ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 08/01/2013


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

07-01-2013

خطاب الأسد فيه كل شيء ما عدا الحل !

سلطان الحطاب

الرأي الاردنية

7-1-2013

أعاد انتاج نفس المشهد، وحشد أنصاره في قاعة ضخمة ليطلوا من الشرفات ويهجموا عليه مؤيدين بملابس مدنية واختار بينهم نساء، لم يكلف حرسه الشخصي جهداً اضافياً لدفعهم عنه لأن أكثرهم من نفس الكتائب والسرايا، وبدأ واثقاً من كلامه معتمداً على التصريحات الأمريكية الأخيرة التي قالت أن الولايات المتحدة لن تتدخل عسكرياً في الشأن السوري مما أعطاه فرصة ليعتقد أن الوعد الأمريكي سيسحب وراءه كل أنصار أميركا أوروبيين وعرباً وأنه سينفرد بالمقاومة وثورة السوريين وخاصة العزل منهم في مدنهم وأريافهم وقراهم وأن سلاحه سيبقى المتحكم في ميدان المعركة.

برر اختياره للحل الأمني ونفى امكانية وجود شركاء له في حل سياسي طوال الفترة الماضية قبل أن يعترف أن سوريا ليست بخير وأن فيها نعوشاً طاهرة ليميز ذلك عن النعوش الأخرى.

الأسد يخطب ويراقب ويحرك موفديه وحلفاءه ويرى أن بإمكانه القفز عن الواقع السوري المرير باتجاه البقاء حين لم يذكر شيئاً عن رحيله أو حتى عن انتهاء صلاحيته عام 2014، يتحدث كما لو ان الأحداث قد بدأت لتوها ويضيف أنه مع حل سياسي ولكنه يشترط على طارحيه أن يعبروا به من خلال الرؤية السورية والتي هي رؤية نظامه.

الأسد لا يصادر حق السوريين في احتجاجهم ومقاومتهم وربيعهم بل يصادر حق الشعوب العربية في ربيعها حين يصفه بأنه فقاعة صابون وأنه زائل ولو كان نفوذه واسعاً لقاتل في كل الساحات العربية ولصادر كل أشكال الاحتجاج بنفس الكيفية ولأعاد إلى السلطة العقيد القذافي وزين العابدين ومبارك وعلي عبدالله صالح.

خارطة الطريق التي قدمها يذكر فيها الأخرين بالسلام والسكينة وينسى نفسه فهو لم يقل شيئاً عما يجب أن يدفعه نظامه الذي يخوض حرباً ضد السوريين لما يقارب السنتين، ففي الخارطة التي قدمها يطالب بإلقاء السلاح (إلغاء المقاومة) ووقف القتال (وقف المقاومة) وحوار وطني (هل وجد أخيراً شريكاً؟) حين سمى المعارضة في الداخل ويضيف لأول مرة (في الخارج) ويريد بعد ذلك ميثاقاً وكتابة دستور يعرض على استفتاء، وتشكيل حكومة دون ان يصفها.

يريد أن يكسر الجوزة وأن يحتفظ بها في نفس الوقت يريد تغييراً لا يصيبه ولا يؤثر على نظامه ويعترف بآلام السوريات والسوريين دون أن يوقف الألم فالخيار الأمني عنده ضرورة وهو لم يختره وإنما أجبر عليه وإذا لم يكن قادراً على طرد من أسماهم «بالإرهابيين» من المقاومة فهو يريد المتوسطين للحل أن يطردوهم وأن يتدخلوا لطردهم أولاً قبل أن يفتحوا معه موضوع الحل.

ما زال الأسد هو هو لم تزده الملايين الخمسة السورية المشردة ولا السبعون ألف قتيل ولا هدم البنية السورية الاقتصادية والاجتماعية والتي تحتاج إلى أكثر من (150) مليار دولار لاعادتها. إلا إصراراً على التشبث بموقفه واظهار نفس صور الهتاف والتأييد من جماعاته التي حضرت لخطابه.

لم أفهم مثاله الذي ضربه عن الزواج والذي لا يخدم السياق وإنما يجعله أميل إلى السخرية حين تحدث عن مؤهلات «العريس» المرغوب والمرفوض.!

والخلاصة إما أن الأسد «غايب فيلة» كما يقولون لا يعلم عما يدور في سوريا أو أنه حاضر فيها بعناد يخشى أن تتنفس الحرية لأن «العبيد» سينقلبون عليه ولذا لا بد من حكمهم بهذه الطريقة.

وسوريا عميقة الجذور التي تحدث عن تاريخييتها وعن احترافها الحلول والحوار والسياسة قدمها على صورة مذبح حين تحدث كما يتحدث نيرون.

لا يعدم الأسد من يصفق له وقد احتاط واحترس سلفاً حين قال إن الربيعيين من سوريين وعرب ليسوا مؤهلين لفهمه وسيسارعون لنقده والأمر عنده لا يعنيهم!

ما زال الأسد يقول نفس مضمون العبارة لمن يقاومونه «من أنتم» ؟ وما زال لم يقل فهمتكم..لأنه اختار أن يغلق أذنيه وان يراهن على تحالفات غير سورية.!

alhattabsultan@gmail.com

=================

خطاب الوداع!!

يوسف الكويليت

الرياض

7-1-2013

    الأسد خطب كعادته بمطولاته التي اعتادها، لكن ملامحه بدت غائرة، وليست بلاغة الصياغة والصوت الجهوري هما الحل وربما يكون خطاب الوداع ؛ لأن الرجل كابر لا بأوصافه ولا بطروحاته حيث أظهر نفسه بأنه المنتصر، وقبله من قال إنه فهم شعبه، وآخر نفى التوريث، وثالث شبههم بالجرذان وأُخرج من ماسورة صرف صحي، الأسد لم يستطع أن يكون واقعياً ليعترف بأنه سبب الأزمة وفي زواله حلها، وطبعاً هناك ما يوحي بأنه ذاهب إلى آخر نقطة حتى ولو حلت الكارثة عليه وعلى عائلته..

الحلول لم تعد تُصنع من الخارج لأن من يؤيدون الأسد هم متلازمون معه بالوجود، ولذلك لا تراجع عندهم سواء روسيا أو الصين أو إيران، بالمقابل من يدعمون المعارضة والجيش الحر ماضون إلى آخر نقطة.. وعملية مَن يحاور مَن ليست أكثر من سعي الأسد لأن يكون مصدر السلطات لتدور عمليات المصالحة والحوار والخيارات كلها من سلطته دون غيرها وهذا تجديف سياسي في سراب..

الثوار مجرمون، قطّاع طرق، مستورَدون من الخارج، لكن من وصلوا إلى عمق حلب ودمشق وحماة وغيرها لم يكونوا نبتاً شاذاً، لقد خرجوا على ظلم الأسرة والطائفة، وقبلوا التضحيات وهي ثورة بمقاسات الثورات التاريخية، فقد بدأت سلمية لكن الأسد قابلها بدباباته وهنا أخذت المسارات اتجاهاً آخر حيث إن تضامن الشعب مع نواة الجيش الحر والمعارضة هو الإضافة لأن تتوحد الفصائل بمختلف اتجاهاتها ومذاهبها لإسقاط النظام وهو خيار يريد الأسد التهوين منه ونفيه، بينما يناقض نفسه بطلب إلقاء السلاح ووقف الدعم للمقاتلين، أو الإرهابيين، على حد وصفه، في وقت لم يبق معه من جيشه الذي يريد رفع معنوياته إلا أقليته الطائفية وبعض المحاسيب من مرتزقته..

كل الطغاة يوهمون أنفسهم بالانتصار والأسد الابن الذي قُتل داخل مراكز حمايته أهم أركان سلطته السرية، ثم الوصول إلى مواقع حساسة في حرمه لابد أن من قام بذلك قوة تملك كيف تتحرك داخل مفاصل النظام، وتذرّعه بأنه قوي وأن الشعب السوري معه، لا يوهم إلا نفسه، ولو كان حكيماً وموضوعياً وأراد أن ينقذ نظامه، لاعترف بالواقع وتحرك على ضوئه، ولعل مؤيديه الذين أشاد بهم واتكأ على دعمهم لا يذهبون باستراتيجياتهم للرهان على شخص النظام وحده، وما يدور بالكواليس بين القوى العظمى رهان يختص بمصالحهم، والأسد جزء من لعبة تدار في ميدان سياسي كلّ يرسم حدود منفعته سواء أكانت روسيا والصين، أم أمريكا وأوروبا، وقد أُسقط غيره بفعل تلاقي الأهداف..

المعارضة وجيشها ماضون إلى النهاية والاعتراف بالائتلاف السوري من قبل دول العالم لم يأت لمجرد رؤية غير تحليلية، فالكل يرى بالبديل عن النظام هو من سيحل محله، وتقديرات تلك الدول تُبنى على قراءة ما يجري، لا استنتاجات خارج الواقع، وميدان المعارك الراهنة يتجه إلى التغيير القسري الذي لا يريد الأسد تصوره، ولذلك حشد أنصاره لسماع بلاغة خطابه، لكن الأمور لا تحل بمن يصفقون، وإنما بمن يحملون السلاح ويقفون على مشارف المدن لتحريرها من قسوة الدكتاتور ونظامه..

=================

سلطة آل الأسد تهرب إلى الأمام

د. عبدالله تركماني

2013-01-06

القدس العربي  

اعتقدت سلطة آل الأسد أنّ تهدئة المدن يجب أن تسبق تهدئة الأرياف، وأنّ القضية ليست غير مسألة وقت، فشنت هجوماً عاماً لم يفضِ إلى أية نتيجة غير جعل الثورة أصلب عوداً وأشد مراساً وأكثر انتشاراً في المدينتين الرئيسيتين دمشق وحلب.

وكان فشلها هو التحول المهم الذي عرفته الثورة، لأنه كان فشلاً أصاب مناورة سلطة الاستبداد التكتيكية، إذ عادت الثورة إلى المدن وتوطنت فيها بقوة غير مسبوقة، وتأكد الفشل في إخراجها منها، بينما توطدت في الأرياف، التي تحولت إلى مناطق يصعب على قواتها دخولها أو البقاء فيها، وانقلب جيشها وأمنها وشبيحتها إلى قوة جوالة تنتقل من مكان إلى آخر، لأنه لم يعد يوجد غير أمكنة محدودة تبقى موالية لها، بمجرد خروج دباباتها.

وبالرغم من ذلك يتحدث شبيحة هذه السلطة عن سيناريوهات خاصة بهم لإدارة الأزمة وتفسير أسبابها وتحليلها، ثم يصدقون هذه السيناريوهات التي توهموها. وهكذا فإنّ أصعب ما يعقّد الحالة السورية ويزيد من صعوبات حلها هو حالة الإنكار التي يعتمدها هؤلاء منذ بداية الثورة في 15 آذار/مارس 2011. وقد بدأ الإنكار بنفي الأسباب الحقيقية للثورة واتهام المعارضين، الذين يطالبون بالانتقال من نظام الاستبداد إلى نظام ديمقراطي تعددي، بأنهم مجموعة من 'الإرهابيين' لا هم لهم سوى 'تقويض سلطة الدولة وسيادتها'، تنفيذاً لمخططات خارجية.

ولم تفلح سياسة 'منح الوقت'، العربية والأممية، لسلطة آل الأسد في إنقاذها من مصيرها، إذ أنّ الشرخ بينها وبين الشعب السوري يزداد كل يوم، والثورة تتوسع، وقد بات عادياً أن تجري تظاهرات في مدن وازنة سبق أن كان حضورها ضعيفاً كدمشق وحلب. وفي الوقت نفسه تتعاظم قوة التشكيلات المعارضة، سواء منها السياسية أو العسكرية أو الإعلامية. وفي المقابل تزداد الانشقاقات في جيش النظام، والأهم هو انهيار المعنويات وتحييد قطاعات كبيرة منه بسبب الشك في الولاء، ما يعني الاعتماد على قسم من الجيش فقط في قمع الشعب الثائر.

أما على الصعيد السياسي فضعف هذه السلطة يزداد يوماً بعد يوم، ومقاطعة العالم لها تتوسع، ورغم أنّ آلتها الدعائية تعمد إلى المكابرة، إلا أنّ الواقع يشير إلى تراجع تلو تراجع. حيث وصلت إلى مأزق حاسم، بعد أن أغلقت بعنفها ضد الشعب جميع منافذ نجاتها، وبلغت وضعاً صفرياً فيه نهايتها المحتومة، التي لن يفيد العنف في تحاشيها، بل جعل وقوعها مسألة وقت فقط. إنّ هذا المشهد تكرر من قبل مع الكثير من الطغاة، الذين ظنوا أنهم استطاعوا إقناع الناس بحججهم وبشعاراتهم.

ومن مظاهر هروب سلطة الاستبداد إلى الأمام أنها تبدو مطمئنة إلى أنّ مصالح حلفائها لن تسمح لهم بالتخلي عنها، وأنّ المجتمع الدولي لا يزال متردداً ومتلكئاً وغير راغب في الدعم الحاسم لقوى الثورة. ولا شك أنّ هذه السياسة سياسة بهلوانية، تشبه اللعب بالنار أو السير على حافة الهاوية، فمن يستطيع أن يضمن خط النهاية وأنّ الأمور سوف تسير وفق المخطط المرسوم ولن تفضي إلى عكس الأهداف المرجوة، خاصة أنّ أهل الحكم فقدوا اليوم القدرة على المناورة الآمنة وعلى تصدير أزمتهم إلى الخارج، ربطاً بما تعانيه قواتهم من إنهاك وقد استهلكها القمع المستمر للسوريين، ولنقل غير قادرة بحكم انتشارها في مختلف المناطق والمدن السورية على خوض معركة خارجية أيا تكن حدودها، بل قد يزيد تطور هذه المعركة من ضعف النظام ويفقده السيطرة على مواقع جديدة.

وتعبيراً عن هروبها إلى الأمام فإنّ سلطة آل الأسد تلكأت في استقبال المبعوث الأممي العربي الأخضر الإبراهيمي، الذي يحمل حلاً توافقياً سياسياً يفضي إلى مرحلة انتقالية ، تقتضي إبعاد رأس السلطة وحاشيته من القتلة عن أي دور، وهو موقف يكثف موقف هذه السلطة الحقيقي، ليس فقط بسبب بنيتها المعجونة بمنطق القهر والغلبة، بل لإدراك بعض رجالاتها بأنهم وصلوا إلى نقطة اللاعودة، وإنهم بعد ما ارتكبوه من مجازر يخوضون معركة حياة أو موت.

ويبدو أنّ روسيا حجزت لنفسها مقعداً في البحث عن التسوية الممكنة حول سورية مع دول الغرب التي اختلفت معها في الرؤية في شأن الثورة السورية، حين قالت منذ أكثر من سنة إنها لا تتمسك بشخص الأسد وإنّ ما يهمها مصير سورية. وعدم التمسك بالأسد كان المقولة التي تتيح الاستناد إليها في اللغة الديبلوماسية الدولية، من أجل أن تلج المفاوضات الهادفة إلى مساهمتها في رسم المعادلة الجديدة في سورية بعد سقوط سلطة آل الأسد وبنيتها الأمنية.

ولا نحتاج إلى البحث عن دليل لتأكيد أنّ ما ورد على لسان فاروق الشرع، ومن بعده وزير الإعلام، ليس سوى مسعى اللحظة الأخيرة من قبل رأس السلطة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من نظامه، وأنّ كلامه عن 'التسوية التاريخية' والحوار مع القوى الوطنية 'الشريفة' ليس سوى إعلان صريح بأنّ الحل الأمني، الذي اعتمدته سلطة الاستبداد منذ الانطلاق السلمي للثورة، ضد ما كانت تسميه ' عصابات مسلحة ' قد وصل إلى نهايته، بعد أن بدأت الثورة تدق أبواب العاصمة دمشق وقصر الرئاسة. وليس من المبالغة في شيء اعتبار أنّ نجاحات الثوار على الأرض هو الدافع الأول للمبادرات هذه كلها، وأنّ الثوار أنفسهم هم من يقرر مصيرها في نهاية المطاف.

لقد أدرك رأس النظام متأخراً، كعادة الأنظمة التسلطية، أنّ حلفاءه لا يمكن لهم أن يقفوا إلى جانبه على طول الخط، فرغم الاستماتة التي أبدتها روسيا وإيران في الدفاع عن سلطة آل الأسد، إلا أنّ هذه الاستماتة بدأت بالتراخي في ظل الفظاعات التي ارتكبتها قوات الأسد، وفي ظل الصفقات التي يمكن أن يعقداها مع الغرب.

وهكذا، لم يستطع رأس النظام الحفاظ على السلطة، ولن ينجو من السقوط، لقد أشرف بنفسه على وضع خريطة سقوطه. لكنه نجح، وربما بمساعدة حلفائه، على تأسيس حالة من الخراب والفوضى لسورية المستقبل تتطلب جهوداً استثنائية من كل السوريين، بمختلف أطيافهم الفكرية والسياسية والاجتماعية، للخروج منها. ما يعني أنّ مرحلة البناء التي ستتبع سقوطه لن تكون سهلة بدورها، لأنّ رأس النظام وحلفاءه لا بد أنهم يجهزون لاستراتيجية تالية يؤسسونها على الأرض السورية، ثورة مضادة بأدوات جاهزة.

' كاتب وباحث سوري في الشؤون الاستراتيجية

=================

'تسوية' مع النظام.. تصفية للثورة

مطاع صفدي

2013-01-06

القدس العربي 

لن يكون الربيع مجرد انتفاضات شعبية متناثرة هنا وهناك، وليس مكانياً أو جغرافياً فحسب، بل متوزّعة ما بين فئات مجتمعية دون سواها. هذه الانتفاضات مع ذلك هي الأدلة الحسية على تحول الحقد المتراكم والمكبوت من طابعه الفردي الصامت، إلى حال من الغضب الجماعي. فينقلب الأفراد من وضعية الشراذم المنطوية على مصالحها اليومية، والملجومة ذاتياً بهواجس الأمن السلبي، كونها مجرد مجاميع من البشر المقهورين، كائنات تحت الرقابة، شبه مملوكة لسواها، ما دامت مقدراتها المعيشية كلها ليست من اختيارها، ينقلب هؤلاء إلى جماهير الغضب الكاسح لحدود القهر والإذعان.

في حين أن الدولة البوليسية العربية، اعتادت أن تعتبر نفسها أن لها الحق والإرادة معاً في إدارة حياة البشر، كما لو كانوا جميعاً أبناءها القاصرين، أو بالأحرى هم أعداؤها الحقيقيون المباشرون. مفهومها في الأمن، يكسر الحدود الفاصلة بين أعداء الخارج وأعداء الداخل، بل يغدو كل من ليس منها، خطراً افتراضياً عليها. لذلك لا مجال اطلاقاً لأية أدوار قد يقوم بها أصحاب الرأي والآخر. فالتهمة جاهزة ضدهم مقدماً، ليست أقل من الإدانة بالخيانة العظمى. لن تكون عقوبتها أقل من الالغاء المدني، وحتى الإعدام العضوي.

فقد تستفيد الدولة البوليسية من أقدم موروث في الثقافة الشعبوية السائدة، منذ عصر الانحطاط العربي الإسلامي، إنه موروث الطاعة التي تُعزَى مرجعيتها الفكرية إلى الإسلام، لكنها سريعاً ما اكتسبت عملياً مضمون العبودية، إذ تحولت من الالتزام الطوعي الأخلاقي بتعاليم التدّين الطبيعي، إلى آلية الانصياع القسري لسلطان الحكّام، بل الإرادوي وشبه الغريزي، يمارسها مجتمع الخوف المعمم تجاه كل آمر فوقي، سواء كان مصدره دنيوياً أو علوياً. فالطاعة في أساسها الثقافي، وحتى التراثي، تفقد كل جدواها الأخلاقية، إن هي اقترنت بالتهديد والوعيد وحدهما، من دون اقتناع أو إدراك لفائدتها العامة والخاصة، وليس لمصلحة الآمر الفوقي بها فقط.

فالدولة البوليسية التي آل إليها كل نظام شمولي في العصر الراهن، كانت تشفع أوامرها بادّعاء الاتباعية المطلقة لما تصنّفه في مرتبة الضرورات القصوى لمفاهيم 'العقيدة'، أي الأيديولوجيا الرسمية المعلقة فوق رؤوس الناس. ما يعني أن مواطني هذه الدولة الملتزمين بهذه العقيدة، افتراضاً أو قسراً، هم متنازلون استطراداً، عن حرية اختيارهم لإفكارهم وأفعالهم، قابلون عملياً بوصاية النظام العام، السائد بعوامل قوته الذاتية أصلاً، ما يمنع كل اعتراض أو خروج على مسلماته أو مؤسساته.

هكذا سقطت دولة النهضة الاستقلالية سريعاً في فخ النموذج البوليسي، أصبح أمن السلطة هو محور الأساس لدى أصحابها، من خلاله تُقاس مصالح الدولة والمجتمع معاً، بكلمة واحدة تغدو البلاد أشبه بإقطاعية كبرى مكرسة كلياً لخدمة الفئة الحاكمة. هذا الواقع البائس صاحب تطورات الدولة العربية الناشئة حديثاً تحت هالة الاستقلال السياسي الأول للكيانات القائمة.

كان ذلك أمراً معروفاً لدى الخاصة والعامة، لكن لعبت الأدلجات المرفوعة دائماً، من القومية إلى اليساريات والرجعيات كلها، أدوارَ التسويغ والتبرير لأحوال السلطة، وحافظت بهذا الشكل على العلاقات الرأسية الحادة بين الحكام والمحكومين. لم تكن الأفكار سواء منها الإصلاحية أو الثورية، قادرة على تعديل هذه العلاقة، بل الأغرب هو أن هذا التطور السياسي في ظل النهضة المغدورة كان يقوم عملياً بتدوير كل خصائص عصر الانحطاط العربي القروسطي، إذ ابتليت الدولة الاستقلالية بكل عاهات دولة الانحطاط الأهلي السابق ورديفه الانحطاط المستورد بعده والمفروض بالقوى الاستعمارية الخارجية.

ما يعني أن الدولة البوليسية لم تأت صدفة، لم تكن حالةً خاصة أو استثنائية، بل أصبحت هي الثمرة العجفاء لنهضة الاستقلال الوطني، ما يستدعي الحكم أن هذه النهضة قد فشلت سياسياً، فحين تعجز أية نهضة معروفة في التاريخ عن انتاج سياستها، فهذا يعني أن النهضة أمست فاقدة لوحدتها البنيوية، فكل ظواهرها ستأتي متناقضة في ما بينها، بعضها يدمر بعضها الآخر، وجميعها صدفوي أو عرضي لا يملك عوامل الاستمرار والتكامل، بل هي في معظمها لن تكون إلا مشابهة لأبراج الخليج العملاقة والمعلقة في الفضاء الأغبر ما فوق صحارى الرمال عينها، سكان هذه المناطق الأصليين.

هذه اللوحة الكئيبة، كان يمكن لها أن تبقى صورة الحاضر، وكذلك للمستقبل، لولا أن حادثا إعجازياً دعي بـ'الربيع العربي' هبَّ من صميم هذه اللوحة فجأة مراهناًَ على تمزيقها إرباً إربا، لكنه، بما أنه منبثق من تحت أثوابها الداكنة عينها، كيف له ألا يكون صنفاً آخر من طبيعة هذه الأطياف السوداء نفسها، وإن يكن لا يزال متشحاً بالعباءات البيضاء لكل الوعود النهضوية المغدورة، ليس هذا الكلام إنشائياً، لا يراد القول ان الربيع قد أمسى مهدداً بالعدوى والتقاط بعض الجراثيم التي يكافحها وقد يكون أخطرها هو مرض بل وباء الإقطاع السلطوي نفسه، وهذا الربيع العربي ـ السوري خاصة ـ يكاد يكون معرضاً أكثر من سواه لشهوات الاستغلال السياسوي، سواء من قبل بعض محازبيه أو من جهة الأصدقاء والأعداء معاً، ومن يتابع تقلبات تياراته وشعاراتها المرفوعة أو المخفوضة والمتلونة بحسب ظروف الصراع ضد نظام الاستبداد/الفساد القائم والمستفرس في تمسكه بدولته المتوحشة.

يلاحظ أخيراً كيف ينقلب هدف الخلاص من النظام إلى إعادة التسوية معه، لا بد له أن يستنتج برهاناً عملياً جديداً: ان عصر الدولة البوليسية لم ينته بعد، وان الصراع ضدها لا يستهدفها هي بالذات بقدر ما هو الكفاح بين الأضداد على التملك من نواصيها، وبالتالي التمتع بخيراتها الفوقية اللامحدودة.

في زحمة الاقتتالات شبه العبثية، التي تديرها فئات متعددة في قياداتها واستراتيجياتها، ما أسهل أن تحتل الأهداف الثانوية والمشبوهة أمكنةَ الأهداف الثورية الأصلية. فالحرب التي يطول أمدُها قد ينسى أو يتناسى أصحابها والرأي العام المراقب لها، الأسبابَ الفعلية لانطلاق الصراع، بل يصبح الانتهاء من الحرب أفضل الأمنيات، حتى في حال الانصراف عن أسئلة المحصلة الواقعية لهذا الانتهاء. لماذا يحدث، وكيف، ومن هو الرابح والخاسر في النتيجة. مع هذا ، ليس من السهل الادعاء مثلاً أن الشعب في سورية الثورة يريد الخلاص من ويلاته اليومية هكذا بأي شكل كان، خاصة من دون أن يسقط الدولة البوليسية، وحتى عندما يبشر بعض المنظرين في المعسكرين معاً بأن سورية الوطن والمجتمع هي الخاسرة الأصلية، وأن الحرب لن يخرج منها منتصر، سواء كان من هذا المعسكر السلطوي أو الآخر الثوري. لكن وقف القتال، وابقاء كل شيء على حاله، هذا له دلالة وحيدة، وهي استمرار النظام ممتلكاً خاصة لدولته البوليسية كأنما لم تكن هناك ثورة، بل مجرد فوضى هدامة.

إنها بالأحرى صيغة 'التسوية' مع النظام، و'التصفية' للثورة. فقد يتم تبديل بعض الأسماء والوجوه من أبناء الدولة البوليسية، لكنها ستظل متمسكة بكيانها المسيطر، مع كل أذرعته المتغلغلة في خلايا الهرم المجتمعي، إنها صيغة الاحتفاظ بآلة الانتاج المركزية لكل بضائع الاستبداد والفساد، وربما سيكون النظام هو الوحيد المتمتع بكل صلاحيات عنفه، بعد أن بَرهن على قدرة خارقة في ممارسة أوحش قتل وتعذيبٍ وحرق وتدمير للبشر والحجر. كأنما عملت الثورة المخطوفة على إعادة تأهيل هذه الآلة الجهنمية التي ترشح أصحابها لأن يستردوا وظيفة أفضل الوكلاء لأعلى مراكز الاستبداد العالمي في إعادة تدوير مرحلة ما قبل الربيع، لكي تمنع كل نبتة زهر لما بعده..

' مفكر عربي مقيم في باريس

=================

خطاب للاسد محمل ومثقل بالدلالات يلغي الخصم ويعلي من شأن الذات ويقود البلاد الى نفق مظلم

ابراهيم درويش

2013-01-06

القدس العربي 

لندن ـ 'القدس العربي' لا بد لمن راقب خطاب الرئيس السوري بشار الاسد، وهو اول خطاب يلقيه منذ حزيران (يونيو) العام الماضي، سيعتقد ان امرا لم يتغير في سورية، فالرئيس بدا وكأنه يمسك بزمام الامر، مع اعتراف منه بان البلاد تعيش 'ازمة' تحتاج الى حل امني وسياسي مشروط بالشروط السورية، تشرف عليه الحكومة السورية الحالية. مما يعني ان الحديث عن الحلول السياسية الدولية لا تهم النظام، فكل ما طلبه الرئيس الاسد هو توقف الدول الجارة عن دعم 'الارهابيين' والتوقف عن ادخالهم الى سورية وحرمانهم من الدعم العسكري والتمويل.

واللافت ان الاسد يريد الحل السياسي ولكنه لا يجد شريكا يمكنه التحاور معه، فالاسد لا يعترف بالمعارضة السورية في الخارج ولا يرى في الربيع العربي سوى 'فقاعة' ستنفجر عاجلا او آجلا. وحديث الاسد عن الجهاديين و'القاعدة' مثير لان نظامه رعى الجهاديين اثناء الحرب على العراق، ولكن مجرد حديثه عن جهاديين هو اعتراف بوجودهم في سورية.

اللغة لم تتغير

ولم يخرج الاسد في خطابه ولغته، عن اللغة السابقة التي استخدمها في كل خطاباته، اي العاطفية في الحديث عن ضحايا الحرب، وفي هذا الخطاب اضاف مكونا جديدا وهو ان بيته ـ عائلته خسرت في الحرب، في اشارة غير مباشرة لمقتل زوج اخته بشرى، آصف شوكت، نائب وزير الدفاع في تفجير مجلس الامن القومي، في تموز (يوليو) العام الماضي. كما لم يتغير خطاب الرئيس من ناحية تأكيده على دور الجيش السوري في مكافحة 'الارهاب' ودفاعه عن كرامة سورية، وقدم بعض الامثلة الهزيلة عن انجازات النظام لمواجهة الجماعات المقاتلة في حمص ودرعا، وربما حاول ان يشير الى ان نظامه كان قادرا على احلال الامن في المدينتين اللتين شهدتا اعنف المعارك في بداية انطلاقة الانتفاضة، فيما اراد من حديثه عن الجهود الشعبية في مواجهة بعض اهالي مدينة الحسكة في الشمال للمقاتلين المتسللين من تركيا، اعطاء فكرة ان نظامه لا يزال يحكم سيطرته على الشمال.

ومن هنا فمن تابع خطاب الاسد يجد نفسه امام رئيس ثابت ويقود البلاد ضد مؤامرة تستهدف كرامتها وسيادتها، ويقاتل جماعات ارهابية 'انبطاحية' ومستسلمة للغرب، بل وتريد فرض احتلال غربي على البلاد. وما يلفت الانتباه في خطاب الاسد، على الرغم من الهتافات التي هتفت باسمه ومقاطعته المستمرة اثناء خطاب استمر ساعة، ان الاسد ظل يخطئ ويتلعثم احيانا في قراءة خطاب كتب له بلغة شاعرية.

لا يريد الرحيل

ولم يظهر في خطاب الاسد اية نية للتخلي عن السلطة، عندما اكد على ان المصالحة الوطنية والحوار مع الافراد والجماعات السياسية سيتم برعاية من حكومته، وهو وان لم يرفض مبادرة جنيف التي تقدمت بها روسيا الا انه قال ان بعض بنودها غير واضحة، خاصة تلك التي تتحدث عن نقل السلطة، بدا الاسد في خطابه غير معزول ولا خائف، وكأنه اراد ان يبدد الشائعات حول قرب هروبه من العاصمة او خارج سورية وأنه اسير قصره الجمهوري، فقد بدا بين جمهوره المصفق له واثقا من قدرته على البقاء، وكان يتحدث حديث رجل لا يواجه نظامه سيناريو السقوط في اية لحظة، حسب التقديرات الصادرة عن اطراف المعارضة وبعض المحللين الغربيين.

وعليه فخطاب الاسد مثقل بالدلالات، والرسائل الموجهة للقوى المحلية والاقليمية والغربية التي اعلنت وفاته وحضرت جنازته، وفيه شحنة من العاطفية من انه كرأس الدولة يشعر مع امهات الشهداء وعائلات المفقودين وان وقف اطلاق النار من جانب 'الارهابيين' هو من اجل السماح للمشردين الذين هجروا من بيوتهم بالعودة الى البلاد. ولم يفت الاسد التأكيد وان بحياء على محور المقاومة، وان سورية هي قلعة النضال، والمراد من كل ما يجري هو اضعافه بارسال الجهاديين الى اراضيه كي يتمكن الغرب من اضعاف بلد ظل يمثل تهديدا والتخلص من الجهاديين.

المقاومة والجولان

ومن هنا جاء الحديث عن الجولان والفلسطينيين في سورية الذين رفض زجهم في الازمة وانهم مواطنون سوريون يدافعون عن وطنهم الثاني سورية وليسوا مثل من احتضتنهم سورية ولكنهم انتهزوا الفرصة المناسبة للهروب لانهم تعاملوا مع البلد كفندق فاخر، في تلميح الى حركة حماس التي قررت اغلاق مكاتبها في سورية والخروج منها بعد ان رفضت ان تكون ضلعا في الازمة. مع ان الاسد وهو في دمشق يعرف ما جرى لاهالي مخيم اليرموك من تشرد وقصف الشهر الماضي.

هل هو حالم؟

وبعيدا عن الخطط التي وضعها الاسد والمقترحات 'الداخلية' لحل الازمة فان تساؤلا يطرح ويتعلق بواقعية تحليل الاسد للازمة، فالخطاب ان قرن بالواقع وما يجري من تطورات ميدانية يظهر ان الرئيس معزول عن الواقع ويجهل او يتجاهله، فمن يقف المقاتلون على ابواب عاصمته لا يمكنه ان يتحدث بهذه اللغة، لغة الرئيس المعروفة بالتركيز على التفاصيل، فالاسد يتحدث عن مقترحات تحتوي على تفاصيل فرعية تحتاج لسنوات كي يتم التوصل لتطبيقها، وكأنه يتحدث في وضع طبيعي. فاقتراحاته الاولى مع بداية الازمة رفضت لانها لم توفر الحد الادنى لبدء الحوار، فكيف سيتم تقبل ما يقوله من معارضة باتت موجودة على الارض ومعترفا بها من المجتمع الدولي، على الاقل من جماعة اصدقاء سورية. ففي ظل عدم اعتراف الاسد بحدوث تغير على الارض ووجود معارض له مطالبه ولديه ما يمكنه المقايضة عليه، فانه يختصر الواقع بنفسه وخطابه واضح في القول اما انا او الموت.

اعادة انتاج الخطاب

يمعن الرئيس الاسد في الحديث عن المخاطر التي تعترض بلاده، ويستخدم كل مفردات قاموس الحرب الاهلية، من الطائفية والحقد، ويستمرئ الحديث عن دم الضحايا والقتلى والدمار واللعب على العواطف، والسيادة والقانون، ويريد حكما بناء على الدستور الجديد لحفظ حقوق الناس. عندما يخرج الاسد اعداءه من المعادلة باعتبارهم حفنة من المجرمين والتكفيريين والمستوردين من الخارج والانبطاحيين المؤتمرين بأمر الخارج فهو يقضي على اي مبادرة سياسية، لانه يحصر الحل به وبنظامه. وطالما آمن الاسد بالحل الامني كوسيلة للقضاء على معارضيه فالدم سيسيل وسيتجاوز عدد القتلى الستين الفا الاخير، ومخطط التقسيم سيصبح حقيقة، وسورية الضاربة في التاريخ ستدخل نفقه المظلم، والاسد الذي يبكي على الموت الذي حل ببيته قد لا يجد فرصة اخرى كي يبكي نفسه امام مجموعة هتفت باسمه، لان باب الفرص سيغلق امامه. وفي النهاية ربما يعرف الاسد اكثر مما لا نعرف ويقرأ الخارطة السورية الجديدة التي رسمتها 'الثورة' بطريقته الخاصة، فهو ان يرفض تسمية ما يجري في بلاده بالثورة لغياب الفكر والقيادة عنها، ولكن الاسد يعرف ان الناس عندما يطفح الكيل بهم لا يحتاجون لقائد لهم يقودهم، او فكر يوجههم. وماذا ينتظر السوريون بعد، لا احد يعرف ولكن ما سيجري على الميدان سيقرر المصير. والمشهد في سورية اليوم يقوم على ثنائيات الخير والشر، فالنظام يرى المعركة على انها بين شعب ضد مجرمين، والمعارضة تراها معركة بين شعب ورئيس مثل مسرحية امام شبيحته.

=================

ما حكاية الأسد مع الربيع.. والصابون؟

صبحي حديدي

2013-01-06

القدس العربي 

'فقاعات صابون'، هكذا اختار بشار الأسد، في خطابه الذي بُثّ يوم أمس، وصف فصل الربيع؛ قبل أن يسحب الرياضة التصويرية إلى منطقة أوضح، غير مألوفة والحقّ يُقال: 'كلّ ما سمعتموه من مصطلحات ذات منشأ ربيعي فهي فقاعات صابون، كما هو الربيع عبارة عن فقاعة صابون سوف تختفي'. ولا يُجادَل الأسد، مثل الكثيرين، في الطعن بخلفيات مصطلح 'الربيع العربي'، سواء من حيث استيراد الدلالات من ثورات الغرب، أو إسقاط تعبير غير دقيق حتى بمعنى توقيتات الفصول، أو استثارة ظلال استشراقية سيئة الصيت. اللافت أنّ الأسد اعتاد على تفضيل هذا المجاز الفقاعي، إذا صحّ التعبير، كما في حواره مع قناة 'روسيا اليوم'، قبل أشهر: 'الأكاذيب بشأني فقاعات صابون قصيرة العمر'.

ثمة، إلى هذا، عداء اصطلاحي قديم بين الربيع والأسد، يعود في جذوره إلى سنة 2011، حين شاع تعبير 'ربيع دمشق'، قبل عشر سنوات من أوّل انطلاقة للانتفاضات العربية، ولقي من إعلام النظام أقذع الشتائم بحقّ هذا البائس التعس: فصل الربيع! ففي زيارته إلى فرنسا، سنة 2001، سارت سخرية الأسد على هذا النحو: 'كلمة ربيع لا تعنينا كمصطلح. فالربيع هو فصل مؤقت، والربيع فصل يعجب البعض والبعض الآخر يحبّ الشتاء'. الصيغة التالية للسخرية اتخذت هذه الوجهة: 'الثمار تأتي في الصيف. ولكن لا يوجد ثمار من دون ربيع تتفتح فيه الأزهار. ولا يوجد ربيع من دون أمطار تهطل في الشتاء'! من غير المرجح، منطقياً على الأقلّ، أنّ الأسد لم يدرك أنّ سائله لم يكن يقصد الاستماع إلى تحليل فصولي، بل كان يريد السؤال عمّا آل إليه 'ربيع دمشق' السياسي تحديداً.

وفي أواخر العام 2003 أدلى الأسد بحديث مطوّل لصحيفة 'نيويورك تايمز' الأمريكية، قد يكون الأكثر كشفاً عن الذهنية العامّة التي تقود أقواله وأفعاله وسلوكه إجمالاً؛ فضلاً عن توفير قرائن حول الفلسفة السكونية التي تخيّم على تفكيره بصدد أبرز معضلات الوطن الداخلية: الاستبداد، والفساد، والحريات، والسياسة. خصوصية أخرى في ذلك الحديث، كانت فريدة ومدهشة: النصّ الإنكليزي، كما نشرته 'نيويورك تايمز' في موقعها على الإنترنيت، بلغ قرابة 11.200 كلمة؛ وأمّا النصّ الذي لم يُترجم إلى العربية، وبالتالي حُذف نهائياً ولم يُنشر في وسائل إعلام النظام الرسمية، فقد بلغ قرابة 4.400 كلمة، في إحصائي الشخصي. وطيّ تصريحات استغرقت قرابة 2000 كلمة، لمح الأسد إلى 'ربيع دمشق' وتجربة المنتديات، وامتدح المعارضة السورية (في الداخل والخارج، نعم!): 'دعني أعرض لك رأي المعارضة السورية الموجودة أينما كان، سواء داخل سورية أو خارجها. إنهم لا يؤيدون النظام، ولا الدستور، ولا الحكومة، ولكنهم ضدّ تصدير الديمقراطية بالقوّة أو بأية وسيلة أخرى. هذا هو رأيهم؛ إنه واضح تماماً وتستطيع أن تراه على التلفزة، أو في الصحف. تستطيع أن تسألهم'. الربيع آنذاك ظلّ رجيماً قميناً بالذمّ والقدح، حتى حين مال الأسد إلى تنزيه المعارضين عن الارتباط بأي أجندات 'ذات منشأ ربيعي'، ولم تكن انتفاضات 'الربيع العربي' تحمل لرأس النظام كلّ هذا الكرب والتنغيص.

الأساس، بالطبع، لا يخصّ تفضيل فصل على آخر، اتكاءً على ثمار الصيف وأزهار الربيع وامطار الشتاء، كما تهكم الأسد؛ بل الأمر أنّ الابن ظلّ يعيد إنتاج خطاب أبيه في مسألة الديمقراطية، مع تغيير وحيد هو اللغة المتحذلقة التي يستخدمها كاتب خُطبه، والتي بدت مختلفة عن اللغة الجافة الاستعلائية التي استخدمها كاتب خُطب الأسد الأب. وذات يوم، حين انطلقت عمليات البيريسترويكا في الاتحاد السوفييتي، أعلن الأخير أنّ سورية سبقت ميخائيل غورباتشوف إلى هذا النوع من العلانية والإصلاح والمحاسبة، وضرب مثلاً على ذلك في... الجبهة الوطنية التقدمية، دون سواها! الابن، حين ورث الأب، أعلن أنه إنما يسير (وسار بالفعل، طيلة 13 سنة بعدها) على نهج والده، فأغدق المديح على صيغة الجبهة بوصفها المثال على 'نموذج ديمقراطي تمّ تطويره من خلال تجربتنا الخاصة'، وتناسى أنها جثّة تخلقت هامدة منذ البدء، وتعفّنت طويلاً، وزكمت رائحتها الأنوف، وأحزابها ليست سوى حلقات تصفيق وتهليل ومباركة ومبايعة.

كذلك قال الوريث، مستعيداً خطاب المورِّث: 'الديمقراطية واجب علينا تجاه الآخرين قبل أن تكون حقاً لنا'؛ أيّ أنّ ممارسة الديمقراطية ليست حقّ المواطن أوّلاً، بل هي التالية بعد واجبه تجاه 'الآخرين'، الذين لا يمكن أن يكونوا سوى النظام ذاته. ذلك هو جوهر الفذلكة في التهرّب من المسألة الجوهرية التي تقول إنّ انفصال الحقوق عن الواجبات، أو تفصيل الحقوق على مقاس الواجبات، هو المدخل الكلاسيكي الذي مكّن أنظمة القمع والاستبداد من تدجين المواطن وتغييب حقوقه.

بيد أنّ الانتفاضة السورية، التي انطلقت بالفعل عند بشائر فصل الربيع، منتصف آذار (مارس) 2011، وضعت النظام وجهاً لوجه أمام مصائر أبعد عاقبة من التفلسف الساخر حول الربيع. وليست فقاعات الصابون الأخيرة، التي أطلقها الأسد في دار الأوبرا، سوى أحدث فصول 'أوبرا الصابون' التي يجترها النظام، منذ أن هلّت تلك البشائر. وإذْ ينسدل ستار الخاتمة، أسرع فأسرع، فإنّ الفقاعات تتطاير جفاء!

=================

قراءة متأنية لخطاب الاسد

عبد الباري عطوان

2013-01-06

القدس العربي  

خمسة تطورات رئيسية يمكن من خلال التمعن فيها وسبر اغوارها ومعانيها، استقراء مكونات المشهد السوري بجوانبه كافة، في الشهور المقبلة من العام الجديد.

*التطور الاول: الخطاب المطوّل الذي القاه الرئيس بشار الاسد يوم امس، وقدّم فيه خطة او مخرجا سلميا من الأزمة، ورؤيته لمستقبل البلاد.

*التطور الثاني: اصدار الشيخ عبد العزيز آل الشيخ مفتي عام السعودية فتوى حذر فيها علماء دين سعوديين من الدعوة الى الجهاد في سورية، والاكتفاء بالدعاء للمجاهدين ودعمهم بالمال ولكن عبر القنوات الرسمية.

*التطور الثالث: اعلان بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي عزم حكومته بناء سور على طول هضبة الجولان كإجراء وقائي بعد وصول 'الجهاد العالمي' الى الحدود وتموضع عناصره مكان قوات الجيش السوري التي انسحبت من المنطقة.

*التطور الرابع: تصاعد شكاوى المعارضة المسلحة على الارض بزعامة الجيش السوري الحرّ من توقف وصول الدعم بشقيه العسكري والمالي، مما يعكس حدوث تغيير في مواقف الدول الداعمة، العربية والاجنبية، بشكل مؤقت او دائم.

*التطور الخامس: انعقاد مؤتمر في جنيف بعد اسبوعين، بمشاركة عناصر سورية معارضة تؤمن بالحوار مع النظام، تحت عنوان الحفاظ على الوحدة الجغرافية والديموغرافية ومنع تقسيم البلاد او تفتيتها، واللافت ان هذا المؤتمر، مثلما قال منظموه، مدعوم من دول اوروبية بينها المانيا وسويسرا والسويد.

هذه التطورات الخمسة مترابطة، بل يكمل بعضها البعض، تنبئ، جزئيا او كليا، بالصورة التي ستكون عليها سورية، وربما بعض جيرانها ايضا، في العالم الجديد، مثلما تعكس حدوث تغييرات، او قراءات جديدة للمشهد السوري من قبل قوى اقليمية ودولية في الوقت نفسه.

' ' '

خطاب الرئيس الاسد جاء مخيبا لآمال معارضيه، من حيث انه لم يكن خطابا لشخص مهزوم يعيش تحت الأرض، ويتنقل من مكان الى مكان، او من جحر الى آخر، وجاء اكثر قوة وبلاغة من كل خطاباته السابقة، وبالتحديد منذ انطلاقة الانتفاضة الشعبية ضد نظامه.

صحيح انه اعترف للمرة الاولى بوجود 'ازمة'، وغياب الامن، ولكنه ورغم تركيزه على الحلّ السياسي وترحيبه به، وجّه ضربة استباقية لكل الحلول السياسية المطروحة، بما في ذلك مبادرة جنيف التي قبلها نظامه، وجاءت نتاج توافق امريكي ـ روسي.

الرئيس الاسد، قال وبكل وضوح، انه لن يتفاوض مع المعارضة الخارجية التي اتهمها بالعمالة للغرب، وقال انه اذا كان لا بد من التفاوض فإنه سيتفاوض مع اسيادها، اي مع الاصل وليس الصورة ،على حد تعبيره، واكد انه باق في مكانه، ولن يقبل بمجرد المطالبة، ولو بشكل عابر لتنحيه.

نحن امام رجل، مثلما نفهم من خطابه، مصرّ على المضي في نهجه الحالي حتى نهاية الشوط، مهما بلغت الخسائر في الأرواح.

تركيز الرئيس الاسد على محاربة الجماعات الجهادية، وجبهة النصرة، التي لم يسمها بالاسم كان تركيزا مقصودا، لتهميش المعارضة الخارجية وامتداداتها الداخلية اولا، والاعتراف بالدور الفاعل لهذه الجماعات على الارض ثانيا، ومحاولة مغازلة الغرب، والولايات المتحدة بالذات، التي وضعت بعض هذه الجماعات على قائمة الارهاب.

هناك ثلاث نقاط وردت في الخطاب وتكشف عن حالة انكار لدى الرئيس لا يمكن تجاهلها:

*الاولى: تقدمه بمبادرة سلمية تتضمن انتخابات جديدة، وبرلمانا جديدا، ودستورا جديدا، وحوارا وطنيا شاملا يعني اعترافا بان كل 'الخطوات الاصلاحية' التي اجراها على عجالة في محاولة لامتصاص غضب الشارع في حينها، وتمثلت في انتخابات برلمانية ودستور، لم تكن مقنعة، ولم تنجح في كسب الشارع بشقيه الداخلي و الخارجي.

*الثانية: وصف الربيع العربي بمجمله بأنه كان 'فقاعة'، ينطوي على الكثير من التبسيط، فالربيع العربي، وان كنت اختلف مع هذه التسمية، اسقط نظاما مصريا شلّ الأمة لأكثر من اربعين عاما، وكان في خدمة المشروع الصهيوني ووأد المقاومة وإذلال الأمة، مضافا الى ذلك انه لولا هذا الربيع السوري لما تحدث الرئيس الاسد عن حوار شامل وبرلمان جديد منتخب، واعترف بوجود معارضة داخلية يجب الحوار معها، مثلما اعترف بمظالم وقعت على الشعب السوري طوال السنوات الاربعين الماضية.

وربما يفيد التذكير بأن الرئيس الاسد حرّض على الثورة ضد انظمة 'غير ممانعة' في بداية 'هذا الربيع'.

*الثالثة: القول بأنه لا توجد معارضة يمكن التحاور معها، ورفضه بالكامل الحديث مع المعارضة الخارجية، فعدم وجود معارضة في سورية يعود سببه الى عدم قبول النظام بوجود اي معارضة له الا في السجون والمعتقلات. وحتى المعارضة الداخلية التي يقبل الحوار معها، مثل السادة حسن عبد العظيم، وعارف دليلة، ولؤي حسين، وقبلهم ميشيل كيلو (القائمة تطول) كانوا جميعا في السجون والمعتقلات واكملوا مدة حكمهم، وتعرضوا للتعذيب الجسدي او النفسي او الاثنين معا.

' ' '

الرئيس الاسد من الصعب ان يسقط دون تدخل عسكري خارجي، ولكن هذا التدخل بات اقل احتمالا، إن لم يكن مستبعدا اكثر من اي وقت مضى، فالإدارة الامريكية تخشى تبعاته، ولا تستطيع تحمل نتائج مهينة على غرار ما حدث في العراق وافغانستان، وفتوى مفتي السعودية، وحديث الامير سعود الفيصل بالأمس عن تأييد بلاده لحل سلمي في سورية، وترك مسألة خروج الأسد للسوريين، وشكوى الجيش الحرّ من تجفيف منابع الدعم المالي والعسكري له، كلها مؤشرات تجعل من الرئيس السوري اقل قلقا على مصيره من أي وقت مضى.

كثيرون تنبأوا بأن الرئيس الاسد سيسقط في العام 2012 بل قبل ذلك، وكثيرون تنبأوا بسقوطه في هذا العام الجديد، ولكن 'البرود' الامريكي، وتفاقم الاستقطاب الطائفي، وامتداد اخطار الأزمة السورية الى دول الجوار (العراق مثالا، والسور الاسرائيلي على حدود الجولان، وفتوى المفتي السعودي، ولا مبالاة النظام المصري، وتزعزع استقرار بعض دول الربيع العربي) كلها عوامل قد تطيل من عمر الرئيس الاسد ونظامه لعام آخر، ان لم يكن اكثر، والله اعلم!

=================

الأسد يلقي خطاب النصر الموهوم!

منار الرشواني

الغد الاردنية

7-1-2013

لوهلة، بدا خطاب بشار الأسد أمس وكأنما كُتب من قبل شخصين مختلفين ومتباعدين، لم يلتقيا حتى لإدماج قسم كل منهما معاً بشكل منطقي. وعلى سبيل المثال فقط، فبعد التمييز "اللافت" بشأن معارضة الخارج بين تلك التي "تقيم في الخارج" وتلك التي "تخضع له وتأتمر بأمره"، استدرك الأسد بالمستثنيين من دعوته إلى الحوار الوطني، بحيث لم يكد يبقى -كما أشار هو نفسه- إلى من يتحاور معه. وحتى شكلياً، ظهر عدم الترابط في الخطاب عند الحديث عن دور الحكومة خلال مراحل التسوية السياسية الموعودة، إذ اضطر الأسد إلى العودة إلى أوراقه أمام شاشات التلفزة ليوضح التكرار غير المفهوم لذات الدور الحكومي في مرحلتين منفصلتين.

لكن الحقيقة أن الإشارات الإيجابية الأقل من نادرة في الخطاب، لا تعبر أبداً عن تناقض مع الجوهر المتمثل في الحل الأمني الصفري الذي أكد الأسد تمسكه به في مواجهة الأزمة. وإن كان لهذه الإشارات الإيجابية من غرض، فليس أكثر من إظهار شيء من التواضع باعتباره زينة جميلة للنصر الكاسح الذي يؤمن الأسد أنه في الطريق إلى تحقيقه كما أكد أمس، والعودة فعلاً، لأربعين سنة أخرى ربما، إلى ما قبل 15 آذار (مارس) 2011؛ تاريخ انطلاق الثورة السورية.

فرغم أن "المعاناة تعم سورية" بكلمات الأسد، إلا أنه لا توقف للعمليات العسكرية، ولا حتى بالتزامن مع الثوار أو المسلحين. وإذا كان من الممكن إيجاد واختلاق أعذار كثيرة لهذا الموقف، فإن الصفرية الدموية للنظام تتجلى تماماً في الدعوة إلى الحوار مع المعارضين. فحتى في حال إيجاد "الزوجة التي ترتضي الزواج (الحوار)"، بحسب تشبيه الأسد المنطوي على تقزيم مهين لما تعانيه سورية والسوريون منذ عامين، فإن هكذا حوار يكون مع الحكومة التي لا تملك من أمرها شيئاً، قبل الثورة، فكيف الحال بعدها! وعلماً أن مبادرة الحوار الوطني السابقة التي بدت ممكنة الإنجاز وقتها إنما كانت برعاية نائب رئيس الجمهورية فاروق الشرع.

ولأنه منتصر، أو هكذا يظن، يذكرنا الأسد ضمنياً بمقابلته الشهيرة بسوء صيتها مع صحيفة وول ستريت جورنال عشية الثورة. يومها كانت الإصلاح في سورية برأيه يحتاج ثلاثين عاماً. فهو اليوم ما يزال على رأيه بعد ستين ألف قتيل وملايين اللاجئين والنازحين والمفقودين، كما يظهر من خلال مراحل التسوية التي يقترحها: "اقتناعه" بوقف الدعم الإقليمي والدولي للثورة، وهو ما لا يتحقق طبعاً إلا بسحق الثوار تماماً؛ ليبدأ بعد ذلك ماراثون مفاوضات بين المعارضين المنتقين وموظفي الحكومة برتبة وزير أو ما دونها، وصولاً إلى ميثاق وطني يطرح للاستفتاءالشعبي، ليلي ذلك تشكيل حكومة موسعة، فدستور جديد، فاستفتاء على الدستور، ثم حكومة جديدة. وطوال هذه الفترة، سيبقى المعتقلون بدون محاكمة (أو من تبقى منهم) رهائن إلى حين إنجاز كل تلك المراحل. إذ بعد ذلك فقط سيصار إلى عقد مؤتمر عام للمصالحة الوطنية وإصدار عفو عام!

لربما تكون لدى الأسد معطيات تقنعه بقدرته على الحسم العسكري، لكنه يظل مع ذلك منبتاً عن الواقع تماماً بخطاب نصره الموهوم؛ إذ لا يدرك أبداً أي نصر يغذ الخطى إليه وإن تحقق.

فبالنظر إلى امتدادات الثورة وضحاياها، والطبيعة المذهبية والطائفية للانشقاقات العسكرية والمدنية عن النظام، لم يعد أحد يستطيع إنكار أن الأسد لم يعد يمثل الشعب السوري أبداً. وهو سيكون في أحسن أحواله "رئيس نظام بلا شعب"، أو بعبارة أدق آمر سجن بحدود سورية التي لا تعني له أكثر من سدة الرئاسة ومنافع الدائرة الضيقة التي يثق بها ويسلم أمره لها في مواجهة الأغلبية المهانة والمدمرة والمسحوقة، والتي يخاف دوماً من ثورتها وانتقامها.

manar.rachwani@alghad.jo

=================

سوريا.. والطلقات الأخيرة * المحامي سفيان الشوا

الدستور

7-1-2013

بين هدير الرعد و.. ومضات بريق السحاب التي تنذر بهبوب العاصفة.. كان الشعب السوري بمعظم فئاته يستعد لإعلان ثورة على الظلم؛ فلم يعد يتحمل المزيد ..ونظر الشعب حوله فلم يجد شيئا يخسره.. بعد ان جثم الحاكم اكثر من اربعين سنة على صدره وانتشر الفساد في البلاد فاصبح يرى فئة الغت رقم المليون من أرصدتها وتعاملت برقم المليار.. بينما باقي الشعب يكاد يطمع في مسكن يأويه مجازا وهو يلهث خلف لقمة خبز له ولأبنائه. فتحولت بساتين الشام الى مزارع لقلةٍٍ من أقارب الرئيس واتباعه والمحسوبين عليه؛ بينما الجولان يئن من قيد الاحتلال الاسرائيلي ولكن تجد من لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم بل لا يقذف تفاحة على العدو الاسرائيلي.. وانطلقت ثورة الشعب السوري تطالب بالإصلاح والإصلاح فقط ..! ولكن لم يسمع الهدير احدٌ وغاصوا بعيدا عن الواقع في قصة المؤامرة.. وناموا على وسادة من العسل.. بينما نيران الثورة تشتعل وتلتهم كلّ من يقف امامها ..الوسادة جميلة ينام عليها الغني والفقير.. والضّعيف والأمير.. ولكن المهم من ينام عليها وهو مرتاح الضمير..! ولكل بداية نهاية.. فيبدو ان سوريا قد وصلت الي الطلقات الأخيره.ولكن الضباب يغلف الأجواء نتيجة لانعدام الشفافية من النظام ومن تعدد جبهات المعارضة الا اننا اذا جمعنا الفسيفساء السورية المتناثرة لتكوين لوحة عن المشهد شبه النهائي فاننا نرى الاصدقاء الروس يرسلون بوارجهم الى الشواطئ السورية وهي تحمل السلاح او الدواء اوبقصد اجلاء الرعايا الروس من سوريا.. وربما تحمل اشارات اخرى الى اركان النظام.. فان شمعة النظام احترقت وبدأت في الذوبان فهل يدري ساكن قصر الرئاسة ..؟ ربما يخلي الروس المكان للاعب جديد قد يكون الامريكان ..!!والحليف الايراني بدأ يتململ فسحب اخر جنوده من ميدان القتال في سوريا خاصة بعد انتقاد الرئيس الايراني احمدي نجاد لانه انفق 5 مليارات دولار على الحليف السوري علما بان ايران في امس الحاجة الى الدولارات الان.. فهي تواجه حصارا خانقا فرضته امريكا اضافة الى تهديدات بهلوانية مستمرة من اسرائيل.. التي تهدد بقصف المفاعلات النووية الايرانية؛ وهذا التهديد ليس دعاية انتخابية.. فيجب اخذه على محمل الجد فاسرائيل شيمتها الغدر .ومن جهة ثانية نجد حوارا ساخنا يجري علانية.. بين الحليف اللبناني وهو حزب الله وحسن نصر الله.. وبين نائب الرئيس السوري( فاروق الشرع) ويبدو ان السهام الكلامية اصبحت طائشة.. فكأن المعركة اقتربت من قصر الرئاسة في دمشق.. فقد ذكرالسيد نصر الله في خطابه الأخير ان المؤامرة على سوريا صحيحة ومسلحة منذ اليوم الاول لانطلاقها.. والثوار مرتزقة.. وهي مؤامرة خارجية ..! والمضحك المبكي ان السيد( نصر الله) وجه حديثه الى رجال القاعدة قائلا: ان الامريكيين والاوربيين والعرب.. فتحوا للقاعدة فخا في سوريا.. حتى يأتي رجالكم الى سوريا لتقتلوا بعضكم بعضا..اي ان سوريا هي مقبرة للقاعدة .ثم رد نائب الرئيس السوري( فاروق الشرع) على الحليف اللبناني فقد صرح الى(صحيفة الاخبار) قائلا :- النظام كان يتوسل في بداية الثورة ان يرى مسلحا واحدا فوق اسطح البنايات وفي الشوارع ولم يجد.. والان اصبح النظام يشكو الى مجلس الامن من كثرة الجماعات المسلحة .وهذا يقودنا الى سؤال خطير وهو من اوصل الوضع الى هذه الحافة..؟انها حافة الهاوية فمن المسؤول..؟يجيب الشرع قائلا:- لم يجر النظام تحقيقا سليما ولم ينشرنتيجته علانية على الشعب؛ ما افقد النظام مصداقيته في الداخل وفي الخارج.. فقد بدأت الاصابع التي كانت تتحرك من خلف الستار اصبحت تجاهر علنا فهذا الرئيس الامريكي( باراك اوباما) يعترف بالمعارضة السورية وبما سمّوه (التحالف الوطني السوري) وليس من المستبعد ابدا بحسب تقارير المخابرات ان تتدخل امريكا بحذر في الوضع السوري..فقد انفتحت شهيتها على الكعكة السورية ..بعد اقتتال السوريين فهم عبّدوا الطريق بدمائهم وجثثهم ويرجح الخبراء ان تفرض الولايات المتحدة منطقة حظر جوي فوق شمال سوريا بجوار تركيا..ثم (بان كي مون) الامين العام للامم المتحدة يضيق ذرعا بالقتل اليومي فنحن امام تدمير ممنهج لسوريا..لذلك فهو يدعو مجلس الامن لكي يتوحد من اجل ممارسة ضغط متواصل على سوريا لتطبيق خطة مبعوث الامم المتحدة لاحلال السلام.

ومن جهة ثالثة نجد( السويداء) وهي المحافظه السورية ذات الاغلبية الدرزية تنضم الى الثورة وتطالب باسقاط النظام.. ربما كانت اليقظة متأخرة ولكن يبدو ان صورة النظام اصبحت جسدا بلا روح. ومن بين الانقاض يطلع علينا (العقيد عبد الجبار العقيدي) وهو المتحدث الرسمي باسم الجيش السوري الحر..موجها كلامه الى الرئيس السوري قائلا:- (الحساب امامك تستطيع ان تأخد ما تشاء وتقتل من تشاء ولكن سوف تدفع ثمن كل شيء اخذته وثمن كل شهيد قتلته ..!) واخيرا دخلنا عنق الزجاجة.. واوشكت الستارة ان تغلق على ابطال النظام.. وهم يحاولون اسماع صراخ الفلسطينيين الى العالم في محاولة يائسة لانقاذ النظام ..؟فما معنى ضرب معسكر اليرموك للاجئين الفلسطينيين بالطائرات المقاتلة ..علما بان الفلسطينيين منذ البداية اعلنوا موقفهم الثابت وهو عدم التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا الا ان النظام يعتقد ان الفلسطينيين اخر اوراقه التي يلعبها ..فهم في سوريا العروبة منذ سنة1948 ولكن انتهى وهج الشعارات البراقة واصبحت ظلاما حالكا امام الواقع فان الشعارات البراقة “مثل امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة” وما شابهها هذه كلها افرغت من معناها.. واتضح ان طلقات اصحابها ليست سوى كلمات من وراء الميكروفون ..وطبعا لا احد يحسد النظام السوري على هذا الموقف الجنوني لقد اصبح قاب قوسين او ادنى من النهاية .. هل قدرُ اللاجئين الفلسطينيين ان يعيشوا طوال حياتهم في هجرة مستمرة ابدية ينتقلون من خيمة الي بيت صفيح ثم الى اين..؟وكأنهم يطبقون مقولة (شمعون بيريز) عن المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية فقال: إنها مثل الركض على الحواجز فمن يتوقف عن القفز يخسر السباق..اي ان المفاوضات مدى الحياة ..فهل هجرة الفلسطينيين ابدية ..؟ ولكن يقينا فقد اصبحت سوريا مع الطلقات الأخيره.... لك الله يا سوريا الحبيبة ..!!

التاريخ : 07-01-2013

=================

إنها ثورة شعب * رمزي الغزوي

الدستور

7-1-2013

لا أحد كان يتوقع من طاغية دمشق، في خطابه الرابع، ولربما الأخير، أن يترحم على أي شهيد سوري، أو أن يبدي أية حشرجة ندم أو أسف. لم يترحم على أي إنسان، ربما كان قد قتل خطأ برصاص قناص، أو بصاروخ أعمى ذات قصف عشوائي، أو حين امتزج دمه برغيف خبزه، في باب مخبز مقصوف.

وكأن الطغاة حين يصلون إلى نهاية نفقهم، أو حين يحدسون بنهايتهم الحتمية المخزية، لا يكتفون بالقتل ببراميل البارود، وطائرات الميج، والمدافع الكبيرة، بل يعمدون إلى تدبيج خطبة عرمرمية تكون منصة لصواريخ أكاذيبهم، وكأنهم يعرفون أن الدنيا لن تذكرهم، ولن تحفظ بشاعاتهم، وهم يتدحرجون إلى مزبلة التاريخ.

الطاغية بشار لم يكتفِ بأسوأ أفعاله وأرذلها، كنهاية تلوح في أفق حرية السوريين، حينما دلق على رؤوس الناس براميل (التي أن تي) والأسلحة الكيميائية، ولكنه نعق بأسوأ تصريحاته حين استكثر على السوريين أن يثوروا، وأن الصراع فيها ليس ثورة، ولا هو انتفاضة شعب أراد حريته. إنه لا يعترف بملايين النازحين، ولا عشرات آلاف القتلى، ولا يعترف بوجود المخيمات الباردة، التي تحيط بسوريا من جهاتها الأربع . إنه لا يرى إلا ما يريده، ولا يسمع إلا صوته.

يحق للطغاة في ربع ساعتهم الأخير أن يطلقوا أبشع هذياناتهم، يحق لهم أن يقلبوا التاريخ، ويحشروه في جيب سروالهم، لأنهم لم يعودوا يرون إلا أنفسهم، ولم يعد مسموعاً في آذانهم إلا خشخشتهم الناعقة، فقبل فترة قال بأنه صانع سوريا. فهي لا تمتد في جذر التاريخ إلى آلاف السنين وأعتى الحضارات. وينسى أنه صانع الغم لها، ومدميها وقاتل أهلها ومشردهم. ورغم هذا ستبقى سوريا أعظم من كل الطغاة الذين مروا على الدنيا.

هي ثورة وأكثر من ثورة، هي ثورة منذ خرج أطفال درعا، وكتبوا أولى عبارات التحرر على الجدران، هي أشجع ثورة، فما من شعب اعزل ظل يخرج ستة أشهر، مواجهاً الرصاص بالجبهة والصدر مثل الشعب السوري. إنها ثورة حتى ولو ركبها بعض الطفيليات، فالشعب قادر على أن ينظف نفسه منهم، بعد أن يتخلص من طاغيته.

أكاد أرى نهاية الأسد ماثلة أمامي. نهاية تليق بطاغية انفصل عن تراب الحقيقة، وهام في غياهب شطحاته. نهاية لن يُمنح فيها لقب (الرئيس المخلوع)، ولن يحظى ببلد يأويه. فالشعب الذي خطّ أول أبجدية في الدنيا، جدير به أن يعلم العالم أبجدية البسالة والشجاعة، والحرية غالية الثمن. عاشت سوريا صانعة المجد.

التاريخ : 07-01-2013

=================

بشار في خطاب الإنكار .. الجيد للمعارضة * ياسر الزعاترة

الدستور

7-1-2013

بعد شهور من الغياب خرج بشار الأسد ليخاطب شعبه (بل عدوه بتعبير أدق).

خرج في لحظة حرجة ليتصنع التماسك في مواجهة الثورة، وبالتالي الإيحاء بإمكانية الانتصار أملا بالبحث عن حل سياسي يعتقد أن الأجواء الإقليمية والدولية قد منحته دفعة معقولة.

في الجوهر، يبدو من المؤكد أن توالي الأحداث قد أقنع بشار -وإن لم يعترف بذلك- أن الانتصار على الثورة قد بات في حكم المستحيل، حتى لو كان بوسعه الصمود لشهور أخرى، بل حتى لسنوات، مع أن الشكوك تبدو كبيرة حول مدى قدرته على الصمود رغم الدعم الإيراني الهائل عسكريا وماليا، والروسي (عسكريا وسياسيا).

لكنه يرى في المقابل أن الطرف الآخر -أعني قوى الثورة- ليست في أحسن حال رغم تقدمها البطيء على الأرض، ولا يحدث ذلك إلا بسبب الحصار المفروض عليها بعد أن أصبح الموقف الأمريكي التابع للكيان الصهيوني أكثر ميلا لتسوية تبقي بشار في السلطة بدل المراهنة على بديل غير مضمون، من دون استبعاد الخيار التقليدي، ممثلا في استمرار المعركة ولعبة التدمير، لاسيما بعد أن اطمأن نتنياهو لمصير الأسلحة الكيماوية بضمانات روسية من جهة، وبوجود فرق كوماندوز جاهزة للسيطرة عليها فورا في حال سقوط النظام.

وحين يكون الموقف الأمريكي التابع للصهاينة على هذا النحو، فإن ذلك سيؤثر بالضرورة على مواقف الغرب عموما، بل وعلى تركيا والدول العربية الداعمة للثورة، بدليل أن الدعم المالي والعسكري الذي يُقدم للثوار قد بات يتراجع في الشهور الأخيرة رغم الاعتراف الكبير بالائتلاف الوطني ممثلا شرعيا وحيدا للشعب السوري.

في هذه الأجواء خرج بشار في خطاب يتصنع الثقة بالقدرة على الانتصار، بينما يستجدي الحل السياسي، ولو قدم بضاعته اليوم في بدايات الثورة، لربما قبلها البعض، لكنه سخر من الشعب ومن المعارضة وراح يصنفها بطريقة كاريكاتورية تثير السخرية.

لقد عول بشار على عسكرة الثورة من أجل وصمها بالإرهاب، واعتقادا منه بأن ذلك سيمكنه من التخلص منها بسهولة، وهو كان في الشهور الأولى يستجدي وجود مسلح واحد، كما ذكر فاروق الشرع، لكي يستثير غريزة الغرب ضد ما يسميه الإرهاب.

في قراءة حيثيات الخطاب، وبعيدا عن اللغة العاطفية، والمقدمة والخاتمة الطللية التي تميز بها، فإن جوهر الحل الذي طرحه يُعد بائسا قياسا بمبادرة جنيف، وقياسا بالعروض التي كان يتحدث عنها الأخضر الإبراهيمي. إنه حل يتحرك بكل حيثياته تحت سقفه (بشار) شخصيا، بل تحت سقف النظام القائم بأجهزته الأمنية والعسكرية. إن خريطة الطريق التي طرحها لا تتعامل في جوهرها مع ثورة مسلحة راح ضحيتها 60 ألف سوري، وملايين المشردين والمصابين والمعتقلين، بل مع حراك احتجاجي يطالب بالإصلاح لا أكثر، والنتيجة أننا كنا إزاء حالة إنكار تثير الازدراء.

خريطة الطريق التي طرحها لا تطالب باستسلام الثورة والثوار فحسب، بل تطالب باستسلام القوى الداعمة لها أيضا، إذ تنص مرحلتها الأولى على وقف دعم المسلحين، ووقف الأعمال المسلحة، مع آلية لمراقبة التنفيذ (لم يتحدث عن قوات مراقبة دولية، لكنها قد تفهم من السياق).

بعد ذلك تبدأ الاتصالات والمشاورات بين “كافة أطياف المجتمع السوري” من أجل عقد مؤتمر للحوار الوطني ينتهي بميثاق وطني يُعرض على الاستفتاء، وبعد ذلك تشكل حكومة وطنية موسعة، تجري حوارا من أجل دستور جديد يُعرض على استفتاء أيضا. ثم تجري بعد ذلك مناقشة القوانين الناظمة للحياة السياسية، ومنها قانون الانتخاب، ثم مؤتمر للمصالحة الوطنية.

مسلسل طويل قد يستمر شهورا طويلة بين وقف إطلاق النار، وبين الدستور الجديد وصولا إلى انتخابات يختار فيها الشعب ممثليه، ما يعني أن النظام سيبقى على حاله القائم، مع تغييرات طفيفة تجعل سوريا أقرب لديمقراطيات الديكور التي عرفها العالم العربي قبل ربيع الثورات، وهي ديمقراطيات لا تسمن ولا تغني من جوع في ظل أنظمة عادية، فكيف في ظل مؤسسة أمنية وعسكرية تسيطر عليها نخبة طائفية (لم يأت على ذكر من انشقوا من عسكر النظام، وهم بعشرات الآلاف، ما جعل الجيش ممثلا لطائفة وليس للشعب)، ومعلوم أن من يسيطر على المؤسسة العسكرية والأمنية هو الذي يسيطر على البلد بصرف النظر عن تبدل الحكومات.

ما ينبغي أن يقال في الخلاصة أن بشار لم يعترف بوجود ثورة، بل بحرب مع عصابات إرهابية، كما أن الحل الذي طرحه لا يقترب البتة من طروحات الإبراهيمي (وقف لإطلاق النار، وحكومة بصلاحيات كاملة)، ما يعني أن على الأخير إذا كانت لديه ذرة من إنسانية أو كرامة أن يعلن استقالته فورا ليضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، وإلا فهو شريك في سفك الدم السوري.

لقد منح الخطاب الائتلاف الوطني مادة للخروج من تهمة الرفض التي كان يُتهم بها، وجعلت النظام هو المتهم برفض الحل السياسي، وهذا من دون شك أمر جيد ينبغي أن تنبني عليه سياسة جديدة من تركيا والعرب الداعمين للثورة. وفي أي حال، فالثورة مستمرة ولن يستسلم الشعب مهما طالت المعركة وكثرت التضحيات.

التاريخ : 07-01-2013

=================

محامون يوثقونها من أفواه الشهود والضحايا في مخيمات اللجوء

جرائم الحرب السورية... شهادات مسجلة

تاريخ النشر: الإثنين 07 يناير 2013

كارول موريلو

أنطاكيا، تركيا

الاتحاد

أخرج الشاب الجالس أمام المحامي «موسى أمهان» دفتراً أحمر صغيراً مليئاً بأسماء جمعها لجيران كان يتجسسون على السكان ويبلِّغون المخابرات السورية بأعمال مشبوهة: الميكانيكي الذي يقوم بتصليح الدراجات جاء إلى الحي على متن دبابة عندما أتت قوات الأمن من أجل توقيف المحتجين، وبائع البيض أقام نقطة لتفتيش السيارات بحثاً عن أسلحة محتملة، وأحد السكان المتنمرين قام بابتزاز المال عبر التهديد بالتبليغ عن جيرانه باعتبارهم ثواراً معارضين للحكومة. بل إن عمه بلَّغ عنه قوات الأمن التي استجوبته وعذبته، يقول الشاب.

عبر سوريا وفي تركيا المجاورة، تعكف مجموعة صغيرة من المحامين على جمع شهادات سوريين ضحايا الشبكة الواسعة من أجهزة المخابرات التي تستعملها الحكومة ضد الثوار، حيث يقومون بنقل الاتهامات إلى محاكم أنشأها الثوار في ثلاث محافظات سورية، محاكم أصدرت أكثر من 140 مذكرة توقيف حتى الآن، ومعظمها على خلفية جرائم تتعلق بالحرب. ويأمل المحامون أن تُستعمل الاتهامات المكتوبة في النهاية ضد مسؤولين حكوميين رفيعين في محكمة دولية، ويقولون إن من بين المذكرات المعلقة واحدة صدرت في حق الرئيس الأسد. لكنهم يتوقعون أن يحاكَم معظم المتهمين في محاكم سورية.

والواقع أنه من غير الواضح ما إن كانت المذكرات، ناهيك عن المحاكم، لديها أي سلطة في بلد مازال يُحكم رسمياً من قبل الأسد، وحيث من المحتمل أن يخضع النظام القضائي برمته لتغيير في حال سقوط النظام. لكن المحامين يقولون إن الانتظار إلى حين تشكيل حكومة انتقالية يمثل دعوة إلى ارتكاب مزيد من الجرائم. وفي هذا السياق، يقول علي العزير، وهو واحد من نحو 300 محام يشكلون «لجنة المحامين السوريين الأحرار»، إن هدفهم هو «تجنب أعمال قتل انتقامية»، مضيفاً: «إن الطريقة الأفضل للقيام بذلك هي توقيف الأشخاص المسؤولين، ووضعهم في السجن، وإخضاعهم للقانون».

وحسب اللجنة، فإن المجالس العسكرية الثورية في المحافظات الثلاث وافقت على توجيه الأمر لجنودها بالامتثال للمذكرات وحجز الأشخاص الذين يتم إيقافهم في نقاط التفتيش إلى أن تتم محاكمتهم. غير أنه من الصعب معرفة إلى أي مدى يحدث ذلك وسط فوضى حرب وحشية راكم فيها السوريون على كلا الجانبين حسابات للتصفية. فعلاوة على العنف المرتبط بالحكومة، تزعم عدد من مقاطع الفيديو المنشورة على موقع «يوتيوب» أنها تُظهر قتل أشخاص يلقى عليهم القبض من قبل الجنود الثوار.

وفي مقطع فيديو حديث، مثلا، قام الثوار بإعدام رجل عرِّف على أنه رقيب في الجيش السوري، رغم أنه كان يرتدي بذلة رياضية وليس زياً عسكرياً. وفي الفيديو، يدعي الثوار أن الرجل قتل رجلا آخر وطفلا، ويتجادلون لوقت قصير في ما بينهم حول ما إن كان ينبغي قتل أسيرهم غير المسلح. ثم ينتهي الفيديو بالمشتبه فيه وهو يتوسل معتقليه للحفاظ على حياته، قبل أن يسقط أرضاً وسط وابل من الرصاص.

والواقع أنه من غير المرجح أن يلجأ أنصار النظام إلى محكمة أنشأها الثوار، لكن تصريحات المحامين تخلق، في الوقت الراهن، فرصة للسوريين الذين يقولون إنهم تعرضوا للاعتقال والتعذيب على يد الحكومة بسبب انشقاقهم ولم تتح لهم أبداً فرصة للرد. ويقول «أمهان» في هذا الصدد: «لماذا لا ينبغي أن نحاكم هؤلاء المجرمين؟»، مضيفاً: «أن تفعل شيئاً غير قانوني لأنك خشيت الانتقام من عائلتك ليس عذراً، وفق القانون السوري. كان يتعين على أولئك الأشخاص أن يرفضوا تلك الأوامر».

ومن جانبه، يقول أحمد حسون، رئيس لجنة لمحامين، إن اللجنة طلبت من «حكومة» المعارضة في المنفى منح العفو لمن حُكم عليهم بأنهم كانوا جزءاً من الجهاز الأمني الحكومي ولكنهم لم يقتلوا أي أحد.

لجنة المحامين شُكلت بعد وقت قصير على بداية الانتفاضة. وبالنسبة لمحامين سمعوا عن المظالم لسنوات وكانوا يشعرون بالعجز، فإن القضية اتخذت طابعاً ملحاً وعاجلا في وقت أخذ فيه زملاء لهم يختفون. وفي هذا السياق، يقول العزير، الذي تخصص في القانون التجاري الدولي: «إن العديد من المحامين اعتُقلوا منذ بداية الانتفاضة»، مضيفاً: «الأمر منوط بنا لتوثيق ما حدث».

المحامون يقومون بجمع الشهادات في مخيمات اللاجئين، ومنها مخيم في تركيا يحتضن ضباطاً عسكريين انشقوا عن الجيش. وقد جاءوا إلى هنا للبحث عن أسماء الطيارين الذين ألقوا قنابل على أهداف مدنية، والمسؤولين الذين أمروا بمذابح، والمسؤولين الذين أشرفوا على الاستنطاقات باستعمال التعذيب، إضافة إلى أدلة على الرشوة والفساد والاغتصاب. لكنهم يعتمدون على القانون السوري الحالي؛ حيث يشرح مدير مكتب المحامين، بعد أن فتح كتاب القانون الجنائي بشكل عشوائي، أن عقوبة الرشوة هي خمس سنوات من الأشغال الشاقة إضافة إلى غرامة تعادل ضعف الرشوة المأخوذة ثلاث مرات.

غير أن إيجاد قانون حالي يجرم سلوكاً تم القيام به بإيعاز من الحكومة الحالية ليس مسألة صريحة وواضحة. وفي هذا السياق، يقول العزير: «إذا كان شخص ما جاسوساً يعمل مع المخابرات كمخبر، فليس لدينا عقوبة واضحة… لكن إذا أدى التعاون إلى تعذيب، فإننا نستطيع إقامة دعوى».

ويقوم نحو 40 محامياً سورياً بأخذ إفادات الشهود في تركيا، كما تعتزم اللجنة فتح مكاتب لها في لبنان والأردن، اللتين يعيش فيهما عدد كبير من اللاجئين أيضاً، والباقي في سوريا.

وفي مدينة أنطاكيا التركية الواقعة في الجنوب، يوجد مكتبهم في بناية عادية ولا توجد على بابه إشارة تشير إلى أن قصصاً مروعة تروى في الداخل. والشاب الذي أتى إلى المكتب مؤخراً قال إن اسمه سلام، وقد وافق على السماح لصحفية بالحضور وسماع شهادته شريطة عدم نشر اسمه خوفاً على سلامة عائلته في سوريا.

سلام، 27 عاماً، قال إنه درس علوم الأغذية بجامعة حلب وكان يأمل أن يجد عملا في مصنع أغذية بعد التخرج. وعندما بدأت الانتفاضة قبل نحو عامين، انضم إلى صفوف الثوار. وقال إنه أوقف العام الماضي بخمس تهم هي: التظاهر بدون ترخيص، وتشويه سمعة الدولة، وإضعاف الوحدة الوطنية السورية، والانتماء إلى منظمة محظورة، ونشر الأكاذيب. وقد اعتقل مدة شهر. وخلال الاستنطاق، يروي سلام أن نقيباً قام بضرب ساقيه بواسطة خرطوم مياه بلاستيكي وصعق ذراعيه بالكهرباء، كما ركله ولكمه في محاولة لينتزع منه معلومات حول محتجين آخرين. وقال سلام إنه سُئل حول حوادث كان قد أخبر بها عمه فقط. ولاحقاً اتصل أحد أفراد العائلة بوالد سلام وحصل منه على وعد بعدم قتل العم الذي بلَّغ عنه الشرطة على ما يبدو. ويقول سلام عن عمه: «لا أستطيع قتله بيدي. ولكن إذا قام أحد آخر بذلك، فإنني سأكون سعيداً».

وقال سلام إنه أدين وعوقب من قبل قاض متعاطف بشهر واحد، وهي المدة التي كان قد قضاها في السجن. وفي الأخير عاد إلى الكلية ونجح في الامتحان، وفي اليوم التالي توجه إلى تركيا. ثم طلب أمهان من سلام توقيع ورقة عليها ادعاءاته، وقال إنه سيطلب من المحامين إصدار مذكرة توقيف في حق النقيب. وقال أمهان معلقاً: «إذا حالفنا الحظ في القبض عليه، فأنا واثق أننا سنوقفه». ثم سكت أمهان قليلا قبل أن يتابع، ليس كمحام ملتزم بمنع أعمال القتل الانتقامية، ولكن كرجل سمع عشرات القصص المروعة المماثلة، ويكنُّ رغبة في الانتقام: «جزء مني يأمل أن يقوم الجيش السوري الحر بإعدامه على الفور»، مضيفاً: «لأن الأشخاص مثله يستحقون الموت 100 مرة!».

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

=================

مبادرة الأسد.. مهلة لمزيد من الطغيان

2013-01-07 12:00 AM

الوطن السعودية

مبادرة الرئيس السوري بشار الأسد - كما يسميها - والتي طرحها أمس لحل الأزمة، ما هي إلا محاولة جديدة لمنح نظامه مزيدا من الوقت لممارسة أعمال القتل والتنكيل ضد المطالبين بالحرية. تغاضى الأسد في أول ظهور له منذ سبعة أشهر، عن مطالب شعبه والمجتمع الدولي بالرحيل للسماح بانتقال سلمي للسلطة، وهو ما أكدته المملكة على لسان وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل أول من أمس.

اعترف الأسد في خطابه بأن "المعاناة تعم أرض سورية ولا تبقي مكانا للفرح في أي زاوية من زوايا الوطن، فالأمن والأمان غابا عن شوارع البلاد وأزقتها"، دون أن يغمض له جفن كونه "المسؤول عن القتلى والعنف والقمع الذي تغرق فيه سورية"، كما قال وزير الخارجية البريطاني وليام هيج، الذي أشار إلى أن "وعود (الأسد) الباطلة لا تخدع أحدا".

ما إن انتهى الخطاب، الذي استمر أكثر من ساعة، حتى تداعت ردود الفعل مستنكرة ومنددة بإصرار الأسد على الاستمرار في الحكم، كما أكد لقناة "روسيا اليوم" في نوفمير الماضي بأنه لن يرحل وسيموت في سورية. الخطاب، نسخة مكررة لوعوده بالسعي لحل سلمي، فيما يمنح جنوده الضوء الأخضر لمزيد من قتل وسحل معارضيه.

لقد حقق الخطاب توافقا عالميا ليس مع المبادرة التي تستبعد تنحيه، إنما حول المناداة بضرورة الرحيل. فقد شددت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاترين أشتون على رحيل الأسد، وأيدها رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، مع تأكيد وزير خارجية تركيا بأن الأسد "كرر وعودا جوفاء ولم تعد له سلطة تمثيل الشعب السوري، وكلماته فقدت القدرة على الإقناع". المعارضة بدورها كان موقفها أكثر صلابة بالتأكيد على أن السوريين "لم يقدموا كل تلك التضحيات من أجل أن يعيدوا الاستقرار لنظام الطاغية"، لذا يجب على المجتمع الدولي، وخاصة مجلس الأمن، أن يكثف جهوده من أجل دعم المعارضة المسلحة لكي تستطيع أن تواجه عنف النظام، الذي يفرط في استخدام القوة ضد كل من ينادي بالحرية. اليوم نترقب مزيدا من التنسيق بين القوى المحبة للسلام لكي تنعم سورية بالأمن والاستقرار.

=================

«الجيش الحر» بين الريفية والتمديُن

يوسف فخر الدين *

الإثنين ٧ يناير ٢٠١٣

الحياة

نشأ «الجيش الحر» من أزمة التطور التي وضع النظام الثورة السلمية فيها، إذ دفع جل الاحتجاجات من المدينة إلى الأرياف، وبالتالي من المجتمع المدني إلى المجتمع الأهلي، فأضعف دور المدينة القيادي الضعيف أصلاً، وأجبر الأرياف والأحياء الطرفية في المدن على الدفاع عن نفسها في مواجهة وحشيته. وقد أشار إلى معضلة الانتقال من المجتمع المدني إلى المجتمع الأهلي المثقف والسياسي ميشيل كيلو، لكن حدة الصراع أذهبت صوته في وادٍ، ودفعت معظم الناشطين في أغلب الحالات إلى تمجيد الثورة أينما حلت ومن دون اكتراث بالتغيرات التي جرت على القوى القائدة فيها، بل وظهرت ميول صبيانية احتفالية بالريفية. وقد خرج عن هذا السياق قلة من مثقفي الثورة الذين حاولوا، أحياناً، التحرر من ضغط المسؤولية الأخلاقية تجاه المجتمع الذي يعاني من التدمير الممنهج بغية نقد ردود فعله وتعبيراته السياسية.

لم تظهر مشكلات انتقال الثورة إلى الريف وكبت فاعلية المدينة قبل نشوء الجيش الحر مثلما ظهرت بعده، بما هو نشوء لسلطة بديلة من مقاومة الأهالي لعنف النظام بدأت بالكثير من العفوية وغلب عليها التشتت إلى أن ظهرت الجماعات الإسلامية التي أخذت تستقطب الحالة العسكرية وتنظمها على شاكلتها. وقد وجد الخطاب الإسلامي بيئة مناسبة له في الريف والأحياء الهامشية المطوقة للمدن الكبيرة، لسهولة فهم تفسيراته لدموية النظام في مواجهة متظاهرين سلميين يطالبون برفع قانون الطوارئ وإطلاق الحريات مما لا يمكن عده لديهم تهديداً وجودياً للنظام الحاكم. ومن تلاقي الإسلام السياسي بتنوعاته مع الحراك الأهلي ولدت معضلة من معضلات الوضع السوري الراهن، فالأول وهب الثاني عقيدة قتالية وتفسيراً يمكن استخدامهما لمواجهة النظام، ولكنهما يساعدان السلطة الحاكمة على ضمان وحدة قاعدتها الاجتماعية، والثاني قدم جمهور مقاتلين قليلي الانضباط يحملون، إضافة إلى الحقد على النظام، غضباً مكبوتاً من المدينة زاد بما اعتبروه صمتها أمام نكبات بيئتهم.

لم يكن تعامل الإسلام السياسي واحداً مع نمو الجيش الحر، فقد حاول بعض أطرافه توحيده تحت قيادة موحدة، وضبطه بهيئات شرعية، وهو ما حقق بعض النجاح المخترق باستنكاف كتائب وأحياناً ألوية. ولكنه أيضاً أضاف عقدة جديدة إلى جيش ريفي حينما أضاف نواظم ما قبل مدنية، تعتمد على تشريع يعتنقه بعض السكان دون غيرهم، ما يحد من قدرته على التحول جيشاً وطنياً لكل السوريين. في الوقت الذي جهد فيه الأكثر راديكالية من الإسلاميين للتفلت من التوحد تهيئاً لفترة ما بعد سقوط النظام، والانتقال لبناء دولة إسلامية كما يأملون. وبكل الحالات، كان دور الإسلام المديني الشامي هزيلاً نتيجة انقسامه بين السلطة والمعارضة، ولأن جمهورهم غير ميال للانخراط في الصراع المسلح على عكس جمهور الريف. أما العلمانيون، فيما عدا تداخلات حزب الشعب المضعَفة بتداخلات المال السياسي الإسلامي، فلا يمكن ملاحظة أثر لهم في تطورات الجيش الحر، غالباً لقلة وجودهم في الريف نتيجة القهر الطويل الذي تعرضوا له وتغييبهم القسري حينما كان التدين الاجتماعي يلقى الرعاية من قبل النظام. بغض النظر عن الادعاءات السياسية، ولدت الثورة السورية من الإفقار والإذلال واستحالة الإصلاح، ونمت ردود فعل على العنف المنفلت من كل القيود والمنتمي إلى القرون الوسطى، حين كان للسيد الحق المطلق على عبيده، ويجد التدخل في تصرفه فيهم تعد على سيادة دولته. وفي ظل معادلة الفعل ورد الفعل وقدرة النظام على تحييد المدينة وثقافتها ومطالبها، ولدت مقاومة كانت كلما تطورت استقلت عن العادات والتقاليد وشبكة العلاقات الأهلية التي شكلت طوال عقود ضمانة لمراعاة ضرورات وحدة المجتمع السوري باتجاه دور أكبر لقوى الإسلام السياسي وأيديولوجياتها، ما جعل دور التنظيمات السياسية هذه، وهي ككل تنظيم حديث من طبيعتها تحرير الفرد من سطوة المجتمع، عاملاً سلبياً حين حرمته من ضوابط شبكة العلاقات الأهلية وتقاليدها ووعيها الوسطي، ونقلته إلى هوية راديكالية تنظر بعداء للهويات الأخرى، وبأحسن الأحوال بريبة، ودوماً بشكل منفصل. إن تحميل النظام المسؤولية الأساسية عن هذا التحول، إن لتغييبه المدينة أو لاستنفاره العصبية الطائفية للأقليات عموماً والعلويين خصوصاً، صحيح تماماً ولكنه مع تقدم الجيش الحر على الأرض لم يعد كافياً، لأنه ينتقل من موقع رد الفعل إلى الفعل، وللأفعال مسؤوليتها التي لا يجوز التهرب من مواجهتها من موقع المسؤولية الأخلاقية والسياسية في آن معاً.

كثيرة هي العناصر التي يمكن التعويل عليها لإجراء تغييرات على واقع الجيش الحر، ومعظمها تشترط إدراكاً لهول النتائج المحتملة من ترك الجيش الحر للإسلام السياسي ليصيغه على هواه. ومن البديهي أن الإسلاميين السوريين، نتيجة عجزهم السابق عن القيام بحركة إصلاح ديني، عاجزون حتى اللحظة عن صياغة عقيدة وطنية ملائمة للجيش الحر، وهي ما يفترض أن تشارك فيه القوى العلمانية، فحزب الشعب وحده وبقواه الذاتية، ومن دون تشكل جبهة سياسية مع أطراف علمانية أخرى، لن يكون بمستطاعه القيام بالتغيرات المطلوبة. يحتاج الأمر من قوى وأحزاب علمانية، ما زالت مترددة، الاقتناع أن سقوط النظام حتمي، وليس من مصلحة سورية تقاعسهم عن الدخول في عملية بناء الوعي الوطني للثورة بالإجمال وللجيش الحر على وجه الخصوص. ولن يفيد أحد الشماتة التي يمارسها البعض من نتائج الصراع المسلح، بادعاء أنهم لطالما حذروا من مغبة استخدام العنف. ولا يقل خطأً عن الركون إلى هذه الحالة من الطهرية الزائفة، إذ لطالما جيرت لمصلحة سردية السلطة الحاكمة، التهربُ من المسؤولية من قبل من دافع عن خيار المقاومة العسكرية عبر صرخات موسمية؛ كونها تظهر بشكل جلي غير متناسقة مع ما عهده الناس منهم من أطروحات، وكونها لا يمكن أن تحوي حلاً لمعضلة الاستمرار في الثورة وتصويب ما يعتريها من عيوب في آن. يحتاج الأمر جرأة النخب المدنية، والأحزاب العلمانية المنتمية لها وللأقليات، الجرأة في النزول إلى الشارع واستعادة دورها، فمهما بدت التضحيات كبيرة إلا أنها لا تقارن بتلك التي ستدفعها سورية في حال بقيت التركيبة الحالية هي الخيار الوحيد للانتصار في الثورة.

ويدلل على هذه الضرورة تأمل مشكلات الجيش الحر التي أصبحت أكثر وضوحاً حين انتقل للتمدد، فدخل مناطق جديدة لا ينتمي عناصره إليها، ولا يشكلون جزءاً من نسيجها الاجتماعي، فأضيف لتحررهم سابق الذكر من شبكة العلاقات الأهلية غياب أي علاقات أهلية بينهم وبينها لضمان حد أدنى من الانضباط من قبله؛ وفي بعض الحالات سنجد أن الهيئات الشرعية، التي أضحت ضابطه الوحيد المتبقي، عامل غربة إضافي بين الكثير من السكان وبينه. ويمكن استخلاص نتائج أولية من مراقبة التطورات تفيد بأنه لا يمكن التوقع من الإسلام السياسي بوضعه الراهن في سورية فهم أهمية القوانين الوضعية - بل إنه غالباً معادٍ لها - ولا فهم أولوية استيحاء البناء الحديث للجيوش ومنه الشرطة العسكرية؛ وأن الحجة التي لطالما كررها للتغطية على تشوهات نتائج عمله لم تعد مقنعة، فنحن نتحدث عن جيش حر أصبح يسيطر على مساحات شاسعة وحده، وبالتالي من غير المفيد الحديث عن صعوبة البناء تحت ضغط عنف النظام.

=================

المستحيل في سورية مستحيل في العراق؟

جورج سمعان

الإثنين ٧ يناير ٢٠١٣

الحياة

بعد ظهور عزة ابراهيم الدوري، نائب الرئيس صدام حسين، مجدداً في الساحة، لم يبق أمام رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي سوى انتظار «زرقاوي» جديد ليعيد بعث «تنظيم دولة العراق الإسلامية». أو انتظار إعلان توحيد صفوف الجهاديين في كل من العراق وسورية. هكذا يكتمل الطوق حول زعيم «دولة القانون» الذي «برع» في استنهاض كل خصومه دفعة واحدة، في الداخل والخارج: تركيا التي يتهمه رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان بأن حكومته «تتصرف كحكومة شيعية طائفية»، داعياً إلى حكومة «ديموقراطية عادلة». دول الخليج التي لم تهضم إلى اليوم هذا التحول الذي طرأ على «شرعية» السلطة والحكم في بغداد لا تروقها مواقفه حيال الطائفة السنية، وانضواءه تحت عباءة إيران، وخطوطه المفتوحة مع النظام في دمشق. ومصر «الإخوان» التي ترى إلى دورها اليوم راعياً لأهل السنة في العالم العربي بالطبع ستجد نفسها إلى جانب أهل الأنبار وبقية المحافظات المتضامنة معها.

أما في الداخل فالمالكي يعرف أن صراعه مع كردستان مفتوح، وإن تدخلت واشنطن وطهران لكبح انفلات الوضع موقتاً. كما أن الرئيس جلال طالباني القابع في المستشفى قد لا يكون قادراً على تشكيل صمام أمان بينه وبين رئيس الإقليم الكردي مسعود بارزاني، ثم بينه وبين القوى السنية التي لم يكتف بنفي أحد رموزها نائب الرئيس طارق الهاشمي حتى فتح معركة مع أحد أبرز أقطابها وزير المال رافع العيساوي. والأخطر من كل ذلك أن يغيب عن بال زعيم «دولة القانون» ما لم يغب عن بال شركائه - خصومه في الوقت عينه - في الإئتلاف الشيعي الحاكم، وهو أن ما يجري في سورية سيجد له صدى عميقاً في العراق. لذلك بادر هؤلاء الشركاء وعلى رأسهم مقتدى الصدر وعمار الحكيم إلى التضامن مع أهل الأنبار ومطالبهم، خشية أن تتمدد الثورة السورية إلى المحافظات العراقية تحت شعار «الظلم» اللاحق بأهل السنة. مثـــلما بــادرت قيـــادات سنـــية إلى حـــمل لواء التحرك لمنع انزلاقه إلى ما كان علـــيه الوضع منتصف العقد الماضي فيعلو صوت «القاعدة» والمتطرفين ويسقط العراق في حرب مذهبية جديدة.

يستطيع المالكي الذي تجاوز أزمات داخلية في السابق ولم يلتفت إلى اعتراض شركائه قبل خصومه أن يستند هذه المرة أيضاً إلى تشتت معارضيه في الداخل. فلا القوى السنية يجمعها صوت واحد وإن تلاقت على مطالب واحدة أبرزها إعادة التوازن في مؤسسات الدولة، خصوصاً العسكرية والأمنية والقضائية. وفي حساباته أيضاً تعذر قيام تحالف حقيقي بين السنة العرب والكرد قادر على تهديد الحكم في بغداد. إذ ثمة قناعة في صفوف الكرد بأن التحالف مع الشيعة ضمان لأمن كردستان واستقرارها. أي أن ضعف الحكومة المركزية وحاجة الإئتلاف الشيعي إلى التفاهم مع كردستان كفيلان بعدم تكرار المآسي التي عانى منها الإقليم على مر السنين في ظل حكومات مركزية قوية وطاغية. كما أن الصراع على الحكم في بغداد سيعزز فكرة الفيديراليات الطائفية في العراق... ليس على طريق تعزيز وحدة البلاد وإنما تمهيداً لاستقلال هذه الأقاليم. ولا حاجة إلى التذكير بمطالبة محافظات سنية وشيعية بتعميم نموذج كردستان.

لم يكن على ائتلاف «دولة القانون» أن يفاجأ برفع المتظاهرين أعلاماً لـ «الجيش السوري الحر» وشعارات معادية لإيران. كان عليه بدل التهويل والتهديد، أن يستمع إلى القوى الشيعية الأخرى وحرصها على عدم المجازفة بربط تحرك محافظات الأنبار والموصل وصلاح الدين ونينوى بالثورة السورية. وعليه ألا يتوقع هذه المرة أن تمارس طهران ضغوطاً على هذه القوى كما فعلت حين أرغمتها على قبول اختيار المالكي لرئاسة الوزارة بعد انتخابات 2010. فالجمهورية الإسلامية تساورها مخاوف من اندلاع «ربيع عراقي» ترفده الثورة السورية ويرفدها. فتزيد متاعبها ومتاعب بغداد. خصوصاً أن قطع الطرق الدولية في المحافظات السنية يؤدي إلى خنق نظام الرئيس بشار الأسد. ويضاعف متاعب التواصل الميداني لطهران بكل من بغداد وبيروت.

استعجلت حكومة «دولة القانون» تطبيق سياسة «التمكين»، بالاستحواذ على المواقع والمناصب، على مفاصل القوة العسكرية والمالية. من دون أن تلتفت إلى تدهور الخدمات وانفلات الأمن واستشراء الفساد. ومن دون أن تعير اهتماماً لطوق العداء العربي المحيط عندما أمعنت في سياسة الاقصاء والعزل لقيادات سنية، تارة بذريعة تطبيق قانون مكافحة الإرهاب، وطوراً تنفيذاً لقانون «المساءلة والعدالة» (اجتثاث البعث). بل لعلها بالغت في الاطمئنان عندما أخمدت بداية تحركات وتظاهرات في بغداد استلهمت رياح «الربيع العربي» الذي هب من تونس ومصر وليبيا. لكن المشهد العراقي اختلف اليوم تماماً، بعد وصول العاصفة إلى قلب دمشق.

لعل أولى مهمات حكومة المالكي اليوم أن تعيد النظر في سياستها في ضوء ما يجري على حدودها الغربية، من أجل التخفيف من الآثار السلبية على استقرار العراق ووحدته. لم يعد مضموناً انصياع السنة وسكوتهم على التغييرات التي تشهدها مفاصل الحكم ومؤسساته في بغداد. إن احتمالات التغيير في سورية ستدفع أبناء المحافظات المعترضة اليوم إلى رفع صوت الاعتراض والتحرك في وجه ما يعتبرونه «استئثاراً شيعياً». وسيكون مثل هذا التطور زيتاً لتسعير الصراع المذهبي المكبوت اليوم في الإقليم كله. تماماً كما هي حال أهل السنة في لبنان الذين سيجدون في سقوط دمشق مثلاً دافعاً للتحرك من أجل استعادة ما يعدونه «استئثاراً لحزب الله» بمفاصل الحكم والدولة في بيروت.

ما لم تستعجل حكومة المالكي لملمة الوضع في العراق سيستحيل عليها فك الارتباط بين ما يحدث في المحافظات السنية وما يجري في سورية حيث لا يبدو في الأفق أمل بحل سياسي. فالتحركات الديبلوماسية من أجل التوافق في مجلس الأمن على مثل هذا الحل يرجح ألا تثمر. فالمسألة ليست رهناً بتفاهم روسي – أميركي فحسب. هناك لاعبون آخرون في المنطقة، من إيران إلى تركيا إلى دول عربية ناشطة. ولا يمكن تمرير تسوية أو صفقة من دون إشراك هؤلاء اللاعبين. ما يعني أن إنضاج الحل سيتطلب وقتاً.

كما أن لا شيء يضمن انصياع طرفي الصراع في سورية ورضـــــوخهما للضغوط. فالنظام الذي يزج بكل قواه في أرض المعركة وقد لا يتورع عن استخدام الأسلحة المحرمة دولياً لا يزال مقتنعاً بقدرته على حسم المعارك لمصلحته، أو على الأقل يؤمن بقدرته على الصمود ما دامت المؤسسة العسكرية أو قواتها المقاتلة تلتف حوله، وما دام تلويحه بإشعـــال المنطقة يجد صداه في دول الجوار. وهو لا يزال يؤمن بإمكان تمرير الحل الذي بعث به إلى موسكو. وجاء الخطاب الأخير للأسد ليقفل الباب أمام أي حل قد تسعى إليه موسكو قبل غيرها.

ومثله المعارضة لا تجد أي مصلحة في تسوية بعد سنتين من التضحيات، إذا كانت تشعر بأنها تقترب من تحقيق نصر مدو في العاصمة يقصم ظهر النظام. إضافة إلى أن القوى الأساسية التي تبسط سيطرتها في شمال سورية مجموعات متشددة وضعتها الولايات المتحدة على لائحة الإرهاب، فلماذا ستعتبر نفسها معنية بأي تسوية؟ حتى ائتلاف المعارضة التي سعت واشنطن إلى تكوينه اعترض على تصنيف «جماعة النصرة» جماعة إرهابية بالمقياس الأميركي، ولم يجد مناصاً من الدفاع عنها وعما تقوم به على الأرض... رغم رفضها قيام الإئتلاف نفسه.

هل يحتمل العراق أن يعيش على وقع الأزمة السورية ويربط مستقبله بمصير جاره، كما هي حال لبنان؟ كان العراق وسورية جزءاً أساسياً من النظام العربي. كانا الجبهة الشرقية أو البوابة الشرقية لهذا النظام. فهل ينساق العراق المهدد بوحدته نحو مزيد من الفوضى في ظل التجاذب أو الصراع المذهبي والعرقي، في انتظار أن يؤدي التقاعس الدولي عن حل أزمة سورية إلى تفتيت هذا البلد ودفعه نحو خيار التقسيم وجر جيرانه إلى هذا الخيار، أو إلى صفقة تعيد رسم نظام جديد بأيدي الكبار في الإقليم وخارجه... خارج إرادة أهل الشام؟ هل الحل السياسي الغائب أو المستحيل في سورية مستحيل أيضاً في العراق؟ هل تعجز المكونات العراقية التي خبرت قساوة الحرب الأهلية وقبلها بطش الديكتاتورية عاجزة عن إيجاد تسوية تفك ارتباطها بالحرب السورية وأطرافها الداخليين والخارجيين، أم أنها تكتفي بتبادل الاتهامات على طريقة اللبنانيين فتتقدم معهم وبكامل وعيها نحو السقوط في الجحيم السوري؟

=================

الأسد في الأوبرا!

طارق الحميد

الشرق الاوسط

7-1-2013

على مدى قرابة ساعة كاملة تحدث بشار الأسد في دار الأوبرا السورية بدمشق، فقدم خطابا نشازا مليئا بالغرور والغطرسة، وأظهر أنه رجل مفصول عن الواقع، ولا يمكن توقع الوصول معه إلى تسوية، أو اتفاق، حتى وإن كان الأسد نفسه بات مقتنعا بأن الأمور في سوريا لا تسير لمصلحته.

خطاب الأسد كان خطاب غرور، وردا مباشرا على الروس، وغيرهم، بأن لا تسوية، وأنه لو كان هناك من تسوية فإن الأسد هو من يضع بنودها، وشروطها، ويشرف عليها، فالأسد كمن قال للروس: اذهبوا للجحيم، وإن كان الأسد نفسه مدركا، وحسب ما قال في خطابه، أن الأوضاع في سوريا لم تعد تسير وفق مصلحته، خصوصا عندما قال: «نلتقي اليوم والمعاناة تعم أرض سوريا، ولا تبقي مكانا للفرح في أي زاوية من زوايا الوطن؛ فالأمن والأمان غابا عن شوارع البلاد وأزقتها». وهذا هو الكلام الصحيح الوحيد في خطابه، لكن ذلك لا يعني أنه سيتعلم من تجارب غيره، بل إن ذلك يعني أن الأسد سيقوم بمزيد من الجرائم. فما طرحه الأسد من مبادرة ليس إلا لعبة واضحة، وهو ما تنبه له كل من وزيري خارجية بريطانيا وتركيا، وكذلك الاتحاد الأوروبي، الذين سارعوا إلى مطالبته بالتنحي ووصف خطابه بالرياء، وهو كذلك وأكثر.

الأسد كان يحاول إقناع من تبقى من أنصاره بأن ما يحدث في سوريا هو عمل إرهابيين، وإسلاميين يريدون العودة بسوريا إلى القرون الوسطى، والحقيقة أن كل من زار سوريا في السنوات الأخيرة يعي ويعلم أن سوريا تحت ظل الأب والابن تعيش في قرون التخلف، وأبعد ما تكون عن دولة مدنية متحضرة، بل هي دولة بوليسية متخلفة قائمة على تأمين حكم الأسد لا أكثر ولا أقل. ولذا فإن كل ما طرحه الأسد ليس إلا لعبة جديدة قديمة من ألعابه التي استخدمها في لبنان والعراق، وسوريا نفسها طوال فترة حكمه، وطوال الثورة السورية.

ما قاله الأسد يظهر أن لا أمل في الوصول لاتفاق سلمي معه، وهو غير قادر أساسا على استيعاب خطورة ما يدور حوله، فالأسد في خطابه الأخير كان مثل القذافي، لكن دون خفة ظل، ومع غرور واضح، ومحاولة مستميتة للتذاكي على الجميع، بمن فيهم من دعموه مثل روسيا، التي لا شك أن الأسد قد أحرجها في خطابه الأخير.

اليوم، وبعد خطاب الأسد، فإنه لا مناص من العودة إلى طرح ضرورة التدخل الخارجي، وبطرق مختلفة، أبسطها التحرك الآن لدعم الثوار بالسلاح النوعي، وتحديدا الأسلحة القادرة على تعطيل طائرات طاغية دمشق، فمن شأن ذلك أن يعجِّل باقتراب نهاية الأسد، خصوصا أن الثوار يحاصرونه من كل مكان، لكن تبقى الطائرات الحربية هي العامل الفارق، ودعم الثوار بالأسلحة النوعية من شأنه أن يمكنهم من فرض سيطرتهم على المطارات العسكرية، وتطهير سماء سوريا من طائرات الطاغية.

خطاب الأسد في الأوبرا كان نشازا، لكنه بمثابة رسالة للمجتمع الدولي أنه آن الأوان للتدخل في سوريا الآن، فلا أمل في الوصول إلى حل سلمي مع هذا الطاغية بأي حال من الأحوال.

=================

مقترح سوري للخروج من مأزق الحرب الأهلية

ديفيد اغناتيوس

الشرق الاوسط

7-1-2013

سعيا نحو خلع الرئيس بشار الأسد، وضعت إحدى جماعات المعارضة خطة لنظام عدالة انتقالي يتم بموجبه فرض عقوبات شديدة قاسية على الأفراد المتشبثين بمواقفهم من دائرة الأسد المقربة، ومنح عفو لأكثر أنصار الطائفة العلوية. الهدف من ذلك هو تقديم إطار قانوني يطمئن العلويين بأن هذا ليس صراعا حتى الموت، وأن لهم مكانا في حقبة ما بعد الأسد. من شأن هذه الخطة أن تشجع سيادة القانون في المناطق التي تم تحريرها من قبضة الأسد للحيلولة دون ظهور أمراء الحروب وارتكاب الأعمال الانتقامية.

تبدو خطة الانتقال القانوني هذه بالنسبة لي أفضل فكرة قدمها الثوار السوريون حتى هذه اللحظة، لأنها لا تعالج فقط وحشية نظام الأسد، بل أيضا الخطر الحقيقي المتمثل في انزلاق سوريا نحو مستنقع من الفوضى والفشل، في ظل استمرار الحرب وتعمق الكراهية. وتدعم الحكومتان الأميركية والبريطانية الأفكار المتعلقة بالمساءلة والمصالحة بوجه عام، لكنهما لم تدعما أي صيغة محددة خاصة بسوريا.

وأعدت مجموعة الدعم السورية، التي تدعم العناصر المعتدلة داخل الجيش السوري الحر، الخطة بمساعدة محامين دوليين. وتم عرض المقترح على قادة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، الذي ينضوي تحت لوائه الثوار المعارضون للأسد. ويأمل مؤيدو الخطة أن تحظى بدعم المجتمع الدولي خلال الاجتماع المقبل لمجموعة أصدقاء سوريا المزمع عقده في إيطاليا.

تشبه هذه الفكرة عملية «الحقيقة والمصالحة» التي ساعدت في حل صراعات مريرة في جنوب أفريقيا ورواندا وشمال آيرلندا.

وجاء في مذكرة قانونية أعدتها شركة «ماكيو أند بارتنرز» التي توجد في لندن وتقدم استشارات لمجموعة الدعم السورية: «إن هذا يرسل إشارة إيجابية قوية إلى الشعب السوري بأن نصر الثوار حتمي» وأن النظام الجديد «سوف يرسي العدل» ويعوض الضحايا ويتعاطف مع الجميع.

سوف تبدأ العملية الانتقالية بتحديد 100 شخصية من داخل النظام يمكن أن يعجل انشقاقها بسقوط الأسد. قد يُعرض على بعض هؤلاء الداعمين للأسد عفو جزئي في حال موافقتهم على التعاون. وكلما كان انشقاقهم أسرع، زادت الفوائد والامتيازات التي يمكن أن يحصلوا عليها خلال فترة حكم النظام الجديد في المستقبل. وفي إطار مرحلة الانتقال السياسي، سيتم تأسيس صندوق للتعويضات من أجل مساعدة ضحايا الحرب. وسيُعرض على العلويين، الذين ليسوا ضمن الدائرة المقربة من الأسد، «خروج آمن»، على نحو ما جاء في المذكرة السالف ذكرها، التي تحتوي على الخطوط الرئيسية للخطة. وأوضحت المذكرة: «التقارير الاستخباراتية توضح أن الكثير من العلويين يساندون الأسد من أجل بقائهم، لأنهم يسيئون فهم خطط (المعارضة) المتعلقة بنظام العدالة الانتقالي في حقبة ما بعد الأسد. ويشعر الكثيرون بأنهم سيُعدمون جماعيا، ويساعد ذلك الأسد على تسليح طائفة بأكملها في معركة حياة أو موت في دمشق، مما قد يعرّض دمشق لدمار شامل وخسارة أرواح كثيرة».

وحذرت مذكرة مجموعة الدعم السورية من أنه إذا لم يتم التعامل بشكل مباشر مع مخاوف العلويين من البقاء في المجتمع، لن تحل القضية بمجرد مغادرة الأسد السلطة، بل سيشكل هذا خطرا كبيرا على استقرار سوريا في السنوات المقبلة.

لتنفيذ الخطة، ستعمل المعارضة على جمع فريق من الخبراء القانونيين السوريين. ومن بين الأسماء المحتمل اقتراحها سهير الأتاسي الناشطة البارزة في مجال حقوق الإنسان، ونائب رئيس ائتلاف المعارضة، وهيثم المالح القاضي السابق والمعارض العتيد، وأنور البني محامي حقوق الإنسان الذي دافع عن المتظاهرين الأكراد، فضلا عن قادة في المجموعات القانونية بـ«سوريا الحرة» في تركيا والأردن.

سيكون لدى المحامين السوريين، من خلال استخدام وسائل قانونية عصرية لتتبع الأصول واسترداد الأموال، العصا والجزرة، من أجل تغيير النظام. يمكن للشخص المتعقَّب إنقاذ كرامته وماء وجهه (وربما ثروته) من خلال الانفصال عن الأسد والحصول على عفو جزئي، في حين أنه يمكن أن يخسر كل ذلك إذا ظل متعلقا ومتشبثا بالديكتاتور. وسوف تشبه المحاكمات، التي سيتم من خلالها الحكم على الموالين للنظام، الأنظمة القانونية التقليدية السورية.

ومثل كل شيء يؤثر على سوريا، ينفد الوقت المتبقي على انهيار الدولة وغرقها في بحر من الفوضى. وفي ظل سيطرة الثوار على مناطق، مثل ضواحي حلب الشمالية، يتولى بعض قادة الكتائب تطبيق القانون بأنفسهم. ويتصرف بعض عناصر الجيش السوري الحر مثل الشبيحة الذين كانوا يقاتلونهم، بحسب أحد المصادر السورية. وحذر مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، الأخضر الإبراهيمي، الأسبوع الماضي، قائلا إن سوريا «ستتحول إلى جحيم» إذا لم يتم التوصل إلى تسوية سياسية.

ما تحتاج إليه سوريا فورا هو طريق نحو نظام جديد يقوم على سيادة القانون. وتعد الخطة، التي أعدتها مجموعة الدعم السورية، أفضل خارطة طريق رأيتها حتى هذه اللحظة، وينبغي على المجتمع الدولي تبنيها سريعا.

* خدمة «واشنطن بوست»

=================

التطلع إلى ما بعد الأسد

فولكر بيرثيس

الشرق الاوسط

7-1-2013

بعد عامين تقريبا من الحرب الأهلية، لم يعد هناك إلا خياران أمام سوريا، واحد سياسي والآخر عسكري، حيث أصبح كلا الجانبين يعتمد على القوة، فما زال ناشطو المعارضة الذين يحاولون الحفاظ على الطابع السلمي في الأصل لثورتهم موجودين، غير أن الثوار المسلحين قد بدأوا يسيطرون على مجريات الأمور. وقد تم مبكرا تهميش من يرغبون من داخل النظام في إشراك المعارضة في شكل ما من أشكال الحوار، حينما اختار بشار الأسد القوة في الرد على الاحتجاجات. وفي النهاية، لا بد أن تكون هناك عملية سياسية، إلا أن الأوضاع التي سوف تتم فيها تلك العملية الآن تتوقف في المقام الأول على التطورات العسكرية على الأرض، كما تتوقف بدرجة ما على إشارات وتحركات الأطراف الدولية الفاعلة.

لكن إذا كان كلا الجانبين حاليا يستخدم الوسائل العسكرية من أجل بلوغ غايات سياسية، فهنا تختلف الغايات. فبالنسبة للمعارضة، يعتبر النضال المسلح وسيلة لدعم الثورة التي كانت في البداية مدنية، وهي تعتبر أن السكان المدنيين - حتى في الأراضي الواقعة تحت سيطرة النظام - هم القاعدة التي تنطلق منها، حيث تهدف إلى خلع النظام عن طريق اكتساب أرضية عسكرية وسياسية. والكثير من المسؤولين الحكوميين يدركون أن النظام لا يمكنه الانتصار عسكريا، وقد ذكر نائب الرئيس فاروق الشرع الكثير جدا من هذا في حوار أجري معه مؤخرا، غير أن الخسائر في الأراضي والانتكاسات السياسية لم تجعل قلب النظام المتمركز حول بشار الأسد وشقيقه ماهر أكثر ميلا إلى التفاوض، فاقتسام السلطة ببساطة ليس واردا في قاموس البعثيين.

والأسد كذلك لا يبدو على استعداد للتفاوض من أجل تأمين خروج آمن لنفسه من سوريا بأكثر مما كان عليه قبل عام مضى، فاستراتيجيته السياسية تتلخص في البقاء، لكنها لم تعد تدور حول سوريا بأكملها، إذ يرى الأسد أن بإمكانه التركيز على الاحتفاظ ببضع مناطق استراتيجية - هي دمشق والجبال الساحلية، التي يسكنها في الأساس أبناء الأقلية العلوية التي ينتمي إليها، وميناء طرطوس، والأراضي الواصلة بين كل هذه المناطق - مع إنزال عقاب صارم بالأراضي التي وقعت في قبضة الثوار.

ومن الناحية العسكرية، فإن الأسد يعتمد الآن بصورة شبه كاملة على الموالين له من طائفته العلوية التي تهيمن على الرتب الكبيرة بالجيش، فكتائب النخبة التي يغلب عليها العلويون والقوات الجوية ما زالت كما هي إلى حد كبير، وتدعمها على الأرض الميليشيات التي تم تجنيدها على وجه العجلة - والتي يطلق عليها اسم الشبيحة - وهي المسؤولة عن معظم الفظائع التي ارتكبت ضد المدنيين. ومع تصاعد وتيرة العنف والوحشية تحولت الحرب أكثر فأكثر إلى نزاع طائفي، حيث ازدادت بين الأكثرية السنية كثافة الدعاية التي تصور العلويين على أنهم العدو، كما أقدمت بعض جماعات المتطرفين على استهداف العلويين. ونتيجة لهذا، يتأهب الكثير من العلويين الآن للقتال إلى جانب الأسد، ليس عن اقتناع، بل خوفا من أنه إذا سقط فسوف يتم ذبحهم هم وعائلاتهم. ومن دون تطمينات بشأن مستقبلهم، فإن كتائب النخبة والقوات الجوية وأجهزة الاستخبارات والشبيحة سوف يواصلون القتال ببساطة لضمان الحفاظ على أرواح ذويهم، وربما يكون ذلك في إقليم علوي يقام وسط الجبال الساحلية.

والنظام بالتأكيد هو من يستحق اللوم على تمزيق النسيج الاجتماعي السوري، إلا أن هذا لا يساعد على إصلاح ما فسد، وكلما تقدمت المعارضة زادت مسؤوليتها عن إنقاذ الدولة وإعادة بنائها. وقد اتخذت المعارضة خطوة مهمة بتشكيل «الائتلاف الوطني لقوات المعارضة والثورة السورية»، وأصبحت لديها الآن قيادة تتمتع بالمصداقية واتصالات أفضل مع لجان التنسيق المحلية وغيرها من الجماعات المدنية داخل سوريا، كما حققت تقدما نحو توحيد القوات المتنوعة للجيش السوري الحر والجماعات المسلحة الأخرى تحت قيادة عسكرية واحدة.

ولكن بالتوازي مع النضال العسكري، فإن المعارضة عليها أن تقدم نفسها كبديل ذي مصداقية للنظام، ومن بين ما يحتاج إليه الائتلاف أن يبدأ في تقديم الخدمات في المناطق المحررة، خاصة عن طريق توزيع مساعدات الإغاثة على الأهالي واللاجئين. وفي الوقت ذاته، فإن الجيش السوري الحر لا بد أن ينأى بنفسه عن قوات المتطرفين، فزعماء المعارضة يقدرون بالطبع القدرة القتالية التي تتمتع بها هذه الجماعات، لكن من الناحية السياسية، فإن المعارضة لا تستطيع الانتصار بقوات من شأن تصرفاتها ودعايتها أن تعمق مخاوف أولئك السوريين الذين يعارضون النظام لكنهم يخشون من أن يؤدي سقوطه إلى المزيد من القمع وإراقة الدماء.

وبفضل تاريخهم الشخصي، فإن زعماء الائتلاف من أمثال أحمد معاذ الخطيب ورياض سيف وسهير الأتاسي مؤهلون لتقديم رؤية للتعايش إلى من ظلوا حتى الآن متمسكين بالنظام، خاصة العلويين. وقد كان تعيين علوي سفيرا في باريس إشارة جيدة، لكنها ليست كافية، لطمأنة الجالية العلوية بأنها سيكون لها مكان في سوريا ما بعد الأسد.

والأطراف الدولية الفاعلة لها تأثير حقيقي في سوريا، بل وحتى داخل صفوف المعارضة، والوسيلة الأولى لتقوية أولئك الذين يريدون بناء دولة سورية ديمقراطية وشاملة للجميع بعد رحيل الأسد هي توحيد ذلك الفيض القادم من الأموال والدعم المادي، وكلما زادت قدرة الائتلاف والجيش السوري الحر على دفع رواتب جنودهما وتدبير المعدات اللازمة، فإن الميليشيات والجماعات الأخرى سوف تمتثل لقيادتهما، مما قد يزيد من السيطرة المدنية على المكون العسكري للثورة، كما يضعف من الجماعات المتطرفة ويعزز من فرص قيام عملية انتقال سياسي.

* مدير المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية ببرلين

=================

بشار يخاطب عصابته الدولية

حمد الماجد

الشرق الاوسط

7-1-2013

الإيجابية الوحيدة في خطاب الرئيس بشار الأسد أمس (الأحد) أنه تحاشى هذه المرة «تريقاته» البليدة، ولم يوزع على الحضور بعض التعليقات الساخرة السامجة كعادته في الخطابات التي ألقاها مع اندلاع الثورة إثباتا للثقة في النفس، فاليوم مختلف لأن «اليوم خمر وغدا أمر»، فالثوار يحيطون بدمشق إحاطة السوار بالمعصم، والمطارات صارت في مرمى الثوار السوريين، وثورتهم في تنام مطرد وحكمه في انحدار واضح.

بشار يدرك قبل غيره أن نظامه الديكتاتوري حوى في كينونته كل أسباب السقوط من دموية ووحشية واغتيالات وتعذيب وطائفية وفساد ونهب لثروات البلاد، هذا قبل اندلاع الثورة، وأما بعدها فالثورة الشعبية الشجاعة أضافت لسيرته الذاتية القبيحة أكثر من ستين ألف شهيد وملايين المهجرين ودمارا هائلا في البلدات السورية، بالحسبة الرياضية البحتة يستحيل أن ينجو من الانهيار، فأي أمل يمكن أن يتشبث به بشار كي يبقى رئيسا طبيعيا لسوريا؟!

لا مجال لتفسير تشبثه بمواقفه على الرغم من المعطيات على الأرض والتي تعمل ضده وضد نظام حكمه، إلا أنه يقامر على احتمالين؛ أحدهما إمكانية ضئيلة جدا على بقاء حكمه، والثاني دمار البلاد. دعونا نتكلم بكل شفافية. الرئيس بشار ولأسباب طائفية قذرة لا يهمه فعلا أن تهوي سوريا إلى الجحيم، هو أشبه بالمحتل الأجنبي الذي يقاوم ثوارا وطنيين ويقاتلهم بكل أنواع الأسلحة التدميرية، فهو كاسب في كل الأحوال، إما أن يدمر الثورة الشعبية، وإما أنه سيدمر بلادا لا تعنيه ولا تهمه ولا يكترث لها كثيرا.. «يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه» هو وطائفته، هذا الديكتاتور لو حكم إيران محتلا لرأف بها وبشعبها وبمقدراتها. بشار وإن نطق بالعربية فسوريا لا يراها إلا كما يراها أبوه مكملة لحلقات الهلال الصفوي، فإما أن تستمر سوريا كذلك وإما أن يسلمها لأهلها خرابا يبابا.. بل لا أبالغ إذا قلت إن بشار لا يملك قرار نفسه، فقفل النظام السوري من النوع الذي له عدة مفاتيح.. مفتاح عند رموز الطائفة العلوية المقربين منه، ومفتاح عند أركان حكمه المنتفعين بوجوده، ومفتاح في طهران، ومفتاح في بكين، ومفتاح في موسكو، وميدالية المفتاح في كاراكاس الفنزويلية. بشار باختصار مثل رئيس العصابة الذي مهما حاول أن يتغير أو يتخذ خطوات تراجعية، فإن أول من يقضي عليه أفراد عصابته لأنه حامل أسرارهم وشريكهم في جرائم القتل والتعذيب والتهريب والاغتصاب، وهذا أحد تفسيرات إصراره على موقفه على الرغم من أن أرض حكمه قد انتقصت من أطرافها.

زعيم العصابة بشار قال إن الربيع العربي فقاعات صابونية وسوف تختفي، والحقيقة أن نظامه أكبر فقاعة، والدليل على فقاعية نظامه تراخي قبضته على البلاد، حيث وصل الثوار إلى الحلقة المقربة منه في عملية «الخلية الأمنية» الشهيرة، وتقدم الثوار في كل ناحية وسيطرتهم على عدد من المنافذ الحدودية للبلاد، حتى إن سهولة تهريب السلاح وصلت إلى حد الحصول على أسلحة متطورة مكنتهم من إسقاط طائراته، وهو النظام الذي يكاد يحقق مع نحلة عبرت حدوده من بلد مجاور، ولهذا قام وخطب ولم يقدم جديدا، لأن الأهم في خطابه أنه طمأن بقية أفراد عصابته في طهران وموسكو وبكين وبغداد والجنوب اللبناني بأنه سائر على «ميثاق شرف العصابة» حتى النهاية.

=======================

زهير سالم لـ "النهار" : خطاب الاسد يثبت انه خارج التاريخ

7 كانون الثاني 2013 الساعة 10:02

القيادي في "الاخوان المسلمين السوريين" زهير سالم لـ"النهار":

خطاب الأسد يثبت انه خارج التاريخ.. و"العالم الحر" مسؤول عن وجود تطرف في سوريا

النهار-

رأى القيادي في جماعة الاخوان المسلمين السوريين زهير سالم أن خطاب الرئيس السوري بشار الاسد يثبت مرة جديدة انه "ما زال يعيش خارج التاريخ والوقائع" مضيفاً في حديث الى "النهار" من لندن ان الاسد "ارسل الكثير من الرسائل السلبية التي تؤكد على عزلته والتي عبرت عنها ردود الفعل الغربية على خطابه، كما ان الاسد لم يتوان عن اهانة الابرهيمي بقوله لا نريد ان يأتي الينا من يعلمنا ماذا يجب ان نفعل". وقال سالم ان الاسد يريد الاطاحة بأي مبادرة لحل سياسي لا يضمن بقاءه في الحكم معرباُ عن تمسك المعارضة السورية بالحل السياسي الذي ينطلق من "استبعاد الاسد ومجموعته الامنية والعسكرية عن السلطة".

واعتبر سالم ان اطلالة الاسد وسط حشود من قلب العاصمة السورية لا يمكنها ان تؤثر على معنويات المعارضة "فدار الاوبرا التي اختار الظهور فيها تقع في منطقة شديدة التحصين في دمشق وبعيدة عن الاضطرابات، واتتنا الاخبار من دمشق منذ الصباح حول اقفال الطرقات وقطع الاتصالات، كما ان الاخراج المسرحي من اطلالة الاسد الى ديكور المسرح والحضور المتنوع في صفوف الجمهور، هو عمل مخابراتي بامتياز". ورأى سالم ان "تقديم الاسد مبادرة سياسية على مراحل تدل في تركيبة الذهنية البعثية على ضعف وقرب انهيار" مشيراً الى ان "لهجة الأسد المتعالية تذكر بخطابات القذافي وتبشر بأن خطاب اليوم هو آخر خطاباته".

وحول تركيز الأسد على فكرة مقاتلة جيشه لإرهابيين بالتزامن مع ما ينشر في الصحافة الغربية عن تمدد "جبهة النصرة" التابعة لتنظيم القاعدة في الشمال السوري، علّق سالم بأن "بشار كوالده لا يتوقف عن تقديم نفسه للغرب كمحارب للاصوليين" قائلا ان "هناك لوبي إعلامي عالمي يدعم مشروع الاسد في هذا السياق عبر التركيز على ممارسات شاذة يقوم بها افراد متطرفون وتضخيمها لتشويه سمعة المعارضة". وحمّل القيادي الاخواني "العالم الحر الذي تلكأ في دعم ثورة السوريين المدنية السلمية منذ اندلاعها مسؤولية تحويلها الى ثورة مسلحة استقطبت لاحقا مقاتلين لدعمها من الخارج وشهدت تجاوزات من قبل افراد لا يمثلون المجموعة الثائرة".

ونفى سالم ان يكون للإخوان المسلمين "تنظيم عضوي مسلح" داخل سوريا و"ان كان السواد الاعظم من اعضاء "لواء التوحيد" ينتمون الى الفكرة الاخوانية الوسطية". واذ انتقد التسرع الغربي في وصف بعض من يأتون من الخارج للقتال مع السوريين المعارضين بالارهابيين مشيرا الى وجود افراد منضبطين في جبهة النصرة، خلص سالم الى ان "سوريا لن تكون بيئة حاضنة للفكرة الاسلامية المتطرفة وما ان يسقط بشار على الجميع ان يلقي السلاح".

=====================

حزب الله وسورية : خطوات تراجع تكتيكية، يجب مقابلتها بحكمة !

وليد جداع()

الحركة الدستورية السورية 5/1/2013

لا تخطئ العين الطريقة المختلفة جدا والمتباينة عما سبقها من  خطابات وآراء ومواقف، في خطاب السيد حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله اللبناني، في مقاربته الأخيرة للشأن السوري، التي باشرها في خطابه بأربعينية الإمام الحسين رضي الله عنه، يوم 3/1/2013.  وبعيدا عن الغوص في النوايا أو التحليلات الجاهزة دوما ، والمعتمدة على رؤى شبه متسقة عن الدوافع المذهبية والتاريخية ، لمواقف الحزب، وهو ما لا سبيل إلى تفاديه بالكلية، فإن الخطاب يحمل توجها واضحا، يميل نحو تراجعات تكتيكية ، بل شبه استراتيجية ،تجاه موقف حزب الله من الوضع في سورية، من خلال موضوع النازحين السوريين إلى لبنان ، والذين يقترب عددهم من مئتي ألف نسمة أو أكثر . وهو أمر لا ينبغي التهوين من تداعياته في بلد صغير مضطرب على الدوام، متنوع جدا في طوائفه ومذاهبه وفئاته.

لا بد من التوقف أولا حول الموقف من احتمالات التقسيم في سورية، وفي أكثر من قطر عربي وإسلامي، في هذا الخطاب، والوقوف الحاسم ضدهذه الاحتمالات! فالوقوف ضد التقسيم في سورية اليوم، وهو ما تتطرق إليه أبحاث سياسية ومخابراتية باستمرار، يتعلق دون شك بموضوع خطير هوإنشاء (دولة علوية) على الساحل السوري، إضافة إلى موضوع أقل إثارة منه ، هو موضوع دولة كردية على الحدود الشمالية الشرقية لسورية. ونريد أن نقول هنا دون (تعفف ) مزعوم عن مقاربة هذه المسألة ، إن هذه الدولة ضمن أخطار التقسيم المحدقة، هي ما عناه السيد حسن نصر الله بشكل مباشر. فهو يعرف مسألة (الدولة العلوية) جيدا، وهو يدرك مدى قابلية إنجازها أوحقيقة فوائدها (للعلويين) ، ربما أكثر من الذين قد يفكرون في هذه الدولة المزعومة.

ومن الطبيعي جدا أن يقف حزب الله ضد أي مشروع للتقسيم في أدبياته المعلنة، ولا سيما في خطاب لرئيس حزب لبناني إسلامي كبير. لكن اللافت هو تكريس وقت لهذه الفكرة في سياق غير مناسب، وكأن هناك تعمدا لذكر هذا الموضوع والكلام بشأنه ، لمقاربته والتحدث عن موقف تجاهه! إن الموقف الذي اتخذه السيد نصر الله في مناهضة التقسيم، يسهل تفسيره على -سبيل المكايدة- بالقول: إن السيطرة على سورية من خلال عائلة الأسد، أفضل لحزب الله والاستراتيجية الإيرانية الحليفة ، من دولة صغيرة منبوذة ومزدراة  على الساحل السوري . لكن التفسير الأجدى والأفضل هو من خلال اعتبار هذا الخيار مقتلة لحزب الله أيضا. فوجود دولة علوية في شمال غربي سورية، قد يدفع أيضا باتجاه تقسيمات لا تنتهي، وهو يعني ربما دولة شيعية في الجنوب اللبناني، الأمر الذي يعني تحجيما وتمزيقا وتضييقا على حزب الله وجعل الشيعة اللبنانيين دولة هزيلة منبوذة من محيطها العربي والإسلامي كذلك...لذا نحن لا نعتقد أبدا أن حزب الله يرغب في كيانات طائفية صغيرة ، على شكل دول صغيرة وكانتونات،فهذا ليس من مصلحته الاستراتيجية !

والأمر اللافت أيضا تلك اللهجة الحيادية الهادئة نسبيا في الاقتراب من الملف السوري. إنه ليس هناك انفعال ولا تهييج ولا وقوف بالمطلق مع آل الأسد في دمشق، كما في الأدبيات والخطابات السابقة. إنه ليس هناك حديث عن (سورية الأسد) وسورية (الممانعة) وسورية (المقاومة)..بل حديث لافت جدا عن خطورة الاستمرار في القتال والصراع المسلحين، وأن هذه المعركة إن استمرت فيها الخيارات العسكرية، فستكون معركة طويلة ودامية ومدمرة. وأن هناك أفقا للحل السياسي، والتسويات السياسية، ينبغي الدخول بها وعدم تضييع الفرص بشأنها. وبطبيعة الحال فإن القتال في سورية يجري بين طرفين معروفين، والدعوة إلى تسوية سياسية بين هذين الطرفين يعني اعترافا قويا مباشرا بالقوى السورية المعارضة، وهذا يختلف استراتيجيا مع الموقف النمطي السابق لحزب الله والذي كان يرى في المعارضة السورية، ولا سيما المقاتلة منها، مؤامرة غربية صهيونية ...ضد سورية والمقاومة، وكان يرى في الأسد مرجعية واحدة وكيانا لا يمس...لقد تضاءل الأسد وانكمش وانهار حتى في نظر حزب الله ، ويبدو من مؤشرات عدة، أن الأسد شخصيا لم يعد أكثر أهمية لحزب الله من سورية كلها، كبلد وشعب له تطلعاته المشروعة في الحرية والكرامة والسيادة. إن السيد حسن نصر الله في هذا الخطاب قد يكون وضع لبنة أساسية في تحول مرغوب به دون شك من المسألة السورية، باتجاه أكثر حكمة وواقعية، ينظر إلى سورية كبلد جار وكبير ومهم، وله تأثيراته البالغة في لبنان، مما يقتضي موقفا ينظر إلى المستقبل بحكمة وأناة.

ولا شك أن موقف حزب الله من مسألة النازحين ،وقد كان هو المدخل إلى خطاب السيد حسن نصر الله عن سورية وأزمتها، موقف جدير بالاهتمام والمتابعة، وينبغي أن نسارع بالتنويه به دون مواربة، ودون التشكيك به. إنه حري بنا أن  نتعامل معه بإيجابية وجدية، وأن نلتقاط ما فيه من مؤشرات. إن اعتبار مسألة النازحين مسألة إنسانية أخلاقية بالدرجة الأولى ،والطلب من اللبنانيين أن يجنبوا هذا المسألة تجاذباتهم السياسية ، وأن يحتضن الشعب اللبناني وحكومته وهيئاته النازحين السوريين، وأن يقدموا لهم الدعم اللازم . وإن الدعوة إلى عدم إغلاق الحدود اللبنانية في وجه النازحين السوريين، واعتبار ذلك خطأ كبيرا أخلاقيا وسياسيا لا يمكن اقترافه..هذا الموقف بمجمله موقف لافت ينبغي عدم التهوين من شأنه ،ولاسيما أنه يختلف تماما مع موقف التيار العوني المعادي والعنصري الفاضح ضد النازحين، مع أن التيار العوني حليف قوي الآن لحزب الله.

في خطاب السيد حسن نصر الله إشارات واضحة، وإشارات أقل وضوحا ، ومواقف قابلة للتطوير، ورؤى قد نتفق معه بشأنها ، مع عدم نسيان الدعم السابق المطلق للآل الأسد ونظامهم الدموي. لكن المعارضة السورية والشعب السوري بحاجة إلى تحييد كل خصم، وحيازة تأييد كل محايد، وتطوير دعم كل صديق! ومن المفيد أن نذكر (السياسيين) السوريين المعارضين، بمن فيهم بعض الذين يتدربون الآن على العمل السياسي والمعارضة ! أن المواقف المبدأية للأحزاب والجماعات والدول والهيئات، ليست ثابتة بالمطلق مهما كانت (طهورية) ونزيهة . فالواقع السياسي والعسكري والإقليمي والدولي يفرض متطلباته واحتياجاته، وأن المصالح المتغيرة إحدى ثوابت العمل السياسي. يكفي كمثال هنا أن نذكر أن حزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة السيد وليد جنبلاط، والمرحوم رفيق الحراري زعيم تيار المستقبل ، شكلوا فيما مضى تحالف سياسيا قويا في لبنان، قد يكون متناقضا جدا مع صورة هذه الكيانات السياسية اليوم.

لا نريد أبدا إحداث موجة من التفاؤل بحديث السيد حسن نصر الله، إنما نريد أن نقول: إن الحكمة تقتضي تفحص هذا الحديث جيدا، والذهاب إلى أبعد من ذلك ، بالتأكد من رصيده الواقعي، ومدى تطبيقه على الواقع اللبناني. وعندما تكون هناك ملامح تغير مهما كان صغيرا، فإن من الضرورة المبادرة إلى فتح أكثر من خط مع حزب الله ، في الأقل لمحاولة تطوير هذا الموقف ليكون أكثر عدلا وواقعية وحكمة ، مما يحدث على الساحة السورية.

وينبغي أن لا نخجل من القول: إن حزب الله ، هو أقوى الأحزاب اللبنانية اليوم لأكثر من سبب، بحيث لا بد من أخذه بعين الاعتبار. وإن هذا الحزب له خبراته السياسية المتراكمة ، مما يجعل خبرة المعارضة السياسية السورية موازنة به غير ذات ثقل. وإن لهذا الحزب من الامتدادات الإقليمية والدولية، ما يقتضي عدم الاستهانة بها. وبشكل خاص، فإن تحولا في خطاب زعيم هذا الحزب على هذا النحو اللافت، يحتاج لوقفة متأنية فاحصة، ومبادرات سياسية فعالة تدفع إلى تطوير هذا التحول ليكون الحزب أقرب للمعارضة السورية وللشعب السوري.

في 4/7/2011، بعيد الانتفاضة السورية العظيمة بأشهر، كتبنا إلى قيادات سورية فاعلة ، مطالعة عن هذه الانتفاضة في مصائرها ومآلاتها، وكان مما جاء فيها:

*الحكم في سورية مرتبط استراتيجيا بإيران وحزب الله وقوى فاعلة في العراق. وسواء كان حزب الله يدعم سورية أو أن سورية هي من يمسك بخناق حزب الله لتوسطها بين إيران والعراق والحزب، فإن احتمالات الدعم المتبادل تصل إلى أقصى حد متخيل! ويدخل في ذلك بوضوح: الدعم المالي المباشر. الدعم العسكري المباشر.الدعم المخابراتي . الدعم السياسي في الإقليم وعلى الصعيد الدولي....هذا الربط الاستراتيجي، لا يعني أنه ليس عرضة للتفكيك! إنه سيظل يعمل ما دام الأمر مفيدا لكل طرف! إن احتمالات تخلي حزب الله عن العصبة الحاكمة أقل من احتمال تخلي إيران عنه، ولكن الاحتمالين واردان(انظر تصريحات رفسنجاني عن سورية).

لذا فإن من الضروري جدا الذهاب بعيدا في التفاوض مع إيران أولا ثم مع حزب الله ثانيا ، منذ الآن، لفك ارتباطهما مع النظام في دمشق. سيكون التفاوض سياسيا قطعا، وليس تفاوضا مذهبيا..لسورية مصالح مع إيران مثل أي دولة إقليمية مهمة. في الوقت نفسه لبنان وسورية توأمان مصالحهما مشتركة ومصائرهما مشتركة وعلى الدولتين أن تتآلفا، كما الشعبان متآلفان، مع وجود منغصات هنا وهناك.

إن الذهاب إلى طهران والضاحية الجنوبية من بيروت، مهم بقدر الذهاب إلى موسكو!

ينبغي أن يقال لإيران وحزب الله بكل وضوح: التفكير بمحور شيعي يمتد من إيران عبر العراق ثم سورية إلى لبنان خطأ استراتيجي أقله لأن الحساسية تجاهه قوية، ولأنه يؤدي إلى استقطابات مؤذية للجميع.**

وفي المحصلة ، فإن مصلحة الشعب السوري ينبغي أن تكون فوق كل اعتبار. والقيادات السياسية والعسكرية مدعوة اليوم وفي كل وقت، إلى تطوير مواقف القوى الفاعلة، لتصب في مصلحة هذا الشعب. إننا بحاجة إلى تحييد الأعداء، وزيادة الأصدقاء، وتضييق حجم المناطق الرمادية، واستشعار آثار الزمان والمتغيرات ، وأن نكون على بصيرة ، فلا تأخذ بعقولنا أحقاد أو مواقف مسبقة أو عواطف ، تجنبنا جادة الصواب.

()المشرف على الحركة الدستورية السورية

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ