ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 14/01/2013


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

13-01-2013

لفتة إنسانية نحو اللاجئين السوريين

الراية القطرية

التاريخ: 13 يناير 2013

تأتي التوجيهات السامية لسمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني نائب الأمير ولي العهد حفظه الله بإرسال دفعة من المساعدات القطرية العاجلة إلى اللاجئين السوريين بمخيم الزعتري في المملكة الأردنية الهاشمية الذين يواجهون أوضاعاً إنسانية صعبة بسبب الظروف المناخية القاسية التي تمر بها المنطقة، انطلاقاً من واجب دولة قطر نحو أشقائها من الشعب السوري في محنتهم، وما تمليه الأواصر الأخوية وتحتمه العلاقات التاريخية التي تجمع بين الشعبين الشقيقين.

كما تأتي هذه اللفتة الإنسانية لسمو ولي العهد في إطار الدعم المتواصل الذي تقدمه دولة قطر للتخفيف من المعاناة والأوضاع الإنسانية التي يمر بها الشعب السوري حالياً.

إن توجيهات سمو الشيخ تميم لنجدة وغوث اللاجئين السوريين في مخيم الزعتري تؤكد حرص سموه على متابعة المعاناة الإنسانية لهؤلاء اللاجئين الذين فروا من بلادهم بحثاً عن الأمان بعد مواصلة النظام السوري لحربه ضد شعبه في مختلف المدن والبلدات السورية.

لقد انتصرت دولة قطر حكومة وشعباً لقضية الشعب السوري منذ اللحظة الأولى لانطلاق الثورة السورية ولم تتوان لحظة عن تقديم الدعم السياسي والمادي لهذا الشعب الشقيق

من خلال قوافل المساعدات الإغاثية القطرية التي سعت للوصول إلى مخيمات اللاجئين في الأردن ولبنان وتركيا والعراق للتخفيف من معاناتهم. .

لقد بذلت الجمعيات الخيرية القطرية منذ بداية الأزمة جهوداً كبيرة وملموسة في دعم اللاجئين السوريين وتضافرت جهود العمل الخيري القطري مع الجهود الرسمية التي تقوم بها أجهزة الدولة لتقديم الدعم والمساعدة ما شكل علامة فارقة للعمل الخيري القطري الذي تميز بسرعة المبادرة وسرعة الاستجابة لمتطلبات اللاجئين السوريين .

إن الواجب الأخلاقي يستدعي أن تقوم الدول والمنظمات الدولية بواجبها للتخفيف من معاناة الشعب السوري سواء داخل سوريا أو في مخيمات اللجوء خاصة أن الحديث يجري عن نحو 600 ألف لاجئ سوري في دول الجوار وأكثر من مليوني نازح داخل سوريا بسبب العمليات العسكرية المتواصلة.

إن تضافر جهود الجميع من دول مؤثرة ومنظمات دولية إنسانية لنجدة الشعب السوري الشقيق والتخفيف من معاناته ومسح جراحه في هذه المحنة التي يذهب ضحيتها المواطنون الأبرياء أقل ما يمكن أن يقدم لهذا لشعب الشقيق في هذه الظروف الصعبة والمؤلمة التي يمرون بها.

=================

اللاجئون السوريون ومعاناتهم

رأي البيان

التاريخ: 13 يناير 2013

موجة الأمطار والثلوج التي تجتاح هذه الأيام منطقة الشرق الأوسط، وإن اعتبرها البعض بشرى خير لموسم الحصاد لا سيما للمزارعين، إلا أن هذا المشهد لم يكن كذلك بالنسبة للاجئين السوريين الذين تفاقمت مشاكلهم مع انخفاض درجات الحرارة وزادت معاناتهم، ففضلاً عما تتكبده العائلات من أجل الوصول إلى المناطق الحدودية والخروج بأمان حيث «الاستقرار»، فالرحلة أصبحت أكثر مشقة ومرارة، خاصة على الأطفال الأبرياء الذين لا ذنب لهم في كل ما يجري، سوى أنهم يعيشون تحت نظام كل ما يفكر فيه هو الحفاظ على سلطته بأي وسيلة كانت، غير عابئ بما يسببه من آلام وقتلى وضحايا لشعب كل مطالبه أن ينعم بحقه في العيش الكريم وبالعزة والكرامة.

لقد ذكرت المفوضية العليا للاجئين التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، أن عدد اللاجئين السوريين في دول الجوار وشمال إفريقيا تجاوز خلال الشهر الجاري 600 ألف لاجئ، بعد تسجيل أكثر من مئة ألف لاجئ جديد خلال الشهر الماضي.

وتشير الأرقام التي أوردتها المفوضية، إلى وجود 612 ألفاً و134 لاجئاً سورياً مسجلاً في الدول المجاورة، مقابل 509 آلاف في 11 ديسمبر الماضي.

إن مثل هذا التدفق المتسارع للاجئين السوريين في ظل ما تشهده المنطقة من تقلبات في الطقس، لا شك في أنه يزيد الضغط على مخيمات اللجوء التي يعاني سكانها من البرد والأمراض، وإن اتخذت جميع الاحتياطات لمواجهة فصل الشتاء.

ولا بد من التأكيد على أن مساعدة اللاجئين عبر الحدود الدولية، هي مسؤولية المجتمع الدولي ككل، لا مسؤولية الدول المستضيفة وحدها. وقد أضحت معاناة اللاجئين السوريين اليوم أكثر إلحاحاً، وأصبحت بحاجة إلى جهد دولي أكبر يحفظ كرامة اللاجئ ويقدم له الخدمات الإنسانية الضرورية، من دون أن يلقى العبء على الدول المضيفة وتحمل كامل تكاليف الاحتياجات المعيشية والإنسانية لهذه الأعداد المتزايدة من اللاجئين، وننسى واجب المجتمع الدولي في أن يتحمل مسؤوليته الإنسانية كاملة.

=================

"الرئيس" يخطب والكهرباء مقطوعة

دمشق ـ عمر قدور

المستقبل

13-1-2013

حال الكثيرين من السوريين أنهم كانوا سيتابعون الخطاب، مع استبعادهم لاحتوائه على أي اختراق أو مفاجأة تستحق المتابعة، هذا إن توفرت الكهرباء. وكانت العادة قد جرت على أن توفر وزارة الكهرباء التيارَ للجميع في أثناء الخطابات السابقة، لكنها هذه المرة لم تفعل، فخذلت حتى أولئك الذين وطنوا أنفسهم على الاستمتاع بالطاقة وحسب، وربما متابعة برامج ترفيهية على محطات تشاطرهم عدم الاهتمام بالخطابات.

بالطبع ليس ثمة إحصائية عن المناطق المحرومة من الكهرباء وقتَ إذاعة الخطاب، إلا أن التقديرات تؤكد تجاوزها لأكثر من نصف سوريا، وفي الطليعة منها المناطق المحررة التي لم يرَ قسم كبير منها الكهرباء لمدة طويلة. أي أن نسبة كبيرة من المجتمع الثائر، الذي يُفترض بأن الخطاب (الحل) موجه إليه، لم يكن قادراً على متابعة رئيس النظام، والتثبت من وجوده فعلاً أمام حشد من أنصاره في دار الأوبرا. فيما بعد، قد يسمع البعض منهم بأن الحضور هتفوا مع انتهاء الخطاب بعبارة "شبيحة للأبد"، ربما في دلالة بعثية مستحدثة على معنى الأوبرا.

وربما يكون الاستمرار في قطع الكهرباء في أثناء الخطاب جزءاً من سيناريو الأخير، فرأس النظام أشار في خطابه إلى مسؤولية المعارضة المسلحة عن قطع الكهرباء تحديداً، ولم يكن من اللائق انسجاماً مع إشارته أن تتوفر الكهرباء لساعة واحدة فقط. ذلك يقتضي أيضاً تناسي السوريين لأزمة كهرباء عمرها عقود، لم يستطع في أثنائها النظام حلها جذرياً، مع أن كتبه المدرسية واظبت على تلقين الطلاب أن إيصال الكهرباء إلى البيوت من منجزاته العظيمة، وكأن البشرية عموماً في عوز أو كأن الكهرباء امتياز بعثي صرف.

بعبارة أخرى؛ لا يرى النظام أن توفير الكهرباء، أو أية خدمة أخرى، من بديهيات وجوده، بل يراها منّة له على السوريين، لذا لا يرى في انقطاعها أزمة له. أما الإشارة إليها في الخطاب فمن المرجح أنها إنذار أو تهديد جديدان، إذ يمكن ترجمتها وفق الخبرة السورية بعزم النظام على زيادة الأزمة متذرعاً بـ"العصابات المسلحة"، وهذا التهديد يطال جميع الخدمات الأخرى، وقد تمت ممارسته فعلاً على الأرض بالحصار الخانق على المناطق المحررة، فضلاً عن الأزمات الخانقة التي تعاني منها المناطق الأخرى بما فيها تلك التي تُحسب مؤيدة له.

في الأصل لم يقدّم النظام نفسه يوماً بوصفه مسؤولاً عن حل الأزمات، ومن المؤكد أن اقتصاد الأزمات، إذا جاز التعبير، كان الأنسب له دائماً. فالسوريون يعزون، محقين، الكثير من الأزمات المعيشية إلى تدبير النظام، والقلائل فقط يصدّقون روايته القديمة الحديثة عن المؤامرة الكونية التي تتسبب بإفساد معيشتهم بدءاً من فقدان الطاقة وانتهاء بفقدان رغيف الخبز، وبالتأكيد مروراً بالتدني المخزي للأجور. كانت الذريعة الدائمة لتغطية الفساد العظيم هي أولوية دعم المجهود الحربي حتى على لقمة العيش، ومن ثم صارت الذريعة أولوية التصدي للمخططات الإمبريالية، وأخيراً أولوية القضاء على الإرهاب.

لم تنفع الثورة في زحزحة النظام قيد أنملة عن فساده، وما حدث هو العكس إذ تم اقتطاع جزء معتبر من الفتات المعيشي من أجل دعم حربه عليها. وباستعادة مقيتة وأكثر ابتذالاً لتجربة الثمانينيات راح النظام يدفع لشبيحته من الأموال التي كان ينبغي أن تُصرف على الخدمات أو على دعم بعض السلع الأساسية، فضلاً عن أن بعض الشبيحة الصغار باتوا يتقاضون جزءاً من أجورهم كسلع عينية يحتكرونها ويتاجرون بها. ومن المحتم استمرار الفساد على نحو أكثر فظاعة فيما لو استطاع النظام البقاء، فمن المعلوم أن ظاهرة الشبيحة نشأت أساساً إثر مواجهة الثمانينيات بين النظام والأخوان المسلمين، ويومها أيضاً أسّس كلٌّ من أركانه إقطاعية الفساد الخاصة به والمحصنة تجاه أية مساءلة. أما اليوم فتبدو الثمانينيات أقل رحمة مما يحدث ومما سيحدث، لأن النظام تجاوز نفسه بأشواط على صعيد القمع والفساد، وتجاوز نفسه خصوصاً على صعيد انحطاط النخبة الأمنية واستشراء التشبيح وظهوره الفاجر، إذ لم يكن متوقعاً من الطاغية الأب في أحلك لحظاته أن يأذن لرجالاته بالهتاف: "شبيحة للأبد". لنتذكرْ أن نزوله الأخير إلى ساحة الأمويين، قبل أشهر، انتهى أيضاً بترديد مؤيديه للهتاف ذاته، أي أن أحطّ أنواع البلطجة صار عقيدة رسمية للنظام.

قد يكون الأمر مختلفاً من جهة الخارج، وبخلاف السوريين قد يكون هناك من انتظر الخطاب بشيء من الجدية، ولا ريب في أن محطات التلفزة التي استعدت لبث الخطاب، واتفقت مع محللين سياسيين وممثلي جهات سياسية، قد عادت بحصيلة متواضعة جداً قياساً إلى جهود إعلامييها. وبالتأكيد ليس من شأن الإعلام أن يتجاهل ما يصدر عن نظام يتهاوى، فهذه فرصة حظي بها الطغاة السابقون وهم يتساقطون بفعل الربيع العربي، وفي كل مرة كانت الحصيلة تافهة بالمقارنة مع الهالة التي كانت للطغاة من قبل، وانشغل العديد من المحللين بقراءة ملامح الإنهاك أو السقوط على سيميائهم لأن ما قالوه لم يكن يسترعي الانتباه. لقد أثبتوا جميعاً صغرهم حتى قياساً إلى المعنى العميق للديكتاتورية، ولم يكن ظهورهم الأخير سوى فرجة تمنح المشاهد مادة للسخرية أو الشماتة. باستثناء الخطاب الأخير للطاغية التونسي تفنن الباقون في قول ما لا يريد أحد سماعه، وكأنهم يزجون ساعاتهم الأخيرة بألاعيب لفظية عفا عليها الزمن، مع إضافة تهديدات وبذاءات تمتح من حفرة السقوط ذاتها.

ستزداد المفارقة إضحاكاً إذ يتساءل رأس النظام عن الثورة، نافياً وجود مثقفين وقادة لها، لا لأنه بهذا لا يعترف بوجود شعب ينتفض بلا إشارة من "النخب"، بل لأن هكذا نظام لا يستدعي للثورة عليه وجود مثقفين أو قادة تاريخيين. إن نظاماً خارج الثقافة بمعناها الإنساني الواسع لا يحق له التساؤل عن ثقافة الثائرين عليه، لكن الهوة تزداد اتساعاً عندما نأخذ بالحسبان مقدار الوعي الذي أظهره السوريون في الثورة قياساً إلى نظام لم يعد يحق الادّعاء بتمثيلهم تماماً لأنهم أعلى منه بكثير. الأمر تجاوز حقاً مسألة المشروعية السياسية وحتى الأخلاقية؛ إذ لم يعد جائزاً ضمن أي معيار ثقافي أو إنساني شامل أن يحكم هذا النظام، وإلا كان لزاماً على البشرية كلها أن تولّي سفهاءها.

كان يمكن النظر إلى الخطاب كمزحة ثقيلة، لولا عشرات الآلاف من الجثث التي تُلي فوقها، ولولا أن طاغيةً مهرجاً كالقذافي لم يعد مسلياً في طوره الأخير. ثم إن هذا الحد من التسلية كان يقتضي توفر الكهرباء ومتابعة الخطاب بالبث الحي، وإن كان في الأصل مسجلاً كما تقول بعض التكهنات، لأن متابعته في الإعادة أشبه بمشاهدة مباراة منعدمة المستوى عُرفت نتيجتها سلفاً. على ذلك كان من الأنسب بث هذا النوع من الخطابات على المحطات الوثائقية فقط، إذ لا معنى لكلمة Live أو مباشر هنا، باستثناء أن المعني لا يزال يباشر مهمته في القتل. فيما عدا ذلك يبدو الخطاب كأنه يرجع إلى زمن سحيق تجاوزه السوريون والعصر، وليس مستبعداً أبداً أنه من زمن سبق اختراع الكهرباء!

=================

من حرب النظام الشاملة إلى جحيم الإبراهيمي

اسطنبول ـ عمر كوش

(إلى عمر عزيز..الهادئ حتى في زنزانة سجانيه)

المستقبل

13-1-2013

من وقت لآخر كان الصديق عمر عزيز، المعتقل حالياً في سجون أجهزة أمن النظام الدموي الأسدي منذ 20/11/2012 وإلى يومنا هذا، يدعوني لشرب فنجان قهوة في أحد مقاهي دمشق. وقبل أن يحين موعد اللقاء بدقيقة، أو اكثر، كنت أجده جالساً، ينتظرني في المقهى المعتاد..

ومع فنجان القهوة، كانت الأحاديث تدور، لتطاول الأحوال والمستجدات والأدوار الممكنة لدعم الثورة وناسها، وتمتد إلى تناول ما يتشكل من مجالس وهيئات وتشكيلات سياسية، وما يطرح من مبادرات وأفكار.

سألني مرة، شو رأيك بتعيين الأخضر الإبراهيمي؟ يعني رح يطلع معه أكثر من كوفي أنان؟ أحسست بأنه لا ينتظر جوابي، إذ لم تمض بضع لحظات حتى أردف قائلاً، الإبراهيمي خرج من رحم النظام الرسمي الجزائري، وذهب إلى حاضنة موظفي الأمم المتحدة، الذين يهمهم كمية الدولارات التي تزيد في كل شهر رصيدهم البنكي، ولن ينظر إلى الثورة السورية بإنصاف. ثم أضاف مازحاً: على كل هو فرانكفوني جزائري، وأخاف من أنه لا يدرك تماماً ما تعنيه بعض الكلمات العربية، مثل ثورة مثلاً، فيزل لسانه..

ويبدو أن تحفظ الصديق عمر على مهمة الأخضر الإبراهيمي يتقاسمه كثيرون، فالرجل لم يعترف يوماً بأن ما يحصل في سوريا هو ثورة شعب على نظام استبدادي، بل تعامل مع النظام بدبلوماسية، تحاول إضفاء الشرعية على نظام فاقد لها. بالمقابل لم يقدم الإبراهيمي سوى تحذيرات لقوى الثورة المعارضة منذ بداية مهمته، ثم أراد أن يجرب لغة التهديد، فأعجبته، لينتقل من "مبعوث خاص" للأمم المتحدة والجامعة العربية إلى "مهدد خاص" للثورة السورية ومعارضتها السياسية، فها هو يهدد ليس بالصوملة فقط، بل بتحول سوريا إلى دولة فاشلة، يتحكم بها أمراء الحرب، إذا لم تقبل المعارضة بحل مبهم، يبقي على النظام الأسدي. والأدهى من ذلك تهديده بجحيم ينتظر السوريين، وبأكثر من مئة ألف شهيد، إن لم يتم القبول بحله السياسي الغائم، الذي لا يقول شيئاً عن محاسبة القتلة على جرائمهم، بعد أكثر من ستين ألف شهيد، بل يبقيهم في وضع المتحفز، كي يستمروا في قتلهم لشباب الثورة السورية وشيبها ونسائها وأطفالها.

والمفارق في الأمر أن الحل الذي أرفقه الإبراهيمي بلغة التهديد والوعيد، طرحه في دمشق، وسرعان ما تخلى عنه في موسكو، أمام سرغي لافروف، الذي ينطبق عليه وصف الوزير الخشبة، أي الفاقد الأحاسيس، والمعادي حتى العظم للثورة السورية. ولا غرابة في أن تكون موسكو قد أقنعت الإبراهيمي بسحب تصوراته لأي حل، بانتظار ما ستسوقه من أطروحات تشبيحية، القصد منها شراء الوقت، في اللعبة التي تجيدها الدبلوماسية الروسية لصالح النظام، ولإسناد النزعة التشبيحية ودعمها بكافة السبل.

وليس الإبراهيمي وحده من ينحاز إلى طرف النظام السوري، بل كثير من المحللين الخائضين في المسألة السورية، من قوميين ويساريين وأترابهم، أولئك الذين تتفتق أذهانهم دفاعاً عنه، ويطلقون العنان لمخيلتهم في إسقاط وإطلاق أوصاف على الوضع في سوريا، من "اللبّننة" إلى "الجزأرة" و"الصوملة" و"العرقنة" إلى "الليّبنة" إلى "البلقنة"، وصولاً إلى "السوّرنة". وجميعها يُضمر مسميات لاحتراب أهلي طائفي، يتساوى فيه أهل النظام وأهل الثورة، ويصاحبه تدمير وتفتيت وتقسيم للوطن والشعب. وهي توصيفات قيْست على أشكال مختلفة من الحروب والنزاعات الطائفية والعرقية، باختلاف المواقع والأزمنة، كما حصل في لبنان والجزائر والصومال والعراق وليبيا والبلقان وسواها.

وينطلق أصحاب هذه المسميات من منطق مقايسة وإحالة وإرجاع، يحكمه عقل ميتافيزيقي، متعال ومتعجرف، لا يعترف بالواقع والمعطيات والظروف، ويساوي بين جميع الأطراف في المسؤولية، الأمر الذي ينجم عنه تشويش كبير، وعدم تمييز بين ممارسة عصابة النظام وقواها المجرمة، وبين أهل الثورة ومركّبها العسكري.

ويدفع الحديث المتزايد عن الحرب الأهلية في سوريا إلى فحص مفهوم ومركبات الحرب الأهلية في الفقه القانوني الدولي، وفي المواثيق والأعراف الدولية، ومعرفة الدوافع والحيثيات التي جعلت قوى دولية تدفع باتجاه متزايد نحو الأخذ بها لتوصيف الوضع السوري، والتحذير من عواقبها وإرهاصاتها على سوريا والمنطقة. والأهم هو معرفة مدى تطابق الوضع في سوريا مع توصيف الحرب الأهلية، خصوصاً وأن قوى عديدة في العالم مازالت تتردد في الأخذ بمقولة الحرب الأهلية، من منطلق رفضها المساواة في الأرضية الأخلاقية والإنسانية للصراع ما بين النظام وبين المعارضة وجمهور المحتجين.

ولا شك في أن تفرد الحالة السورية، وخصوصيتها، من جهة طول أمد الأزمة وتداخلاتها الإقليمية والدولية، جعلها موضع نقاش وسجال واختلاف حول دقة التوصيف لما يجري منذ أكثر من اثنين وعشرين عشر شهراً، لكن ذلك لا يحجب حقيقة أن الثورة بدأت في صورة حراك احتجاجي سلمي، تركز حول مطالب الحرية والكرامة، إلا أن الحرب التي يشنها النظام جعل الحراك الثوري يمرّ بأطوار عديدة، خصوصاً بعد الانشقاقات والتسلح.

وبالرغم من أن النظام يرتكب في حربه المجازر العديدة، إلى جانب تماديه في الشحن الطائفي والمذهبي، إلا هناك من يتغاضى عن كل ذلك، ويحاول توصيف الوضع بأنه حرب أهلية، وهو أمر لا يعكس حقيقته، ذلك أن تعريف الحرب الاهلية يشي بوجود صراع مسلح بين مجموعتين منظمتين في دولة واحدة، هدفه السيطرة على هذه الدولة أو على جزء من أراضيها للانفصال عنها.

وقد بني مفهوم الحرب الأهلية تاريخياً، في العالم الحديث، في نطاق النزاعات المسلحة غير الدولية. وهو مفهوم سائب، غير صلب، وغير مقيد، يتداخل مع سواه من النزاعات الداخلية، ولا يوجد توافق في المواثيق والقوانين الدولية حول مركباته أو حول معناه الدقيق. وهناك من فقهاء القانون الدولي من يعتبر الحرب الأهلية حرب ساحات مفتوحة، وحرب الأحياء والشوارع والسجون، يتقاتل فيها الجار مع الجار، والصديق مع الصديق، والخصم مع الخصم، أو حسبما قال الفيلسوف توماس هوبز حرب الكلّ ضد الكل. كما يعتبر بعض فقهاء القانون الدولي أن الحرب الأهلية تندلع داخل الوطن الواحد بين طرفين مستقلين، بوصفهما عدوين، يسعى كل منهما الانتقام من الآخر وتصفيته، ولا يعترف أحدهما بالآخر أو بحكم مشترك بينهما.

وتضع مختلف التعاريف القانونية والسياسية الحرب الأهلية في خانة النزاعات المسلحة غير الدولية، مركزة على نطاق النزاع المسلح، وعلى وصف الأطراف المتنازعة، الأمر الذي يكسب المفهوم صفة الاتساع والعمومية والشمول. أما وثائق القانون الدولي، فلم تتطرق إلى مفهوم الحرب الأهلية، بل ركزت على النزاعات المسلحة الدولية بشكل عام.

ولا يستطيع أحد أن يزعم وجود معايير محددة بذاتها لوصف وضع ثوري أو مأزوم في بلد من البلدان بالحرب الأهلية، نظراً لاختلاف مركباتها من وضع إلى آخر، وإن كان ثمة مشتركات ومؤشرات عليها، تتمحور في اقتتال أهلي واسع، تشترك فيه مكونات المجتمع الواحد، وداخل الوطن الواحد. وهو أمر لم يحصل في تاريخ سوريا، وليس حاصلاً في حاضرها. ذلك أن ما يجري منذ أكثر من اثنين وعشرين شهراً هو حرب شاملة بدأ النظام بشنها ضد الثورة السورية، التي بدأت حراكاً احتجاجياً، تحول إلى مقاومة شعبية، نشأت في سياق الرد على حرب قوى النظام على الثورة وناسها.

ولا يمكن وصم حراك ثوري مجتمعي بالاقتتال الأهلي، لأن طابعه يخص عموم الناس، من سائر المتضررين من ظلم النظام، ويجمع قطاعات واسعة من الناس، من مختلف المشارب والفئات والانتماءات، من شباب وشيوخ، ونساء ورجال، محركهم الأساس الخلاص من الاستبداد ورفع الظلم، ويقوي عزيمتهم الاعتقاد الراسخ بالسعي لتحقيق المطالب والآمال بالحرية والكرامة.

إذاً، الحرب الوحيدة في سوريا هي حرب النظام ضد الثوار وحاضنتهم الاجتماعية، والتي بدأها منذ 15/3/2011، وما يزال مستمراً فيها، وبالتالي فإن جحيم الإبراهمي أهون لدى ثوار سوريا من حرب النظام وقمعه واستبداده.

غير ان الإبراهيمي لا يقول المطلوب عن حرب النظام ضد الشعب الثائر، ولا يهدده بالجحيم، بل يخاطبه وفق منطق سيادة فقده منذ إطلاقه أول رصاصة على المحتجين، ولن تنطلي تهويمات الحلول السياسية التي يسوقها، نيابة عن القوى الدولية، التي تريد فرض تسوية تنتصر للنظام، حسب ساسة النظامين، الإيراني والروسي، أو تبقي على جسم النظام الأساسي، حسب القوى الدولية الأخرى.

وأيا تكن توصيفات الوضع في سوريا، فإن الحراك الثوري لن يوقفه أياً كان، قبل أن يبلغ مراده وأهدافه، فهو مستمر بالتضحيات مهما تغوّلت قوى النظام في القمع والقتل. وقد برهن على تقديم مثال للتضحية بكل ما لديه، كي يحقق طموحاته التي يسعى إليها في العيش بكرامة ومن دون خوف، وأن يحقق مواطنيته، بما تقتضيه من حقوق وواجبات، والأهم هو أنه لن يتوقف عن امتلاك مختلف سبل المقاومة المدنية والعسكرية، والتصميم على تحقيق أهدافه ومطالبه.

=================

ثانوّية الشهيد محمّد المُلا عيسى للمتفوّقين بدلاً من ثانويّة باسل الأسد للمتفوّقين

معركة الرّصافة ومقتل ابن أخت آصف شوكت

المستقبل

دير الزور (سوريا) خاص نوافذ

13-1-2013

كلّ تفصيل في هذا التقرير الصحافيّ، بحاجة لمقالات مطوّلة في كتابتها، بل إنّ كلّ تفصيل في حياة الثورة السوريّة، منذ انطلاقتها في 15/3/2011، بل وحتى طوال حكم عائلة الأسد، فعليّاً، منذ انقلاب الرئيس الراحل حافظ الأسد، بتاريخ 16/11/1970، ولغاية وفاته في 10/6/2000، واستلام الحكم من بعده من قبل نجله بشار الأسد، بحاجة لدراسات مطوّلة في كل علوم مناحي الحياة التي خربت بشكل متتال، وذهبت إلى درك القضاء على الشعب السوريّ نفسه؛ بغية استمرار هذه العائلة في الحكم. لذلك هناك الكثير من التفاصيل التي تحتاج لوقفات مطوّلة، ولدراسات نفسيّة وإنسانيّة واقتصادية وعسكريّة وسياسيّة... من أجل الإحاطة بما فعله هذا النظام في سبيل تحويل هذا البلد، إلى مزرعة خاصّة، لا عمل للشعب فيها سوى "السخرة" من أجل إشباع نهم وجوع إقطاع كبير سُمّي بالنظام، أو السلطة الحاكمة.

الشّهيد محمّد المُلا عيسى

"محمّد عبد السلام الملا عيسى" كان طالباً متفوّقاً في الصفّ العاشر، الأوّل الثانويّ، وهذا ما أهّله لإكمال دراسته الثانويّة، كونه كان أحد الأوائل في الشهادة الإعداديّة على مستوى سوريّا، في ثانويّة الباسل للمتفوّقين. وكان له كاريزما القائد، خصوصاً في شعبته التي كانت تضمّ أربعين طالباً متفوّقاً؛ إضافة له. وكانت له اليد الطولى في جمع رفاقه في الثانوّية، والخروج معهم في التظاهرات المؤيّدة للثورة السوريّة، من أجل المناداة بالحرّيّة، والانتهاء من حال الإذلال العامّة التي طبّقها ذلك النظام على كلّ شرائح المجتمع، وكلّ مكوّناته؛ وهذا ما جعله صاحب الفضل في كسر حاجز الرّعب، الذي بناه النظام بينهم وبين الحياة، والذي انكسر نهائيّاً باستشهاده بينهم؛ فكان يعتلي الأكتاف، ويصرخ بالشّعارات المنادية بالحريّة والمساواة والحياة الكريمة وبإسقاط النظام الديكتاتوريّ... فاشتهرت ثانويّة الباسل للمتفوّقين بالظهور في جميع التظاهرات، التي صارت تخرج من أرجاء المحافظة كافة، وهذا ما زاد النقمة على الثانويّة، من قبل مديريّة التربيّة والأجهزة الأمنيّة، من جهة، وعلى الطالب المُلا عيسى من جهة أخرى، وهذا ما جعل مديرها، المدعو "ياسر هزّاع"، يرتقي إلى منصب مدير التربيّة في المحافظة؛ بعد أن صار شغله الشاغل إخبار الجهات الأمنيّة باستعداد طلاب ثانويّته للخروج إلى التظاهرات، فيأتي الأمن ويحاصر الثانويّة، ويمنع الطلاب من اللحاق بالتظاهرات بالقوّة، وتحت التهديد بالفصل.

وممّا زاد النقمة على الطالب محمّد المُلا عيسى هو اشتراطه للمشاركة في الأولمبياد العلمي بوضع "كارنيه" خالية من صورة الرئيس بشّار الأسد، حيث كان يجب تزيين صدور المشاركين ببطاقة إسميّة عليها صورته "المباركة"، وهذا بالضبط ما جعله ممنوعاً من المشاركة في أولمبياد المتفوّقين.

وكذلك تم طرده من حصّة مادة "القوميّة" من قبل مدرّسة المادة؛ عندما قاطعها قائلاً: "باسمي أنا محمّد المُلا عيسى، وباسم طلاب هذا الصّف، نرفض دراسة الكذب الموجود في هذا الكتاب"!

المسيرات المؤيّدة تتحوّل إلى تظاهرات

حتى قبل اندلاع الثورة السوريّة، كان يتمّ تنظيم مسيرات مهللة للحكومة والقائد في الأعياد والمناسبات الوطنيّة؛ حيث كان يتم إجبار الطلاب والموظفين بالخروج في تلك المسيرات، مع التهديد بأنّ هناك مراقبين لمَن لا يهتف، أو لا يحمل صورة الرئيس، أو ينسلّ من المسيرة، قبل تجمّعها الأخير في الساحة الكبيرة، وعادة ما تكون ساحة الرئيس، حيث تمّ نصب مئات التماثيل للرئيس الراحل حافظ الأسد في كثير من ساحات المدن، إن لم نقل كلّها... وهذه التقارير، من المراقبين، قد تؤدّي إلى فصل الموظف أو الطالب من الوظيفة أو المدرسة، ويتمّ إصدار الفصل بقرار من رئاسة مجلس الوزراء، بالنسبة للموظفين، لأسباب تمسّ النزاهة!

أما بعد اندلاع الثورة، وبسبب خروج التظاهرات السلميّة المنادية بإسقاط النظام، كان يتم إخراج الطلاب والموظفين، من جديد، في مسيرات إجباريّة مؤيّدة للنظام. التظاهرات كانت تخرج، كالمعتاد، في أيام الجمع، بينما المسيرات كان يتمّ إخراجها في أيام الدوام الرسميّ؛ إذ يجب حضور جميع الموظفين الى دوائرهم، والتوقيع على سجلّ الحضور، ومن ثمّ الخروج في المسيرة المؤيّدة، وهكذا الحال كان بالنسبة للطلبة، وكوادر التدريس. وكان يتغنّى التلفزيون الرسميّ بأنها "مسيرات عفويّة" تنادي بحياة القائد، مندّدين بالحريّة ومخوّنين الذي ينادي بها. وكان من عادة المديرين، أو رؤساء الأقسام، أن يُبلغوا الموظفين، والطلاب، يوم الأحد، مثلاً، بأنه ستكون هناك "مسيرة عفويّة" يوم الأربعاء القادم، طالباً من الجميع عدم الغياب، لأيّ سبب كان، تحت طائلة المسؤوليّة!

وهكذا كان الحال مع طلاب ثانويّة الباسل للمتفوّقين، التي يدرس فيها الطالب محمّد المُلا عيسى. وكان محمّد، مع طلاب شعبته يحوّلون تلك المسيرات المنادية بحياة القائد، إلى تظاهرة تنادي بإسقاط النظام. وفي مسيرة يوم الأحد 13/11/2011 تابع محمّد وأصدقاؤه تحويل المسيّرة المؤيّدة للنظام، إلى تظاهرة تنادي بإسقاط الأسد، فقام الشبيحة بالاعتداء بالضرب المبرّح، داخل المسيرة في شارع سينما فؤاد، وتحديداً أمام جمعيّات الإسكان العسكريّ، على الطالب محمّد المُلا عيسى، وأثناء سقوطه على الأرض، بعد إصابته برصاصة في بطنه وممتلئاً بالكدمات والجروح النازفة، تقدّم منه الرائد "الأيهم الحمد"، من فرع المخابرات الجوّية، ووجّه مسدسه الشخصيّ نحوه من جديد، فرجاه محمّد، بكلّ براءة الطفولة، وهو ابن السادسة عشرة من عمره، أن لا يطلق عليه النار وأن لا يقتله، إلا أن "سيادة الرائد" الأيهم الحمد أطلق رصاصة في صدر الطالب والطفل محمّد المُلا عيسى مباشرة فأرداه قتيلاً، وسط ذهول الطلاب والمدرّسين! ثمّ غادر ذلك الرائد المقدام والبطل الأيهم المكان، وهو ابن أخت اللواء آصف شوكت صهر الرئيس بشّار الأسد، مبتسماً، وربّما فخوراً، بينما حمل الأطفال صديقهم القتيل، مضرّجاً بدمائه، وهم يهتفون بحياة الشهيد، حتى منزل أهله قرب شارع نادي الضباط.

ثانويّة الشهيد محمّد المُلا عيسى للمتفوّقين

ظنّ المسؤولون بأنّ قتل الطالب محمّد المُلا عيسى سيُنهي التظاهرات التي تخرج من ثانويّة الباسل للمتفوّقين، وينتهي خروجها عن سيطرة الكادر التربويّ، إلا أنّ العكس هو الذي حدث؛ إذ خرجت الثانويّة من السيطرة التربويّة والأمنيّة معاً.

ومن المعروف بأنّ التظاهرات، بشكل عام، كانت قد خفت وتيرتها منذ الاقتحام الأوّل للجيش النظامي، بتاريخ 7/8/2011، فكانت تخرج تظاهرات قليلة وبأعداد قليلة، إضافة لاعتقال ما يزيد عن /25,000/ ناشط خلال تلك الفترة، وتخفي الكثيرين منهم خوفاً من الاعتقال والتصفية الجسديّة. فجاء اغتيال المُلا عيسى مثل الصدمة الكهربائيّة لجسد التظاهرات السلميّة، والمتظاهرين، في دير الزور؛ فخرج في تشييّع جثمانه أكثر من /70,000/ متظاهر نادوا بقوّة بالثأر من "قاتل الأطفال" وإسقاط النظام.

في اليوم التالي، للتشييّع، دخل المدرّس إلى الصف الذي كان يدرس فيه الشهيد، فوجد صورة المُلا عيسى على مقعده الدراسيّ الخالي، الذي تمّ تغطيته بعلم الاستقلال. وعندما طلب منهم المدير إزالة كلّ ذلك، هدّد الطلاب بأنهم سيحطمون المدرسة إن حدث ذلك. وفوق ذلك كان الطلاب يُصرّون على عدم تسجيل زميلهم "غائباً" في سجلات التفقّد.

ظلّ طلاب وطالبات المدرسة، من الصف الأول الإعدادي وحتى الثالث الثانويّ، يُنظمون كلّ يوم تظاهرة، يهتفون فيها بأنهم يُريدون الاستشهاد، والانتقام من قتلة زميلهم الشهيد، إلا أنه، في اليوم الخامس، قام الأمن بالاعتداء بالضرب المبرّح على الطلاب والطالبات؛ حيث شوهد العديد من الطالبات ملقيات على الأرصفة ويتمّ ضربهنّ بالهراوات على كامل أنحاء أجسادهنّ الغضة.

في صباح أحد الأيام، بعد اغتيال المُلا عيسى بأيام معدودة، تفاجأ مدير الثانويّة بوجود لافتة "فيليكس" تغطي اللوحة الأساسيّة للثانويّة، مكتوب عليها "ثانويّة الشهيد محمّد المُلا عيسى للمتفوّقين" بدلاً من "ثانويّة الباسل للمتفوّقين". وعلى جانبها الأيسر صورة الشهيد، بينما على الجانب الأيمن يلمع علم الاستقلال. وجاء الأمن مباشرة وأزال تلك اللوحة.

عندما جاء مدير جديد للثانوية، طلب من المدير السابق، الذي أصبح مديراً للتربية، عرفاناً من الأمن لتعاونه المخلص معهم، اشترط أن يعطوه كامل الصلاحيّات، ومن دون تدخل حتى من الأمن، لإعادة طلاب الثانويّة إليها، وعدم خروجهم في التظاهرات؛ فوضع المدير الجديد صورة للشهيد محمّد المُلا عيسى عنده في الإدارة مكللة بالورد، وكان يصطحب طلاب الشعبة، صباح كلّ يوم أثنين إلى قبر زميلهم لقراءة الفاتحة، ووضع الورود على القبر، ثمّ يزورون منزل والده الذي يعمل مهندساً مدنيّاً. إلا أنّ ذلك لم يمنع الطلاب من الخروج في التظاهرات. فما كان من المدير إلا أن ألقى فيهم كلمة، أثناء الاجتماع الصباحيّ، طالباً منهم عدم الخروج الى التظاهرات لأنّ "الأمن" سيطرده هو من المدرسة. الطلاب رضخوا لذلك؛ فما عادوا يخرجون من باب الثانويّة مباشرة إلى التظاهرات؛ واتفقوا على التجمّع عند محوّلة الكهرباء في حيّ "الجبيلة"، والانطلاق من هناك لإسقاط النظام.

أمّا في الامتحانات؛ فقد قام الطلاب والطالبات بالشطب على اسم ثانويّة الباسل للمتفوّقين، في الترويسة الرسميّة لورقة الامتحان، وكتابة ثانويّة الشهيد محمّد المُلا عيسى للمتفوّقين بدلاً عنها.

ولأنّ جميع الأهالي تأثروا بمقتل هذا الطفل المتفوّق، قام بعضهم، ببادرة شخصيّة منهم، بطبع صور بحجم صغير له وتوزيعها، أو بصنع وطباعة حمّالات مفاتيح عليها صورته أيضاً.

لقد كان الشهيد الطفل محمّد المُلا عيسى يُشكل معنى الجرأة لأصدقائه وزملائه في التظاهرات، لذلك كان اغتياله بينهم صدمة كبيرة لهم، حتى أكبر من صدمة أهله، الذين عثروا على رسوم بخط يده يصوّر فيها نفسه معتقلاً ومعذباً ومن ثمّ مقتولاً، ولكنّ استشهاده شكل الجرعة الكبيرة لمحو حالة الخوف نهائيّاً من قلوبهم البيضاء.

معركة الرّصافة ومقتل الرائد الأيهم الحمد

جاءت إخباريّة، من إمرأة سيئة السمعة، إلى اللواء جامع جامع، قائد الأمن العسكريّ في المنطقة الشرقيّة، بأنّ هناك عناصر مهمّة من الجيش الحرّ تتخذ من شقة سكنيّة في مساكن الرّصافة، التي تلي حيّ العمّال، مكاناً لتجمّعها. فتمّ تشكيل قوّة أمنيّة، مختلطة، وعسكريّة، لمداهمة المكان، والاشتباك مع العناصر المتواجدة في تلك الشقة السكنيّة، التي تقع في بناء غير مكتمل البناء، وذلك بتاريخ 18/3/2012؛ حيث تمّ انتشار أكثر من /400/ مقاتل، مع ثماني مدرّعات، منها ثلاث دبابات في حيّ العمّال، وانتشار القناصة على أسطح الأبنية، المطلة والمجاورة للمكان، منذ الساعة السابعة والنصف صباحاً.

كان يوجد في تلك الشقة ثلاثون مقاتلاً من الجيش الحرّ، أغلبهم من كتيبة عمر بن الخطاب، حيث كانوا يتخذون تلك الشقة مكاناً لتجمّعهم، ومنطلقاً لتنفيذ الهجمات على الشبّيحة والحواجز الأمنيّة.

بدأ إطلاق النار والاشتباك في السّاعة التاسعة صباحاً، وكان ذلك مفاجئاً للعناصر المتواجدة هناك، وكانت القوّة المتواجدة أكثر عدداً وعتاداً منهم، ومع ذلك استمرّ الاشتباك حتى الساعة الثالثة عصراً تقريباً.

قام عدد من العناصر المتواجدة في الشقة بفتح الجدار في المطبخ، وتسلل /12/ مقاتلاً إلى الشقة الملاصقة، ومغادرة المكان ؛ للالتفاف أو طلب المساندة من الكتائب الأخرى، وصعد عدد من مقاتلي الجيش الحرّ إلى سطح البناء، لتغطية تسلل العناصر المغادرة، واشتبكوا مع القوّة الأمنيّة الضخمة.

ورغم انتشار عناصر من كتيبة "محمّد"، بقيادة خليل البورداني، في الساعة الواحدة ظهراً، في شارع "التكايا" وضربهم حاجز الأمن العسكريّ المتواجد عند دوّار "غسان عبّود"، للوصول إلى حيّ العمّال، ومساكن الرّصافة، وفكّ الحصار عن زملائهم المحاصرين من الكتائب الأخرى، إلا أنّ القوّة الأمنيّة والعسكريّة المتواجدة في الرّصافة لم تتراجع؛ كونها كانت متأكدة من المعلومات الواردة لها، بأنّ هناك عناصر كثيرة، ومهمّة في ذلك البناء، فتابعت القتال هناك بضراوة، ما أدى إلى تضرّر جميع المباني في المنطقة، وانتشار الرعب والهلع في صفوف الطلاب والطالبات، في كليّة التربية وإعداديّة الشهيد إبراهيم رشيد العبد الله وابتدائيّة أبي ذر الغفاري للبنين، التي حوصر طلابها داخل مدارسهم، دون أن يعرفوا ماذا يحصل في الخارج، ومن دون أن يتمكنوا من العودة الى بيوتهم، ولم يكن كذلك باستطاعة أهاليهم الوصول للمدارس وإعادتهم للبيوت؛ فما كان من أهالي حيّ العمال سوى فتح بيوتهم أمام الطلاب والطالبات لحين انتهاء المعركة.

الإجهاز على الجرحى ورمي الجثث من السطح

قتل من عناصر الجيش الحرّ في ذلك البناء /18/ مقاتلاً؛ وكان من بينهم مدرّس الموسيقى السابق "محمود محيسن"، وهو قائد كتيبة عمر بن الخطاب، إضافة لأربعة أشقاء وثلاثة أشقاء من عائلتين. وكان من بين الشهداء أيضاً محمّد غياث السنده، وهو عسكريّ منشقّ من مدينة حلب، ومن اللاذقيّة العسكريّ المنشق علاء الدين أبليلو، وهو أمهر رامي رشاش /بي كي سي/ في الجيش السوريّ الحرّ. وكان أكثر الشهداء من عناصر كتيبة عمر بن الخطاب، ومن مدينة "موحسن" تحديداً.

قامت العناصر الأمنيّة والعسكريّة، بعد توقف إطلاق النار من مكان تواجد عناصر الجيش الحرّ، في الساعة الثانية عشرة ظهراً، بالصعود إلى الشقة التي كان يجتمع فيها المقاتلون من الجيش الحرّ، والصعود، بالجثث التي كانت موجودة فيها، إلى سطح البناء ورميها من على سطح البناء إلى الأرض، بشكل يدل على الانتقام من العناصر المقاتلة حتى بعد موتها، والتمثيل بجثثها!

كان هناك عدد من الجرحى بين العناصر المقاتلة من الجيش الحرّ، ومنها مَن كتب بدمه على سطح البناء عبارة "حريّة"، فتمّ الإجهاز عليهم رمياً بالرصاص قبل رميهم من على سطح البناء.

مفاجأة غير متوقعة وغطرسة متناهية

بعد الإجهاز على الجرحى، ورمي جميع الجثث الثماني عشرة من على السطح، نزل الرائد الأيهم مع ثلاثة عناصر من مرافقته إلى إحدى الشقق وصاروا يحتسون الشاي. فجاءه اتصال من اللواء جامع جامع بالانسحاب مباشرة من المكان، لأنّ لديه معلومات مؤكدة بتحرّكات للجيش الحرّ حول المكان. فرفض الأيهم ذلك؛ معللاً بأنه تمّ القضاء على كلّ مَن كان في الشقة المذكورة، فكرّر اللواء منه طلب الانسحاب الفوريّ، إلا أنّ الرائد أجابه بأنه هو قائد العمليّة وليس اللواء. عندها طلب منه اللواء جامع السماح لعناصر الأمن العسكريّ، وعددهم كان من /70/ إلى /100/ عنصر تقريباً بالانسحاب. فطلب الأيهم من أحد مرافقيه أخذ موبايله وعدم الردّ إذا جاءه اتصال من سيّادة اللواء!

هكذا كان الرائد الأيهم متغطرساً؛ ويرى نفسه أهمّ وأكبر وأفضل حتى من الأعلى منه رتبة، والأعرف منه بهذه المدينة، وذلك بسبب أنه ابن أخت رئيس جهاز المخابرات العامة في سوريّة العمّاد آصف شوكت، صهر الرئيس السوريّ بشّار الأسد، فكان يتدخل حتى في قوائم أسماء عناصر الحواجز التي لم تكن تابعة لأوامر الأمن الجويّ، لأنه "الكل في الكل"، وهذا ما جعله "ديكاً"، كما لقبه أهالي دير الزور، سيتدرّج سريعاً في المناصب، كما عادة النظام البعثيّ، حتى يصبح نجماً ساطعاً في سماء الديكتاتوريّة.

على أساس هذا الاتصال تمّ انسحاب عناصر الأمن العسكريّ من المكان؛ ولم يبق غير عناصر الأمن الجويّ، وعناصر الجيش. وعلى أساس هذا الانسحاب، الذي تمّ مباشرة إلى فرع المنطقة الشرقيّة، دون التمركز عند حاجز غسّان عبّود، التابع للأمن العسكريّ، صار هناك خلل في انتشار القوّة الأمنيّة والعسكريّة المتواجدة هناك. وهذا ما أدّى إلى سهولة حركة العناصر التابعة لأربع كتائب، كانت متخفية في حيّ العمّال ومساكن الرّصافة، لحماية الاجتماع الذي تمّ في الشقة المذكورة، وكذلك في سهولة وصول كتائب محمّد إلى حاجز دوّار غسّان عبّود وضربه، وهذا ما أدّى إلى الاشتباك الثاني الذي بدأ في الساعة الواحدة ظهراً، الذي تفاجأ به الرائد الأيهم الحمد هذه المرّة؛ الذي صعد إلى السطح وبدأ بالقتال من جديد، ولكنّه لم ينتبه إلى الخلل الأمنيّ الذي أحدثته قراراته المتغطرسة، واللامسؤولة أمنيّاً وعسكريّاً؛ والذي سهّل صعود أحد مقاتلي الجيش الحرّ إلى سطح البناء المقابل للرائد، ويرديه قتيلاً برصاصة في وجهه، ومقتل وجرح الكثير من القوّة الأمنيّة المتواجدة معه.

وسهّل انسحاب عناصر الأمن العسكريّ إلى الفرع مباشرة، دون التمركز في الحاجز التابع لهم في دوّار غسّان عبّود، إلى انكشاف الحاجز المحصّن لكتيبة محمّد، إلى قتل العديد من العناصر وجرحهم، إضافة إلى إعطاب مدرّعة.

حصيلة قتلى الأمن وعناصر الجيش في تلك المعركة وصل إلى ثمانين قتيلاً، والكثير من الجرحى؛ وكعادته أعلن الإعلام الرسميّ عن مقتل أربعة جنود في "موقعة الرّصافة"، كما سمّاها نفسه؛ لضراوة القتال فيها بينما تمّ تشييّع عشرين جثة على الأقل من مشفى الشهيد أحمد هويدي العسكريّ. ولكنّ العدد الحقيقيّ لقتلى الأمن والجيش صرّح به اللواء جامع جامع؛ عندما قال مهدّداً بأن ّ "دماء ثمانين شهيداً في الرصافة لن تذهب هدراً"؛ وذلك في اتصال هاتفيّ له مع المقدّم "مهند طلاع"، قائد الجلس العسكريّ للجيش السوري الحر في دير الزور وريفها، بأنه سيقتل /800/ من أهالي مدينة موحسن ثأراً لمقتل الثمانين عسكريّاً في الرصافة. فردّ عليه المقدّم مهند : بأنه إذا تجرّأ على قتل ثمانمائة من أهالي موحسن، فإن الجيش الحر سيردّ بقتل ثمانية آلاف من الأمن والشبّيحة.

بمجرّد سماع خبر مقتل الرائد الأيهم الحمد قامت الصيدلانيّة "عبير حوكان"، والدة الشهيد محمّد المُلا عيسى، بتوزيع الحلويات في الشارع على أهالي المدينة، ابتهاجاً بقتل قاتل ابنها، مثلها مثل العديد من العائلات التي كان الرائد الأيهم الحمد قد قتل أبناءها بيده، وبمسدسه الشخصيّ.

كما أّنّ مقتل الأيهم الحمد شكل زلزالاً مرعباً للقيادات والعناصر الأمنيّة، ولأهالي المدينة أنفسهم، خوفاً من انتقام خاله العماد آصف شوكت، الذي تمّ اغتياله لاحقاً على يد عناصر الجيش السوريّ الحرّ في أكبر عمليّة ضد النظام سمّيت بعملية تفجير خليّة الأزمة في قلب العاصمة دمشق.

=================

٢٠٠ مليار دولار لإعادة اعمار سوريا

علي حماده

2013-01-13

النهار

في الرياض في "منتدى القطاع الخاص العربي"، وهو لقاء كبير يجمع مئات رجال الاعمال العرب تحضيرا للقمة الاقتصادية الاجتماعية العربية المقررة بعد ايام في الرياض ايضا، حديث مركزي عن تداعيات الربيع العربي على الاقتصادات الوطنية. من تونس وليبيا الى مصر واليمن وسوريا. في الحالات الأربع الاولى لقاءات بدأت فعلا بالتركيز على برامج وخطط ومشاريع مفصلة لمرحلة ما بعد الثورات. فلا حديث عن اعادة اعمار بل عن اصلاحات اقتصادية وتشريعية من شأنها ان تؤمن مناخات جاذبة للاستثمارات الخارجية. حتى ليبيا التي شهدت صراعاً مسلحا لاسقاط النظام لا حديث عنها تحت شعار اعادة الاعمار لان اضرارها محدودة جغرافيا واقتصاديا، فضلا عن ان ليبيا دولة غنية وذات موارد نفطية ضخمة، واحتياطات نقدية كبيرة تجعل من مهمة اعادة اعمار مدينة مثل مصراطة أمراً يسيراً وممكناً في مدى قصير. لكن المناخ السياسي والامني في ليبيا يبقى موضع اسئلة كثيرة، وكما يبقي علامات الاستفهام.

وحدها سوريا في هذا المنتدى تحضر في احاديث رجال الاعمال العرب تحت عنوان "اعادة الاعمار" بما يذكر بلبنان في مرحلة التسعينات. وثمة اقتناع ان الورشة هائلة بكل المقاييس وصعبة جداً نظرا الى محدودية موارد المالية السورية.

في منتدى الرياض الذي لم توجه فيه دعوة الى الغرف السورية الحالية بسبب ارتباطها الوثيق وتبعيتها للنظام، حديث يتجاوز الصراع العسكري الميداني، ليتركز على المرحلة التالية. فالرأي السائد هنا ان النظام انتهى. حتى رجال الاعمال السوريون الحاضرون بصفة شخصية، وجلهم ممن كانوا على علاقة بالنظام ثم ابتعدوا عنه مع بداية الثورة، يعتبرون ان بشار الاسد صار من الماضي، وان النظام اصلا سقط. ويقول لي احد المخضرمين منهم: "ان النظام سقط، ولم تعد هناك دولة. ولو كانت في الاصل دولة لما استمر القتال كل هذه المدة". ويضيف: "ان الصورة هي الآتية: النظام عبارة عن شلل مسلحة تقاتل في المدن والقرى السورية، والمؤسف ان يكون القتال اتخذ شكل تدمير منهجي لكل البلاد بحواضرها وأريافها. من هنا فإن سوريا بعد بشار سيكون على ابنائها ان يعيدوا اعمارها من الاساس. وبما ان التدمير شامل في مدن كبرى مثل دمشق (محيطها)، وحلب وحمص، فإن الورشة حسب تقديرات متطابقة ستتجاوز مئتي مليار دولار اميركي".

والسؤال الكبير: كيف سيعاد اعمار سوريا ؟ ومن يدفع الفاتورة الفلكية؟

عنوان اعادة اعمار سوريا سيكون عنوان المرحلة الاقتصادية المقبلة في المشرق العربي. فبشار الاسد سيخلف وراءه ارضا محروقة شبيهة في مناطق عدة بالمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.

بعد هذا كيف يمكن مجرد التفكير بمرحلة انتقالية بوجود الاسد؟ او حتى بخرافة منحه الحق في الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة سنة ٢٠١٤؟.

كلام كثير على ورشة سوريا الضخمة لكن يبقى السؤال الذي طرحناه آنفا: من يسدد الفاتورة؟ وكيف؟

=================

ادخلوا “أيها السوريون” من أبواب متفرقة..

نحن باختصار بحاجةٍ لأن نفقه دعوة (يعقوب) عليه السلام، ولأن ندرك طبيعة ومداخل تلك (الأبواب المتفرقة) التي لا يمكن قضاء الحاجة وتغيير الواقع إلا بالدخول منها جميعاً..

د. وائل مرزا

الأحد 13/01/2013

المدينة

بعد أن أظهر السوريون قدرتهم على تقديم التضحيات، وعلى الثبات والعزيمة والإصرار في مسيرة الثورة، آن الأوان لأن تخرج من الموروث الثقافي والحضاري السوري التاريخي قدرةٌ أخرى تتمثل بحصول نقلةٍ في التخطيط للتعامل مع الواقع الراهن بدرجةٍ عالية من الإبداع والابتكار.

لايجوز أن يكون مسار الثورة السورية بعد الخطاب الأخير لرأس النظام كما كان عليه الحال قبلها. وبكل المعاني، يجب أن يكون هذا الخطاب، بدلالاته المعبّرة، نقطةً تفصل بين مرحلتين.

وسواء تعلّق الأمر بالمسار السياسي أو المسار العسكري أو بطبيعة العلاقة مع النظام الدولي، لم يعد مقبولاً أن يتم التعاطي مع هذه المسائل بالطريقة السابقة.

فقد أجاب الخطاب المذكور على كل الأسئلة التي كانت لاتزال مطروحةً، عند البعض على الأقل، فيما يتعلق بموقف النظام ليس فقط من الثورة، وإنما أيضاً من سوريا دولةً وشعباً.

لاحاجة للدخول في التفاصيل فقد باتت معروفة، ويمكن اختصارها بأن هذا الشخص لايرى أصلاً في البلاد وأهلها سوى (ديكور) ضروري لموقعه السياسي ومايجره من منافع معنوية ومادية، وإذا جاءت لحظةٌ فقدَ فيها هذا الديكور دوره المحدد فلا مانع لديه من هدمه بأي طريقة. ومن هذا المنطلق، أوضح موقفه من كل مايدخل في إطار (المبادرات) و (الحل السياسي) بشكلٍ واضح وصريح،فألغى كل التأويلات التي كانت القوى الدولية تُلمّح إليها، وألغى معها كل احتمالات قبوله بالتنحي عن السلطة بأي شكلٍ من الأشكال.

هكذا، وصلنا إلى نتيجةٍ نهائية لم يعد ثمة مجالٌ للتساؤل عنها أو النقاش فيها بين السوريين: لامجال للحل السياسي في وجود رأس النظام، نقطة.

ماذا عن النظام الدولي؟ ليس مهماً الحوار فيما إذا كان النظام المذكور يعرف تلك النتيجة سابقاً أو أنه أدركها بعد الخطاب العتيد، وإنما المهم أنه أخذها، بشكلٍ مُعلن، بعين الاعتبار، كما أظهرت تصريحات الإبراهيمي وبعض الساسة في أوروبا وأمريكا. بناءً على هذا، هناك اتفاقٌ الآن على أن (الأسد لن يكون جزءاً من أي مرحلة انتقالية، والحل لايمكن أن ينتظر إلى العام 2014) كما يؤكد هؤلاء الساسة.

هل يعني هذا أن النظام الدولي قرر، أخيراً، أن يكون على مستوى مسؤولياته القانونية والسياسية والأخلاقية تجاه الثورة وأن يفي بتعهداته للائتلاف الوطني السوري؟ ثمة شكٌ كبير في هذا الموضوع. والمعطيات العملية توحي بأن المماطلة لاتزال سيدة الموقف.

هل يمكن تفسير هذا الواقع من مدخل أن النظام الدولي المذكور، أو أطرافه الرئيسة، تريد في الحقيقة استنزاف سوريا وإنهاكها إلى أقصى درجةٍ ممكنة؟ وأن هذا يتطلب عدم طرح حلٍ حقيقي، ثم يُنظر في كيفية التعامل مع الأمر الواقع حين تفرضه الثورة. أم أن هذا النظام محتارٌ حقيقةً فيما يتعلق بطبيعة القرار الذي يجب اتخاذه؟

واقعياً، لايوجد فرقٌ لدى السوريين بين التفسيرين لأن النتيجة العملية تبقى نفسها في الحالين؟

بهذه الرؤية، تُصبح الثورة وأهلها أمام خيارٍ وحيد لايكفي التعامل معه بالشعارات والنيات الطيبة: إكمالُ مسيرة الثورة بجهد السوريين وطاقاتهم. وكما قلنا في مقامٍ آخر: لقد كان الكثيرون يستقرئون هذه الحقيقة منذ زمن، لكن حداً أدنى من الواقعية كان يفرض، على السياسيين على الأقل، العمل مع الأطراف الدولية، خاصةً منها تلك التي تدّعي صداقة الشعب السوري وتأييد مطالبه العادلة بكل الشرائع والقوانين الدولية، لمحاولة معرفة الدلالات العملية لتلك (الصداقة) وحدودها..

أما اليوم، فإن الواقعية نفسها تفرض على السوريين إعادة حساباتهم ومعرفتهم بحقيقة الأوراق التي بأيديهم، وتجميع هذه الأوراق، وهي كثيرةٌ جداً إذا عرفنا كيف نستعملها، وصولاً إلى فرض أمرٍ واقع لايمكن للمجتمع الدولي أن يمنع ظهوره. لانتحدث عن مثاليات، ولاندعو لمقاطعة الدول، وسنبقى كسوريين نشكر من يساعدنا ونحفظ جميله، لكن هذا لايتضارب مع إيماننا بأن هناك معاني تاريخية وحضارية كبرى تكمن في قدوم الربيع العربي بشكلٍ عام، وفي ثورة الشعب السوري تحديداً.

وإذا كان هناك من زمنٍ يمكن للشعوب فيه أن تصنع حاضرها ومستقبلها وتفرض إرادتها فهو هذا الزمن بأدواته الفريدة والجديدة. وشواهد التاريخ البعيد والقريب تؤكد أن إرادة القوى الكبرى ليست قدَراً إلهياً نهائياً، وأن حساباتها يمكن أن تكون خاطئةً، وأن سنن التغيير والضعف والقوة تسري عليها كما تسري على غيرها. ثمة حِكَمٌ كثيرة تكمن وراء ماجرى ويجري في العامين الأخيرين، وقد يكون هذا بعض مايتكشّف لنا من تلك الحكم. وإذا كنا مؤمنين بالله ثم بقضيتنا، كما هو حال الشعب السوري، فليس كثيراً أن نكون أداةً لحصول تغييرات كبرى رغم كل التحديات الحالية.

من الضرورة بمكان الخروج، في هذه المرحلة من عمر الثورة،من بعض الأشكال التقليدية للعمل والحركة في خدمتها. ومن الواضح أننا بحاجة لكسر جملةٍ من الأغلال والقيود الوهمية التي تقيّد حراكها، ولرؤية الفسحة الموجودة في الوسائل والأساليب والمداخل لإيصالها إلى نصرها المُنتظر. نحن باختصار بحاجةٍ لأن نفقه دعوة (يعقوب) عليه السلام، ولأن ندرك طبيعة ومداخل تلك (الأبواب المتفرقة) التي لا يمكن قضاء الحاجة وتغيير الواقع إلا بالدخول منها جميعاً.. وتلك حكمةٌ تليق بالسوريين وثورتهم وتاريخهم المعروف..

 

=================

رأي الدستور الفرصة الأخيرة لحل الأزمة السورية

الدستور

13-1-2013

لم يعد سرا، أن الأزمة السورية قد وصلت مرحلة اللاعودة، وان تنفيذ قرارات مؤتمر جنيف كما اعلنها المبعوث العربي والأممي هو الفرصة الأخيرة قبل ان يدخل القطر الشقيق مرحلة “الصوملة” على حد تعبير الابراهيمي، جارا المنطقة كلها الى المجهول.

وفي هذا الصدد ليس امام الطرفين “المعارضة والنظام” إلا قبول تلك المقترحات والتعامل معها بجدية، والكف عن المناورة، بعد ان ثبت استحالة حسم القضية عسكريا وانه لا سبيل امامهما الا القبول بمرحلة انتقالية، تشرف عليها حكومة قادرة على ادارة البلاد، وتنظيم انتخابات نيابية ورئاسية تطوي الصفحة المؤلمة في تاريخ القطر الشقيق.. وتطوي صفحة الدولة الشمولية والحزب القائم، وتقيم دولة مدنية حديثة قوامها الحرية والعدالة والمساواة والكرامة والانتخابات الحرة النزيهة، وتداول السلطة، احتكاما لصناديق الاقتراع.

لقد أثبتت الأزمة السورية وقبلها الليبية فشل الاحتكام للحلول العسكرية والأمنية، وأنه لا سبيل امام الحكام الا احترام ارادة الشعوب في الحرية والكرامة والديمقراطية، وتداول السلطة، وان الاسلوب الامثل لتحقيق الوفاق الوطني وتجنيب البلاد والعباد المزالق الخطرة، هو الحوار وهذا يستدعي التذكير بالتجربة الأردنية، وبحكمة جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي رحب بالربيع العربي، باعتباره فرصة ثمينة للاسراع بتحقيق الإصلاح، وترحيبه بالحراك الشعبي، باعتباره حقا مشروعا للشعب للتعبير عن قناعاته وآرائه، ما دام هذا الحراك سلميا، وما دام القائمون عليه حريصين على احترام القانون والنظام والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة.

ان الطرفين “المعارضة والنظام” مدعوان لوقفة مراجعة عميقة ليريا ابعاد المأساة الكبرى التي حلت بالوطن والشعب الشقيق بعد ان تحولت الأحداث الى حرب اهلية قذرة تدمر كل شيء.. البنى التحتية، المدارس، المساجد، المصانع، الاسواق، الآثار واخيرا التاريخ الذي صنعه الأجداد قبل الاف السنين ليكون شاهدا على عظمة هذه البلاد ودورها المشرق، فإذا به يحرق في حلب ومعرة النعمان وادلب .. الخ في ساعة فقد فيها الجميع البوصلة ليكون الوطن والشعب هما الضحية.

من يحب الوطن لا يقوم بتدميره.. ومن يحب الشعب لا يقوم بدفعه الى الهجرة والشتات، ليتجرع المرارة والهوان في مخيمات اللجوء، التي هرب اليها اكثر من مليون لاجئ طلبا للحياة، وفرارا من الموت الذي لاحقهم من مدينة الى مدينة، ومن شارع الى شارع.

مجمل القول: ان كافة المعطيات تؤكد أنه لا حسم عسكريا للازمة السورية، وان كلا الطرفين ليس بقادر على تحقيق الانتصار، وأنه لا سبيل لحل الازمة ووقف شلال الدم المتدفق في ارض الشام الا بالقبول بقرارات جنيف التي اعلنها الابراهيمي، كسبيل وحيد لحماية سوريا الوطن والشعب من الحرب الأهلية القذرة ومن التقسيم، وحماية المنطقة كلها من انفجار قادم.

التاريخ : 13-01-2013

=================

اعتراف الإبراهيمي المتأخر

2013-01-13 12:00 AM

الوطن السعودية

.. وأخيرا، وبعد مرور شهور على تسلم المبعوث الأممي والعربي الأخضر الإبراهيمي مهمته، اعترف قبل أيام بأن بشار الأسد لا يجب أن يكون له دور في المرحلة الانتقالية المقبلة في سورية.. ما يعني أن مهمة الإبراهيمي لم تقدم أكثر من منح النظام فرصة للاستمرار وبالتالي سفك المزيد من دماء السوريين. وبرغم تلك الفرصة التي لم يكن النظام السوري يحلم بها بعد إعلان المبعوث السابق كوفي عنان انسحابه من مهمته، فإن النظام اتهم الإبراهيمي أول من أمس بأنه منحاز للطرف الآخر من الصراع.

مشكلة الإبراهيمي أنه تورط في مهمة مستحيلة، ففي بداية تحركاته رحب النظام به، فيما وجهت إليه بعض أطراف المعارضة أصابع الاتهام بانحيازه للنظام على اعتبار أنه بقبول المهمة أعطاه مهلة ليمارس المزيد من التدمير والقتل، ومع مرور الشهور، من غير أن يفعل شيئا سوى السفر بين العواصم، انقلب عليه النظام ورحبت به المعارضة لمجرد تصريح منطقي كان حريا به أن يقوله عند بدء مهمته في الأمم المتحدة، فمسألة تنحي الأسد لا تحتاج إلى تفكير وعليها إجماع عربي ودولي، ولو أن الإبراهيمي أصر عليها وقت قبِل بالتكليف الأممي لربما اختلفت المعادلة كثيرا، خاصة في مواقف القوى الكبرى من الأزمة.

ولعل الإبراهيمي يستبق بعض الأحداث باعترافه الأخير حول الأسد وتلميحاته إلى أن مخرج الأزمة لن يكون إلا بتطبيق إعلان جنيف، بمعنى أنه يحاول سد الثغرة الموجودة في الإعلان والمتمثلة بعدم بيان وضع الأسد في المرحلة الانتقالية، وهي النقطة الخلافية بين بعض الدول المؤثرة وروسيا.

لو قورنت الرؤية التي يهدف إليها المبعوث الأممي بإدراج استبعاد الأسد من المرحلة الانتقالية في إعلان جنيف، لما وجدناها تختلف كثيرا عن مبادرة جامعة الدول العربية لحل الأزمة، لكن الإبراهيمي آثر إدخال روسيا لكونها راعية الإعلان، ولأن تعنتها في مواقفها السابقة عطل كل الجهود العربية والدولية لإنقاذ الشعب السوري من مسلسل القتل اليومي. فهل تفلح جهود الإبراهيمي في تليين العقلية الروسية والتقريب بينها وبين الآخرين؟ هذا ما سوف تكشفه الأيام القليلة المقبلة.

=================

يركزن على العمل الإغاثي والإنساني

دور النساء الناشطات في الثورة السورية

تاريخ النشر: الأحد 13 يناير 2013

كارول موريلو

الاتحاد

كان سبب نزوح هبة الحجي من سوريا هو استدعاؤها من أجل الاستجواب بعد أن شجعت طلبتها في الجامعة على الانضمام إلى المظاهرات المعارضة لنظام الأسد. ولكن مستجوبيها لم يدركوا أبداً أن صندوق سيارتها المركونة في الخارج كان مملوءاً بالأسلحة التي كانت تهربها للثوار.

ولأنها كانت خائفة من أن الأمر بات مسألة وقت فقط قبل أن يُكتشف أمرها، تقول الحجي إنها غادرت حلب في اليوم التالي وتوجهت إلى تركيا، حيث أسست «منظمة النساء السوريات الحرات». وهي الآن تصرف جهدها ووقتها في توزيع الأغذية والأدوية على اللاجئين، وتقديم الدعم النفسي للنساء اللاتي تعرضن للاغتصاب قبل أن يفررن أيضاً من الأزمة الدامية الدائرة في وطنهن.

وتقول الحجي، 26 عاماً، وهي مسلمة متدينة: «هذه سوريتي، سوريتي الحبيبة!»، مضيفة «وعلي أن أقوم بشيء ما من أجلها».

والحال أن النساء والفتيات كن في الجبهة الأمامية عندما بدأت الانتفاضة قبل سنتين تقريباً باحتجاجات سلمية، وذلك لأنهن كن يُعتبرن أقل إثارة لشكوك أجهزة الأمن الحكومية من الرجال. أما اليوم -لأن الرجال يحثونهن على البقاء بعيداً في وقت تحولت فيه الانتفاضة إلى حرب أهلية أكثر خطورة- فقد أخذن يلعبن دوراً تقليدياً أكثر في الإغاثة الإنسانية وجلب الطعام والأدوية والملابس للاجئين. ونتيجة لذلك، فإن القتال يكاد يكون حكراً على الرجال، كما أن عدداً قليلا نسبياً من النساء هن من يوجدن من بين زعماء المعارضة السياسية حالياً.

وفي هذا الإطار، تقول «نغم»، وهي ناشطة سياسية طلبت عدم ذكر اسمها الأخير من أجل حماية أقاربها في سوريا: «إن الثقافة السورية منفتحة عندما يتعلق الأمر بالنساء، ولكن ليس كما هو الحال في لبنان».

ففي اللاذقية، وهي مدينة ساحلية على البحر الأبيض المتوسط «طلب الرجال من قريباتهم وأخواتهم وبناتهم الكف عن المشاركة في المظاهرات»، تقول «نغم»: «ولكن الأمر ليست له علاقة بالدين، وإنما بثقافة حماية النساء. فنحن لدينا حقوق متساوية تقريباً في سوريا».

والمرأة الأبرز في المعارضة السياسية السورية هي سهير أتاسي، وهي ابنة عضو مؤسس لحزب «البعث» الحاكم. وتشغل أتاسي، وهي ناشطة علمانية معروفة، منصب نائبة رئيس حكومة المعارضة في المنفى، التي اعترفت بها الولايات المتحدة وعدد من الحكومات الأخرى أواخر العام الماضي باعتبارها ممثل الشعب السوري.

ولكن على مستوى القواعد الشعبية، تحضر قلة قليلة من النساء في المؤتمرات السياسية التي تعقد في تركيا بقصد مناقشة تشكيل حكومة ومؤسسات انتقالية في حال الإطاحة بنظام الأسد. وفي هذا السياق، تقول رانيا قيصر، وهي أميركية سورية المولد انتقلت إلى تركيا الربيع الماضي وأسست جمعية نظمت ورش تعلم الفتيات صناعة الحلي التي يبعنها لكسب قوت يومهن: «إن نحو 200 شخص شاركوا في مؤتمر حضرته، ولكن ربما كان بينهم 10 نساء فقط».

وتقول «نغم» إن النساء لا يشاركن اليوم كثيراً في المؤتمرات التي تنظم في تركيا من قبل «الهيئة العامة للثورة السورية»، وهي منظمة تنضوي تحت لوائها مجموعات معارضة، متوقعة أن قلة قليلة من النساء ستلعب دوراً سياسياً طلائعياً عندما ينتهي النزاع. وترى أن: «الكثير من النساء يستطعن القيام بعمل رائع في السياسة. ولكن المجتمع، والثقافة التقليدية، لا يأخذانهن على محمل الجد».

و«نغم»، 44 عاماً، لم تشارك في الأشهر الستة الأولى من الانتفاضة، لأنها لم تكن واثقة من أنها ستصمد وتستمر. لقد كانت في الكويت، التي انتقلت إليها عائلتها في السبعينيات بعد أن تشاجر والدها في العمل مع أحد أقارب الرئيس السابق حافظ الأسد وخلص إلى أن مستقبل وحياة عائلتهم في خطر. ولكن قبل نحو عام من اليوم، استقالت «نغم» من عملها كمديرة مدرسة وباعت منزلها وسيارتها ومعظم ممتلكاتها ثم انتقلت إلى تركيا. وهي تقوم اليوم بجمع المال لشراء الخيام والأدوية للاجئين الذين يعيشون في مخيمات على المناطق الحدودية داخل سوريا وكثيراً ما تقوم بتوصيلها مشياً على الأقدام، حيث تقطع مسافات طويلة عبر الجبال حاملة الإمدادات.

ولكنها مصممة على العودة إلى سوريا في حال سقوط النظام وعن هذا تقول: «إنني لن أظل هاربة كل حياتي».

بيد أن العديد من النساء يعملن بدون الاستفادة من منظمة تدعمهن وتمول نشاطهن. إنهن يجازفن بدخول الأراضي السورية لزيارة اللاجئين الذين يعيشون في مناطق تعرضت لضربات جوية. ويتجنبن أحياناً المعابر الحدودية الرسمية لأنه ليس كل أفراد المنظمة لديهم جوازات سفر، فيعبر الجميع جبالا وعرة حاملين على ظهورهم حقائب محملة بالأدوية. كما أنهم معرضون للإصابة بالعدوى نتيجة احتكاكهم بلاجئين مصابين بالجرب وأنواع أخرى من الأمراض.

أما رانيا قيصر، 38 عاماً، فقد ولدت وتربت في سوريا ولكنها انتقلت حين كانت مراهقة للعيش في بيتسبورج (بنسلفانيا) عندما هاجر والداها إلى الولايات المتحدة. لقد تركت عملها كموظفة بمكتب إدارة التسجيل بإحدى جامعات دالاس في أبريل الماضي وانتقلت للعيش بالقرب من الحدود السورية. وهي تعيش اليوم على مدخراتها، وتحصل على المال من عائلتها وأصدقائها وأشخاص التقتهم في تركيا لشراء أكياس الأغذية، التي تقوم بتوزيعها على عائلات اللاجئين. وتقوم بتصوير عمليات توزيع المساعدات الغذائية على هاتفها المحمول ثم ترسل الصور إلى المانحين حتى يعرفوا الوجهات التي تنفق فيها أموالهم.

ولكن قيصر ترى أن مساهمات النساء يتم تجاهلها في وقت اتخذت فيه الانتفاضة طابعاً عسكرياً وعن ذلك تقول: «إنهن ينشرن الوعي، ويساعدن الجرحى، ويعلمن الأطفال، ويقدمن مساعدات الإغاثة»، مضيفة «إننا نقوم بذلك من أجل الحرية والمساواة».

والواقع أن العديد من النساء يقلن إنهن لا يأملن التخلص من نظام وحشي فحسب وإنما ضمان أن تكون حقوق النساء محمية ومصونة في أي حكومة مقبلة. وعلى رغم أن السوريين معتادون على رؤية النساء كمحاميات وطبيبات وقاضيات، إلا أن بعض النساء السوريات يقلن إن القوانين التي تتعلق بالزواج وإجازة الأمومة والطلاق في حاجة إلى إصلاح حتى تصبح أكثر إنصافاً لهن.

وفي هذا الإطار، تقول تسنيم حمودة، 30 عاماً، وهي ابنة زعيم ديني فرت من بلدتها بداما في محافظة إدلب وتعمل مع هبة الحجي في «منظمة النساء السوريات الحرات»: «إننا نأمل أن تتغير الأمور بعد كل الدماء التي أريقت»، مضيفة «ونرغب في التخلص من العديد من التقاليد الاجتماعية وأن تكون لدينا حقوق».

والواقع أن المواقف ربما أخذت تتغير، حيث لاحظت الحجي تغيراً طفيفاً في اللغة. فقبل الحرب، كان الرجال عادة ما ينادون امرأة من المارة «يا حرمة»؛ أما اليوم، تقول الحجي، فإنهم من المحتمل جداً أن ينادوها «يا أخت». ولكنها لاحظت أيضاً حضور أصوليين إسلاميين في الحرب. فمؤخراً، انتقدها إسلامي يعمل في مخيم للاجئين بسوريا كانت تزوره لأنها تضع المساحيق. وتقول الحجي في هذا الصدد: «إنني قلقة».

والحجي، التي ترغب في الترشح لمنصب عام يوماً ما، تقول إن السوريين يتحدثون عنها لأنها تعيش وحدها في شقة بأنطاكيا، حيث تقوم بملء غرفة نوم غير مستعملة بالألعاب والملابس التي تشتريها من أجل اللاجئين، بفضل المال الذي يرسله لها والداها من سوريا في الغالب.

ولكن الثوار الرجال لا يقدرون أحياناً مساهماتها، حيث تقول إنهم ضحكوا عندما سألتهم: «ألا تعتقدون أنني أستحق أن أعمل معكم؟». فكان جوابهم لها: «إنك امرأة!».

وتقول الحجي: «لقد تركنا كل شيء في سوريا»، مضيفة «لقد تركنا وظائفنا، وعائلاتنا، ومنازلنا. وقمنا بذلك من أجل حق النساء في أن يكون جزءاً مما يحدث. إنني أستحق أن أكون جزءاً من المجتمع!».

ينشر بترتيب خاص مع خدمة

«واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»

=================

أسبوع المبادرات في القضية السورية

طاهر العدوان

الرأي الاردنية

13-1-2013

ثلاثة احداث بارزة خلال الاسبوع المنصرم في مسار القضية السورية ، الاول - خطاب الاسد الذي قطع الأمل بانه سيكون طرفا في الحل ، لقد رسخ نفسه كجزء من المشكلة بل الجزء المعقد منها، ومشروع الحل الذي طرحه يتجاهل كل ما طرأ على ارض سوريا من وقائع منذ حوالي عامين. الحدث الثاني - لقاء جنيف الذي عقد امس الاول وجمع المبعوث العربي والاممي الاخضر الإبراهيمي مع كل من مساعد وزير الخارجية الامريكية ونائب وزير الخارجية الروسي الذي انتهي بغير اتفاق حول موقع الاسد في المرحلة الانتقالية. والحدث الثالث - اعلان الائتلاف السوري للمعارضة عن خطة عمل كاملة لتصوراته عن محتوى ودور الحكومة الانتقالية في سوريا وهو جاء لمناقضا لما ورد في مشروع الاسد .

فشل لقاء جنيف كان متوقعا لانه اذا كان الإبراهيمي قد أراد من اللقاء الوصول على موقف روسي امريكي موحد من خطاب الاسد الذي عقد مهمته وقادها الى الحائط ، فان المعلومات المنشورة والمتداولة أكدت بان الرئيس السوري قد استشار كل من موسكو وطهران حول ما ورد في خطابه وقبل ان يلقيه .

فحلفاء الاسد الروس والإيرانيون سيواصلان رفض اي حل يتضمن مرحلة انتقالية بدون الاسد ، لانهما عندئذ ( سيخرجان من المولد بلا حمص ) .

 تستحق مبادرة الائتلاف الوطني عن المرحلة الانتقالية التأييد من المجتمع الدولي لانها لا تقصي مؤسسات الدولة من هذه المرحلة وتتحدث عن أشخاص من النظام ( ايديهم ليس ملطخة بالدماء ) يمكن ان يشاركوا في حكومة كاملة الصلاحيات ( صلاحيات دولة ) كما يرى الإبراهيمي . حكومة تشرف على انتخابات حرة ونزيهة مع نزع سلاح المدنيين وإعادة بناء الجيش بما يحافظ على وحدة سوريا .

 قبل أسابيع عندما تحدث نائب الرئيس السوري عن استحالة اي طرف الانتصار عسكريا ، داعيا الى حكومة مدنية كاملة الصلاحيات توقع الكثيرون ان يكون خطاب الاسد مختلفا ومكملا لمبادرة الشرع لكنه لم يفعل غير التمسك بالأفكار والادعاءات التي رددها على مدى شهور الازمة ، وبهذا اظهر انه لا يزال يرزح تحت وهم حسم الامر بالحل الأمني والعسكري ، هذا الوهم الذي كلف الشعب السوري ٦٠ الف شهيد وحول اكثر من مليونين منه الى لاجئين في الداخل وفي الدول المجاورة ، وأظهرت الظروف المأساوية والقاسية التي يعيشها اللاجئون في مخيم الزعتري بسبب الاحوال الجوية الباردة جداً ان الرئيس المتشبث بالحكم ليس اهلا لحكم سوريا .

الرئيس الذي يرى الملايين من شعبه يفرون من بيوتهم ليعيشوا في المخيمات في الداخل و عبر الحدود في ظروف غير إنسانية فلا يبادر الى حلول إنقاذيه لا مكان له في مستقبل هذا الشعب .

مبادرة الائتلاف حول الحكومة الانتقالية عادلة ومحايدة، لا تنصب المعارضة حكاما وانما تقدم أجندة وطنية للسلام والانتقال بالبلد والدولة الى نظام جديد تتقرر هويته في صناديق الاقتراع ويجعل السلاح كله في يد الدولة.

 اما مبادرة الاسد فهي تضع سوريا تحت رحمة فوضى السلاح وتجعلها نقطة استقطاب أفغانية جديدة للقاعدة . ...مبادرة الائتلاف تمثل المسؤلية الوطنية ومبادرة الاسد تقدم نموذجا كريها للتشبث بالسلطة .

=================

«فقاعات» سوريا والعراق وشكسبير

سمير عطا الله

الشرق الاوسط

13-1-2013

ثمة قاسم مشترك بين طبيب العيون، الدكتور بشار الأسد، وصاحب «دولة القانون»، الدكتور نوري المالكي. الأول تطلع إلى مواطنيه غارقين في ثلوج الأردن ولبنان، فذهب إلى الأوبرا ليعلن أنهم مجرد «فقاعات». الثاني، صاحب «دولة القانون»، تطلع إلى 700 ألف متظاهر من مواطنيه وقال: «فقاعات».

ما هو القاسم المشترك إذن؟ كلاهما متبحر في قراءة شكسبير. ففي «ماكبث» يقول صديقه، الجنرال بلانكو هازئا: «للأرض فقاعات، كما للمياه». أما ماكبث فهو - في المسرحية - اللورد الاسكوتلندي الذي لا يتورع عن شيء في سبيل السلطة، فيقحم البلاد في حرب أهلية، ومن ثم يخسر كل شيء، وتبقى من بعده الفقاعات. الناس والبشر والأهل والأرض. لا أحد يأخذ الأرض معه، فقد اعتادت هي أن تأخذ الناس.

يصاب ماكبث بالبارانويا ويأخذ في معالجة خوفه بالقتل ثم بالمزيد من القتل. الباقي مسرح وكوابيس، وزوجة ماكبث تحثه على إلصاق الجرائم بسواه. تلك هي الاستعارات الشكسبيرية من التاريخ. وكم وعدت جنابكم بعدم العودة إلى الصعلوك الذي أصبح أشهر أسماء الإنجليز، حتى إنه صار صفة لا اسما. ولكن ماذا أفعل؟.. للضرورة أحكام. وقد استخدم الدكتور الأسد وصاحب «دولة القانون» وجنة العدل مصطلح «فقاعات» في أقل من أسبوع، ما بين عاصمة الأمويين وعاصمة العباسيين.

من معالم وظواهر وعناوين «دولة القانون» أن الزعيم المالكي ذهب إلى الأردن قبل أيام وعاد ليعلن إغلاق الحدود معه. من يمارس هذا العقاب الذي لم يعد قائما منذ أيام شكسبير؟ دمشق.. كلما «عصّبها» لبنان، سدت الحدود في وجهه.. بوابته الأرضية الوحيدة إلى العالم العربي ولقمة عيشه الأولى.

استقبل الأردن مئات آلاف العراقيين، أغنياء وفقراء، مستثمرين يسهمون في إنعاش اقتصاده وبائسين لا حول ولا قوة. بغداد ودمشق أكثر وأول من رفع شعار الوحدة العربية، ووحدهما تستخدمان هذا السلاح الجائر: معاقبة الناس من أجل معاقبة الحاكم. وأكثر من يتأذى بقرار نوري القانوني هم العراقيون، خلف الحدود وأمامها.

ربما يحسن بنا تذكير عاصمتي الوحدة العربية بأن الأردن استوعب أكثر بكثير من طاقته، من الذين هرعوا إليه هربا من دولهم. وهؤلاء، في الفنادق أو المنازل أو مخيمات الصقيع والعذاب، لا يزالون مواطنين عراقيين وسوريين.. لا تغلقوا الحدود خلفهم.

=================

السوريون يريدون بطانيات لا صواريخ

عبدالرحمن الراشد

الشرق الاوسط

13-1-2013

من لا يرحم الناس لا يُرحم، الحال في سوريا مرعبة. لم تفاجئنا الأعاصير والثلوج والأمطار الأيام الماضية، فقد جاءت في موسمها، فصل الشتاء الذي كنا نخاف منه على الإنسان السوري، سواء كان محاصرا في بيته أو مهجرا إلى خارج مدينته، أو نازحا إلى خارج بلاده، ولا يوجد مواطن من الخمسة وعشرين مليونا لم يتأذ من جرائم النظام التي تمنع إمدادات الأغذية والوقود والأدوية.

هناك نحو خمسة ملايين يعانون أكثر من البقية، البرد والجوع، بعضهم يلتحف السماء، أو يسكن الكهوف، لأنه لم تصله بطانيات الإغاثات، ولم يصل إلى مخيمات المحسنين الدوليين. كثيرون بلا خبز ولا تدفئة. لهذا، نهيب بالحكومات العربية والمنظمات الإقليمية والدولية ألا يتركوا الشعب السوري يفنى بين مذبحة ومجاعة، وأقل القليل أن يمدوا لهم أسباب البقاء على قيد الحياة، من مساكن وخيم وبطانيات وطعام وملابس.

الآن، خفضنا توقعاتنا، بتنا نطالب فقط بالخبز والحطب.. لإنقاذ الملايين من الموت جوعا وبردا. كنا في البداية ندعو للتدخل الدولي لردع قوات الأسد وأجهزته الأمنية ووقف الإبادة، ثم صرنا نطالب بصواريخ ستينغر فقط لصد الطائرات التي منذ ستة عشر شهرا تقصف المدن وتدفن الناس أحياء.

مع هذا، لا يظن الأسد، ورفاقه من الإيرانيين، مستعينا بحليفه المؤقت الشتاء المتوحش، أن السوريين تعذبوا بما فيه الكفاية ليرفعوا الراية البيضاء، ويقبلوا العودة تحت نظام القبضة الحديدية. غالبية السوريين، بما فيهم الملايين الذين يواجهون عقوبة الموت مشردين جوعى، أو محاصرين في بيوتهم أيضا جوعى، لن يقايضوا البطانيات والخبز بالعيش تحت نظام الأسد من جديد، هذه حقيقة واضحة ومحسومة. العودة للوضع القديم لم تعد خيارا، فقد دفعوا الثمن غاليا؛ فقدوا بيوتهم وأولادهم وانتظروا طويلا، وهم لن يعودوا إلى ما كانوا عليه تحت حكم الأسد.

والذين يظنون أنهم يستطيعون تمرير مشاريعهم السياسية مستغلين المأساة الهائلة للشعب السوري، فهم واهمون.

اجتماعات جنيف وزيارات الوسطاء والوزراء لموسكو لن تغير كثيرا، فقد قرر السوريون القتال حتى إسقاط النظام بأيديهم، وبما توافر لهم من أسلحة قليلة، ولم يعد يفيد كثيرا البحث في حل سلمي يبقي على الأسد سواء فعليا أو رمزيا. من المؤكد أن الوقت قد فات على أفكار نقل بعض السلطة والبحث عن مخرج مشرِّف للأسد وأركان حكومته. هذا الشعور تسمعه من المنفيين في خيامهم في الأردن وتركيا والصامدين في أحيائهم المحاصرة في داريا وحماه وحمص ودرعا وبقية الأرجاء السورية المهدمة. ولهذا السبب، يقول أعضاء الائتلاف السوري وبقية المشاركين من المعارضة إنهم لن يقبلوا، وإنه لا يوجد أحد منهم يتجرأ الآن على القبول بحل سياسي لا ينص صراحة على إخراج الأسد.

ولأنهم يحاربون على جبهات متعددة: الأسد، والشتاء، والانحياز الدولي الظالم ضدهم، فإن أعظم دعم يمد إليهم في محنتهم العصيبة هو تمكينهم من تجاوز هذا الموسم القاسي بالمساعدات، وهم سيتكفلون بإسقاط النظام الذي يتهاوى.

=================

قلق من احتمال تحول سوريا إلى «دولة فاشلة»

ديفيد اغناتيوس

الشرق الاوسط

13-1-2013

يقنع تزايد الفوضى في المناطق المحررة بشمال سوريا بعض عناصر قوى المعارضة السورية بأن الدولة ستصبح «دولة فاشلة» ما لم تبدأ مرحلة انتقالية سياسية منظمة تخلو من الرئيس بشار الأسد قريبا. وجاء هذا التحليل الصادم في تقرير استخباراتي قدمته مصادر سورية تعمل مع الجيش السوري الحر إلى وزارة الخارجية الأميركية الأسبوع الماضي. ويستعرض التقرير الوضع في المنطقة الممتدة من حلب إلى الحدود التركية التي اختفى منها جيش الأسد إلى حد كبير. كذلك يرسم التقرير صورة لمقاتلين يفتقرون إلى التنظيم، وتجار سلاح طماعين، وأمراء حروب استغلاليين.

ويبدو أن هذا الفراغ الأمني في حلب ساعد جبهة النصرة، المتحالفة مع تنظيم القاعدة. ولا تستفيد هذه الجماعة من براعتها في ساحة المعركة فحسب، بل من رفضها التورط في أعمال النهب والممارسات العدوانية الأخرى. وتحاكي جبهة النصرة، في تركيزها على العدل والمساواة والخدمات الاجتماعية، المنظمات الإسلامية المتطرفة الأخرى مثل حزب الله في لبنان وحركة طالبان في أفغانستان.

الوضع الأمني ليس سيئا في المناطق الريفية مثل محافظة إدلب، جنوب غربي حلب، بحسب مصادر سورية. وعلى عكس المدن التي تتسم بالتنوع العرقي، تعد البلدات والقرى الريفية أكثر ترابطا وتماسكا، حيث تشغل مراكز السلطة القبلية والتقليدية الفراغ الذي خلفه جيش الأسد المتفكك. ويوضح الاضطراب، الذي تشهده سوريا، مشكلة ظهرت في الحروب والثورات التي شهدها العالم العربي خلال العقد الماضي، ولم تحظ بقدر كبير من المناقشة، وهي أنه عندما تسقط الدول البوليسية القمعية بسبب غزو أجنبي أو حرب أهلية، قد يسقط معها الإطار الأساسي للقانون والنظام. وكانت هذه هي حالة العراق وليبيا وسوريا حاليا. إذا فكرنا في المستقبل سنجد أنه من الضروري أن تشجع الولايات المتحدة وحلفاؤها انتقالا للسلطة أكثر استقرارا إن أمكن، مع الحفاظ على المؤسسات الوطنية مثل الخدمات الحكومية والجيش، مع نقل سلطة إدارتها إلى قيادة جديدة أكثر ديمقراطية. وهذا ما حدث في الثورات التي لم تكن دموية إلى حد كبير في مصر واليمن، حيث حثّت الولايات المتحدة قادة الجيش على التخلي عن الحاكم الديكتاتوري.

ولم تحاول الولايات المتحدة بجد وحماس كبير التعامل مع مشكلة انتقال السلطة في سوريا من خلال تشجيع «المجالس العسكرية» في حلب وإدلب ومناطق أخرى على ذلك. وكانت الفكرة هي أن تدعم هذه المجموعات قيادة منضبطة ونظام بين صفوف الثوار، مما يساعدهم في التغلب على الأسد، وتمدهم ببعض البنية اللازمة للانتقال المنظم والإدارة الحكيمة. مع ذلك تقول مصادر سورية إن أغلب المجالس العسكرية تم حلها لأن الولايات المتحدة وحلفاءها لم يستغلوها بشكل فعال في توصيل المساعدات إلى الثوار.

ويشير التقييم المتشائم، الذي قُدم إلى وزارة الخارجية، إلى انتشار المئات من المجموعات الصغيرة، التي يتراوح عدد أفرادها بين 10 و20 مقاتلا، في مختلف أنحاء حلب. وذكر التقرير «تحول الجيش السوري الحر إلى مجموعات غير منظمة من الثوار مخترقة من عدد كبير من المجرمين. وضاع كل ما نبذله من جهد مع المجالس العسكرية. أمراء الحروب ظاهرة موجودة على أرض الواقع الآن. ستكون النتيجة المرجحة للوضع الراهن هي تحول سوريا إلى دولة فاشلة إلا إذا حدث تطور ما».

وأوضح التقرير السوري أن هدف أغلب المعارك التي تدور رحاها في الشمال هذه الأيام هو الغنائم، حيث ذكر «أصبحت الانتهاكات التي يرتكبها الثوار ظاهرة يومية معتادة، خاصة ضد المدنيين، بما في ذلك نهب وسلب المصانع العامة والخاصة والمخازن والمنازل وسرقة السيارات». ويشير التقرير، على سبيل المثال، إلى نهب مخزن مملوك لشركة نفط سورية وبيع حبوب مهربة إلى وسطاء أتراك.

ويعاني المدنيون السوريون كثيرا؛ ففي حلب لا يجد الناس احتياجات الحياة الأساسية بسهولة، بحسب ما يشير التقرير. وارتفع سعر غاز البروبان والخبز بمقدار ثمانية أمثال، وارتفع وقود التسخين والبنزين بمقدار عشرة أمثال. ويقطع الفقراء، الذين يحتاجون بشدة إلى الحطب، الأشجار من الحدائق والمتنزهات العامة أو يستخدمون مقاعد التلاميذ في المدارس، بحسب ما جاء في التقرير.

في هذا الموقف الفوضوي، تكتسب جبهة النصرة المنظمة شعبية، لأن خطواتها للصالح العام ولا تتورط في عمليات نهب لممتلكات المدنيين كما يوضح التقرير. كذلك تشارك في المعارك مشاركة كبيرة، ولا تهتم بأن يُنسب إليها الفضل، وإذا حصل أفرادها على المواد الأساسية مثل غاز البروبان فإنهم يوزعونها على المواطنين مجانا. وإذا استمر الحال على هذا المنوال فسوف تصبح الجماعات المتطرفة في نظر الشعب السوري هي «المنقذ» من أمراء الحروب. وفي الوقت الذي توضح فيه آخر التقارير الواردة من سوريا مخاطر الموقف السلبي الذي تتخذه الولايات المتحدة، فإنها تشير في الوقت ذاته إلى أن التدخل العسكري الأجنبي قد يتسبب في مشكلات مشابهة مثل تلك التي شهدناها في ليبيا والعراق بعد إسقاط الحاكمين المستبدين. ويتمثل الحل في سوريا في دعم القوات العسكرية المعتدلة المنتمية إلى الثوار، والمساعدة في انتقال مستقر، مع الحفاظ على تماسك مؤسسات الدولة المهمة على أن تخضع لقيادة سياسية جديدة.

* خدمة «واشنطن بوست»

=================

ماذا يعرفون عن سوريا؟!

ميشيل كيلو

الشرق الاوسط

13-1-2013

كلما قرأت مقالة في صحيفة أجنبية عن سوريا، طرح نفسه عليّ سؤال ملح: ماذا يعرف كاتبه عن بلادي ومشكلاتها؟! وهل قدم صورة عن واقعها تفيد قراء مقالته أو دراسته أو بحثه، وتضع يدهم كليا أو جزئيا على بعض حقائقها؟

عموما، يرسم عقل غربي سائد في الصحافة والإعلام صورة عن سوريا تجعل منها مجموعة طوائف وأقليات متنافسة متصارعة، تعيش في حال من توتر متفجر لا تبقيه كامنا غير يد السلطة المركزية القوية، التي تحفظ السلم الأهلي وتعمل لخلق مجتمع مندمج يجسد قيامه تقدما كبيرا بالنسبة إلى المجتمع الحالي؛ المجزأ والمفكك والقابل للتشظي في أي وقت، إن هي غابت عنه أو ضعفت.

هذه الصورة الخاطئة من ألفها إلى يائها، الآتية من تاريخ استعماري/ استشراقي قديم، تترتب عليها نتيجتان مهمتان في تحديد نظرة الصحافة إلى سوريا، هما:

ليس مجتمعنا مجتمعا واحدا متماسكا ومندمجا، وبالتالي لا تتوفر له سمات المجتمع الحقيقي، بل هو تراصف جماعات وجمعات بعضها قرب بعض، تتعايش، كما سبق القول، بأقل قدر ممكن من التفاهم، وتتباعد إحداها عن الأخريات بمرور الوقت بدل أن تتقارب معها وتنصهر فيها وتؤسس بالتضافر معها جماعة وطنية واحدة. هذا «المجتمع» الهش لا يستطيع أن يكون حامل حداثة وتقدم، إلا إذا تم تنظيم علاقاته على أسس تقر بحقوق ووجود أقلياته، وتجعل منه جسما لا بد أن تتقاطع روابطه عند مصالحه التي يجب أن تتنامى على أرضية تجعل منها مصالح متقاربة أو مشتركة. وبما أن هذه الأرضية ليست قائمة بعد، فإن إقامتها رهن بالنتيجة الثانية، التي تتجلى إما في:

وجود دولة مركزية قوية اليد ترغم هذا الشتات من الجماعات والمصالح المتنافرة على العيش المشترك أو على التظاهر بقبوله، التي تنميه بصورة متوازنة تمكنه من إقامة أرضيات عامة موحدة أو متقاربة تحكم حركته وتضبط أهواءه ورغباته، أو إقامة إدارة لا مركزية تتيح لمكوناته، أي لأقلياته، التفاعل بعضها مع بعض انطلاقا من أسس مشتركة، مهما كانت جزئية، يقود تقاطعها وتكاملها إلى تقاربها ودخولها في أشكال من الاندماج تحولها تدريجيا إلى وحدات متآلفة متناغمة، وإن لم تمثل بعد مجتمعا موحدا ومتناغما. في حال وجود الدولة من النمط الأول، لا بد من يد قوية وسلطة مركزية صارمة يرتبط بهما ليس فقط بقاء الأقليات متعايشة، بل كذلك مجمل سيرورة تطورها نحو التآلف والتناغم، وتاليا نحو مجتمعية متداخلة الحدود. أما في الحال الثانية، فتكون الأقليات نفسها لا السلطة التي تسوسها حامل تقدمها وتقاربها المتناغم، فلا ضرورة لأن تكون سلطتها القائمة قوية أو مركزية، ولا بد أن تكون علاقات الجماعات البينية أساسا وأرضية ما لا بد أن يقوم بينها وحدة في المصالح والروابط.

في عودة إلى ما تكتبه الصحافة عن مجتمعنا السوري، هناك إعجاب بالدولة قوية اليد، التي نسميها نحن «الاستبدادية»، والتي تعتبر ضامن وحدة وتقدم مجتمعنا، وبالتالي حامل الحداثة والسلام الأهلي والقيم الحديثة، بما في ذلك العلمانية. لكنه توجد اليوم دعوة دولية إلى إحلال النموذج الثاني محلها، بعد فشلها وسقوطها الذي يبدو وشيكا في سوريا؛ دعوة تعبر عن نفسها في سعي غربي إلى إقامة فيدرالية أقليات في سوريا تزيح نمط الدولة المركزية، بما في ذلك النموذج الديمقراطي والتشاركي، الذي لا تريد بعض دول الغرب إقامته في سوريا، على الرغم من علمها باستحالة وجود حل حقيقي لمشكلة الأقليات غير الديمقراطية، كنظام يقوم على أعلى قدر ممكن من الدولة وأعظم حضور ممكن للمجتمع، على دولة هي حاضنة مجتمع يشارك في تقرير شؤونها ويكون حاملها السياسي.

هل صحيح أن مجتمع سوريا ليس موحدا، وأنه تجمع أقليات تتعايش في أجواء من التوتر القابل للانفجار في أي وقت، وأن ما يجري فيها اليوم هو النتاج الطبيعي والحتمي لهذا الواقع؟ وهل صحيح أنه لا يمكن قراءة أحداثها خارج هذا الإطار، لأنه هو الذي تسبب فيها؟ وهل من الصحيح أخيرا القول أو الاعتقاد بأنه لا توجد وطنية سورية جامعة تخترق سائر مكونات شعبها المجتمعية والسياسية، وأنها كانت مؤهلة للانفراط والتفكك ككيان موحد لولا يد الاستبداد التي حفظت وحدتها الإجبارية، ولا بد أن تسمح الثورة الحالية لها بالتخلص منها وبإعادة تأسيسها على الواقع الحقيقي الوحيد القائم فيها: واقع كونها بلد أقليات سترفض أن تتعايش، بعد اليوم، مع غياب اليد القوية عنها، إلا في إطار كونفدرالي رخو؟

لا أظن أنه يمكن الرد بالإيجاب على أي واحد من هذه الأسئلة. ليست سوريا تجمع طوائف. وليست أقلياتها متصارعة مع أغلبيتها أو ضد بعضها. وليست أزمتها الحالية ابنة تنافر وتصارع مكوناتها التي قررت أن لا تعيش في إطار وطني جامع. وليس حل مشكلتها مع الاستبداد كامنا في تفكيك دولتها وبناء نظام ينطلق من الأقليات ويعتبرها قوة تحمل دينامية تجديدية من طراز حداثي، أقله لأنها تفتقر تماما إلى هذه القدرة، ولم يسبق لها أن مارست أدوارا مستقلة، ولأنه سبق لها أن رفضت ممارسة أدوار كهذه خلال حقبة الانتداب الفرنسي، كما رفضت أن تؤلف دولة فيدرالية أو كونفدرالية تنهض على التحالف فيما بينها.

لا تتعارض اللامركزية مع نظام ديمقراطي محوره دولة تقوم على مشاركة تتخطى مشكلة الأقليات بالمواطنة، وبما تؤسسه من مساواة بين جميع مواطنيها بغض النظر عن جنسهم ولونهم ومذهبهم. ولن تكون دولة الأقليات ديمقراطية لأنها لن تكون دولة مواطنة ومساواة وعدالة بأي معنى وطني وجامع، ولن تنجو من التمييز بين أتباع الأقليات، الذي ينسف الديمقراطية من أساسها.

أما ما يقدمه كتاب مقالات الصحافة، فليس غالبا غير ترهات استشراقية يعممونها على مجتمعاتنا، يتوهمون أن فيها مفاتيح وأسرار وجودنا، وأنها تمدهم بمداخل علمية إلى معرفة واقعنا، على الرغم من أنها ليست غير جملة أحكام مسبقة تتسم بالسذاجة والتبسيط، تصلح لتقديم عينات عن جهل من يكتبون في ضوئها، ولا تصلح بأي حال لتفسير أو لمقاربة ما تعيشه مجتمعاتنا.

لا عجب أنني كلما قرأت مقالة عن سوريا، بما في ذلك تلك التي يكتبها مراسلون ميدانيون، تساءلت بحيرة: هل هذه هي حقا سوريا؟! ولماذا يتعب كاتبها نفسه ويعرض حياته للأخطار ويذهب إلى بلادنا، ما دام يستطيع كتابة مادته من مقهى رصيف أو مطعم في بلده؟!

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ