ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 05/01/2013


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

03&04-01-2013

توزيع أدوار بين السفير السوري وحلفائه

النازحون قنبلة مؤجلة في قلب الحكومة

روزانا بومنصف

2013-01-04

النهار

فجّر السفير السوري في لبنان على عبد الكريم علي من خلال رسائله الى الخارجية احتجاجا على تقديم العون للنازحين السوريين والمقاربة التي اعتمدتها وزارة الشؤون الاجتماعية، مشكلة سياسية داخل الحكومة اللبنانية في محاولة لفرض رؤية سياسية عليها هي رؤية النظام في سوريا لاستقبال لبنان النازحين السوريين. ويعتقد سياسيون كثر ان ثمة مؤشرات على محاولة السفير استخدام الاساليب القديمة نفسها للنظام في التأثير على الموقف اللبناني من خلال ابلاغه موقف حكومته رسميا الى الخارجية اللبنانية، ولكن ايضا من خلال زيارات قام بها الى بعض المسؤولين من حلفاء النظام الذين اعتمدوا مقاربة مماثلة ومتكاملة مع مقاربته. كما ان قوى 8 آذار لجأت الى عملية توزيع ادوار بين التيار العوني الذي يرفع السقف وصولا الى طلب اقفال الحدود ثم يتراجع الى ضبطها وصولا الى وزير الدفاع الذي اثار المخاوف من التبعات الامنية لموضوع النازحين فممثلي الحزب السوري القومي في مفارقة لافتة تتناقض والمواقف التاريخية عن مقولة الشعب الواحد في دولتين ومعهما على الخط نفسه وزير الخارجية الذي تبنى ايضا المقاربة نفسها التي اعتمدها السفير السوري في رسالته الاحتجاجية على اداء وزارة الشؤون. اما " حزب الله" فقد تحدث امينه العام عن ضرورة استقبال النازحين رافضا اقفال الحدود في تناقض علني وظاهري مع حليفه العوني نظرا الى اقتناع بان الحزب يعجز عن مجاراة هذا الاخير في موقفه ولا تزال ذكرى حرب تموز وهرب اللبنانيين من الطائفة الشيعية خصوصا الى سوريا ماثلة في الاذهان، وكذلك الامر بالنسبة الى حركة "امل"، كما ان هذين الطرفين لا يستطيعان اثارة هذا الامر مخافة اثارة حساسية مذهبية نظرا الى لجوء عدد كبير من الطائفة السنية الى لبنان، ذلك علما ان وزير الخارجية الذي ينتمي اليهما لعب دورا في هذا الاطار من ضمن الفريق نفسه الذي يدور في فلك السفير، علما ايضا ان الحزب قدم ويقدم مساعدات الى عائلات لجأت الى مناطق ضمن نطاق نفوذه وسيطرته.

ويبدو واضحا بالنسبة الى مصادر وزارية ان المشكلة المثارة هي مشكلة سياسية في الدرجة الاولى في حال تمت مراجعة التعابير التي اوردها السفير السوري في رسائله الى الخارجية. وهي ليست مشكلة مسيحية بناء على قيادة وزراء التيار العوني بداية المعركة في مجلس الوزراء علما ان اثارتها من جانبهم تحاول ان تعيد الى الاذهان تجربة لبنان مع اللاجئين الفلسطينيين وبقائهم في مخيمات اقيمت على الاراضي اللبنانية ولا تزال حتى الآن، وتاليا تحاول ان تكسب رأيا عاما مسيحيا مؤيدا لهذا المنحى. لا بل ان معطيات تتحدث عن تعاون وتنسيق مع افرقاء في الحكومة من اجل مساعدة نازحين من الموالين للنظام وليسوا من معارضيه مثلا. ولا يستطيع اي عاقل ان ينفي وجود مشكلة كبيرة تثقل على لبنان من العدد الكبير للنازحين السوريين اليه على صعد عدة اجتماعية اقتصادية ومالية، واهم من ذلك كله امنية ايضا. في الوقت الذي يجد لبنان نفسه عاجزا عن منع الهاربين اليه من الموت المحتم وامكاناته ليست على المستوى المطلوب ويحتاج الى مساعدات كبيرة. وكثر يخشون ان يكون تزايد اعداد النازحين بمثابة قنبلة مؤجلة يمكن ان تنفجر في لبنان لاحقا تبعا لتداعيات الازمة في سوريا وسبل انتهائها. الا ان اللافت ان الخلاف في هذا الاطار لم ينشأ بين الاكثرية والمعارضة في المرحلة الراهنة بل بين افرقاء الحكومة نفسها والذي استعر بفعل تدخل السفير السوري الذي تصدى رئيس الجمهورية ميشال سليمان لتدخله في اسلوب مقاربة لبنان هذا الملف ومحاولة املاء ارادة خارجية عليه في هذا الاطار. وكان ان عمد السفير الى الرد ديبلوماسيا على موقف رئيس الجمهورية في استكمال واضح للتباعد الذي نشأ بين الموقع الرئاسي اللبناني والنظام السوري نتيجة تعديات سورية انتهكت السيادة اللبنانية. والمشكلة تكمن في الحكومة نفسها او بالاحرى في اطرافها الاساسيين الذين ارتبكوا في مقاربة موضوع النازحين منذ بدء حصوله على وقع الانقسامات والاصطفافات السياسية مع النظام او ضده بل تعاملوا مع النازحين كأنهم من طائفة معينة وينتمون الى المعارضة وانهم يتخذون من لبنان مقرا لاعادة تزخيم انفسهم ومواجهة النظام على ما جرى تطبيقا لهذا الاعتقاد خلال اشهر طويلة من عمر الازمة السورية ان من خلال ملاحقة معارضين سوريين او خطف بعضهم.

وثمة من يقول ايضا ان السفير السوري يحاول ان يقيم توازنا في لبنان بين دفع الدول الغربية لبنان الى مساعدة النازحين واحتضانهم ايا تكن توجهاتهم السياسية كشرط اولي من شروط مساعدة لبنان في هذه المرحلة وبين دفاع النظام عن نفوذه وسيطرته على قرار لبنان في هذا الشأن. وهي طريقة للقول انه لا يزال يملك قدرة على التأثير في ادارة او لعب اوراق خارجية يملكها، تماما كما كل الحوادث الامنية التي يجمع كثر على تحميل النظام مسؤوليتها ابان تصاعد الازمة بما فيها اخيرا اغتيال اللواء وسام الحسن ويمكنه ان يهدد بها علنا او ضمنا.

في اي حال تعتقد المصادر الوزارية ان موقف الامين العام    لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله من النازحين ومقاربة قضيتهم انسانيا قد يغلقان الجدل في هذا الموضوع راهنا بين افرقاء الحكومة في الوقت الذي ينبغي ان تدخل خطة حكومية مدروسة ومتكاملة في موضوع النازحين حيز التنفيذ لئلا يتفجر موضوع خطير بين يديها وعلى البلد ككل.

===============

"لبننة" الحرب في سوريا أفضل... لأميركا!

سركيس نعوم

2013-01-04

النهار

في النهاية الثانية للحرب في سوريا بانتصار الثوار على نظام الأسد، يرى الباحث الاميركي الجدي في دراسته العلمية عمّا يجري في هذه الدولة، ان الفريق الذي سيكون قادراً على تعزيز قبضته على دمشق وسلطته في سوريا، وإن بعد اشهر من الانتفاضات والقمع والاحتجاجات والتنافسات على السلطة بالسلاح، سيكون على الارجح اسلامياً. ذلك ان الديموقراطيين في سوريا وهم ليسوا قلة، غير مهيأين استراتيجياً للوصول الى السلطة او للضغط بواسطة نفوذهم على "الاسلاميين" المنتصرين.

ويرى ايضاً ان النهاية نفسها ستؤدي الى مستويات ملحوظة من الاعمال الانتقامية، وفي مقدمها القتل ضد العلويين الذين كانوا على مدى عقود العصبية الفعلية للنظام الى جانب حزب البعث طبعاً. وربما يتسبب ذلك بعملية أو عمليات تطهير ضدهم، وخصوصاً ضد الذين منهم يقيمون خارج "موطنهم" التاريخي مثل اللاذقية وغيرها. الى ذلك سيقود انتصار المعارضة الى هجرة مئات الآلاف من السوريين المسيحيين. علماً ان عشرات الآلاف منهم اتخذوا لبنان مكان اقامة لهم في انتظار انتهاء الحرب الاهلية. وعلماً ايضاً ان آلافاً من المسلمين غالبيتهم سنّة اصبحوا الآن لاجئين في لبنان وتركيا والاردن. ويُرجَّح ان يعود هؤلاء الى سوريا إذا مُني نظام الاسد بالهزيمة، وسيحل مكانهم في اللجوء على الارجح المسيحيون والعلويون. علماً ان القادرين من هؤلاء سيغادرون الى اوروبا واميركا. وكما في كل سيناريو قابل للتحوّل واقعاً، فإن المنطقة الكردية التي تمارس حكماً ذاتياً الآن في سوريا ستحافظ على هذا الوضع. اما النتيجة الايجابية الوحيدة لانتصار المعارضة في سوريا من وجهة نظر الولايات المتحدة وحلفائها، في ما عدا سقوط النظام القمعي، فستكون إعطاء "العين السوداء" الإستراتيجية ("العين الحمراء" عند اللبنانيين) للإيرانيين والروس و"حزب الله".

ماذا عن النهاية الثالثة للحرب في سوريا بين النظام والثائرين عليه؟

الحصيلة المنطقية وفقاً لهذه النهاية، في رأي الباحث الاميركي نفسه، هي استمرار الحرب الاهلية مدة طويلة ولكن ربما مع مستويات متدنية من العنف احياناً. والمشابه لسوريا في حصيلة كهذه هو لبنان، إذ عاش حرباً من النوع المشار اليها بين عامي 1975 و1989 (1990)، ولكن في ظل غياب قوات اجنبية محتلة. ويعني ذلك كله ان السلطة المركزية ستبقى رسمياً في مكانها. لكنها ستتعرض في استمرار لخروقات وتحديات. ويعني ايضاً ان مناطق لا يوجد فيها أي من اشكال السلطة الحكومية ستنتشر في طول سوريا وعرضها، وستسيطر عليها ميليشيات عدة قد تتناقض في ما بينها كثيراً، كما ستغطيها الحواجز العسكرية ونقاط المراقبة. وفي حال كهذه سيحرص القادة الخارجيون للمعارضين السوريين أو اسيادهم أو رُعاتُهم على تزويد "جماعاتهم" كل ما يحتاجون اليه من ذخائر وأسلحة وموارد اخرى كي لا يخسروا الحرب وكي يطيلوا في عمر الحرب الاهلية. طبعاً نهاية كهذه، يلفت الباحث الاميركي نفسه، ستكون لها سلبيات عدة. مثل وقوع المواطنين السوريين في حال من العذاب، وهذا اسوأ أمر. ومثل احتمال تعرّض المنطقة لنوع من التفسخ والتمزّق. وبما ان كل جيران سوريا لهم علاقات صداقة مع الولايات المتحدة، ومنهم من هو عضو في حلف شمال الاطلسي مثل تركيا، فان احتمال الزعزعة أو التزعزع الاقليمي يجب عدم استبعاده. أما على المستوى الاستراتيجي فان حرباً اهلية مستمرة في سوريا قد تكون امراً افضل من منظور اميركا من انتصار أي من النظام او المعارضة. ذلك ان ميزان القوى بين الاثنين يمكن المحافظة عليه بواسطة مساعدات الحلفاء او الرعاة الخارجيين لكل منهما، ويعني ذلك ان دولاً كروسيا وايران قد تُستنزَف مواردها. فضلاً عن ان المضاعفات والانعكاسات السلبية للنهايتين الاولى والثانية (انتصار النظام او الثوار) يمكن تلافيها في النهاية الثالثة. فالشعب السوري "سيدبّر" حاله وسط الفوضى الدموية، وكل فريق منه سيوفّر راعيه الاقليمي الحماية له.

وفي ظل سيناريو كهذا، يتابع الباحث الاميركي نفسه، فإن السوريين ومعهم المنطقة سيضطرون الى الانتظار سنوات طويلة تغييراً بنيوياً في حسابات الحرب الاهلية من شأنه وضع حد لها تقريباً، مثل التغيير الدولي الذي انهى الحرب الاهلية اللبنانية. وكان في حينه انتهاء الحرب الباردة بين اميركا والاتحاد السوفياتي... بانهيار الاخير، علماً ان النهاية الثالثة (اي استمرار الحرب) تبقى اقل سوءاً من النهايتين الاولى والثانية للحرب في سوريا، وخصوصاً إذا توافرت القدرة على حصر اضرارها الاقليمية.

ماذا عن النهاية الرابعة؟

===============

سوريا أمام الحل السياسي المستحيل

د. نقولا زيدان

المستقبل

4-1-2013

عاد من موسكو الأخضر الابراهيمي بعد محادثات مقتضبة مع وزير خارجية روسيا "سيرغي لافروف". وكان الأخير قد أطلق من موسكو انتقادات حادة تناولت الائتلاف السوري المعارض في رفضه ليس فقط الدخول في أي حوار مع بشار الأسد بل اعتذاره عن تلبية أية أية دعوة جديدة لزيارة موسكو لعقد محادثات مع القادة الروس. وكان "لافروف" قد اعتبر اعتذار المعارضة ضرباً من النزق السياسي ودلالة على انعدام الخبرة السياسية لدى قيادة الائتلاف السوري المعارض.

في الوقت الذي لم يصدر أي تصريح عن وزير خارجية أميركا الجديد "جون كيري" حول الأزمة السورية، تأخذ موسكو على عاتقها التحول إلى خلية أزمة تنكب على هموم الأزمة السورية وهواجسها. وتثير مواقف القادة الروس انطباعاً عاماً ان ثمة توزيع أدوار بين القادة الروس لا تعدو مهمتها سوى زرع البلبلة والحيرة والإرباك في صفوف المعارضة السورية كلها وبالأخص الراديكالية منها المتمركزة الآن في القاهرة. فبوتين لا يهمه مصير الأسد بقدر ما يهمه مستقبل سوريا، ويمخائيل بوغدانوف الرجل الثاني في الخارجية الروسية كان قد صرح الأسبوع الفائت ان فرص بقاء الأسد في السلطة تتضاءل لا سيما وان المعارضة المسلحة (الجيش السوري الحر) تدق أبواب دمشق (بعد معركة مطار دمشق الدولي واضطرار النظام لاستخدام مطار بيروت). إلا ان مصادر الخارجية الروسية عادت فزعمت لاحقاً ان تحريفاً للنص الروسي لتصريح بوغدانوف أثناء ترجمته قد وقع. غير ان "لافروف" عاد فحسم هذا اللغط بالتأكيد مجدداً بضرورة البحث عن حل سياسي للأزمة.

بديهي ان موسكو عندما تركز باستمرار على "الحل السياسي" فإنها في ذلك تتساوق بل تنسق مع الموقف الإيراني الداعي بدوره إلى "حل سياسي"، بل ينسحب هذا الموقف ليصل إلى تصريحات السيد نصرالله في خطبه الأخيرة تحت شعار "الحوار". ويبدو هنا ان السيد نصرالله مشغوف كثيراً هذه الأيام بالدعوة للحوار سورياً ولبنانياً أيضاً وذلك بصرف النظر عن الامكانية العملية لإقامة هذا الحوار أو ذاك.

إذن يجب ان يكون الحل سياسياً. هذا ما تدعو إليه موسكو وطهران بل الصين وحزب الله. انهم يتحدثون بلغة واحدة مشتركة منذ شهور طويلة. إلا ان الأسد يذهب باتجاه آخر فهو في الوقت الذي يفرغ فيه كل ما لديه من ذخائر وصواريخ وبراميل الـ "تي أن تي" من الجو استكمالاً لمشروعه التدميري الشامل لسوريا ومحاصرة المدن وقصفها بمدفعية الدبابات وبطاريات المدافع الثقيلة، متوهماً ان الحسم العسكري ما زال ممكناً، فانه يعمد إلى استقبال بعض رموز معارضة الداخل وهي من نسجه هو وتلفيقه وإخراجه، داعياً بدوره إلى الحل السياسي. ليس هذا فحسب، بل إذا بمحصلة القتلى يومياً ترتفع إلى 426 قتيلاً (السبت في 29 كانون الأول) وكأنه يودع السنة المنصرمة برقم قياسي جديد من الضحايا. لا بل تتردد في أوساط الأسد صيحات وتهديدات تدعو للجوء إلى الأسلحة الكيمائية وما شابه لسحق المدن والبلدات الثائرة، وكأن بنيّته انتقاء إحدى البلدات أو المدن الأكثر تعبيراً للثورة لإبادة سكانها جميعاً على غرار ما فعله "صدام حسين" في الأنفال، وما فعله الطيران الحربي الألماني في "غيرينكا" أثناء الحرب الأهلية الإسبانية (1936 1939).

الحل يجب أن يكون سياسياً، هذا ما أدلى به الأخضر الابراهيمي في القاهرة بعد عودته من موسكو. وكان الإبراهيمي قد مهّد لمؤتمره الصحافي في القاهرة بترديد تحذيراته بالقول إنه على السوريين أن يختاروا بين الجحيم أو الحل السياسي. وتتلخص الأفكار التي وردت على لسان الإبراهيمي على الوجه الآتي:

ـ أن تنتقل صلاحيات الأسد الى حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات.

ـ أن تكون هناك مرحلة انتقالية تترافق مع وقف إطلاق النار.

ـ إجراء انتخابات برلمانية تفضي الى نظام جمهوري برلماني غير رئاسي.

ـ إجراء حوار بين جميع الأطراف الذين عليهم برأيه التحدث بلغة واحدة حتى لو لم تجلس الى طاولة حوار واحدة.

وقد أضاف المبعوث العربي والدولي أن جميع دول المنطقة موافقة على الحل السياسي. وبديهي أن الإبراهيمي كان يشير الى موافقة السعودية وقطر ومصر. إلا أن أسئلة الصحافيين للإبراهيمي كشفت المأزق الذي يتخبّط فيه "الحل السياسي" المنشود. فالسؤال الرئيسي هو: ما هو مصير الأسد في ظل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات؟ فكان جواب الإبراهيمي غامضاً ضبابياً، إذ قال حول تنحي الأسد "أنا لم أقل لا من قريب ولا من بعيد إن الأسد سيبقى في السلطة، لكني لم أقل إنه سيتنحى غداً!"... وقد ختم الإبراهيمي أجوبته بالقول: إن سوريا أمام أمرين هما: "إما إيجاد حل سياسي" أو "الصوملة" أي نسبة الى الصومال.

المراقبون المدققون للوضع السوري التقطوا بسرعة الجواب الأوضح على السؤال حول مصير الأسد في ظل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات (وليست مطلقة الصلاحيات!) إذ عمد تلفزيون "الميادين" وهو اللسان الآخر لحزب الله عندنا بإجراء مقابلة مع قدري جميل في دمشق وهو على ما يزعم من معارضة الداخل إذ قال حول صلاحيات الحكومة الانتقالية الكاملة هذه "إن الدستور السوري يمنح الرئيس الحق بالتخلي عن بعض صلاحياته للحكومة".

معنى هذا الكلام أن الأسد يعتزم ليس البقاء في سوريا فحسب، بل البقاء في سدة الرئاسة حتى لو تخلى عن بعض صلاحياته للحكومة الانتقالية.

لقد جاء رد المعارضة السورية مبدئياً وجازماً في آن معاً: لا مجال للحوار مع الأسد على الإطلاق وتنحيته شرط ضروري لأي حوار سياسي مرتقب.

ان المشكلة بل المأزق التاريخي الذي نواجهه الآن لا يكمن كما يزعم السيد "لافروف" في رفض المعارضة للحوار ولا في إدارة ظهرها لأي حل سياسي. فالمعارضة السورية السياسية والمسلحة تدرك تماماً أن أي ثورة مسلحة أو حرب تحرير تؤدي حتماً الى الوصول الى حل سياسي، فالدمار وسفك الدماء ليسا غاية بحد ذاتهما ولا العنف الثوري أيضاً، بل هو وسيلة لتحقيق أهداف سياسية محدّدة. إنما هذا "الحل السياسي" في ظل الديكتاتور الطاغية الذي يسعى بكل ما أوتي لتدمير سوريا بأكملها ليس حلاً سياسياً بل هو وثيقة استسلام للشروط نفسها التي اندلعت الثورة من أجل إسقاطها. أما ان يهول الابراهيمي علينا بالصوملة مقابل الخضوع لحل سياسي يبقي الأسد في الحكم بهذه الطريقة أو تلك أو أن نتلقى وعوداً ضبابية ملتبسة مبهمة بأن الأسد "قد يتنحى" أو "سيتنحى" أو "من الممكن ان يتنحى" فهذه مفردة أو جملة سياسية لم يعد يصلح تطبيقها على الوضع السوري كما أصبح عليه الآن، فإذا كانت "صوملة" سوريا كارثة، فإن أي حل سياسي مع الأسد هو كارثة ونصف. فلا تنطلي علينا والحالة هذه توقعات أوساط الأمم المتحدة المعنية بشؤون النازحين انه في حال استمرار القتال فإن تركيا ولبنان والأردن سيتدفق عليها ملايين النازحين السوريين. بل يكاد وزير الداخلية الأردني ان يقع تحت تأثير هذا التهويل بالقول إن الأردن لا طاقة له على تحمّل لاجئين سوريين بهذا المقدار محذراً ان النظام السوري يعمد لإرسال مجموعات تخريبية تندس في جموع الهاربين من جحيم الأسد.

إذا كان الأسد ما زال مصمماً على خوض حربه التدميرية حتى نهايتها وهو يرى بأمّ العين تعطيل مطار دمشق والسفن الروسية التي تبدأ بإجلاء رعاياها من سوريا، ويراقب بقلق الانتفاضة الشعبية المتصاعدة في العراق لإسقاط حكومة المالكي مسخ الصناعة الإيرانية، فإن المعارضة الثورية ماضية في كفاحها البطولي حتى تحقيق أهدافها العادلة.

أما عن مهمة الأخضر الابراهيمي ومشروعه الملتبس، يتساءل أصحاب النيات السيئة بحق: هل جاء لإنقاذ الشعب السوري أم لإنقاذ رأس الأسد؟ ألم تقل العرب: إن سوء الظن من حسن الفطن؟

====================

من أجل حرب لا طائفية على الطائفية

د. عبدالوهاب الأفندي

2013-01-03

القدس العربي

(1) من أكبر مصائب الاستقطاب الطائفي الذي رزئ به العالم العربي فوق مصائبه الأخرى هو أنه يضع ضحاياه في ورطة لا يحسدون عليها. ففي بلاد مثل سورية والبحرين، ينصب الحكام نظاماً من طائفة واحدة، بل ومن عائلة واحدة، وينشئون جيشاً طائفياً وأجهزة أمن طائفية وشرطة طائفية، وقضاءً طائفياً. فإذا احتج ضحايا الإقصاء وسموا الأشياء بأسمائها، صاح صائح القوم: اسمعوا يا قوم إلى هذا الخطاب الطائفي البغيض!

(2)

نفس الأمر يحدث في العراق هذه الأيام، حيث عمد نوري المالكي إلى وضع أسس أول نظام طائفي قهري في العراق، وهو ما لم يسبقه إليه صدام حسين، الذي كان ديكتاتوراً لم يتورع عن إذكاء النعرات الطائفية لإبقاء حكمه، ولكنه لم يكن طائفياً إلا بقدر ما كان جورج بوش طائفياً حين استغل النعرات الطائفية من أجل تثبيت أركان الاحتلال. أما اليوم فإننا نشهد محاولة لإقامة حكم طائفي على طريقة عصابات المافيا، حيث يمارس الابتزاز في حق كل من لا يخضع لإملاءات المالكي وزمرته. ولكن حين انتفض ضحايا هذا القمع الطائفي، صاح منادي المالكي أن أنظروا إلى هؤلاء الطائفيين!

(3)

وفي حقيقة الأمر فإن هناك صعوبة حقيقية في التصدي للإقصاء الطائفي بدون أن يصيب المقاوم رذاذه. ذلك أن الثورة ضد الطائفية إنما تأتي بعد أن يكون أصاب الضحايا الكثير من الغبن والقهر والإذلال، مما قد يصبغ خطاب المقاومة بشيء من المرارة وتعميم التهم. فليس كل علوي مؤيدا لجرائم الأسد أو ضالعا فيها، وليس كل شيعي عراقي متآمرا مع المالكي. ولكن بنفس القدر، فإن المستفيدين من الإقصاء الطائفي لا يكونون في طليعة الثائرين عليه. فليست هناك بعد كتيبة ثوار علوية، ولم نسمع بقيادات شيعية ذات شأن في العراق تصدت إلى جريمة المالكي في حق نائب الرئيس طارق الهاشمي.

(4)

صحيح أن قائمة العراقية التي يتزعمها إياد علاوي كانت أبرز الحركات التي سعت إلى خلق حركة لا طائفية، وكان للشيعة المعتدلين نصيب كبير فيها. ولعل هذا ما أخاف المالكي وشيعته، لأنهم رأوا في قيام حركة لا طائفية يدعمها الشيعة وينضوي تحت لوائها السنة أكبر مهدد للهيمنة الطائفية في العراق، وعليه جاء شن الحرب على الهاشمي وبقية أقطاب القائمة. بنفس القدر فإن الزعيم مقتدى الصدر أيد مطالب المحتجين وطالب المالكي بالاستقالة، ولكن هذا لا يعود إلى قرار من الصدر بنبذ الطائفية، لأنه وجماعته للأسف أقبح في طائفيتهم من المالكي، وإنما يعبر عن التنافس على زعامة الشيعة في العراق.

(5)

وهنا تكمن خطورة استراتيجية المالكي القائمة على ضرب المعتدلين من الشيعة والسنة معاً، بل ضرب الاعتدال عموماً، لأنه كان في وقت ما يلبس لبوس الاعتدال، بينما اصبح اليوم يطرح باعتباره سلوبودان ميلوسوفيتش العراق والمدافع الأشرس عن 'صربه' ضد مضطهديهم السابقين واللاحقين. وعلى طريقة سلفه ميلوسوفيتش وصديقه بشار الأسد، فإن المالكي بصدد إيراد أنصاره موارد التهلكة بتوريطهم في جرائم ضد الإنسانية تورثهم لعنة الأولين والآخرين.

(6)

الأولى في هذه الحالة أن يتصدى عقلاء شيعة العراق لهذا السلوك، وخلق تيار شيعي معتدل يبرئ نفسه من التخندق الطائفي، ويمد يده لمعتدلي السنة والأكراد وبقية طوائف المجتمع، ويعزل المتطرفين من كل فئة، ويجعل الأولوية للعراق الديمقراطي الخالي من التمييز والتفرقة. ويجب أن يصبح مفهوم 'دولة القانون' حقيقة واقعة، لا شعاراً مثل تسمية 'كوريا الديمقراطية'. وهذا يعني أن لا يصبح القضاء والأمن والجيش كلها جزءاً من ميليشيات طائفية تنفذ مخططاً إقصائياً.

(7)

إذا كان المالكي كما يزعم يحترم القانون ويرفض الوساطة والتمييز فيه، فكان الأولى به أن يحترم الدستور، وأن يطرح على نفسه سؤالا، هو كيف يحاكم نائب الرئيس ويحكم عليه بخمسة أحكام إعدام وهو ما يزال يتمتع بالحصانة، حتى ولو كانت التهم في حقه صحيحة؟ ولماذا لم يحاكم أفراد الميليشيات الشيعية الضالعين في عمليات إرهابية وقتل تعذيب وإعدامات ميدانية، ومن بينهم وزراء سابقون وقادة في أحزاب تشارك في السلطة؟ ولماذا يدافع المالكي، مثل صدام قبله وبشار حالياً، عن انتهاكات أجهزة الأمن من تعذيب واغتصاب وغيرها، ولا يقدم مرتكبيها للمحاكمة؟

(8)

ليست هناك طائفة أو فئة من المجتمع مبرأة ومعصومة من ارتكاب الأخطاء، ولكن هناك فرقا بين أن يرتكب أفراد أو مجموعات جرائم، وبين أن تكون الجرائم بدعم وتحريض أو مباركة وحماية من قيادات المجموعة. وهناك أيضاً فرق بين أن ترتكب الجرائم باسم الطائفة، قيادات دكتاتورية معزولة، وبين أن تحتضن الطائفة بكاملها المجرمين وتعتبرهم أبطالاً، لأن هذه الحالة الأخيرة تلوث موقف المجموعة بكاملها. وكما حدث في صربيا وألمانيا النازية، أو الهوتو في رواندا، فإن الإثم والعقوبة وقعا في نهاية الأمر على البريء والمذنب معاً، ويفرض على الجميع تكرار الاعتذار، ربما لأجيال قادمة.

(9)

يروي كثير من شرفاء العلويين الذين ثاروا على الجرائم التي ارتكبت باسم طائفتهم أنهم واجهوا العزلة واتهامات الخيانة من قبل بقية العلويين، ويعلل بعضهم هذا الأمر بالقول إن النظام السوري 'اختطف الطائفة العلوية'. ولكن يبدو أن المخطوف راضٍ سعيد بمصيره، وهو مصير لا بد سيكون مظلماً، لأن الأسد ذاهب لا محالة، ولكنه قرر ألا يذهب قبل أن يورط كل العلويين في مستنقع الإجرام، ويريد أن يقاتل حتى آخر علوي.

(10)

المطلوب من أجل حصار الطائفية هو أن يتصدى الشرفاء والعقلاء في كل طائفة لمن يستخدم دعوى الجاهلية المنتنة، وأن تنشأ تحالفات من المعتدلين من كل الطوائف، وأن يتم تجنب إنشاء أحزاب ذات صبغة طائفية، ويفضل أن لا تسمح القوانين الانتخابية بانتخاب قيادات لا تحظى بحد أدنى من الدعم من كل الأقاليم. فأهم شيء هو ألا يتحول التصدي للطائفية إلى تعميق وتعزيز للطائفية.

===============

إسرائيل والنظام السوري: البكاء على أطلال أحقاب ذهبية

صبحي حديدي

2013-01-03

القدس العربي

خلال أقلّ من أسبوع ـ بين يوم الأحد، موعد الاجتماع الأسبوعي لحكومته؛ ويوم الخميس، حين رعى حفل تخريج دفعة جديدة من الضباط الطيارين ـ حرص رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على إطلاق سلسلة تصريحات حول النظام السوري، والتحضيرات الإسرائيلية لأطوار ما بعد سقوط بشار الأسد، التبعات المتصلة بهذا التطوّر الدراماتيكي.

وخلال هذين الموعدَين، عقد نتنياهو اجتماعاً سرّياً مع العاهل الأردني، الملك عبد الله بن الحسين (كانت هذه الصحيفة سباقة إلى كشف النقاب عنه)، تناول الوضع السوري عموماً، وأخطار احتمال لجوء النظام السوري إلى استخدام أسلحة الدمار الشامل، الكيميائية والبيولوجية؛ أو، في حال عدم استخدامها، عواقب وقوع هذه الأسلحة في أيدي الكتائب الإسلامية والجهادية المتشددة التي تقاتل النظام، خاصة على الحدود السورية ـ الأردنية، وحدود الاحتلال الإسرائيلي في الجولان.

قراءة تصريحات نتنياهو، من حيث اللغة والتوقيت والسياق، تفضي إلى خلاصة أولى بسيطة، ومنطقية تماماً: أنّ الرياح أخذت تأتي بما لا ـ أو بالأحرى لم تكن ـ تشتهي سفن إسرائيل بخصوص النظام السوري؛ ولا مناص، استطراداً، من توجيه الدفة إلى جهات أخرى، وخيارات لم تكن مشتهاة قبلئذ. المنطق الآخر، قبل هذه التطورات، كان يحثّ إسرائيل على المساعدة في المدّ بعمر النظام، اتكاءً على ثلاثة مسوّغات، بين أخرى أقلّ إلحاحاً:

ـ انّ نظام الحركة التصحيحية'، حافظ الأسد ووريثه من بعده، حافظ على حدود الاحتلال الإسرائيلي للجولان، لا كما فعل أيّ نظام سوري سابق، منذ تأسيس الكيان الصهيوني؛ ولم يكن الوضع المسمى 'حالة اللاسلم واللاحرب' إلا حال سلام الأمر الواقع، فعلياً، وعلى الأرض.

ـ انّ أيّ نظام قادم على أنقاض 'الحركة التصحيحية'، بصرف النظر عن توازناته وملامحه والقوى الغالبة فيه، لن يكون أفضل حالاً لإسرائيل؛ بل الأرجح أنه سوف يكون أسوأ لأمنها، القريب والبعيد، تكتيكاً واستراتيجية، بالنظر إلى الروابط التاريخية والجغرافية والشعورية العميقة التي شدّت، وستظلّ تشدّ، الشعب السوري إلى القضية الفلسطينية.

ـ وما دام جيش النظام الموالي استخدم ضدّ المعارضة، ويستخدم كلّ يوم، صنوف الأسلحة جميعها، من الدبابة والمدفعية الثقيلة إلى السلاح الصاروخي والجوّي، بما في ذلك البراميل المتفجرة، والقنابل العنقودية، والألغام البحرية...؛ وما دامت المعارضة ليست مكتوفة الأيدي، فهي تدمّر الدبابة وتُسقط الطائرة وتقتل، مثلما يُقتل منها...؛ فإنّ إسرائيل رابحة من هذا الاهتلاك المتبادل، على المدى البعيد، بالنظر إلى حقيقة كبرى تقول إنّ أفواج الجيش السوري النظامي، في النظام الراهن كما في سورية المستقبل، ومختلف فصائل المعارضة، تظلّ في العمق قوّة معادية لإسرائيل، ومكمن خطر مباشر دائم.

ظلت هذه الأقانيم الثلاثة راسخة ومعتمَدة، لعب نتنياهو دور الحَكَم الأخير في ترسيخ توازناتها، وتخفيف وطأة خلافات الرأي بشأنها، بين جنرالات الجيش وجنرالات الأجهزة الاستخبارية؛ حتى طرأت على الوضع الميداني السوري تطورات نوعية 'دراماتيكية'، في وصف نتنياهو نفسه، اقتضت الانحناء أمام الرياح العاصفة، وتغيير الدفة. في الطليعة كانت وقائع وصول أنشطة 'الجيش السوري الحرّ' إلى بلدات ـ ولكن أيضاً، وهو الأهمّ: إلى هضاب ـ الجولان المحتل؛ خاصة أنّ خطوط الفصل بين القوّات تشكّل طبوغرافية اختلاط معقدة بين قوّات الاحتلال الإسرائيلية والجيش السوري ومراقبي الأمم المتحدة، ممّا يمنح مقاتلي المعارضة السورية أفضلية إرباك عالية للجميع، وللجيش الإسرائيلي خاصة. وهكذا، ضمن هذا الطارئ على الأرض، شهدنا قبل أسابيع لجوء إسرائيل إلى إجراء أقصى، ذي طابع مسرحي لا ريب: إخلاء جبل الشيخ من السيّاح، بذريعة نجاح 'مسلحين سوريين معارضين للنظام' في الوصول إلى مناطق قريبة من ذرى حرمون، و'على الحدود مع إسرائيل'.

ولقد سار تصريح نتنياهو الأول، في افتتاح اجتماع الوزارة الإسرائيلية، على نحو يمزج حسّ الواقعية إزاء دنوّ أجل النظام السوري، بنبرة التخوّف أو التخويف، وما يقترن بهما من الوعيد والإنذار، إزاء ما ينتظر ترسانة الأسلحة الكيميائية السورية من مآلات واحتمالات؛ خلال، أو بعد، معارك الأسد الأخيرة. وإلى جانب التأكيد بأن حكومته 'تتابع عن كثب الأحداث الراهنة في سورية'، (وكأنّ العكس يمكن أن يكون وارداً!)؛ قال نتنياهو: 'إسرائيل تتابع التطورات الدراماتيكية في سورية، وتتعاون مع الولايات المتحدة، والمجتمع الدولي، وتتخذ الخطوات الضرورية في الاستعداد لتغيّرات جذرية تطرأ على النظام، والعواقب التي ستنطوي عليها بخصوص شبكات الأسلحة الحساسة'. تصريحه الثاني، في تخريج الطيّارين، ذكّر بـ'ذراع إسرائيل'، وأنها 'ممدودة في سلام للراغبين في السلام، وأما الذين يهددوننا، على مقربة أو على مبعدة، فعليهم أن يعرفوا أنّ ذراعنا الطويلة سوف تضرب بقوّة'.

ذلك لأنّ مشهد الأرض، في سورية، كان يشير إلى وقائع عديدة ذات دلالات غير عادية: استخدام صواريخ 'سكود' في قصف مواقع المعارضة (وهو أمر اعتبره أندرس فوغ راسموسن، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، بمثابة 'فعل يائس لنظام يقترب من نهايته'؛ ليس على غرار جنرالات الجيش الإسرائيلي، الذين نظروا إلى التطوّر بواقعية عسكرية باردة، تذهب أبعد بكثير من البلاغة اللفظية)؛ ونقل مخزون الأسلحة الكيميائية إلى مواقع جديدة، في جبال الساحل السوري خاصة؛ واتضاح استعدادات روسية ملموسة، لإخلاء قرابة 30 ألف روسي من سورية؛ واستمرار حصار، ثمّ سقوط، مواقع عسكرية حساسة موالية للنظام، بينها مطارات عاملة؛ وانحسار سيطرة النظام إلى ما يقلّ عن 25 بالمئة من أراضي سورية، أوسعها نطاقاً مناطق الساحل السوري، وبعض أحياء مدينة حلب، ومعظم الأحياء في العاصمة دمشق.

وإذْ ينصرف نتنياهو إلى تقليب الرأي في 'استعدادات' إسرائيل لمواجهة سورية ما بعد نظام 'الحركة التصحيحية'، فإنّ سلسلة الحقائق التي اكتنفت تاريخ العلاقة مع الأسد الأب، ثمّ الأسد الابن، سوف تحتلّ الصدارة في تفكير رئيس الوزراء الإسرائيلي، أغلب الظنّ: على هيئة رثاء لأطلال حقبة ذهبية عاشتها تلك العلاقة، تارة؛ أو على هيئة انحناء قسري أمام العواصف الآتية، طوراً.

سوف يستذكر نتنياهو سلسلة المواقف التي اتخذها النظام منذ أواسط السبعينيات، في ملفات عربية كبرى ذات طابع إقليمي قومي إجمالاً (حرب الخليج الأولى، والثانية)؛ والتدخّل التدميري في الحرب الأهلية اللبنانية (احتلال البلد عسكرياً، وإخضاعه سياسياً وعسكرياً وأمنياً، وتخريب الحركة الوطنية اللبنانية، والتخاذل أمام الاجتياح الإسرائيلي سنة 1982)؛ ومحاربة منظمة التحرير الفلسطينية على نحو خاص (حرب المخيمات، وشقّ المنظمة، ومطاردتها إلى سواحل طرابلس)... وكلها سياسات كانت تصبّ الماء في الطاحونة الأمريكية ـ الإسرائيلية.

ولعلّ مستشاراً أريباً، بارعاً في استحضار التاريخ أيضاً، سوف يذكّر نتنياهو بأربعة من الثوابت التي حكمت تفكير الأسد الأب، في ما يخصّ تباطؤ النظام في عقد سلام مع إسرائيل، ومسارعة الأخيرة إلى تشجيع ذلك الخيار ومدّه بمزيد من أسباب البطء؛ وظلّت، كذلك، تحكم تفكير وريثه طيلة 12 سنة من التوريث. وتلك ثوابت ـ حسابات لم تكن بيضاء أو سوداء، بل بقيت رمادية متقلّبة سريعة التلوّن، ولكنها بأجمعها تدفع إلى خيار 'السلام'، وإن كانت حظيت بخدمة فائقة من ملابسات إقليمية وحماقات دولية (صعود إيران كقوّة إقليمية، جرّاء الاحتلال الأمريكي للعراق).

الاعتبار الأوّل مردّه أنّ الأسد الأب لم يكن على عجلة من أمره، وحاله لم تكن حال منظمة التحرير أو المملكة الأردنية، سواء لجهة الماكرو أو الميكرو ـ اقتصاد، أو لجهة الاقتصاد السياسي البسيط والحاسم. وحين كانت معدلات محصول القطن والفوسفات تزيد بنسبة 20 إلى 25' في عام 1992، كان الأسد الأب يجتمع بوفد من أبناء الجولان ليقول: لا تفريط في حبة رمل واحدة من تراب بلادنا، والاستسلام ليس في قاموسنا. فوق ذلك، كانت مغانم الاشتراك في 'عاصفة الصحراء' تلوح في الأفق، قبل أن يشيح الحلفاء الخليجيون بوجوههم وجيوبهم.

الاعتبار الثاني أنّ الاقتصاد كان يعيش أزمة عضوية ليست حديثة العهد، والأسد الأب أقام معادلته على أساس خطوة سلام واحدة، مقابل خطوة انفتاح وليبرالية اقتصادية واحدة. لا شيء يسبق، لا شيء يتخلّف. ذلك جعل رئيس غرفة التجارة بدر الدين الشلاح يهلل للسلام، ورئيس غرفة الصناعة يحيي هندي يشكك في السلام: الأول من منبر 'وول ستريت جورنال'، امتداحاً للعبقرية التجارية المرتقبة بين السوريين وجيرانهم الإسرائيليين؛ والثاني من منبر إذاعة دمشق، رثاء للصناعيين المحليين والمانيفاكتورات الوطنية التي سيبتلعها المال الخارجي المضمخ برائحة يهودية. وفي الحالتين كان التهليل والتشكيك يعكسان أعراض التأزم، مثلما كانت تعكسه غمغمة كوادر حزب البعث الحاكم، التي تربّت على مبدأ 'فلسطين قبل الجولان'!

الاعتبار الثالث كان يخصّ مفارقة أن يكون السلام مطلوباً بشروط قائمة على حسابات خارجية باردة (اعتبرها البعض 'مشرفة'، أو 'وقفة عزّ' لا تشبه خضوع الفلسطينيين والأردنيين)؛ في وقت شهد صدور ذلك التصريح/ القنبلة من فم الأسد الأب شخصياً، خلال لقاء مع عضو الكونغرس الأمريكي توم لانتوس: 'إنّ مفهومي للسلام واضح، وحين أتحدث عن السلام الكامل فإنني أقصد السلام الطبيعي من النوع القائم اليوم بين 187 دولة في العالم'.

الظروف الداخلية، من جانبها، وضعت حكاية السلام على جدول أعمال الحياة اليومية للنظام، التي كانت تقبل الحلول البطيئة والمتباطئة؛ قبل أن تمحوها مسألة ترتيبات توريث الأسد الابن، وهذه لم تكن تقبل إلا الحسابات الساخنة والحلول العاجلة.

الاعتبار الرابع يخصّ ذلك الوضع الجدلي الذي كان يفضي بالنظام إلى واحد من راعيين، أو إلى كليهما معاً: واشنطن، أو الرياض. وغني عن القول ان الراعيين امتلكا من أسباب الاتفاق بينهما (وأي اتفاق) ما جعل خيارات الأسد الأب، الماهر في المناورة، تمرّ من خرم إبرة.

وفي السياسة يحدث كثيراً أن تضطر الميكيافيللية الماهرة إلى قدر كبير من التواضع، لكي تمرّ من ذلك الخرم الذي ينصبه التاريخ في البرهة القاتلة. وحين نطق الأسد الأب بـ'كلمة السحر'، على حدّ تعبير المعلق الإسرائيلي زئيف شيف، في لقائيه مع الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون (في جنيف، ودمشق)؛ صار موقف البطء والتباطؤ يُطبخ على نار التوريث، وأمكن لإيهود باراك، رئيس الوزراء الإسرائيلي، أن يفضّل انتظار الوريث الآتي، على معاندة الحاكم الموشك على الرحيل.

معالم هذا التاريخ، وهي تتحوّل اليوم إلى خرائب، جديرة بأقصى الاستعدادات من الجانب الإسرائيلي، وبأقصى القلق والريبة من مستقبل سوري آت، لا محالة، سوف يجلب اندثار نظام تلاعبت معه تل أبيب طويلاً، كما فعلت مع نظام حسني مبارك، ومعظم أنظمة الاستبداد والفساد العربية، وآن الأوان لطيّ صفحته. ليس دون بكاء على الأطلال، والحقّ يُقال.

' كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

===============

السيد نصر الله وتقسيم سورية

رأي القدس

2013-01-03

القدس العربي

فاجأ السيد حسن نصر الله الكثيرين من انصاره ومتابعيه يوم امس عندما اكد ان سورية 'مهددة بالتقسيم اكثر من اي وقت مضى'، ولكنه لم يقل كيف يمكن منع هذا التقسيم، ومن هو المسؤول عن وصول البلاد الى هذا المصير المظلم.

التقسيم الذي يواجه سورية، ولا نبالغ اذا قلنا ان خطواته الاولى قد بدأت فعلا، لن يتوقف قطاره عند الحدود السورية، وقد يمتد الى دول الجوار مثل لبنان والعراق والاردن ليصل الى السعودية وربما تركيا وايران ايضا.

المشكلة ان هذه الدول، مجتمعة او منفردة، لا تعي خطورة مثل هذا المخطط على وحدتها الوطنية، الجغرافية والديموغرافية معا، وهذا يتضح من خلال التحريض على القتال ودعم الحلول العسكرية التي يتبناها طرفا الصراع في سورية.

السيد حسن نصر الله، مثل الكثيرين الذين يتعاطون بالشأن السوري يتحدثون عن الحلول السياسية، باعتبارها المخرج الوحيد والناجع من هذه الازمة، ولكن في واقع الحال ان طرفي الصراع والقوى العالمية والاقليمية التي تدعمهما بالمال والسلاح لا يريدون هذه التسوية السياسية، وان ارادوها فوفق شروطهم التعجيزية، واملاءاتهم التي يعرفون مسبقا انها غير ممكنة.

النظام السوري يريد الحوار مع المعارضة ولكن بعد القضاء عليها وتقليم اظفارها، ونزع اسلحتها، والمعارضة تشترط ذهاب رأس النظام قبل البدء في اي حوار. وهناك اطراف في اوساط المعارضة تريد نهاية دموية لهذا الرأس على غرار ما حدث للزعيم الليبي معمر القذافي وبعض ابنائه، الامر الذي يشكل دعوة لهذا النظام ورأسه الى القتال حتى الموت، دون اي اعتبار للنتائج الكارثية التي يمكن ان تترتب على ذلك بالنسبة الى سورية.

بالامس اعلنت الامم المتحدة ان عدد القتلى في سورية وصل الى ستين الفا، واذا أخذنا المعدلات الحالية للموت، التي تصل الى حوالى مئتي قتيل يوميا، فهذا يعني ان هذا الرقم قد يصل الى مئة الف او اكثر بنهاية العام الجديد.

الصراع في الجزائر ادى الى سقوط مئتي الف قتيل طوال السنوات الثماني التي استغرقها، وها هو نظيره السوري يقترب من هذا الرقم في زمن قياسي، ونحن هنا لا نتحدث عن امكانية اتساع نطاق هذا الصراع بحيث يشمل دولا اقليمية او دولية، او استخدام اسلحة غير تقليدية، خاصة من قبل النظام في حال يأس او كرد على هذا التدخل الخارجي غير المستبعد.

سورية تعيش حاليا حالة من الفوضى الدموية، بينما يقف العالم موقف المتفرج، وكأن هؤلاء الذين يسقطون يوميا بالمئات ليسوا بشرا، والاخطر من ذلك موقف دول عربية تصب الزيت على نار الصراع وتوفر ادوات الموت والدمار تماما مثلما تفعل ايران وروسيا المتهمتان باطالة امد الازمة.

السيد جورج صبرا رئيس المجلس الوطني السوري نطق للمرة الاولى بالحل السياسي كمخرج من الازمة السورية، وقال ان الحل العسكري لا يمكن ان يستمر طوال الوقت، ولا بد من الحل السياسي في نهاية المطاف، وذلك في حديث لمحطة اذاعية لبنانية.

هذا كلام عاقل مسؤول يجب ان يجد آذانا صاغية لدى اطراف المعارضة السورية الاخرى والدول الداعمة لها، فلا بديل غير الحوار المسؤول، وتقديم مصلحة سورية الوطن والشعب فوق كل الاعتبارات الاخرى.

النظام لم يسقط رغم النبوءات المتعددة بسقوطه من كل الجهات، والمعارضة المسلحة لن تهزم، بدليل صمودها لاكثر من عام وتقدمها في مناطق عديدة، ولا بد ان يسلم الطرفان بعدم قدرتهما على الحسم بالوسائل العسكرية والامنية، وينخرطا في مفاوضات جدية لانتقال السلطة من خلال تسوية متفق عليها.

ختاما نقول كنا نتمنى لو ان السيد حسن نصر الله اقنع حليفه بدمشق بالتجاوب مع مطالب الانتفاضة المشروعة بالاصلاح الحقيقي والجدي لكان جنبنا كل هذه المآسي. وقد يكون قد حاول ولم يوفق، ومن المؤسف ان الوقت لم يعد وقت تبادل اللوم والعتاب، في ظل الدمار والصوملة والتقسيم الذي ينتظر سورية ويهدد بتفتيتها وتحولها الى ملاذات للوردات الحرب.

===============

آفاق قاتمة للشرق الأوسط في 2013

باتريك سيل *

الجمعة ٤ يناير ٢٠١٣

الحياة

من المستبعد أن تكون السنة المقبلة سعيدة بالنسبة إلى الشرق الأوسط غير المستقرّ. وعلى رغم سقوط بعض القادة الدكتاتوريين، ومن مطالبة عرب كثيرين بحقوقهم الآن، لا مفر من الواقع الذي يفيد بأن حصيلة السنتين الماضيتين بقيت سلبية إلى حد كبير. وما من دليل مقنع في أي من الدول التي طاولها الربيع العربي، على السلام والمصالحة والحكم الرشيد، وتحسّن مستوى المعيشة في أوساط الأشخاص العاديين، وازدياد الحسّ بالمواطنة، ناهيك عن الديموقراطية الحقيقية.

وقد عانت بعض البلدان أكثر من غيرها. إلا أن صراخ ودموع السوريين، الذين بلغ عدد القتلى بينهم عشرات الآلاف، ومئات آلاف الجرحى والجياع والمهجرين، تُثقل ضمير العالم إلى حدّ كبير. إلاّ أنّه لا نهاية لهذا الاحتضار. وإن اقتبسنا ما قاله مبعوث الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي، فإن سورية تواجه خطر النزول إلى الجحيم، هذا إن لم تكن فيه الآن.

ولا تقتصر الضحايا على كل من الدول العربية، فقد تلقّى النظام السياسي العربي صفعات هائلة، وهو لا يزال يواجه حالة من الفوضى العارمة. ماذا يعني ذلك؟ يعني أن قدرة الدول العربية على العمل معاً بفعالية تقلّصت إلى حد كبير. وهي تواجه صعوبة لتأكيد استقلالها عن القوى الخارجية الجشعة، أو الدفاع عن القضايا العربية على الساحة العالمية، مع العلم أن الصوت العربي يكاد لا يتمتع بأي نفوذ.

لقد اكتسبت بعض الدول العربية ثروة طائلة، ولكن من غير المبالغ فيه إن قلنا إن العرب ككل – ويُنظَر إليهم كمجموعة أشخاص يتشابهون في طريقة تفكيرهم ويتقاسمون اللغة ذاتها والتاريخ عينه، ونظام عقائد متشابهاً – ليسوا أفضل حالاً بكثير مما كانوا عليه قبل أكثر من ستين عاماً، عندما ضاعت فلسطين بين أيادي الصهاينة في 48-1947، وعندما تعرّض العالم العربي لهزيمة نكراء شاملة على يد إسرائيل في عام 1967.

ما الذي يجعلني أُطلِق هذه الآراء المتشائمة؟ فلننظر إلى الأدلة.

* ثمّة دولتان عربيتان هما سورية والعراق – كان لكل منهما في الماضي دور حاسم في الدفاع عن المصالح العربية – تواجهان اليوم التشتيت والتقسيم، وحتّى احتمال خسارة هويتهما الوطنية. وأقل ما نشهده هو إعادة رسم للخريطة التي أنشأت هاتين الدولتين المنبثقتين من ولايات عثمانية بعد الحرب العالمية الأولى.

* ثمّة لعنة أخرى يعاني العرب بسببها، تتمثّل بنشوء موجة من الكراهية بين السنّة والشيعة. واليوم، يتصّرف هؤلاء الإخوة في الدين الإسلامي – الذين يؤمنون بالله، ويبجّلون النبي نفسه – كأعداء لا يمكن التوفيق بينهم. وما من أمر أضَعفَ العرب أكثر من هذا العداء بين الإخوة، وما من أمر جلب فرحة أكبر إلى قلوب أعدائهم.

في عام 2003، عندما حلّت الولايات المتحدة الجيش العراقي وجعلت حزب البعث خارجاً عن القانون – وهما المؤسستان الرئيسيتان في الدولة العراقية – أطاحت بالدولة بحد ذاتها، وحفّزت حرباً أهلية بين السنّة والشيعة، تسببت بمقتل مئات الآلاف وبتهجير الملايين. وكانت نتيجة هذا الصراع كارثة حقيقية. وثانياً، خسر العراق، في ظل القيادة الشيعية، دوره التقليدي كثقل موازن لإيران. ونتجت من اختلال ميزان القوى مخاوف من الهيمنة الإيرانية في بعض دول الخليج العربي.

وبالنسبة إلى مراقبين مستقلين مثلي، اشتملت هذه المخاوف على قدر كبير من المبالغة، ولكنها كانت تنطوي على تداعيات مؤسفة، إذ تسببت بأن ينظر عدد كبير من دول الخليج العربي إلى إيران على أنها عدو، أكثر من كونها شريكاً – وبلجوئها إلى الولايات المتحدة طلباً للحماية. ولا شك في أن الدعاية الأميركية والإسرائيلية المناهضة لإيران كان لها دور في ذلك.

* يطغى شبح الإفلاس على مصر، القائد التقليدي وأكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، مع العلم بأن اقتصادها منهار، وقد شحت فيها السياحة والاستثمارات الأجنبية إلى حد كبير. وسُمح بارتفاع معدلات الإنجاب، التي بقيت تحت السيطرة بدءاً من خمسينات القرن العشرين. والجدير ذكره أن الفائض السكاني سلب الشعب بمعظمه أي فرصة منطقية لحياة أفضل. إلى ذلك، سمح الاعتماد على الإغاثة الأميركية وعلى المؤسسات التي يديرها أميركيون، على غرار صندوق النقد الدولي، بتقييد كبير لقدرة مصر على متابعة سياسة خارجية مستقلة تصب في مصلحة العرب.

* أما القضية الفلسطينية، التي تشكل حجر الزاوية بالنسبة إلى الكرامة والهوية العربية، فتكاد تكون خاسرة. فحل الدولتين أصبح ساقطاً عملياً. ويواجه العرب احتمال تكبّد هزيمة فادحة، تكمل هزيمة عام 1948. وقد عجزت الدول العربية الثرية عن استخدام تأثيرها على الولايات المتحدة وأوروبا للمطالبة بالعدالة للفلسطينيين، وهو ما يشكل سبباً آخر للانشقاق بين الفلسطينيين. ويقوم سبب ثالث على بروز القوميين المتطرفين دينياً في إسرائيل، الذين يصرون على إنشاء إسرائيل الكبرى، التي يكون فيها الفلسطينيون إمّا محتشدين كالعبيد في بانتوستانات منعزلة، أو مُبعدين عن الأراضي بصورة نهائية.

لقد تمكنت إسرائيل من سلب أراضٍ فلسطينية وصد السلام ومنع أي شكل من أشكال الدولة الفلسطينية، وممارسة سيطرة عسكرية على المنطقة، وشن هجمات على جيرانها بحسب رغبتها، وذلك لسبب أساسي واحد، وهو أنّها حظيت بدعم لا متناهٍ من الولايات المتحدة. وعلى رغم انتخاب الرئيس باراك أوباما لولاية ثانية، يبدو مستمراً في تردده حيال مواجهة القوى المؤيدة لإسرائيل، التي تمكّنت من الفوز بنفوذ هائل في الولايات المتحدة، أقله ضمن الكونغرس الأميركي. ومع ذلك، يكمن التناقض في أن عرباً كثيرين لا يزالون يطالبون بحماية الولايات المتحدة! إنّه جنون. ومن الضروري أن يتحرّر العرب من القيود الأميركية وأن يتعلّموا كيفية الدفاع عن أنفسهم.

ما هي قرارات السنة الجديدة التي أجرؤ على توصية القادة العرب بها؟

* أولاً، أن يبذلوا قصارى جهدهم لإيجاد حل للانشقاق بين السنّة والشيعة، الذي يُضعف العالم العربي إلى حد كبير. وقد تقوم خطوة أولية على تنظيم مؤتمر كبير لعلماء الدين من كافة المذاهب الإسلامية – وإبقائهم في مكان واحد إلى أن يحلّوا خلافاتهم.

* ثانياً، أن يحموا ما تبقّى من سورية – ودورها المركزي في كبح جماح إسرائيل، وإيقاف القتل من خلال جلب النظام ومعارضيه إلى طاولة التفاوض، بغض النظر عما إذا كان الأمر يعجبهم أم لا. فما من حل عسكري للأزمة. وتقوم الطريقة الوحيدة لوضع حدّ للدمار المستشري على فرض وقف لإطلاق النار على الطرفين، والتوقّف عن إرسال الأموال والأسلحة للنظام والمتمردين، وعزل المتطرفين القاتلين من الطرفين، ودفع الولايات المتحدة وروسيا، فضلاً عن الاتحاد الأوروبي ومصر وتركيا وإيران، لدعم مرحلة انتقالية سياسية. ولا تقوم المسألة الأساسية على ما إذا كان الرئيس بشار الأسد سيبقى في السلطة أو يغادرها، حيث أن وحدة الدولة السورية هي التي تقع على المحك. ومن الضروري القيام بذلك لحماية التراث التاريخي الفريد في سورية، ومؤسساتها الحكومية، وأقلياتها العريقة، ودورها الإقليمي الحيوي في مجال الدفاع عن الاستقلال العربي.

* ثالثاً، أن يطالبوا بالعدالة للفلسطينيين، وإن كان الأمر يهدد بانقطاع العلاقات الودية مع الولايات المتحدة وسحب القواعد الأميركية من الخليج.

* رابعاً، أن يبدأوا حواراً استراتيجياً مع طهران، مع الإشارة إلى أن العداء بين العرب والإيرانيين خطأ جسيم، وإلى أن شراكة بين العرب والإيرانيين – تكون بمثابة شراكة على قدم المساواة بالاستناد إلى الثقة المتبادلة ومصالح الطرفين – وحدها كفيلة بحماية منطقة الخليج الحيوية من مخاطر الحرب ومن طموحات القوى الخارجية.

من المرجّح أنّ إعادة تفكير جذرية بالسياسات والتصرفات والتحالفات الراهنة هي وحدها كفيلة بإنقاذ العالم العربي من الحفرة الداكنة التي يتواجد فيها. ولكن أي قائد عربي سيجرؤ على الانطلاق في مهمة كهذه؟

===============

فيديو الرعب

حسام عيتاني

الجمعة ٤ يناير ٢٠١٣

الحياة

رغم أنه ليس الأكثر دموية، ولا الأشد وحشية بين فيديوهات «تسرِّبها» أجهزة النظام السوري، حظي المقطع الذي يظهر فيه جنود مؤيدون لبشار الأسد يقتلون مدنيين عزّلاً، بانتشار واسع وأثار ضجة وجيهة الأسباب.

قبل تناول أسباب الانتشار و «التسريب» المقصود، يمكننا الحديث عن الشخصيات المشاركة في المقطع الذي تتناقله مواقع الإنترنت منذ أيام:

هناك أولاً الضحايا: يجمع الجنود ستة أو سبعة شبان داخل ما يشبه أنقاض مبنى تعرض للقصف. يُبعدون أربعة أو خمسة، لسبب ما، ويحتفظون باثنين، وسط الشتائم واتهامهما بأنهما من «جماعة (عدنان) العرعور».

ونرى أيضاً من سنسميه «الشبيح»، بنظارتين سوداوين ولحية وقبعة «بيزبول». يبدو الرجل كخلاصة لثقافة التمييز بين السوريين: ثقة مفرطة بالنفس، لهجة مميزة هي لهجة الساحل، ثم... عنف بالغ حيال الضحيتين مع لامبالاة واضحة أثناء طعنهما وضربهما بحربته وبالأحجار التي ألقاها عليهما.

الشخصية الثانية، الأقل أهمية، هي «الجندي» المعتمر خوذة والمشارك من دون نفس تقريباً في تشطيب الضحيتين وفي ضرب رأسيهما بالحجارة، كواجب من واجبات الجندي في «الجيش العقائدي».

أما الثالث، «أحمد» أو «أبو حميد»، فالأرجح انه الأدنى رتبة أو ذو الخلفية الاجتماعية الأبسط والأكثر تواضعاً. يفرط «أبو حميد» هذا في الطعن والشتم ويحمل الأحجار الأكبر لرميها على الجثتين، اللتين انطرحتا أرضاً بعدما فارق صاحباهما الحياة. ولعل الجندي هذا المعتمر قبعة تشبه قبعات صيادي الأسماك، من النوع الذي سيبكي إذا وقع في أسر أعدائه، وسيقسم لهم أنه يعيل عائلة عديدة الأطفال، وأنه يكاد لا يستطيع توفير الدواء لأمه. إنه أبله المجموعة، الذي يُكلَّف بأقذر أعمالها وأصعب الخدمات لأعضائها، وهو الذي سيثير الاحتجاج إذا أعدمته مجموعة متطرفة كـ «جبهة النصرة» برصاصة في الرأس بعد أسره.

الرابع أثار لغطاً، بعد ارتفاع أصوات تقول إنه ينتمي إلى عائلة البرّي الحلبية (السنية) التي أردى عناصر من «الجيش الحر» أفراداً منها بعد اعتقالهم في المدينة، وهم ممن استباحوها وأذاقوا أهلها الذل ألواناً في عهدي حافظ وبشار الأسد. بيد أن ناشطين كثراً شككوا في صحة هوية الرجل ونسبوا التعرف إليه إلى عمل الأجهزة التي وزعت الشريط لإضفاء المزيد من الارتباك على ظروف الجريمة ولوضعها في إطار «سياسي» يتجاوز الانقسامات الطائفية، بعدما دلت لهجة الجنود الواضحة على المنطقة التي يتحدرون منها، ذات الأكثرية العلوية.

الخامس هو المصور، الذي لم يكن وحيداً على ما يشير ترحيب الجنود به بعبارة «أهلاً بالشباب». هو المنفذ للعمل الأصعب، نقل وقائع الجريمة بأصوات منفذيها، وربما نشر الفيديو عبر شبكة الإنترنت على شكل «تسريب» من الشبيحة.

أما الشخصيتان الأخيرتان، فهما الضحيتان، اللتان بعد حوار قصير مع «الشبيح» في أول الشريط، وقفتا تتلقيان الطعنات والضربات بهدوء مذهل، ولم تصدر عنهما سوى بعض الصرخات والأنات. لم ينتفضا، لم يحاولا الهرب، ولم يقاتلا... رغم أن يدي أحدهما ظهرتا أثناء حواره مع الجندي. لم يرفسا القتلة، بل استسلما، كما يليق بأبناء الشعب أن يستسلموا لحراب القتلة، وكما يليق بـ «الجماهير» الخضوع لمندوبي القائد الخالد وممثليه الحقيقيين.

والحال أن الاستنتاج الأسرع يقول إن مقطع الفيديو منشور عمداً لزيادة علو الحاجز النفسي بين الفئات السورية ولاستدراج مجازر انتقامية تتيح للنظام استجداء النجدة دفاعاً عن الأقليات المهددة، والتي يزعم أن النظام قد حسم خياراته وهو ماض فيها حتى سقوطه، ملقياً كرة النار الطائفية بين أيدي معارضيه.

===============

تكهنات مع انطلاق ولاية اوباما الثانية

راغدة درغام

الجمعة ٤ يناير ٢٠١٣

الحياة

ليس جلياً بعدُ كيف يعتزم الرئيس باراك أوباما توجيه السياسة الخارجية الأميركية في ولايته الثانية، لا سيما أن اكتشاف ‏القدر الضخم من النفط في الولايات المتحدة يعطيها دفعاً استراتيجياً سيميز علاقاتها الدولية ونفوذها العالمي. شطر من ‏المراقبين يعتقد أن أوباما في الولاية الثانية لن يتغير جذرياً عنه في الأولى، من ناحية نزعته «الانعزالية»، بل إنه ‏سيعزز تلك النزعة، نتيجة توجه أميركا نحو الاكتفاء الذاتي من النفط وتقلص القيمة الاستراتيجية للدول المنتجة للنفط. الشطر ‏الآخر يقول إن من الخطأ الافتراض أن الولايات المتحدة على وشك الانسحاب من العالم -إذا جاز التعبير-، وأن المعطيات ‏الجديدة، النفطية منها، وكذلك شخصية الرئيس أوباما في ولايته الثانية، ستصيغ نوعية مختلفة للسياسة الخارجية الأميركية ‏تعيد تعريف «التدخل» و «الانزواء» و «الانعزالية». ومع بدء العد العكسي لانطلاق الولاية الثانية لرئاسة أوباما، تزداد ‏النظريات والافتراضات، لا سيما من منطقة الشرق الأوسط التي تارة تحمّل كل مآسيها لأميركا و «مؤامراتها»، وتارة ‏ترتجف خوفاً من فكرة انسحاب الاهتمام الأميركي بها وتحوله شرقاً على حسابها. ومع مطلع هذا العام، تبقى أولوية أحاديث ‏المنطقة للنظام الإقليمي، الذي سيُفرَز هذه السنة وبعدها، ويبقى السؤال الذي يتكرر دوماً: ماذا تريد أميركا لنا؟ إنما هذا السؤال ‏يُطرح عربياً أكثر منه إيرانياً، أو إسرائيلياً، أو حتى تركياً، فأركان الحكم في الجمهورية الإسلامية الإيرانية يرفضون مقولة ‏‏»ماذا تريد أميركا لنا»، ويستبدلونها بـ «ماذا لدى الاستراتيجية الإيرانية للتأثير في ما تريده أو تفعله أميركا في المنطقة». رجال ‏الحكم في إسرائيل لا يرضخون لما يريده أي رئيس أميركي، بل هم على ثقة بأن في وسعهم إرضاخه لما يريدون عندما ‏تبرز الحاجة. الأتراك في الحكم يزاوجون بين فوقية إقليمية في بيئتهم الآسيوية وبين مراعاة لبيئتهم الأوروبية والأطلسية. ‏أما رجال الحكم في المنطقة العربية، فإنهم خليط يمتد من المغالاة والمكابرة الى الإقرار بالحجم و الوزن الأميركي، ومعظمهم ‏يرى أن السياسة الأميركية نحو اللاعبين في منطقة الشرق الأوسط هي التي تملي عملياً مستقبل المنطقة وتوجهاتها ‏وموازين القوى الإقليمية. العلاقة الأميركية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية تحتل المرتبة الأولى في قراءة المنطقة ‏العربية لمستقبلها. وهذا ما عاد إلى الواجهة مع قدوم الولاية الثانية لإدارة أوباما بلاعبيها الجدد في وزارة الخارجية والدفاع ‏ومع حلول 20 الشهر الجاري، موعد تنصيب باراك أوباما رئيساً لأربع سنوات آتية.

ويتردد مؤخراً -على متن أرجوحة التكهنات التي ترافق انطلاقة الولاية الثانية- أن ما يُصاغ وراء الكواليس هو مقايضة ‏أميركية-روسية، تقوم على «تجميد» طهران برنامجها النووي الإيراني مقابل «إطلاق» عنان عملية عسكرية نوعية للنظام ‏في دمشق تحرق الأرض التي للمعارضة المسلحة السورية موقع قدم فيها.

الرئيس أوباما ليس متحمساً للدخول طرفاً في الحرب في سورية -التي باتت في رأي بعض الأميركيين حرباً بين النظام ‏والجهاديين، وكلاهما ليس مستحباً لدى أوباما أو الأميركيين عامة. يتردد أن أوباما عاد الى تبني سياسة الاستنزاف والإنهاك ‏لطرفي الحرب ليهلك أحدهما الآخر من دون الحاجة لتورط أميركي مباشر في أي شكل كان. يقال إن التغيير الذي طرأ فور انتهاء ‏الانتخابات الرئاسية، لجهة انخراط أميركي في حسم النزاع -عبر تشجيع إمداد المعارضة المسلحة بالسلاح-، عاد وانتكس ‏خوفاً من تحمل مسؤولية مد أي عون للجهاديين في سورية. تارة يتردد أن أوباما ضاعف استراتيجية «من الوراء»، ليس فقط ‏ليقود من الخلف وإنما ليقبع في الانتظار من الوراء حتى إشعار آخر. وتارة تطفو بوادر عزم على القيادة بحسم وعزم.

الجمهورية الإسلامية الإيرانية حاضرة في كل الحسابات، في سورية والعراق ولبنان، وفي العلاقة مع دول مجلس التعاون ‏الخليجي ومع روسيا. الرئيس باراك أوباما لا يريد حرباً ولا الاضطرار لعملية عسكرية في إيران لإيقاف برنامجها النووي، ‏وهناك مَن يدعمه داخل الولايات المتحدة -بل يزايد عليه- في المسألة النووية الإيرانية. هؤلاء يقولون إن لا خطر في ‏السماح للجمهورية الإسلامية الإيرانية أن تصبح قوة نووية، ولمَ لا؟ أما أوباما فإنه قطع وعداً بأنه لن يسمح لإيران أن تصبح ‏دولة نووية، وعليه أن «يعالج» هذا الوعد إذا كان في ذهنه تنفيذه، أو تأجيل تفعيله، أو تواريه.

هنا يدخل عنصر روسيا في «رعاية» صفقة بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية قوامها إقناع حكام طهران ‏بـ «تجميد» البرنامج النووي مقابل الحفاظ على الدور الإيراني الإقليمي ليس فقط في العراق وإنما بالضرورة أيضاً في سورية ‏وعبرها.

ما يتردد هو أن الروس يحاولون إقناع جماعة أوباما أن كل ما على الرئيس الأميركي القيام به هو «غض النظر» أو «الالتفات ‏الى مكان آخر»، ريثما تقوم آلية النظام في دمشق بسحق المعارضة المسلحة على أساس أنها تنفذ غاية اجتثاث الجهاديين، في ‏ما يشار إليه بـ «سياسة الأرض المحروقة». هذه السياسة تتطلب إعادة التجمع العسكري النظامي لشن هجوم نوعي ساحق ‏تُستخدم فيه كل أنواع السلاح باستثناء السلاح الكيماوي. وما تود روسيا أن تحصل عليه من الولايات المتحدة هو مجرد ‏‏»الالتهاء» بأمر آخر فيها ريثما يتم تنفيذ هذا الهجوم النوعي، والذي في رأيها هو «الثمن» الذي لا مناص أن تدفعه الإدارة ‏الأميركية إذا كان لها أن تحصل على وعد إيراني بتجميد البرنامج النووي يحيِّد وعد أوباما. ولربما في ذهن أصحاب هذا ‏الاندفاع الروسي موعد 20 الشهر الجاري، عندما تنتقل الولايات المتحدة من إدارة إلى إدارة ويلتهي باراك أوباما برئاسته ‏الثانية احتفاء وتنصيباً وتشكيل أركان إدارة.

فموسكو تعمل على مقايضة «النووي» بـ «الدور الإقليمي»، اللذين تصر طهران عليهما معاً في أي مفاوضات. موسكو ترى أن ‏هناك مجالاً للتحايل على حاجة الرئيس أوباما لتجنب وعده بعدم السماح أن تصبح إيران دولة نووية، ولذلك تعمل على ‏رعاية الصفقة، التي تؤمّم -برأيها- ضرْبَ عصفورين بحجر: إعطاء الفرصة للرئيس السوري بشار الأسد ونظامه لسحق ‏المعارضة المسلحة و «القضاء» على الجهاديين من جهة، وانتشال النظام في طهران من مواجهة مع الولايات المتحدة أو ‏إسرائيل بسبب الطموحات النووية، وذلك ليس عبر اجتثاث هذه الطموحات وإنما فقط من خلال تجميدها وتأجيلها قليلاً.

وإذا وافق الرئيس أوباما على مثل هذه الصفقة، فإنه إما يرتكب خطأ استراتيجياً مكلفاً، بشرائه «تجميداً» نووياً تكتيكياً حصراً ‏مقابل صمته على مجازر في سورية تخدم طموحات الهيمنة الإقليمية الإيرانية، أو يكون بذلك يصادق عملياً على النظرية السائدة بأن الاستراتيجية الأميركية لمنطقة الشرق الأوسط هي إشعال الحروب ‏الطائفية بصورة دائمة، تارة لمصلحة السنّة وتارة لمصلحة الشيعة، كي تبقى المنطقة رهينة نزواتها.

أركان الحكم في طهران، وعلى رأسهم آية الله علي خامنئي، لن يتخلوا أبداً عن الطموحات النووية أو الهيمنة الإقليمية. قد ‏يوافق مرشد الجمهورية الإسلامية على خطوة إلى الوراء لكنه يتخذ دوماً خطوتين إلى الأمام، فيبقى رابحاً نووياً تحت أي ‏ظرف كان، وكذلك إقليمياً، وقد يتنازل بموجب الصفقة المزعومة، لكن ما سيقدمه سيكون نظرياً في ما الثمن الذي سيحصُل عليه ميدانياً في معركة بقاء أساسية للنظام في طهران، وهي المعركة على سورية.

حرب الرئيس جورج دبليو بوش في العراق قدمت العراق هدية لإيران، والمذهل أن دولاً خليجية أساسية شاركت في حرب ‏بوش وأتت النتيجة على حسابها في موازين القوى الإقليمية.

حرب سورية قد تصبح حرب أوباما لو صادق على الصفقة المزعومة بتقديم سورية هدية أخرى إلى الجمهورية الإسلامية ‏الإيرانية، وإذا فعل تصبح سيرة أوباما التاريخية قائمة على تمكين إيران من أن تصبح دولة نووية ذات هيمنة إقليمية شرعية.

العراق كان ساحة مشرّعة للتجاذبات في الحروب الطائفية في عهد صدام حسين وبعده، وسورية قد تسقط في هذه الدوامة.

مصير الصفقة التي يُقال إنها تُصاغ بين موسكو وواشنطن لن يقع حصراً بين يدي إدارة باراك أوباما أو حكومة فلاديمير بوتين ‏أو ملالي طهران إذا ما اتخذت دول فاعلة في مجلس التعاون الخليجي مواقف واضحة تقفز على مقولة: ماذا تريد أميركا لنا ‏وماذا تصنعه بنا؟ فإذا كان من فرصة أخيرة لنفوذ ووزن مميزَيْن لدول مجلس التعاون فإن توقيته هو الآن، في العنترة ما بين ‏اليوم وبين استكمال القدرات النفطية الأميركية.

حديث الصفقات ما زال في خانة التكهنات والاجتهادات مع أن رائحةً ما تتسرب. المراحل الانتقالية من إدارة الى أخرى ‏تبدو في رأي البعض الفرصة المتاحة لإحداث تغييرات جذرية من دون محاسبة. لربما هذا مجرد تمنّ لدى الذين يريدون ‏الحسم الدموي، فيما أميركا تتلهى باحتفاءاتها، ولربما لا مجال لـ «غض النظر» أو «الصمت» مهما كان.

بل لربما كان كل هذا الكلام عن صفقات من هذا النوع، لمجرد التغطية على واقع مختلف تماماً، واقع تكبيل طهران بعزلة ‏وعقوبات، وواقع انحسار النفوذ الروسي في المنطقة ومع الولايات المتحدة، وواقع انهيار النظام في دمشق قريباً.

كل شيء وارد. المهم عدم الاكتفاء بالنظريات والانتظار، لأننا في مرحلة الحسم التي لا تتحمل الاستلقاء

===============

60 ألف قتيل ومناورات الدول

وليد شقير

الجمعة ٤ يناير ٢٠١٣

الحياة

من المؤكد أن عدد القتلى السوريين يتجاوز الرقم الذي أعلنته المفوضية الدولية العليا لحقوق الإنسان أول من أمس، أي ستين ألفاً، فهذا الرقم أقل من العدد الفعلي للضحايا الذين حصدتهم هذه الحرب العبثية التي يشنها النظام ضد شعبه، والذين بينهم عدد لا بأس به أيضاً من جنود الجيش السوري الذي ما زال موالياً للنظام وضباطه.

ومن المؤكد أن الدول الكبرى المعنية، لا سيما روسيا والولايات المتحدة الأميركية تعلم أن العدد أكثر من ذلك. والأرقام المعلنة حتى الآن لا تشمل حكماً التصفيات لعدد كبير من المعتقلين والمحتجزين، الذين سيكتشف العالم لاحقاً المدافن الجماعية التي حشروا فيها، ولا المجازر المتفرقة التي صعب على تنسيقيات الثورة الوصول إليها لتصوير فظاعاتها ونشرها.

وإذا كان الممثل الخاص الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي سبق أن حذّر من أن يصل عدد القتلى الى 100 ألف، ومن أن يصبح عدد النازحين مليوناً، فلأنه يدرك من خلال محادثاته مع رأس النظام السوري الرئيس بشار الأسد أنه قد يذهب في حربه على انتفاضة الشعب السوري الى ما هو أبعد مما هو حاصل الآن. فأركان النظام سبق أن أبلغوا الوسطاء والحلفاء والخصوم أنه لن يسلّم السلطة حتى لو سقط عشرات آلاف القتلى، بل أن بعض الأوساط نقل عن بعض أعضاء الحلقة الضيقة كلاماً واضحاً قالوا فيه أنهم لن يسلموا السلطة حتى لو سقط مئة ألف قتيل وأن على معارضيه والدول التي تؤيدهم أن يتسلموا سورية ودمشق مدمرتين من بعده إذا أصروا على رحيل الأسد.

ومع إعلان مرجعية مثل المفوضية العليا لحقوق الإنسان عن رقم الـ60 ألف قتيل، الذي هو رقم هائل، فإن الجدال حول المسؤولية عن هذا الجحيم الذي تعيشه سورية لم يعد على ما يرتكبه النظام، بل على مسؤولية اللعبة الإقليمية – الدولية عن جعل سورية حلبة صراع ارتضى رأس النظام أن يرهن وجوده ببعض أطرافها، غير آبه للخسائر التي تصيب الشعب والكيان، متوهماً أن بإمكانه البقاء في النهاية، غير مدرك أنها لعبة ستنتهي بالمساومة عليه، من ضمن تسوية كبرى، مهما اشتدت المواجهة بين أطراف هذه اللعبة، لأن الصراع الخارجي في سورية وعليها، يتعلّق بما هو أبعد منها وأكبر، وبالتالي فإن مصير النظام فيها هو أسهل النقاط التي يمكنها الاتفاق عليها.

والمؤسف أن تصاعد عدد القتلى ليس هو الذي دفع أركان اللعبة الدولية – الإقليمية، لا سيما موسكو وواشنطن، الى تغطية الموجة الأخيرة من الاتصالات التي قام بها الإبراهيمي وانتهت بزيارته الفاشلة لدمشق تحت عنوان الحكومة الانتقالية الكاملة الصلاحية، بل هي خطوات التقدم التي أحرزها المعارضون والجيش السوري الحر على الأرض في اتجاه فتح معركة دمشق. وهي موجة انحسرت بحكم الرفض الإيراني الكامل لما أنتجته من أفكار عن تنحي الأسد على مراحل خلال الأشهر المقبلة. وما انحسارها إلا لأن معركة تعطيل المطارات التي يستخدمها النظام لتأخير تقدم خصومه على الصعيد العسكري تأخرت (في سورية 28 مطاراً عسكرياً ومدنياً تسمح للنظام بالتفوق من الجو...) وبالتالي فإن إطلاق موجة جديدة من مبادرات الحلول عاد لينتظر معطيات جديدة في ميزان القوى العسكري. وهذا يعني أن إمكان التوافق الدولي على دعم مهمة الإبراهيمي بأفكار جديدة سيبنى على مزيد من جبل الجثث والضحايا السوريين.

يستوي توهم الحفنة الحاكمة في دمشق أن حجج النظام في رفض اقتراحات الإبراهيمي، مثل قوله إنه نفذ إصلاحات من نوع إلغاء حال الطوارئ ومادة حكم البعث من الدستور واستعداده للعفو عمن حاربوه وللحوار مع الإخوان المسلمين، يمكن أن تقنع محدثيه، مع التوهم بأن الدول التي تعمل لسقوطه وتلك التي تدافع عنه بالسلاح والمال وحتى الرجال، يمكن أن تدخل في حرب كونية أو محدودة بسببه أو لأجله. حتى إيران التي تتظاهر بقبول حجج الأسد أنه قام بالإصلاحات وبالحوار تتصرف في شكل يعزز حجة المعارضين حين تدعو في المبادرات التي تطلقها وتجددها الى المصالحة والحوار بما يعني أنها ضمناً لم تقتنع بأن النظام قام بالحوار أو سعى الى المصالحة.

أما التهويل بالحرب الكونية، بالاستناد الى المناورات التي أجرتها إيران أخيراً في مياه الخليج والتي بدأتها روسيا في البحر الأبيض المتوسط، وما سبقها من مناورات للدول الغربية وأميركا في الأردن وفي إسرائيل، فهو من باب الوهم لأن هذه الدول تكفيها أزماتها الاقتصادية كي لا تقبل على معارك كلفتها أكبر من قدراتها في هذه الظروف، هذا فضلاً عن أن كثرة المناورات هي الدليل على تفضيل التفاوض على الاقتتال.

لا حاجة لهذه الدول للحرب طالما أن هناك على الأقل 60 ألف قتيل خسرتهم سورية بالنيابة عن سائر الدول المحتربة فيها.

===============

الإبراهيمي.. وسيط أو متهم؟

سمير عطا الله

الشرق الاوسط

4-1-2013

هاجمت المعارضة السورية الأخضر الإبراهيمي، وعامله النظام السوري – كالعادة – بعنجهية. وتحدث المراقبون عن فشله في تحقيق أي خطوة. وقال رئيس المجلس الوطني جورج صبرا إن الإبراهيمي يضيع وقت السوريين ويمدد مأساتهم. وانتقد المعارض عمار القربي، الوسيط الجزائري بألفاظ ولهجة عنيفة.

يقول المثل الشعبي إن «المصلح يأكل ثلثي العلقة». ففيما هو يحاول الفصل بين متلاكمين، تنهال عليه اللكمات. وكل فريق يريد من الإبراهيمي ما يريد. ويريده الآن. والعالم الخارجي يتلهف لرؤية نهاية المذبحة اليومية في سوريا. ودول الجوار تنوء، كما حذر الإبراهيمي، بمأساة النازحين، وعجزها عن مواجهة أوضاعهم.

لذلك يجب أن يتفهم الإبراهيمي تذمر الناس ومشاعرها، آلام ومخاوف وقلق الذين ينتظرون أي مبادرة تفاؤل في هذه الحمى الدموية. لكن ما يصعب تفهمه على أحد هو التهم التي وجهها المعارضون للرجل بكونه ضالعا في تآمر ضد الشعب السوري، أو تلك التهم الساذجة بأنه يسعى إلى أن يصبح أمينا عاما للأمم المتحدة عام 2016. أي وهو في نحو الخامسة والثمانين.

هل يعقل أن يدخل الإبراهيمي في مؤامرة ضد الشعب السوري؟ أن يشارك في تمديد المجزرة؟ حتى المعارضة الغاضبة في إسطنبول، لا يجوز أن تستخدم هذه التعابير الخارجة على أي ضوابط سياسية. فالأخضر لم يختر طوعا البركان الذي دفع إليه. ولم يكن هو من طلب، بل هو من تردد في قبول التكليف.

لكن مهمة الوسيط تتضمن في طبيعتها، الإصغاء إلى فريقي النزاع، بصرف النظر عن مشاعره الخاصة، أو عما يعرف من حقائق. وهو بالتأكيد يعرف أكثر بكثير مما يفصح عنه. لست متفائلا بمهمة الإبراهيمي، فالوساطة مع نظام مغلق ومطلق، محكومة بمنطق العنجهية والاستمرار في القسوة كحل وحيد. ولو كان العامل الإنساني يؤثر في قرار السلطة لظهر ذلك في درعا ولما جُرَّت سوريا إلى هذه المأساة المريعة. بل لما اضطر السوريون إلى أن يوسطوا العالم أجمع فيما بينهم وبين الحكم.

لست مدافعا عن الأخضر الإبراهيمي. فهو في موقع يفسح في المجال لأي كان أن يتناول مهمته وأداءه. ما لا يقبل هو اتهامه بالضلوع في عمل ضد الدم السوري. هذه لغة تتجاوز الجدل أو البحث في تطور مهمته. وتتجاوز الرأي إلى التجني.

===============

جحيم الإبراهيمي وجنة الأسد

عيسى الشعيبي

الغد الاردنية

4-1-2013

كانت الأقوال التي أدلى بها كل من السيدين الأخضر الإبراهيمي وسيرغي لافروف، خلال المؤتمر الصحفي الأخير في موسكو، بمثابة ورقة نعي لتلك السلسلة الطويلة من الجهود الدبلوماسية المبذولة على مدى الأشهر الطويلة الماضية من عمر الأزمة السورية. كما يصح أيضاً وصف تلك الأقوال بأنها كانت المسمار الأخير في نعش المبادرات السياسية والمساعي العربية والدولية التائهة في بحر هذا الخضم المتلاطم من التطورات المتسارعة، على طول وعرض البلاد الشامية.

ومع أن الدبلوماسيين المخضرمين لم يعلنا فشل المهمة، وتجنبا -شأنهما في ذلك شأن معظم الوسطاء المتكتمين على الإخفاقات الذاتية- التهديد بإنهاء المهمة أو التلويح بالانسحاب، إلا أنهما أوحيا معاً، كل بلغته، أن الطريق التي كانت مسدودة في وجه الحل السياسي للأزمة المتفاقمة ما تزال مسدودة بإحكام، وأن ما كان ممكناً تحقيقه بصعوبة بالغة على هذا الصعيد، غداة تولي الإبراهيمي مهمته شبه المستحيلة قبل نحو نصف عام، لم يعد ممكناً تحقيقه في الواقع، بعد أن تبدل هذا الواقع كثيرا على الأرض.

وفيما كانت نبرة الدبلوماسي العربي المرموق مشبعة باليأس وحرقة الألم وهو يشير إلى أن البديل للحل السياسي هو الجحيم بعينه، كانت لغة الدبلوماسي الروسي القادم من عصر الحرب الباردة مليئة بالوعيد، ومفعمة بروح العناد، وهو يقول ما معناه "إما الأسد وإما خراب البلد"، تماماً على نحو ما ظل الشبيحة يهتفون به، ويخطونه على حيطان البيوت قبل أن تدكها المدفعية والراجمات الصاروخية، أو تقصفها الطائرات الحربية المغيرة بالبراميل المميتة.

والحق أن مثل هذه النتيجة المتوقعة سلفاً لمساعي المبعوث الأممي، لم تكن مفاجئة حتى لأشد المتفائلين –على ندرتهم- بنجاح جهود الوساطة المفتقرة أساساً إلى قوة دفع دولية كافية، وآلية عمل وجدول زمني؛ وذلك حين بدت عجلة الحل السياسي تدور ببطء شديد، إن لم نقل تراوح في مكانها، فيما كانت طاحونة التطورات العسكرية تعمل بزخم ذاتي متجدد مع بزوغ كل يوم، وكانت قوة الثورة المتعاظمة شيئاً فشيئا، تكسب مزيداً من الأرض، وتحقق التوازن النسبي، وتبني عليه باطراد شديد.

ولعل السؤال الذي لم يطرحه خليفة كوفي عنان على نفسه: لماذا كان على الثورة السورية اليوم أن تقبل، وهي في أشد أطوارها تمكناً وبأساً وقوة شكيمة، ما لم تقبله قبل ستة أشهر، عندما كان حضورها على الأرض أقل تنظيماً وتسليحاً وكفاءة، وكانت مكتسباتها الميدانية أضيق رقعة، وأصعب منالاً، وأكثر تواضعاً مما هي عليه الآن، وذلك بعد أن تمكنت من زمام الشمال الحلبي، وضربت في سائر مفاصل النظام، وباتت على أبواب دمشق رابضة ومتحفزة؟!

بكلام آخر، فقد توقفت الدبلوماسية الروسية بطيئة الفهم والحركة عند وثيقة جنيف الملتبسة، ولم تلتفت إلى جملة طويلة من المتغيرات عميقة الغور، الممتدة على مدى ستة أشهر من الانتصارات الثورية المتراكمة، فيما بقيت مساعي الإبراهيمي تحاول إعادة إنتاج تلك التفاهمات التي أكلت عليها كتائب الثورة السورية وشربت، الأمر الذي كان من غير العسير معه الافتراض مسبقاً، بدون مشقة ذهنية، أن القول الفصل في نهاية هذا المطاف، الذي قد يطول بعض الشيء، بات في عهدة القابضين على جمرات هذه الثورة المفصلية في حياة شعوب المشرق العربي كله.

صحيح أن ليل السوريين الطويل لم ينجل بعد، وأن ضربات الحاكم اليائس المذعور قد تكون أشد وطأة لاحقاً، وأكثر تهوراً مما كانت عليه حتى الأمس؛ إلا أن من الصحيح أيضاً أن هوامش المناورة المتبقية أمام من ورث "المزرعة" عن أبيه قد ضاقت بالقدر الذي ضاقت فيه لدى داعميه الذين لم يعد في وسعهم إنقاذه من مصيره البائس، وأن الثقة بالنفس لدى الثورة التي شبت عن الطوق، قد بددت كل بقية باقية من شك في أن سدرة منتهى هذا المسار المؤلم المديد، سوف تنقل السوريين من لجة الجحيم المقيم إلى عتبة فردوس الحرية الموعودة عما قريب.

=================

موانع التدخل في سوريا

تاريخ النشر: الخميس 03 يناير 2013

آرون ديفيد ميلر

الاتحاد

من خسر سوريا؟ سؤال يتردد كثيراً على ألسنة المراقبين فيما هم يلومون نظام الأسد على عمليات القتل والتنكيل التي تشهدها سوريا منذ شهور، محملين الولايات المتحدة مسؤولية الأزمة السورية لعدم تدخلها بمعية المجتمع الدولي لوضع حد لمأساة الشعب هناك. وهكذا يرى هؤلاء المحللون أن سوريا ستكون بمثابة رواندا أخرى بالنسبة لأوباما وإدارته. والحال أن هذا التحليل مغلوط من أساسه، لأنه يفترض نوعاً من الأبوية المتغطرسة لأميركا على الساحة الدولية ويبالغ في قدرتها على التدخل وتغيير التاريخ، متناسين أن إحدى أهم فضائل «الربيع العربي» هي تحويل السياسة في الدول العربية والتدافع من أجل السلطة إلى شأن داخلي بامتياز. فرغم حالة الفوضى والاضطرابات هناك، فإنها تبقى مع ذلك صنيعة داخلية تشعر من خلالها الشعوب أنها المسؤولة عن مصيرها، وأنها صاحبة الحق في تقرير ما تريده. هذا الأمر أضفى نوعاً من الشرعية والسلطة على هياكل الحكم الجديدة في الدول العربية. ورغم الاختلاف بين المكونات السياسية، والذي يصل حد الصراع، فإنه لا أحد يشكك في العملية الديمقراطية، أو يريد الانقلاب عليها، كما أنه لأول مرة في تحركات المنطقة لم تكن الولايات المتحدة ولا إسرائيل فاعلتين في صياغة الأحداث، ولا جزءاً من الأساطير التي تُبنى عليها السلطة وتشرعن من خلالها.

لكن رغم تلك الدينامية الخاصة والمحلية التي تحكم «الربيع العربي»، يدعو البعض إلى تدخل الولايات المتحدة في سوريا، مستشهداً بالنموذج الليبي الذي تدخل فيه الغرب وسهل سقوط القذافي، فلماذا لا يتكرر الأمر في سوريا؟

الحقيقة أن ثلاثة محددات أساسية تفرض نفسها لتجيب على السؤال: أولا تميزت الحالة الليبية بتوافق دولي واسع حول التدخل، لاسيما من خلال الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي. وثانياً كانت ليبيا ثمرة سهلة القطاف من الناحية العسكرية بنظامها المهلهل ودفاعاتها الضعيفة، بالإضافة إلى عدم توافرها على أسلحة للدمار الشامل وافتقادها للحلفاء. وثالثاً أن الثوار الليبيين استطاعوا تحرير المنطقة الشرقية التي شكلت منطلقاً للزحف على باقي المناطق؛ أما في سوريا فالوضع مختلف تماماً بما تجمعه من عناصر ثلاثة تعيق التدخل: أولا تحول الثورة إلى حرب أهلية، ثم اكتسابها بعداً طائفياً بيناً، علاوة على التوظيف الدولي والإقليمي للساحة السورية.

لذلك تصبح مقولة إن الولايات المتحدة هي من تسبب في هذه الفوضى صحيحة فقط لو تأكد أن تدخلها كان سيجنب سوريا واقعها الحالي، وهو أمر بعيد عن الحقيقة. صحيح أن أميركا كان يمكنها التدخل أكثر في الجانب الإنساني، وربما الاضطلاع بدور أكبر في تنظيم المعارضة السياسية، لكن منذ أن بدأ الصراع في أوائل عام 2011 وخيارات التدخل العسكري تميل أكثر إلى الخطر منها إلى الفرصة، بسبب عوامل منها القدرات العسكرية لنظام الأسد، وحلفائه الروس والصينيين الذين عطلوا قرارات مجلس الأمن الدولي، وكذلك أموال إيران وأسلحتها، وإصرار النظام نفسه على القيام بأي شيء للبقاء في السلطة ونجاحه في حشد الأجهزة الأمنية وقادتها العلويين... كل ذلك جعل من التدخل العسكري خياراً صعباً، وحتى أنصاف الحلول التي اقترحها البعض بتسليح المعارضة وإقامة منطقة حظر جوي ما كانت ستكفي للإطاحة بالنظام وإنهاء الأزمة.

ـــــــــــ

آرون ديفيد ميلر

نائب رئيس مركز وودرو ويلسون للأكاديميين ومستشار الإدارات الأميركية لشؤون الشرق الأوسط

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

=================

تسوية أزمتها سلمياً لم تعد في المتناول

سوريا بين الحسم العسكري والحل الدبلوماسي

تاريخ النشر: الخميس 03 يناير 2013

باباك ديجانبشه وكولم لينتش

الاتحاد

كسبت الجهود الدبلوماسية الحثيثة التي بذلت في الآونة الأخيرة لحلحلة الوضع السوري المتأزم زخماً جديداً في الأسبوع الماضي بعد إعلان المبعوث الأممي المشترك إلى سوريا، الأخضر الإبراهيمي، عن طرحه لمقترح تشكيل حكومة انتقالية، فيما أشارت روسيا، التي ما زالت تدعم النظام، أنها مستعدة للضغط على بشار الأسد للجلوس إلى طاولة المفاوضات وفتح حوار جاد مع المعارضة.

ورغم الغموض الذي ما زال يلف تفاصيل المقترح المطروح حالياً والمدعوم من الأمم المتحدة، فإن التحركات الدبلوماسية الأخيرة والتصريحات التي أدلى بها المسؤولون المطلعون على الملف السوري في أكثر من عاصمة سواء في بيروت، أو موسكو، أو الأمم المتحدة يؤكدون وجود شعور عام بإمكانية بدء المفاوضات والتوصل إلى حل يتوافق عليه جميع أطراف الأزمة السورية لمنع حدوث الأسوأ كما حذر من ذلك المبعوث الأممي.

لكن وفي غضون ذلك، ورغم الحديث عن المفاوضات والحل السلمي للأزمة، تتنامى المخاوف لدى العديد من المراقبين من ابتعاد التسوية السلمية عن المتناول في ظل الانشقاقات المتوالية لبعض المسؤولين في الحكومة السورية، بالإضافة إلى النجاحات العسكرية التي يحرزها الثوار والتقدم الميداني على أكثر من جبهة ليعزز رغبتهم في شق طريقهم عسكرياً إلى قلب دمشق ورفض المبادرات السلمية التي يطرحها الأخضر الإبراهيمي.

وفي تفاصيل الحل المتداول أكد الأخضر الإبراهيمي يوم الخميس الماضي أن خطة تمت مناقشتها على هامش المؤتمر الدولي حول سوريا الذي عقد في جنيف خلال شهر يونيو الماضي قد تشكل أساس خطة جديدة تروم تشكيل حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة تمهد الطريق لكتابة دستور ثم تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية، لكن الخطة تُبقي مصير الأسد مفتوحاً لجهة البقاء على رأس النظام والإشراف على العملية الانتقالية، وهو ما لا يستسيغه الثوار وقوى المعارضة.

وبالإضافة إلى ذلك أوضح المبعوث الأممي بموجب الخطة الجديدة أن هياكل الدولة السورية ستبقى قائمة دون المساس بها، فيما يطالب الثوار بضمانات حقيقية لعدم تولي الأسد وأركان نظامه مسؤوليات رسمية خلال المرحلة الانتقالية التي يتعين حسب رأيهم أن تكون بمنأى عن الهياكل القديمة للأجهزة الأمنية للنظام، وقال الإبراهيمي خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده بدمشق «لا يمكن للمرحلة الانتقالية أن تقود إلى انهيار الدولة ومؤسساتها»، موضحاً أن ذلك يمثل خطورة كبيرة على مستقبل سوريا والتعايش السلمي بين مكوناتها.

وبحسب وكالة «رويترز» التي نقلت تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، فإن هذا الأخير جدد مرة أخرى موقف بلاده من ضرورة حل الأزمة السورية سلمياً، محذراً أنه من دون حل متفق عليه ستنزلق سوريا إلى مزيد من الفوضى والاقتتال الداخلي، هذا ولم يرشح شيء عن الزيارة التي قام بها الأخضر الإبراهيمي إلى موسكو يوم السبت الماضي عدا التأكيد على إمكانية بعث خطة جنيف والبناء عليها لصياغة أرضية مشتركة بين النظام والمعارضة تقود إلى مرحلة انتقالية.

ورغم الإشارات الإيجابية، التي أوحت بها التحركات الدبلوماسية الأخيرة حرص المسؤولون الأميركيون على التقليل من شأن التصريحات بأن اتفاقاً حول تشكيل حكومة انتقالية بات وشيكاً، لا سيما بعد الضربة التي تعرضت لها أحاديث سابقة عن اتفاق أميركي روسي بين وزيري خارجية البلدين في العاصمة الإيرلندية دبلن تتخلى بموجبه روسيا عن نظام الأسد، وتبلور مرحلة انتقالية بعيدة عن نظامه، حيث فندت موسكو تلك الأحاديث، لذا أوضح هذه المرة المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، «باتريك فينتريل»، أن الولايات المتحدة لا تفعل أكثر من التنسيق مع الإبراهيمي والفريق الأممي، وأنه لا شيء ملموس تم التوصل إليه حتى الآن.

وأضاف المسؤول الأميركي موضحاً الوضع «نحن نعمل مع المبعوث الأممي لإنهاء العنف وتمهيد الطريق لانتقال سياسي، وموقف الولايات المتحدة واضح بهذا الخصوص، فنحن نقف مع الشعب السوري في إصراره على عملية انتقالية تقود إلى سوريا ديمقراطية موحدة وتنعم بالسلام ويعيش فيها جميع المواطنين دون تفريق، هذا المستقبل لا نعتقد أنه ممكن بوجود الأسد».

ويرى المراقبون أن الحلول الدبلوماسية التي يتم دراستها حالياً والقائمة على تشكيل حكومة انتقالية مع بقاء الأسد، لن تحظى بموافقة الثوار بعد الاختراقات الأخيرة على الساحة العسكرية وقدراتهم المتنامية في مجال التسليح، وهو ما يؤكده «جيفري وايت»، المحلل العسكري السابق بوزارة الدفاع الأميركية قائلا: «يمتلك الثوار اليوم قدرات ذاتية مهمة، هذا في الوقت الذي تعاني فيه القوات الحكومية من انتكاسات متتالية»، متوقعاً انهيار النظام خلال أسابيع، أو شهور قليلة على أبعد تقدير.

وقد أكد متحدث باسم «الجيش الحر» أن مقترح الأمم المتحدة الذي يرعاه الأخضر الإبراهيمي لن يلاقي الدعم المطلوب من قبل المعارضة والثوار، وأوضح المتحدث الذي اختار اسماً حركياً هو أبو لؤي الحلبي الوضع قائلا: «لا يستحق مقترح الإبراهيمي مناقشته لأنه لا يرقى إلى الحد الأدنى لما يطلبه الثوار، وهو خروج الأسد من سوريا ومعه أركان نظامه الذين دمروا البلد وقتلوا الشعب، وأي طرف يتحدث إلى النظام سيلفظه الشعب السوري».

ويبدو أن تغير موازين القوى في سوريا واكتساب الثوار قدرات عسكرية أكبر بدأ يؤثر على مقترحات الأمم المتحدة التي سبقت أن طرحت فكرة نشر قوات حفظ سلام أممية تضم عدة آلاف من العناصر لرعاية وقف إطلاق النار ومساعدة الحكومة الانتقالية على مباشرة عملها، لكن بعض المسؤولين البارزين يشككون في قدرة تلك القوات حتى في ظل تسليحها الجيد في الحفاظ على الأمن بسوريا.

ورغم إصرار المسؤولين في الأمم المتحدة على دراسة فكرة نشر قوات أممية يدعمها حلف شمال الأطلسي، ظلت البلدان الأوروبية، التي كان يفترض أن تشكل القوة الرئيسية في سوريا متحفظة إزاء المشاركة. وفي جميع الأحوال لا يساعد التقدم الأخير الذي بدأت تحققه كتائب الثوار والجيش السوري الحر في الدفع باتجاه حل سياسي، حيث بدأت تتعزز إمكانات الثوار ومعها ثقتهم في القدرة على حسم المعركة عسكرياً دون الحاجة إلى رعاية أممية، أو مفاوضة النظام، هذا الأخير الذي لم يكف أبداً عن استخدام الآلة العسكرية لقمع المعارضين واللجوء إلى الطائرات والصواريخ لإخضاع المناطق الثائرة.

وفي هذا السياق، قال مسؤول في الأمم المتحدة فضل عدم الكشف عن اسمه لحساسية الموضوع «رغم المقترح بنشر قوات أممية نعرف أن النجاحات العسكرية الأخيرة للثوار وسيطرتهم على عدد من المطارات والمواقع العسكرية لا يشجع على الحل السياسي، بل يؤجج الرغبة في حسم المعركة عسكرياً حتى دون تدخل الأمم المتحدة».

وميدانياً تواصل القتال في جبهات مختلفة داخل سوريا رغم المبادرات الدبلوماسية، بحيث أعلنت قوات الثوار عن إسقاط طائرة «ميج» تابعة للنظام غرب البلاد، وأظهر شريط فيديو مقاتلا من الثوار يطلق النار من رشاشه الثقيل المثبت على ظهر شاحنة مستهدفاً طائرة تحلق في الأجواء، وسرعان ما تحولت الطائرة إلى شعلة من النار، وهي تسقط أرضاً مخلفة كرة ضخمة من الدخان الأسود، وذلك في دليل آخر على تطور إمكانات الجيش السوري الحر الذي بات قادراً على إسقاط الطائرات بفضل الأسلحة، التي غنمها من النظام وما يصله أيضاً من الخارج.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة

«واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

=================

عام 2012: ألا لا أعادك الله على سورية

د. نور الله السيّد

2013-01-02

القدس العربي

هو العام الثاني للانتفاضة السورية، امتلأ دماً بما لم تعرفه سورية ربما منذ غزو تيمورلنك للمنطقة في مطلع القرن الخامس عشر، ولم تعرف مثيلاً في قسوته جوعاً وبرداً وخوفاً إلا سفر برلك عندما أجبر أبناء بلاد الشام على القتال إلى جانب الأتراك.

عرفت سورية أوقاتاً صعبة، ولكنها لم تؤد إلى نزوح الملايين عن ديارهم وبحثهم عن مكان آمن للعيش حتى لو كان العراء، وإلى لجوء مئات الآلاف إلى الدول المجاورة، وتدمير مئات الألوف من البيوت والأرزاق، وقتل عشرات الألوف من أبنائهم، هذا غير المساجين والمفقودين.

وفي كل المصائب السابقة فقد كان خلفها قوة غاشمة خارجية، أما ما حدث في العام المنصرم فقد كان على يد الدولة وجيشها العقائدي، اللذين تحولا إلى عصابة وجيش احتلال 'حقائدي' ولا مبالغة في ذلك ويكفي مقارنة معاملة إسرائيل وجيشها للفلسطينيين مع معاملة النظام السوري وجيشه للشعب السوري.

عانى السوريون في العام المنصرم من القصف المدفعي والصاروخي وقصف الطيران، واستعمل ضدهم القنابل العنقودية والانفراغية والفسفورية وغازات سامة لا تزال مجهولة. وقُصفت قراهم بالبراميل المتفجرة التي ألقيت كيفما اتفق وكان آخر استخدام لها في اليوم الأخير من عام 2012 عندما ألقيت على المستشفى الوطني في بلدة إعزاز وهو ما لم تفعله قوات احتلال أي بلد، عمداً على الأقل.

وعرف السوريون الموت أمام الأفران بالقصف الجوي ليغمسوا خبزهم بدمهم.

زاد وسطي القتلى عن المائة يومياً في العام 2012، وعرف السوريون عشرات المذابح أولها شهرة مذبحة الحولة وكان نصف ضحاياها الذين زادوا عن المائة من الأطفال والنساء، وآخرها مذبحة دير بعلبة راح ضحيتها حوالي 300 مواطن قضى بعضهم ذبحاً بالسكاكين.

وعانى السوريون في هذا العام من الدجل العالمي بكل مستوياته، من منظماته الدولية إلى الدول الصديقة وغير الصديقة. عالم يشاهد ما يحدث بصمت لئيم تاركاً السوريين يقتلون بمفردهم.

بادرت الجامعة العربية بحل أعرج وبعثت بمراقبين عرب كجزء من خطتها التي لم ينجم عنها سوى إعطاء المزيد من الوقت للنظام السوري وزيادة وسطي عدد القتلى اليومي، لتسلم بعدها المهمة للأمم المتحدة التي لم تنفك عن الإدانة وإعداد التقارير لكن دونما أي فعل واضح حتى على مستوى استصدار قرار إدانة من مجلس الأمن.

أما التقارير ففيها من اللبس ما يُضيّع الحقائق وإن كانت تضع اللوم على النظام بأكثر من المعارضة ولكنها لم ترق لمستوى الإدانة التي تعقبها الملاحقة القانونية لأي ممن شاركوا في كل ما حدث من قتل وتدمير.

أليس التعبير عن الرأي من حقوق الإنسان التي تسهر الأمم المتحدة على رعايته؟ ألم يقتل أزلام النظام السوري أكثر من ستة آلاف من المتظاهرين وبأمر من قيادة الدولة العليا؟ ألم تقطع الدولة المياه عن الناس في بلدات سورية كثيرة وهو ما يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون الدولي؟ أليس قتل الأطفال والنساء من الجرائم التي تعاقب عليها القوانين الدولية؟ أليس استخدام القنابل العنقودية والحارقة والغازات السامة ممنوع بالعرف الدولي وخاصة ضد المدنيين؟ سورية ليست ليبيا، فالغرب لم يدخلها ليأتي بمحكمته الدولية.

بعثت الأمم المتحدة بموفدها الأول وبمراقبين ليتوقف كل شيء بعد ثلاثة أشهر ولتتحول خطة كوفي عنان إلى فرصة لكسب الوقت للنظام السوري، وليزداد أيضاً وسطي عدد القتلى مرة ثانية. جاء بعدها الأخضر الإبراهيمي ليقدم خطة غامضة بالأحرى وهي اتفاق جنيف ولكن من دون التعرض لمسألة بقاء الأسد في الحكم.

نسي الإبراهيمي أن الأسد هو من اغتال كرامة السوريين الذين خرجوا يطالبون بها وبحريتهم، فكيف له أن يتوقع قبولهم ذلك؟ إنها الأمم المتحدة وحلولها العائمة، وفي غضون ذلك يكسب النظام المزيد من الوقت ويعطي لنفسه الحق بممارسة المزيد من العنف وهو ما يفعل منذ غادر الإبراهيمي دمشق.

اليوم هو آخر أيام 2012 لم يتوقف القصف في دمشق مساءً وليلاً بأكثر ما فيه من العنف، فجيش النظام يحتفل برأس السنة.

وليست الأمم المتحدة وحدها من يعيش سباتاً عميقاً عندما يتعلق الأمر بسورية، فدول الغرب وعلى رأسها أمريكا لم ينفكوا يبحثون عن العذر تلو العذر لينأوا بأنفسهم بالرغم من كل تبجحهم في الدفاع عن قيم الحرية والكــرامة التي لم يطالب الشعب السوري بغيرها. تعـــــلل البعض بانشغال أمريكا بانتخاباتها وها هي قد مضت وزاد الصمت الأمريكي صمتاً.

كان الدعم الغربي في المجال الصوتي فقط دون أي فعل في أي اتجاه. كان آخر بلاغ صوتي عن الأسلحة الكيمائية السورية التي ستضطرهم للتدخل فيما إذا استخدمها النظام ضد السوريين. أي أنهم سيتدخلون بعد أن يُقتل السوريون بالسلاح الكيمائي! إنه الازدراء بعينه.

وأصدقاء سورية هم في حالة انتظار، لم يقرروا بعد تزويد المعارضة المسلحة بالسلاح الذي له أن يحسم القتال، ولم يزودوا المعارضة السياسية إلا بيسير المال الذي يجعلها قادرة على الفعل على الأرض. وأصيبت المعارضتان بذلك بشلل نصفي.

أما الدول الأخرى كروسيا وإيران فهي لم تتوقف عن تقديم العون والدعم للنظام السوري، وهما لم يعترفا حتى بانتفاضة الشعب السوري بل أكدتا مزاعم النظام بالمؤامرة. ولم ينفكا عن إرسال الرسائل المحبطة للشعب السوري ودعوته إلى الحل السياسي على طريقتهما، وهو حل تحت مظلة النظام يُذكّر بإصلاحاته الموعودة! لافروف يكرر منذ أكثر من أربعة أشهر بأن الأسد باق وبأن الحل ممكن ولو تعذر تنحي الأسد! أي إنه يقول إن عام 2013 سيكون أسوأ من عام 2012، كما يؤكد ذلك الإبراهيمي الذي يعد السوريين بالصوملة إن لم يقبلوا بنصف الحل الذي يعرضه. ويصمُّ الغرب أذنيه حتى لا يسمع شيئاً، ويتابع الشعب السوري عامه الجديد على وقع مدافع جيش النظام.

بعد عامين لا يعرف السوريون كيف سينتهي بهم الحال، والخشية أن ينتهي بهم إلى الغولنة وليس الصوملة، أي المزيد من تغول النظام عليهم بقوته الهمجية! وليس أمامهم والحال هذه سوى السير حتى نهاية الشوط.

وعندما يُسأل السوريون عن إمكانية قبولهم ببقاء الأسد في السلطة يجيب بعضهم بالتساؤل عن مصير الخازوق العثماني الذي بقي على ضفة بردى حتى أربعينيات القرن الماضي... فهل سيكون 2013 عام الخلاص؟ اللهم اجعله كذلك.

 

=================

سورية مفتاح النظام العربي ـ المشرقي الجديد

د. بشير موسى نافع

2013-01-02

القدس العربي 

كلما أثيرت تساؤلات حول الدور العربي في الأزمة السورية، أثيرت تساؤلات مضادة حول ما يمكن أن يقوم به العرب إزاء وضع بات من التعقيد بحيث يعجز النظام الدولي كله عن إيجاد مخرج له. هذه تساؤلات مشروعة بلا شك، ولكن المشكلة هي أصلاً في المنطق الذي تستند إليه، وكأن هناك خياراً بين الفعل وعدم الفعل. ثمة حقائق رئيسية ثلاث لابد من أخذها في الاعتبار، قبل أن توضع الأسئلة الصحيحة حول ما العمل.

الأولى، إن الحدث السوري لم يكن في أصله أزمة إقليمية ولا دولية. خرج السوريون في مواجهة النظام الحاكم للمطالبة بالتغيير والحقوق في سياق عربي من الثورة والتعبير عن إرادة الشعب.

نظام الحكم السوري، الذي واجه الحركة الشعبية السورية منذ أسابيعها الأولى بقوة السلاح، هو الذي أدى إلى تفاقم حدث الثورة، الوطنية في أصلها وجوهرها وتوجهاتها، إلى أزمة إقليمية أولاً، ومن ثم إلى أزمة دولية.

طوال الشهور الأولى من الحراك الشعبي السلمي، وأرقام ضحايا القمع الأمني والعسكري تتزايد يومياً، لم يرفع السوريون، في تظاهراتهم ولا على لسان ممثليهم، أية شعارات تتعلق بالسياسة الخارجية.

لا هددوا روسيا، ولا هاجموا أهدافاً إيرانية، ولا أعلنوا انحيازاً لمحور إقليمي أو دولي ما. الحقيقة، أن تركيا التي ينظر إليها اليوم باعتبارها قائدة المعسكر الإقليمي المناهض للنظام وحلفائه في إيران، في استبطان طائفي للصراع، كانت لم تزل حليفاً استراتيجياً للحكم في دمشق، قبل الثورة ولأكثر من خمسة شهور بعد اندلاعها، كما إن التدخلات التركية في مجرى الثورة، حتى آب (أغسطس) 2011، استهدفت التشجيع على إطلاق مشروع إصلاحي سوري شامل وعميق، بقيادة بشار الأسد.

وإن كان في حديث فاروق الشرع الصحافي (16 كانون الأول/ ديسمبر) ما يثير الاهتمام، فربما كان قوله ان النظام استمر شهوراً وهو يتوسل صورة لسوري مسلح في المظاهرات الشعبية. بنى قادة النظام استراتيجيتهم البلهاء على تسويغ سياسة القمع والبطش الدموية، التي اعتمدها منذ الأيام الاولى للثورة، بتصوير الحركة الشعبية وكأنها حركة مسلحين سلفيين وعناصر إسلامية إرهابية. لم يأخذ أحد في سورية والعالم ادعاءات النظام مأخذ الجد، إلا قادة النظام أنفسهم، ومنذ صيف 2011، تصاعدت آلة القمع الوحشي، من المواجهات الدموية للمظاهرات الشعبية، إلى الاقتحامات المدمرة للمدن والبلدات. وهنا، هنا فقط، توجهت أعداد قليلة من السوريين، وبقدر كبير من التلقائية، إلى حمل السلاح للدفاع عن أسرهم وأعراضهم وممتلكاتهم. التوجه المتزايد للتسلح، وتيقن الأطراف العربية والدولية أن النظام عاجز عن إصلاح نفسه وعن مقابلة شعبه في منتصف الطريق، نقل الثورة السورية من الحدث الوطني إلى الأزمة الإقليمية والدولية. ليس فقط لأن دولاً عربية، وبعض الدول الغربية، أبدت تأييدها لمطالب الشعب، ولكن أيضاً، وأصلاً، لأن دولاً مثل إيران وروسيا اختارت دعم جهود النظام لقمع الثورة، مدت له يد العون العسكري والتقني والاقتصادي، وقفت في وجه جهود المنظمات الدولية لإدانته وإنذاره، وكرست آلتها الدعائية للدفاع عنه وتشوية صورة حركة الشعب.

ما يقوم به النظام، وما قام به منذ اندلاع الثورة، لا علاقة له بالدفاع عن سيادة سورية الوطنية والتدخلات الخارجية، وإن كانت الثورة السورية قد اكتسبت بعداً إقليمياً ودولياً، يهدد الأمن الدولي والإقليمي، كما ينذر الأخضر الإبراهيمي، فلأن النظام هو الذي دفع حدث الثورة، الوطني البحت في أصله، إلى الساحة الإقليمية والدولية.

الحقيقة الثانية، أن هذا البلد العربي، متوسط المساحة والسكان، أصبح منذ ولادته قبل تسعين عاماً، بلداً محورياً في نظام ما بعد الحرب الأولى المشرقي. تلتقي عند سورية عدة دوائر جيو ـ استراتيجية، تطال أمن الفضاء الواسع من مصر إلى الخليج، ومن القوقاز إلى الجزيرة العربية، أضاف إليها وجود الدولة العبرية في فلسطين بعداً آنياً من التدافع الحاد والارتباط بالتوازنات الدولية.

وتستبطن سورية مواريث تاريخية حية في ضمير شعبها والشعوب العربية - الإسلامية المحيطة بها، تمتد من احتضانها لمركز إمبراطوري إسلامي مبكر، إلى الفكرة العربية في العصر الحديث، إلى كونها قطباً رئيساً في مقاومة العرب للمشروع الصهيوني.

وتطل سورية على التعددية الإثنية والطائفية، التي اعتبرت دوماً سمة أصيلة لشعوب المشرق واجتماعهم السياسي. لسورية دوران لا ثالث لهما: اما أن تكون قوة فاعلة في محيطها، أو ساحة لصراع وتدافع القوى الأخرى. هذه دولة لا يمكن تحييدها، أو أن تقف موقف المتفرج على العالم من حولها. وإن كان لابد من شيء يذكر لنظام حكم البعث المديد، أنه نقل سورية من ساحة للصراع إلى قوة للتأثير، على الرغم من الفجاجة الصارخة والميراث الدموي لسياساته في فلسطين ولبنان، في بعض الأحيان، وتحالفاته التي لم تعبر عن إرادة السوريين، في أحيان أخرى.

والواضح، أن سياسات النظام الفاشي تجاه شعبه وثورة الشعب خلال العامين الماضيين أوقعت أذى كبيراً ومتزايداً بمقدرات سورية، وقدرتها على المحافظة على دورها وموقعها. انفرط عقد الجيش العربي السوري بعد أن دفع به النظام لتنفيذ أبشع مهام يمكن أن توكل لجيش في العالم، وأكثرها عاراً. دمرت مدن وبلدات سورية بأكملها، وانهارت بنية الاقتصاد السوري. وعلى الرغم من الوعي الوطني الفائق للشعب وثورته، الذي نجح حتى الآن في محاصرة الكثير من مخططات الانفجار الطائفي التي اعتمدها النظام وأجهزته، فإن ميراث النظام الطائفي وطوفان العنف الوحشي الذي أطلقته قوات النظام وعناصر شبيحته وقادته الأمنيين، ترك أثراً لا يمكن تجاهله على بنية سورية الوطنية ووحدة شعبها. سورية هي الدولة العربية الثانية التي توشك الخروج من المنظومة الاستراتيجية العربية، بعد أن أخرج العراق وتحول إلى دولة منقسمة على نفسها وإلى ساحة نفوذ وصراع إقليميين، ولكن سورية ليست العراق، ولن يكون من الصعب إعادة بناء مقدراتها في فترة قصيرة نسبياً، وحمايتها من العودة إلى الخمسينات، عندما كانت مجالاً مفتوحاً لصراعات القوى الإقليمية ورياح الحرب الباردة.

الحقيقة الثالثة، وبالغة الأهمية، أن حركة الثورة والإصلاح في العالم العربي، لن تستطيع تحقيق أهدافها وإحداث تغيير ملموس في حياة العرب ومصيرهم، بدون أن تكفل قيام دولة الحرية والعدل والكرامة الإنسانية، وتعيد للشعب مقاليد أمره، على الصعيد الداخلي، وأن تستعيد، على الصعيد الخارجي، التوازن المفقود بين دول المجال العربي والكتلة الأطلسية.

لم تنحصر مشكلة المجال العربي طوال العقود التسعة الماضية في تولي أقليات سياسية وإيديولوجية واجتماعية الحكم، ولا في الاستبداد واحتكار الأقليات الحاكمة لمصادر القوة والثروة، ولا في موجات الصراع المفتعلة وغير المسوغة بأي منطق سياسي بين الدول العربية، وحسب. كانت مشكلة المجال العربي، ولم تزل، في تدخلات القوى العالمية العميقة والمديدة في شؤون دوله وشعوبه، في تعزيز أوضاع الأقليات الحاكمة أو تهديدها، وفي تأجيج صراعات دول الإقليم البينية أو إخمادها، وفي المحافظة على ميزان قوى مائل لصالح الدولة العبرية.

سورية اليوم هي امتحان وفرصة في الآن نفسه، امتحان لقدرة دول وشعوب المنطقة على التعامل مع قضاياها وأزماتها وإشكالها من منظار مصالحها هي وليس مصالح الخارج، إرادتها هي وليس إرادة قوى الخارج، وفرصة لوضع حد لأكثر من قرن من التدخلات الخارجية في شؤون المشرق وشعوبه، أو على الأقل تقليص هذه التدخلات.

ثمة ثلاثة خيارات رئيسة مطروحة أمام الدول العربية، ودول الجوار الرئيسة، لاسيما إيران وتركيا، في النظر إلى الحدث السوري. الأول، العمل على بقاء النظام ومساعدته لتحقيق الانتصار النهائي على شعبه.

الثاني، الامتناع عن التدخل بصورة نشيطة، وانتظار أن يأخذ الصراع بين النظام وشعبه مداه، بانتصار أحد الطرفين على الآخر. والثالث، العمل الفعال لدعم الثورة الشعبية وتحقيق مطالبها في إنجاز تغيير سياسي عميق وكلي، في أقصر فترة ممكنة.

بعد هذه القيامة السورية الكبرى، وبعد قرابة العامين من الضحايا والدمار، لم يعد الخيار الأول مقبولاً، لا أخلاقياً ولا سياسياً. لا الشعوب العربية، التي تعيش مناخاً من الثورة المستمرة، والمفترض أن تعبر حكوماتها الجديدة، في دول مثل مصر واليمن وتونس والمغرب وليبيا، على الأقل، عن إرادتها، ستؤيد هكذا خيار، ولا عاد من الممكن إقناع أغلبية الشعب السوري به. والأهم، أن ميزان القوى بين النظام والشعب تجاوز منذ زمن قدرة النظام على حسم الموقف لصالحه.

أما خيار الانتظار، فإلى جانب المخاطر التي يحملها على الأمنين العربي والإقليمي، فإنه يصب مباشرة في اتجاه تدمير ما تبقى من سورية ومقدراتها، ودفعها إلى مصير تحدده مساعدات القوى العالمية، وإخراجها لعقود طويلة قادمة من ميزان القوى العربي.

الخيار الثالث هو الممكن الوحيد في هذه الأزمة، أخلاقياً وسياسياً. الممكن أخلاقياً، لأنه يضع مسؤولية ما شهدته سورية في العامين الآخرين على كاهل من تخلى عن مسؤوليته الأولى كحاكم، وأوقع في شعبه كل هذا الموت والدمار، ولأنه لن يسمح بمكافأة المجرمين والقتلة أو يعمل على إيجاد مخرج لهم، ولأنه يرد إلى الشعب السوري الباسل بعض ما تحمله من أعباء القضية العربية منذ عقود طويلة.

والممكن سياسياً لأن من المنطقي والطبيعي أن لا يكون مصير نظام أو فرد، مهما كان هذا النظام أو الفرد، أهم من مصير الشعب والوطن، ولأن هذا أقل ما يمكن أن يستجيب لمطالب شعب، قدم كل هذه التضحيات في معركة الحرية والكرامة.

بإمكان العرب، فعلياً، لا نظرياً، أن يضعوا حداً للتدخل الروسي والإيراني في الشأن السوري، أو أن يجعلوا ثمن التدخل باهظاً لكليهما. وبإمكانهم، قبل ذلك وبعده، أن يقدموا للسوريين ما يكفل الإسراع بوضع نهاية لهذه الأزمة.

وبإمكانهم أن يتخذوا من الخطوات، السياسية والعسكرية والاقتصادية، ما يكفل وحدة سورية وانتقالها العاجل إلى مرحلة من الأمن والاستقرار، بمجرد انهيار النظام.

 

=================

ارقام مرعبة للشهداء في سورية

رأي القدس

2013-01-02

القدس العربي 

اعلنت الامم المتحدة يوم امس ان عدد الشهداء الذين سقطوا جراء الصدامات الدائرة حاليا في سورية فاق الستين الفا، وهذا رقم مرعب بكل المقاييس، ومن المقرر ان يتضاعف عدة مرات اذا لم يتم وقف فوري لاطلاق النار.

في الماضي كانت تقارير الامم المتحدة تقدر اعداد القتلى بحدود اربعين الفا، لكن دراسة جديدة اجريت من قبل باحثين محايدين اكدت ان هذا الرقم اقل من الارقام الحقيقية بكثير، وان الرقم الحقيقي هو ستون الفا وفق ما اعلنته السيدة نافي بيلاي المفوضة السامية لحقوق الانسان التابعة للامم المتحدة.

من المؤلم ان ارقام الشهداء في هذا الصراع الدموي لم تعد تثير اهتمام الرأي العام العالمي او تشكل ضغطا على الاطراف المتورطة فيه من اجل البحث عن حل سياسي يضع حدا لآلة القتل والدمار.

لا نتردد لحظة في تحميل النظام الحاكم في دمشق المسؤولية الاكبر عن هذا الوضع الدموي الخطير، ولكن المهم الآن هو وقف اعمال سفك الدماء بعد ان وصلت معدلاتها اليومية الى حوالي مئتي شهيد على الاقل.

الازمة السورية اوشكت على دخول عامها الثاني، وكل الانباء التي ترددت طوال الاشهر العشرين الماضية حول قرب سقوط النظام ثبت عدم وقتها، وكان الهدف من ترديدها هو بيع الوهم للشعب السوري الذي يدفع الثمن الاكبر من دماء ابنائه وتشريد اكثر من اربعة ملايين انسان باتوا بلا مأوى، واذا حصل البعض منهم على هذا المأوى في مخيمات اللجوء في دول الجوار مثل الاردن وتركيا، فانه خيمة بائسة وسط صحراء قاحلة لا تصلح للعيش البشري.

السيد الاخضر الابراهيمي الامين العام للامم المتحدة حذر من 'جحيم' اذا ما لم يتم التوصل الى حل سياسي ينهي الازمة، ويقود الى انتقال سلمي للسلطة من خلال اقامة حكومة وحدة وطنية بصلاحيات واسعة وحقيقية، ولكن تحذيراته هذه لم تجد اذانا صاغية سواء من الحكومة او المعارضة.

'الصوملة' بدأت في سورية، وبشكل اكثر خطورة مما كان يحدث في الصومال صاحب الطبعة الاصلية لهذا التوصيف، فالبلاد تشهد حاليا فوضى دموية، وحالة من التفتيت الجغرافي والديمغرافي معا، وبدأ لوردات الحرب يسيطرون على جيوب هنا وهناك يمارسون فيها احكامهم، وبعض هؤلاء من الحكومة او جهات محسوبة عليها والبعض الآخر من المعارضة.

العالم الخارجي يقف متفرجا، وكأنه يريد لهذه الازمة ان تستمر حتى يفنى الشعب السوري عن بكرة ابيه، ويستنزف الجيش، وتتقسم سورية الى كانتونات طائفية، متصارعة، ومن المؤسف ان دولا عربية، وانطلاقا من نزعات ثأرية تساهم بتأجيج هذا الصراع الدموي سواء بارسال الاموال والاسلحة، او بالتحشيد الاعلامي الطائفي، وترفض في الوقت نفسه ان ترسل جنديا واحدا من جنودها من اجل مساعدة المعارضة التي تدعي دعمها.

العام الجديد سيكون عاما اكثر دموية لسورية وشعبها، نقولها وفي الحلق مرارة العلقم، فالهدف هو تدمير سورية كوطن قوي شارك بفاعلية في الانتصار لقضايا امته، وصنع تاريخا ناصعا لها على مدى العصور، ومنذ الفتح الاسلامي.

=================

عن حتميات الإبراهيمي ووساطته غير النزيهة * ياسر الزعاترة

الدستور

3-1-2013

لا يحتاج المرء إلى كثير ذكاء كي يلحظ ذلك الميل من طرف الإبراهيمي لتحميل المعارضة مسؤولية افشال الحل السياسي، وإن لم يقل ذلك بشكل مباشر.

من الصعب الدخول في لعبة التحليل النفسي للرجل، كما أن من الصعب الحديث عن استقلال كامل لحراكه السياسي، وإن استبعدنا أن يضع أي أحد فيتو على أية نتيجة يصل إليها يمكن أن ترضي المعارضة والنظام، لأن ذلك سيكون بمثابة تدخل مفضوح لا يمكن لأي طرف التورط فيه.

تبدأ المعضلة مع الإبراهيمي من لعبة التوصيف للوضع القائم في سوريا، والذي يبدأ من مصطلح الصوملة، وهو تحذير يبدو مبالغا فيه، لاسيما حين طرحه معطوفا على نفي إمكانية التقسيم، وتحدث عن أمراء حرب يسيطرون على المواقع التي يتحصنون فيها.

في سوريا يصعب تصديق هذه النظرية لاختلاف الظروف التاريخية والحضارية بين البلدين، لأن الشعب السوري لن يقبل ببساطة لعبة أمراء الحرب الذين يتحكمون بحياة الناس، ولن يلبث أن ينتفض في وجوههم إذا فعلوا ذلك.

اللافت في خطاب الإبراهيمي أنه، وخلافا لبعض الخطاب الروسي (بوغدانوف مثلا)، وجزء كبير من التقارير الغربية لم يتحدث أبدا عن إمكانية سقوط النظام، ولو خلال شهور عديدة وليس مجرد أسابيع، مع أن مراقبا عاقلا لا يمكنه التورط في حسم من هذا النوع في سياق الحديث عن نظام أمني مغلق لا يمكن لأحد التنبؤ بلحظة انهياره، ونتذكر في هذا السياق ما سبق أن قيل عن معركة طرابلس في ليبيا التي يمكن أن تمتد لشهور طويلة، وإذ بها تنتهي خلال ساعات.

هو في الخلاصة يوجه الخطاب (بل التهديد) للشعب السوري وللمعارضة وليس للنظام، وخلاصته؛ إما أن تقبلوا بحل بوجود بشار الأسد في السلطة، ولو لعام أو أكثر، أو تنتظروا حالة صومالية، مع 100 ألف قتيل خلال عام واحد فقط كما قال.

هل يعقل أن يصدر هذا الكلام عن وسيط محايد. أليس من الطبيعي أن يوجه تحذيرا مماثلا للنظام وللفئة التي تلتحم معه في المعركة، كالقول مثلا إن مصيرا سيئا ينتظرها في حال اصرارها على المعركة التي أخذت تنحو منحىً طائفيا، وأنها (أعني الفئة إياها) تضحي بمصيرها ومصير أبنائها في معركة يائسة مع نظام سيسقط يوما ما، إن لم يكن بعد شهور، فبعد سنوات لن يكونوا خلالها مستمعتين بقتل الآخرين، بل سيُقتل منهم الكثير (صفوة أبنائهم) أيضا؟!

الإبراهيمي كان يهدد الشعب السوري، وأقله المعارضة وحدها، ويقول لها بشكل غير مباشر، إن عليها الاعتراف بأنها لن تُسقط الأسد بقوة السلاح، وإن عليها القبول به لفترة انتقالية الله أعلم بما يجري بعدها، بينما لا يوجه أي خطاب مماثل للطرف الآخر الذي يملك بكل بساطة حماية نفسه ومقدرات البلد من خلال قبول تنحي بشار مقابل الإبقاء على مؤسسات الدولة ومن ضمنها الجيش.

هذا الخطاب الذي تبناه الإبراهيمي خلال الأيام الماضية لم يأتِ من فراغ، بل جاء نتاج شعور بأن الغرب لم يعد معنيا بحل سريع للأزمة لا يتطلب تدخلا عسكريا مباشرا بقرار من مجلس الأمن، بل مجرد السماح بمد الثوار بأسلحة نوعية يمكنها حسم المعركة.

والحال أن هذا الموقف الغربي لم يأتِ بدوره سوى نتاج لتبدد شعور الكيان الصهيوني بالخوف من وقوع السلاح الكيماوي في أيدٍ غير أمينة، وبالطبع بعد أن جرى تحديد أماكنها بدقة، مع حصول نتنياهو على ضمانات روسية في السياق، ووجود فرق “كوماندوز” غربية في الأردن على أهبة الاستعداد للانقضاض عليها ونقلها إلى أماكن أخرى حال سقوط النظام.

بعد تأمين السلاح الكيماوي صارت مصلحة نتنياهو هي ذاتها القديمة ممثلة في إطالة أمد المعركة من أجل تدمير سوريا وإشغالها بنفسها لعقود طوية، أما الفوضى المحتملة فسيجري التعامل معها من خلال جدار تقرر بناؤه وسيفصل الكيان الصهيوني عن الأراضي السورية “غير المحتلة”، وهو سيناريو يبدو مناسبا لإيران التي تريد سوريا مدمرة لا تؤثر على منجزاتها في العراق ولبنان، فيما يرى نتنياهو أن استنزاف إيران في سوريا قد يشعل ثورة داخلية فيها، أو يصل بها إلى وضع اقتصادي بائس يدفعها إلى التنازل من المشروع النووي فرارا من العقوبات (روسيا أيضا لا تريد هزيمة تضرب هيبتها الدولية).

كيف يمكن الرد على هذا الوضع البائس؟! هذا السؤال موجه إلى تركيا بشكل أساسي، ولقوى المعارضة ولبعض الدول العربية الداعمة لها، والرد عليه يكون ببناء إستراتيجية جديدة تؤمن الحسم العسكري في أسرع وقت ممكن، أو تقربه بما يدفع النظام لقبول الرحيل الطوعي، وهي استراتيجية لا تبدو متوفرة بشكل جيد.

ليست لدينا تفاصيل حول الإستراتيجية المشار إليها، لكن تفعيل العمل الشعبي داخل المدن لارباك النظام، وصولا إلى عصيان مدني، مع الضغط العسكري ربما كان جزءا من الحل، مع إحداث اختراقات في المدن لا تدفع إلى تدميرها، فضلا عن توجيه نداءات للنخبة العسكرية العلوية (اتصالات إذا أمكن) بأن انقلابها على بشار سيفضي إلى تفاهم معها يرضي الجميع.

=================

مرحلة «الجحيم»: روسيا وأميركا تطلقان يد النظام

عبدالوهاب بدرخان *

الخميس ٣ يناير ٢٠١٣

الحياة

لماذا اندفع الروس والأخضر الابراهيمي الى «حل سياسي» ما لبثوا أن أفشلوه بإدارتهم السيئة والمكشوفة الأهداف؟ ولماذا لم يتصرف المبعوث الدولي – العربي بأسلوبه واختار الطريقة اللافروفية؟ إنه التفاهم الاميركي – الروسي، أو تفاهم هيلاري كلينتون – سيرغي لافروف في 7/12/2012 في دبلن. الاميركيون يريدون أن يستبعدوا مسبقاً أي تطوّر قد يضطرهم لاحقاً الى التدخل. حتى «الخط الأحمر» الكيماوي ليس جدياً على رغم أن باراك اوباما نبّه اليه مراراً، واذا تجاوزه النظام السوري فلن تتدخل الولايات المتحدة ولا حلف الأطلسي، وقد فهم النظام أن في إمكانه استخدام هذا السلاح شرط ألا يتخطّى نطاقاً جغرافياً معيناً، وإلا فإن واشنطن و «الناتو» سيعتمدان على تدخل اسرائيلي.

يتبيّن الآن أن ما أوحاه الاميركيون للمعارضة من اعتماد عليها وما أغدقوه من وعود بالمساعدات المالية والأسلحة النوعية، قبل استيلاد «الائتلاف» في الدوحة وبعده، كان مجرد كلام. وما لا يريده الاميركيون يُحجم عنه «أصدقاء سورية» الآخرون، بدليل أن كل مصادر المعارضة تجزم بأن الدعم المالي والعسكري تضاءل منذ أواخر آب (اغسطس) الماضي ثم توقف كلياً منذ اعلان «الائتلاف». فواشنطن بحثت دائماً عن حل سياسي، صيغته المثلى أن ينخرط فيه الجزء «المقبول» من النظام وأن يتنحّى بشار الأسد فوراً أو بعد بضعة شهور، لأنها لم تعد تستطيع التعامل معه. لكن موسكو حاججت باستحالة الشروع في أي حل اذا لم يكن الاسد جزءاً منه ومتعاوناً فيه، خصوصاً أن المطلوب عاجلاً اعادة هيكلة الجيش والأمن. بعد تردد طويل، سلّم الاميركيون المهمة الى الروس ليعالجوا الأمر مع النظام طالما أنه حليفهم. اشترط الروس التحرك في اطار «اتفاق جنيف» الذي لا يقارب مسألة تنحي الاسد ولو تلميحاً، ووافقوا على تعديل «طفيف» في سياق التطبيق ومن خارج النص. هذا التعديل تمثل في عبارة «حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة»، ما عنى أن الاسد مدعو الى التوقيع على تفويض صلاحياته، أي على «نقل السلطة» الى رئيس الحكومة الذي يُفترض أن يكون نائبه فاروق الشرع. اذا صحّ ذلك، فإنها صيغة متقدمة بل اختراقية، حتى لو عَنَت أن الاسد باقٍ في الصورة لبعض الوقت. وسواء أكانت حقيقة أم وهماً، فإنها تعطي الأولوية لوقف القتل والتدمير ولإغاثة المنكوبين وفتح الأفق أمام تغييرٍ في النظام، أما محاسبة القتلة والمجرمين فتأتي لاحقاً.

ما الذي حصل؟ انه السيناريو نفسه: جاء الابراهيمي. قابل الاسد. سلّمه «المقترح». استُمهل للجواب. وفي الانتظار ملأ بعض وقته بلقاء مع «معارضة الداخل» التي يعرف مسبقاً أنها لا تقدّم ولا تؤخر شيئاً في تحركه. ثم علم أن فيصل المقداد طار الى موسكو. أي أن الاسد اختار أن يناقش جوابه مع روسيا. اذاً، فالابراهيمي دُعي أيضاً للذهاب اليها ليتبلّغ أن رأس النظام يرفض نقل الصلاحيات، وأنه مصمم على البقاء حتى نهاية ولايته في 2014 وعلى ترشيح نفسه للرئاسة في الانتخابات المقبلة. وطالما أن المبعوث الدولي – العربي جاءه بصفته رئيس الدولة، فليس له أن يتدخل في صلاحياته، فهو من يعيّن رئيس الحكومة ويحدد له مهمّته... وللغرابة ها هي موسكو، وعلى هامش استقبالها المقداد، توجّه دعوة الى ائتلاف المعارضة للحضور والتباحث بشأن الحوار. أي حوار، مع مَن، وكيف، وبأي أجندة، ووفقاً لأي شروط؟

لم تكن موسكو تمكنت بعد من تسويق «الحل» لدى النظام، فإذا بها تقفز الى تسويقه عند الائتلاف. كانت هذه خطوة غير ديبلوماسية قابلها رئيس الائتلاف بردّ غير ديبلوماسي. لم يكتفِ بأن موسكو المتماهية مع النظام لا تُزار، بل يطلب منها الاعتذار عما ارتكبته بحق الشعب السوري، لكنه لم يرفض مبدأ الحوار، وهذا ما تلقفه ميخائيل بوغدانوف ليقول إن الحوار ممكن في أي عاصمة اخرى. طبعاً دار نقاش ساخن في مختلف أوساط المعارضة حول ردّ معاذ الخطيب، تحديداً حول مسألة «الاعتذار» والذهاب في العداء مع روسيا الى هذا الحدّ، لكن «الائتلاف» شعر بأن الروس والابراهيمي تعمّدوا تهميشه وأنهم لا يقدّمون له أكثر من كرسي الى طاولة حوار مع النظام يعرفون مسبقاً أنه يرفضه.

هي جولة أولى خاضتها روسيا، وسط صمت اميركي مطبق، وخرجت منها بتهديدات واضحة أطلقها لافروف كما لو أنه يتوجّه بها الى الطرفين، لكنه كان يعني المعارضة. وساهم الابراهيمي بدوره في التخويف من «الجحيم» و «الصوملة» واحتمال سقوط مئة ألف قتيل، مع علمه أن النظام لا يكترث وأن المعارضة لا تستطيع العودة الى الوراء. وإذ يستعد الروس والاميركيون لمعاودة التشاور قريباً لتقويم ما حصل في ضوء واقع أظهر بوضوح أن الطرفين غير جاهزين لعقد تسوية، ما يوجب تركهما ليحرق أحدهما الآخر، لعل الاكتواء بالنار يُنضج «الحل». ماذا يعني ذلك واقعياً؟ في الجانب السياسي ستطلب موسكو، طالما أن واشنطن أطلقت يدها، أن يبادر الاميركيون الى الضغط على المعارضة وضبط «أصدقائها» ولا سيما تركيا التي كان واضحاً أنها لم توضع في صورة ما تحاوله روسيا والابراهيمي. لكن الأسوأ سيكون في الجانب الميداني، لأن النظام تلقى من التحرك الروسي رسالة تطلق يده لإشعال «الجحيم» غير آبهٍ بالاستنكارات الدولية أو العربية التي لم يسمع شيئاً منها بعد مجزرتي حلفايا ودير بعلبة (استخدمت فيها صواريخ «الفاتح» الايرانية، ولم يشر «الناتو» اليها على رغم أنها أقوى من صواريخ «سكود»). في المرحلة الوشيكة سيخوض النظام معركة روسيا، التي باتت الآن تحضّه على الحسم، وتدعم اعتماده على خبرات ايران و «حزب الله»، لأنها تريد وضعاً ميدانياً مختلفاً تماماً حين تعود الى طرح الحل السياسي بعد أسابيع قليلة. وفي الوقت الذي كانت المعارضة تنتظر مدّها بأسلحة نوعية، صار المتوقع أن يحصل النظام على أسلحة كهذه. فموسكو تريد منه أن يظهر قدراته وأن يذهب الى أقصى ما يستطيعه. لذلك يشعر النظام راهناً بأنه في صدد اكتساب الصمت الدولي الذي مكّنه قبل ثلاثين عاماً من ارتكاب مجازر حماه، اذ تتحدّث مصادره عن آلاف القتلى في «مفاجآت مروّعة» في ريف دمشق.

لم تكن واشنطن وحدها صامتة طوال الاسبوع الديبلوماسي بين دمشق وموسكو، فهل تركت الروس والابراهيمي يحاولون لتقول كلمتها من بعد؟ لا، الأرجح أنها قالت ما عندها يوم 11/12/2012 في العشية المباشرة لمؤتمر «أصدقاء سورية» في مراكش، عندما أعلنت وضع «جبهة النصرة» على قائمتها للدول والتنظيمات الارهابية. فهذا الموقف أفصح عن حقيقة الموقف الاميركي بأكثر مما عبّر عنه الاعتراف بائتلاف المعارضة في اليوم التالي. في النهاية لم تفصل واشنطن مقاربتها للوضع السوري عن العقدة التي ورثتها من تجربتها العراقية، كما لو أنها بلغت في مراجعتها ليس حدّ الندم على اسقاط نظام صدّام حسين فقط، بل أيضاً حدّ الحرص على الإبقاء على نظام بشار الاسد. أما الصمت غير الطبيعي فيبدو أشبه بالفسحة الضرورية الفاصلة بين موقفين ووجهين، فليس مستبعداً أن تستهلّ أميركا 2013 بوجه آخر يقول إنها تقف وراء المساعي الروسية من خلال مساندتها مهمة الابراهيمي، وأنها تعتقد أن الحل المقترح جيد بالنظر الى الفوضى التي غرقت فيها سورية. وفي أي حال أمكن المعارضة، في الاسابيع الاخيرة، أن تلمس انكماشاً في تعامل «الاصدقاء» معها... فتّش عن اميركا!

* كاتب وصحافي لبناني

=================

إيران والخيارات المرة

عامر أرناؤوط

عكاظ

3-1-2013

المتابع لمسار السياسة الإيرانية الخارجية يدرك وببساطة عمق أزماتها من خلال التداعيات الخطيرة التي أنتجتها والتي أتت في أعقاب التدخلات غير الطبيعية في الشؤون الخليجية والتواجد الإيراني على مساحة العالمين العربي والإسلامي، في محاولة للظهور كدولة قوية قادرة على اللعب في الملعب السياسي الإقليمي والدولي. هذه السياسة الإيرانية الخرقاء التي اتشحت بعناوين الطائفية مختلفة منذ انتصار الثورة الإيرانية مطلع الثمانينيات لم تعد قادرة حاليا على الاستمرار والاختراق في بلادنا لأنها صارت موصوفة بتجارب ميدانية تدلل عليها وتشير إلى نتاجاتها، فها هو العراق المتحضر الآن للقسمة والانفصال بفعل هذه السياسة يغرق في المراوحة والفشل وربما يتصاعد الأمر فيه إلى ما هو أكبر من ذلك وأخطر بحسب ما يبشر به رجل إيران الأول في العراق نوري المالكي. وها هي سوريا تدفع ضريبة الدم بفعل اشتراك قوى إيرانية عسكرية وسياسية في التحريض والتدبير وربما إدارة العمليات فيها من أجل إبقاء نظام استبدادي إجازة صلاحيته الوحيدة هي بطاقته الطائفية وهوية رئيسه الملطخة يديه بالدماء بشار الأسد. وها هو لبنان عبر حزب إيران فيه يفشل فشلا ذريعا في إدارة الحكم ليدخل لبنان نفقا مجهولا محفوفا بالمخاطر الأمنية والاقتصادية والسياسية ربما تصل لحدود التفكير جديا في الفدرلة كحل للخلاص من هيمنة سلاح حزب الله وأمينه العام الحالم بتحويل لبنان إلى دولة يسودها حكم ولاية الفقيه يتربع على عرشها مرشد يقود سفينتها نحو المستقبل، وبالأحرى نحو الدمار. أمثلة ثلاثة مرة أنتجتها سياسة إيران الخارجية الفاشلة والتي تحاول طهران من خلالها لخبطة الأوراق لإنقاذ بشار المترنح والذي سيسقط عاجلا أو آجلا وسيغرق طهران أيضا.

=================

سوريا وعام دموي

رأي البيان

التاريخ: 03 يناير 2013

البيان

تزداد حدة أعمال العنف في سوريا يوماً تلو الآخر، دون حل يلوح في الأفق لوقف إراقة الدماء في هذا البلد العربي الشقيق، الذي ودع العام 2012 بمئات الآلاف من القتلى والمشردين. فبحسب التقارير قضى قرابة الـ40 ألف شخص من جراء أعمال العنف في سوريا خلال العام المنصرم، معظمهم من المدنيين وبنسبة تقارب 90 في المئة، نتيجة هذا النزاع الدامي المستمر منذ 21 شهراً، فضلاً عن قرابة نصف مليون من اللاجئين وأكثر من ضعفي هذا العدد نازحون داخل وطنهم، وبوتيرة تزداد حدتها يوماً بعد يوم.

لقد آن الأوان ليدرك النظام السوري أن إرادة الشعوب أقوى، وأنه يجب أن يحترم إرادة شعبه وأن يحقن دماءه، وأن يحفظ تراب سوريا من التقسيم.

إن عام 2012 شاهد على مأساة دامية فصولها ملايين المدنيين المشردين وآلاف البيوت المهدمة والمدن التي غدت أقرب إلى مدن أشباح، واقتصاد تهاوى وعائلات مهجرة ومفقودون أكثر من أن يحصوا، وقتلى خضبت دماؤهم تراب بلادهم، لا لشيء إلا لأنهم طالبوا بحياة كريمة.

إن المجتمع الدولي عليه مسؤولية تاريخية، تجاه وقف النزف الدموي في سوريا، وأن يضغط على الأسد وحلفائه بلغة المصالح، لوقف أعمال القتل في هذا البلد الذي لم تجدِ معه المبادرات السياسية نفعاً حتى الآن. كما أن جامعة الدول العربية مطالبة هي الأخرى ببذل المزيد من الجهود، من أجل حلحلة الأزمة وإيجاد بارقة أمل في النفق المظلم.

إن النظام السوري وحلفاءه وكافة القوى العالمية والعربية، مطالبة بمواقف جادة من أجل وقف نزف الدم السوري، والعمل على إنهاء هذه الأزمة الطاحنة، التي تمثل «تسونامي دموياً» لا أحد يعرف ما مصير تداعياته، ليس على سوريا فحسب، بل على المنطقة بأسرها.

إن استمرار العنف الدائر في سوريا خطر لا يهدد سوريا وحدها، بل يمثل عاصفة تهدد كل دول الجوار القريبة والبعيدة، وقد تهدد السلام والاستقرار في المنطقة برمتها.

=================

درس مستفاد من الربيع العربي

المصدر: صحيفة غارديان البريطانية

التاريخ: 03 يناير 2013

البيان

ترسم التقارير الأخيرة من داخل سوريا، صورة قاتمة على كلا الجانبين. ففي حلب، تبقى المعارضة المسلحة للرئيس السوري بشار الأسد منقسمة كعهدها، وتنتشر عمليات النهب، وتتزايد التناحرات. وفي دمشق، يستمر وضع الأسد وأعوانه في التدهور.

 ويشير بعض التقارير إلى أن الرئيس السوري نفسه بات "معزولا وخائفا"، وغير مرئي تقريبا، وغير راغب في المجازفة في الخارج. وعلاوة على ذلك، فإن قدرة القوات الأقرب إليه على القيام بعمليات، آخذة في الانخفاض، في الوقت الذي تبدو روسيا سائرة نحو النأي بنفسها عن الأسد، إن لم يكن عن سوريا برمتها.

وفي جميع الاحتمالات، يبدو التوصل إلى نهاية ما للنظام السوري أمرا حتميا، إن لم يكن على الفور ففي المستقبل غير البعيد. والسؤال المطروح: ما الذي سيحدث بعد ذلك؟ وفي حين أن الرغبة في التنبؤ والتخمين تشكل جزءا لا يتجزأ من طبيعتنا، وخصوصا من طبيعة الصحافيين والمحللين، فإنه ليس من المستبعد أن نخطئ بشدة.

وغالبا ما تكون الأدوات الأكثر استخداما في محاولة تفسير المواقف المعقدة كالصراعات، بما في ذلك الميل إلى التشبيه التاريخي لتفسير الأحداث الجارية، مضللة إلى حد كبير.

فلا يمكننا معرفة ما إذا كانت سوريا ما بعد الاسد، مع توتراتها الاجتماعية والطائفية المحددة، ستشبه ليبيا ما بعد القذافي أو عراق ما بعد صدام. فجميع الصراعات وجميع حالات ما بعد الصراع تتسم بالتعاسة وعدام الاستقرار، بطريقتها الخاصة.

ولا يتمثل ما يمكننا قوله عن الربيع العربي في ما قد نصل إليه، وإنما ما نحن عنده الآن؛ فنحن في خضم عملية إعادة تشكيل كبرى، لجميع الافتراضات الإقليمية التي ظلت قائمة لما يقرب من جيل.

وبالفعل، فقد بدأ المتشائمون في الحديث عن "شتاء عربي"، وهو تعبير ربما يضاهي في خلوه من المعنى، تسمية الربيع الأصلية.

ولكن، وكما أكدت العالمة السياسية الأميركية شيري بيرمان مؤخرا، فقد يكون ذلك التشاؤم في غير محله، فقد كانت إحدى السمات المميزة لجميع موجات الديمقراطية التي شهدها القرن العشرون، هي أنها أتبعت "بتيار تحتي، صاحبه تشكيك واسع النطاق في جدوى، بل ومرغوبية، الحكم الديمقراطي في المناطق المعنية".

وتتمثل القضية الأخيرة، وربما الأكثر غموضا حتى الآن، في الطريقة التي قد تؤثر بها هذه التغييرات على إسرائيل، التي تبدو بالفعل رافضة تماما لعملية السلام، ومتوترة على نحو متزايد بشأن جاراتها.

لقد اختبرت الأحداث التي شهدها الشرق الأوسط خلال العامين الماضيين، إلى درجة التداعي، سلسلة من النماذج التفسيرية.

وفي الواقع، فقد بدت حجج العديد من التدخليين الليبراليين، و"واقعيي" السياسة الخارجية، ومناهضي الإمبريالية، سطحية بالتساوي حين تمت مواجهتها بالحقائق الجديدة. وإذا كان من البديهي في الأوساط العسكرية أن يكون "القادة العسكريون على استعداد دائم لخوض الحرب الأخيرة"، فإن ذلك ينطبق أيضا على دوائر السياسة الخارجية.

وإذا كان هناك درس شامل واحد يلقننا إياه الربيع العربي، فهو أننا ينبغي أن نكون متيقظين للحاضر وتحدياته، وغير مقيدين بنظريات الماضي أو بأفكار مستقبل لا يمكننا معرفته.

=================

فشل الابرهيمي ولا بدائل سحرية فورية

الغرب مجدّداً ضحية تقديرات خاطئة

روزانا بومنصف

2013-01-03

النهار

لم يترك كلام الموفد العربي الدولي الى سوريا الاخضر الابرهيمي يوم الاحد الماضي عن توقعاته السلبية جدا بالنسبة الى الوضع السوري المجال امام تعليقات من العواصم المؤثرة كون هذه المواقف اتت عشية عيد رأس السنة وانشغالات اكثر اهمية من حيث توقيتها والحاحها بالنسبة الى الولايات المتحدة مثلا وبالنسبة الى دول العالم ايضا والتي تمثلت بالمساعي الى تجنب الهاوية المالية قبل انتهاء المهلة لها مع انتهاء السنة الافلة نظرا الى ما يمكن ان يتركه عدم الاتفاق الاميركي من اثار سلبية على الوضع الاقتصادي والمالي الاميركي والدول الكثيرة التي تتأثر به. لذلك ينصب اهتمام مصادر ديبلوماسية على رصد ردود الفعل الدولية المحتملة هذا الاسبوع خصوصا ان تحذيرات الابرهيمي من خطورة الوضع سرعان ما ترجمت في تدهور ميداني كبير ارتفع خلاله المعدل اليومي لسقوط الضحايا السوريين علما ان ردود الفعل المرتقبة هي حول فشل مهمة الابرهيمي وتاليا الخطوات التالية لها اكثر منها حول التدهور الامني الذي توج باعلان الامم المتحدة تجاوز عدد الضحايا السوريين الستين الف قتيل حصيلة 20 شهرا من عمر الازمة السورية. وتقول هذه المصادر ان عطلة رأس السنة التي تلت فشل مهمة الابرهيمي في دمشق تترك المجال واسعا امام درس الخطوات التي يجب اتخاذها والبناء على الخلاصات التي انتهت اليها هذه المهمة. اذ ان الدول الغربية وسواها لا يمكنها الركون فقط الى استمرار التفرج على المزيد من تدهور الوضع من دون ابداء رد فعل ما ايا تكن اهميته. الا ان المصادر المعنية تقر بان الدول لا تملك بدائل سحرية للمهمة التي قام بها الابرهيمي في الاسبوع الاخير من السنة المنصرمة وهي كانت تعول عليها من حيث المبدأ من اجل استكشاف فرص الحل مجددا بعد سلسلة التطورات العسكرية المهمة التي حصلت على اثر زيارته الاولى لدمشق. فاذا تبين في خلاصة التقويم ان الامور لا تزال على حالها وفق ما ظهر لجهة رفض الرئيس السوري بشار الاسد التزام ما تتضمنه المرحلة الانتقالية، فان اي بدائل فورية غير جاهزة الامر الذي يعني استمرار تردي الامور على الارض من دون اي تغيير حتى اشعار أخر قد يكون انتظار تطورات اضافية تسمح بتطبيق الافكار التي سعى الابرهيمي الى تسويقها لدى النظام والمعارضة ما لم تحصل تطورات دراماتيكية تفرض روزنامة او اداء اخر.

اذ ووفق ما تقول هذه المصادر فان حلولا مبتكرة جديدة لا تنبت على الاشجار بالاستناد الى ما تبين من تبني الابرهيمي الافكار التي طرحها سلفه كوفي انان على رغم فشل مساعي الاخير واستقالته من مهمته بسببها علما انه طورها من ضمن مجموعة العمل التي توافقت في جنيف في نهاية حزيران الماضي في ما عرف باتفاق جنيف. يضاف الى ذلك ان ثمة امرا اخر قد يحتاج الى تقويم ايضا والذي سيتم تبينه على الارجح في اتصالات جديدة تجريها الدول الغربية مع روسيا لتلمس المواقف الروسية الرسمية بعد اطلاع روسيا من الابرهيمي على تفاصيل مهمته في دمشق واستقبالها نائب وزير الخارجية السوري في ظل رفض الائتلاف السوري المعارض الدعوة الى التواصل مع روسيا. علما ان الدول الغربية كانت اشاعت قبيل مهمة الابرهيمي معلومات عن تغيير ما في الموقف الروسي من الوضع السوري لم تلبث ان دحضته المواقف الروسية مجددا في الاسبوعين الاخيرين. الامر الذي جعل الدول الغربية ضحية استنتاجات خاطئة مجددا ساهمت في رفع سقف التوقعات في مناسبات عدة خلال الاشهر الماضية.

=================

أربع نهايات للحرب في سوريا

سركيس نعوم

2013-01-03

النهار

تطوّر الأوضاع في سوريا التي تشهد ثورة شعبية واسعة منذ واحد وعشرين شهراً وقمعاً مستمراً لها من النظام الحاكمها لا تشغل الادارة الاميركية وحدها، بل تُشغِل معها الباحثين كبارهم والصغار والمراكز التي يعملون فيها. ذلك انهم يدرسون وبكل دقة تفاصيل ما يجري في هذه الدولة، ويربطونه مع مواقف الدول المفتاحية في المنطقة ومصالحها المتناقضة، كما مع مواقف الدول الكبرى النابعة من مصالحها هي الاخرى، الامر الذي يمكنهم من اعطاء صورة واضحة عن الحاضر فيها كما عن المستقبل، فضلاً عن الخيارات المتعددة. وهي صورة تحتاج اليها الادارة في واشنطن قبل غيرها، علماً ان بعضاً من هذه الصور لا يكون بعيداً عن "الهوى". انطلاقاً من ذلك رأيت ان أطلع اللبنانيين على قسم من دراسة معمّقة قام بها باحث اميركي عريق يتعلق بما يهتمون له رغم تناقضاتهم أكثر من غيره، اي في النهاية لكل ما يجري في سوريا.

وأهم ما في الدراسة المذكورة انها تشير الى اربع نهايات، وتتحدث عن كل منها بطريقة علمية وباردة وبعيدة من العاطفة التي تطغى على تحليلات العالم المتخلف عامة، وخصوصاً الشرقي منه. النهاية الاولى هي انتصار نظام الاسد. والنهاية الثانية هي انتصار المعارضة لهذا النظام التي تحوّلت لاحقاً ثورة عسكرية واسعة. والنهاية الثالثة وقوع الفريقين المتحاربين في ورطة. ويعني ذلك عجز كل منهما عن الحسم والانتصار وتالياً استمرار الحرب والعنف. والنهاية الرابعة والاخيرة الوصول جراء الحرب القاسية الى نهاية مقبولة اي الى حل سياسي. وفي هذا المجال يعتبر الباحث واضع الدراسة ان النهايتين الاولى والثانية سيئتان وبكل المقاييس لكل الاطراف المتورطين في الحرب الدائرة سواء من داخل أو من خارج. كما يعتبر ان النهاية الاخيرة هي الاكثر معقولية ومقبولية. لكنه يلفت الى ان قبول اي من الطرفين المتحاربين في سوريا نهاية معقولة يتوقف وفي صورة اساسية على اقتناعه بل على ايمانه بأنه قد يخسر الحرب. ومن دون اعترافهما بأن الهزيمة محتملة فان النظام والمعارضة لن يقبلا صفقة لا تكون فيها التسوية، اي الحل الوسط، مركزية.

هل انتصار نظام الاسد لا يزال احتمالاً معقولاً بعد خسارته السيطرة التامة على أكثر من ثلثي الجغرافيا السورية؟

يجيب الباحث الاميركي، عبر الدراسة نفسها طبعاً، ان انتصاره لا يزال احتمالاً حقيقياً أو واقعياً رغم نجاح "الربيع العربي" في اسقاط أكثر من نظام في المنطقة. اما انعكاسات انتصار كهذا فستكون على الارجح استمرار العقوبات الدولية على النظام السوري لسنوات عدة مقبلة. ومن شأن ذلك ابقاء سوريا معزولة وفقيرة. طبعاً لا بد من توقّع تجاهل روسيا وايران والصين ودول قليلة اخرى العقوبات المشار اليها، وتأمين ما يسمى "حبل السلامة" لسوريا الاسد، اي تزويدها كل ما يمكن لابقائهما على قيد الحياة. لكن ذلك لن يمنع تحوّلها مُروِّعة وشرِسة وضارية ومَقيتة. وقد تبقى كذلك مدة طويلة. علماً ان انتصار النظام سيضمن جولة جديدة او جولات من الحرب الاهلية داخل البلاد، ولا سيما في ظل استمرار المشكلات الهيكلية من دون حل. فالنظام لن يسمح ابداً لغالبية الشعب باخراجه من السلطة بالتصويت (اي بالانتخاب)، فضلاً عن ان انتصاره سيطلق موجة هجرة واسعة في اوساط القادرين على الخروج من سوريا. وهؤلاء هم الضروري بقاؤهم في البلاد بسبب قدرتهم على إعادة بناء اقتصادها. في سيناريو كهذا، يتابع الباحث الاميركي نفسه، غالبية السوريين ستخسر، والرابحون لن يشكلوا أكثر من ربعهم، وسيتألفون من مساندي النظام والاكراد. وهذا يعني ان كردستان ذات حكم ذاتي قد تبقى في سوريا، ومن شأن ذلك خلق مشكلات لدول عدة منها تركيا. اما روسيا وايران و"حزب الله" فسيتمتعون بانتصار استراتيجي اقليمي مهم، في حين ان حلفاء اميركا في المنطقة مثل تركيا والعربية السعودية وقطر سيعانون من هزيمة سياستهم الخارجية جراء دعمهم تغيير النظام في سوريا.

ماذا عن النهاية الثانية للحرب الدائرة في سوريا (انتصار الثوار على نظام الاسد) في دراسة الباحث الاميركي الجدي نفسه؟

يعتبر الباحث ان انهيار النظام السوري وانتصار المعارضة عليه على نحو كامل وشامل، رغم انقساماتها وعدم قدرتها على الوحدة حتى الآن، يمثل حصيلة غير جذابة او غير مستحبة تماماً مثل انتصار النظام عليها.

ماذا عن النهاية الثانية ايضاً؟

=================

الروس أفشلوا مهمة الإبراهيمي ووضعوا سوريا أمام أخطار حقيقية!

صالح القلاب

الشرق الاوسط

3-1-2013

كما كانت نهاية الجولة السابقة ونهاية الجولة التي سبقتها، فإن الأخضر الإبراهيمي قد عاد من جولته الأخيرة، التي أخذته إلى دمشق وبعدها إلى موسكو، متشائما وفاقدا الأمل مبشرا السوريين بأن مصير بلدهم سيكون كمصير الصومال وبأن الخيار الوحيد أمامهم غدا إما الحل السياسي وإما استمرار العنف الذي إن رسا الخيار عليه فيجب انتظار أكثر من مائة ألف قتيل في هذا العام الجديد ويجب انتظار كارثة حقيقية والمزيد من الدمار والخراب والويلات وتحول المواجهات المسلحة إلى حرب أهلية مدمرة.

لأول مرة يخرج المبعوث العربي والدولي عن خط دبلوماسيته الشديدة المعهودة ويقول وهو لا يزال في دمشق وبعد مقابلة مع الرئيس السوري، غير معروف أين جرت هل في دمشق أم خارجها وهل في القصر الرئاسي أم في أحد المخابئ السرية: إنه من غير الممكن أن تبقى سوريا تحكم بالأسلوب السابق المستمر منذ اثنين وأربعين عاما.. وإن الواضح أن السوريين يرفضون هذا النظام الذي بقي قائما على مدى أربعة عقود. وحقيقة إن هذا يعني أن الأخضر الإبراهيمي، السياسي المخضرم والدبلوماسي العريق المشهور بطول نفسه، قد طفح عنده الكيل وإنه ربما سمع من بشار الأسد خلال هذا اللقاء آنف الذكر كلاما لا يمكن أن يصدر عن مسؤول عاقل أصبح بلده يعيش كل هذه الأوضاع المأساوية ويتهدده خطر التشظي والانهيار.

والواضح أن الإبراهيمي قد سمع في موسكو، التي ذهب إليها لتأكُّده أن قرار مصير سوريا أصبح هناك وليس في دمشق، كلاما أسوأ كثيرا من الكلام الذي سمعه من بشار الأسد وأن أقلَّه وأهونه هو قول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي بقي يتصرف منذ بداية الأزمة على أنه هو، وليس وليد المعلم، وزير الخارجية السوري: «إن الأسد يرفض الاستقالة وإنه من غير الممكن إقناعه بهذه الاستقالة».. وهذا معناه هو تحدي المبعوث العربي والدولي وتحدي الشعب السوري كله وكل معارضته بشقيها الداخلي والخارجي.

وهنا فلربما أن الأخضر الإبراهيمي، بعد زيارته الأخيرة إلى موسكو وبعد سماع تصريحات لافروف آنفة الذكر، قد تولد لديه الانطباع نفسه الذي كان قد تولد لدى العديد من المتابعين والمراقبين وهو: إما أن هناك انقساما وخلافا روسيّا بين كبار المسؤولين إزاء الأزمة السورية وكيفية التعامل معها، أو أن هناك تبادل أدوار من قبيل المزيد من استنزاف الوقت وإعطاء بشار الأسد الفرصة تلو الفرصة «لعله» يتمكن إنْ ليس من إنهاء المعارضة المسلحة، فعلى الأقل تحجيمها ليحسن موقعه التفاوضي وليُخرج نفسه من دائرة المساومات المتداولة التي عنوانها تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية و«بصلاحيات كاملة» وبشرط أن لا تكون الأمور المتعلقة بالجيش والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية التي يصل عددها إلى نحو عشرين جهازا من بين هذه الصلاحيات.

والدليل على هذا، وهذا شبه مؤكد، أن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف كان قد اتفق في اجتماع جنيف، الذي شارك فيه الأخضر الإبراهيمي، مع نائب وزيرة الخارجية الأميركية ويليام بيرنز على أن يُسمح للرئيس السوري، من قبيل حفظ ماء الوجه، بتشكيل الحكومة الانتقالية، التي يجري الحديث عنها والتي يجب الاتفاق المسبق بين كل الأطراف على وزرائها وعلى مواقعهم وعلى كيفية تشكيلها، ثم بعد فترة قصيرة، يجري تحديدها سلفا، يبادر إلى مغادرة البلاد، بضمانة دولية، ويأخذ معه نحو مائة وعشرين من كبار العسكريين ومسؤولي الأجهزة الأمنية ليستقر ومعه عائلته وهؤلاء في الدولة، سواء عربية أو غير عربية، التي تبدي استعدادا لاستقباله.

إن هذا هو ما تم في اجتماع جنيف الأخير، الذي جرى بين ويليام بيرنز وميخائيل بوغدانوف وحضره وشارك فيه الأخضر الإبراهيمي. وحقيقة أن تصريحات نائب الرئيس السوري فاروق الشرع، التي تحدث فيها عن استحالة تحقيق انتصار أي طرف على الطرف الآخر إنْ بالنسبة للجيش والأجهزة الأمنية، أو بالنسبة للمعارضة المسلحة، والتي تحدث فيها أيضا عن ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية «بصلاحيات كاملة» مع التلميح إلى الحد من صلاحيات بشار الأسد، قد اعتُبرت موقفا سوريا رسميا وبالاتفاق بين كل مراكز القوى في دمشق على الاستجابة لما تم بين نائب وزيرة الخارجية الأميركية ونائب وزير الخارجية الروسي بحضور المبعوث العربي والدولي.

لكن المفاجأة كانت أن نظام بشار الأسد قد استقبل الإبراهيمي، الذي وصل إلى دمشق عبر مطار رفيق الحريري في بيروت، بما لم يكن ينتظره وهو: أولا التبرُّؤ من تصريحات الشرع و«مسخها» واعتبارها مجرد رأي شخص مثله مثل رأي أي واحد من بين نحو ثلاثة وعشرين مليون سوري، وثانيا اللجوء إلى تصعيد عسكري غير مسبوق وفي كل المناطق وتقصُّد إيقاع مزيد من الضحايا بين المواطنين العاديين واستهداف حتى «أفران» الخبز التي كان معظم ضحاياها من الأطفال الذين اختلطت مِزَقُ أجسادهم بالأرغفة المجبولة بالدماء.

وهكذا فقد اتضح أن موسكو ممثلة في وزير الخارجية سيرغي لافروف قد دخلت على الخط، وأنها هي التي وقفت وراء التخلي عن تصريحات فاروق الشرع وتبهيتها ومسخها، وأنها هي التي ألزمت أهل النظام في دمشق بمسألتين هما: الأولى إخراج بشار الأسد من دائرة التفاوض والمساومات والإصرار على بقائه حتى انتهاء فترة ولايته التي تنتهي في عام 2014 بل والإصرار أيضا على أن من حقه أن يترشح لولاية جديدة. أما الثانية فهي أنه ليس للحكومة الانتقالية أي علاقة لا بالجيش ولا بالأجهزة الأمنية وأن الصلاحيات في هذا المجال يجب أن تبقى بيد رئيس الجمهورية الذي يجب أن يبقى القائد الأعلى للقوات المسلحة والمسؤول مسؤولية مباشرة عن الأجهزة الأمنية.. وهذا جعل المعارضة تبادر إلى رفض هذه الصيغ كلها ما لم تتضمن نصا صريحا وبضمانة دولية على تنحية الرئيس السوري ومغادرته على الفور هو وكل كبار أعوانه من العسكريين وقادة المخابرات والأجهزة الأمنية.

والآن وبعد هذا كله، فإن السؤال المتداول هو: هل الأخضر الإبراهيمي يا ترى قد اكتفى من موسكو ومن دمشق من الغنيمة بالإياب، وأن مهمته قد انتهت عند هذا الحد وأنه لم يعد هناك أي خيار إلا خيار العنف والحلول العسكرية؟!

مع أن أغلب الظن هذا ما سيحدث، فقد تحدث الأخضر الإبراهيمي عن وجود «مقترح» لم يكشف النقاب عنه، قال إنه من الممكن أن يحظى بإجماع «المجتمع الدولي» وهذا يعني أنه قد يكون هناك تفكير جدي لدى الولايات المتحدة والدول الأوروبية ومن بينها فرنسا بالطبع بتدخل عسكري في سوريا على غرار تدخل حلف شمال الأطلسي في كوسوفو الذي تم على أساس أن ما كان يجري في هذا البلد البلقاني يعرض أمن دول أوروبا للمخاطر وعدم الاستقرار وأنه بالإضافة إلى هذا هناك أيضا مجازر وبشاعات ترتكب ضد الإنسانية.

إن كل هذا هو مجرد اقتراحات وتقديرات قد تصيب وقد تخطئ، وإن المؤكد أن روسيا مستمرة في التأزيم حتى النهاية وأنها ستبقى تحقن بشار الأسد بمواقف العناد والمكابرة مما يجعل الأمور، إن لم يتم هذا التدخل الأطلسي المفترض، مفتوحة على شتى الاحتمالات ومن بينها احتمال إما أن يحدث انهيار مفاجئ في القطاعات العسكرية الموالية للنظام السوري كما تتوقع المعارضة المسلحة، وإما أن تبرز مجموعة من قادة هذه القطاعات وتبادر إلى القيام بانقلاب عسكري إنقاذي يتبعه حل سريع يجنب سوريا ويلات استمرار المجازر والمذابح والدمار ويضعها على بداية الطريق الذي يريده الشعب السوري؛ أي دولة تعددية وديمقراطية ودولة مواطنة متساوية في الحقوق والواجبات ليس فيها لا حزب قائد ولا رئيس مبعوث من قبل العناية الإلهية.

=================

رأي الراية ... سوريا..المجزرة مستمرة

الراية

3-1-2013

إعلان نافي بيلاي المفوضة الدولية العليا لحقوق الإنسان من أن أكثر من ستين ألف شخص قد قتلوا في سوريا منذ اندلاع الثورة السورية المطالبة بالحرية والديمقراطية والتغيير يجب أن يشكل صدمة للمجتمع الدولي الذي يتحمل مسؤولية أخلاقية في ارتفاع وتيرة العنف والقتل في سوريا بسبب عجزه عن معالجة الأزمة وفشله في الضغط على النظام ليوقف المجزرة المستمرة والتي تستهدف البشر والحجر والشجر في سوريا.

اللافت في أرقام المفوضة العليا لحقوق الإنسان والتي استندت في أرقامها المفجعة إلى إحصائيات منظمة "بينيتيك" ومقرها الولايات المتحدة، التزايد الواضح شهريا في أعداد القتلى الموثقين منذ بدء النزاع. ففي حين كان معدل القتلى خلال صيف 2011 يبلغ حوالي ألف قتيل شهريا، ارتفع هذا العدد إلى خمسة آلاف قتيل شهريا منذ يوليو 2012. وهو ما يؤشر إلى أن النظام السوري يستغل الجهود السياسية والدبلوماسية التي تجرى لإيجاد مخرج من هذه الأزمة في رفع وتيرة استخدامه للعنف والقتل عله ينجح في وأد الثورة الشعبية عسكريا حتى لو كان الثمن إبادة الشعب وتدمير سوريا.

إن الأوضاع المتفجرة في سوريا باتت وبشهادة المبعوث العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي تهدد الأمن والسلم الدوليين وتأثيراتهما أصبحت واضحة على دول الجوار ما يستدعي من الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي التصدي لمسؤولياتهما في حماية الأمن والسلم الدوليين ومنع امتداد الحريق السوري الى دول الجوار وقبل ذلك توفير الحماية للشعب السوري وإجبار النظام على وقف العنف والقتل واستهداف المدنيين بالطائرات والأسلحة الثقيلة.

وظيفة الأمم المتحدة ومنظماتها ليست توثيق أعداد القتلى والجرحى والمعتقلين وتعداد النازحين واللاجئين الفارين من المجزرة المتواصلة في سوريا منذ اثنين وعشرين شهرا فقط بل وظيفتها ودورها الأساسي توفير الحماية والأمن والسلام للشعوب والحيلولة دون أن يدفع المدنيون ثمن الحروب، والدمار الذي يحيق ببلادهم.

إن تواصل المجازر في المدن والبلدات السورية وارتفاع أعداد القتلى والجرحى والنازحين واللاجئين بشكل كبير يجعل الحديث عن أي حلول سياسية للأوضاع في سوريا أحاديث دون جدوى أو معنى فالجهود السياسية التي تبذل والمبادرات التي تطرح تستخدم كما يبدو من قبل النظام واستنادا إلى الأرقام والإحصائيات كغطاء لاستمرار القتل في سوريا.

=================

لماذا الجمود الروسي تجاه سوريا؟

صامويل شارب

الشرق الاوسط

3-1-2013

على الرغم من كل الزيارات الدبلوماسية رفيعة المستوى والأخبار المثيرة التي رافقتها، فإن المراقب غير المتمرس يستطيع الاستنتاج بسهولة أن روسيا تملك مفتاح حل الأزمة السورية، لكن الجولة الأخيرة من المحادثات الفاشلة التي جرت نهاية الأسبوع الماضي (هذه المرة بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأخضر الإبراهيمي مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية بشأن الأزمة في سوريا) أظهرت بما لا يدع مجالا للشك أن روسيا لن تكون جزءا من الحل بشأن سوريا.

وقد أكد مسؤولون روس بارزون على ذلك منذ شهور، لكن بعض الأطراف في المجتمع الدولي، ربما حتى وقت قريب، لم يصدقوهم.

نجم هذا الخلط عن التقارير المتكررة حول العلاقات بين روسيا والرئيس السوري بشار الأسد؛ العسكرية والدينية والتقارير الاستخباراتية وما شابه، حيث لعبت هذه العوامل من دون شك دورا ما في طريقة تعامل موسكو مع الأزمة، لكنها لا تفسر استخدام الكرملين «الفيتو» ثلاث مرات وجهوده في إضعاف إعلان جنيف المطالب بانتقال سلمي للسلطة، ورفض الانضمام إلى الأصوات المطالبة برحيل الأسد. لم تأخذ موسكو أي خطوات بسبب مصالحها في سوريا أو لأنها تدعم الأسد، وبالفعل، حذر الرئيس الروسي آنذاك ديمتري ميدفيديف، في بداية صيف 2011، بأن من يطالب بإصلاحات فورية هناك ينتظره مصير حزين.

أبرزت المأساة السورية، بوضوح، التباين الجوهري بين وجهة نظر روسيا إزاء التدخل الدولي وباقي المجتمع الدولي خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ إذ تعتقد موسكو أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يجب عليه أن لا يتدخل في إسقاط الحكومة الحالية في سوريا.

وهناك كثير من الأشخاص في مؤسسة السياسة الخارجية الروسية يعتقدون أن سلسلة التدخلات التي قادتها الولايات المتحدة والتي أدت إلى تغيير أنظمة منذ نهاية الحرب الباردة (في كوسوفو وأفغانستان والعراق وليبيا) تمثل تهديدا لاستقرار النظام الدولي وربما لاستقرار النظام في روسيا ذاتها. فلم توافق روسيا على هذه التدخلات ولن تقوم بذلك إذا ما ساورتها الشكوك بأن الدوافع هدفها التخلص من الحكومة الحالية.

قد يبدو الاعتقاد بأن روسيا قد تكون في النهاية هدفا لمثل هذا التدخل نوعا من السخف في واشنطن، لكن الشكوك بشأن النوايا الأميركية المحتملة تضرب بجذورها في موسكو، ومن ثم فإن روسيا تستخدم ما لديها من قوة لصياغة النظام الدولي؛ خاصة مقعدها الدائم في مجلس الأمن، لتجنب تشكيل سابقة خطيرة يمكن أن تؤدي في النهاية لأن تستغل ضدها.

وفي حالة سوريا، لم تقتنع موسكو بأن دوافع الولايات المتحدة تقودها الكارثة الإنسانية التي تسبب فيها الأسد فقط، بل يرى الكرملين أن الجغرافيا السياسية الشريرة مصدر أصيل في ذلك؛ حيث تسعى واشنطن إلى التخلص من حكومة طالما كانت سياستها الخارجية تعارض المصالح الأميركية، خاصة التحالف مع إيران. ولذا عندما صرح الرئيس أوباما في 18 أغسطس (آب) 2011 بأن «الوقت قد حان كي يتخلى الرئيس الأسد عن السلطة»، كان تغيير النظام أولوية بالنسبة للولايات المتحدة أغلقت نافذة الأرضية المشتركة مع روسيا في الأمم المتحدة. والحقيقة هي أن نصوص الحلول المقترحة لم تعكس أي أولوية من هذا النوع بالنظر إلى ما اعتبرته موسكو هدفا معلنا بشكل صريح.

منذ ذلك الحين، حاول كثيرون تغيير السياسة الروسية لكنهم فشلوا جميعا. وعادة ما كان الصحافيون يؤيدون دون قصد الحاجة إلى «المحاولة من جديد مع موسكو» عندما كانت التصريحات الروسية تحمل أدلة ضمنية على تغيير وشيك في السياسة. قد يكون هذا صحيحا في الأسابيع الأخيرة مع تقييم روسيا بأن الحقائق على الأرض تغيرت.. فربما تكون روسيا متمسكة بعقيدتها لكنها في الوقت ذاته لا تغفل الوقائع على الأرض. لكن تغير التقييم في هذه الحالة لن يؤدي إلى سياسة متغيرة. السبب بسيط هو أن الموقف الروسي حول التحرك الدولي بشأن الأزمة السورية يرتبط بشكل أكبر بالقلق إزاء الآثار المترتبة على القوة الأميركية أكثر منها على سوريا ذاتها.

لذا إن لم تكن روسيا جزءا من الحل الذي يتضمن مجلس الأمن، فلماذا يبذل المجتمع الدولي الكثير من الوقت في التودد إلى المسؤولين الروس بشأن سوريا؟ البعض يقول إن روسيا قادرة، إذا شاءت، على الضغط على الأسد لتقديم تنازلات ضرورية لتحقيق تسوية. ربما كانت روسيا تملك مثل هذا النفوذ قبل 12 أو 18 شهرا، لكن الأسد يقاتل الآن من أجل البقاء ولا توجد أسباب منطقية للاعتقاد بأنه سيفعل أي شيء سوى الابتسام والإيماء تجاه أي إنذار من موسكو. ونظرا لأن مثل هذا الإنذار الافتراضي قد يتضمن على الأقل رحيل الأسد على الفور لأن ذلك هو الحل الوحيد لجلوس المعارضة إلى طاولة الحوار، فسوف يظل أمرا افتراضيا.

ذا كانت هناك نتيجة واحدة ملموسة لكل الجهود الدبلوماسية الأخيرة، فهي تمكين موسكو. قد يبدو هذا عابرا، لكنه في الوقت الحالي يعني ضرورة بذل طاقة ووقت المجتمع الدولي في الجهود التي يمكن أن تؤدي إلى التوصل لحل بشأن سوريا.

* خبير في شؤون منطقة روسيا وأوراسيا في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بواشنطن

* خدمة «نيويورك تايمز»

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ