ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 12/01/2013


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

10&11-01-2013

ماذا يفعل العرب لدعم التغيير في سوريا؟

رضوان السيد

الشرق الاوسط

11-1-2013

قال بشار الأسد إن الربيع العربي فقاعة قريبة الزوال. وليس من همي هنا مجادلة الأسد في تشبيهه، فسيرته مثل سيرة الحيات لا تنتهي، مثلما يقول المثل العربي. لكنْ على هذه «الفقاعة» جاء وزير الخارجية الإيراني إلى القاهرة للتفاوض! فرأي إيران الإسلامية وموقفها أن خطاب الأسد فرصة لا تفوت! وهو رأي أو سياسة لا يشاركها أحد فيها حتى روسيا والصين. بيد أن مصر مدت هذا الحبل لإيران منذ أشهر من خلال اقتراحها للرباعية المكونة من مصر وإيران وتركيا والسعودية، لتنتج مبادرة لحل الأزمة السورية. وجاء السعوديون مرة ثم اعتذروا فصارت اللجنة ثلاثية. ومنذ ذلك الحين جاء صالحي إلى مصر أربع مرات، وتحدث في الكثير والقليل إلا في الأزمة السورية.

والأدهى من ذلك أمر خطير عرفناه مؤخرا. فقد نشرت جريدة «القبس» الكويتية في 3/1/2013، وتبعتْها «التايمز» البريطانية في 8/1/2013 أن الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس، زار القاهرة في شهر ديسمبر (كانون الأول) بدعوة من «الإخوان»، وليس من الدولة المصرية. وتختلف الصحيفتان في أهداف الزيارة، فتقول إحداهما إنه جاء ليطْلع أمْنيي «الإخوان» على تجربة الحرس الثوري ودوره في حماية الثورة بإيران، لأن «الإخوان» يفكرون بإنشاء جهاز مشابه. وتقول الصحيفة الأخرى: بل إن الزيارة كانت لشرح سياسات إيران تجاه بلدان «الثورات الإسلامية» باعتبار إيران ولاية الفقيه، ينبغي أن تكون نموذجا لها!

وأيا تكن أهداف زيارة سليماني - إن صحت – فهي داهية الدواهي. فالرجل مسؤول منذ قرابة عقدين عن التنظيمات الإيرانية العسكرية وشبه العسكرية في العالم العربي، وفيلقه يقاتل الآن في سوريا والعراق واليمن ضد الثورات وحقوق الشعوب. وكان قد اشتبك في جدال في الإعلام مع الرئيس أحمدي نجاد قبل قرابة العام، وتهدد بالمحاسبة أمام مجلس الشورى، فكان من ضمن ما دافع به عن نفسه قوله إنه تابع للمرشد الأعلى، وإنه من خلال تعاونه مع التنظيمات الإسلامية في العالم العربي صنع «عشر إيرانات» هي التي ستدافع عنه عند اللزوم! وعلى هذا القياس فإن الجنرال سليماني قد يلجأ لعند «الإخوان» بمصر إذا اضطر، وليس لعند حزب الله بلبنان أو لعند المالكي بالعراق، كما ظننا سابقا، ونعوذ بالله من سوء الظن!

إن هذا الاستطراد الطويل بعض الشيء في الحديث عن بعض سيرة سليماني، سببه الحركة المحمومة، والجهود المحمومة، التي تقوم بها إيران في سائر أنحاء المشرق والخليج في السنتين الماضيتين. فقد استقر المحور الإيراني وساد في أنحاء المشرق بعد عام 2007 - 2008 على أثر التفاوض مع الإدارة العسكرية الأميركية التي بدأت التفكير بالانسحاب من العراق، في مقابل عدم التعرض الإيراني للقوات المنسحبة، وعدم التعرض لإسرائيل. وهكذا حكم الإيرانيون بسلاسة وبمفردهم بعد الشراكة مع أميركا منذ عام 2003. حكم المالكي في العراق، وتمتع بشار في سوريا التي عاد إليها السفير الأميركي ودغدغته كل من تركيا وإيران. وهجم حسن نصر الله فاستولى على السلطة في لبنان وما يزال، مستخدما القوة من جهة، والتفسيرات التأويلية للخصوصية اللبنانية التي لم تجد غير إيران والأسد لصونها!

ما تغيرت السياسات الإيرانية تجاه المشرق العربي والخليج منذ مطالع القرن الواحد والعشرين على الأقل. وهي تقوم على الاستقواء والاختراق، تارة من أجل المساومة مع أميركا، وطورا من أجل الضغط على السعودية ودول الخليج الأخرى. وفي كلتا الحالتين، استخدمت إلى جانب التنظيمات الشيعية والخلايا المسلحة وغير المسلحة، حركات المعارضة الإسلامية ضد الأنظمة القائمة. ومن ضمن ذلك تنظيم الجهاد الإسلامي وحركة حماس في فلسطين. وقد أدارت كل تلك التحركات ثلاث جهات: فيلق القدس، واستخبارات النظام السوري، وأجهزة حزب الله. وفي المدة الأخيرة، وبعد الربيع العربي سيطرت على قسم من «الجهاديين» المرتبطين بـ«القاعدة» أو غير المرتبطين. وهي تعتبر أنها ذات فضل على «الإخوان» بمصر لأنها هدأت أجواء غزة بعد أن أثارت هي الجهاديين هناك، والآتين من السودان عبر البحر الأحمر وسيناء، لكي تظهر مصر بمظهر المنتصر والضامن «لاستقلال» غزة، ولأمن إسرائيل في الوقت نفسه.

وما كان المالكي يميل لدعم نظام الأسد، لكن سليماني أرغمه على ذلك: بالسماح بإرسال متطوعين، وبالدعم المالي والبترولي، وبالسماح بنقل السلاح والعتاد للأسد في أجواء العراق وأرضه. والإيرانيون هم الذين طلبوا من نصر الله دعم الأسد عسكريا في بعض مناطق الحدود اللبنانية - السورية، وفي دمشق وعلى الحدود من جهتها، وهذا فضلا عن القطعات الإيرانية والخبرات الإيرانية مع قوات الأسد.

وعندما اشتدت الضغوط على المالكي من جهة الأكراد، ثم من جهة السنة، نصحته إيران بالتشدد بحيث تراجعت التهديدات بسحب الثقة منه في مجلس النواب، وهي ترى أنه إن صمد في وجه السنة فسوف يسكنون دونما تحقيق لمطالبهم، مهما ضؤلت. وإن لم يفعل فسيصيبه ما أصاب بشار الأسد. أما موقف مقتدى الصدر فستتمكن إيران من معالجته، كما عالجت مواقفه سابقا. وليس بعيدا أن تزيد التفجيرات ضد الشيعة في العراق، ليعودوا للالتفاف حول المالكي كما حصل قبل الانتخابات الأخيرة.

إن هناك تكتيكين جديدين/ قديمين لدى إيران تجاه العرب في المرحلة الجديدة. الأول الإصرار على الصمود في المناطق المخترقة مهما كلف ذلك من دماء وخراب. والثاني: الدفع باتجاه ظهور العنف والتوجهات المتطرفة ضمن الثورات والمتمردين في المناطق ذات الكثافة السنية، لتصوير الأكثرية السنية باعتبارها متطرفة في نظر أقليات المنطقة، وفي نظر المجتمع الدولي. وقد نجحت بشكل محدود في التكتيك الثاني كما يظهر من تردد الولايات المتحدة، وأوروبا، تجاه الثورة السورية. أما التكتيك الأول فقد انكشف تماما، لكن إيران لا تأبه وتعتبر أنه إن لم يخضع الثائرون على المالكي والأسد فلا بد من إبادتهم أو تستجيب الدول الداعمة للتفاوض معها وطبعا على انتصار المالكي وبقاء الأسد مهما تكن التكلفة والعواقب.

إن الأمل ألا يستجيب المصريون للخنزوانات الإيرانية. فالرئيس مرسي دعا أخيرا إلى محاكمة بشار الأسد بدلا من تنحيته وحسْب. ويكون علينا نحن العرب جميعا أن نعرف أن طول الأمد على الأزمة السورية هو أمل النظام وأمل إيران، لأن العنف سيبلغ إلى أقصى المدى، وسينتشر بين الثوار أيضا. وبخاصة أنه بعد العجز عن التوحد، والافتقار إلى السلاح بدأ التصنيف إلى إسلاميين وغير إسلاميين، وإلى معتدلين وإرهابيين. وقد تفاوض العرب والأتراك مع كل أحد من دون نتيجة. فلا بد من دعم الثورة والثوار، وتسريع عمليات إسقاط الأسد من طريق الحكومة المؤقتة، ومن طريق التسليح الجيد، وإذا غضبت الولايات المتحدة، فسترضى فيما بعد. وإلا فليقل لنا الأميركيون وغيرهم ما هو السبيل لإنهاء سفك الدم في سوريا؟!

وإذا كانت إيران تضغط لصون محورها من خلال استعمال السلاح والجيوش غير آبهة بحدود الدول وسيادتها واستقرارها، وحقوق الجوار، فلماذا لا يجري الضغط بالسياسة على حلفاء إيران وأتباعها رغم إرادة الناس في العراق ولبنان؟ والضغط كما هو معروف يكون بالاتجاهين: الضغط على المالكي للتراجع عن مظالمه عن طريق التسريع في إسقاط الأسد، والضغط على الأسد من طريق الضغط على أصدقائه في لبنان والعراق: فلماذا يبقى مقتدى الصدر من دون مستجيب من العالم العربي والخليج لكي يستطيع الصمود في موقفه غير الطائفي، وغير المتطرف؟ ولماذا تبقى الحكومة القائمة في لبنان وهي تشكل سندا للأسد، وخطرا على استقرار لبنان وأمنه؟!

يعاني المحور الإيراني من استنزاف شديد. لكنه يأمل من طريق القتال والصمود أن يفوز كما فاز من قبل. فلماذا لا نجد الوسائل ليس للاعتداء على إيران، بل من طريق دعم الذين يقاومون السيطرة والتشرذم الإيرانيين! والأمل كل الأمل الآن أن لا ينجح صالحي في إقناع المصريين أنه لا بأس بالإبقاء على «فقاعة» الأسد:

ومن لا يذدْ عن حوضه بسلاحه

يهدمْ ومن لا يظلم الناس يظلم

=================

دراما تراجيدية كوميدية بدار الأوبرا السورية

امير طاهري

الشرق الاوسط

11-1-2013

منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، ألقى الرئيس السوري بشار الأسد ثلاثة خطابات رئيسية، وفي كل مرة كان المكان الذي يتم اختياره للخطاب يحمل دلالة رمزية ربما تكون غير مقصودة، حيث ألقى خطابه الأول في القاعة المزخرفة التي تحتضن اجتماعات مجلس الوزراء، ويشير هذا الاختيار إلى أن الرئيس قد تعامل مع الثورة التي كانت في مهدها بمدينة درعا على أنها مشكلة إدارية كبرى يجب أن تتعامل معها الحكومة عن طريق الوسائل التقليدية، وكان الأسد يتحدث بلهجة أبوية، إن لم تكن متعالية، حيث كان ينظر إلى الثورة على أنها قضية بسيطة ومحلية، نتجت عن سوء فهم البعض لسياسات حكومته المفيدة.

وقسم الأسد القضية إلى ثلاثة أطراف، مصورا نفسه كحاكم بين المحتجين والحكومة، وأملى مجموعة من الإجراءات التي لا معنى لها، بينما كان الوزراء ينتبهون إلى كل كلمة بإخلاص شديد. وأقل ما يقال في هذا الشأن أن الأسد قد فشل في رؤية الطابع السياسي للثورة بشكل مذهل.

وفي خطابه الثاني، جاء الأسد بأعضاء البرلمان السوري ليقوموا بدور المشاهدين وألقى خطابه في البرلمان، وهو ما يعني أنه قد بدأ يفهم أن ما يحدث لم يعد مشكلة إدارية فحسب. وبعد مقتل الآلاف وتشريد واعتقال المزيد، كان واضحا أن الأسد لن يتمكن من وضع حد لما يحدث، من خلال تلك الإجراءات البيروقراطية والوعود الجوفاء.

ومع ذلك، أصر الأسد على أن ما يحدث لا يتعدى كونه تمردا من جانب أقلية صغيرة. ورغم فشل كل الجهود على مدار أشهر طويلة لسحق الثورة عن طريق القتل الجماعي والتدمير العشوائي، فإن الأسد ما زال مصرا على التشبث بتلك الطريقة الفاشلة.

وكان المعلقون يفكرون في المكان الذي سيلقي من خلاله الأسد خطابه الثالث، حيث لم تعد قاعة مجلس الوزراء تصلح لهذا الغرض بعدما لم تعد سوريا تملك حكومة بمعناها التقليدي، إذ تغير رئيس الوزراء مرتين، وانشق رئيس وزراء آخر، وحدثت تغييرات وزارية بسبب الانشقاقات أو الاغتيالات، وهو ما حول مجلس الوزراء إلى قوقعة فارغة. واليوم، إذا جاز لنا أن نقول إن هناك حكومة في سوريا فإن هذه الحكومة تتكون من بشار الأسد وزوجته وشقيقه ووالدته.

وعلاوة على ذلك، لم يعد البرلمان مناسبا لإلقاء الخطاب الرئاسي الثالث، حيث اختفى الكثير من الأعضاء والتحق آخرون بالمعارضة، في حين يبحث آخرون عن مأوى لهم في المنفى. وليس من الواضح ما إذا كان هذا البرلمان الذي فقد مصداقيته يمكنه استحضار النصاب القانوني لعقد جلسة عامة أم لا.

ولذا، كان السؤال الذي يطرح نفسه هو: أين يمكن للأسد أن يلقي خطابه الجديد؟ وقد ظل هذا السؤال يثير الكثير من التكهنات على مدار أسابيع طويلة. وبما أنه لم تتم رؤية الرئيس منذ شهر يونيو (حزيران) الماضي، كانت هناك بعض الشائعات بأنه قد فر إلى معقله العلوي أو أنه يختبئ في الجبال. ومع ذلك، كان مكان الخطاب الجديد مناسبا تماما، حيث قام الأسد بإلقاء الخطاب في دار الأوبرا السورية، التي كانت مغلقة منذ شهر مايو (أيار) الماضي بعدما شهدت آخر عرض لقائد الكورال الروسي فيكتور بابينكو. والسؤال الآن هو: هل كان الأسد يتابع ما يقوم به بابينكو في موسكو؟ هذا ليس سؤالا خياليا، لأن تحليل الأسد للوضع المزري في سوريا يحمل أصداء الدعاية الروسية، حيث ادعى أن ما يحدث في سوريا يقوم به إرهابيون ممولون ومسلحون من الغرب ودمى في يد الدول الغربية. وعلى هذا الأساس، لم يكن هناك داع للحديث مع هؤلاء المتمردين، ما دام أنه سيتحدث مع «محركيهم» في الغرب.

ويرى بعض المحللين الغربيين أن رفض الأسد للانتقال السلمي يتم بإيعاز من روسيا، وأن أي حل لهذه المأساة في يد موسكو، وأنا أختلف تماما مع هذا الطرح، لأن روسيا لم تعد تملك نفس النفوذ الذي كان يملكه الاتحاد السوفياتي.

واليوم، تعمل روسيا كقوة انتهازية، تريد أن تكون لها كلمة في شكل سوريا في المستقبل، ولكن من دون استثمار سياسي كبير. وحتى لو تخلت روسيا عن الأسد، فلن يستسلم ما لم يكن مقتنعا بأن اللعبة قد انتهت تماما بالنسبة له.

في الواقع، يعد تحليل الأسد صورة طبق الأصل من الخطأ الذي وقع فيه المحللون الغربيون، فهو يقترح الدخول في مفاوضات مع الغرب، وتحديدا مع الولايات المتحدة، لأنه يعتقد، بشكل خاطئ، أن واشنطن هي التي تتحكم في الثورة السورية.

ومع ذلك، وحتى لو طلبت واشنطن من المعارضة السورية أن تقبل الأسد بصورة ما، أشك في أن قطاعات رئيسية من المعارضة ستوافق على ذلك. وبنفس الطريقة، حتى لو طلبت موسكو من الأسد الرحيل، فمن غير المؤكد أن يقبل هو بذلك. إن الأزمة السورية لديها قوة دفع تلقائية بحيث لا تستطيع أي قوة خارجية، أو حتى مجموعة من القوى، وضع حد لها.

مصير سوريا في يد السوريين أنفسهم، رغم أنه يمكن للجهات الخارجية أن تعمل على تقصير أمد هذه الأزمة المريرة من خلال تقديم دعم للثوار بشكل يكفي لمواجهة الآلة العسكرية للأسد. ومن المفارقات الغريبة أن الأسد نفسه قد يدفع القوى الغربية لهذا الاتجاه، بسبب رفضه لمحاولات جس النبض للدخول في مفاوضات مع المعارضة.

كان الخطاب الذي ألقاه الأسد في دار الأوبرا السورية يحمل نبرة هزلية، ولكنه في حقيقة الأمر قد يؤدي إلى نتيجة مأساوية بالنسبة له.

=================

تمريرةَ الأسد الى طهران

وليد شقير

الجمعة ١١ يناير ٢٠١٣

الحياة

منذ اندلاع الأزمة السورية والحلول في شأنها تتأرجح بين النموذج اليمني والنموذج الليبي. ومنذ البداية استبعد الجميع الحلول وفق النموذج المصري والتونسي، فوحشية النظام لا تقاس بقمعية النظامين اللذين حكما في القاهرة وتونس.

لم تمض شهور قليلة حتى أخذ الاقتناع يزداد بصعوبة النموذج اليمني لأن حسابات الدول النافذة والمؤثرة في النظام السوري، وخصوصاً روسيا وإيران، مختلفة تماماً عن حسابات الدول التي كانت وراء دفع الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، أي دول الخليج العربي والغرب والولايات المتحدة الأميركية، الى القبول بتسليم السلطة لنائبه، فهذه لم يكن في حسابها إبقاء الأزمة مفتوحة على المقايضات الإقليمية والدولية، كما هي الحال بالنسبة الى موسكو وطهران في ما يتعلق بسورية، فهما تبحثان عن الثمن المسبق لتنحي الرئيس السوري بشار الأسد، ولا تقبلان بالثمن اللاحق، وهو ما أقحم الدولتين بالتورط المباشر والعملي والعسكري في أرض الميدان السوري، دفاعاً عن النظام كي لا يمر سقوطه من دون مقابل.

بقي النموذج اليمني أملاً عند المجتمع الدولي نظراً الى تعذر النموذج الليبي، ليس بسبب الفيتو الروسي – الصيني في مجلس الأمن فقط، بل بفعل الإحجام الغربي عن خوض مغامرة تدخل عسكري قد تقود الى مواجهة مع إيران، فالرغبة في إسقاط النظام السوري بالنسبة الى هذه الدول هي البديل عن المواجهة العسكرية مع الطموحات الإيرانية الإقليمية لأنه يقطع الطريق عليها في شكل تلقائي.

وحده الرئيس بشار الأسد ظل يذكّر بالنموذج الليبي، عبر خطبه، وما كان «جرذاناً» و «حشرات» و «صراصير» عند معمر القذافي، بات «جراثيم» و «جواسيس» و «تكفيريين» عند الأسد. كلاهما استخدم فزاعة «القاعدة» والإرهاب منذ البداية.

بل إن الأسد تفوق على نفسه بالانفصال عن واقع ما يجري على الأرض السورية، وعلى القذافي الذي استهزأ بالثوار فسأل: «من أنتم؟» فالأسد توقع سلفاً في خطابه الذي عرض خلاله مبادرة حل على 3 مراحل، أن يرفضه المعارضون ولم يكلف نفسه عناء انتظار نتيجة مناورته ليترك لهم الرفض. وهو تفوق على نفسه بأسلوب الإنكار الذي يطبع سياسته إزاء الأزمة منذ بدايتها، فكرر في مبادرته الأحد الماضي اقتراحات كان ادعى أنه أنجزها، في ظهوره الخطابي أو التلفزيوني (6 مرات) ومواقفه السابقة على مدى 22 شهراً، من تنظيم مؤتمر الحوار (برئاسة نائبه فاروق الشرع)، الى تعديل الدستور (الذي أجري استفتاء مسرحي عليه) والعفو العام وتشكيل حكومة تضم المعارضة والقوانين الجديدة للأحزاب والانتخاب... كلها خطوات يعيد الالتزام بها كأنها لم تحصل، معترفاً ضمناً بأن ما أخذ يمنن به الجميع لإقدامه عليه كان مجرد مسرحيات، وهو ما يعزز صدقية المعارضة التي اعتبرتها كذلك.

بل إن الأسد تفوق على الحالة «القذافية» في مواجهة معارضيه من زنقة الى زنقة، لأن القذافي لم يستخدم براميل المتفجرات في قصف المدنيين وتدمير المدن والبلدات، ولأنه يستخدم كمية من الأسلحة وقوة النيران في قصف المدنيين، من دون أن يكون في مواجهة مع «الناتو» ولا من يحزنون، كما حصل في ليبيا.

أسقط الأسد في خطابه الأخير ما تبقى من أوهام عند بعض الوسطاء ومنهم الممثل الخاص العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي وقادة دول كانوا ما زالوا يعتقدون بإمكان اعتماد النموذج اليمني أو ما يشبهه، وقدم ما سماه أفكاراً هي أقل مما تضمنته النقاط الست في ما سمي الخطة الإيرانية للخروج من الأزمة – ما أفسح المجال أمام الأخيرة لأن تقول «تعالوا لنناقش معكم خطتنا» فيتحرك وزير خارجيتها علي أكبر صالحي لهذا الغرض. فالأفكار الإيرانية تتضمن دوراً للأمم المتحدة في الإشراف على وقف العنف والعمليات العسكرية، بموازاة خطة الإبراهيمي للمرحلة الانتقالية والتي تشمل إصدار قرار في مجلس الأمن لإرسال قوات حفظ سلام تضمن الأمن والانتقال بينما الأسد رفض كل «ما يخرج على السيادة السورية».

لم يكن خطاب الأسد سوى تمريرة الى طهران كي تتيح لها عبارة «تحت إشراف الأمم المتحدة»، الواردة في خطتها تجديد محاولتها ربط أي حل في سورية بالتسليم بنفوذها في المنطقة ككل، بما فيها العراق ولبنان، وليس صدفة أن يكون مطروحاً في كل من دمشق وبغداد وبيروت نوع من المرحلة الانتقالية التي يقاومها الدور الإيراني في كل من العواصم الثلاث على طريقته. وإذا كان الانتقال في سورية قد رُسم في اجتماع جنيف في 30 حزيران (يونيو) العام الماضي، بغياب إيران، فإن الأخيرة لا تريده بالتأكيد سابقة ترسم الانتقال في دول أخرى من دون أخذ دورها في الحسبان. سيمر وقت قبل استنفاد المحاولة الإيرانية لينتقل البحث الى «النموذج السوري» للحل في سورية.

=================

سياسة ملتبسة من الإدارة الأميركية الجديدة نحو دمشق وطهران

راغدة درغام

الجمعة ١١ يناير ٢٠١٣

الحياة

كل المؤشرات تدل على أن استراتيجية إدارة أوباما الثانية ستعتمد سياسة خارجية ذات شقين، باطني وظاهري، يسيران معاً وبموازاة لإرضاء واحتواء تناقضات جذرية لدى الرأي العام الأميركي. فالشعب الأميركي، بمعظمه، لا يريد التورط في حروب الآخرين وليس مستعداً لدفع فاتورة التدخل العسكري بالمال أو بالقوات الأميركية. إلا أن الشعب الأميركي يريد في الوقت ذاته ألاّ يأتي الإرهاب أو التطرف الإسلامي إلى عقر داره، ويريد أيضاً أن تبقى الولايات المتحدة مستفردة بمكانة الدولة العظمى من دون غيرها. هذه التناقضات ستترجمها الإدارة الثانية للرئيس باراك أوباما باستراتيجية الصلابة والبطش والفوقية العسكرية والتدخل الباطني في عمليات سرية تقودها وكالة الاستخبارات المركزية ودوائر خاصة في البيت الأبيض سوية مع وزارات تعنى بالأمن الوطني وكذلك وزارة المالية. وبموازاة ذلك، تعتمد الوزارات التي تصنع السياسة الخارجية تقليدياً، أي وزارة الخارجية ووزارة الدفاع، سياسة ظاهرية ترفض التدخل العسكري المباشر الواسع النطاق وتنخرط في ديبلوماسية إيجاد المخرج. من ناحية، تبدو هذه الاستراتيجية منطقية لأنها تلبي ما يريده الأميركيون ولأنها تجمع بين الصلابة والليونة. لكن خطورة هذه الإستراتيجية ومطباتها لا يمكن تجاهلها، بالذات عند تطبيقها في منطقة الشرق الأوسط. فهي، كمثال، تشجّع أهل السلطة في دول المنطقة على تبني سياسات قوامها العلاقات الاستخبارية والشراكة العسكرية السرية مع الولايات المتحدة، بدلاً من اعتماد الشفافية في هذه المرحلة الانتقالية التي تطالب الشعوب فيها ألا تُحتَكْر السلطة. هذه الشراكة بين الإدارة الأميركية والحكومات المعنية ستعيد علاقة الشعوب في الشرق الأوسط مع الولايات المتحدة إلى خانة الشكوك والثقة الضائعة، وستؤدي أيضاً إلى حشد العداء ضد الولايات المتحدة، ليس فقط في صفوف التطرف وإنما أيضاً بين صفوف الاعتدال. إضافة إلى ذلك، إن أسلوب الإرضاء والمخارج الذي سيميز السياسة الخارجية الظاهرة لن يؤدي إلى حلول حقيقية وإنما سيضلل الأنظمة التي تقمع الشعوب ويؤجج نزعتها العسكرية اعتقاداً منها أن الولايات المتحدة قررت أن تكون العلاقة الأمنية السرية معها الأساس، وهذا مفتاح لها للبقاء في السلطة بكل عنجهية. إدارة أوباما الثانية يجب ألا تسقط في فخ ليبراليتها العلنية ومحافظتها السرية. إنها مُطالبة بعدم التطرف في شقي استراتيجيتها، الباطن منه والظاهر.

الثلاثي الأساسي الذي نعرف أن الرئيس أوباما يريده في المفاصل الرئيسة التقليدية للسياسة الخارجية هو: جون كيري للخارجية، تشاك هايغل للدفاع وجون برينن للاستخبارات. الأول والثاني سيكونان ركني الليونة والحوار وسياسة المخرج، أقلّه انطلاقاً من خلفية كل منهما وليس بالضرورة باستمرارية مماثلة في المناصب الجديدة. ثالثهما يفترض أن يبقى في «معدنه» – رجلاً عازماً على مكافحة الإرهاب كيفما كان وأين ما كان مهما احتج دعاة القانون وحقوق الإنسان.

عنوان السياسة الجديدة، كما يوحي اختيار الرئيس أوباما هذا الفريق، هو أن الجيوش الأميركية لن تدخل حروباً مكلفة ولن تخوض حروباً مباشرة. عوضاً عن ذلك سيتم تعزيز ما يسمى بـ «عمليات خاصة» سرية ليست جديدة أبداً على المؤسسة العسكرية والمدنية الأميركية، لا في عملياتها المباشرة ولا عبر الآخرين، لكنها ستحتل موقعاً مركزياً أقوى وأوسع في عهد إدارة أوباما الثانية.

أي أن الاغتيالات السرية والقتل السري – مباشرة أو عبر Remote control ستكون أمراً طبيعياً، علماً أن ذلك كان شبه ممنوع سابقاً قبل إرهاب 11/9. يعني أن استخدام الطائرات بلا طيار الذي وضعه برنامج درون drone سيتخذ موقعاً أساسياً في السياسة الخارجية. هذه الوسائل ستُستخدم في الحرب الجديدة نوعياً في عهد أوباما ضد «القاعدة» وأمثالها، بل إن شق الصلابة في سياسة أوباما سيكون مركزاً على مكافحة «العنف» أو «الإرهاب» حيثما كان. وهنا يبرز الشبه بين سياسة الرئيس أوباما وسياسة الرئيس السابق جورج دبليو بوش. ولربما هذه هي السياسة الخارجية الأميركية ذات العناوين العريضة بصرف النظر عمن يسكن في البيت الأبيض.

الذين ينصحون الرئيس السوري بشار الأسد ويقومون على حملته الدعائية قرأوا هذه السياسة بأنها خشبة الخلاص لنظام دمشق الذي دخل طرفاً في حرب أهلية وخسر صدقية قيادة البلاد. يقال له الآن إن شبكة الإنقاذ أميركية بامتياز لأن إدارة أوباما تريد شركاء قادرين على خوض هذه المعركة النوعية السرية ضد أقطاب العنف والإرهاب – «قاعدة» كان أو أخواتها. يقال له إن إمكاناته المتفوقة في أساليب البطش واستخباراته الواسعة في موضوع الجهاديين الذين مرّوا عبره من دمشق إلى العراق لإلحاق الهزيمة بالقوات الأميركية يشكلان ذخيرة قيّمة بل كنزاً يمكن له استخدامه مع الأميركيين. لذلك، قال الأسد في خطابه الأسبوع الماضي إنه يريد التعاطي مع الأسياد. لذلك، افترض أن أولوية الرئيس باراك أوباما هي حرب يمكنه خوضها بجانبه.

ترشيح كيري وهايغل وبرينن اعتبره الرئيس السوري رصاصة رحمة له. فبرينن له تاريخ في مكافحة الإرهاب مهما تتطلب ما أدى إلى اتهامه باستخدام التعذيب وسيلة للاستنطاق – الأمر الذي نفاه برينن، ودوره في استخدام الطائرات بلا طيار في برنامج تم اختباره في اليمن بصورة خاصة ما أدى بالأسد لربما إلى اعتبار نفسه الشريك الطبيعي الذي لن يكون سهلاًَ الاستغناء عنه إذا كانت سياسة أوباما حقاً سحق عناصر الإرهاب في سورية كما سبق وسحقها سلفه في العراق.

أما كيري، فهو صديق قديم للأسد اقتنع بأنه رجل إصلاح وزوجته أسماء عنوان الحداثة، وهو النقيض لأسلوب وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، نحو سورية وعائلة الأسد. لذلك، تنفس الرئيس السوري الصعداء وافترض أن كيري في وزارة الخارجية رحمةً له وإنقاذ من سياسة مطالبته بالتنحي عن السلطة. قد يُصاب بخيبة أمل في نهاية المطاف، لكن عدم الإيضاح سيعزز أوهامه وسيجعل منه رجلاً واثقاً بأنه فوق المحاسبة، وشريك الحرب على الإرهاب، ورجل أميركا التي تريد له البقاء.

هايغل لا يعني الأسد سوى من منطلق إيران إذ إن المرشح لمنصب وزير الدفاع يُعرَف عنه أنه ليس فقط معارضاً لعمل عسكري ضد إيران وإنما أيضاً أنه معارض لفرض الولايات المتحدة العقوبات الثنائية على الجمهورية الإسلامية الإيرانية – وهذا يتناقض مع سياسة باراك أوباما الجذرية نحو إيران والقائمة على الاحتواء عبر العقوبات والعزلة.

طهران ودمشق تتجاهلان عمداً شروط هايغل للتحاور والتفاهم مع إيران لأن العنوان الرئيس لمواقفه يناسبهما. فالانخراط المباشر الذي دعا إليه هايغل في كتابه «أميركا، فصلنا المقبل» له شروط أساسية إذ قال إن رفع العقوبات والاعتراف الديبلوماسي سيكونان واردين «إذا تخلت إيران عن برنامج التسلح النووي» – وهذا لن يحدث – وإذا «أنهت دعمها لجماعات إرهابية» وإذا «اعترفت بإسرائيل» وإذا «انخرطت في سياسة بناءة أكثر في العراق».

عبء الإيضاح يقع على عاتق الرئيس باراك أوباما وطاقمه الجديد مهما كان في ذهنه من توزيع أدوار بين أركان الليونة وأركان الحزم في سياساته الخارجية.

فإذا كانت رسالة أوباما إلى دمشق وطهران أنه وفريقه الجديد لن يحاسبهما لأنهما شريك لا يمكن الاستفتاء عنه في الحرب على الجهاديين داخل سورية وخارجها، ستكون هذه سياسة خارجية أميركية إما تضليلية فتسبب المزيد من القتل تحت أوهام الشراكة، أو جدية، فتشكل أساساً رهيباً للعلاقة الأميركية مع شعوب المنطقة.

والأمر لا ينطبق على سورية حصراً. فالرسالة إلى طهران لها دوّي صاعق في العراق الذي يمر في مرحلة مصيرية تهدده بالتقسيم وبحرب أهلية دموية الأفضل ألا تكون الولايات المتحدة طرفاً في صنعها بعدما صنعت ما صنعته في العراق.

نووياً، ما يجدر بإدارة أوباما الثانية أن تقر به – مهما كان ذلك لا يناسبها – هو أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تتخلى عن برامجها النووية مهما كان. كل السياسات نحو طهران، الانخراط أو الترتيب أو المخرج، يجب أن ترتكز على هذا الواقع.

حتى الانطباع بأن إدارة أوباما الثانية ليست في عجلة للسماح بتسليح المعارضة السورية أو للمواجهة الديبلوماسية مع روسيا بسبب الشأن السوري، هو انطباع بكلفة باهظة إذ إنه سيشجع على عمليات عسكرية تفتك بالمدنيين وتضاعف أعداد المشردين والجائعين في سورية.

التباطؤ ليس في المصلحة الأميركية لأنه أيضاً سيؤدي إلى تضاعف قوى الجهاديين داخل سورية وخارجها. ففترة الالتهاء بالتنصيب وبإعادة صوغ الفريق الجديد السياسةَ الخارجية الأميركية ستكون فترة دموية في سورية والعراق وستهدد الجوار في الأردن ولبنان. حذار أن تكون الرسالة الأميركية تصريحاً وإذناً وتأشيرة للقمع والبطش والحسم العسكري تحت عنوان الشراكة في مواجهة الجهاديين وأمثالهم. فهذا سيرتد على أميركا.

أميركا الجريئة والعادلة والحازمة التي يريد الرئيس أوباما أن تكون يجب أن تتخذ قناعات أركان الإدارة الثانية ذات العلاقة بفلسطين وإسرائيل أساساً لتحركها في الشرق الأوسط. هايغل وكيري تحدثا عن حل الدولتين بصفته مصلحة قومية أميركية – وكذلك أوباما. إذا كانا حقاً قادرين على الانخراط والإقناع والتوصل إلى حلول سلمية تاريخية، هنا يمكنهما أن يبدآ وليس في ساحة قد تجعل من الولايات المتحدة شريكة للطغاة وآلة القتل المستمرة.

=================

مهمة الابراهيمي انتهت وهذه هي الاسباب

رأي القدس

2013-01-10

القدس العربي

عندما تشن الصحف السورية مجتمعة، وفي التوقيت نفسه، حملة شرسة على السيد الاخضر الابراهيمي المبعوث العربي والدولي لحل الازمة السورية، وتتهمه بنزع قناع النزاهة 'وكشف وجهه الحقيقي الذي يرى الاوضاع في سورية بعين واحدة تلائم اسياده'، مثلما قالت صحيفة 'الوطن'، فهذا يعني ان السلطات السورية قررت وقف التعامل مع السيد الابراهيمي نهائيا، وان قالت وزارة الخارجية السورية في بيان لها انها ستستمر في التعاون مع مهمته.

السيد الابراهيمي فاجأ النظام السوري مثلما فاجأ المعارضة التي لم تتوقف عن مهاجمته واتهامه باطالة عمر النظام من خلال مقترحاته، عندما قال في حديث لهيئة الاذاعة البريطانية 'ان حكم عائلة الاسد الممتد لاكثر من اربعة عقود طال اكثر مما ينبغي'، وان خطاب الرئيس الاسد الذي القاه قبل بضعة ايام من دار الاوبرا 'فرصة ضائعة' وان مبادراته لانهاء العنف 'طائفية واحادية'.

من الطبيعي ان تغضب مثل هذه التصريحات القوية النظام السوري ورئيسه، وان تثير حفيظته، خاصة انها جاءت من مبعوث دولي يفترض فيه الحيادية، وعدم اظهار اي انحياز الى هذا الطرف او ذاك طالما انه ما زال يقوم بدور الوساطة ويبحث عن حلول مرضية للطرفين المتصارعين، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بالحاح هو عن الاسباب التي دفعته لاطلاق مثل هذه التصريحات القاسية وفي مثل هذا التوقيت؟

لا نعتقد ان السيد الابراهيمي وهو الدبلوماسي المخضرم لم يتوقع ان تثير تصريحاته هذه غضب النظام، الامر الذي يدفعنا الى القول انه تعمد اطلاقها ربما لايصال رسالة ما الى القيادة السياسية تقول بأن ما ورد في خطاب الرئيس الاسد لم يكن المبادرة التي جرى الاتفاق حولها اثناء زيارته الاخيرة، اي الابراهيمي، للعاصمة السورية، كخطوة تقضي على حالة الجمود الحالية، وتساعد المبعوث الدولي والعربي على اكمال مهمته.

الانطباع الذي يخرج به اي مراقب لهذه التصريحات، ومطلقها، وردود الفعل الرسمية السورية تجاهها، هو ان قطار السيد الابراهيمي وصل الى المحطة الاخيرة، وان عليه الترجل من هذه المهمة، معترفا بالفشل، تماما مثلما فعل سلفه كوفي عنان الامين العام السابق للامم المتحدة.

الاختلاف بين السيدين عنان والابراهيمي، ان الاول التزم الحيادية والنزاهة اللتين تفرضهما عليه مهمته واصولها وقواعدها، حتى اللحظة الاخيرة، ولم يكشف عن وجهة نظره الشخصية تجاه الازمة واطرافها الا بعد استقالته، اما السيد الابراهيمي فلم يصبر حتى الاعلان عن استقالته، واقدم على انتقاداته واتخاذ مواقف سياسية شرسة بالتالي، وهو مستمر في اداء مهمته.

لا نفهم كيف سيشارك السيد الابراهيمي اليوم الجمعة في اجتماع ثلاثي يعقد في جنيف بينه وبين كل من وليم بيرنز مساعد وزير الخارجية الامريكي، وميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي حول سورية، بعد تصريحاته هذه والهجمة الرسمية والاعلامية ضده.

مهمة السيد الابراهيمي انتهت في رأينا، وقد تكون نهايتها مقدمة لخطوات اخرى لها جوانب عسكرية، مباشرة او غير مباشرة، ونستند في كلامنا هذا الى ما صرح به السيد رجب طيب اردوغان رئيس وزراء تركيا يوم امس اثناء لقائه بمسؤول سنغالي، بان المهلة التي اعطاها الشعب السوري للرئيس الاسد قد انتهت.

 

=================

فزاعة 'الصَوْمَلة': دروس التاريخ الابسط.. والاعمق

صبحي حديدي

2013-01-10

القدس العربي

قبل أن يتحفنا الأخضر الإبراهيمي، المبعوث الأممي ـ العربي حول سورية، بنبوءته عن انزلاق البلد نحو 'الصوملة'؛ كاد دانييل بايبس، المعلق الأمريكي الصهيوني، أن يقسم بأغلظ الأيمان أنه يرى سورية، أسوة باليمن، تسير نحو المصير الجهنمي ذاته. وقبل هذا وذاك، كان خوزيه راموس ـ أورتا، رئيس تيمور الشرقية السابق والحائز جائزة نوبل للسلام، قد حذّر ـ من دون أن يتنبأ تماماً، والحقّ يُقال! ـ من صوملة وشيكة في سورية. وإذا كان الأوّل يواصل أشغاله ضمن آجال ضائعة، أو مستقطَعة؛ والثاني يرتعد خوفاً على أمن إسرائيل، في الجولان المحتلّ بصفة خاصة، من مآلات انتصار الانتفاضة السورية؛ فإنّ الثالث خرج باقتراح عجيب، صاعق إذ يأتي من حامل أرفع جائزة دولية للسلام: لا حلّ إلا عن طريق العسكر، على غرار ما فعلوا مع حسني مبارك في مصر، وسوهارتو في أندونيسيا، ويفعلون اليوم في مينامار.

وكان المرء يخال أنّ تعبير 'السَوْرَنة'، بعد 'اللَبْنَنة' و'العَرْقَنة'، كافٍ بذاته لإحداث القشعريرة في أوصال الرأي العام الدولي، حين يكون ذاك هو الغرض من اشتقاقات كهذه؛ لولا أنّ البعض لا يلقي بالاشتقاق على عواهنه، كيفما اتفق، فحسب؛ بل لا يدمن إلا استخدام اشتقاق اهترأ واستُهلك وأكل الدهر عليه وشرب، حصرياً وتحديداً. فما شهده لبنان من أهوال أهلية، ثمّ العراق من بعده، واليوم سورية... يكفي، بل يزيد ويطفح، لكي يصحو الضمير العالمي من سباته العميق، فيبصر بأمّ العين ما جرى ويجري، وما تكرر ويتكرر. وأمّا إذا كانت الغاية هي ترهيب أهل البلد أنفسهم، فإنّ المكتوي بالنار ليس بحاجة إلى شارح يطنب في تبيان طبائع اللظى، وليس بعد أن يكون الاكتواء قد بلغ مؤشرات قصوى في القتل والدمار والوحشية. هذا بصرف النظر عن مقدار الإهانة للصومال والصوماليين، من حيث تحويل فصول دامية من تاريخهم الحديث إلى أمثولة دائمة، تتعامى تماماً عن الواقع المعاصر.

الأرجح أنّ هذا الميل إلى تعميم 'الصوملة' إنما يضرب بجذوره في معادلة خرقاء قديمة، لا تكفّ عن تجديد مقولاتها، رغم أنها انطوت على نتائج مدمّرة بعيدة الأثر، تختصرها تلك 'الفلسفة' الأمنية والسياسية التي تسمّيها الولايات المتحدة بـ'الحملة ضدّ الإرهاب'. وتلك معادلة تدير الميزان التالي: أغلقوا هنا ثغراً (أي: حاضنة!) للتشدد الإسلامي، الذي يهيئ المناخات، ويصنع ويصنّع موضوعياً، ظواهر التطرّف والإرهاب؛ وافتحوا، هناك، ثغراً جديداً لتشدّد مماثل، أو أدهى، بهوية مختلفة وأجندات ملتهبة. ولكي نبقى في مثال الصومال، كانت الصياغة العملية للمعادلة قد اتخذت الوجهة التالية: أغلقوا ثغور ('الإرهاب'، افتراضاً) في أفغانستان، حيث الطالبان؛ وافتحوا ثغور 'إرهاب' أخرى في الصومال، حيث 'المحاكم الشرعية'.

وفي ذروة انشغال الغرب، وبعض الجوار الإقليمي، بتنصيب فزّاعة 'الصوملة'، وتصعيد عواقبها وأخطارها وشرورها، كانت ميليشيات 'المحاكم الشرعية' تحكم السيطرة على مدينة جوهر (من دون قتال، عملياً)، ثمّ مدينة مهداي، وقبلهما العاصمة مقديشو ذاتها، فتطرد منها أمراء الحرب للمرّة الأولى منذ العام 1990. الترجمة الموازية لتلك الانتصارات كانت هزيمة القوّات التابعة لأمراء الحرب هؤلاء، الذين ضمّهم 'التحالف من أجل السلم ومكافحة الإرهاب'، المدعوم ـ مباشرة، وكما ينبغي أن يوحي الاسم ـ من واشنطن. في الآن ذاته كان البرلمان الصومالي، وبعد انهيار المفاوضات مع الإسلاميين، يصوّت على مبدأ استقدام قوّات أجنبية لحفظ الأمن في البلاد.

والحال أنّ هذا الاعتبار الأساسي بالذات، أي حفظ الأمن وتسيير شؤون المواطنين في الجانب القضائي والأمن والحياة اليومية تحديداً، كان البذرة الأولى التي أنبتت 'المحاكم الشرعية' في الصومال، بعد انهيار الحكومة العسكرية سنة 1991، وشيوع الفوضى وأعمال الشغب والنهب المنظم والعنف المسلح والجريمة والخطف. وكان هذا الغياب للدولة، بمعنى الغياب التامّ لأية جهة قضائية قانونية في المقام الأوّل، هو الذي جعل الشيخ الأزهري محمد معلم حسن يؤسس أوّل محكمة شرعية محلية في أحد أحياء مقديشو الفقيرة. وغنيّ عن القول إنّ هدفه لم يكن يتجاوز الفصل في شكاوى الناس والتحكيم بينهم، اعتماداً ـ بالطبع، وفي ظلّ غياب أيّ قانون ـ على أحكام الشريعة الإسلامية. كذلك كان طبيعياً أن تنقلب هذه المحاكم إلى ما يشبه وزارة الظلّ، ثمّ فيما بعد وزارة الأمر الواقع، لشؤون العدل والداخلية.

وهكذا فإنّ 'المحاكم الشرعية' لم تبدأ كدعوة إسلامية تبشيرية، أصولية أو وسطية أو معتدلة؛ ولم تتكئ على منطلقات دينية أو مذهبية أو سياسية ـ حزبية، أياً كانت تقاطعاتها مع مختلف أنساق الإرهاب المنظّم؛ ولم يكن لها برنامج عمل تنظيمي أو جماهيري، ولا سياسة تحالفات محلية أو إقليمية. لقد بدأت من الحاجة، الماسة الصرفة، لتصريف أمور العباد في ظلّ سيادة الفوضى وغياب الدولة وحاجة المواطنين إلى جهة مرجعية متماسكة نسبياً، ذات غطاء شرعي وقوام إداري وسلطة تنفيذية، ليس أكثر. وليس أقلّ أيضاً، في الواقع، لأنّ هذا الموقع الوظيفي الحيوي أتاح لرجال 'المحاكم الشرعية' أن يلعبوا الدور الوظيفيّ الآخر التالي، الذي لا يمكن إلا أن يكون طبيعياً وتلقائياً وتحصيل حاصل: الهيمنة السياسية.

نتيجتان، بين عوامل أخرى، زيّنتا لغالبية ملموسة من الصوماليين الانضواء تحت راية هذه المحاكم: الأولى هي بغض الشارع للطبقة السياسية ـ العسكرية التي زادت في خراب البلد وتخريبه، فضلاً عن فقدان الثقة بأمراء الحرب إجمالاً، وتحميلهم المسؤولية الأساسية عمّا حاق بالصومال من كوارث. النتيجة الثانية هي بغض الشارع ذاته لكلّ ما يقترن بالسياسة الأمريكية، وكلّ مَن يشتغل لصالح واشنطن أو يعمل بإمرتها ويحظى بدعمها، لأسباب محلية تخصّ التاريخ الدامي بين الصومال والولايات المتحدة، ولأسباب أخرى ذات صلة بسياسة واشنطن تجاه القضايا العربية والعالم الإسلامي عموماً.

وزاد الطين بلّة أنّ واشنطن، في أعقاب هزّة 9/11 وانطلاق ما سماه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بـ'الحملة الصليبية' على الإرهاب، صنّفت 'المحاكم الشرعية' في عداد القوى الداعمة للإرهاب، استناداً إلى ما افترضه البيت الأبيض من علاقة وثيقة بين المحاكم و'الاتحاد الإسلامي'، المنظمة التي تدرجها وزارة الخارجية الأمريكية في اللائحة الرسمية للمنظمات الإرهابية، ثمّ بمنظمة 'القاعدة' في نهاية المطاف. ذلك أسفر عن نتيجة معاكسة، بالطبع، لأنّ شعبية المحاكم زادت واتسعت واكتسبت بعداً كفاحياً ضدّ 'الصليبية الأمريكية الجديدة'، كما عبّرت دعاوى المحاكم (ولم يكن بغير أسباب وجيهة أنّ معركة مقديشو، الفاصلة، استحقت عند الصوماليين تسمية 'معركة الأمريكيين')، من جهة أولى؛ ومنحت قياداتها الحقّ في توطيد شوكتها العسكرية، بذريعة الدفاع عن النفس وحماية المواطنين وتطبيق القانون والحدّ من الجريمة والفوضى، من جهة ثانية.

في غضون هذا كلّه كانت واشنطن تواصل تنسيقها مع الرئيس الإثيوبي ميليس زيناوي، الذي ظلّ يدير لعبة خبيثة مزدوجة في الصومال: إنه، في البلاغة الرسمية، يتباكى على وحدة أرض الصومال، ويشفق عليه من تسلل 'القاعدة'، أو ظهور مصعب زرقاوي جديد على يد الكوموري فاضل عبد الله محمد (الذي اتهمته واشنطن بالمشاركة في نسف السفارتين في كينيا وتنزانيا)؛ وأمّا في الفعل المستتر فإنّ زيناوي ناب عن واشنطن في الدعم العسكري والمالي لأمراء الحرب، الذين أبقوا الصومال في حال دائمة من الاقتتال والتحارب وانعدام الاستقرار، أي الوضع المثالي الذي يُبقي زيناوي مسيطراً في القرن الأفريقي.

ولماذا، في اجتماع عناصر هذا المشهد السياسي والعسكري والعقائدي والاجتماعي المعقّد ذي الدينامية المتفجرة، راود البعض الظنّ بأنّ حركة 'المحاكم الشرعية' لن تنقلب إلى طالبان جديدة في الصومال؟ ألم تبدأ طالبان أفغانستان من هنا، مع فارق أنها حظيت بغمزة رضا وتراضٍ من واشنطن في مراحل الانطلاق المبكرة؟ ألم يكن الهوس الأمريكي بمنع الصومال من الوقوع في يد إسلاميي 'المحاكم الشرعية'، وكأنه ترخيص لهذه المحاكم بالذهاب أبعد من فضّ المنازعات القضائية بين الأهالي، أي إلى حكم البلاد بأسرها وفرض الشريعة الإسلامية بقوّة السلاح هذه المرّة (وهو، للمفارقة، سلاح أمريكي ـ إثيوبي في الغالب، غنمه مقاتلو المحاكم في معاركهم ضدّ أمراء الحرب وعملاء أمريكا وزيناوي)؟

ولا يظنن أحد أنّ الصومال، من حيث التاريخ والعقيدة والوقائع، أفقر من أفغانستان في معطيات تشكيل حاضنة التطرّف الإسلامي الذي ينتهي بعضه إلى أنساق الإرهاب ذاتها التي قوّضت برجَي نيويورك في 9/11. الأمريكيون، خصوصاً، لم يكونوا بحاجة إلى مَنْ يذكّرهم بأنّ تلك الصومال التي كانت توشك على الولادة قد تصبح أفغانستان ثانية؛ ولهم، في تاريخهم هناك، دروس وعِبَر! ففي أواخر العام 1992، حين رست أولى قطع الأسطول الحربي الأمريكي على شواطئ الصومال، تردد أنّ السفير الأمريكي في كينيا استقبل وحدات بلاده بهذه العبارة الصقيعية القاتلة: 'إذا كنتم قد أحببتم بيروت، فلسوف تعبدون مقديشو'. أي، في ترجمة أوضح ربما: إذا كانت بيروت (خصوصاً بعد العمليات الانتحارية، وانسحاب المارينز المهين) هي النار، فإنّ مقديشو هي سقر!

والولايات المتحدة اكتشفت أفريقيا في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، ومنذئذ ظلّ مخططو السياسة الخارجية الأمريكية يمارسون في القارّة دور الثور الضخم البليد، الغارق في النوم حتى تلوح في الأفق نجمة حمراء سوفييتية، وعندها فقط يهيج ويرغي ويزبد، فيحيك المؤامرات ويشتري العملاء ويسلّح الطغاة حتى النواجذ. خلال الثمانينيات صرف الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان مئات الملايين من الدولارات لإغواء واجتذاب أسوأ دكتاتوريي القارّة، في ليبيريا وكينيا والصومال وزائير وسواها. وخلال تلك الحقبة بالذات قبض محمد سياد بري، دكتاتور الصومال الأشهر، أكثر من 700 مليون دولار على شكل مساعدات مالية وعسكرية من إدارتَي ريغان وجورج بوش الأب، استخدمها في بناء شبكات الولاء العشائرية، وقمع الشعب الصومالي، وتفتيت الوحدة الوطنية الداخلية.

وهكذا، في وسع المشفقين على سورية من 'الصوملة' أن يقرأوا دروس التاريخ الأبسط، التي يحدث أنها الأعمق أيضاً؛ إذْ سيصبح أيسر عليهم، ربما، تشخيص العوامل السياسية والاجتماعية المحلية، وتلك الإقليمية والدولية، التي تكفلت بصعود 'جبهة النصرة' في سورية؛ ولماذا بقيت الجبهة، وستبقى غالباً، أقلية داخل صفوف المقاومة المسلحة ضدّ النظام؛ ولماذا، ثالثاً، تحظى بشعبية واسعة، لأسباب شتى متداخلة. ولعلّ المقارنة، شرط أن تكون حصيفة متبصرة، سوف تقودهم إلى نزع كلّ ما هو مفزع، مصطَنع بطبيعة صناعته، عن الفزاعة الزائفة ذاتها: 'الصوملة'!

' كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

=================

الإبراهيمي إذ يقطع قول كل خطيب * عريب الرنتاوي

الدستور

 11-1-1-2013

حتى موسكو، لم تستطع الدفاع عن «الخطاب الخامس» للرئيس السوري بشار الأسد، كل ما ورد على لسان الناطقين باسمها، أن الخطاب تضمن «بعض الأفكار التي يتعين أخذها بالاعتبار» في محادثات «جنيف 2» التي تبدأ اليوم (الجمعة) بين الإبراهيمي وكل من وليام بيرنز وميخائيل بوغدونوف، أما هذه الأفكار التي يتعين أخذها بالاعتبار، فهي حسب المصادر ذاتها: الحوار، سيادة سوريا واستقلالها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، ومن دون التطرف إلى خطة الأسد ذات المراحل الثلاث، وغني عن القول، أن هذه الأفكار، تندرج عادة في باب «لزوم ما لا يلزم».

أما ردة الفعل الأهم والأخطر على الخطاب المذكور، التي «قطعت قول كل خطيب»، فقد جاءت على لسان الموفد الأممي ذاته، والذي طالما اتُّهم من قبل معارضي النظام، بأنه قريب من الأسد، بل ويسعى في «تعويمه»، الإبراهيمي الذي لم تصدر عنه أية انتقادات علنية للأسد منذ تسلمه لمهامه، اعتبر الخطاب «فرصة ضائعة»، واجترار «لمبادرات أخفقت سابقاً»، ووصف الخطاب بالأكثر «فئوية وتحيّزاً»، وهو قال أن لا دور للأسد في مرحلة الانتقال السياسي لسوريا، بل وتحدث عن تطلع الشعب السوري للخلاص من حكم «أسرة الأسد» الذي «طال بعض الشيء»، أما الدور الوحيد الذي استبقاه الموفد الدولي للرئيس السوري، فيتجلى في «قيادة الاستجابة لتطلعات الشعب السوري بدل مقاومتها»،أي باختصار وبكلمة واحدة: «التنحي».

لا جديد في «تحليل الإبراهيمي» لخطاب الأسد، قلنا وقال كثيرون غيرنا كلاماً مماثلاً، الجديد أن هذا «التحليل» يخرج عن الإبراهيمي ذاته، وفي توقيت شديد الحساسية، أي قبل 48 وساعة من اجتماع «جنيف 2»، لكأن الرجل أراد استباق الاجتماع المُنتظر، ورسم سقوفاً عليا وحدوداً دنيا، لما يمكن للتوافق الدولي بين القطبين، أن يراوح حولهما أو بينهما.

لقد أغضبت تصريحات الإبراهيمي النظام بشدة، ومن يستمع للإعلام الرسمي السوري يلحظ تغييراً حاداً في «المزاج» حيال الرجل، وبدأت الحملة من أعوان النظام وحلفائه في عواصم مجاورة، تتركز على الموفد الدولي ومهمته، وللتذكير فقط، فإن خطاب الأسد قد حمل مسبقاً «أمر العمليات» لتنفيذ أوسع عملية للإبراهيمي عندما قال أن الحل الوحيد الذي يقبل به، هو الحل السوري، وليس الحلول الوافدة من الخارج، والإبراهيمي هو «الخارج الوحيد» الذي يحمل في جعبته حلولاً ذات صدقية، ولقد رأينا كيف انفتحت الأبواق ضد الرجل وهي التي سبق لها أن أشادت باستقلاليته وحنكته وعروبيته، خصوصاً بعد تواتر الأنباء عن غياب «الكيمياء» بينه وبين رئيس حكومة قطر الشيخ حمد بن جاسم.

في المقابل، وكما كان متوقعاً، فقد احتفت المعارضة بالإبراهيمي بعد تصريحاته غير المسبوقة، بيد أن هذا الترحيب لم يمنعها من طرح فيض من المبادرات المتنافسة لحل الأزمة السورية (مبادرة هيئة التنسيق، وبعدها بأيام مبادرة المجلس الوطني)، ولا ندري إن كان الحال سيظل على هذا المنوال، أم أن الأطراف ستعود لتغيير مواقفها وتبديل مواقعها، كلما تكشفت جوانب جديدة من مبادرة الإبراهيمي وقراءاته للمشهد السوري.

وحدها إيران، محضت الخطاب كامل دعمها وإسنادها، ورأت فيه خشبة خلاص الشعب السوري من طامته الكبرى، لتكون النتيجة، أن الخطاب والمبادرة، اللذين أُريد بهما لسوريا أن تفكك بعض أطواق العزلة المضروبة حولها، تحوّلا إلى سبب إضافي لإحراج الحلفاء (توطئة لإخراجهم -ربما-)، وتأليب الرأي العام الدولي والإقليمي ضد النظام، لتصح للمرة الألف، مقولة أن أكبر عدو للنظام، هو النظام نفسه، يليه على «سلّم الخطورة»، أصدقاءه وحلفاءه من «الهتيّفة» وذوي «الأجندات والاحتياجات الخاصة» التي لا صلة لها بسوريا ولا مستقبل شعبها، وهي المثقلة بحسابات طائفية ومذهبية وفئوية وحزبية انتهازية، تختلف باختلاف الدول والمجتمعات التي ينتمي إليها هؤلاء.

سوريا، كسائر دول شرق المتوسط، تعيش وسط عاصفة ثلجية قاسية، نجحت في «تبريد» بعض جبهات التماس والقتال، بيد أن العاصفة السياسية التي أثارها «الخطاب الخامس»، لم تتأثر بالعاصفة المناخية أبداً، حتى أنه بات ممكناً القول، أن خطوط التماس السياسي على مختلف جبهات الأزمة السورية، باتت إثر الخطاب وبسببه، أشد سخونة واشتعالاً من خطوط التماس على جبهات القتال في حلب ودمشق ودير الزور وإدلب.

=================

انقذوا سوريا

عكاظ

11-1-2013

خيبة الأمل، التي أحدثها الخطاب الأخير لرئيس النظام السوري بشار الأسد في إيجاد حل سلمي للوضع المتأزم في سوريا، دفعت إلى الاستمرار في التحرك الدولي المتسارع لإيجاد حل للأزمة السورية المتفاقمة، حيث يجتمع اليوم الجمعة في جنيف نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوجدانوف، ومساعد وزيرة الخارجية الأمريكية وليام بيرنز، مع مبعوث الأمم المتحدة لسوريا الأخضر الإبراهيمي لبحث وتبادل الأفكار في الشأن السوري.

ويأتي هذا الاجتماع بعد انتقادات كثيرة من الأوساط السياسية، وخيبة أمل الأمم المتحدة لخطاب ورؤية الأسد التي لم تأت بجديد ولم تسهم في التوصل لحل ينهي معاناة الشعب السوري المتصاعدة.

ولعل التطورات الأخيرة وشبه الإجماع الدولي على استبعاد الرئيس الأسد من الحل، واعتبار بيان جنيف والذي صدر في يونيو من العام الماضي كأساس للحل، ورأي رئيس الائتلاف السوري أحمد معاذ الخطيب بقبول حكومة انتقالية، والتواصل مع قادة في النظام السوري ممن لم تكن لهم صلة مباشرة في الحرب ضد الشعب السوري حتى لا يكون هناك فراغ سياسي وأمني يضر بالشعب السوري.. لعل كل هذه التطورات تكون جزءا من النقاش، وصولا للحل الشامل والمأمول.

إن التحرك الدولي السريع والجاد للتوصل إلى خطة شاملة لما بعد الأسد بات مطلبا ملحا لإنهاء هذه الأزمة، وإنقاذ سوريا وشعبها من المزيد من التدهور والتشريد والتدمير، وبخاصة بعد تنامي القوى المعارضة للنظام السوري، وتزايد قوة الائتلاف والتخطيط لحكومة انتقالية بعيدا عن الأسد ورفاقه.

 

«عكاظ»

=================

بشار.. إرضاء إيران على حساب المؤيدين

التاريخ: 11 يناير 2013

الوطن السعودية

الشارع السوري غاضب من الرئيس الأسد والمؤسسة الأمنية، لكن هناك فرقا هذه المرة، فالغضب من النظام طال مؤيدي الرئيس السوري نفسه. والسبب: الصفقة التي تمت بين النظام وبين الجيش الحر، والتي تم من خلالها إطلاق سراح 48 إيرانيا كان الجيش الحر قد اعتقلهم قرب دمشق منذ شهور، مقابل إطلاق أمن النظام سراح 2130 معتقلا من الثوار السوريين، إضافة إلى إطلاق سراح أربعة طيارين أتراك، قال إعلام النظام أنهم اعتقلوا داخل الأراضي السورية.

غضب مؤيدي الأسد يستند إلى سببين رئيسيين، السبب الأول: هو أن اتفاق التبادل لم يشمل أي أسير من الجيش أو المواطنين السوريين المؤيدين للنظام، وهم بالآلاف، الذين وقعوا في قبضة الجيش الحر، ومن بينهم ضباط برتب رفيعة. هذه الحقيقة ستسبب بشكل خاص غضبا واسعا بين أهالي المخطوفين من الطائفة العلوية، الذين يشكلون عصب الجيش السوري الذين وقفوا إلى جانب النظام، هؤلاء كانوا يأملون أن يستغل النظام اعتقال الضباط الأتراك، ويساوم على إطلاق بعض الأسرى من أبناء البلد، الذين قضوا شهورا طويلة في قبضة الجيش الحر. ولذلك جاء خبر التبادل كالصاعقة على أهالي هؤلاء الأسرى، الذين بدؤوا يعيدون النظر في ولائهم لهذا النظام الذي لا يهتم حتى لأقرب مؤيديه.

السبب الثاني: الذي أغضب معسكر مؤيدي الرئيس السوري، كان عدم التوازن بين أعداد المعارضين الذين أطلق سراحهم والمعتقلين الإيرانيين. وإذا كان ثمن المواطنين رخيصا في نظر القيادة لدرجة مبادلة المئات منهم مقابل عشرات الإيرانيين، فلماذا لم تستغل الحكومة السورية وجود الضباط الأتراك ضمن الصفقة؟.

الحكومة التركية كانت حريصة على استعادة مواطنيها ولعبت دورا هاما في إتمام الصفقة، فلماذا كل هذا الخلل في التوازن من حيث العدد؟.

إن الشكل الذي تمت به هذه الصفقة يظهر بدون رتوش مدى حرص النظام السوري على إرضاء حليفه الإيراني، حتى لو كان ذلك على حساب مؤيديه الرئيسيين في الشارع السوري. وربما جاء حرص بشار على إرضاء النظام الإيراني لمساعدته على تبرير استمرار دعم دمشق أمام الشعب الإيراني، خاصة وأن الانتخابات الرئاسية الإيرانية باتت على الأبواب.

تكلفة صفقة التبادل في الشارع السوري ربما لم تظهر بعد، والأيام القادمة قد تكشف حجم الثمن الذي سيتعين على النظام السوري دفعه لموافقته عليها.

=================

الإبراهيمي الذي خدعه النظام السوري..

التاريخ: 11 يناير 2013

الرياض السعودية

  من اكتشفَ خدعة الآخر، الإبراهيمي الذي طاف المدن وتحدث لوسائل الإعلام العالمية المقروءة والمرئية، وكيف حاول أن يقدم العديد من الأفكار والطروحات وهو الذي خاطب مختلف القوى بلغاته التي يجيدها، أم الأسد الذي راوغ ولبس ثوب الحملان والضواري، والذي عمل منذ بداية الصدام على الإبادة والتدمير، والاتكاء على كتفيْ إيران وروسيا، ونعومة التعامل من قبل الصين؟

ولعل الخطاب الأخير هو الذي أشعر الإبراهيمي بفشل مهمته ونهايتها غير السعيدة، بعد مغامرة كان الأوْلى أن لا يخوضها، وهو الخبير بساسة المنطقة العربية وأدوارهم المتقلبة والمعقدة..

لم يعد تدويل القضية السورية وارداً؛ لأن التدخل العسكري، وهو الحاسم في كسب النتيجة، أمر مستبعد لأسبابه المختلفة بين جبهات الصراع الداعمة بشكل سخي ومباشر للسلطة، ومن ينتظر النتائج بناء على تزايد قوة وضغط الجيش الحر والمعارضة، والأسد من جانبه أدرك أن المسافة بين الاستسلام والموت تحكمها ضغوط من حوله حيث قيل إن الإصرار على الاستمرار بالعمل العسكري تقوده أمه وبعض المتنفذين حولها من أبناءٍ وأصهار وموالين..

الحلول السياسية انتهت لأنها، في زعم الأسد، منحازة ولا تفي بشروطه، ويبدو أنه مغيّب عن الواقع الذي يجري بسبب ما يتلقاه من تقارير تعاكس الحالة الواقعية التي تجري عليها الأوضاع على الأرض، وهذه مشكلة من يُحكم بقوى لا تساعده على الفهم والاطلاع المباشر، أي أنه صار مجرد واجهة لنفوذ لا يقوى على مواجهته، وهذا لا يعني أنه حمامة السلام في قطيع الذئاب بل هو جزء من العصابة التي تحددت أهدافها بقتل الشعب وتدمير ثرواته..

قد كثرت التكهنات حول مصير النظام، فهناك من يعتقد أنه أعد لنفسه دولة في الشمال بحماية طائفته، وآخر يرشحه باللجوء إلى إحدى دول أمريكا الجنوبية، أو روسيا، وثالث يرى في مكابرته بالاستمرار بالحرب أن يكون مصيره كمصير القذافي، وحتى لو استمر فمطالب ما دمره من بنية اقتصادية شاملة لا تقوى على إعمار بلده بموارده ومعونات مؤيديه، طالما قدرت الخسائر بمئات البلايين، وهذا بحد ذاته عامل لا يقوى على مواجهته، وبالتالي فعقيدته هي تسليم البلد بشكل مدمر بحيث يشكّل مصيراً صعباً لأي وريث قادم..

سورية حكمت بعقلية الحرب الباردة، فقد سمى النظام نفسه أنه الواجهة أمام إسرائيل والامبريالية الأمريكية، بينما البلدان كانا أكثر حرصاً على بقائه لأنه نفذ ما عجزت عنه حكومات موالية لتلك الدول، وروسيا التي تتحالف معه لا تعيش على النظام السوفياتي، ولا تعادي إسرائيل، وتتفق مع أمريكا على العديد من المصالح المشتركة، وتبقى إيران المؤدلجة ظاهرياً بمذهبها، وواقعياً بقوميتها الشوفينية التي تعادي العرب بمنطق الإرث التاريخي، وبناء الامبراطورية الفارسية..

وفي كل الأحوال فالإبراهيمي خرج ولم يعد لسورية وهي طبيعة الأمور المعقدة التي كان من المفترض أن لا يجازف بدخولها..

=================

د. رياض نعسان أغا

سوريا وخطأ التشخيص

تاريخ النشر: الجمعة 11 يناير 2013

الاتحاد

لم تلق مبادرة الأسد في خطابه الأخير ما يفتح آفاقاً لحلول سياسية للقضية السورية التي باتت بالغة التعقيد، لدرجة أن الإبراهيمي ذاته وجدها فرصة ضائعة، مع أننا كنا نتوقع أن تأتي المبادرة نتاج تفاهم دولي يحققه الإبراهيمي، ويبدو أن أهم نقطة للاختلاف هو التعديل (السيادي) الذي لم يشر إلى مسألة تنحي الرئيس وهي مفتاح الحل، وإلى تشكيل حكومة مصالحة (كاملة الصلاحيات) بمعنى ألا تخضع للنظام الرئاسي الذي يجعل رئيس الجمهورية ذاته رئيساً للوزراء، كما هو الأمر في سوريا، وأعتقد أن المعارضين (شبه الموالين) الذين طرحت عليهم المبادرة لم يقبلوها، كذلك لأن صيغتها تجعلهم يرددون قول المتنبي "فيك الخصام وأنت الخصم والحكم"، وبالطبع لم يكن المعارضون المتمسكون برفض الحوار مع النظام مدعوين للمبادرة، وقد أعلن الخطاب أنها لا تتجه إليهم وقد سماهم "عبيداً للخارج"، كذلك لم يكن الثوار والمسلحون من الجيش الوطني الحر وهم ضباط منشقون عن الجيش النظامي معنيين بالمبادرة، لأنهم وُصفوا بأنهم عصابات إرهابية لابد من الاستمرار في سحقها.

ويبدو أن من بين أسباب الرفض تجاهل المبادرة وجود ثورة شعبية عارمة في سوريا، فقد سمي "الربيع العربي" الذي غيّر خمسة نظم بأنه فقاعة صابون، والمفارقة أن الرئيس اعترف بالثورة يوم اندلاعها، وأثنى على مشروعية مطالبها، واستقبل الوفود الشعبية التي شكت له أن أجهزة الأمن تطلق النار على الناس عامة وتقتل المتظاهرين السلميين، وتعتقل أبناءهم، و كان يعبر أمامهم عن رغبته في تحقيق إصلاح ينهي هذا الخلل الذي سماه أخطاء فردية ووعد بتقديم المخطئين للقضاء، وبالطبع لم يفعل. وحين لبَّى بعض المعارضين دعوته إلى الحوار في منتجع صحارى، بقيادة فاروق الشرع الذي تفاءلنا بمقدمته السياسية الناضجة التي ألقاها، كانت العمليات العسكرية والاعتقالات تتصاعد في حمص في ذات اللحظة، ولا ننسى، وقد عشنا الأحداث لحظة بلحظة، أن تفاهماً حدث في حماة بين المحافظ والأمن يسمح بالتظاهرات السلمية، وخرج الناس بمئات الألوف مطمئنين، بل حملوا معهم أطفالهم كأنهم ماضون إلى نزهة على ضفاف العاصي، وعاشوا يوماً احتفالياً بهيجاً من أعراس الحرية، ولكن الفرحة لم تكتمل، فقد فوجئ الناس بنقض الاتفاق، وفوجئ المحافظ نفسه بأن أجهزة الأمن خرجت من مكمن مجهّز وأطلقت النار عشوائياً، وقتل العشرات، وعرفنا أن الرئيس استاء كثيراً من هذا التصرف، كما استاء المشرف الأمني اللواء بختيار يومذاك، وأمر الرئيس بنقل الضابط الذي أمر بإطلاق النار على المسالمين، وتم نقله ليلاً لتقديمه للمحاكمة وأعلن الخبر، ولكن كانت المفاجأة في الصباح الباكر هي قرار الرئيس بإعادة الضابط إلى عمله الأمني في حماة، وعزل المحافظ الذي أراد الحفاظ على سلمية المظاهرة وسلمية احتوائها.

أذكر هذا لأن سلمية الثورة غابت عن الذاكرة تماماً في الخطاب، وهذا يذكرني بسوء التشخيص منذ أن تم ترويج أن ما يحدث هو مؤامرة كونية كبرى، ولابد من مواجهتها بالعنف.

كان الأكثرية من رجال النظام يدركون أنها ليست مؤامرة وأن بالوسع تقديم تنازلات ممكنة لاحتواء الموقف، لكنهم صمتوا خوفاً من غضبة تجعلهم شركاء في المؤامرة، وكان تشخيص الحالة من قبل الرئيس الطبيب قد جاء بالعلاج خاطئاً من أول مواجهة عنف حدثت أمام المسجد العمري في درعا.

ثم اتسعت التظاهرات، ووصلت إلى دوما وقرى ريف دمشق ودرعا التي ازداد فيها اللهيب اشتعالاً.

أذكر أنني مضيت سريعاً إلى أحد كبار المسؤولين حول الرئيس، وهو أكاديمي ناضج، وسألته عن فظاعة ما يحدث؟ قال لقد كشفنا السر بحمد الله، اليوم ضبط الأمن سيارة "سوزوكي" ووجدوا مع سائقها سبعة عشر مليون ليرة، ادعى السائق أنها ثمن بيت باعه، ولكنه في الحقيقة يأخذها ليوزعها على المتظاهرين في ريف دمشق ودرعا وبقية المحافظات.

دُهشت من هذه السذاجة، وظننت أن الرجل يمزح أو يتهكم، وسألت ببراءة ساخرة، أهي بالدولار أم بالليرة؟ قال بالليرة؟ قلت وكم سيكون نصيب المتظاهر؟ ومظاهرات اليوم فيها عشرات الآلاف والخروج فيها ثمنه قتل، أو جرح، وإعاقة، أو اعتقال أهون منه الموت؟ قال هذا ما قالته أجهزة الأمن، وسأعترف لك بأن الرئيس غير مقتنع بقدرتها على مواجهة ما يحدث، ولذلك قرر أن ينزل الجيش إلى درعا، بهت، ودهشت، قلت: أينزل الجيش لمقاومة مظاهرة يحمل فيها الشباب أغصان الزيتون؟ ستكون حرباً إذن! إذا دخل الجيش مدينة هدمها، أيكون القاتل الجيش والمقتول الشعب؟ قال: النظام مهدد ولابد من الدفاع عنه، قلت: هل تجرؤ أن تقول للرئيس إن الطبيب حين يخطئ التشخيص، يعطي لمريضه علاجاً خاطئاً يودي بحياته؟

ولن أذكر الآن بقية ما سمعت من تشخيصات وهمية من مسؤولين آخرين أقل ما كان فيها اكتشاف أن وراء كل هذه الفتنة المحامي حسن عبدالعظيم، واضطررت على رغم التوتر أن أضحك، قلت: عبدالعظيم وتحتاجون إلى جيش؟ وأوضحت رأيي بأنها ثورة شعبية اشتعلت في تونس، وامتدت إلى ليبيا واليمن، ومجرد وصولها لمصر يعني اشتعالاً في سوريا، ولابد من تلبيتها سريعاً قبل أن تشمل سوريا كلها، ومطالبها هي ذات مطالبنا نحن وزراء الحكومة، نريد تخفيف القبضة الأمنية عن رقاب الناس "ألا ترى أنك أنت في موقعك الكبير قبل أن تحدثني طلبت أن نفك بطارية الهاتف؟ وعينك لم تبارح أجهزة أخرى لاشك أنها تتنصت عليك"؟

قال كيف سنحمي النظام إذن؟ قلت بإنهائه وتفصيل نظام جديد يلبي طلبات الشعب، بأن يحل الرئيس الحكومة، ويحل مجلس الشعب ولم تبق لولاية المجلس سوى فترة بسيطة، ويدعو إلى انتخابات برلمانية حرة، دون حزب «البعث» ودون «الجبهة» التي باتت عبئاً على النظام، وهكذا يختار الشعب ممثليه إلى برلمان منتخب، وتبقى بيد الرئيس صلاحية حله إن جاء معادياً له، وأما الحكومة فلتكن تكنوقراط خالصة، لا أحزاب فيها، واقترحت أسماء محترمة من المعارضة للدخول فيها (ولم تكن الدماء يومها قد صارت طوفاناً) قال، تريد أن نعدم النظام بأيدينا؟ قلت نبدله، بوسع الرئيس أن يستغني عن ثمانين شخصاً فقط، هم مجمل القيادة ومجلس الوزراء وكبار القادة العسكريين والمحافظين، ويأتي بأناس أكفاء جدد ولن تخرب مالطا، وبالطبع يجب أن يحيل بعض القيادات الأمنية والعسكرية التي بادرت بإطلاق النار إلى القضاء كما وعد، هذا ربما يطفئ شعلة الغضب، ولا تنسى أن الناس لم يطلبوا إسقاط النظام بعد لكنهم سيطلبونه بعد أيام، ومن المفيد أن يخطب الرئيس الآن ويقول للناس "أنتم تطلبون إصلاح النظام، وأنا سأعترف لكم بأننا فشلنا في إصلاحه، لذلك أعلن لكم أن شعارنا معكم اليوم هو إسقاط النظام والبدء بتشكيل نظام جديد يلبي تطلعاتكم" صدقني قد يحمله الناس على الأكتاف، ولا يفوتنك أن الناس يشيعون اليوم أن الرئيس ليس هو صاحب القرار ولا يملك الأمر كله، وهذا ذكاء من شعبنا فهو يحث الرئيس على أن يتبرأ، لأنهم يريدون حلاً تتجنب فيه البلاد الدم والدمار والفوضى، وبوسعه أن يلتقط هذه الشائعة بذكاء ويبني عليها. قال صاحبي هذا الحل الذي تقترحه سيعني تنحي الرئيس مستقبلاً، وعدم فوزه برئاسة ثالثة، ما الضمانة في أن الناس سينتخبونه عبر انتخابات حرة وقد اهتزت صورته أمام الناس؟ هل ترى أن هناك إمكانية لتحسين الصورة؟ قلت إنه زجاج لا يعاد له سبك.

خرجت من مكتب صديقي، وأنا أدرك أن البلد في طريقه إلى الضياع بسبب غياب الحكمة، وتذكرت كثرة من الأطباء خرجوا من غرف العمليات يقولون لأهل المريض: نجحت العملية، لكن المريض مات.

=========================

"شيزوفرينيا" الأسد.. وتعقيدات الأزمة

2013-01-10 12:00 AM

الوطن  السعودية

المشهد السوري يزداد تعقيدا يوما بعد الآخر. بشار الأسد يخرج في خطاب لأكثر من 50 دقيقة ويعلن فيه الحرب على من يصفهم بالإرهابيين – يقصد الجيش الحر-، وبالأمس تنجز أكبر صفقة لتبادل الأسرى لأكثر من ألفي معتقل في سجون النظام مقابل 48 إيرانيا. هذه "الشيزوفرينيا السياسية" للأسد، تظهر عمق الجراح التي تكبدها في هذه الأزمة، ولكنها قد لا تعطي أفقا واضحا للحل.

ومع الإعلان عن اللقاء الثلاثي المرتقب غدا الجمعة بين نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، ومساعد وزيرة الخارجية الأميركية وليام بيرنز، والمبعوث الدولي للأزمة الأخضر الإبراهيمي، تبرز التساؤلات حول جدية كل من واشنطن وموسكو لوضع حد لنهاية الأزمة، ومدى استعداد الطرفين لإيجاد مسار توافقي من المرجح أن يكون على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب"، ومدى قدرتهما التأثيرية على طرفي الأزمة، لا سيما ما إذا أخذ بالاعتبار تعنت الأسد على موقفه الرافض للحوار، وهو ذات الموقف الذي تقفه المعارضة من النظام.

ما من شك أن روسيا هي الدولة الوحيدة التي تمتلك مفتاح الحل، وهو ما أكدت عليه المملكة على لسان وزير خارجيتها الأمير سعود الفيصل، وهو ذات السبب الذي دفع بوزراء مجلس التعاون الخليجي إلى أن يعقدوا جولتي مفاوضات مع نظيرهم الروسي سيرجي لافروف.

وبالنظر إلى كون لقاء الجمعة، هو الثاني الذي يجتمع فيه الأميركيون والروسيون على طاولة واحدة، فإنه يمكن التطلع بشيء من "التفاؤل" المشوب بالحذر تجاه جهود تسوية الأزمة، والتحضير لمرحلة جديدة أهم ما يميزها خروج الرئيس بشار الأسد من السلطة.

الأزمة السورية تقترب من دخول عامها الثالث، ومع اشتداد المعارك على الأرض وتحضير قوات النظام لمجازر جديدة وتحديدا في منطقة داريا ودرعا وغيرها من الأرياف، يقابلها تقدم قوات الجيش الحر في عدد لا بأس به من المناطق مع عدم القدرة على إحكام كامل السيطرة، يبدو أن القناعة التي بدأت تتشكل لدى العديد من القوى الفاعلة في الأزمة أن الحل السلمي بات ضرورة لوضع حد لنهاية المشهد المأساوي هناك، والذي دفع ويدفع نظيره عشرات الآلاف من السوريين أرواحهم ودماءهم ثمنا نتيجة بطش آلة الأسد العسكرية.

 

================

سوريا قتل لا يتوقف

رأي البيان

التاريخ: 10 يناير 2013

تزداد حدة أعمال العنف في سوريا يوما تلو الآخر دون حل يلوح في الأفق لوقف إراقة الدماء في هذا البلد العربي الشقيق، الذي ودع العام 2012 بـ60 ألف قتيل، دون بوادر حل يلوح في الأفق القريب.

وبحسب التقارير فإن 60 ألف شخص قضوا جراء أعمال العنف في هذا البلد العربي الشقيق خلال 2012، غالبيتهم من المدنيين ما يشكل نسبة 90 في المئة تقريبا من ضحايا النزاع المستمر منذ 21 شهراً.

وبحسب منظمات حقوقية فإن عدد الضحايا الذين سقطوا منذ بدء النزاع في منتصف مارس 2011 يتجاوز 60 ألفاً، ما يؤكد أن حدة الأزمة تزداد وتيرتها.

لا شك أن النظام السوري يدرك أن إرادة الشعوب أقوى من أي قوة، ولا شك أن كل من في الساحة السورية يدركون ذلك جيدا، ويدركون ضرورة احترام إرادة الشعب وحقن دمائه وحفظ الوطن سوريا من التفتيت.

إن عام 2012 شاهد على مأساة دامية فصولها ملايين المدنيين المشردين وآلاف البيوت المهدمة والمدن التي غدت أقرب إلى مدن أشباح واقتصاد تهاوى وعائلات مهجرة ومفقودين أكبر من أن يحصوا وقتلى خضبت دماؤهم تراب بلادهم لا لشيء إلا لأنهم طالبوا بحياة كريمة.

إن المجتمع الدولي عليه مسؤولية تاريخية أن يوقف النزيف الدموي في سوريا وأن يضغط على كافة الأطراف المتحاربة بلغة المصالح لوقف أعمال القتل في هذا البلد الذي لم تجد معه المبادرات السياسية نفعا حتى الآن.

كما أن جامعة الدول العربية مطالبة هي الأخرى ببذل المزيد من الجهود من أجل حلحلة الأزمة وإيجاد بارقة أمل في النفق المظلم.

إن النظام السوري وحلفاءه وكافة القوى العالمية والعربية مطالبة بمواقف جادة من أجل وقف نزيف الدم السوري، والعمل من أجل إنهاء هذه الأزمة الطاحنة التي تمثل «تسونامي» لا أحد يعرف ما مصير تداعياته ليس على دمشق فحسب بل على المنطقة بأسرها. إن استمرار العنف الدائر في سوريا خطر لا يهدد سوريا فحسب بل يمثل عاصفة ربما تأتي على المنطقة بأسرها، فلظاها امتدت إلى لبنان، كما أن الأسلحة الكيميائية التي تمتلكها دمشق خطر يلوح في الأفق.

================

قانون أرثوذكسي أم قانون بشار الأسد؟

 علي حماده

    2013-01-10

النهار

اقل ما يقال في مشروع قانون الانتخاب المسمى زوراً

بـ" الأرثوذكسي" انه متخلف ورجعي أكثر من قانون 1960 بأشواط وأشواط. ونقول انه سمي بـ" الأرثوذكسي" زوراً لأننا نعرف من هم الذين اقترحوه ورموا به على طاولة المزايدات المسيحية، فهم مجموعة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالنظام السوري وبـ"حزب الله"، وقد اعتمد المشروع في اطار مخاطبة غرائز سطحية يتولى الجنرال ميشال عون اذكاءها بكراهية مخيفة لكل ما هو مسلم مع انه ينهل من "خيرات" الحزب الأكثر دينية في المسرح السياسي اللبناني إلا وهو "حزب الله" المسلم الشيعي.

"قانون التخلف" لاقى يا للأسف، وفي سياقات تكتيكية بين القوى المسيحية، اجتماعاً نادراً لم يسبق ان التقى عليه "كبار المسيحيين". باختصار اجتمع هؤلاء على العنصرية والتخلف. ولا نستثني أحداً هنا، لا العونيين، ولا "القوات"، ولا الكتائب. وإذا كنا نفهم ان تكون العونية العشبوية مع مشروع كهذا في اطار المزايدة، فإننا لا نفهم ولن نفهم أن يكون أركان فكرة 14 آذار (تذكروا قسم جبران تويني) وان من باب المناورة مع اجماع كهذا نعتبره إهانة لكل لبناني، ولكل استقلالي، ولكل مسيحي قبل ان يكون إهانة للمسلمين بطوائفهم الأساسية.

إنه مهين لكل لبناني. واذا كنا نفهم ان يكون "حزب الله" وتابعيه قد لعبوا لعبة الجنرال عون في سياق المناورات، فنحن لا نفهم ما الذي يرفضونه في قانون 1960، وقد وصفوه بـ"قانون الحرب الأهلية". ومعلوم ان سياسة "حزب الله" واستراتيجيته تقومان بالتعريف على هدم فكرة لبنان، ومعنى وجوده.

في 2005 سموا القانون المعمول به آنذاك بـ"قانون غازي كنعان"، ونحن نسمي المشروع المسمى بـ" الأرثوذكسي" بأنه "قانون بشار الأسد" (انظروا في هوية من طرحوه السياسية!). من هذا المنطلق رفضنا كإستقلاليين مجرد تأييده ولو من باب المناورة في مواجهة عون، وإلا فما معنى ان ندعي الانتماء الى روح 14 آذار ونؤيد في الوقت نفسه قانوناً تقسيمياً متخلفاً عنصرياً؟

وفي مطلق الأحوال، ومع ان "قانون بشار الأسد" طرح في اطار الحديث عن قانون يؤمن صحة التمثيل المسيحي، فإن المطلوب اليوم هو قيام جبهة وطنية اسلامية – مسيحية لمواجهته مهما كلف الأمر. وان موقف "تيار المستقبل" المعارض للمشروع ومعه الحزب التقدمي الاشتراكي يجب ان يشكل جرس انذار للشركاء المسيحيين في 14 آذار، من ان المناورة مقبولة لكن، ان ندمر "الطائف"، وان نقبل بما يطيح عملياً الدستور نفسه، فهذا لن يحصل، حتى لو جمع "قانون بشار الأسد" أكثرية كافية لاقراره في المجلس النيابي. ان رسالتنا اليوم موجهة الى اركان التحالف الاستقلالي المسيحيين الذين ايدوا المشروع، ومفادها ان مناورة لا تبيح في أي حال الانجرار خلف الموتورين، والمخابراتيين الذين نصبوا لكم فخاً لن يفيد منه سوى "حزب الله" وبشار الأسد. فلنصحح معاً التمثيل المسيحي بالعقل لا بالغريزة والتخلف.

 

================

ماذا بعد خطاب الأسد والردود عليه...

حلّ سياسي أم انحلال للدولة السورية؟

    اميل خوري

    2013-01-10

ماذا بعد خطاب الرئيس بشار الاسد وردود الفعل عليه، هل يتم التوصل الى اتفاق اميركي – روسي على تسوية بعدما عزز هذا الخطاب الموقف الروسي الداعي الى اتفاق على حل قبل رحيل الاسد لئلا تسود الفوضى بعد تنحيه اذا لم يسبقه اتفاق كامل على البديل فيحصل ما يحصل حاليا في مصر وليبيا وتونس واليمن نظرا الى تعدد "الرؤوس" وفوضى المعارضات المتفقة على رحيل الاسد لكنها غير متفقة على البديل، الامر الذي يجعل الاسلاميين الاصوليين المنظمين يستولون على السلطة، وهو ما ترفضه روسيا وتخشاه الولايات المتحدة الاميركية واوروبا؟

والسؤال الذي أخذ يثير القلق في الدول المجاورة لسوريا ولاسيما لبنان هو: هل يؤدي استمرار الخلاف على الحل السياسي مع استبعاد الحل العسكري الخارجي الى استمرار الاقتتال الدخلي الى اجل غير معروف اذا لم يتمكن اي طرف من التغلب على الطرف الآخر فيصبح هذا الوضع شبيها بالوضع الذي ساد لبنان في حروبه التي دامت 15 سنة ولم تنتهِ إلا بالتوصل الى اتفاق عُرف باتفاق الطائف، لأن الولايات المتحدة الاميركية حاولت حل الازمة اللبنانية بمفردها لتنطلق الى حل ازمة الشرق الاوسط، لكن الاتحاد السوفياتي تصدى لها فكان العنف الذي ادى الى اخراج القوات المتعددة الجنسية التي اتت الى لبنان لوقف الحرب فيه، وبعدما استهدفت اعمال العنف مقري القوات الاميركية والقوات الفرنسية، وسقط منهما عدد كبير من القتلى والجرحى، وكان قد سبق ذلك تفجير مبنى السفارة الاميركية في بيروت، ولم تستطع المدمرة الاميركية "نيو جيرزي" بمدفعها العملاق حماية تلك القوات فانسحبت من لبنان؟

عندها ادركت الولايات المتحدة انها لا تستطيع بمفردها حل الازمة اللبنانية، وتاليا حل ازمة الشرق الاوسط ومن ضمنها القضية الفلسطينية، وما دام اي طرف مقاتل لم يستطع التغلب على الطرف الآخر خصوصا بعدما رسم الديبلوماسي الاميركي سيسكو خطوطا للمقاتلين ممنوع عليهم تجاوزها، وحظر على سوريا استخدام طيرانها  الحربي لمصلحة الطرف الحليف لها والا تصدت لها الطائرات الحربية الاسرائيلية، وهو ما حصل فعلا.

وبما ان المعروف عن الولايات المتحدة انها تجيد السياسة البراغماتية عندما تفشل في تنفيذ مخططها، فإنها التفت على الدور السوفياتي يومئذ بعقدها صفقة مع الرئيس حافظ الاسد وكان حليف السوفيات. وقضت تلك الصفقة بأن يدخل الجيش السوري الى لبنان ويوقف الاقتتال فيه ويخرج الفلسطينيين المسلحين منه وعلى رأسهم ياسر عرفات الى تونس، وصدر في قمة الرياض العربية قرار بذلك مع تطعيم القوة العسكرية السورية بقوات رمزية من دول عربية لتبديد هواجس زعماء لبنانيين ولاسيما العميد ريمون اده الذي طالب بأن تكون ما سمي "قوة الردع العربية" متساوية بعددها لأن لسوريا مطامع في لبنان قد تحققها اذا كان عدد قوتها يفوق كثيرا عدد القوات العربية الاخرى. لكن الصفقة الاميركية – السورية المقرونة بموافقة عربية وبعدم ممانعة اسرائيلية قضت بغير ذلك فصحّ ما توقعه اده اذ خضع لبنان لوصاية سورية دامت 30 عاما وخلافا لما نص عليه اتفاق الطائف.

فهل تكرر الولايات المتحدة في سوريا ما فعلته في لبنان اذا لم تتوصل الى اتفاق على حل؟

ثمة من يقول إن تطور الوضع الميداني في سوريا هو الذي يتحكم بالمواقف العربية والدولية ويفرض الحلول، لكن انتظار هذا التطور قد يطول وتكون له تداعيات على دول الجوار يصعب تلافيها او احتواؤها.

وثمة من يقول ان الولايات المتحدة اذا لم تتوصل الى اتفاق مع روسيا، فإنها قد تلتفت الى ايران كما التفتت في الماضي الى سوريا لحل الازمة اللبنانية اذ كان عقد صفقة معها هو اقل كلفة من عقدها مع روسيا. وكما تخلت سوريا في الماضي عن تحالفها مع الاتحاد السوفياتي ثمنا لصفقة مغرية عقدتها مع اميركا، فإن ايران قد تفعل الشيء نفسه ثمنا لصفقة مع اميركا في سوريا وربما تكون هذه الصفقة اساسا لتقاسم مناطق النفوذ في المنطقة تكون بديلا من "سايكس – بيكو".

ثم ان التوصل الى عقد صفقة اميركية – ايرانية يحل مشكلة السلاح خارج الدولة في لبنان ويطور دستور الطائف على نحو يحقق مزيدا من التوازن في توزيع الصلاحيات بين السلطات، كما حققت الصفقة الاميركية – السورية في الماضي حلا لمشكلة الفلسطينيين المسلحين في لبنان ووضع دستور جديد عُرف باتفاق الطائف.

هل بعد خطاب الرئيس الاسد امل في حل اميركي – روسي للأزمة السورية، أو أميركي – ايراني وإلا فحرب طويلة يمدها كل طرف خارجي بالسلاح والمال وصولا الى "حل التعب"؟

================

لا رهان على اللقاء الأميركي - الروسي الجديد

هل يعفي الإبرهيمي نفسه من مهمته؟

روزانا بومنصف

    2013-01-10

النهار

حين اعلن مسؤولون روس قبيل زيارة الموفد العربي الدولي الاخضر الابرهيمي لروسيا بعد زيارة قام بها لدمشق قبيل نهاية السنة المنصرمة عن لقاء جديد مرتقب بين نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف ونظيره الاميركي وليم بيرنز والاخضر الابرهيمي في منتصف الشهر الاول من السنة الجديدة، كانت الآمال عالية بعض الشيء على ان ثمة ما يطبخ بين واشنطن وروسيا في ملف الازمة السورية لكي يصار الى استكماله. لكن مقاربة الاجتماع الدولي المرتقب غدا الجمعة تغيرت كليا في رأي مصادر ديبلوماسية على اثر الخطاب الذي القاه الرئيس السوري بشار الاسد مطلع الاسبوع ونسف من خلاله مبادرة جنيف وجهود الابرهيمي القائمة عليها من خلال رفضه للمرحلة الانتقالية والحكومة بصلاحيات كاملة كان يشدد عليها الابرهيمي. ولم تعد هناك رهانات فعلية على تلاق اميركي روسي من اجل حل قريب بل باتت الاسئلة تتمحور حول ما اذا كانت هناك عودة الى الوراء والى البدايات الخلافية بين روسيا والولايات المتحدة والغرب عموما حول مقاربة الوضع السوري وما الذي سيكون عليه البديل من اتفاق جنيف الذي تمسكت به روسيا في شكل خاص، وما هو الوقت الذي يمكن ان يستغرقه التوافق على افكار جديدة بين الجانبين وتاليا مع القوى الاقليمية الاخرى. وهل قومت كل من روسيا واميركا والدول الاقليمية الوضع السوري في ضوء المستجدات الاخيرة خصوصا انها لا بد اطلعت سلفا على مواقف الرئيس السوري ورفضه اتفاق جنيف من الابرهيمي وليس من الاسد فعليا في خطابه الذي القاه مطلع الاسبوع ام هي ستجري تقويما مشتركا لهذه المستجدات؟ كما ان هناك من يسأل اذا كان الابرهيمي سيكمل مهمته في السعي الى ايجاد حلول ام انه سيستقيل كما فعل سلفه كوفي انان بعدما لمس فشل محاولته في هذا الاطار على رغم استبعاد البعض لجوء الابرهيمي الى هذا الخيار اواستبعاد عدم الضغط عليه دوليا من اجل بقائه في موقعه لما للاستقالة التي يمكن ان يقدم عليها، في حال وردت في حساباته، من صدى سلبي محتمل على الفشل المدوي للمجموعة الدولية في الاتفاق على مقاربة موحدة للازمة السورية وانهاء معاناة الشعب السوري. ذلك علما ان مواقف الابرهيمي التي تلت تسلمه مهماته حفلت بتقديره صعوبة ما سيواجهه في ما اعتبره مهمة "شبه مستحيلة" يقوم بها في الموضوع السوري.

وتقول المصادر ان الاجتماع لن يكون في افضل الاحوال الا تعبيرا عن اظهار رغبة القوى الكبرى في ايجاد حل للازمة السورية وبذلها جهودا على هذا الصعيد نظرا الى انه يثقل عليها جدا الظهور على نحو لامبال او التراجع عند اي عقبة بما فيها العقبة التي تمثلت اخيرا بموقف الرئيس السوري ورفضه اي مبادرات تستبعده عن السلطة وتاليا اظهار عجز عن متابعة المساعي في هذا الاطار بغض النظر عن قدرتها وارادتها في التوصل الى شيء ما ام لا في المدى المنظور. كما ان الحركة الدولية الناشطة مع الابرهيمي او من خلاله تصب كلها في خانة تأكيد فكرة اهتمام القوى الكبرى وبذلها الجهود المطلوبة الى حد اعتبار مصادر عدة ان مهمة الابرهيمي هي تعبئة الفراغ الدولي والاقليمي على هذا الصعيد حتى اوان التوافق الاقليمي والدولي ونضوج الوضع السوري ميدانيا. وهو الامر الذي لم يحصل حتى الان.

وتاليا فان لا تطور مهما متوقعا من اللقاء الاميركي الروسي مع الابرهيمي بل ان التوقعات تزايدت في المقابل على اطالة امد الازمة السورية في ضوء التطورات الاخيرة. فالرئيس السوري وفقا للمصادر نفسها خرج الى العلن بعد اكثر من ستة اشهر من اجل ان يرفض ما سبق ان سكت عليه اي اتفاق جنيف ومن اجل ان يعطي قوة دفع لاتباعه ومؤيديه ويعطيهم زخما ويدحض فكرة خروجه من السلطة اواحتمال تنحيه. كما انه بدا واضحا رهانه على عامل الوقت وعلى استباق اللقاءات الاميركية الروسية المرتقبة عل في التطورات المقبلة وفي اي اتفاق اميركي روسي جديد ما يمكن ان يبقيه في السلطة لاسباب ما نظرا الى ان الوقت يمكن ان يكون لصالحه اذا استطاع ان يصمد وفق ما يظهر من رهاناته الدائمة على الوقت. يضاف الى ذلك رهانه على المخاوف الاميركية والاسرائيلية من الاسلام "الارهابي" وفق ما يدرج افرقاء المعارضة، كما رهانه على تسويق كل من حلفائه الروس والايرانيين لافكاره او لمقترحاته في اطار مساعدته على كسب الوقت على غرار ما فعل وزير الخارجية الايراني علي اكبر صالحي الذي قال سفير ايران في مصر انه سيبحث مع الرئيس المصري مقترحات الاسد في حين ان زيارات صالحي الى دول المنطقة كانت مقررة من اجل تسويق الافكار الايرانية للحل في سوريا. وهو سعى في الايام التي تلت خطابه ان من خلال اصداره مرسوما بانشاء مركز لتطوير المناهج التربوية او الدعوة الى اقرار البرنامج السياسي "لحل الازمة السورية" وفق ما اوردها في خطابه الى تثبيت ستاتيكو لا يبدو منتصرا فيه بل مستمرا على رغم ما يعنيه ذلك من احتمال مضاعفة عدد الضحايا السوريين الذين سقطوا حتى الآن. 

================

 المساعدات المالية وطلب الترحيل إلى دولة ثالثة مطلبان ممكنان للبنان

ماذا يعني أن تستخدم المنظمات الدولية مصطلح «اللاجئين السوريين»؟

مارلين خليفة

السفير

10-1-2013

وسط جدل لغوي بين مصطلحي «نازح سوري» أو «لاجئ سوري»، يدفع لبنان ثمن الارتجالية في التعاطي الرسمي مع هذا الملف حتى بلغ عدد من لجأ الى أراضيه أكثر من 180 ألفاً لغاية نهاية الأسبوع الفائت، بحسب أرقام المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، من دون إغفال حقيقة ما تردده بعض المصادر الرسمية من أن هذا الرقم قد يكون مضاعفاً، فيما بشر الموفد العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي ببلوغ عدد النازحين من سوريا الى دول الجوار عتبة المليون لاجئ هذه السنة.

وفي موازاة الاستفاقة الرسمية اللبنانية المتأخرة على قضية النازحين السوريين بعد مرور 22 شهرا على اندلاع الأزمة السورية، استجابت الأمانة العامة للجامعة العربية لطلب الحكومة اللبنانية دعوة وزراء الخارجية العرب للاجتماع في القاهرة يوم الأحد المقبل للبحث في مساعدة لبنان في هذه المسألة.

أبعد من «الصحوة» الرسمية، فإن الدوائر المعنية في الأمم المتحدة وفي السفارات والبعثات الديبلوماسية الغربية في لبنان تستخدم في أحاديثها وتقاريرها الرسمية مصطلح «اللاجئ» (أي Refugee) وليس «النازح»(أي Displaced)، والفارق كبير بين المصطلحين وينمّ عن مقاربة دولية متقدمة لهذا الملف الشائك تتخطى بأشواط التعاطي الرسمي اللبناني البطيء والمتردد مع ملفّ متفجر، أدخلته بعض الأحزاب السياسية اللبنانية في خضم «البورصة الانتخابية» منذ اليوم.

ليس تفصيلاً استخدام تعبير «لاجئ»، وهي صفة يحملها من ينطبق عليه تعريف الاتفاقية الدولية لشؤون اللاجئين التي اعتمدها في 28 تموز 1951 مؤتمر الأمم المتحدة للمفوضين بشأن اللاجئين وعديمي الجنسية، التي لم يوقع عليها لبنان مسكوناً بهاجس اللاجئين الفلسطينيين، لكنّ لبنان التزم بتطبيق آلياتها بحسب الأعراف الدولية «وهي أقوى من القانون، وتندرج أيضاً ضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المذكور أيضاً في الدستور اللبناني»، بحسب ديبلوماسي لبناني بارز، مشيراً الى أن «لبنان يطبق أحكاماً للجوء موجودة في اتفاقيات مختلفة، منها اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب والعهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية».

أما «النازح» فهو «لا يرتقي بالتوصيف الى مستوى لاجئ، ولا يتمتع بتنظيم واضح لأوضاعه التي تحكمها إجراءات داخلية في الدولة المضيفة أو عبر اتفاقية ثنائية بين دولتين، وفي حالة لبنان الاتفاقية الثنائية مع سوريا المتعلقة بانتقال الأفراد ودخول البضائع»، على حد تعبير الديبلوماسي نفسه.

وإذا كانت الدولة اللبنانية لم توقع اتفاقية العام 1951 فإنها أوكلت مهمة «تصنيف» من ينزح الى أراضيها الى «المفوضية العليا في الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين» عبر توقيع مذكرات تفاهم معها، وهي هيئة أممية تعترف وتطبق أحكام اتفاقية شؤون اللاجئين عام 1951. وقد عمدت المفوضية المذكورة، بحسب أستاذ القانون الدولي في الجامعة الأميركية الدكتور شفيق المصري، «الى تسجيل الآتين من سوريا في سجلاتها، ما أكسبهم تلقائياً صفة اللجوء». لافتاً النظر الى أن الحكومة اللبنانية «لم تتنبّه منذ البداية الى هذا الأمر كون المفوضية المذكورة تطبق شروط اللجوء المذكورة في اتفاقية العام 1951».

بناء عليه، يفترض بهذه الهيئة الأممية أن ترعى شؤون اللاجئين المسجلين لديها ضمن ثلاث قواعد رئيسية تتضمنها اتفاقية 1951 هي، بحسب ما يذكّر الدكتور شفيق المصري: أولاً، الاهتمام بأوضاعهم في الدول المضيفة من استقبال، إيواء وحماية، ثانياً، عدم ردّهم الى بلدانهم، أي عدم ترحيلهم، وخصوصاً في ظل استمرار ظروف اللجوء، وثالثاً أن تسعى الدولة، في حال طالت الظروف، إلى إعادة ترحيلهم الى دولة ثالثة أو تسهيل عملية توطينهم في الدولة المضيفة.

ويرى المصري أنه «كان من الأفضل ألا تسجّل المفوضية المذكورة اللاجئين كي لا يفلت زمام التحكم بهم من يد الحكومة اللبنانية، التي كان عليها أن تنشئ «هيئة طوارئ» تابعة لها تسجلهم ضمن الشروط التي تضبط دخولهم وإقامتهم، أما اليوم فإن هؤلاء هم لاجئون مسجلون رسمياً لدى المفوضية المذكورة وتطبق عليهم اتفاقية عام 1951 ولا يمكن للحكومة اللبنانية ترحيلهم إلا إذا تسببوا بمشكلات جدّية».

«لا يمكن للبنان اليوم إلا طلب المساعدة المادية من الدول الصديقة، وهذا جلّ ما يمكن أن يطلبه لبنان في الاجتماع الوزاري العربي المقرر الأحد المقبل في القاهرة»، بحسب الدكتور المصري، لافتاً الانتباه الى أنه لو حرصت الحكومة اللبنانية على تنظيم الموضوع منذ بدايته لما غرقت اليوم بتوافد أعداد لا يمكن حصرها البتة، في حين أن الدول المجاورة، أي الأردن وتركيا عمدت الى تحديد العدد الذي تريد استقباله»، بحسب المصري.

 

إمكان الترحيل الى دولة ثالثة

 

أمر آخر يمكن أن يطلبه لبنان في الاجتماع الوزاري العربي هو، بحسب النائب الدكتور غسان مخيبر، «التماس التعاون الدولي والعربي مع لبنان لأن حالة اللجوء حالة معقدة وغير ثابتة، وأي دولة مضيفة غير ملزمة بإبقاء اللاجئين على أراضيها بشكل دائم»، مشيراً الى أنه بالإضافة الى المساعدات المالية فإن عدم قدرة لبنان على استيعاب هذه الأعداد من اللاجئين وفي حال عجزه عن توفير الرعاية والخدمات لهم يمكن الطلب من الدول العربية إعادة الترحيل إليها، لأن اللجوء لا يقتصر فقط على الدولة المحاذية، ففي الحروب العراقية لجأ العراقيون الى لبنان بأعداد كبيرة وكذلك السودانيون والدولتان لا تتشاركان حدوداً مع لبنان، «وبالتالي في حال حصول حركة نزوح ولجوء تصبح المسؤولية الدولية مشتركة ولا تقتصر على الدول المحاذية التي قد تعجز عن توفير ظروف الاستقبال والرعاية فيصبح وضع اللاجئ مزرياً، وهذا التعاون يؤكد على أن اللجوء حالة مؤقتة لكنها ليست ثابتة وبعد انتفاء الأسباب يمكن للاجئ العودة الى وطنه».

ويشير مخيبر الى وجوب تعديل قانون الدخول والخروج اللبناني وتكوين إدارة لبنانية متخصصة تمنح صفة اللجوء لمن يستحقها كي لا يستمر لبنان متنازلا عن صلاحيته للمفوضية العليا في الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

الجدير ذكره أن وزير الخارجية والمغتربين عدنان منصور، الذي يترأس المجلس الوزاري العربي، سيتوجه غداً الى القاهرة على رأس وفد رسمي من أجل تقديم ملف باسم الحكومة اللبنانية حول مسألة النازحين من سوريا والأعباء المترتبة عن استضافة هؤلاء والمخاوف اللبنانية من تدفق دفعات كبيرة من اللاجئين في المرحلة المقبلة، ومن المتوقع أن يلتقي منصور الأمين العام للجامعة نبيل العربي وعدداً من نظرائه العرب.

 

================

أربعة سيناريوهات أردنية لمصير الأسد * ماهر ابو طير

الدستور

 10-1-2013

في المعلومات أن الاردن يشعر بقلق شديد جدا من الاتصالات الاسرائيلية مع دول عديدة لاقناعها بسيناريو القصف الاسرائيلي لمخازن السلاح الكيماوي السوري،وقد ابلغ الاردن عواصم نافذة في العالم ان هذا السيناريو خطير جدا على السوريين وعلى الاردن ايضا،وان هذا السيناريو مغامر ومجنون.

ذات المعلومات تقول ان اسرائيل مصرة على قصف المخازن الكيماوية السورية ولاتريد انتظار مآلات الوضع في سورية،وهذا السيناريو يراه الاردن خطيرا لان تفجير المخازن قد يؤدي الى انتشار السموم الكيماوية في الاجواء وانتقالها ايضا الى الاردن بسبب الرياح مما سيؤدي الى اضرار فادحة ستنال من حياة الاف الاردنيين.

رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو يتبنى هذا السيناريو،والاردن ابلغ الاسرائيليين ان هذا السيناريو خطير ولايمكن السماح به،ونتنياهو الذي زار الاردن قبل شهور،وقامت جهات اسرائيلية بتسريب خبر زيارته باعتباره تم قبل اسبوعين،يريد ادخال دول الجوار مع سورية كشريكة في هذا السيناريو.

الاردن رفض التدخل كليا،والاردن هنا،يحمي السوريين ايضا،من نتائج هكذا فعلة قد تؤدي الى مقتل الاف السوريين جراء السموم الكيماوية،وهو ايضا يعتقد ان لاتدخل عسكريا دوليا سيجري مالم يقم الاسد باستعمال الكيماوي ضد شعبه.

الاردن امام مخاطر كبيرة بسبب الملف السوري،ومركز صنع القرار في الاردن شعر بخيبة امل من خطاب الاسد الاخير،والذي كان يتوقع ان يحمل حلا جذريا يؤدي الى انهاء الازمة السورية بغير الطريقة التي اعلنها الاسد ،فالاردن يريد ان تتوقف الازمة السورية حتى لاتبقى نيرانها مفتوحة باتجاهه.

عمان ترى اليوم،ان لاحل للازمة السورية الا من الداخل السوري،فلا الحل العسكري وارد،ولا التسوية السياسية مؤهلة للتطبيق،والازمة السورية مؤهلة للبقاء حتى الصيف المقبل .

حل الازمة السورية من الداخل يقوم على عدة احتمالات اولها انتصار الجيش الحر ،وهذا لن يكون الا بزيادة الامدادات العسكرية القطرية والتركية عبر شمال سورية الى الثوار،فيما الاردن يرفض حتى الان توسعة مداخلاته العسكرية عبر حدوده الى مناطق حوران ومنها الى دمشق،مما تسبب له بضغوطات عربية ودولية،لكون عمان البوابة الاقرب الى دمشق.

ثانيها الانقلاب من الداخل وتحديدا من الحلقة المحيطة بالاسد،وهذه الحلقة قد تميل الى سيناريو تغيير رأس النظام مع بقاء ذات النظام ضمن صفقة غير معلنة.

ثلالثها تدهور الاوضاع على كل الاصعدة وتحديدا تعثر وصول النفط والوقود الى سورية مما سيؤدي الى نتائج صعبة جدا على حياة الناس والنقل والكهرباء وغير ذلك.رابعها حدوث توافق دولي على سيناريو يقول ان الاسد انتصر في المواجهة وبالتالي رفع الدعم عن المعارضة،وهذا سيناريو سيلغي القرار الدولي بإنهاء الاسد والذي تم اتخاذه منتصف الصيف الماضي،والاردن من هذه الزاوية يحتاط ايضا حتى لايخسر مستقبلا امام هذا الاحتمال.

عمان تعتقد ان التدخل العسكري من الخارج،او التسوية السياسية،خياران باتا غير واردين حاليا،ولاحل سوى من الداخل عبر تواصل التفاعلات الداخلية حتى النهاية،وهذا يقول ان الاردن يجهز نفسه في الاغلب لسنة ثالثة صعبة مع الملف السوري.

هكذا تقرأ عمان المشهد السوري،وكل ماتخشاه السياسة الاردنية حدوث خرق لهذه الصورة يعيد بعثرة كل الاوراق،وهذا الخرق يتمثل بعدوان اسرائيلي مفاجئ،غير محسوب النتائج،يؤدي الى وضع الاردن والمنطقة امام كل الاحتمالات.

================

ملامح المشهد السوري في الوقت المُسْتَقْطَع

طلال المَيْهَني

2013-01-09

القدس العربي

لم يكن هناك من كان يتخيّل أن المشهد السوري سيصل، خلال 22 شهراً من انطلاق الحراك الشعبي ضد نظامٍ استبداديٍ، إلى وضعٍ بالغ التعقيد ترافق مع سقوط عشرات آلاف الضحايا، وملايين النازِحِين والمُشَرَّدين واللاجئين، ودَمارٍ واسعٍ في الأحياء السكَنِية والبُنَى التحْتِية، وشلل مؤسسات الدولة، وتوقف عجلة الاقتصاد المُتَهَالِكَة أصلاً. وقد قيل الكثير في أسباب هذا التدهور التي يأتي على رأسها التَعَنُّت المَرَضِي للنظام المستبد، وتَمَسُّكه بالسلطة على قاعدة صِراعٍ وجوديٍ مع الشارع المنتفض، إضافةً إلى حالة العطالة في المعارضة السورية، و'المجتمع السوري' بشكلٍ عام.

ومؤخراً، وبعد شهورٍ من عَسْكرة الانتفاضة، بدأتْ بعض الملامح العامة بالتشكُّل ضمن المشهد المُدَمّى. فالنظام يتخلّى تدريجياً عن شمال غرب سوريا، خاصةً المناطق الريفية التي خرجتْ عن سيطرته، مع انتشارٍ لكتائب مسلحةٍ يغْلِب عليها الطابع الإسلاموي وتحت مسمياتٍ مختلفة. تجدُرُ الإشارة إلى انفتاحٍ لكامِلِ الحدود مع تركيا مما يؤمِّن إمْداداً دائماً بالسلاح، ولكنه يعني أيضاً إمكانية دخول عناصر غير سوريةٍ للمشاركة في الصراع القائم (كما في بعض المجموعات المتطرفة التي تشكّلَتْ). وقبل ذلك كان هناك انسحابٌ مشابهٌ للنظام من شمال شرق سوريا، حيث تلا ذلك انتشارٌ لكتائب مسلّحة مَحَلّية. وفيما يَخُصُّ دير الزور فوجودها في المنطقة الشرقية يضعها في موقعٍ معزولٍ نسبياً دون وجود خطوط إمدادٍ عبر حدودها مع العراق. أما بالنسبة لدرعا، وريفها، وريف دمشق، والمناطق الوسطى فهي في حالة توترٍ دائم. ويُلْحَظُ، في مقابل ما سبق، هدوءٌ نِسْبِيٌّ في السويداء والساحل، مما سمح لعشرات آلاف النازحين بالتوجه إلى هناك كمَلاذٍ من الاشتباكات التي تكتسح المناطق الساخنة. لكن الأوضاع قد تكون مُرَشّحَةً للانفجار في هذه المناطق بسبب تراكم الاحتقان الاجتماعي وسوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية العامة.

لا يترافق انسحاب السلطة بانتشار سلطةٍ بديلةٍ قادرةٍ على بسط نفوذها على كل تلك المساحات الواسعة. ولهذا نرى أن معظم البلدات والقرى قد عَمَدَتْ إلى تشكيل 'مجالس محلية' لتسيير حياة الناس اليومية بالتعاون مع الكتائب الكثيرة التي لا تتواصل أو تُنَسِّق فيما بينها وفق صِيَغٍ هَرَمِيَّةٍ أو تراتُبِيّةٍ عسكرية. كما يؤدي انسحاب السلطة إلى تراجعٍ في حضور 'الدولة' التي اعتاد النظام على مُصادَرَتِها والتماهي معها طيلة عقود. وينعكس ذلك سلباً على السكان نتيجةً لشبه الانعدام في الخدمات الأساسية من كهرباء وماء وخبز ومحروقات إلخ، مما يؤثر، عاجلاً أم آجلاً، على مواقفهم كحاضنٍ اجتماعي لأيٍّ من طَرَفَيّ الصراع المسلح. وتزداد المعاناة في التجمعات السكانية الكبيرة كمدينة حلب بسبب ضَعْف القِيَم الأهلِيّة (مقارنةً مع القرى والبلدات الأصغر)، وعدم تعويضها بقِيَمٍ مَدَنِيّةٍ (بسبب الاستبداد الذي مَنَعَ التجمُّعَ الحُرَّ على مدى عقود).

ويبدو من الواضح أن النظام لا يعمل وفق مفهوم الدولة الحديثة، بل وفق عقليةٍ إقطاعيةٍ تعيش في العصور الوسطى: حيث يعْمد إلى التَحَصُّن في مدينة دمشق محاولاً جعلها 'منطقة خضراء'، فيما سيقتصر وجوده في 'رُقَعٍ خضراء' مُوَزّعة في أنحاء سوريا، خاصةً في المدن أو القواعد العسكرية الكبرى، إضافةً إلى احتفاظه بالتفوق الجوي، وإعطائه صلاحياتٍ واسعةً للّجان الشعبية في المناطق التي ينسحب منها.

وهكذا فقد تشكَّلَتْ، على الأرض السورية، خريطةٌ تتوزّع وفقها القُوى العُنْفِية، مع خطوط تماسٍ متغيرةٍ باستمرار داخل وبين هذه المناطق. ويعكس هذا التوزع الذروة التي وَصَلَتْها كلُّ الأطراف العنفية لتخلق مشهداً استعصائياً من شبه المؤكد أنه لن ينتهي، في ضوء المُعْطَيَاتِ السابقة والحالية، بحَسْمٍ عسكري. فمثل هذا الحَسْم غير وارِدٍ مهما تم تضخيم الحديث عنه على مستوى إعلام النظام أو إعلام المعارضة المُسَلّحة.

لكن في المقابل فمن الصعب التكَهُّن بدقةٍ بما ستؤول إليه مَساراتُ الأمور. فقد يكون هذا الوضع الاستعصائي مُرَشَّحاً للاستمرار لفترةٍ طويلةٍ طالما توفّر السلاح، والمقاتلون، والرغبة والدافع إلى القتال. وسَيُعَمِّق هذا السيناريو المُزْمِن من معاناة المدنيين، وأعداد النازحين والضحايا والجرحى والمُشَرّدين، وسيستمر في استنزاف وتدمير ما تبقى من البلاد دون نتائج قابلةٍ للترجمة على مستوى الحَسْم. ولكن السيناريو الأسود يكْمُن في الانحدار نحو دولةٍ فاشلةٍ، على صيغة صومالٍ في شرق المتوسط، وهو سيناريو اتَّفَقَ على الاستهانة به، وبكل أَسَفٍ، النظام وكثيرٌ من المعارضة.

ولكن المشهد الاستعصائي الحالي قد يحمل، وبشكلٍ غير متوقعٍ، شيئاً من الأمل عبر سيناريو ثالث يتمحور حول مفاوضاتٍ تُفْضي إلى نقل حقيقيٍ وكاملٍ للسلطة مع تحقيق انفراجٍ في الأزمة التي تطحن البلاد، وهو سيناريو توجد عليه بعض الدلائل التي تدْعَمُه سواءً من خلال التصريحات القادمة من اللاعبين الدوليين الأساسيين، أو من خلال تسريباتٍ عن توافقٍ دوليٍ قد يُوَفِّرُ 'ظروف الحل'. إذ يوحي تَوَزُّعُ القوى العنفية بتَشَكُّلِ أوراقٍ هامةٍ للمساومة أثناء المفاوضات القادمة، خاصةً وأن القوى الكبرى تتفق على ضرورة لَجْم الجماعات المتطرفة التي بدأت بالانتشار في بعض المناطق، مما يُؤَسِّسُ لبدايةٍ جِدِّيَّةٍ لتوافقٍ دولي. حيث ستعْمَدُ القوى الإقليمية والدولية، خلال تلك المفاوضات، إلى تحويل بعض الأطراف المُرْتَهِنة لها أو المُتَمَاهية معها إلى أوراقٍ للحَرْق في مذبحة المساومات السياسية (عن طريق رفع الوصاية الذي سيُمَارَس من قِبَل الروس والأمريكان)، أو سيتم استخدام البعض الآخر لتمرير أو تمثيل مصالح القوى التي تحتضنها.

لكن الأطراف السورية التي استطاعَتِ الصمود وفق 'رؤيةٍ سِيَادِيّةٍ'، ولم ترضى أن تكون ورقةً يتم التلاعب بها، ولم ترتهن للخارج، يمكن لها، أكثر من غيرها، أن تلعب دوراً إيجابياً في هذه المفاوضات، بدفاعها ومطالبتها بمصالح السوريين وبما يُحَقِّق أهداف التغيير الجذري والكامل على مستوى النظام السياسي الذي يحكم البلاد. يوجد الكثير من هذه الأطراف ذات الحس السّيادِي العالي، خاصةً في الداخل السوري. ولكن معظم هذه الأطراف، التي يغلب عليها العنصر الشبابي، لم تنلْ حَظّها من الانتظام في بُنىً سياسيةٍ وعَلَنِيّةٍ واضحة الملامح، وهذه نقطة ضعفٍ لا بد من تجاوزها خلال المرحلة القادمة.

وحتى الوصول إلى تلك المرحلة، التي يمكن أن نَلْمِسَها إنْ صَحَّتِ التسريبات- في الأشهر القليلة الأولى من عام 2013، يبقى المشهد الاستعصائي في سوريا على ما هو عليه، ولا يُستبعد أن نتابع تَصْعيداً عُنْفِيّاً خلال الأسابيع القادمة، يكون فيه الدمار وسفك الدم هو العنوان الأبرز. وهكذا تمضي لحظاتُ الترقُّب السورية بانتظارٍ قَلِقٍ، تحت القصف والرصاص، لانفراجٍ قد يُحَوِّلُ الأمل إلى حقيقة، في وقتٍ يحتفل فيه العَالَم لسنة جديدة.

 

' كاتب سوري

================

الفقاعات تحاصر القصر الجمهوري..

سهيل كيوان

2013-01-09

القدس العربي

 

عندما يعلن رئيس بلد غارق بدماء أكثر من ستين ألف قتيل من أبنائه، وملايين أخرى، ما بين جريح وفاقد لبيته وأملاكه، ونازح وجائع ومشرّد، بأن ما يجري ليس سوى فقاعات صابون سوف تتلاشى قريبا، فهذا يجعلنا نتوقف ونتأمل كيف وصل سيادته إلى مثل هذا التشبيه الكيميائي الفيزيائي واللغوي العجيب. سبق وقال محللون، إن سيادته يتعامل مع الواقع بشكل مقلوب، فهو ما زال مصرًا ومؤمنا بشكل صوفي بقدرة اللغة على الحلول مكان الحقائق الملموسة وتغيير مسارها.

ليس سهلا أن يهتدي رئيس دولة في مثل هذه الظروف المعقدة والمصيرية إلى تشبيه بمثل هذه الخفة، وهو تشبيه يبدو سخيفا كعادة الأفكارالعبقرية لحظة ولادتها، مما يؤكد أن فكرا خلاقا يقف وراء تشبيه كهذا.

الجميع يعرف أن الرئيس يمر بظروف نفسية معقدة، ولا شك أنه قلق ومشغول حتى قمة رأسه بتسيير أمور الناس، وتوفير احتياجاتهم الضرورية من الوقود والخبز وأكياس جمع الجثث والأكفان، خصوصا أن الناس صاروا يقفون أمام الأفران، وعيونهم شاخصة إلى السماء خشية تدخل طائرات معادية، تلقي عليهم براميل من نار ونحاس، فتحرق طوابير الخبز وعاجنيه وخابزيه وناقليه وبائعيه ومن كانت لديهم نية بتناوله في حال توفرت لهم الشهية.

ليس لدى الرئيس وقت لتفكير إبداعي بمثل هذا العمق الذي يحتاج إلى هدوء نفسي ونوم عميق بدون مهدئات كيماوية، ولهذا وأغلب الظن أن سيادته استعان بمختص في مجال الدعاية والإعلانات، وعلى الأرجح أنه روسي من الحقبة السوفييتية، أو روماني من الحقبة التشاوشيسكية، لأن وصف كل ما يحدث في سورية والعالم العربي منذ أكثر من عامين بأنه فقاعات، لا يهتدي إليه سوى مبدع كبير في مجال الدعاية والإعلان من تلك الحقبة. واضح أن رجل الإعلانات هذا استفاد من تجارب سابقة، ولا شك كان أمامه عدة خيارات للتشبيه من عالم الأحياء، ولكن التجارب علمته أن تشبيه الشعب الثائر بالكائنات المنحطة يؤدي حتما إلى نتائج كارثية، فالجرذان والجراثيم والقمل والجنادب وأبو بريص وغيرها كسرت حاجز الدونية ولم تعد ترضى بالإهانة. ولهذا رأى رجل الإعلانات العبقري، أن يطلق على هذه المخلوقات تشبيها محايدا، بعيدا عن عالم الأحياء، وفي الوقت ذاته يحقق الهدف، فالفقاعات تنفجر من نسمة هواء، أو من ملامسة قشة، وقد تنفجر تلقائيا بدون أي تدخل عربي أو روسي أو إيراني.

هناك مصادر تؤكد أن الرئيس فكر بتشبيه الخارجين عن عصا طاعته بالنمل، ولكن مستشاريه العباقرة وفي اللحظة الأخيرة أقنعوه بأن النمل لا تنتهي مهما قتلت منها، وليس هذا فقط، قتل النمل يحتاج إلى مبيدات كيماوية، وسيكون الأمر محرجا لجهات كثيرة في العالم لا تحبّذ استخدام الكيماوي منعا للروائح والفضائح وتلويث أجواء الدول البريئة المجاورة، ثم إن هناك أفلاما تظهر قوة النمل وعناده وتصميمه الغريب على تحقيق أهدافه، فلا تثنيه مبيدات ولا نيران ولا طوفان، ثم أن للنمل سورة في القرآن الكريم، وسليمان الحكيم تعلم من النملة وسمع كلامها، وقادة جيوش غزت العالم وتعلمت الإصرار من النملة، والرئيس نفسه ما زال يذكر قصة (تيمورلنك والنملة) التي حاولت أربعين مرة حتى نجحت بنقل حبة قمح، وقصيدة (الجدجد والنملة) من الابتدائية، وهو يذكر النمل وهي تمضي في قوافل منتظمة حتى تصل إلى هدفها مهما كان محصنا، تسحب ضعف وزنها بتعاون وتفاهم وتخطيط يشبه عمل جيش نظامي، كذلك ترسل بعضًا منها للقيام بمهام استطلاع، إنها تلك النملات الوحيدات البعيدات عن المجموعة، يظنها المغفل تائهة، والحقيقة أنها تستطلع الطريق والهدف، ثم تعود لتخبر الجموع فتخرج للزحف، ولا شك أن هناك قصصا كثيرة عن النمل التي قاومت المبيدات والكيماويات، بل ونجحت بتحويل بعض أصناف المبيدات إلى غذاء. وسبق للرئيس نفسه أن قال لزملاء له يوم كان طالبا جامعيا، إن النمل تستحق الاحترام، ومن النذالة رشها بالمبيدات، فهي تسحب أوزانا من الغذاء تفوق وزنها! لهذا واستبعادا لمجرد التلميح بقوة أو عناد وبطولة المتمردين، تقرر استبعاد تشبيه االنملب عنهم!

تشبيه الفقاعات، يضرب عصفورين بحجر واحد، فهو يوحي بالتفاهة المطلقة أولا، وثانيا، يوحي بأن الرئيس تزحزح وصار مستعدا للتفاوض وتقديم تنازلات، فالجميع يذكر أنه اختار الجراثيم في خطابه الأول، وهذا استفز وأهان وأثار، الانتقال إلى الفقاعات، يعني أنه تنازل عن التشبيهات البذيئة، وعلى المعارضة تلقف الفرصة، وفي الوقت ذاته يقول بأنه تمْسَح ولم يعد قابلا للتأثر، وأنه لا يقيم وزنا لما يحدث مهما علا منسوب الدماء والدمار، حتى صار يرى ملايين البشر مجرد فقاعات، وهو بهذا يدخل عالم الفلسفة من أوسع أبوابه.

الفقاعات صغيرة وأصغر، أو كبيرة وأكبر وبأحجام شتى، الفقاعات منها ذكر ومنها أنثى، الفقاعات كهلة وشابة وطفلة. إلا أنه وبعد معجزة الفقاعات التي رماها بوجه الشعب والعالم، فوجئ سيادته بأنها صارت تظهر في طعامه، أثناء وبعد إعداده، لا طعام بلا فقاعات، لا حمّام بلا فقاعات، لا فرك أسنان بلا فقاعات، فقاعات على الأرض، على الجدران، تظهر بهدوء تام، في زجاجات المياه والأكواب، في زيت المساج، على وجه فنجان القهوة والحليب، في كأس النبيذ، في العجين الخامر، في رغيف الخبز، في وسادة الرئيس وفراشه، في حذاء الرئيس وجيوبه، على وجهه وفي مخاطه ولعابه، على جلده وظهره وقفاه، الفقاعات ليس كما ظن الرئيس ومستشاروه، الفقاعات تحاصر القصر الدكتاتوري ذ وعيب أن نقول الجمهوري-..الفقاعات تغمر كل شيء وتظهر في كل شيء...لا قوة تصمد أمام الفقاعات...ولا نصر إلا للفقاعات..حتى الرئيس وفي آخر لحظاته يحاول أن ينافق ويقول...صدقوني أنا نفسي لست سوى فقاعة...

================

مخيم اليرموك والحياد الممنوع

عبد الباري عطوان

2013-01-09

القدس العربي

وضع الفلسطينيين، اللاجئون منهم وغير اللاجئين، في الدول العربية وضع لا يحسدون عليه، وغالبا ما يدفعون ثمنا غاليا من دمائهم واستقرارهم في حال حدوث اضطرابات او غزو اجنبي او ثورات ربيع عربي. فهناك دائما من يريدهم كبش فداء، ويلصق بهم التهم من اجل الانتقام منهم، لأسباب طائفية او سياسية.

في الكويت تعرضوا للاضطهاد من قبل السلطات وميليشياتها بعد اخراج القوات العراقية على ايدي القوات الامريكية، وجرى ابعاد ما يقرب من 400 الف فلسطيني بتهمة التواطؤ مع النظام العراقي، وجرى التعتيم المتعمد على العديد من الفلسطينيين الذين قاتلوا مع المقاومة الكويتية وقُتلوا، ولم يكرّم هؤلاء مطلقا من قبل السلطات الكويتية حتى هذه اللحظة.بل لا نبالغ اذا قلنا ان من بين الاشخاص الرئيسيين الذين كانوا يدربون ما سميت في حينها بالمقاومة الكويتية ضابطا في حركة 'فتح' اسمه السكسك، وقد قابلته شخصيا في تونس، وعندما حاول الرئيس ياسر عرفات تهريبه بسيارة السفير الفلسطيني الدبلوماسية من الكويت الى طائرة الرئاسة ومن ثم الى تونس، فوجئ الرئيس الفلسطيني ،وهو يوشك ان يستقل الطائرة نفسها، بالرئيس العراقي الذي كان في وداعه يقول له: 'يا ابا عمار انت غال جدا علي وعلى العراق العظيم وكذلك القضية المركزية العربية الاولى، ولو قلت لي انك تريد السكسك لأوصلته لك الى تونس بكل احترام'، ففهم الرئيس عرفات الرسالة!

في العراق نفسه، وبعد نجاح القوات الامريكية الغازية في اطاحة النظام العراقي عام 2003، قامت ميليشيات طائفية حاقدة بعمليات انتقام من الجالية الفلسطينية بتهمة تأييد حزب البعث، وتعرض العشرات، وهناك من يقول المئات، للخطف والقتل والتعذيب، مما دفع الكثيرين للهروب الى الصحراء قرب الحدود الاردنية (مخيم الرويشد) ليعيشوا بين الثعابين والعقارب الى ان انتهى الحال بهم وعائلاتهم في البرازيل او ايسلندا.

لا نريد هنا الحديث عن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ونفتح جروح مجازر صبرا وشاتيلا وتل الزعتر ونهر البارد، فهي لم تلتئم حتى هذه اللحظة، تجنبا للتكرار، ولكننا نود الحديث عن الحلقة الاخيرة في هذا المسلسل الدموي المزعج المتمثل في مخيم اليرموك في العاصمة السورية دمشق.

بداية لا بدّ من التأكيد بأننا نرفض كل انواع التمييز بين ابناء المخيمات والشعب العربي الحاضن لهم، كما اننا لا يمكن ان نطالب بمعاملة خاصة لهؤلاء لانهم فلسطينيون، ولكننا لا نتردد في الاشارة الى الظروف الخاصة التي تفرض التمييز بين هؤلاء ونظرائهم السوريين واللبنانيين والعراقيين والكويتيين (اثناء الغزو العراقي).

' ' '

فعندما يلجأ هؤلاء الى دول الجوار مثل الاردن والعراق ولبنان (مثلما هو حال السوريين حاليا)، يجدون الحدود مفتوحة على مصراعيها امامهم، والشيء نفسه يقال ايضا عن العراقيين الذين وصل تعدادهم الى فوق المليوني لاجئ في سورية والاردن في ذروة العنف الطائفي عام 2007. ولا ننسى ان نشير الى تدفق نصف مليون كويتي الى المملكة العربية السعودية ودول الخليج الاخرى صيف عام 1990 هربا من الغزو العراقي في حينها. اما الفلسطيني فيجد صدودا وحدودا مغلقة في وجهه في معظم الاحيان، وكان لبنان الكريم المضياف هو الاستثناء في موجة النزوح الفلسطيني الاخيرة من سورية.

الفلسطينيون ليسوا جميعا ملائكة، وكذلك العرب الآخرون، فالقتال في العراق كان ولا يزال بين عراقيين، والقتال الحالي في سورية هو بين سوريين، بعضهم مع النظام وبعضهم الآخر ضده، والحال نفسه في الجزائر وليبيا قبل ذلك.

مخيم اليرموك بات احدى البوابات الرئيسية لاقتحام دمشق من قبل قوات المعارضة المسلحة، والدفاع عنها من قبل القوات السورية، ولذلك بات من الصعب ان يظل بعيدا عن هذا الصراع الدموي المشتعل حاليا منذ 22 شهرا دون ان يحسم لمصلحة هذا الطرف او ذاك.

من الطبيعي ان تنعكس الأزمة السورية الحالية على الفلسطينيين بأشكالها الدموية كافة، ومن الطبيعي ايضا ان ينقسم الفلسطينيون فيما بينهم تماما مثلما انقسم نظراؤهم السوريون، فهناك من الفلسطينيين من يؤيد النظام في دمشق، ومن بين هؤلاء فصائل مقاتلة حظيت دائما بدعمه ومساندته، لانها وقفت في خندقه في ذروة خلافه مع منظمة التحرير وقيادتها، وهناك من الفلسطينيين من وقف في خندق المعارضة السورية، والاسلامية منها على وجه الخصوص، وشكلوا فصائل اقرب الى كتيبة النصرة والجماعات الجهادية الاخرى، مثل لواء زهرة المدائن، ولواء العهدة العمرية، ونفذوا عمليات تفجيرية ضد اهداف امنية للنظام.

لكن الأغلبية الساحقة من ابناء مخيم اليرموك، والمخيمات الفلسطينية الاخرى في سورية، يفضلون البقاء على الحياد، ويقدرون للشعب السوري وسلطاته المتعاقبة المعاملة الطيبة التي وصلت الى درجة المساواة في كل شيء مع مضيفهم السوري، باستثناء رئاسة الجمهورية، وهؤلاء المحايدون يريدون ان يظلوا بعيدا عن الصراع، وان لا يطالهم القصف الجوي الرسمي الذي استهدف مخيمهم لملاحقة المتسللين المسلحين الذين لجأوا اليه، واستخدموه كقاعدة للقيام بعملياتهم ضد النظام ومؤسساته.

اكثر من مئة الــــف من ابــــناء المخـــيم غـــــادروه هربا من القــصـف ومن المواجهات الدموية بين النظام ومعارضيه المسلحين، وهؤلاء باتوا ممنوعين من العودة الى بيوتهم البائسة بعد ان ضاقوا ذرعا من البقاء في العراء لأشهر في مواجهة البرد والجوع.

' ' '

وكالة غوث اللاجئين التي تتولى اغاثة اهل المخيم منذ نكبة فلسطين لا تستطيع اقامة مخيمات لجوء جديدة لهم، ولا حتى لاشقائهم السوريين الذين يعيشون وضعا ربما اكثر سوءا، ولذلك العودة الى المخيم هي الحل الوحيد، فلماذا لا يتم اتفاق بين السلطة والمعارضة على احترام حيادية المخيم؟

نشعر بالحنق والغضب عندما نسمع اصواتا في الغرب تطالب دولا عربية، بل وحتى سلطة حماس في قطاع غزة باستيعاب هؤلاء، ولا يطالبون اسرائيل التي تقف خلف جريمة لجوء هؤلاء قبل اكثر من ستين عاما.

عار على بان كي مون امين عام الامم المتحدة ان يلوم السلطتين في رام الله وغزة على عدم عمل شيء لهؤلاء، ولا يوجه كلمة لوم واحدة لاسرائيل.

نعم.. الفلسطينيون جزء من المجتمع السوري، ويجب ان ينحازوا الى الشعب السوري، ولكن الى اي فريق ينحازون من هذا الشعب في ظل الانقسام الحالي المرعب الذي يلبس اثوابا طائفية في كثير من الاحيان؟

نعترف انها قضية معقدة، لا تقل تعقيدا عن القضية الفلسطينية الأم، ونريد لفت الانظار، انظار الجميع، داخل سورية وخارجها، لمأساة ابناء مخيم اليرموك بسبب خصوصيتها، وتفهم وضعهم الحساس في محيط متفجر.

لا نتردد لحظة، وفي ظل استمرار هذه المحارق الفلسطينية التي سببتها اسرائيل للفلسطينيين، داخل فلسطين وخارجها، داخلها من خلال عدوانها المتواصل على اهلنا في غزة والضفة، وفي الخارج بتشريد ستة ملايين فلسطيني في مخيمات اللجوء والمنافي، بالدعوة الى ان يتوجه جميع ابناء المخيمات في لبنان وسورية والاردن في مسيرات نحو حدود فلسطين في محاولة لاقتحامها، واذا عجزوا فليقيموا مخيماتهم هناك لتذكير العالم، والعرب على وجه الخصوص، بالسبب الحقيقي لمأساتهم وحالة الظلم وعدم الاستقرار في المنطقة.

================

الصفقة: البرنامج النووي مقابل بقاء الأسد!

عبدالوهاب بدرخان *

الخميس ١٠ يناير ٢٠١٣

الحياة

قال بشّار الاسد في خطابه الخامس: أنا الحل والحلّ أنا، لا داعي لانتظار الخطاب السادس، لأنه نسخة طبق الأصل عن الأول. المفزع أنه كان يبلغ الجميع، السوريين والعالم، الحلفاء قبل الأعداء أنه حسم أمره: ذاهبٌ الى حرب إبادة. قد يكون هذا خطابه الأخير، لذلك اختار أعوانه دار الأوبرا ليتقنوا مسرحته، بما فيها خاتمة هرع المعجبين اليه وعراك «الشبيحة» مع «الشبيحة».

لم يتكلّم الاسد لأن لديه حلاً أو مبادرة، بل ليقول للأميركيين والروس إن رسالتهم وصلت، وأنه شريكهم الاستراتيجي والضروري في الحرب على الارهاب والارهابيين... وما عليهم سوى أن يُحكموا إغلاق أبواب «تمويل وتسليح وإيواء» المسلحين لكي يتمكن من انجاز المهمة. والواقع أن هذه الأبواب أُغلقت فعلاً، كما لم يحصل في أي وقت سابق. ومع ذلك، أنّى للنظام أن ينفّذ ما وعد به الروس للمرة الألف: أن يحسم؟!

ثمة هوّة سحيقة بين الواقع، الوضع على الأرض، وبين ما يروّجه النظام وما يتصوّر الاميركيون والروس أنه الواقع. كانت واشنطن أوحت في الشهور الأخيرة أنها تراهن على انجازات المعارضة ميدانياً، وبعدما أنجزت فعلاً ضغط الاميركيون على الفرامل: لا إسقاط عسكرياً للنظام، وبالتالي لا أسلحة جديدة ونوعية. ثم: لا أسلحة ولا ذخائر. أمكن عسكريي المعارضة أن يلمسوا هذه الحقيقة، هذا الخطر. لكن من يعتقد أن النظام سيتمكّن من إعادة سيطرته على مناطق خسرها لا بد من أنه يجهل تماماً ما أصبحت عليه الأرض.

يقاتل النظام لاستعادة داريّا ومعضمية الشام، على أمل معاودة تأمين مطار دمشق، ليتمكّن حلفاؤه والمبعوثون الدوليون من الهبوط فيه مباشرةً بدل قدومهم «المذلّ» من طريق بيروت. لكن، خصوصاً، لتأمين مطار المزّة العسكري ليبقى باب الخروج أو الفرار مفتوحاً ومتاحاً أمام رأس النظام وأعوانه. كانت هناك زيارة لدمشق أُعلن أن سيرغي لافروف سيقوم بها، قبل مجيء الاخضر الابراهيمي، ثم صُرف النظر عنها، ربما لأن المطار غير آمن، أو لأنه كان متيقناً بأن الاسد سيرفض الاقتراح الاميركي لـ «حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة»، فيعود لافروف بعدئذٍ الى الاميركيين ليقول مثلاً: طالما أنه رفض، دعونا نعتمد اذاً على... على... آه، نسيت اسمه - يقصد وائل الحلقي – بديلاً من فاروق الشرع!

لعل ما يسمّيه أنصار النظام «الحسم انطلاقاً من دمشق» غدا وهماً آخر من تلك التي تراودهم وحلفاءهم. هناك من يرجّح أن يكون ذلك نصيحة من الايرانيين. فهؤلاء هالهم أن يشرع الروس، عبر الابراهيمي، في مبادرة منسّقة مع الاميركيين، من دون أن يحسبوا حسابهم. بلغ الايرانيون الآن حدّ الاستعداد للقتال من أجل مصالحهم، لا من أجل الاسد. بلغوا حدّ المجازفة بالوحدة الجغرافية للكيان السوري، ومعه الكيان العراقي وفقاً لألاعيب نوري المالكي وتصلّباته. لكن كيف يضمنون تلك المصالح بالحفاظ على الاسد اذا لم يكن هذا الأخير ضامناً بقاءه. في أسوأ الأحوال، يمكن المعارضة هضم «صداقة مصلحة» مع عدو واحد، لا مع عدوّين. فهي قد تحتاج الى روسيا، كدولة عظمى لها علاقات تاريخية مع سورية الدولة والجيش، وسيكون لها دور في اطار ضمان دولي للاستقرار وطمأنة الأقليات بعد زوال نظام الاسد. أما ايران فكان لدخولها سورية ونهجها التخريبي أكبر الأثر في فصل النظام عن محيطه العربي وفي انحرافه المذهبي وتغوّله في العنف، وكان لعملائها دور ميداني مباشر في قتل السوريين، مدنيين وعسكريين.

بين النظام وإيران وروسيا علاقة صار يغلب عليها التخادع في شأن حقيقة الوضع. وأي سوري عادي يعايش يوميات الثورة يستطيع أن يفيدهم في تقدير الموقف أفضل مما يفعله الخبراء الأمنيّون. اذا كانت موسكو تراهن على مزيد من المجازر للحصول على حضور المعارضة صاغرة الى الحوار مع النظام، فهي بالتأكيد واهمة. لم تعد المعادلات العسكرية صالحة لبناء استنتاجات سياسية. وأي حل سياسي لا يأخذ دم السوريين في الاعتبار لن يمرّ. هذه معارضة لن يُعثر فيها على شخص يوقّع على استسلام أو يقبل حواراً مع الاسد أو حلاً يبقيه في السلطة. هذا هو الواقع الذي صنعه عنف النظام وتكالب حلفائه وخبث أعدائه المتنكّرين بثوب «أصدقاء» الشعب.

أصبح على روسيا أن تكشف أوراقها اذا كانت تريد فعلاً طرح حل سياسي. فماذا تريد؟ ضمان مصالحها قابل للحوار، أما ضمان مصالحها مع مصالح النظام وإيران في آن فهو تعجيز، فضلاً عن أنه غير واقعي. وليس مهمّاً أن تكون قد حصلت على ضوء الأخضر الاميركي لـ «قيادة» الحلّ، فهي برهنت، بالطريقة الجلفة وباحتقارها دم الشعب السوري، عن إنكار للواقع وقلّة حيلة يؤهلانها فقط لقيادة مزيد من التدهور حتى في أوضاع النظام نفسه الذي تقول إنها تحتاج الى تعاونه بشأن بعض استحقاقات الوضع الانتقالي. حان الوقت كي تتكاشف مباشرةً مع هذا النظام في الممكن والمستحيل، بعيداً من أي منحى ابتزازي أو مساوم للمعارضة، لأنه ببساطة غير مفيد وغير مجدٍ. ينبغي أن يكون التفاهم الاميركي – الروسي واضحاً ومعلناً بأن طرفيه يعملان للحؤول دون أن يتمكّن النظام من تفكيك الكيان السوري، ومن دفع الدولة والجيش الى الانهيار، ومن افتعال مواجهات بهدف إشعال حروب طائفية. كل ذلك يستوجب حسمه، وهذه مسؤولية الروس، قبل أن ينبروا الى دعوة المعارضة الى «حوار». المطلوب وضع النظام في صورة السيناريو المنظَّم لسقوطه. اذ لم يعد مجدياً أي تدخل خارجي (روسي أو ايراني) لإنقاذه، فليس هناك خيار اسمه بقاء النظام. أما خيار انقاذ ما يفترض انقاذه من النظام فهو ممكنٌ فقط ببلورة خطط لرحيل الاسد والمئة - مئتين من القتلة اذا وُجد له (لهم) ملاذ مع ضمان دولي بعدم الملاحقة والمحاكمة. لكن استمراره في المجازر يقلّص فرص العثور على ملاذ كهذا، خصوصاً اذا كان المعنيّون - على ما يُنقل عنهم - يفضّلون «اللجوء الى بلد عربي». ولا شك في أن تعاونه الجدي وعدم مراوغته وعدم تلغيم رحيله بفتن طائفية مفتعلة قد تساعد في ترتيب هذا الخيار. فأنّى للنظام أن يتعاون وألا يراوغ؟!

على «أصدقاء الشعب السوري» أن يعلنوا صراحة ماذا حلّ بهذه «الصداقة» في الاسبوعين الأخيرين. عليهم أن يوضحوا لماذا انتقلوا بين ليلة وضحاها من عراضة «الاعتراف» بائتلاف المعارضة في مراكش الى الإعراض عن الدعم والتسليح والإغاثة الانسانية. عليهم أن يعترفوا بفشلهم في توحيد رؤاهم وفي ادارة استراتيجية تعاملهم مع الأزمة وبأن هذا الفشل أساء الى المعارضة وبلبل مساعيها لتوحيد صفوفها بالإضافة الى الاختلالات الموضوعية التي كانت ولا تزال تعاني منها. عليهم أن يقرّوا بأنهم وقعوا في مخطط النظام الذي قادهم الى «عسكرة الثورة» ليفتح الأبواب للتطرف ثم راح يخيفهم بالمتطرفين وها هو الآن يدعوهم الى الاعتماد عليه ومساندته لـ «مكافحة الارهاب». عليهم أن يتصارحوا بأن التسليم الاميركي لذرائع النظام وللروس والاسرائيليين والايرانيين لا يشكل حلاً سويّاً لسورية وإنما هو وصفة علنية لذبح السوريين ووصمة عار لن يغفروها لأنفسهم اذا كان لا يزال للضمير والانسانية فسحة في سياساتهم. وعليهم أن يبرروا أخيراً لماذا يجب أن يكبّدوا الشعب السوري آلافاً اضافية من القتلى ليقايضوا البرنامج النووي الايراني بالإبقاء على النظام السوري، ولماذا لم يقدموا على هذه الصفقة لمتاحة منذ شهور، وكيف يصدّقون ان ايران ستقامر بما تحصّن به «نفوذها»... أما النظام فسيتكفّل الشعب السوري بمصيره في مختلف الأحوال.

 * كاتب وصحافي لبناني

================

عيون وآذان (لا أحد بريئاً في النزيف السوري)

جهاد الخازن

الخميس ١٠ يناير ٢٠١٣

الحياة

يشترك الرئيس بشار الأسد والمعارضة السورية في اعتقاد كل منهما أنه سيخرج منتصراً من المواجهة الحالية إذا استمر في طريق القتل والتدمير.

هما يشتركان أيضاً في العيش في عالم من الوهم أو الخيال صنعه كل من الطرفين بيديه، فالنظام يعتقد أنه سيهزم المعارضة في أسابيع، والمعارضة تعلن منذ سنتين أن النظام سيسقط بعد شهرين.

بعد ذلك أزيد أن الرئيس اجترح معجزة في خطابه الأخير، فقد عارض الحل الذي اقترحه (واسمه الصحيح اللا حل) العالم كله خارج القوقعة (أو الفقاعة بلغته) التي يعيش بداخلها، فرفضه المجلس الوطني في الخارج وهيئة التنسيق في الداخل، وكل أطياف المعارضة، من الوطني المعتدل إلى الإرهابي القاتل، ورفضته معهم دول الشرق والغرب. طبعاً إيران أيدت إلا أن السبب ربما كان أنها كتبت اللا حل مع الرئيس السوري.

لا أحد بريئاً في النزيف السوري المستمر، لا الرئيس أو المعارضة، أو الدول العربية التي دعمت المعارضة لأسبابها، وليس لحماية الشعب السوري، أو الولايات المتحدة التي قالت الشيء ثم عكسه بانتظام، أو الدول الأوروبية التي لم تقدم غير الإدانات والوعظ، أو الصين المتحفظة، أو روسيا المترددة.

مفوضة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة نافي بيلاي قالت إن 60 ألفاً من السوريين قتلوا حتى الآن، والرقم ربما كان 50 ألفاً وربما وصل إلى مئة ألف، فهو تقديري والحقيقة ضائعة بين إنكار النظام ومبالغات المعارضة.

هل يعقل أن يقتل عشرات ألوف السوريين، ويعجز مجلس الأمن عن عقد جلسة واحدة للبحث عن مخرج يحمي أرواح الناس؟ مرة أخرى، لا يوجد أبرياء في الموضوع السوري فالكل مسؤول (وأنا من هذا الكل ففي البداية لم أتصور أن النظام سينتحر وعنده مخارج عدة من الأزمة التي بدأت بتظاهرات سلمية).

هل ينتظر العالم أن يقتل مئة ألف سوري آخر قبل أن يتحرك لإنقاذ شعب رأيته دائماً واسطة العقد في المجموعة العربية؟

معلوماتي من المعارضة السورية أن 70 في المئة من سلاح الجيش الحر هو غنائم من الجيش السوري، و30 في المئة دعم خارجي، ومن الرقم الأخير 15 في المئة من دولتين عربيتين، وخمسة في المئة من شيوخ سلفيين في الخارج للسلفيين المحليين، وخمسة في المئة من أفراد سوريين يقيمون خارج بلادهم، وخمسة في المئة من أفراد سوريين يملكون السلاح في الداخل. هل هذا صحيح؟ أنقله كما سمعته.

أمس قرأت معلومات أميركية عن أن النظام السوري كان يعد قنابل كيماوية، أكثرها من مادة سارين، لاستعمالها ضد الثوار، وأن إسرائيل نبهت الولايات المتحدة التي اتصلت بروسيا، لإقناع النظام بتجنب استخدام أسلحة الدمار الشامل، وهذا ما حدث.

لا أدري مدى صحة المعلومات، وإن كنت أميل إلى تصديقها فالنظام على ما يبدو قادر على ارتكاب ما يرفض الناس جميعاً مجرد التفكير به، وثمة دليل يومي هو تدمير المدن بالمدفعية الثقيلة وغارات الطائرات الحربية.

المنطق يقول إنه إذا استعمل النظام أسلحة كيماوية فنهايته ستأتي في أسابيع، لا أشهر، لأن العالم الخارجي، بما فيه الولايات المتحدة سيضطر إلى التدخل. يتبع ما سبق أن المنطق نفسه يقضي بابتعاد النظام عن استخدام مثل هذه الأسلحة حتى لا يعطي خصومه عذراً شرعياً لدخول سورية وإسقاطه.

غير أن المنطق هو آخر ما رأينا في المواجهة المسلحة داخل سورية، والرئيس الذي لم يبق له حليف واحد في العالم سوى إيران يقدم نفسه على أنه الحل، فكأنه يتكلم من داخل تلك القوقعة أو الفقاعة التي يجلس بداخلها، ويرفض أن يرى الحقائق الدامية حوله.

هو أصاب في حديثه عن إرهابيين والقاعدة ومجرمين ضمن التحالف العسكري ضده، إلا أنه مسؤول عن وجودهم. فمنذ أول تظاهرة سلمية في آذار (مارس) 2011 ارتكب النظام الخطأ تلو الخطأ، فكأنه حليف مع أعدائه يساعدهم على تنفيذ «الأجندة» الخارجية التي تحدث عنها.

هذا النظام لا يملك أسباب البقاء، والشعب السوري يستحق شيئاً أفضل من المعارضة الحالية التي تزعم أنها تتحدث باسمه، والأزمة ستطول بين خصمين يتنقلان بين الخطأ والجريمة، والضحية الشعب السوري.

================

حالتا فصام

حسان حيدر

الخميس ١٠ يناير ٢٠١٣

الحياة

يكاد التطابق يكون شبه تام بين سياسات النظامين السوري والإيراني، الداخلية منها أو الخارجية، وهي سياسات يربط بينها رفضهما القاطع والدائم للاعتراف بالأخطاء، ولازمة لوم «الأعداء» و «الحروب الكونية» عند كل أزمة، وإخفاء القلق الذي يعتريهما من احتمال أن تؤدي الانتفاضة ضد الأول والعقوبات المتزايدة على الثاني، إلى انهيار أحدهما أو كليهما، أو على الأقل إلى فك الارتباط بينهما.

ففي الخطاب الأخير الذي ألقاه الرئيس السوري بشار الأسد، تجسدت المكابرة والقفز على الوقائع في أقصى حالاتهما، فبدا كأنه يتحدث عن دولة أخرى غير سورية، أو عن مشكلة محلية صغيرة في مدينة سورية صغيرة، وليس عن ثورة تعم أرجاء بلده وقد أسقطت سلطته عن أجزاء كبيرة منه وتهدد ما تبقى منها.

وفي عينة صارخة لمرض ضعف الذاكرة التقليدي لدى الطغاة، كرر الأسد الشعارات نفسها التي يستخدمها منذ نزل شعبه إلى الشوارع قبل عامين مطالباً برحيله، فطرح مبادرة خيالية ووضع شروطاً أكثر خيالاً، وسخر من «ربيع سورية»، متوعداً السوريين بأنه سيواصل قتلهم حتى لو قبلوا بوقف إطلاق النار، ومتجاهلاً أنه هو المحاصر في جزء من عاصمته، لا ينام ليلتين في المكان نفسه، ويخفي مكان وجوده حتى عن المقربين منه، مخافة اغتياله بالسم أو بالقنص.

ووصل به الأمر حد تجاهل سقوط ما يزيد عن ستين ألف قتيل ومئات آلاف الجرحى والمعتقلين وملايين النازحين، أو أي ذكر لجهود الموفد الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي الساعي لمرحلة انتقالية في سورية.

أما القيادة الإيرانية التي اعترفت بأن صادراتها النفطية خلال العام المنصرم انخفضت إلى النصف وأنها مرشحة للمزيد من التراجع، وان خسائرها المالية تقارب خمسة بلايين دولار كل شهر نتيجة نظام العقوبات الذي يضغط بقوة على مفاصل اقتصادها، وأن رحلات طيرانها الداخلي توقفت لعدم تمكن شركتها الوطنية من دفع ثمن الوقود، فتصر على مواصلة الإنفاق الهائل وغير المبرر على التسلح وكأنها في أزهى أيامها، وليست محاصرة ومعزولة.

وهي توجت حال الإنكار هذه بإجراء مناورات عسكرية جديدة مكلفة في الخليج لاختبار قدرتها على إغلاق مضيق هرمز والسيطرة على الملاحة الدولية فيه، معتبرة أن مشكلتها ليست في الداخل الذي يعاني من تراجع في السياسة والمعيشة بل في «مؤامرات» الخارج، على حد قول مرشدها، الذي استغرب الدعوات الصادرة، حتى من قلب نظامه، إلى تأمين النزاهة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، متسائلاً: «أي دولة تنظم انتخابات أكثر حرية من إيران؟»، وكأن الثورة الخضراء لم تحصل في 2009 ولم يسقط فيها مئات القتلى والجرحى، أو أن السجون الإيرانية ليست ملأى بآلاف المحتجين على التزوير في الانتخابات السابقة وان قادة المعارضة ليسوا قيد الإقامة الجبرية وممنوعين من ممارسة العمل السياسي.

دمشق وطهران تعانيان من حال فصام عن الواقع، لكنه فصام اختياري يستند إلى مبررات أيديولوجية تجعل نظاميهما يلجآن عمداً إلى رفض الحقيقة ما لم تتطابق مع ما يفترضان أنه «الصحيح» و «الطبيعي»، وينكران وجود أسباب دفعت شعبيهما إلى التعبير عن اليأس من إصلاح النظامين والمطالبة بتغييرهما. ولان المشكلة هي نفسها في دمشق وطهران، فإن ما بدأ في سورية لن يتأخر كثيراً في الوصول إلى بلاد فارس.

================

مرة بشار الأسد..

حسين شبكشي

الشرق الاوسط

10-1-2013

اتفق معظم العقلاء الذين تابعوا خطاب بشار الأسد الأخير أنه كان خطابا موجها بشكل أساسي ومركز للعالم الغربي وليس للسوريين ولا للعالم العربي. ركز بشار الأسد وكرر مرارا تحذيره من الجماعات «التكفيرية الإرهابية» وجعل هذه الفكرة هي ركيزة خطابه وقال: إن هذه الجماعات كلها أذناب لتنظيم القاعدة الإرهابي (وهو اسم كفيل بإثارة الاهتمام الكافي في أذهان المتابعين في العالم الغربي)، ولم يتجرأ بشار الأسد أن يذكر صراحة اسم تنظيم جبهة النصرة التي تردد اسمها في الإعلام وعلى ألسنة المسؤولين الأميركيين وتم إدراج اسم هذه المجموعة على قائمة المنظمات الإرهابية رغم أن دور جبهة النصرة في الثورة والاقتتال بات معروفا ولكنه فضل استخدام اسم تنظيم القاعدة لأن «تسويق» خطر الإرهاب التكفيري يسهل القيام به في حالة استخدام هذا الاسم.

بشار الأسد يحاول في ورقته الأخيرة زيادة ودغدغة مشاعر الغرب وأميركا من فزاعة التكفيريين، والخطاب أعد جيدا هذه المرة، وتمت الموافقة والإشراف عليه سلفا من قبل طهران وموسكو، وكلا الفريقين يستخدم فزاعة «الجماعات التكفيرية» في خطاباتهم السياسية المختلفة وذلك بحسب أسبابهم الخاصة بهم؛ فإيران دوما تسعى للعب بهذا اللفظ في طرح طائفي ويظهر ذلك جليا عبر أنصارها في العراق ولبنان مثلا، أما روسيا فهي تستشهد بتجاربها مع هذه الجماعات في أفغانستان والشيشان وداغستان ومعاناتها معهم. ولكن ما يتغاضى عن ذكره هؤلاء جميعا أن بشار الأسد ومن قبله أبوه قاما بإرهاب دولة مقنن في حق الشعب السوري عبر أكثر من أربعين سنة راح ضحيته عشرات الآلاف من الأبرياء بلا رحمة ولا هوادة.

واليوم ها هو المشهد يتكرر، ويصر الروس والإيرانيون على دعم النظام المجرم حتى الرمق الأخير، والمشهد الإغاثي الإنساني بدأ يأخذ أبعادا مأساوية وباتت مشاهد اللاجئين وهم يعانون على حدود تركيا والأردن والعراق ولبنان تدمي القلوب وسط حالة من الخذلان العربي والعالمي تثير الدهشة والاستغراب والاندهاش والاشمئزاز في آن واحد.

بشار الأسد تنازل بالتدريج إبان حكمه عن السيادة السورية لصالح إيران ورضي أن يخرج ملك العرب والعروبة الذي كان يدور فيه والده بشكل صوري، ولكن الابن قرر أن يتبنى الخط الطائفي الواضح والصريح واختار الطائفة على حساب العروبة والجيرة والمصالح وفي سبيل ذلك فلتحرق الدار بمن فيها، ولم يجد الروس صعوبة في مساندة الثنائي الإيراني - السوري لأن بشار الأسد وأحمدي نجاد كانا بحاجة بعضهما لبعض والروس أدركوا تماما أن هؤلاء الاثنين «معا» وفي هذا الظرف هما الحلف المناسب للظرف المناسب حتى يكونا ورقة ضغط للروس في مواجهة الغرب يساومهم فيها على حساب صواريخ الأطلسي المزمع إقامتها في دول أوروبا الشرقية بمواجهة الحدود الروسية، وهو الأمر الذي اعتبرته روسيا تحديا وقحا وفجا من الغرب ومن فوق أراضيها لدول كانت بالأمس جزءا أساسيا من المعسكر الشرقي إبان حقبة الاتحاد السوفياتي.

الثورة السورية فضحت وعرت وكشفت زيف المواقف والمبادئ والعقائد التي كانت تتبناها بعض الفرق والأطراف والدول وباتت مواقفهم المؤيدة لبشار الأسد ونظامه المجرم غير قابلة لأن تبرر ولا لأن يدافع عنها أبدا. روسيا مدت بشار الأسد وكذلك فعلت إيران مؤخرا بأرتال من العتاد والسلاح والذخيرة لقواته المجرمة بينما يعاني الثوار من نقص في العتاد والسلاح ومن العون الإغاثي. قرار الخلاص من بشار الأسد لم يحسم بعد في موسكو وتل أبيب، إسرائيل لديها هواجس كبيرة جدا من مرحلة ما بعد الأسد التي عاشت فيها في أمان لم تحلم به من قبل وبات الهدوء على هضبة الجولان ينافس الهدوء الموجود على جزر هاواي من دون أي مبالغة.

المشهد السوري يزداد وهجا وإيلاما، ومع ازدياد حالة القنوط واليأس والدماء والقتل ستكون هناك نقطة التحول القادمة. من الصعب جدا التفاؤل مع هذه المشاهد ولكن لا يوجد أي خيار آخر سوى التفاؤل، فالطاغية قد ألقى خطابه الوداعي، ولن يتبقى من بشار الأسد سوى نكات تروى عنه وذكريات أليمة عن حقبته.

================

خطاب مهزوم وليس منتصرا.. ووداع لدمشق لا لقاء بعده

صالح القلاب

الشرق الاوسط

10-1-2013

كان ضروريا جدا أن يظهر الرئيس السوري بشار الأسد بذلك المظهر الذي ظهر به يوم الأحد الماضي، بعد غياب مثير لتساؤلات كثيرة استمر لنحو ستة أشهر.. وأن تكون له تلك الإطلالة البائسة والمخيبة لآمال الذين راهنوا على إمكانية عقد صفقة «مرحلة انتقالية» معه على أساس: «أنْ لا يجوع الذئب ولا تفنى الأغنام».. فهو من خلال هذا الخطاب المرتبك البعيد عن التركيز المفترض في مثل هذه التحولات الخطيرة التي تمر بها سوريا، الذي اتخذ خلال إلقائه في قاعة «أوبرا» دمشق الجميلة، ليس وضعية رجل الدولة المسؤول عن أي حرف وعن أي كلمة يقولها وعن أي إشارة وحركة يقوم بها، وإنما وضعية الفيلسوف أو المحاضر المرتبك الذي يريد إنهاء محاضرته بسرعة لينصرف على عجل.

قبل هذه الإطلالة وقبل هذا الخطاب، الذي كان بمثابة حفلة شتائم وحملة اتهامات مكشوفة ورديئة، كان هناك - ومن بين هؤلاء المبعوث الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي - من يظن أنه بالإمكان أن يتم التعامل مع بشار الأسد باعتباره رقما رئيسيا في معادلة «المرحلة الانتقالية»، التي كثر الحديث عنها والتي بقيت مطروحة منذ البدايات وإن بصيغ وأشكال متعددة، أما بعد إطلالة يوم الأحد الماضي فقد جرى قطع الشك باليقين وقد ثبت لمن كان يبحث عن الحقيقة ولغير المنحازين إلى هذا النظام الدموي المجرم والقاتل أنه من غير الممكن الوثوق بهذا الرجل وأن هناك استحالة لنقله من دائرة العنف إلى دائرة الحلول السياسية المطلوبة التي تجنب البلاد والعباد كل هذه الويلات التي بقيت تعيشها سوريا على مدى نحو عامين.

والمؤكد، وهذا على عكس بعض الآراء والتقديرات، أن روسيا، ممثلة في وزير خارجيتها سيرغي لافروف تحديدا، هي التي تقف وراء هذا الخطاب الاستعراضي، الذي حاول فيه بشار الأسد التذاكي على العالم كله والضحك على ذقون كل المتابعين للأزمة السورية التي تحولت إلى حرب مدمرة طاحنة، وذلك من أجل وضع العربة أمام حصان الحلول السياسية وليذهب الرئيس فلاديمير بوتين إلى الاجتماع الذي من المفترض أن يجمعه بالرئيس الأميركي باراك أوباما للبحث عن نهاية لما يجري في سوريا بورقة رابحة تظهر أن هذا النظام السوري لا يزال قويا ومتماسكا وأن لديه القدرة على أن يرفض أي إملاءات «جائرة»!! بل وأن يفرض بعض الشروط التي تضمنها خطاب يوم الأحد الماضي الغريب والعجيب الذي يدل على كم أن صاحبه منفصل كثيرا عن الواقع وكم أنه لا يدرك حقيقة ما يجري في بلد من المفترض أنه بلده.

إنه لا يمكن إلا أن تكون موسكو وراء هذا الخطاب وأن كل ما جاء فيه من عنتريات فارغة ومن تجاوز لكل حدود التبجح ومن ادعاءات وتقمص وضعية المنتصر بينما وصلت طلائع الجيش السوري الحر إلى بعد مئات الأمتار من القصر الجمهوري (قصر الشعب)!! لا بد من أن الاتفاق عليها قد تم خلال زيارة نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد أولا إلى العاصمة الروسية وثانيا إلى العاصمة الإيرانية، والدليل على هذا أن إيران قد سارعت إلى تأييد ما اعتبرته «الخطة» التي اقترحها بشار الأسد، وأن وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي لم يخجل من أن يقول: «إن هذه الخطة ترفض العنف والإرهاب والتدخل الخارجي وتقترح عملية سياسية شاملة»!! وأنه لم يخجل أيضا من أن يوجه دعوة إلى «كل الفعاليات السورية.. والمجتمع الدولي» إلى اغتنام ما اعتبره الفرصة التي أتاحتها الخطة المشار إليها «لإعادة الأمن والاستقرار إلى سوريا وتجنب امتداد الأزمة إلى المنطقة».

كل هذا بينما بادرت كل الدول الفاعلة؛ الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وتركيا ودول عربية أخرى، بعد هذا الخطاب مباشرة، إلى مطالبة بشار الأسد بالتنحي واعتبار أن ما جاء في خطابه هو مجرد محاولة للاحتفاظ بالسلطة وأنه لن يخدع أحدا، وفوق هذا، فقد أعلنت واشنطن أنها ستسعى إلى مزيد من الضغط الدولي على الرئيس السوري ونظامه، وقد أعلنت عن وضع أسماء مائة من كبار المسؤولين السوريين العسكريين والأمنيين والسياسيين على اللائحة السوداء والمباشرة في ملاحقتهم على أساس أنهم مجرمو حرب لا بد من إلقاء القبض عليهم وتسليمهم إلى محكمة الجنايات الدولية وبالطريقة نفسها التي اتبعتها مع صدام حسين بعد احتلال العراق في عام 2003.

ولعل ما يؤكد أن خطاب بشار الأسد، هذا المشار إليه، بكل ما احتواه من تضارب ومفارقات وارتباك وانعدام التركيز هو مجرد محاولة للهروب إلى الأمام، هو أن صحيفة الـ«غارديان» البريطانية قد قالت، في تقرير لمحلل شؤون الشرق الأوسط ريتشارد سبينسر، إن خطاب الرئيس السوري أعاد التذكير بالأيام الأخيرة للديكتاتور الليبي وإنه تضمن العبارات نفسها التي كان يستعين بها معمر القذافي قبل سقوطه بفترة وجيزة. وأشارت هذه الصحيفة البريطانية في تقرير محللها هذا إلى أن الأسد قد استخدم المفردات نفسها التي سبق أن استخدمها القذافي قبل سقوطه وقتله على أيدي الثوار. وانتهت هذه الصحيفة إلى القول: «لو كان الوضع على الأرض كما صوره بشار الأسد، لقبل المقاتلون بكل ما تضمنه خطابه من مطالبة لهم بتسليم أنفسهم وأسلحتهم والجلوس على مائدة الحوار، لكن الوضع على الأرض في سوريا ليس كذلك، مما يؤكد أن تفاؤل الرئيس السوري مبالغ فيه، وأن هزيمته باتت وشيكة، وأنه لا يوجد أي أمل في أن يكون هو الفائز، فهو خسر أجزاء واسعة من البلاد، وذلك بالإضافة إلى أن أعدادا كبيرة من رجاله المسلحين قد قتلوا على بوابات العاصمة دمشق. وقد ختمت الـ«غارديان» تقريرها بالتساؤل: «ولذلك، فكيف يمكن للمقاتلين السوريين أن يقبلوا بالعرض الذي قدمه الأسد لهم ما دام أنهم أصبحوا متيقنين بأنه سيسقط لا محالة؟!».

والملاحظ أن بشار الأسد لم يأت على أي ذكر لا لتصريحات فاروق الشرع الذي من المفترض أنه نائبه ولا على بعض ما جاء فيها، خاصة القول إنه لا انتصار في هذه المواجهة؛ لا للجيش والأجهزة الأمنية ولا للمعارضة المسلحة، وإنه لا بد من أن تكون هناك حلول تاريخية ولا بد من تشكيل حكومة وحدة وطنية بـ«صلاحيات كاملة». وهذا يعني أن هذا الخطاب هو «ضربة مغادر» وأنه خطاب هزيمة وليس خطاب انتصار، وكأنه قال فيه، رغم كل ما تضمنه من تهديدات وعنتريات ورفع لسقوف مطالبه: «وداعا يا دمشق.. وداعا لا لقاء بعده»!!

الآن وبعد إطلالة يوم الأحد الماضي، التي تشبه فعلا إطلالة «الأخ قائد الثورة».. وأي ثورة؟! من فوق أسوار العزيزية، فإن القناعة قد ترسخت لدى كل المعنيين بدعم المعارضة السورية بأن انتصار الجيش السوري الحر يجب أن يكون حتميا ويجب أن يكون سريعا وفي أقرب فرصة ممكنة، وأنه لم تعد هناك أي جدوى من الحديث عن «المرحلة الانتقالية» بالصيغ التي روج لها ولا يزال يروج الأخضر الإبراهيمي الذي من المؤكد أنه بعد هذه الإطلالة البائسة قد وصل إلى النتيجة نفسها التي وصل إليها العالم كله، باستثناء روسيا وإيران.. والصين وربما فنزويلا أيضا، وهي أنه: «فالج لا تعالج» وأنه لا شك في أن من يصف ثورات «الربيع العربي»، التي أسقطت أربعة رؤساء والتي ستسقطه هو أيضا، بأنها مجرد فقاعات صابون، إما أنه منفصل عن واقعه وأنه لا يعي ما يجري في بلده، أو أنه قال ما قاله في خطاب يوم الأحد تحت تهديدات وضغط المحيطين به الذين شعروا أن أعناقهم اقتربت من حبال المشانق وأنه بات «لا بد مما ليس منه بد».

ولهذا، وحتى تكون هذه الإطلالة البائسة هي الإطلالة الأخيرة، فإنه لا بد من أن تبلور المعارضة وبسرعة الخطة التي كانت أعلنت عنها لتسلم الحكم، خاصة الجانب المتعلق منها بطمأنة الطائفة العلوية التي تعرف تمام المعرفة أن بشار الأسد يريدها مجرد كبش فداء له ولعائلته ولأخواله وأعمامه ولنظامه، والتي يجب تشجيعها على القفز من سفينة هذا النظام الذي هو نظام طائفي وليس نظام هذه الطائفة التي وقع عليها ما وقع على الشعب السوري وأكثر خلال الأربعين سنة الماضية.. إن الانتصار على هذا النظام غدا قريبا، وإنه على المعارضة أن لا تضيع دقيقة واحدة، خاصة لجهة توحيد قواها، وأن تكون اليد العليا في المجالات العسكرية للجيش السوري الحر الذي يجب أن يكون موحدا وتحت أمرة قيادة واحدة.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ