل فيها وجرح مئات من الأشخاص،
كما تسببت في نزوح القسم الأكبر من
سكانه البالغ عددهم زهاء مائة وخمسين
ألف نسمة من مجموع فلسطينيي سوريا
وعددهم أقل بقليل من 400 ألف. ولم يقتصر توزع
الفلسطينيين في سوريا على المخيمات،
بل تجاوز ذلك إلى مختلف أنحاء البلاد،
وهذا يشكل مدخلا لفهم وضع الفلسطينيين
في هذه البلاد، التي أقرت منذ وصولهم
إليها معاملتهم معاملة المواطن
السوري، إلا فيما يتعلق بأمرين، الأمر
الأول الحفاظ على شخصيتهم الوطنية
المستقلة باعتبارهم مواطنين
فلسطينيين من الناحية القانونية لحفظ
حقوقهم فيما يتصل بعودتهم إلى وطنهم
فلسطين، والثاني إبعادهم عن الاندماج
الشامل في المواطنة السورية بمنعهم من
المشاركة في عمليات الانتخاب المتعلقة
باختيار أعضاء المجالس التمثيلية بما
فيها المجلس النيابي أو مجلس الشعب،
وإبعادهم عن المشاركة في اختيار رئيس
الجمهورية انتخابا أو بالاستفتاء. وإذا كانت وضعية
مساواة الفلسطينيين بالسوريين، جاءت
في إطار سياسة حكومية، فإن هذه السياسة
لم تكن بعيدة عن الخيارات الشعبية
للسوريين، بل هي جاءت نتيجتها أساسا،
حيث استقبل السوريون اللاجئين
الفلسطينيين في عام 1948 وقدموا لهم كل
ما استطاعوا من مساعدة أخوية، خففت من
مشكلات لجوئهم، وساعدت في إعادة تطبيع
حياتهم ودمجهم في المجتمع السوري عبر
مختلف الأشكال بما في ذلك الزواج
المختلط، قبل أن يتم تشريع تلك
المحددات وفق الأطر القانونية التي
حددت وضع الفلسطينيين في البلاد. وكان من نتائج تلك
المحددات في تعامل السوريين مع
الفلسطينيين، أن اندمج الفلسطينيون في
الحياة العامة. حيث هم موجودون في
مختلف الأنشطة الاقتصادية من الزراعة
والصناعة والتجارة إلى الخدمات،
وموجودون في المؤسسات والهيئات
الاجتماعية والسياسية ومنها النوادي
والجمعيات والأحزاب السياسية، وهم
حاضرون في الوظائف العامة حتى مراتبها
الإدارية العليا من مرتبة معاون وزير،
وموجودون في صفوف القوات المسلحة،
وتطبق عليهم أنظمة التجنيد ونظام خدمة
الضباط، ومسموح للفلسطينيين بتملك
وإدارة المشاريع، إضافة إلى ملكية دور
السكن، كما جرى السماح لهم بإقامة
وتنظيم الأنشطة التي تخصهم في مختلف
المجالات سواء كانت تحت لافتة منظمة
التحرير الفلسطينية والجماعات
المنضوية في إطارها أو خارج تلك
اللافتة. باختصار شديد كان وضع
الفلسطينيين مميزا بالمستويين الرسمي
والشعبي في سوريا مقارنة بأوضاعهم في
بقية البلدان العربية. لقد جعلت تلك الوقائع
من فلسطينيي سوريا أقرب إلى المواطنين
السوريين، وبدا من الطبيعي تأثرهم بما
حدث في البلاد من حراك شعبي رفع شعارات
الحرية والكرامة، ومطالب الانتقال إلى
نظام ديمقراطي يوفر العدالة والمساواة
لمواطنيه، غير أنه وبسبب خصوصية
القضية الفلسطينية في مواجهة إسرائيل،
وحتى لا يستغل حضور الفلسطينيين في
الشأن السوري من جانب السلطات في
التضييق عليهم، فقد أبدت أوساط في
المعارضة السورية وفي الجماعات
الفلسطينية رغبة في إبقاء المخيمات
الفلسطينية خارج الحراك الشعبي منذ
بدايته في عام 2011، غير أن هذا التوجه
اصطدم برغبة مؤيدي السلطات السورية من
الفلسطينيين أمثال أحمد جبريل ومنظمته
الجبهة الشعبية القيادة العامة في
تحشيد المخيمات ضد الحراك الشعبي
السوري وهو يتناغم مع رغبة سورية
رسمية، الأمر الذي أدى إلى توترات
وصراعات داخل وعلى أطراف مخيم اليرموك
الذي يتداخل سكانه الفلسطينيون
والسوريون وهو محاط بأحياء ذات أغلبية
سورية، انتقلت من الحراك الشعبي إلى
العمل المسلح في إطار الجيش السوري
الحر، وهو ما كان مدخلا للتطورات
الأخيرة في تحول المخيم إلى ساحة
مواجهة بين الجيش الحر وقوات القيادة
العامة المدعومة من الجهات الأمنية
والعسكرية السورية. خلاصة الأمر، أنه من
الصعب الفصل بين الفلسطينيين
والسوريين في الواقع السوري نتيجة
عمومية الأوضاع السياسية والاقتصادية
والاجتماعية التي يعيشون في ظلالها،
لكن جهودا بذلت في المستوى الشعبي
والسياسي السوري/الفلسطيني لتحييد
المخيمات ولا سيما مخيم اليرموك، غير
أن ذلك اصطدم برغبات موالي النظام من
الفلسطينيين مما أدى إلى مشكلة
المخيمات، الأمر الذي يعني ضرورة قيام
السلطات السورية والموالين لها من
الفلسطينيين بتأكيد حيادية المخيم
عملا لا قولا، وهو ما يحتاج إلى تأكيد
مقابل من المعارضة السورية ولا سيما
الجيش الحر ومن جانب قيادات التنظيمات
الفلسطينية الأخرى نظرا لخصوصيات
الوضع الفلسطيني فقط. ================= سوريا
2012: المعارضة تحقق مكاسب سياسية في
الخارج.. وصمود وتقدم ميداني في الداخل آلة القتل
النظامية لم ترحم المدنيين المختبئين
داخل منازلهم وفي الملاجئ بيروت: ليال أبو
رحال الشرق الاوسط عام مجبول بالدماء
ورائحة الموت والرصاص وبغبار الدمار
وعويل الثكالى وأنين الأطفال، عاشته
سوريا طوال 12 شهرا من عمر الثورة
السورية التي انطلقت شرارتها في منتصف
شهر مارس (آذار) 2011. صحيح أن المعارضة
السورية، شعبيا وسياسيا وعسكريا،
تمكنت من الصمود في وجه آلة القتل
النظامية التي لم ترحم مدافع دباباتها
وطائراتها الحربية المدنيين
المختبئين داخل منازلهم وفي الملاجئ،
أو الواقفين في طوابير طويلة للحصول
على ربطة خبز أو جرة غاز أو عبوة مياه،
لكن حجم الدمار بات هائلا والخسائر
البشرية عدا عن المادية أكبر من القدرة
على التصور. وإذا كانت المعارضة
السورية قد خطت خلال هذا العام خطوات
كبرى، على أكثر من مستوى، سواء على
صعيد توحيد صفوفها السياسية وقيادتها
العسكرية أخيرا بالتزامن مع انشقاقات
سياسية وعسكرية وقضائية ودبلوماسية
هزت عرش النظام السوري، غداة توسع رقعة
المظاهرات ووصول كتائب الجيش السوري
الحر إلى أعتاب القصر الرئاسي في دمشق
واستهداف مفاصل حساسة في النظام
السوري. وهي دفعت ثمن ذلك أكثر من 45 ألف
قتيل و200 ألف معتقل، عدا عن آلاف
المخفيين القسريين وإجمالي نازحين إلى
دول الجوار بلغ وفق مفوضية شؤون
اللاجئين نحو نصف مليون نازح، إلا أن
النظام السوري لا يزال صامدا ولا
يتوانى عن استخدام كل ما أوتي من
أساليب وأسلحة، بما فيها صواريخ «سكود»
والأسلحة الكيماوية، وفق ما يؤكده
ناشطون سوريون أخيرا، من دون أن يردعه
رادع. في موازاة ذلك، لا يزال المجتمع
الدولي عاجزا عن التدخل فعليا ووقف سفك
دماء السوريين. مبادرات تلو الأخرى،
رفضها الرئيس السوري بشار الأسد، ورأت
فيها المعارضة مهلا إضافية لنظامه.
وفيما تتمسك الأخيرة بإصرارها على رفض
أي حل لا يتضمن رحيل الرئيس السوري
ومحاكمة أركان نظامه، لم تقدم
المبادرات المقدمة من المجتمع الدولي
والأطراف المعنية، واحد تلو الأخرى،
أي مخرج جدي. في مراجعة مختصرة
لأحداث عام 2012، يمكن القول إنه عام
المخاض العسير لولادة حرية يأمل
السوريون أن تكون قريبة، مع قناعتهم
المتزايدة بأن سقوط النظام السوري بات
وشيكا، مستندين في ذلك إلى معطيات عدة،
ليس أولها ما تبرهنه الوقائع
الميدانية ولا آخرها اعتراف أبرز
حلفاء الأسد الإقليميين والدوليين
بالمعارضة السورية بعد أن كانوا في
مرحلة سابقة ينكرون وجودها أصلا. في
المقابل، يواصل النظام السوري حربه ضد
الأعمال «الإرهابية» لـ«المندسين»
سابقا و«العصابات المسلحة» راهنا. ولم
ينفك النظام كما المعارضة عن التفاؤل
بنهاية قريبة، لا يعلم أحد متى ستكتب
سطورها. ميدانيا، تمكنت
المعارضة السورية من إثبات صمودها
الشعبي، حيث تحدى آلاف السوريين
أسبوعيا مدفعية الدبابات النظامية
وغارات طائرات «ميغ» الحربية بالنزول
إلى الشوارع والسير في مظاهرات، بعد
صلاة كل يوم جمعة، مطالبين بإسقاط
النظام السوري وبدعم الجيش السوري
الحر. لم يرد النظام السوري بدك
البلدات والمدن السورية فحسب، بل
بارتكاب المجازر التي أمست خبرا
روتينيا في يوميات الشعب السوري. وأبرز
هذه المجازر، تلك التي وقعت في حي
الخالدية بحمص مساء 3 فبراير (شباط)
الماضي، عندما تسبب قصف القوات
النظامية بمقتل 337 شخصا وجرح 1600 آخرين
في ليلة واحدة. وفي 26 مايو (أيار)
الماضي، وقعت مجزرة في قرية الحولة في
حمص، حصدت ما لا يقل عن 106 قتلى، بينهم 50
طفلا، وأكثر من 550 جريحا، قال ناشطون إن
عناصر أمنية ومن الشبيحة هاجموا
البلدة من القرى العلوية المحيطة بها
وقاموا بتصفية عائلات بأكملها، قضى
بعضهم ذبحا بالسكاكين. وإثر المجزرة،
أعلنت كل من الولايات المتحدة وفرنسا
وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا
وإسبانيا وهولندا وبلغاريا وكندا
وأستراليا وسويسرا طرد الدبلوماسيين
السوريين منها. في 12 يوليو (تموز)،
ارتكب النظام السوري مجزرة التريمسة
في حماه، أمام أعين المراقبين
الدوليين، وذهب ضحيتها أكثر من 200 شخص،
لكن النظام أنكر وقوع مجزرة، معتبرا أن
«ما حصل اشتباك بين الجيش السوري
وجماعات إرهابية مسلحة». وفي 23 ديسمبر (كانون
الأول)، استهدف الطيران الحربي طابورا
من المواطنين كانوا ينتظرون أمام فرن
للحصول على الخبز في مدينة حلفايا
بحماه، بعد ثلاثة أيام من الاشتباكات،
مما أدى إلى مقتل 200 شخص على الأقل
بينهم نساء وأطفال إضافة إلى عدد من
الجرحى. هذه المجازر غيض من
فيض مجازر شهدتها مناطق سورية عدة عام
2012. ويقول الشيخ خالد المسلط، عضو
الائتلاف الوطني لقوى الثورة
والمعارضة السورية وعضو المكتب
التنفيذي في المجلس الوطني السوري، لـ«الشرق
الأوسط» إن «إنجازات الثورة الميدانية
كان ثمنها باهظا، لأن قتل شخص أو عشرة
أو مائة يعد مجزرة». ويشدد المسلط على
أن «النظام السوري، وعوض أن يصون الشعب
السوري تفنن في أساليب قتله خلال هذا
العام، فاستخدم الطيران الحربي براميل
(تي إن تي) المتفجرة وصواريخ (سكود)
وصولا إلى السلاح الكيميائي»، مشيرا
إلى أن المناطق السورية وإن باتت مدمرة
بنسبة 70 في المائة لكن 80 في المائة منها
محرر. عسكريا، خاض الجيش
السوري الحر بمؤازرة كتائب معارضة
اشتباكات ضارية في حمص وإدلب وحماه
وحلب ودير الزور ومناطق أخرى وصولا إلى
العاصمة دمشق وريفها، مع عسكرة الحراك
الشعبي تدريجيا. وتمكن من أن ينهك
القوى النظامية، التي وإن كانت لا تزال
متماسكة، إلا أنها ووفق ما يؤكده
ناشطون سوريون وعسكريون منشقون مرارا
وتكرارا تقاتل «مجبرة» وبـ«معنويات
منهارة». وتصدر اسم «جبهة
النصرة» ذات الطابع الإسلامي المتشدد
وسائل الإعلام العربية والعالمية بعد
تبنيها سلسلة تفجيرات وعمليات نوعية
في حلب ودمشق تحديدا. وكثرت التساؤلات
حول هويتها ودورها وأعداد المنتسبين
إليها، بعد أنباء عن علاقتها بتنظيم
القاعدة. وفي النصف الثاني من شهر
ديسمبر، أدرجت الولايات الأميركية
المتحدة «جبهة النصرة» على قائمتها «للمنظمات
الإرهابية الأجنبية»، ما لقي انتقادا
من قبل المعارضة السياسية التي رفضت
وصم أي جهة تتصدى للنظام السوري بتهمة
«الإرهاب». ورغم إمكانيات «الجيش
الحر» المتواضعة، لكنه تمكن من تحقيق
إنجازات عدة والتصدي للطائرات ومدفعية
الدبابات، معلنا تحرير مناطق عدة
والسيطرة على معابر حدودية عدا عن
إسقاط طائرات النظام الحربية مرات
عدة، كان أولها في الرابع من أغسطس (آب)،
عندما أسقط طائرة كانت تغير على هدف
قرب مبنى الإذاعة والتلفزيون في حلب.
ونهاية شهر سبتمبر (أيلول) الماضي،
وغداة توحد قيادة المعارضة في
الائتلاف، أعلنت مختلف تشكيلات «الجيش
الحر» تشكيل «القيادة المشتركة
للمجالس العسكرية الثورية». وفي ما يتعلق بتنظيم
المعارضة السورية، انتخب المجلس
الوطني السوري خلال عام 2012 رئيسين له
هما المعارض الكردي البارز عبد الباسط
سيدا في 10 يونيو (حزيران) الماضي، خلفا
لبرهان غليون، ثم المعارض المسيحي
البارز جورج صبرا في 9 نوفمبر (تشرين
الثاني) الفائت. وبالتزامن مع قيامه
بعملية إعادة هيكلة، وافق المجلس
الوطني على الانضمام إلى «الائتلاف
الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية»،
الذي أبصر النور في 11 نوفمبر في
الدوحة، بعد ضغوط دولية وعربية. وانتخب
الائتلاف الذي حظي باعتراف عربي ودولي
واسع، الداعية الإسلامي المعروف أحمد
معاذ الخطيب رئيسا للائتلاف. ورغم حراك المعارضة
السياسية، من خلال «المجلس الوطني» ثم
«الائتلاف المعارض»، والمشاركة في
مؤتمرات عدة استضافتها كل من إسطنبول
والقاهرة والدوحة وباريس وجنيف ومراكش
وشاركت فيها أبرز الدول العربية
والغربية، لكنها لم تنجح في الحصول على
أكثر من وعود ومساعدات إغاثية لا تذكر.
ومع نعي مبادرات الجامعة العربية لحل
أزمة سوريا، بداية عام 2012، لم يتمكن
المجتمع الدولي من تقديم أي مبادرة أو
مخرج عملي. هكذا فشل الأمين العام
السابق للأمم المتحدة كوفي أنان، الذي
عينته الأمم المتحدة مبعوثا أمميا إلى
دمشق في 23 فبراير الماضي في تطبيق خطة
اقترحها من 6 بنود، أبرزها وقف إطلاق
النار وسحب المظاهر العسكرية، لكنه
سرعان ما استقال من مهامه بعد أن فشل في
تحقيقها وتم تعليق عمل بعثة المراقبين
الدوليين. وحمل أنان مسؤولية الفشل
للحكومة السورية بسبب «تعنتها ورفضها
تنفيذ الخطة التي قدمها»، على حد
تعبيره. في 17 أغسطس، عينت
الأمم المتحدة الدبلوماسي المخضرم
ووزير الخارجية الجزائري الأسبق
الأخضر الإبراهيمي موفدا أمميا إلى
سوريا، خلفا لأنان، لكن الإبراهيمي
الذي جهد لإرساء هدنة خلال عيد الأضحى،
لم يتمكن بدوره حتى اللحظة من القيام
بأي خطوة عملية. وبعد زيارتين إلى
دمشق، التقى خلالهما الأسد، الأولى
بعد تعيينه والثانية في 25 ديسمبر
الحالي، تبين أن المبادرة التي بلورها
خلال الأشهر الأخيرة لا تزال تراوح في
المربع الأول، وسرعان ما رفضتها
المعارضة. إذ تنص على إنشاء حكومة
انتقالية مقبولة من طرفي النزاع؛ شرط
أن يبقى الأسد في السلطة من دون
صلاحيات حتى عام 2014. كذلك، رفضت
المعارضة السورية كل الاقتراحات
الروسية والإيرانية التي دعت إلى
الحوار مع النظام، مكررة رفضها لأي
مبادرة لا تتضمن في بندها الأول رحيل
الأسد. ولم يثمر بعد رهان
المعارضة السورية على تبدل في الموقف
الروسي، رغم صدور تصريحات عن
دبلوماسيين روس في الأشهر الأخيرة
أوحت بتبدل أو بـ«صحوة» في الموقف
الروسي، لكن الخارجية الروسية عادت
ونفتها كما حصل إثر تصريح سفير روسيا
لدى فرنسا ألكسندر أورلوف الذي قال في
20 يوليو الماضي: «صحيح أنه من الصعب
تصور أن الأسد سيبقى. سيرحل وأعتقد أنه
هو نفسه يدرك ذلك، لكن يجب تنظيم الأمر
بطريقة حضارية كما جرى في اليمن مثلا».
وتكرر النفي بعد إعلان ميخائيل
بوغدانوف، مبعوث الرئيس الروسي ديمتري
ميدفيديف الخاص إلى الشرق الأوسط،
ونائب وزير الخارجية سيرغي لافروف في 14
ديسمبر الحالي أن «النظام والحكومة
يفقدان السيطرة على البلاد أكثر
فأكثر، وبالتالي لا يمكننا استبعاد
انتصار المعارضة». وكانت روسيا قد
استخدمت مع الصين حق النقض الفيتو
لثلاث مرات ضد قرارات تدين النظام
السوري واستخدامه للعنف المفرط في
مجلس الأمن الدولي. وفي سياق متصل،
يأمل المسلط، وهو إضافة إلى عضويته في
المجلس الوطني والائتلاف المعارض،
يرأس مجلس القبائل العربية السورية،
أن «يحمل عام 2013 وضعا أفضل لسوريا».
ويقول إن «النظام السوري وبحسب رسائل
وصلتنا من مصادر متقاطعة يبحث عن
ضمانات، كما أن الموقف الروسي لم يعد
ذاك الموقف المتعنت إلى جانب النظام
وإن كان متعنتا تجاه المصالح الروسية»،
معربا عن اعتقاده بأن «ما يهم روسيا
أولا وأخيرا هو مصالحها الاستراتيجية
في سوريا». وفي موازاة تأكيد
المسلط على أنه «لم يعد ممكنا أبدا أن
يتسامح أحد مع الجلاد بعد عام دموي
بامتياز عاشته سوريا»، يقول أمين سر
المكتب التنفيذي في المجلس الوطني
وعضو الائتلاف الدكتور هشام مروة لـ«الشرق
الأوسط» إنه «ينطبق على أداء المجتمع
الدولي عبارة (أسمع جعجعة ولا أرى
طحينا)»، موضحا «إننا سمعنا كلاما
جميلا لكننا لم نر أفعالا وإجراءات». ويعرب مروة عن
اعتقاده أنه «لدى المجتمع الدولي
مصالح استراتيجية وحساباته الخاصة،
فيما يحتاج الشعب السوري للغذاء
والحماية والتمكين والسلاح ليستطيع
الدفاع عن نفسه بمواجهة نظام تخطى
الخطوط الحمر على المستويات السياسية
والعسكرية والإنسانية، وبات يقصف
المخابز والأفران من دون أن يجد من
يردعه أو يعاقبه، علما أنه في تاريخ
البشرية لم يسجل لأي نظام ما اقترفه
نظام الأسد بحق الشعب السوري». ويميز مروة بين أداء
السياسي والأداء الحقوقي للمجتمع
الدولي. ويوضح في هذا الإطار أن «المجتمع
الدولي لم يتحرك مع ارتكاب النظام
السوري جرائم كبرى واستخدامه الطائرات
وصواريخ (سكود) وصولا إلى الأسلحة
الكيميائية مستهدفا المدنيين، كما أنه
لم يتخذ أي إجراءات جدية تدين النظام
السوري، متذرعا حينا بانتهاكات يقوم
بها الثوار ومشترطا حينا آخر وحدة
المعارضة». ويقول: «رغم أنه تمت معالجة
كل هذه الأمور، لكن المجتمع الدولي بقي
مترددا ولم يأت الدعم المرجو إلا من
بعض الدول العربية وتحديدا السعودية
وقطر»، مضيفا «إننا ما زلنا ننتظر دعما
أكبر وإغاثة على قدر حاجة الشعب السوري». حقوقيا، ينوه مروة،
الذي شغل منصب مدير المكتب القانوني في
المجلس الوطني، بالبيانات العالية
النبرة التي صدرت عن منظمات حقوقية
دولية وقفت إلى جانب الثوار ونددت
بإجرام النظام السوري. وكانت منظمات
عدة، على غرار منظمة العفو الدولية و«هيومان
رايتس ووتش»، إضافة إلى لجان حقوقية
وإنسانية تابعة للأمم المتحدة
والاتحاد الأوروبي، قد نشرت خلال عام
2012 تقارير أكدت فيها ارتكاب النظام
السوري جرائم ترقى إلى حد اعتبارها «جرائم
ضد الإنسانية»، وقالت إن «المدنيين هم
الضحايا الأساسيون لهجمات الجيش
السوري». كما حذرت من استخدام الأطفال
في النزاع السوري، متهمة قوات الأمن
السورية بتطبيق سياسة «الأرض المحروقة». في موازاة ذلك، تلقى
النظام سلسلة من الضربات بعد انشقاق
مسؤولين سياسيين وعسكريين
ودبلوماسيين وقضائيين عنه، كان أبرزها
سياسيا انشقاق الدكتور رياض حجاب رئيس
الوزراء السوري، في 6 أغسطس الماضي،
بعد شهرين على تعيينه في منصبه، بينما
أعلن التلفزيون السوري الرسمي إقالته
من مهامه. كما أعلن أربعة أعضاء من مجلس
الشعب السوري انشقاقهم عنه. وفي حين ترددت أنباء
عن كشف محاولة انشقاق نائب الرئيس
السوري فاروق الشرع ووضعه قيد الإقامة
الجبرية، لا يزال مكان وجود المتحدث
باسم الخارجية السورية جهاد المقدسي
مجهولا، بعد أنباء عن انشقاقه بداية
شهر ديسمبر. عسكريا، انشق عن
الجيش النظامي كل من العميد مصطفى
الشيخ، رئيس فرع الكيمياء وضابط أمن
المنطقة الشمالية في سوريا في 6 يناير (كانون
الثاني)، اللواء المتقاعد عدنان سلو،
رئيس أركان إدارة الحرب الكيماوية
السابق (14 يونيو)، العميد مناف طلاس،
صديق الأسد ونجل وزير الدفاع الأسبق
مصطفى طلاس، رئيس فرع المعلومات
بالأمن السياسي في دمشق العقيد يعرب
محمد الشرع، وهو ابن عم نائب الرئيس
السوري فاروق الشرع (5 أغسطس) مع شقيقه
الملازم أول كنان محمد الشرع من الفرع
نفسه. كما انشق كل من العقيد ياسر الحاج
علي من الفرع نفسه واللواء محمد أحمد
فارس الطيار في سلاح الجو الذي أصبح
أول رائد فضاء سوري. وفي 24 ديسمبر
الحالي، أعلن عن الانشقاق العسكري
الأرفع رتبة في صفوف النظام السوري،
وهو اللواء الركن والقائد العام
للشرطة العسكرية، عبد العزيز الشلال. كذلك، أعلن عدد من
الدبلوماسيين السوريين انشقاقهم من
مناصبهم، أولهم السفير السوري في
بغداد نواف الشيخ فارس (11 يوليو)، تبعه
في 24 من الشهر نفسه السفير السوري لدى
الإمارات عبد اللطيف الدباغ، وزوجته
القائمة بأعمال السفارة السورية في
قبرص لمياء الحريري، ثم لحق بهما في
اليوم التالي الملحق الأمني في
السفارة السورية لدى سلطنة عمان محمد
تحسين الفقير. وفي 30 من الشهر نفسه
استقال القائم بالأعمال السوري في
لندن خالد الأيوبي، تبعه قنصل سوريا
لدى أرمينيا محمد حسام حافظ. وعلى هامش الثورة
السورية، أعلن أكثر من 100 صحافي سوري في
20 فبراير تأسيس «رابطة الصحافيين
السوريين»، بعد 4 أيام على اعتقال 14
ناشطا سوريا بينهم الناشط والإعلامي
مازن درويش، رئيس المركز السوري لحرية
الإعلام والتعبير، وعدد من المثقفين
والناشطين السوريين. وبداية شهر
سبتمبر الماضي، تأسس «مجلس القضاء
السوري الحر»، الذي يضم عشرات القضاة
المنشقين عن وزارة العدل السورية
وقضاة عسكريين، ويرأسه القاضي طلال
حوشان. وفي 16 يوليو، عقدت
جماعة الإخوان المسلمين في سوريا
مؤتمرها العام الأول منذ 30 سنة في
مدينة إسطنبول التركية، بمشاركة قرابة
150 شخصية من قيادات سابقة وحالية، بحثت
خلاله في الوضع السوري وتحديات
تنظيمية. في موازاة ذلك، لم
يغب الأسد عن المشهد السياسي وإن قلت
إطلالاته الإعلامية ولم تتعد أصابع
اليد الواحدة وتدرج الأسد في مواقفه من
الحديث بداية العام عن «تآمر خارجي على
سوريا لم يعد خافيا على أحد»، مرورا
بإشارته إلى «حرب حقيقية» تشن على
سوريا من الخارج. وفي 5 يوليو، أعرب
الأسد في حديث لصحيفة «جمهورييت»
التركية عن أسفه «للأساليب العنيفة
التي استخدمتها قواته لقمع أول
الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت العام
الماضي». وقال: «إننا بشر ويمكن أن
نرتكب أخطاء»، متهما في الوقت عينه «جهات
أجنبية بدفع المال للمتظاهرين لزعزعة
الأمن في سوريا». وفي 29 أغسطس الماضي،
وصف الأسد، في مقابلة مع قناة «الدنيا»
السورية، الانشقاقات عن النظام بأنها
«تنظيف ذاتي للوطن»، لافتا إلى أن
بلاده تخوض «معركة إقليمية وعالمية
ولا بد من وقت لحسمها». كما شدد على أن «ما
يحصل في سوريا لا هو ثورة ولا ربيع؛ بل
هو عبارة عن أعمال إرهابية بكل ما
تعنيه الكلمة». وتجدر الإشارة إلى أن
وزير الداخلية السوري محمد الشعار
أعلن في 27 فبراير أن نحو 90 في المائة من
السوريين المشاركين في استفتاء على
دستور جديد طرحه الأسد للاستفتاء
عليه، وشهد تعديلات عدة أبرزها تعديل
المادة الثامنة التي تنص على أن حزب
البعث هو القائد للدولة والمجتمع كما
تم تحديد مدة الرئاسة بسبع سنوات
ولولايتين فقط، ما وصفته المعارضة
بأنه «مهزلة». وفي 7 مايو، أجريت
انتخابات مجلس الشعب السوري 2012، وتخطت
نسبة المشاركة وفق النظام أكثر من 50 في
المائة. ================= رون بن يشاي-
يديعوت أحرونوت | العرب 2013-01-01 شهدت الحرب الأهلية
الدائرة في سوريا تطورا مقلقا في إثر
التقارير التي تحدثت عن استخدام جيش
الرئيس بشار الأسد السلاح الكيماوي.
ومن هنا يطرح التساؤل الذي يقلق
المجتمع الدولي وإسرائيل: ما مصير هذا
السلاح الكيماوي الذي يقدر بنحو ألف طن
بعد سقوط نظام بشار الأسد؟ حتى الآن يجري الحديث
عن حوادث لا يتجاوز عددها العشرين، قام
خلالها الجيش السوري وميليشيات
الشبيحة التابعة للنظام باستخدام
الغازات أو مادة سائلة سامة ضد الأحياء
التي يسيطر عليها الثوار. ونظرا إلى
عدم العثور على شظايا القذيفة أو أي
نوع من السلاح الذي تشير بعض التقارير
أنه استخدم في إطلاق السلاح الكيماوي،
فمن الممكن أن يكون جرى نشر المواد
بطريقة يدوية، وهي طريقة معروفة لدينا. إن هذه الغازات لا
تتسبب بالضرورة في الموت، وهي ليست
قاتلة مثل السلاح الكيماوي العادي،
بالإضافة إلى أنها تتبخر بسرعة ولا
تترك أية تسربات أو رائحة، الأمر الذي
يجعل من الصعب تحديد طبيعتها،
وبالتالي الحصول على دلائل تثبت
استخدامها. لكن على ما يبدو فإن هذه
الغازات تتسبب في الاختناق، وتؤذي
عملية التنفس، كما تتسبب في حروق جلدية
مؤلمة, ومن الممكن أن تؤدي إلى موت
الأشخاص الذين يعانون من مشكلات صحية
أو اضطرابات في الجهاز التنفسي. ومن
المحتمل أن يكون النظام السوري بادر
بتطوير هذه المواد من أجل تخويف الشعب
واستخدام سلاح كيماوي دون التورط في
مواجهة رد فعل دولي. ويبدو أن المرة
الأخيرة التي جرى خلالها استخدام هذه
الغازات السامة كانت قبل أيام في مدينة
حمص، حيث توفي ستة أشخاص جراء إصابتهم
بها. يخصص رئيس الحكومة
بنيامين نتنياهو والمسؤولون الكبار في
الأجهزة الأمنية والاستخباراتية وقتا
واهتماما كبيرين للموضوع السوري,
ويزداد احتمال أن تنشأ ضرورة للتحرك
بالتعاون مع المجتمع الدولي من أجل
الحيلولة دون استخدام السلاح الكيماوي
ومنع انتقاله إلى أيدي أطراف أخرى. ويبدو أنه من أجل
التداول في هذه الأمور دعا نتنياهو
والأميركيون إلى اجتماع مع العاهل
الأردني الملك عبدالله في قصره، يأتي
هذا في وقت يقوم فيه نتنياهو بتسريع
وتيرة البناء في المناطق، ومع معرفته
المسبقة بأن خبر الاجتماع سوف يظهر إلى
العلن ويتم الكشف عنه. ويبدو أن اللقاء
شكل مناسبة للعاهل الأردني للتعبير
أمام نتنياهو عن قلقه من الخلاف الحاصل
مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس،
بالإضافة إلى تذمر العاهل الأردني من
جمود العملية السياسية. أما بالنسبة
إلى نتنياهو فكان هذا اللقاء بمثابة
فرصة لتهدئة مخاوف العاهل الأردني
فيما يتعلق بالموضوع الفلسطيني
والإيحاء بأن الأزمة الحالية الحاصلة
بسبب الاستيطان هي من قبيل التنافس
السياسي فقط بين الأحزاب. خلال الفترة الأخيرة
حظي موضوع السلاح الكيماوي السوري
بأهمية كبيرة في إسرائيل أو الأردن أو
تركيا, وذلك بعد أن تبين أن الجيش
السوري لم يعد يسيطر عمليا على أغلبية
الأراضي السورية. وفي الوقت الذي يقوم
فيه الثوار بمهاجمة معسكرات الجيش
ونهب مستودعات السلاح التي يملكها
النظام ويقتربون من مخازن السلاح
الكيماوي يلاحظ في المقابل الجهد الذي
يقوم به حزب الله وأنصاره من أجل
مساعدة النظام في دمشق على المحافظة
على معداته العسكرية ومحاولتهم نقل
بعض منظومات السلاح السوري التي
يعتبرونها تخرق توازن الردع إلى
عهدتهم. ولذا بات هذا الموضوع يشكل
المسألة الأولى وربما الثانية في سلم
أولويات الأمن الإسرائيلي. ويمكن القول إن الذي
سيفرض علينا في النهاية القيام بعملية
عسكرية ضد سوريا هي الظروف أو الشروط
التي ستتبلور على الأرض عقب رحيل الأسد.
وحتى الآن وما دام جيش الأسد يسيطر على
المخازن الأساسية للسلاح بصورة عامة
وعلى مستودعات السلاح الكيماوي بصورة
خاصة، فلا نية للقيام بمثل هذه العملية. يدرك الأسد
ومستشاروه الكبار وبصورة خاصة
المستشارون الذي خدموا مع الأسد الأب
بالإضافة إلى شقيقه ماهر هذا الأمر
جيدا، ولهذا السبب لا يريدون خلق
المزيد من التوتر مع المجتمع الدولي،
ولا يرغبون أيضاً في أي تدخل عسكري
أجنبي. لكن رغم كل هذا فإنهم يواصلون
حربهم الوحشية ضد الثوار، ولا يوفرون
أية وسيلة من الوسائل، ومن بين الأهداف
التي يسعون إلى تحقيقها إيقاع عدد كبير
من القتلى وسط السكان المدنيين سواء من
السنة أو الأكراد في المناطق الواقعة
تحت سيطرة الثوار، وذلك بالضغط غير
المباشر على مجموعات المعارضة المسلحة
ودفعها إلى الخروج من المناطق التي
سيطروا عليها. وفي النهاية نستطيع
الجزم بأن سقوط نظام الأسد لن يضع حدا
لحمام الدم الذي تشهده سوريا اليوم.
وتشير كل الدلائل إلى أن ما حصل في
أفغانستان منذ قرابة العقدين سيحصل
أيضاً في سوريا، وأن الحرب الأهلية بين
القبائل والأقليات الإثنية والدينية
ستستمر حتى بعد سقوط النظام وتفكك
الجيش. ================= 93 جمعة
سورية من الثورة أرعبت الأسد حتى
بأسمائها...السوريون بدؤوا بجمعة "الكرامة"
وختموا 2012 بـ "رغيف الدم" الإثنين 18 صفر
1434هـ - 31 ديسمبر 2012م دمشق - جفرا
بهاء العربية خرج السوريون على مدى
93 جمعة للتظاهر لإسقاط النظام، أيام
الجمع حملت أسماء سورية، وتلونت كلها
بدماء سورية، وإن كان السوريون بدأوا
ثورتهم بجمعة الكرامة في 25 آذار/ مارس
فإن شهداء تلك الجمعة أعطت للجمعة التي
أتت بعدها اسم "جمعة الشهداء"
وليشارك الأكراد من مدينة عامودا في
القامشلي لأول مرة في الثورة السورية. توالت أيام الجمع
وامتدت مساحات التظاهر على أرض سوريا
لتأتي جمعة الصمود ومن ثم "الإصرار"،
ولتلحقها "الجمعة العظيمة"، و"الغضب"
و" التحدي". وبعد مرور تلك الجمع
السبع، والتي حملت أسماء تدل على
الإصرار والتحدي للنظام، جاءت جمعة
"الحرائر" والتي أثرت بشكل نوعي
على سوريا، إذ انتفض السوريون في 13
أيار للتضامن مع الفتيات والنساء
المعتقلات بعد أن زادت أعدادهن في سجون
النظام السوري. كما لم يمر على
السوريين ضرورة الرد على ما حاول
النظام زرعه من تفرقة، فسموا جمعتهم
التاسعة في 20 أيار/مايو بـ"أزادي"
وهي كلمة كردية تعني الحرية. جمعة بابا عمرو كبرت عدة أجيال في
سوريا وهي تغني يومياً في المدارس
النشيد السوري "حماة الديار"، ومع
بداية الثورة في سورية وقف الجيش
السوري بجانب النظام فسمى السوريون
جمعة 27 أيار 2011 بـ"حماة الديار"
على أمل أن يذكروا جيشهم بأن واجبه
الدفاع عنهم وليس عن النظام. وقبل أن تأتي الجمعة
الحادية عشرة اهتزت أركان سوريا بمقتل
الطفل "حمزة الخطيب" الذي أصبح
أيقونة من أيقونات الثورة، إذ إنه وجد
مقتولاً عن طريق التعذيب حتى غطت صورته
معظم شاشات التلفزة العالمية والعربية
فأتت مظاهرات 3 حزيران باسم "أطفال
سوريا". تلتها جمعة "العشائر"
و"صالح العلي" و"سقوط الشرعية"
و"ارحل"، ومن ثم "لا للحوار"
و"أسرى الحرية" و"أحفاد خالد". جمعة عذرا حماة الشباب صانعو
المظاهرات انتموا لجيل خاف من حماة،
ولطالما اعتقد وآمن أن حماة ما هي إلا
مدينة طائفية متعصبة حمت الإخوان
المسلمين فعاقبها النظام. انتمى أولئك الشباب
إلى جيل استبدل صفة المجزرة بصفة
الأحداث، فدرسوا ورضعوا الخوف من ثدي
أمهم قبل أن يرضعوا الحليب فتحولت
مجزرة حماة بعقلهم وقلبهم لمجرد أحداث. وفي الثورة السورية
حملت الجمعة رقم 46 بتاريخ 3 شباط/فبراير
2012 اسم "عذراً حماة" بعد مجزرة
ارتكبها النظام مرة أخرى في حماة. وغنى السوريون في كل
المدن يومها "يا حماة سامحينا". وجاءت بعدها "روسيا
تقتل أطفالنا" و"المقاومة
الشعبية"، وكل تلك المظاهرات حملت
الكثير من الموت والدمار والقصف
والدماء، وراهن النظام على أن يستكين
الشعب السوري، ولكن أمله ذهب أدراج
الرياح، فقصف بابا عمرو في حمص لأنها
تظاهرت يومياً كما باقي أجزاء حمص،
وهتفت ضد الرئيس وأقسمت الأيمان أنها
لن تعود إلى أن يسقط الأسد، وكان الرد
قاسياً إذ تم قصفها بالطائرات
والدبابات وكادت أن تسوى بأكملها
بالأرض، ليتظاهر السوريون في الجمعة
الـ49 تحت اسم وشعار "سننتفض لأجلك
بابا عمرو". وتوالت بعدها أيام
الجمع " ثورة لكل السوريين، وسننتصر
ويُهزم الأسد، وأتى أمر الله فلا
تستعجلوه، وإخلاصُنا خَلاصُنا". مجازر الأطفال..جمعة
أطفال الحولة في تاريخ 25 أيار
استفاق السوريون على أبشع مجزرة يمكن
أن يشهدوها وترافقت مع جمعة "دمشق
موعدنا القريب"، إذ قام شبيحة
النظام السوري في 25 أيار/مايو بالدخول
إلى بلدة الحولة وذبح عشرات الأشخاص،
غالبيتهم من الأطفال والنساء، فجاءت
الجمعة التي تلت المجزرة في 1 حزيران
باسم "أطفال الحولة مشاعل النصر". سبقت العالم كثيرون قالوا إن
الثورة السورية أسرع من كل من حولها،
فالجهود السياسية والإدانات وطرد
السفراء كلها لم تستطع أن تلاحق الثورة
وتطورها السريع. وكان لهذا الأمر
تأثير كبير على أسماء الجمع السورية،
فسموا فكانت جمعة 22 حزيران باسم "إذا
كان الحكام متخاذلين فأين الشعوب؟"
ثم جاءت جمعة "انتفاضة العاصمتين"
في إشارة لدمشق وحلب، ودعا السوريون
الجيش الحر للتوحد فسموا جمعة 17 آب
أغسطس "بوحدة جيشنا الحر يتحقق
نصرنا"، ودعموا الائتلاف الوطني كما
دعموا المجلس الوطني من قبل ليحملوا
معارضيهم مسؤولية مباشرة فتظاهروا في
16 تشرين الثاني / نوفمبر تحت اسم "دعم
الائتلاف الوطني". وبقيت آخر جمعة في
عام 2012 لضحايا قصف الأفران بعد أن اشتد
قمع الأسد وشبيحته فقصف فرن للخبز في
بلدة حلفايا مما أدى لمقتل مالا يقل عن
200 شخص، بينهم العديد من الأطفال
والنساء، فتظاهر السوريون الجمعة
الماضية 28 كانون الأول/ ديسمبر تحت اسم
"رغيف الدم". سيسأل الأطفال يوماً
كيف ماتوا كل أولئك السوريين، وسيبكي
آباؤهم ولكنهم سيفخرون بأنهم تظاهروا
وهتفوا للحرية وأسقطوا نظاماً من أشرس
الأنظمة وأكثرها وحشية. وسيقولون لهم ربما:
"لم نبق شهوداً صامتين، ولم نترك
للألم أن يهزمنا.. وربما لم ندفع الموت
عن أبنائنا وأهلينا ولكننا دفعنا الذل
عنكم". ================= دمشق بلا
بشار.. ومخاوف القاهرة عبدالرحمن
الراشد الشرق الاوسط 1-1-2013 ماذا لو مضى العام
الثالث وخابت توقعاتنا، وصمد بشار
الأسد في دمشق رئيسا؟ هنا، ليس لنا من مفر
سوى إما أن نعتذر، أو نعتزل، أو أن ندفع
ثمنا للقراءة الخاطئة. ومع أنني كنت
حذرا بعدم التنبؤ بتواريخ محددة، لكن
كل المعطيات تؤكد أن نظام الأسد لن
يعمر طويلا، والتوقع الوحيد الذي
اطمأننت إليه الاعتقاد بأنه قد يسقط في
نهاية العام الثاني. وهو نفس الاستنتاج
الذي سمعته مبكرا من أشخاص أكثر معرفة
مثل سمير جعجع، قائد «القوات
اللبنانية» الذي قدر منذ عام ونصف، أي
منذ أن تخلت المعارضة عن المظاهرات
السلمية، أن إسقاط الأسد حتمي، لكن
سيستغرق نحو عامين. وهو لا يزال في
الزمن التقديري الصحيح. والمنشغلون في الشأن
السوري، سواء الذين يديرون المعارضة،
أو يمولونهم، يقولون إن النظام بات
مهترئا ويتهاوى، ولا بد أن يسقط خلال
شهر يناير (كانون الثاني) الحالي، أو
فبراير (شباط) المقبل. طال عمره، ليس
بسالة من الأسد أو قواته، ولو أن
الأزمة السورية سارت على نفس خطى
ليبيا، كان النظام وراءنا تاريخا من
أكثر من عام، لكن الدول الكبرى شاءت
ألا تتدخل لأسباب مفهومة، بينها
حسابات إسرائيل وأمنها الإقليمي،
والتخوف من حرب أهلية، والخوف من
الجماعات الجهادية التي تعيث فسادا
اليوم في ليبيا وتهدد تونس، ومن بين
الأسباب شخصية الرئيس باراك أوباما
الذي يتحاشى المغامرات الخارجية. ثم لا
ننسى أن الإيرانيين والروس ألقوا كل
ثقلهم وراء الأسد بشكل لا مثيل له. مع
هذا، ورغم المؤامرات على الثورة
السورية، ما تبقى من عمر الأسد في
الحكم قصير، لأن السوريين زاد تصميمهم
ولم يهن، مع وحشية القصف والمجازر،
بخلاف ما كان الأسد يحاول فعله الذي
تبنى استراتيجية الخوف والردع ضد
مواطنيه. سيكون عامنا الجديد
حاسما، بلا أسد، لكن منطقتنا لا تزال
تعيش مخاطر تبعات ثورات عام 2011. مصر ما
زالت في مخاضها، مهددة بسنة حبلى
بالمخاطر السياسية والاقتصادية ما لم
يحسن «الإخوان» إدارة الحكم، ويتخلوا
عن مشروع الهيمنة الذي باشروا تنفيذه
مبكرا، بالاستيلاء على القضاء
واستئثارهم بكتابة الدستور والمجالس
النيابية، وإقصاء شركاء الثورة. لن
يفيدهم افتعال معارك حول عودة اليهود
المصريين، أو استخدام حماس لإثارة
الغبار وافتعال بطولات. إن تدهور سعر
الجنيه المصري أعظم خطرا على رئاسة
محمد مرسي من إسرائيل والمعارضة، ولن
يمضي العام بسلام إلا إذا قبل «الإخوان»
بنظام ديمقراطي حقيقي كما حلف الرئيس
اليمين على احترامه. من دونها، ستدخل
مصر في مخاطر اقتصادية، وفوضى سياسية،
وقد نرى دبابات الجيش في ميدان التحرير
مع الثورة الجديدة ويعود المجلس
العسكري ليحكم من جديد. إيران لغز يصعب علينا
فكه، لأنها بعد خسارة سوريا وفقدان نصف
مداخيلها من مبيعات النفط نتيجة
العقوبات الغربية، قد تضطر لعقد هدنة
تجمد بموجبها مشروعها النووي، وهنا
ستكون مشكلة أكبر لدول الخليج، التي
تواجه خطرا مضاعفا مع تحول حكومة
المالكي إلى نظام صريح في تبعيته
لإيران. ================= الدراما
السورية: حرمان السوريين من النصر
العسكري غسان الامام الشرق الاوسط 1-1-2013 أميركا في إجازة.
باراك أوباما مشغول بهندسة صورة
تذكارية لإنجازاته المتواضعة في
ولايته الأولى. هؤلاء الأميركيون
متسامحون. انتخبوه ثانية. وينتظرون منه
أن يقول ما لا يستطيع أن يفعل، في
ولايته الثانية. أوروبا تتثاءب عندما
تغفو أميركا. تركيا سحبت مسلسل «مهند
ونور» من التداول العربي. أطفأت
التلفزيون. فهي تنام عندما تتعطل لغة
الكلام في أميركا وأوروبا. حتى الخليج
الذي يسهر عادة مع الدراما السورية
صمت، لكن بعيون مفتوحة. فقد تابع
المخضرم الأخضر الإبراهيمي مخرج مسلسل
«باب الحارة» الذي أنتجته روسيا.
وعرضته في الأسبوعين الأخيرين. ودار
حول إبقاء بشار في الحارة. وحرمان
السوريين من نصرهم العسكري. صحا المخرج الأخضر (79
سنة) من غفوته. وأعاد طرح حكاية «الحوار
التفاوضي» حلا للدراما السورية،
بسيناريو روسي جديد. لكن بشار (بطل
المسلسل) أبلغ المخرج بأنه يرفض الحوار
مع ثوار باب الحارة. ويصر على تحقيق «نصره»
عليهم. بعد 45 ألف شهيد سوري،
يقول الإبراهيمي إنه «تشرف» بمقابلة «الرئيس
بشار». ويبدو أن اللقاء لم يكن ناجحا.
فقد أوفد بشار الدبلوماسي المفضل لديه
فيصل مقداد، إلى موسكو، ليبلغها
احتجاجه حول زعم الأخضر، بأنها موافقة
على تنحيه. وعلى تشكيل حكومة انتقالية
من النظام والثوار، مع صلاحيات
تنفيذية كاملة. ويبدو أن المقداد نقل
أيضا إلى موسكو رفض بشار التنحي، بعد
نحو سنتين (منتصف عام 2014). والدستور
السوري الجديد فيه مادة تمنحه «حق»
الترشح في العام المذكور. ومرة رابعة «2021».
ومن ثم، فهو مصمم على متابعة القتال «حتى
النصر» والقضاء على الثورة. في محاولة لإنقاذ
الخطة الروسية التي يخرجها
الإبراهيمي، عادت موسكو إلى موقفها
السابق. فاعتذرت ضمنا لبشار. وقالت إن
الخطة تستند إلى قرارات مؤتمر جنيف (30
يونيو «حزيران» الماضي) التي تدعو إلى
تشكيل حكومة انتقالية، من دون أية
إشارة إلى وضع بشار. وهكذا، بات واضحا أن
الإبراهيمي أنهى دوره بنفسه. فلم يعد
يملك ثقة بشار. ولا هو يملك موافقة
فصائل المعارضة المسلحة والسياسية،
على التفاوض مع النظام، إذا لم يغادر
بشار منصبه. بل رفض معاذ الخطيب شيخ
الائتلاف (أكبر فصائل المعارضة
السياسية)، تلبية دعوة روسية لزيارة
موسكو، وطالبها بإدانة مجازر النظام. ومضى الروس في
تراجعهم، إلى درجة نفي حكاية الموافقة
الروسية/ الأميركية المشتركة، على
تشكيل حكومة انتقالية، حسب قرارات
جنيف. وكانت حكاية الموافقة المشتركة
من تأليف الأخضر الإبراهيمي. وما زال
مصرا عليها. روسيا لم تفقد الأمل. ما زالت تقول إن
بالإمكان رتق الفتق، ربما للتغطية على
إخفاقها إلى الآن في تحقيق أي تقدم. تلك هي الملابسات
المعقدة لمسلسل «باب الحارة» الجديد.
ولم يبق أمام موسكو سوى عشرين يوما،
لتحقيق «معجزة» جمع الفرقاء حول
المائدة، أملا في فرض «حل تفاوضي».
فستعود أميركا من إجازتها. وربما لن
تترك روسيا وحدها في إدارة الأزمة
السورية. غباء بشار، في رفض
الحوار مع المعارضة، أحبط ذكاء روسيا
في محاولة إنقاذه، والحفاظ على دور له
في «الحل التفاوضي». بعد الهزائم
العسكرية التي مني بها. وبمعنى آخر،
فقد أخفقت موسكو في حرمان الثورة
السورية، من استكمال نصرها الميداني.
فقد تجاوزت المعارضة السياسية
والمسلحة مرحلة التفاوض مع الأسد، ولا
سيما أنه هو الذي تراجع عن دعوته لها
إلى الحوار. أود هنا أن أتناول
موقف فصيل سياسي داخلي ما زال موافقا
على التفاوض مع نظام بشار، للوصول معه
إلى حل يجنب سوريا «التدخل الخارجي».
هذا الفصيل هو ما يعرف اختصارا بـ«هيئة
التنسيق» التي يرأسها المحامي حسن عبد
العظيم الأمين العام للاتحاد
الاشتراكي العربي. سبق لي أن سجلت
اعتراضي هنا، على قصف معارضين له
بالبيض والبندورة، عندما زار القاهرة
بدعوة من الجامعة العربية. وقلت إن
المعارضة التي ترفض موقفه المتسامح مع
النظام، لا تملك حق الاعتداء عليه،
وإهانته في عاصمة أكبر دولة عربية. هذا الحرص على كرامة
حسن عبد العظيم لا يمنع من تخطئة
مقولات، ما زال يحتفظ بها منذ عهد
الدكتور جمال الأتاسي مؤسس تنظيم
الاتحاد الاشتراكي. وعندما سرب الراحل
الأتاسي إليّ نسخة من اتفاق «الجبهة
التقدمية»، لإذاعتها عبر وكالة
الأنباء التي أمثلها، ذهلت بما تضمنته
من «تنازلات» تفقد أحزاب الجبهة الحق،
في ممارسة النشاط بين الطلبة.
والنقابات. ونقلت إليه ملاحظتي،
فأجابني رحمه الله بأنه لا بد من
التعاون مع «نظام الأمر الواقع». وأمضي فأقول اليوم إن
احترامي وثقتي بنزاهة الراحل الكبير.
وثقافته. وعروبته، يجب أن لا تمنع
الاعتراف بأنه كان سياسيا غير ناجح،
سواء كان في الحكم أو المعارضة. نعم،
فهو مدين لحافظ الذي أخرجه من سجن صلاح
جديد. لكنّ وفاءه لحافظ لم يحرج الأخير.
فقد اخترق الاتحاد الاشتراكي أمنيا
وسياسيا. ووزّر المنشقين عنه. حسن عبد العظيم يرأس
اليوم ائتلافا سياسيا وحزبيا معارضا.
وفي هذا الائتلاف، أشخاص كانوا في صلب
نظام الأب. وما زالوا يتزاحمون على
الشاشات العربية. والإيرانية.
والروسية، داعين إلى تفاوض المعارضة
مع النظام. ورافضين التدخل الخارجي،
غير مدركين أن ذبح نحو خمسين ألف إنسان
غير المقولات الوطنية والقومية
التقليدية. في دبلوماسية
الإبراهيمي أخطاء فادحة تدل على عدم
إدراك، لطبيعة المجابهة في المشرق
العربي. الرجل يدعو إلى نشر قوات «حفظ
السلام» للفصل بين قوات النظام
والثوار. وإذا ما طبق الاقتراح، فسيجمد
الوضع السياسي والميداني. ويلحق أذى
بالغا بالمعارضة. ويبقي على نظام
الأسد، بهيكليته المافيوية
والإدارية، ووحشية وتخلف مؤسسته
المخابراتية والإدارية. ويحول قوات
حفظ السلام، إلى قوات احتلال دائم.
ومهين للاستقلال وللسيادة. هذا النوع من التدخل
الخارجي مرفوض. وعلى أية حال، فقد بلغت
الثورة مستوى من القوة، بحيث لم تعد
بحاجة إلى تدخل خارجي. ويكفيها أن
تتلقى أسلحة قليلة متطورة، لاستكمال
نصرها التام والنهائي. وإذا كان من دور لحسن
عبد العظيم بالذات، فهو العمل بجديته.
ونزاهته، لتوحيد الفصائل المقاتلة
التي أخشى اقتتالها بعد سقوط النظام،
أكثر من خشيتي من الاقتتال الطائفي. وصل الإبراهيمي إلى
دمشق في يوم مجزرة الخبز. و«تشرف»
بمقابلة الرئيس بشار في اليوم التالي،
من دون أن يتشرف بإلقاء كلمة رثاء
لشهداء الخبز. الذين يقال إن عددهم
تجاوز المائة شهيد. أما سيرغي لافروف
فما زال عند موقف روسيا بأن بإمكان
السوريين القبول بالتفاوض مع نظام ما
زال يظن أنه قادر على تحقيق نصر على
ثورة 23 مليون إنسان. ================= جون ماكين
وجوزيف ليبرمان وليندسي أوغراهام الشرق الاوسط 1-1-2013 انتهى عام 2012 ولا
تزال سوريا تهوي إلى قاع سحيق. ارتفعت
حصيلة قتلى الثورة إلى 40 ألف شخص على
الأقل، ويتوقع سقوط المزيد من القتلى
في الوقت الذي يجبر فيه الملايين على
ترك منازلهم. خلال العام الماضي استخدم
بشار الأسد باطراد قوة عسكرية غير
مسبوقة ردا على ما بدأ كمظاهرات سلمية
للشعب السوري، بدأها باستخدام
الدبابات والمدفعية الثقيلة في فبراير
(شباط)، ثم صعد النظام حملته خلال الصيف
باستخدام المروحيات القتالية
والطائرات الحربية. ولجأ خلال
الأسابيع الأخيرة إلى استخدام صواريخ
«سكود» ضد شعبه. فشل العالم في وقف
هذه المذبحة، وأعلن أوباما أن الخط
الأحمر بالنسبة له هو استخدم الأسد
الأسلحة الكيماوية ضد شعبه. لكن الكثير
من السوريين أخبرونا أنهم يرون الخط
الأحمر الأميركي ضوءا أخضر للأسد
لاستخدام كل الأسلحة الحربية لذبحهم
والإفلات من العقاب، وكثير من هذه
الأسلحة لا يزال يأتي من إيران. وعلى الرغم من
التحذيرات الأميركية، أشارت التقارير
إلى أن الأسد اتخذ خلال الأسابيع
الأخيرة خطوات لإعداد أسلحة كيماوية
لاستخدامها ضد شعبه. واستنادا إلى ما
نعلمه بشأن حكم الأسد، وبالنظر إلى
تصعيد الأسد للصراع بشكل منهجي
باستخدام كل الأسلحة في جعبته تقريبا،
فهل يعتقد أي شخص أن هذا الرجل عاجز عن
استخدام الأسلحة الكيماوية؟ سقوط سوريا في جحيم
يشكل خطرا متزايدا على جيرانها، وسوف
تواجه تركيا ولبنان والعراق والأردن
وإسرائيل ارتفاع مخاطر عدم الاستقرار.
وكلما طال أمد هذه الحرب، ارتفعت فرص
إشعال حرب طائفية واسعة النطاق. وقد أكدنا منذ شهور -
ومن ضمنها صفحات هذه الجريدة - أن على
الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا
والشرق الأوسط بذل مزيد من الجهود لوقف
المذابح في سوريا وتقديم العون لقوى
المعارضة المعتدلة. وقد دافعنا على وجه
الخصوص عن تزويد الثوار المعتدلين
بالأسلحة بشكل مباشر، وإنشاء منطقة
حظر طيران على منطقة في سوريا. لكن كلا
المسارين سيتطلب نشر قوات أميركية على
الأرض أو التصرف بشكل أحادي. وقد عبر
الحلفاء الرئيسيون مرة تلو الأخرى عن
أملهم في قيادة أميركية أقوى وعن
إحباطهم بقاء الولايات المتحدة على
الهامش. كان الأمر الأكثر
إيلاما ذلك التدهور السريع في الأوضاع
الإنسانية في سوريا. وعلى الرغم من رفض
النداءات بتقديم الأسلحة أو إنشاء
منطقة حظر طيران، شددت إدارة أوباما
على الدعم الذي التزمت بتقديمه للشعب
السوري. لكننا نخشى من فشل هذه الجهود
أيضا. وبحسب مسؤولين
أميركيين وأوروبيين وخبراء، فإن 70 في
المائة من المساعدات الأجنبية التي
تصل إلى سوريا تنتهي إلى المناطق
الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية. ومن
قاموا بزيارات مؤخرا إلى حلب قالوا
إنهم لم يشاهدوا أي أثر للمعونات
الأميركية هناك، ولم يكن السوريون على
دراية بأن هناك مساعدات أميركية توجه
إليهم. ونتيجة لذلك يعاني الأهالي في
المناطق التي تسيطر عليها قوات
المعارضة الجوع والبرد والموت بسبب
الأمراض ونقص الغذاء والإمدادات
الطبية. هذا الفشل في نقل
المساعدات الإنسانية الأميركية إلى
الشعب السوري زاد من الأزمة الإنسانية
وزاد من فرص وجود الجماعات المتطرفة
لتقديم خدمات الإغاثة، ومن ثم الفوز
بدعم أكبر من الشعب السوري. ويرى
كثيرون أن هؤلاء الأشخاص المتطرفين هم
الوحيدون القادرون على مساعدة
السوريين في القتال. في الوقت ذاته
سيفقد المعتدلون في صفوف المعارضة
السورية مصداقيتهم وستضعف شوكتهم بسبب
غياب دعمنا - بما في ذلك تحالف المعارضة
السورية القائم، الذي يرجع الفضل في
تشكيله الشهر الماضي بصورة ما إلى
الجهود الدبلوماسية الأميركية. وعلى الرغم من
الانشقاقات التي شهدتها صفوف النظام
في الآونة الأخيرة والانتكاسات التي
شهدها النظام أخيرا في أرض المعركة
التي تشير إلى أن قبضة الأسد على
السلطة بدأت في التراخي، لا توجد بوادر
على إمكانية انتهاء القتال قريبا، وهو
ما سيرفع تكلفة الحرب على الشعب السوري
وجيرانه ومصالح الولايات المتحدة
ومكانتها. لم يفت الوقت بعد لتجنب
كارثة أخلاقية واستراتيجية في سوريا،
لكن القيام بذلك يتطلب قيادة أميركية
حاسمة وجريئة تحتاج إلى أن تأتي بشكل
مباشر من الرئيس أوباما. ينبغي على الولايات
المتحدة أن تحشد حلفاءنا لتقديم
المساعدة إلى مجلس المعارضة السورية
الذي أنشئ حديثا لتوزيعها على المناطق
التي يسيطر عليها الثوار. وينبغي علينا
أن نقدم الأسلحة والمساعدات القتالية
الأخرى إلى قيادة المعارضة العسكرية،
وينبغي علينا أيضا أن نفرض منطقة حظر
للطيران على بعض المناطق في سوريا تشمل
استخدام صواريخ «باتريوت» الأميركية
على الطريق إلى تركيا لحماية الأفراد
في الشمال من الهجمات الجوية التي
تشنها طائرات الأسد. إذا ما مضينا على
المسار الحالي، فسوف يسجل المؤرخون في
المستقبل أن المذابح التي يتعرض لها
الأبرياء والضرر الذي لحق بالمصالح
الوطنية الأميركية والموقف الأخلاقي
بأنه فشل مخزٍ للقيادة الأميركية،
وأحد أحلك الفصول في تاريخنا. ينبغي أن
يهزنا ذلك جميعنا ونحن نصلي من أجل
السلام والنيات الحسنة في موسم العطلة
هذا. *جون ماكين وليندسي
أوغراهام، عضوان في الحزب الجمهوري
يمثلان ولاية أريزونا وكارولينا
الجنوبية في مجلس الشيوخ، وجوزيف
ليبرمان سيناتور مستقل عن ولاية
كونكتيكت * خدمة «واشنطن بوست» ================= اكرم البني الشرق الاوسط 1-1-2013 ما جرى تداوله عن
زيارة بوتين لأنقرة وتوصل الجانبين
إلى نقاط مشتركة بشأن المستقبل
السوري، وما رشح عن توافق بين كلينتون
ولافروف في اجتماعهما الأخير مع
الأخضر الإبراهيمي لتفعيل خريطة جنيف
حول سوريا، ثم الاستغاثة التي أطلقتها
الجامعة العربية لإنقاذ سوريا قبل
فوات الأوان، وأخيرا دعوة فاروق الشرع
لتسوية تاريخية وتشكيل حكومة وحدة
وطنية بصلاحيات واسعة.. كل ما سبق
إشارات متواترة لحقيقة واحدة، هي وصول
العنف المفرط إلى طريق مسدودة وفشل
الخيار الأمني والعسكري في سحق الثورة
بعد عشرين شهرا من تجريب مختلف الوسائل
والخطط الحربية، ولنقل في وقف التقدم
المتنامي الذي تحرزه المعارضة المسلحة
في غالبية المناطق السورية وأهمها
العاصمة دمشق، الأمر الذي فتح الباب
على مبادرات لحلول سياسية تطرح على
عجل، كمحاولة ربما لمد طوق نجاة لنظام
يغرق، وربما لأن كأس الحرج الأخلاقي قد
فاضت من صور الخراب وأعداد الضحايا
والمنكوبين واحتمال استخدام أسلحة
أكثر فتكا، وربما لإنقاذ ما يمكن
إنقاذه من مجتمع ودولة أوصلهما العنف
المفرط والعشوائي إلى مشارف التفكك
والهلاك. غير أن نجاح أي
مبادرة سياسية يتوقف، وببساطة، على
واحد من احتمالين، إما قبول الأطراف
الداخلية المعنية بها قبولا جديا
يضعها موضع التنفيذ، وإما أن تتكفل قوى
خارجية بإكراه أطراف الصراع على ذلك
عبر استخدام مختلف الضغوط، السياسية
والاقتصادية، دون استبعاد القوة
العسكرية أو التلويح بها. والحال، لا يدل
المشهد السوري، حتى اللحظة، على وجود
فرصة جدية لنجاح أحد الاحتمالين. فعلى المستوى الأول،
صحيح أن الإنهاك المتزايد للقوى
العسكرية والأمنية، واتساع المساحات
الخارجة عن السيطرة، وتواتر حركة
الانشقاقات، وتفاقم الأزمة
الاجتماعية والاقتصادية، وتصاعد حدة
الضغوط العربية والدولية، مهد لتبلور
قوى من داخل تركيبة النظام تزداد قناعة
بعجز الحل الحربي عن وقف التدهور
وبضرورة المعالجة السياسية، وصحيح أن
المرونة الروسية لم تأت من سماء صافية،
وأن مبادرة الشرع لم تكن من بنات
أفكاره وربما جرت بالتنسيق التام مع
النواة السياسية والأمنية المقررة،
لكن الصحيح أيضا أن ثمة أطرافا فاعلة
في النظام ليست بوارد التراجع خطوة
واحدة إلى الوراء، وخيارها الوحيد هو
تصعيد وتيرة العنف حتى سحق ما تعتبره
مجموعات مسلحة متآمرة، ليس فقط بسبب
بنيتها المعجونة بمنطق القهر والغلبة،
بل لإدراكها أنها وصلت إلى نقطة
اللاعودة، وتخوض، بعد ما ارتكبته،
معركة حياة أو موت، خاصة أولئك الذين
أوغلوا في ارتكاباتهم ويخشون ساعة
الحساب والعقاب، وغالبيتهم تمت
تعبئتهم وحشدهم حديثا، وأطلقت أياديهم
لإظهار أشرس ما لديهم من فتك وتنكيل،
عساهم ينجحون في إعادة مناخات الرعب
والإرهاب لتخضع المجتمع، وما يعزز
مواقف هذه الأطراف إدراكها لمخاطر
السير في الطريق السياسي، لأنه برأيهم
اعتراف ضمني بالهزيمة، يطيح ما تبقى من
مظاهر هيبة السلطة وقوتها، ويفضي إلى
تفكيك بطانتها وتعديل سريع في توازن
القوى لمصلحة المعارضة. والقصد أن القرار
السلطوي بالسير في طريق الحل السياسي،
لم يعد ملكا لجهة سلطوية واحدة، بل
تحكمه ارتباطات ومصالح متداخلة
ومعقدة، زادها تعقيدا طول أمد الصراع
وما كرسه العنف المفرط من نتائج مؤلمة
يصعب تجاوزها راهنا، لكن هذا لا يمنع
النظام من إبداء مرونة وقبول شكلي لبعض
المبادرات كي لا يثير امتعاض الحلفاء
المشاركين في طرحها، مراهنا على رفض
المعارضة لها، وعلى توظيف ما يمتلكه من
خبرات لتمييع ما يعرض عليه، وإفراغه من
محتواها بإغراقه في التفاصيل
والاشتراطات، والغرض دائما كسب الوقت
والرهان على مزيد من التوغل في العنف
لتغيير المشهد وتحسين الموقع والأوراق
التفاوضية. وفي الجهة المقابلة،
يصعب على المعارضة السورية، عموما،
قبول أي حل أو مبادرة سياسية لا تتفق مع
مطلبها في إحداث تغيير جذري، وتاليا أن
ترضى بتسوية لا تشترط إزاحة رموز
النظام ومحاسبة المرتكبين، أو بما
يشاع عن حكومة انتقالية ذات صلاحيات
واسعة تقودها إحدى الشخصيات المعارضة،
ولعل الرفض الأشد سوف يأتي من الجماعات
السياسية والعسكرية الموجودة على
الأرض، وهي الأكثر تضحية وتأثيرا
وصاحبة القرار الحاسم في إدارة الصراع
ورسم مساراته. وإذ نعترف بتعدد
الجماعات الميدانية المعارضة
وتبعثرها وتنوع منابتها ومواقفها،
وتاليا تفاوت درجات استعدادها للتعاطي
مع الحلول السياسية، إلا أنها تبقى
محكومة موضوعيا، في حال استمرار
الاستعصاء القائم وعجزها عن تحويل
تقدمها التكتيكي إلى انتصار حاسم،
بضرورة التنسيق مع الغطاء السياسي
الذي يوفره «الائتلاف الوطني» بعد أن
نال الاعتراف العربي والدولي، كما
بمصادر الدعم المادي واللوجيستي،
والأهم بمزاج شعبي يعاني الأمرين
ويميل نحو أولوية وقف العنف ومنع
الانزلاق إلى حرب أهلية شاملة تزيد من
الضحايا والخراب، تدعمه فئات من أبناء
الطبقة الوسطى والتجار وشرائح من
الأقليات، وهؤلاء لا يريدون رؤية
بلدهم محطما أو مقسما إلى كانتونات
طائفية يعادي بعضها بعضا، وغالبا ما
يجاهرون برغبتهم في حصول انتقال سلمي
للسلطة ترعاه إرادة عربية أو دولية. اما الحديث عن
الاحتمال الثاني، فيقودنا إلى التساؤل
عن القدرة الحقيقية للقوى الخارجية في
التأثير على الطرفين المتصارعين وفرض
حل سياسي عليهما، وكلاهما لا يزال
يعتقد إمكانية تحقيق انتصار كاسح،
ويخوض أحدهما معركته كمعركة وجود
وإفناء للآخر، ألا يتطلب نجاح هذا
الاحتمال عندئذ وصول طرفي الصراع مثلا
إلى حالة من الضعف والإنهاك ترغمهم على
قبول ما يعرض عليهم، أو إلى قناعة بأن
استمرار حربهم صار أمرا عبثيا، أو ربما
يخلقه توافق دولي جدي تمليه مصلحة
مشتركة غالبا، بسبب امتداد الصراع إلى
بلدان الجوار عبر تداخل المكونات
الإثنية والطائفية وتهديده استقرار
المنطقة والأمن الإسرائيلي، الأمر
الذي قد ينعكس بإرادة أممية حازمة
لإخماد هذه البؤرة من التوتر، وفرض
الحل السياسي فرضا على الجميع. ================= عقدة
الحلّ السياسي للأزمة السورية: حكومة قبل
تنحّي الأسد أم بعده؟ اميل خوري 2012-12-31 النهار هل يمكن القول أن
الحل السياسي للأزمة السورية دخل في
سباق مع الحل العسكري بين الجيش السوري
النظامي والجيش الحر، وان محاولة
الموفد الأممي الأخضر الابرهيمي اذا
لم تنجح فإنها ستكون الأخيرة، وبعد ذلك
قد تتعرض سوريا لمزيد من الخراب
والدمار ولحرب أهلية قد تنتهي
بالتقسيم، وهذا ما وصفه الابرهيمي
بأنه "جهنم"؟ في معلومات لمصادر
ديبلوماسية ان حل الأزمة السورية لم
يكن مرتبطاً بالاتفاق على مرحلة ما بعد
الأسد فحسب، بل بمصير الاسد نفسه.
فروسيا لا تزال تحاول اقناعه حفظاً
لماء وجهه بان يتخلى عن السلطة فور
الاتفاق على تشكيل حكومة انتقالية
بصلاحيات كاملة لأنها تخشى اذا تنحى
قبل التوصل الى هذا الاتفاق أن تفقد
روسيا الورقة الضاغطة والمانعة لتشكيل
الحكومة على النحو الذي تريده
الولايات المتحدة الاميركية ودول
أوروبية وعربية. لذلك تمسك روسيا
ببقاء الرئيس الاسد في السلطة مدعية ان
لا تأثير لها عليه في انتظار الاتفاق
على البديل من النظام والحكم، خصوصاً
أنها تخشى ان يستولي الاسلاميون
المتشددون على السلطة كما حصل في أكثر
من دولة عربية لم يستقر الوضع فيها حتى
الآن، ولا يكون لقوى الاعتدال دور يؤثر
في مجرى الأمور. وفي المعلومات أيضاً
أن الولايات المتحدة الأميركية تشارك
روسيا في هذا التخوف لكنها تختلف معها
في تحديد القوى السياسية الأساسية في
سوريا والتي ينبغي تمثيلها في الحكومة
الانتقالية. فروسيا تريد تشكيلها
وفقاً لنموذج اليمين أي اشراك ممثلين
لحزب البعث وابقاء عدد من الضباط
التابعين للقيادة السورية الحالية في
هيكلية الجيش كي لا يتكرر ما حصل في
العراق. لكن المعارضة
السورية على اختلافها ترفض الدخول في
بحث اي حل سياسي قبل أن يكون الرئيس
الأسد قد تخلى عن السلطة لأن بقاءه
فيها قد يعرقل التوصل الى حل، وقد
يستغل تقدم الاسلاميين المتشددين على
الارض ليؤخر رحيله سعياً الى حمل
الولايات المتحدة الاميركية على اعادة
النظر في موقفها بحيث تلتقي مع الموقف
الروسي القائل بالاتفاق اولاً على
تشكيل الحكومة الانتقالية قبل تنحي
الأسد من أجل قطع الطريق على وصول
الاسلاميين الى السلطة. ويراهن الرئيس الأسد
من جهة أخرى على احتمال حصول خلاف بين
الولايات المتحدة وروسيا، وكذلك على
احتمال حصول خلاف بين المعارضين
أنفسهم على تشكيل الحكومة الانتقالية
سواء لجهة الحصص او الحقائب، آملاً في
أن يؤدي هذا الخلاف الى اطالة عمر
بقائه في السطلة ربما حتى موعد انهاء
ولايته سنة 2014. الى ذلك، فان الموضوع
الأساسي الذي يدور حوله الخلاف هو: هل
يبدأ البحث في الحل السياسي في ظل وجود
الرئيس الأسد في السلطة ام بعيد تنحيه،
وما هي الآلية التي توقف الاقتتال
الدائر عند التوصل الى اتفاق على الحل
في حال ظهر أن فصيلاً من فصائل
المعارضة المسلحة غير قابل به؟ وتردد
ان هذه المخاوف تحمل الولايات المتحدة
الاستعجال في تشكيل الحكومة
الانتقالية بحيث يكون بقاء الأسد في
السلطة عامل ضغط على المعارضين كي
يتفقوا شرطاً للتخلص منه، اذ ان
استمرار خلافهم على تشكيل الحكومة
الانتقالية بصلاحيات كاملة يعجل في
رحيل الأسد الذي بات وضعه مرتبطاً
بالتوصل الى هذا الاتفاق. ورشح ان البحث بين
الولايات المتحدة وروسيا يدور على
تشكيل الحكومة الانتقالية حتى اذا
اتفقا على ذلك فان في استطاعتهما فرض
هذا الاتفاق على كل الافرقاء وحمل
الرئيس الاسد على التنحي واختيار
المكان الذي يريد الانتقال اليه، ومن
دون ذلك يصبح حل الأزمة السورية
مرتبطاً بالتطورات الميدانية على
الأرض وبمن هو قادر على الحسم ومتى؟ ================= حازم صاغيّة الثلاثاء ١
يناير ٢٠١٣ الحياة هناك في المنطقة
الممتدّة بين مصر والعراق ثورات كثيرة
تندمج في كلّ منها مستويات عدّة. هناك
تطلّب للحرّيّة والعدالة والتخلّص من
الأنظمة المستبدّة، وأبرزها النظام
السوريّ، وهناك في هوامش الثورات طلب
على الديموقراطيّة والسير في ركاب
الحداثة، وهناك في متون الثورات رغبات
في استبداد انتقاميّ يُراد له أن يحمل
أصحابه إلى أنظمة بديلة، وربّما إلى
حروب أهليّة تُخضع الآخر والمختلف. لكنْ هناك أيضاً، إلى
ذلك كلّه، ومتقاطعاً معه، وأحياناً
صوتاً له، ما يمكن أن نسمّيه الثورة
السنّـيّة. نرى هذا في العراق ضدّاً
على نظام موصوف بالشيعيّة والالتحاق
بإيران، يتداخل ما فيه من عداليّة
المطلب مع حنين بائس إلى الزمن
الصدّاميّ. ونراه أيضاً في سوريّة،
لوناً ما كان يمكن للثورة إلاّ أن
تتلوّن به في مواجهة نظام موصوف
بالعلويّة. وهنا أيضاً ثمّة لبس واضح
بين الحقّ والعدل وبين لون طائفيّ يصير
فاقعاً أكثر فأكثر، وخطيراً أكثر
فأكثر. ونراه كذلك في لبنان، رغبةً
عادلة في وقف التهميش الذي نزل بالسنّة
واتّخذ في بعض الحالات شكل التصفية
الجسديّة، لكنّنا نراه أيضاً رغبة غير
عادلة في إطلاق سلفيّةٍ تصدّع لبنان
وتركيبه الهشّ. ونراه، بطريقة خاصّة،
في قطاع غزّة، حيث تنعطف السنّيّة
الغزّاويّة عن الضلال السابق للابن
الضالّ كي تتموضع في جوار «الأخوة» في
المذهب. وبمعنى ما نراه في الأردن، حيث
يزداد ثقل الإخوان المسلمين وضغطهم،
باسم إصلاح النظام الانتخابيّ، على
نظام متعثّر في استجابته. وما يحصل في المشرق
الصغير يجد ما يرفده في ما يحصل في مصر
التي أوصلت الإخوان المسلمين إلى ذروة
السلطة، من دون أن تختفي عناصر تشجيع
أدبيّ تفد من تونس (وليبيا والمغرب...). والثورة السنّيّة
هذه تردّ على السبعينات والثمانينات،
حين تربّع حافظ الأسد في السدّة
الرئاسيّة، ثمّ انتصرت الثورة
الإيرانيّة ونشأ «حزب الله». تلك كانت
ثورة شيعيّة متقاطعة، هي الأخرى، مع
تيّارات عدّة وحاضنة لمستويات كثيرة.
وقد زاد في تظهير صورتها كثورة شيعيّة
ما رافقها من ضمور في مراكز التأثير
السنّيّ: فمصر وُضعت جانباً بسبب كامب
ديفيد. والعراق ابتلعته حرب الخليج
التي بدأها بخفّته المعهودة صدّام
حسين. والثورة الفلسطينيّة رحّلها
الاجتياح الإسرائيليّ في 1982 إلى تونس. وسيّء بما فيه
الكفاية أن يطغى البُعد المذهبيّ على
سائر أبعاد الوجود الاجتماعيّ
والسياسيّ، لكنّ هذه «حجارة البيت»
كما يقال. لكنّ الحكم الأخير على
الثورة السنّـيّة، وهي في واقع الأمر
ثورات عدّة ذات خاصيّات وطنيّة
متفاوتة، يتّصل بالوليد السياسيّ الذي
سوف تحمله. وهذا ما تردّنا احتمالاته
إلى مرحلة أسبق: فمع احتكاك أوروبا
بهذه المنطقة ظهر صوتان سنّيّان،
أحدهما تمتدّ رموزه من الخديوي
إسماعيل إلى رفيق الحريري مروراً
بنوري السعيد، والثاني تمتدّ رموزه من
أحمد عرابي إلى جمال عبد الناصر وصدّام
حسين. والصوت الثاني هو الذي ارتفع في
الخمسينات وما بعدها محطّماً الاحتمال
الوحيد للاستقرار في دول وطنيّة كانت
الهديّة التي قدّمها لنا ذاك الاحتكاك
بأوروبا. آنذاك تأسّست اللعنة على أيدٍ
سنّيّة وضعت «القضايا» في موضع
الأوطان، قبل أن تتمادى تلك اللعنة،
أقلّه في المشرق العربيّ الآسيويّ،
على أيدٍ عسكريّة أقليّة. واليوم يبقى الحكم
الأخير على الثورة السّنيّة مرهوناً
بقدرتها على استئناف ما انقطع مع رموز
الصوت الأوّل. فهل يكون شعارها: إلى
الأوطان درْ، وهل يكون لها سلوك يطابق
هذا الشعار؟ ================= في
المعاني المتعددة لـ «السوريين» فؤاد م فؤاد * الثلاثاء ١
يناير ٢٠١٣ الحياة أثناء
التواجد الأمني/ العسكري السوري في
لبنان وحتى الخروج الإكراهي بقرار
دولي صارم في 2005، كان الحديث عن
تجاوزات «السوريين» وتسلطهم على عباد
الله في لبنان من إذلال واحتلال
واعتقال واستباحة وعنجهية وتحكم مطلق
في القرار اللبناني، يحمل، في ما يحمل،
إلغاء الفارق بين «سوريين» و «سوريين»:
عمال بناء من ريف الشمال القاسي الفقر
والذين يعيشون على الخبز والشاي
لتوفير بضعة «دولارات» يعودون بها إلى
عوائل تعيش دون خط الفقر بأشواط، وبين
نخب أمنية يُحج إليها بالهدايا
والحقائب المكدسة بالنقد الصعب لنيل
رضا وكسب مكانة. وتم تغييب الفارق نفسه
بين مثقفين ومشاركيين «بائسين»
للتعبير عن موقف سياسي، يعدّون
أعمارهم في السجون السورية بآثار
الكابلات على جلودهم، وبين ضباط
بملامح قاسية ونجوم على الكتفين ولكنة
لا تخطئ، ضباطٍ يرسلون أولادهم إلى «الشويفات»
و «الليسيه»، ولا بأس من مشاركتهم في
مشروع تجاري لضمان مستقبل أجيال، من
نسلهم، قادمة. واليوم يتكرر الحديث
عن «سوريين» آخرين هم من عليهم، بتعبير
لافروف، أن يقرروا مصيرهم من دون أي
تدخل من المجتمع الدولي، الذي هو
بتعريف لافروف الغرب وأميركا وبيادقهم
في المنطقة وليس الروس والإيرانيين «والممانعين»
من مناصريهم. السوريون، بنظر لافروف
ورغبته، هم الأسد والنخبة «الحاكمة»
وكبار الأجهزة الأمنية، وربما في
سريرته وقلبه الذي ليس علينا أن نشقه
لنعرفهم، هم لافروف نفسه وبوتين
وتابعه مدفيديف مع مراعاة الترتيب. وثالثة الأثافي في
تعريف السوريين تأتي من الأخضر
الإبراهيمي الذي بدل من أن تحمل «بعثته»
الأمل لهم بالضغط والمناورة وجر
اللاعبين الكبار إلى الحل، إذا ببعثته
تحمل لـ «السوريين» الخيار بين الجحيم
والحل السياسي. ويحار المرء في العبارة
المترجمة عن تصريح بالإنكليزية إن كان
الخيار «في سورية» بين الجحيم
والعملية السياسية كما أوردت بعض
الوكالات، أم هو خيار السوريين أنفسهم
كما يوحي كلام المبعوث الدولي
والعربي، حيث لا يستقيم القول بوضع «السوريين»
أمام «خيار» إلا إذا كان المقصود هنا
نخب النظام ورئيسه، أو في واسع الظن،
ائتلاف معارضة تتخبط في البحث عمّن
تمثله. إزاء كل هذا وذاك
وذياك يواصل «السوريون» البحث في
العتمة عن رغيف خبزهم الذي صار بندرة
آمالهم، ودفن موتاهم على عجل إن تعرفوا
على بقاياهم، واحتمال برد قارس لم
يجدوا ما يرده عنهم سوى خشب المقاعد
المدرسية وأشجار الطرقات المدمَرة. *
كاتب سوري ================= عن خيط
فاصل بين الثورة والحرب الأهلية عصام الخفاجي * الثلاثاء ١
يناير ٢٠١٣ الحياة يبدو
تعبير الحرب الأهلية بشعاً، مرعباً
ومحيلاً إلى تقاسم مواقف بين طرفين
يتصارعان عسكرياً لا يحق لأحدهما
احتكار وقوفه إلى جانب الحق. إنه،
وفقاً لهذا الانطباع، نقيض تعبير
الثورة الموحية بوحدة الثوار، أو
الشعب الثائر كله من أجل قضية عادلة ضد
حفنة من المتحكمين بمقدّراته. ينتشي
حامل القضية بتسميته ثائراً سواء كان
يخوض الثورة سلمياً أو بالسلاح، ويشعر
بالإهانة إن قيل له إنه طرف في حرب
أهلية حتى وإن كان القائل منحازاً
تماماً لقضيته. ولكن، هل انتصرت قضية
كبرى من دون أن تنطوي على انقسام يقل أو
يزيد بين أنصارها وخصومها؟ عدالة
القضية الكبرى أو جورها أمر يقرره
المرء وفقاً لمنظوره. لكن القضية
الكبرى تنطوي بالتعريف على قلب لوضع
اجتماعي - سياسي - اقتصادي، على تغيير
في أشكال المؤسسات وأساليب الحكم
ومرجعياته وطبيعة القابضين على السلطة. شن السوفيات حرباً
شعواء على مؤسسة جائزة نوبل حين منحت
بوريس باسترناك جائزتها عام 1958 عن
روايته «دكتور زيفاغو». لم يكن الرجل
معادياً بشكل صارخ للنظام السوفياتي
إنما كتب عن الحرب الأهلية بين الجيشين
الأحمر والأبيض عقب انتصار الثورة
البلشفية مصوراً البشاعات المرتكبة من
كلا الجانبين سعياً لتحقيق أهدافهما
السياسية. كان هذا غير ما ظل التاريخ
الرسمي السوفياتي يقوله: انتصرت
الثورة لأن الشعب كله وقف إلى جانبها
لكن أحد عشر جيشاً أجنبياً تدخّل
لإجهاضها. تدخّل الغرب
الرأسمالي حقاً. ولكن، أكان بوسعه
إشعال حرب أهلية دامت ثلاث سنوات لولا
معاداة قطاعات شعبية يصعب تقدير حجمها
موضوعياً. وفي فرنسا، لم تبق إلا قلة
قليلة من المؤرخين تنكر أن ثورتها لم
تؤد إلى حرب أهلية طاحنة دامت سنوات
واستمرت آثارها عقوداً. أما
الأميركيون، فوفروا الجهد على
المؤرخين وأطلقوا هم على ثورتهم
لتحرير العبيد عام 1860 اسم الحرب
الأهلية. وهل أن الهزيمة تكفي لأن نزيح
عن ذاكرتنا ثورة الجمهوريين الإسبان
ضد الملكيين عام 1936؟ لقد كانت تلك
حرباً أهلية بامتياز كما يعرف الجميع. تبقى تلك الحالات
ثورات على رغم ما انطوت عليه من دماء
وبشاعات وانقسامات لم تتولّد عن عدالة
قضية الثوار بل عن قوة المصالح
والولاءات التي جعلت الطرف المعادي
للثورة يتمترس وراء قضيته بعد أن
شرعنها أيديولوجيا: تفوق البيض، طاعة
الكنيسة، الوقوف بوجه مؤامرة شيوعية
عالمية، محاربة الإرهاب أو عملاء
الإمبريالية وما شئتم من أفكار نظرية.
للحالة الفرنسية والأميركية دلالة
هائلة في ما يتعلق بوضع الثورة السورية.
نجح طرف في الحرب الأهلية هنا وانهزم
هناك حسب قدرته على اجتذاب قطاعات
فاعلة من المعسكر الآخر وتحييد قطاعات
أخرى وشلّ ثالثة. سيضيف آخرون عوامل
التسليح والتمويل وحرب الدعايات التي
تلعب دوراً هائلاً في ترجيح كفة طرف
على آخر. إنما لا تصنع تلك العناصر
المساعدة النصر ولا الهزيمة. لقد زجت
أميركا كل قدراتها العسكرية وضخت
أموالاً لا حصر لها لدعم مشروعها
العراقي لكنها انتهت إلى تسليمه
حليفاً لأكبر خصومها. دلالة الثورتين/الحربين
الأهليتين الفرنسية والأميركية في هذا
السياق تكمن في اتخاذهما طابعاً
جغرافياً طائفياً لم تخطّطا له: شمال
ضد جنوب في الولايات المتحدة، وسط وشرق
ضد غرب وجنوب غرب في فرنسا. ولا يجب أن
يهرب الثوار السوريون من الاعتراف
بهذا الواقع. إنكار هذا الواقع بالأحرى
تكريس لحرب أهلية، والاعتراف به يعني
للساعين إلى تصعيد واستعادة زخم
الثورة تعيين القوى التي لا تزال
مترددة أو خائفة أو ممتنعة عن دعم
الثورة: الأسباب، إمكانيات تغيير تلك
المواقف، سبلها. لم يرض بعض الأصدقاء
من قادة المعارضة السورية عن مقال
كتبته قبل أكثر من عام في «الحياة»
دعوت فيه إلى استخلاص الدروس من تجربة
المعارضة العراقية ضد نظام البعث
العراقي. كان ثمة، ولا يزال، تحاش
مقصود للمقارنة مع العراق لأنهم
اختزلوا أسباب سقوط نظامه إلى الغزو
الأجنبي لا إلى الكره السافر
للعراقيين لنظام صدام الذي أنجح الغزو.
وظل السؤال عقيماً: هل ستكرر سورية
النموذج التونسي أم الليبي؟ حتى صار
هذا السؤال مثار سخرية إذ بدت دموية
الثورة الليبية جرحا بسيطاً بالمقارنة
مع الثورة السورية. العلويون يتدفقون
إلى طرطوس التي تصفها «نيويورك تايمز»
بأنها مدينة تعج بالحياة تتهيأ لأن
تحول نفسها موطناً لهم. والدروز يعيشون
في كوكب ساكن بعيد اسمه السويداء لم
يحرّكه خطاب وليد جنبلاط الناري ضد
الأسد. المسيحيون يخشون من انتصار ثورة
ضد نظام لم يتعاطف كثيرون منهم معه.
الفنانون والمثقفون الذين أنتجوا
أعمالاً جريئة ناقدة حائرون. الأكراد
الثائرون ضد البعث لا يحملون السلاح
بوجهه بل بوجه الثوار. أكثر مأسوية من كل
هذا وذاك: يكاد العلويون الذين كانوا
سبّاقين في معارضة نظام الأسد
متعرّضين إلى قمعه الوحشي، سواء كانوا
من رابطة العمل الشيوعي أو جناح صلاح
جديد من حزب البعث أو من المبدعين، أن
يختفوا مجبرين عن مجريات الثورة. هل يكفي الثوار
الحديث عن «إخواننا» العلويين لكي
يضفى على الثورة طابع وطني يعد بأفق
تسامحي، تعددي وديموقراطي، وقد تم
تهميش كل هؤلاء؟ كل هؤلاء، لا سيما
العلويين، خائفون من خطاب الإسلام
السياسي المتفاوت في تشدده والذي
تتصاعد سطوته حتى يوشك أن يكون الخطاب
الرسمي للثورة. وهم خائفون أيضاً من
تعاط لا مبال مع هموم مشروعة لإثنياتهم
ومناطقهم وطوائفهم يتغلّف بعبارات «دولة
المواطنة» التي تذيب الأقلية في بحر
الغالبية العددية. لكي لا تنتصر الثورة
السورية، وهي منتصرة كما تدل المعطيات
على الأرض، كما ينتصر جيش على آخر في
حرب عسكرية، لنعترف أن سورية تعيش
حرباً أهلية. والحرب الأهلية لا تعني
بالضرورة تعادلاً في التأييد الشعبي
الذي يحظى به كل من طرفي الصراع، بل في
وقوف كتلة لا يستهان بها مترددة تتعاطف
مع قضية الثورة أو تؤيدها لكنها لا
تتعاطف مع أساليب وخطاب المتحكمين
بالثورة. وحرب سورية الأهلية انطلقت من
رحم ثورة ضد نظام أفسد، بل عدَمَ،
الثقافة السياسية لثلاثة أجيال من
السوريين، فحوّل خطاب كثير من معارضيه
إلى مرآة عاكسة لخطابه: سلطة سنّية
بديلاً لسلطة علوية، سلطة الدين
بديلاً عن سلطة العلمانيين، ولم
يحوّله إلى خطاب جذري الاختلاف يرفض
استبدال استبداد بآخر. والأمر المثير للقلق
أن مفكرين معارضين كباراً من السوريين
لا يزالون يعوّلون على وجود كتلة كبيرة
من المثقفين العلمانيين كفيلة بتكييف
نظام ما بعد الأسد ومنعه من التحول إلى
نظام ديني لمجرد أن هؤلاء متجاوزون
للعقل الأحادي. ولعل نسبة المثقفين
والمبدعين العلمانيين إلى عدد السكان
في لبنان تتجاوز مثيلتها في سورية
ومعظم البلدان العربية إن لم يكن كلها.
لكن هؤلاء لم يستطيعوا إخراج بلدهم من
الأزمة البنيوية التي صاحبته منذ
نشوئه. لقد عوّل كثير من
الديموقراطيين العراقيين المعارضين
لنظام البعث العراقي على هذه الظاهرة
بالذات ونسوا، أو تناسوا، أن
الميلشيات المدججة بالسلاح والمال
والمدعومة من قوى خارجية ستخلّ بميزان
القوى بشكل كاسح لصالحها. وفوق هذا كله
فإن اليسار والحركات المدنية لن تتمكن
من لعب الدور الذي لعبته وتلعبه
مثيلتها في مصر. فلم يتدفق السلاح إلى
الإخوان والسلفيين في مصر. ولم تتخذ
الثورة طابعاً دموياً فيها. لكن الأهم
من كل هذا هو تمتّع مصر، مثل باقي
الأنظمة غير العقائدية، بمؤسسات لم
تتعرض للانهيار بانهيار النظام
السياسي وحافظ كثير منها على قدر من
المهنية في أشكال تنظيمه وممارساته.
وليس هذا حال النظم العقائدية التي
سيّست المؤسسات فلم يعد بينها وبين
ماضيها ودورها المفترض صلة بعد أن
تشخصَنت وصارت ملحقاً بالرئيس وعائلته
وحزبه وأجهزة مخابراته. إنها مؤسسات
مرشحة للانهيار مع انهيار النظام. ستنتصر الثورة
السورية. وستحتفل غالبية الشعب السوري
بهذا الانتصار. ولكن بين الانتصار
والفرحة الغامرة المتوقعة وبين بناء
دولة مواطنة مدنية ديموقراطية تعددية
فجوة كبيرة نتمنى ألا يكون الوقت قد
تأخر كثيراً لردمها، وألا تنطوي عملية
الانتقال هذه على إراقة مزيد من الدماء
يسعى المنتصر فيها إلى سحق من لم يقفوا
معه منذ البدء، ويسعى الأخيرون فيها
إلى تأكيد وجودهم مضطرين إلى التحالف
مع فئات محسوبة على النظام القديم. ======================== التحليل
النفسي لظاهرة السلوك المؤيد للطاغية عزام محمد أمين كلنا شركاء ربما من وجهة نظر
ماركسية يمكننا القول أن الثورة
السورية بشكل عام هي ثورة فقراء
مقموعين بدأت في درعا وامتدت بعدها إلى
ريف وضواحي ومدن حلب و ادلب وحماه
وديرالزور وحمص ودمشق، وهكذا يمكننا
فهم تأخر طبقة أغنياء المدن المستفيدة
من النظام عن المشاركة في هذه الثورة.
لكن هذه القراءة الطبقية للثورة
السورية تقف عاجزة أمام فهم الموالاة
العمياء والمطلقة لنظام الحكم
الديكتاتوري في سوريا عند شريحة معينة
من الشعب السوري و في بعض المناطق
المعينة. وأكثر ما يثير الدهشة هو أن
معظم هذه المناطق وتلك الشريحة
الموالية هي من الطبقات المُهمّشة
الفقيرة وبشكل عام غير المستفيدة لا
ماديا ولا سياسيا من هذا النظام. لماذا بعض الفقراء
الغير مستفيدين أبداً من النظام
السوري (لا و بل بالعكس هم أحد ضحاياه)
يدافعون عنه؟ كيف لمغترب ترك بلاده
هرباً من الفقر أن يدافع عن من هجّره؟
لماذا قسم من هؤلاء الموالين كانوا
ناقدين لاذعين للنظام بل حتى معارضين
له أحياناً قبل اندلاع الثورة السورية
وتحولوا لمدافعين عنه بعد اندلاعها؟
لماذا يتكلم بعض الموالين للنظام
السوري عن شخصية الرئيس كما لو أنهم
يتكلمون عن بطل مسلسل تركي او مكسيكي
تربطهم به علاقة عشق خاصة؟ هل يمكن لمن
يملك احساساً وعقلاً أن يُصدق الاعلام
السوري الرسمي؟ للإجابة على هذه
الأسئلة وفهم ظاهرة التأييد الأعمى
للطاغية أو ظاهرة “المنحبكجي” كما
يسميها السوريون, ربما يلزمنا تحليلٌ
نعتمد فيه على بعض المفاهيم في علم
النفس الاجتماعي معتبرين الفرد في آن
معاً “منفعلاً ” خاضاً لظرفه
الاقتصادي، السياسي ،و التاريخي, و “فاعلاً”
يعي و يدرك ويستجيب لمثيرات خارجية
مستخدماً استراتيجيات سلوكية ودفاعية
شعورية ولا شعورية (كاميليري، 2000). ومن
هذا المنطلق يمكننا الحديث عن أربعة
دوافع تؤدي بهذه الشريحة من الناس
الغير مستفيدة أبداً من النظام لاتخاذ
موقف مؤيد له. أولاً، التماهي
بالمعتدي عندما يعيش الانسان
حالةً من القمع والقهر لفترة زمنية
طويلة ولا يستطيع في نفس الوقت الدفاع
عن نفسه (حالة رضوخ) تتشكل لديه صورة
سلبية عن ذاته، هوية فردية مُهانة و
مُهينة له (حالة تبخيس ذاتي). للهروب من
هذه الحالة يبحث الفرد عن آلية للدفاع
عن نفسه ورفع مستوى التقدير الذاتي
المنخفض لديه. و من الآليات المعروفة
للدفاع عن الأنا المجروحة هي التماهي
بالمعتدي (آنا فرويد، 1936)، هذه الآلية
اللاشعورية تساعد الإنسان المستعبد
على استعادة بعضٍ من اعتباره الذاتي
المهدور. بشكل أدق، التماهي بالمعتدي
يعطي الفرد شيئاً من وهم الاعتبار
الذاتي، إنه نوع من الهروب من واقع
مؤلم، فبالتمجيد والتقديس والتوّحد مع
الطاغية يُوهم الفرد نفسه انه لا يوجد
ظلم ولا اعتداء عليه ونتيجة حالة
النكران هذه لواقعه المرير يشعر بنوع
من الرضى الذاتي ويعتقد أنه يقترب من
نمط القوة السائد. ينتج عن هذه الآلية
النفسية أيضا حالة من الحيرة بين
الإعجاب والخوف من الطاغية تجعل الفرد
متردداً في أن يكرهه أو حتى يقبل أي نقد
له ولذلك يوجه كل اللوم إما إلى نفسه أو
إلى من يريد مساعدته للتخلص من حالة
العبودية و القمع (كعبارة “نحن شعب لا
تليق بنا الحرية”), فالمتماهي
بالطاغية لا يرى فيه أي ميزة سيئة ولا
يقبل أن يُقال عنه أي شيء سلبي من قبل
الآخرين وهذا ما يمكن أن يفسر لنا
الدفاع المستميت عن الديكتاتور عند
هذه الشريحة المؤيدة له. وكلما زاد
الطاغية في قمعة و إجرامه وامتهانه
للكرامة, كلما زاد المؤيد له اعجاباً
به و زادت معه حالة الاستزلام التي
يمارسها على الآخرين ليخفي خوفه
وليهرب من حقيقة الذل اليومي التي
يعيشها، وهنا ينتقل المقموع من حالة “التماهي
بالمعتدي” إلى حالة “التماهي
الاسقاطي” حيث يصبح الديكتاتور موضع
حب وعشق و تقدير فهو المخلّص و المنقذ
الإلهي وهي ما تلخصه حال بعض الموالين
الذين يتفاخرون بتذللهم وعبوديتهم
وحبهم للديكتاتور من خلال شعارات “منحبك”
و”محل ما بتدوس منركع و منبوس” وغيرها
الكثير. يُعتبر التماهي
بالمعتدي من أقوى عوامل مقاومة
التغيير و التحرر في المجتمعات
النامية كما يقول مصطفى حجازي (1981). ثانياً، الخوف من
المجهول وحاجة التوجّه بشكل عام، الانسان
يخاف من المجهول وأي ثورة هي تغيير
جذري لواقع معاش وهذا مقرون دائما
بالمجهول و الغموض وعدم معرفة تماماً
ماذا سيحصل. الخوف من الغموض و الفوضى
نابع من الشعور بعدم القدرة على التوجه
و ضبط الأحداث واختلاط الأمور وهذا ما
يؤدي إلى الاحساس بعدم الأمان و
بالضياع (فيسك، 2008). إن أي تغيير
بالنسبة لواقع المؤيدين للنظام السوري
سيكون، طبعاً برأيهم، نحو الأسوأ وهذا
ما يفسر ترديدهم عبارة “يعني الجاي
راح يكون أحسن؟” وهذا طبعاً اعتراف
ضمني منهم بأن النظام الحالي سيء
ولكنهم يخافون الأسوأ. إن الحاجة للأمان هي
ثاني الحاجات الانسانية في سلم
أبراهام ماسلو (1943) الشهير و هي تأتي
بعد الحاجات الفسيولوجية الأولية و
قبل حاجات الحب و تقدير الذات و تحقيق
الذات و الحاجات المعرفية. وهذا ما
أدركته تماماً الأنظمة الديكتاتورية
عندما لجأت للمعادلة الشهيرة “الحرية
أو الأمان”، فأشاعت وبطريقة ممنهجة
الفوضى و الجريمة عندما انتفضت عليها
شعوبها. فبعض الناس يتخلى عن حاجة
التقدير والاحساس الايجابي بالذات
لصالح الشعور بالأمان وهذا ما يفسر لنا
أن جميع المؤيدين لنظام الحكم في سوريا
تقريباً, يتغنون بالأمن والأمان الذي
كان موجوداً بالنسبة لهم قبل بدأ
الثورة و يلعنون الحرية. طبعاً في
أعماقهم هم يدركون أنه أمان زائف
ومقرون بالخنوع و الخضوع ولكنه يبقى
أفضل من الفوضى بالنسبة لهم. ثالثاً، الخوف من
الحرية و المسؤولية قيل قديماً أن
الانسان عدو ما يجهل، ومن عاش في ظل
نظام ديكتاتوري شمولي لما يزيد عن
الأربعين سنة يجهل تماماً معنى الحرية
و قيمتها. ليس من السهل بالنسبة للبعض
الانتقال من حالة الاستبداد والعبودية
إلى حالة الحرية والديمقراطية، فمن
كثرة تعودهم على الرضوخ والخنوع
أصبحوا ينكرون طعم الحرية و يعادوها.
فالحرية مسؤوليةٌ وعملٌ واستقلاليةٌ
أما العبودية فهي إتكاليةٌ و راحةٌ.
الفرد المُستَعْبَدْ يتماهى
بالمُستَبِد و يعتبره المنقذ الوحيد
له ويتكل عليه من خلال علاقة تبعية
تملكيه سواءاً كان هذا المستبد زعيماً
سياسياً، ديكتاتوراً، رب أسرةٍ، أستاذ
مدرسةٍ، رجل دينٍ، أو كبير العائلة. الحرية تحتاج لكل
طاقات الفرد وإمكانياته و لذلك يخاف
البعض منها لا بل و يقف ضدها ويقرنها
بالفوضى ويُعادي من يُريد تحريره. وهذا
ما يفسر لنا تلك العبارة التي يرددها
المؤيدون وبعدوانية لا مثيل لها “هي
هي الحرية اللي بدكن ياها” وكأنهم
يريدون أن يقولوا “الحرية مشكلة
بالنسبة لنا وخطر علينا لا نريدها”.
المُستعبَدُ الذي قبل حالة الرضوخ
والخنوع يخاف من الحرية, وإن أخذ حريته
فجأة يفقد توازنه وتختل بنيته النفسية
وللوهلة الأولى لا يعرف ما يفعل بها
ولا كيف يتصرف أو يمشي في الشارع, و
كأنه كالشارب حتى الثُمالة قد يسقط في
أي لحظة, ويلزمه بعض الوقت ليستعيد
توازنه و يتأقلم من جديد مع الحالة
ليصبح فرداً مسؤولاً عن نفسه لا يقبل
أن يُفكر الآخرون عنه. رابعاً، الطائفية و
فوبيا الاسلام السني أي ملاحظة موضوعية
للمناطق الثائرة و لموقف المؤيدين من
الأقليات ستقودنا إلى استنتاج ألا وهو
أن النظام السوري ربح في لعبة الطائفية
ونجح في تحريك اللاشعور الجمعي عند
الأقليات فحيّدها عن الثورة لا بل و
استثار عدوانيتها تجاه الشعب الثائر (نوعاً
ما يمكننا استثناء مدينة سلمية و ريفها
من هذه اللعبة) . لعل الطائفية التي
تتجسد بالخوف من الأكثرية السنية تلعب
الدور الرئيسي في تكوين الأحكام
الموجِّه للسلوك المؤيد عند الأقليات
و تعطيهم المبررات الذهنية لمقاومة
التغيير والوقوف خلف الطاغية. يكفينا
خمس دقائق نقاش مع أي مؤيد منهم لنكتشف
مدى خوفه من الاسلام السني والذي يصل
في معظم الأحيان لحد الفوبيا. خمس
دقائق يمكنك خلالهم سماع مئة شتيمة
للشيخ العرعور و السلفيين وينتهي
النقاش بالسؤال الاعتيادي “بدك
العرعور يحكمنا”؟ الطائفية واقعٌ
موجودٌ في مجتمعنا شئنا أم أبينا، وهذه
حقيقةٌ جارحةٌ لكثيرٍ منا، لكل من كان
يحلم بوطن يكون فيه الاحساس بالهوية
الوطنية والمواطنة أقوى من الهوية
الطائفية والمذهبية. و إن عدم الاعتراف
بوجود طائفية كبيرة لدى الأقليات يجسد
موقفاً طائفياً بحد ذاته, و إن إنكار
العلّة على مبدأ “سوريون على بعضنا
وكفى” لا يعني عدم وجودها، والاعتراف
بها هو أول خطوة علاجية لها. بعيداً عن السياسة
ولعبة النظام السوري الطائفية الذي
بدأت منذ 1970، يمكننا تعريف الطائفية من
وجهة نظر علم النفس الاجتماعي بأنها
السلوك العدواني تجاه شخصٍ ما او
مجموعةٍ ما بسبب انتمائهم الديني.
وكلمة سلوك عدواني تعني هنا: فكرة
سلبية، موقف سلبي مُسبق، صورة سلبية
نمطية، شعور سلبي، …ويشكل العدوان
الجسدي واللفظي تعبير عن هذا السلوك. و
هنا طبعاً علينا التمييز بين الانتماء
لطائفة معينة وهو أمر طبيعي وعادي
والطائفية كسلوك عدواني. إن الفكرة السائدة في
أوساط الأقليات هي أن الأكثرية فقط من
يمكنها ان تكون طائفية وذلك لتفوقها
العددي. لقد أثبتت البحوث العلمية في
مجال علم النفس الاجتماعي خطأ هذه
الفكرة (تاجفل و تورنر، 1978، 1986 ؛ تورنر،
1994؛ بوريس و لينس، 1999؛ جيموند، 2010) كما
أثبتت أن الأقليات هي أكثر تعصباً
وعدوانية من الأكثرية. ويمكننا القول
أن الثورة السورية أثبتت صحة هذه
البحوث على أرض الواقع. فالأقليات –
كإنتماء أقلوي- مصابة بقلق وجودي,
والكثير من الحواجز النفسية الواعية
واللاواعية تعيق اندماجها وشعورها
بالمواطنة. إن من يتكلم عن الطائفية و
السلفية كحكر على الأكثرية المسلمة
السنية (وفق ما يشيعه النظام
الديكتاتوري والمثقف الأقلوي) ينسى أو
يتناسى أن الأقليات هي أكثر خوفا
وإنغلاقاً من الأكثرية. و تبقى طائفية
الأكثرية ردة فعلٍ على حالة يشعر بها
الفرد بالغبن والظلم تزول بزوال هذه
الحالة، بينما طائفية الأقليات فهي
ناتجة عن خوف عميق كامن في المساحة
اللاشعورية من الذاكرة الجمعية. هذه العوامل الأربعة
: التماهي بالمعتدي، الخوف من المجهول،
الخوف من الحرية، و الطائفية هي
الدوافع الرئيسية للسلوك المؤيد
للطاغية ولكنها ليست الوحيدة فهناك
بالتأكيد أسباب أُخرى نفسية،
اقتصادية، تاريخية واجتماعية تتداخل
معها لكن ليس لدينا المجال لذكرها هنا. السؤال الذي يطرح
نفسه هنا هو كيف يبرر المؤيدون للطاغية
موقفهم ؟ فالانسان بحاجة دائمة لشرح
سلوكه و تفسيره و الدفاع عنه (بوفوا،
1988). هنا أيضاً يمكننا الحديث عن أربع
ميكانيزمات أو استرتيجيات يستخدمها
المؤيدون للدفاع عن موقفهم وتبريره. أولاً، نظرية
المؤامرة كإستراتيجية دفاعية هذه النظرية هي
الحاكمة تقريبا لإعلام وسياسة وأحزاب
جميع دول العالم الثالث وقلما نسمع
كلمة مؤامرة في إعلام وسياسة الدول
الغربية. فمن الملاحظ أن كل الأنظمة
الشمولية والديكتاتورية اعتمدت على
هذه النظرية لقمع شعوبها وكم الأفواه.
ورد مصطلح “نظرية المؤامرة” لأول مرة
في مقالة اقتصادية عام 1920 ولكن جرى
تداوله في العام 1960، وتمت بعد ذلك
إضافته إلى قاموس أكسفورد عام 1997. هناك أربعة مبادئ
تقوم عليها هذه النظرية : أولاً: إن كل
شيء مُدبّر ومدروس، ثانياً: هناك إرادة
خفية لكل ما يحصل ، ثالثاً: كل ما يَظهر
للعيان غير موجود أصلاً (مفبرك)،و
رابعاً: هناك علاقة خفية بين ما يظهر
للعيان (الأحداث) والإرادة الخفية (بيير
تغاييف، 2006). و يتبنى هذه النظرية ويؤمن
بها تقريباً جميع من يؤيد النظام
الحالي في سورية، فبرأيهم هناك مؤامرة
كونية على سورية و نظامها المقاوم وهذا
الاعتقاد بوجود مؤامرة كونية الذي
أصبح مرضياً عند المؤيدين له عدة وظائف
نفسية و اجتماعية في آن واحد، أهمها
تبسيط الواقع السياسي (موسكوفيسي، 1987)،
هناك أشرار خونة (حمد، بندر، أمريكا،
الناتو،…) يريدون الانتقام منا ولا
يريدون لنا الخير, وسوريا بخير. هناك “خونة” وهم من
يتمردون على الديكتاتور وهناك “شرفاء”
وهم الموالون للديكتاتور، يساعد هذا
الاعتقاد المؤيدين على التحليل السريع
البسيط الطفولي للأحداث والوصول لنوع
من الرِضي الذاتي عن موقفهم الموالي
للطاغية وتبرير جرائمه إن اعترفوا بها
طبعاً، فالإيمان بالمؤامرة يُجسد
ميكانيزم التبرير والتسويغ الأوحد
لموقفهم مما يجري في سوريا، فكل ما
يحصل من تمرد وعصيان ومظاهرات اسبابه
خارجية وليست داخلية أبداً. وهم
يعتمدون بذلك على تفكير تسلسلي
وتراكمي تجميعي إنساني وإجتماعي غير
محكوم أبداً بقواعد استنباط واستنتاج
علمية مما يؤدي إلى نتائج قطعية معتمدة
على مبدأ السببية الميكانيكية. ثانياً، استراتيجية
الإنكار وهي من الوسائل
الدفاعية المعروفة في علم النفس (فرويد،
1936)، و الإنكار عبارةٌ عن عملية نفسية
لاشعورية تحمي الفرد من مواجهة الواقع
المؤلم بالنسبة له وتساعده على عدم
الاعتراف به, حيث أن هذا الاعتراف يشكل
مصدر خطر وقلق و تأنيب للضمير. في علم
النفس الاجتماعي تعتبر هذه
الاستراتيجية شعورية في جزء منها وهنا
تختلط بالكذب الواعي والمقصود. كلنا
يتذكر موقف المؤيدين في الستة أشهر
الأولى من الثورة : “مافي شي” “كلو
فبركة” “خلصت” “الناس عايشة ومبسوطة
وهمهم يخرجون سيرانة يوم الجمعة”. يرتبط ميكانيزم
الانكار بشكل وثيق مع نظرية المؤامرة
فكل ما يقال هو كذب وتضليل لكي ينال
الأعداء من الوطن. وللإنكار نوعان : إما
ذهاني حيث الفرد يرفض الاعتراف بجميع
الحقائق و يعتبرها مفبركة تماماً وهذه
الحالة الذهانية تتجلى في نظرية
المجسمات الضخمة في قطر، و إما عصابي
حيث يعترف الفرد بوجود جزء من الحقائق
ولكن يقوم بتبخيسها وتسويغها بما
يناسب موقفه وهكذا لم يتجاوز عدد
المتظاهرين في ساحة العاصي أكثر من
عشرة ألاف من وجهة نظر المؤيدين بينما
مسيرات التأييد و الرقص و الدبكة كانت
جميعها عفوية ومليونية. ثالثاً، استراتيجية
قلب الحقائق والأدوار وهي من
الاستراتيجيات الدفاعية الواعية
والبدائية الطفلية حيث يقوم المؤيد
بقلب الحقائق بطريقة عكسية تماماً
وهكذا تتحول الضحية إلى جلاد والجلاد
إلى ضحية بكل بساطة ويصبح حمزة الخطيب
بين ليلة وضحاها مغتصب نساء خطير عمره
سبعة عشر عاماً. أما مجازر الحولة وكرم
الزيتون والتريمسة وبابا عمرو و
القبير فقد ارتكبتها المعارضة المسلحة
الارهابية مع العلم ان هذه المناطق
معارضة! إذا هم يعترفون
بالحدث فلا يمكنهم انكاره ولكنهم
يلجؤون بكل بساطة إلى عكس الأدوار
للتخلص من المسؤولية و أكثر ما يُثير
الدهشة لدى متابعة صفحات الفيسبوك
المؤيدة هو اقتباسهم للأخبار بشكل
حرفي تماماً عن صفحات المعارضين مع
تبديل بعض الكلمات فيصبح خبر الحولة “قام
الارهابيون السلفيون بمجزرة تندى لها
جبين الانسانية…” وطبعاً لا ينسوا أن
يتباكوا و يكثروا من مشاعر الحزن و
الألم وبنفس الطريقة تماماً نجد صور
دمار لحمص وحماه وبعض مناطق حلب ودير
الزور أو درعا …مع تعليق بجانبها
يُعبر عن ألمهم وحزنهم وتصميمهم على
الانتقام من العملاء الخونة. رابعاً، الإنتقائية
في التعامل مع المعلومات و الأحداث بشكل عام، الأشخاص
يستجيبون بشكل مختلف للمعلومات و
الاحداث الواردة لهم من المحيط وذلك
وفقاً لموقفهم وبنيتهم النفسية وقيمهم
و اعتقاداتهم و يعود ذلك إلى أن
الذاكرة و الادراك الانتقائيين. ولكن
عندما تصل هذه الانتقائية إلى حد إهمال
مئات لا بل ألاف المعلومات و الاحداث و
التركيز فقط على جزء صغير جداً منها
يتناسب مع موقفهم، لا يشكل سوا واحداً
بالألف مما يحصل، نكون هنا ضمن
استراتيجية دفاعية واعية قائمة على
عدم الصدق وعدم الأمانة. فالمؤيدون
لنظام الأسد يتهمون الثورة بالسلفية
ويحدثونك عن الشيخ العرعور وقناة صفا
ودورهم في الثورة ولكنهم لا يتحدثون
أبداً عن العلمانيين و اليساريين جورج
صبرة و برهان غليون ورياض الترك وسهير
الاتاسي و سلامة كيلة وناهد البدوي
وياسين الحاج صالح وفدوى الحوراني و
منتهى الاطرش و مازن درويش ورفاه ناشد
وميشيل سعد ,…. ونفس الشيء بالنسبة
لهتاف “علوية عالتابوت و المسيحية
عبيروت” الذي ربما –وليس مؤكد – كان
قد قيل في أحد مظاهرات حمص من العام
الفائت، فبكل نقاش تقريباً يذكرونك
به، ولكنهم في نفس الوقت لم يسمعوا و لم
يقرؤوا و لم يشاهدوا آلاف الشعارات
التي رفعها الثوار عن الوحدة الوطنية
ووحدة الدم السوري و “الأيد الوحدة” و
الأخوة و المساواة بين الطوائف، لم
يروا كيف أقام مسلمو قرية خطّاب
التابعة لحماه صلاتهم بجانب الصليب و
لم يشاهدوا صورة ثوار دوما وهم يرفعون
الصليب و الهلال و سيف الامام علي ولم
يسمعوا هتافات مدينة سلمية “اسماعيلية،
سنية، علوية، درزية ومسيحية بدنا حرية”
ولم يشاهدوا لافتات كفرنبل التي تكلمت
عن الوحدة الوطنية حتى مع يهود سوريا. في كل نقاش تقريباً
يحدثونك حتى الآن عن حادثة نضال جنّود
الذي قتل في بانياس في 26 حزيران من
العام الماضي و حادثة عنصر الأمن الذي
قتل في ساحة العاصي على يد المتظاهرين
العام الماضي أو حادثة العميد خضر عبدو
التلاوي وابنيه الذين قتلوا بحادث
غامض في شهر نيسان من العام 2011 ولكنهم
لا يذكرون أبداً عشرات الألاف من
الحوادث الشبيهة التي قامت بها عناصر
الأمن و الشبيحة. التهجم على الثورة عن
طريق أمثلة و شواهد و اثباتات منتقاة
من هنا و هناك ليس إلا وسيلة هروب تعبر
عن قلة وجدان و إعلان استرخاص بالضمير
و العقل سواء لدى المناكف أو لدى من
يصبر على نقاشه. و السؤال الذي يطرح
نفسه بعد هذا التحليل هو هل من المُجدي
النقاش مع هذه الشريحة من الناس ؟ للأسف لا، فعلاقتهم
مع الطاغية هي علاقة سادومازوشية تأخذ
على المستوى اللاوعي طابع الخصاء
الذهني، علاقة بنيتها الأساسية هي
غريزة الخوف وغريزة البقاء. فكلما زاد
الديكتاتور من جرائمه ومن إذلالهم
وإهانتهم، كلما زادوا من خوفهم وزادوا
بالتالي توغلاً في حالة الرضوخ و
التبعية وزادوا من حالات الاستزلام و
التزلف و التقرب. وهذه كانت مهمة
الاعلام السوري الممنهج بشقيّه الرسمي
و الغير رسمي : الغير رسمي عن طريق
فيديوهات التعذيب والقتل والاهانات
التي يقوم بها أزلام الطاغية من عسكر
وشبيحة وهذه الفيديوهات من وجهة نظرنا
لم تكن أبداً مسربة وإنما مصورة خصيصاً
لكي تُعرض وتُظهر لهذه الشريحة
الموالية لأي درجة يمكن للطاغية
التمادي بالاجرام والسادية. فكلما زاد
من ساديته، زادوا هم من ساديتهم تجاه
المعارضين فنرى في كلماتهم عنف لا مثيل
له (التهديد بالحذاء العسكري والتعفيس
هو أمر سائد عند هذه الشريحة). أما
بالنسبة للاعلام الرسمي، إن جاز
التعبير، فهو ليس موجهاً للمعارضين
وأبعد ما يكون موجهاً للصامتين و
المترددين, وإنما هو موجهٌ لهذه
الشريحة المؤيدة التي قررت مسبقاً
تصديقه واتخذت مسبقاً الموقف المؤيد
الموالي حتى العمى والمعادي للثورة.
هذا الإعلام الذي أقل ما يمكن أن يُقال
عنه أنه نوع من الهذيان النفسي وهلوسات
عقلية، إنما هو مُقدّمٌ لهذه الفئة من
الناس كوسيلة لتبرير موقفهم و
لمساعدتهم من فترة لأخرى على الدفاع عن
مواقفهم اللاأخلاقية. إنه بمثابة
حُقنة مخدرة لضمائرهم من فترة لأخرى
ومثيرة لغرائز الخوف والبقاء معاً
وهذا ما يفسر إصرار قنوات الاعلام
الرسمي على عرض الأشلاء البشرية
بطريقة مقززة عندما كانت تحصل تفجيرات
في دمشق أو حلب. مُخطئٌ من يعتقد أن
أهداف هذا الاعلام هو الاقناع بوجهة
نظر معينة ونقل الأخبار، فحتى
القائمين عليه يسخرون منه ويضحكون في
سِرهم عليه. إن ما عرضناه في هذا
المقال من تحليلٍ للسلوك المؤيد “دوافع
واستراتيجيات دفاع” لا يعدو كونه
محاولة أولية لا تدَّعي الشمول في
عرضها للواقع، ولا تدَّعي لذلك
القطعية. هي محاولة بسيطة لفهم هذا
الظاهرة التي أثارت الكثير من الأسئلة
حولها وأطلق عليها السوريون ظاهرة “المنحبكجي”.
كل المشكلة تكمن في أن قسم من الشعب
السوري قرر الانتقال من مرحلة الرضوخ و
العبودية إلى مرحلة الثورة و الحرية و
قسم لم يقرر بعد ويدافع بشدة عن موقفه
هذا. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |