ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 15/01/2013


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

14-01-2013

الثورة لا تتوقف عند السلطة السياسية

تاريخ النشر: الإثنين 14 يناير 2013

الاتحاد

د.طيب تيزني

بعد أن مرت سنة على الثورة السورية، بدأت بعض التغيرات الفكرية تطال مسائل كان الشباب قد تنصلوا منها من قبل، وذلك تحت تأثير مجموعات من المثقفين السوريين الذين رحبوا، بنشوة خاصة، بانتفاضة الشباب. ويتعلق الأمر بأن مجموعة من المثقفين الناشطين سياسياً، سابقاً، أحسُّوا بفرح كبير بظاهرة الانتفاضة المذكورة، فراحوا يعتقدون أنه من الخطأ بمكان أن يترك شباب الانتفاضة المذكورة ليواجهوا مصائرهم وحدهم، دون تدخُّل من «معلِّمي السياسة» السابقين والمتحدرين من أحزاب سابقة. وحُجَّتهم في ذلك أن الشباب إياهم إنما هم «شباب» ضئيلو الخبرة والثقافة، بحيث لا يمتلكون القدرة على قيادة حركتهم الشبابية إلى أهدافها المعلنة، وهي الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. ولذلك، كان برأي أولئك المعلِّمين أن يتدخلوا في شأن التكوين الثقافي السياسي لهؤلاء الشباب، بصيغة المساعدة والتطوير والتصويب في خضم الأحداث. لقد أنتج ذلك السجالُ الفكري الأوَّلي حالة مفتوحة في أوساط الناشطين الشباب تمثلت في الاقتناع بصحة القول بترك الحراك الشبابي يأخذ هيكله ويمتلك آلياته، فكان ذلك صحيحاً، ولكن بحيث لا يصل هذا الخط إلى الاستثناء عن آراء الكبار، ولا إلى التقليل من أهمية ذلك. وظهر ذلك في سياق تبلور الهدف الأكبر من الحراك الثوري الجديد، فكان أن أفصح عن نفسه مفهوم «الخطاب السياسي»، بديلاً عن الخطاب «القدْحي»، وعن الثالث «الديني» المغلق وغيره، مثلاً، مع تشديد عقلاني ووطني مركز على مفردات حاسمة في الثورة السورية، مثل المدنية والتعددية والانفتاحية، وعلى مبادئ التداول السلمي للسلطة، واستقلال القضاء الحقيقي وشفافيته، وتعميم مبدأ المساواة لكل أطياف المجتمع السوري الطائفية والدينية والإثنية والجِهوَّية والجغرافية وغيرها. بكلمة نود القول بأن تكوين منظومة المفاهيم والقيم السياسية والثقافية والأخلاقية الخاصة بالثورة إياها لا يأتي على أيدي المفكرين والمثقفين والمنظرين من مختلف الحقول فقط أو بالدرجة الأولى، بل يُسهم في هذا كله أولئك الذين ولدوا ويولدون في الشارع ومنه، إسهاماً مرموقاً، خصوصاً حين نعلم أن الأمر يتصل بنمط من الثورة قد نقول بأنه سابقة له فيما سبق، بدرجة أو أخرى.

بعد أن وصلنا إلى ذلك، نود الخلوص إلى فكرة تأسيسية حاسمة على صعيد ما نحن بصدده، وتلك هي: إن الشباب السوري بقدر ما هو بحاجة ماسة إلى تجارب الآخرين وخصوصاً منهم الشباب في التاريخ السوري والعربي (وطبعاً في السياق التاريخي)، فهم كذلك يدركون أهمية إنتاج وعيهم التاريخي والمهمات التاريخية الملقاة على عاتقهم في إطار كفاحهم من أجل سوريا الحرية والكرامة والعدالة، مع ملاحظة أن ذلك من أجل أن يكون دقيقاً، لابد من وضعه في سياق البنية المجتمعية العامة السورية ولما لها من استطالات جيوسياسية وتاريخية ومستقبلية. وفي ضوء ذلك، تتكشف أهمية القيام مع قراءة نقدية للقراءات التي قُدمت حول سوريا من كل الأطراف، وبهدف الوصول إلى ما يجعل سوريا بلداً يمتلك القدرة على إنجاز مشرع جديد في النهضة والتنوير. وقد يكون القول ضرورياً بأن تحقيق ذلك محكوم بالضرورة التاريخية المؤسَّسة على الاقترانات التاريخية الدَّالة على اقتران سوريا عمقاً من أعمال الوطن العربي، كما الأمر بيد هذا وبين تلك. وهذا ما لم يدركه أعمدة النظام القائم.

د. طيب تيزيني

 

=================

مصلحة الشعب السوري من أولويات المملكة

2013-01-14

الوطن السعودية

يندرج توجيه خادم الحرمين الشريفين لوزارة المالية بتقديم مساعدات بقيمة 10 ملايين دولار إلى اللاجئين السوريين في الأردن ضمن الأعمال الإنسانية التي دأبت المملكة عليها من غير منّة، لأنها تعلن دائماً أن ذلك واجبها تجاه المحتاجين في أي مكان. أما إن كان هؤلاء المحتاجون من الأشقاء العرب فالمملكة لم تقصّر من قبل، وطالما كانت سبّاقة لمد يد العون لهم منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه، وصولاً إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.

ولأن قول المملكة يقترن بفعلها، فقد بدأ أمس توزيع الدفعة الأولى من المساعدات للاجئين السوريين الذين يعيشون ظروفاً قاسية تحت الثلج والبرد في مخيم الزعتري في الأردن، تضاف إلى معاناتهم من التهجير وترك بيوتهم لإنقاذ أرواحهم وأرواح أبنائهم من الموت بنيران وقصف قوات النظام السوري.

إلى ذلك، فالمملكة في عام 2012 فقط قدمت كتبرعات رسمية وشعبية ما قيمته مليار ريال، وهي بذلك تؤكد أنها لن تتخلى عن الشعب السوري الذي أدركت قيادة السعودية وشعبها حجم ما ألحقه النظام به من ضرر، فاصطفت إلى جانب الشعب عن طريق مجلس التعاون الخليجي، وجامعة الدول العربية التي عقدت بالأمس الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب في القاهرة والذي يأتي في وقت حرج تمر به الدول العربية، إلا أن الأزمة السورية، ونظرا لتطورات الأوضاع هناك، والمأساة الإنسانية التي يتعرض لها السوريون تبقى الأهم في هذه المرحلة الحرجة والصعبة التي تمر بها المنطقة، وهو ما أوضحه نائب الأمين العام للجامعة العربية من أن البند الأول لجدول أعمال الاجتماع يتضمن سبل المساعدة الضرورية للنازحين السوريين إلى الأردن ولبنان والعراق في ضوء تطورات الأزمة السورية وتداعياتها على دول الجوار، خاصة بعد التزايد الكبير في أعداد اللاجئين السوريين وعجز هذه الدول في الوفاء باحتياجاتهم.

إذاً لا مصالح للمملكة في سورية إلا إنقاذ شعبها ومساعدته لينهض من جديد ويعيد البناء شأن الدول الحضارية، والذين يسخرهم النظام السوري ليقولوا غير ذلك يعرفون قبل غيرهم أنهم يزيفون الحقيقة، ويدركون أن المملكة التي وصلت معوناتها لمختلف القارات؛ لن تبخل على الشعب السوري الشقيق، فـ"الأقربون أولى بالمعروف".

=================

الأسد والإبراهيمي و«المنطقة المحظورة»

غسان شربل

الإثنين ١٤ يناير ٢٠١٣

الحياة

خرج الأخضر الإبراهيمي غير مرتاح من لقائه الثالث مع بشار الأسد. اللقاء الثاني كان أفضل. ولا غرابة في الأمر. السباحة في العموميات تعفي الطرفين من كشف ما يريدان تركه إلى اللحظة المناسبة. هذه المرة اقترب الأخضر مما تعتبره دمشق «المنطقة المحظورة». لقاءات المبعوث الدولي والعربي مع الحلقة المقربة من الرئيس رسخت قناعته بصعوبة مهمته. اللقاء الرابع يبدو بالغ الصعوبة، أو متعذراً.

في الفندق في دمشق، راح الإبراهيمي يقرأ في موقف الرئيس السوري. يعتقد الأسد أن مجلس الأمن لا يزال مقفلاً أمام أي محاولة لاستصدار قرار يغطي عملية خارجية لاقتلاع نظامه. لا شيء يوحي ان روسيا تستعد لتغيير موقفها. الأمر نفسه بالنسبة إلى الصين. ايران قصة أخرى، فهي تعترف أن سقوط النظام السوري يعني سقوط دورها في الإقليم. يعني فشل الهجوم الذي شنته وكلفها عشرات الأعوام وبلايين الدولارات. يعني انتقال المعركة لتقليص حضورها في العراق ولبنان. ثم إن إدارة باراك اوباما ليست في وارد القيام بتدخل عسكري في سورية. وإذا كان النزيف السوري يصيب المدنيين هناك، فإنه يصيب أيضاً النظام وحلفائه. تستطيع الانتظار تحت قبعة الإبراهيمي. تصرف الأسد في اللقاء الثالث مستنداً أيضاً إلى استمرار تماسك الوحدات الأساسية الضاربة في الجيش السوري. وخير دليل انتقال بعض الوحدات إلى الهجوم حول دمشق وتحقيقها بعض التقدم.

لم يتصرَّف الأسد تصرُّفَ من يبحث عمن يساعده على الخروج من المأزق. حين لامس الإبراهيمي موضوع «المرحلة الانتقالية» و «الحكومة الكاملة الصلاحيات» استناداً إلى إعلان جنيف، وألمح إلى «تغيير حقيقي»، كان رد الأسد واضحاً، بل قاطعاً. شرعية الرئيس جاءت من الانتخابات ولا تتغير إلا بانتخابات. المشكلة ليست في دمشق، بل في الاعتداء الذي تتعرض له سورية، وأول الحل «أن توقف الدول الراعية للإرهابيين مساعداتها لهم».

في موسكو لم يسمع الإبراهيمي ما يتيح له الحديث عن «اختراق» او «تقدم ملموس». قال لافروف إن موسكو لا تعتبر من مهمتها أن تدعو الأسد إلى التنحي، وإنها لا تعتقد أنه سيتجاوب إن فعلت، وإن هذا الجو ملموس أيضاً لدى المحيطين بالأسد. لكن لافروف أكد أن بلاده لم تتراجع عن إعلان جنيف. وأنها مهتمة بمصير البلد لا مصير الشخص. وأنها تعارض بشدة انهيار الدولة السورية ومؤسساتها ولا تريد قيام «ليبيا جديدة»، خصوصاً أن معلوماتها تؤكد تصاعد دور الجهاديين داخل المعارضة السورية. لكن لافروف أكد للإبراهيمي أن بلاده متمسكة بإعلان جنيف على رغم تباين التفسيرات.

تصاعَدَ تبادل الرسائل. قال الإبراهيمي إن الخيار في سورية هو بين الحل السلمي والجحيم، وحذّر من الصوملة. ورسم الأسد في خطابه برنامجاً للحل تحت سقف حكومته لا في ظل «حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة». دخل الإبراهيمي مجدداً المنطقة المحظورة ونقل عن السوريين «اعتقادهم» أن حكم أسرة الأسد طال أكثر مما ينبغي، فاتهمه الإعلام السوري الرسمي بالانحياز.

في لقاء جنيف لم يتبلور تصور مشترك. بدت أميركا مرتبكة وهي تبلور أركان الولاية الثانية لأوباما. تمسك الجانب الأميركي بتنحية الأسد، لكنه بدا مهتماً بعدم انهيار بنية الدولة السورية، ولم يظهر واثقاً من هوية البديل. تحدث الجانبان الأميركي والروسي عن مخاطر الحل العسكري وكُلْفته الباهظة، وكررا تأييدهما إعلان جنيف. عبَّر كل من الطرفين عن قلقه من تصاعد التطرف. أكد الجانب الروسي ثقته بالإبراهيمي. تحدث عن تأييده التحرك من أجل مرحلة انتقالية وكأنه يدعو إلى إبقاء مسألة تنحي الأسد جانباً. بدت مواقف الطرفين غير ناضجة لتحقيق اختراق، لكنها سمحت بتعويم مهمة الإبراهيمي على رغم دخوله «المنطقة المحظورة».

لم يتوقف تبادل الرسائل. بعد جنيف تلقى الإبراهيمي رسالة جديدة، وهذه المرة عبر صحيفة «الوطن» السورية. قالت الصحيفة إن الإبراهيمي «تجرأ» وطرح مسألة الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، وإن الأسد أجابه: «لست القبطان الذي يهرب من السفينة عندما يشعر أنها بدأت تهتز» وأنهى الاجتماع. هل نفهم من ذلك أن ميزان القوى لا يسمح بحل، بل بالمزيد من الاقتتال لمحاولة تغييره أو فرض وقائع جديدة؟ هل نفهم أن اللقاء الرابع بين الأسد والإبراهيمي بات مستحيلاً، وان دمشق ستحاول كسب الوقت بالمطالبة بـ «وسيط غير منحاز»؟ وكم سيُقتل من السوريين بانتظار «نضوج» الظروف الداخلية والإقليمية والدولية؟

أعان الله السوريين المبدَّدين داخل بلادهم واللاجئين خارجها.

=================

الإبراهيمي إلى مجلس الأمن: الحل أو التنحي

جورج سمعان

الإثنين ١٤ يناير ٢٠١٣

الحياة

طال صبر الأخضر الإبراهيمي أكثر مما طال انتظار الحل. ناله من الانتقاد ما نال لتأخره في إطلاق المبادرة الموعودة. انتظر طويلاً وهو يحاول إقناع من يجب إقناعهم بما كشفه أخيراً صراحة وأثار عليه حفيظة النظام في دمشق بعد الحملات التي لم تتوقف عليه من أطراف كثيرة في صفوف المعارضة. المهم ألا يطول صبره على «الدعم» الذي يلقاه من واشنطن وموسكو وكرره قبل يومين وليم بيرنز وغينادي بوغدانوف في جنيف. فما لم يترجم هذا «الدعم» تأييداً لرؤيته أو خطته لوقف العنف وبناء المرحلة الانتقالية tستتعرض مهمته للتآكل، وتتحول مجرد غطاء للعجز أو التقاعس الدولي عن وقف جنون الحرب وفرض التسوية. فهل هذا ما يريده أم إنه سيطلب التنحي عندما يتقدم إلى مجلس الأمن قريباً... إلا إذا حصلت معجزة ما وتوافق الكبار على قرار ملزم لطرفي الصراع؟

لا يحتاج المبعوث الدولي - العربي إلى شرح ما بات يعرفه الأميركيون والروس وجميع اللاعبين الآخرين. وهو أن جلوس طرفي الصراع إلى طاولة الحوار من باب المستحيلات. فلا يجرؤ طرف سياسي واحد في معارضة الداخل والخارج على خوض مثل هذه التجربة مع النظام. ولا يمكن أن يقبل بدور للرئيس وأركانه في المرحلة الانتقالية. والنظام يرفض أصلاً الاعتراف بوجود المعارضة، مسبغاً عليها شتى النعوت والأوصاف. لكن الإبراهيمي الذي عبر صراحة عن وجوب قيام حكومة بصلاحيات كاملة ليس مقتنعاً بأن الحسم العسكري هو الحل، حتى وإن كانت الجماعات المسلحة على الأرض تحرز تقدماً. وليس وحده من يدرك أن نظام الرئيس بشار الأسد جزء من الأزمة أو هو أساسها، ولا يعقل تالياً أن يكون طرفاً في الحل.

اللاعبون الدوليون تلطوا حتى الآن وراء المبادرات السياسية والمبعوثين الأمميين والعرب لإخفاء عجزهم عن وقف آلة القتل المستمرة منذ 22 شهراً، أو لترددهم في الانخراط في صراع يعون تماماً أن ثمة لاعبين إقليميين آخرين ناشطين، وأن نتيجته ستحدد ميزان القوى الجديد ليس في سورية فحسب بل في المنطقة كلها. وهذا على الأقل ما عبرت وتعبر عنه مخاوفهم. وأولها تهديد الاستقرار الهش في بعض دول الجوار من تركيا إلى الأردن ومن لبنان إلى العراق، وتداعيات ذلك على دول الخليج... وحدود إسرائيل الشمالية أيضاً. وثانيها القلق على مآل الأسلحة الكيماوية، لئلا نتحدث عن مخزون من اليورانيوم إذا صدقت تقارير إعلامية غربية. وثالثها احتمال وقوع سورية في أيدي الجماعات الإسلامية المتشددة وما يطرح ذلك من تحديات لمصير الأقليات الدينية والعرقية في سورية ومستقبل دورها ووجودها. وهو الهاجس الكبير الذي تعبر عنه الولايات المتحدة وروسيا ودول أوروبية وعربية كثيرة.

هذا الهاجس بات سمة مشتركة أيضاً لا تغيب عن مواقف جميع اللاعبين الخارجيين وأطراف الصراع الداخلي. ولا مبالغة في القول إن التأخير في فرض حل يوقف القتال لا يعزز ثقل «جبهة النصرة» فحسب بل كثير من الجماعات المتشددة. ولعل الصور والتقارير الواردة من مطار تفتناز خير تعبير عن حجم عن هذه القوى، بخلاف ما يحاول بعضهم التقليل من أثرها وفاعليتها. وهي ليست طارئة. فعندما قابل وزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول الرئيس الأسد، غداة الغزو العراقي حمل إليه جملة من المطالب المعروفة. وكانت دمشق تقيم على جزع وخوف كبـــيرين من وصول القوات الأميركية إلى حدودها. ولم يقفل الرئيس السوري باب البحث في هذه المطالب. بل عمد إلى إقفال أبواب ما سمته دمشق «المكاتب الإعلامية» لحركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي». في تلك الزيارة سأل الوزير الأميركي الرئيس السوري لماذا سهلت وتسهل حكومته انتقال مجموعات كبيرة من «المجاهدين» من شمال سورية إلى العراق لقتال القوات الأميركية. كان جواب الأسد يومها أن هذه المجموعات تشكل تحدياً ومخاوف لقواته وأجهزة أمنه، وليس المطلوب منه أن يقف في وجه انتقالها إلى «الشقيق الشرقي»، وما على القوات الأميركية سوى أن تتولى أمر قتال هؤلاء وتصفيتهم!

ولا حاجة بالطبع إلى التذكير بما قامت به أجهزة الأمن السورية لاحقاً من تنظيم انتقال معظم «المجاهدين» من المغرب العربي وشبه الجزيرة والمنطقة كلها إلى العراق لمقاتلة الأميركيين وتأجيج الحرب المذهبية هناك. حتى أن نوري المالكي نفسه شكا دمشق إلى مجلس الأمن وطالب بمحكمة خاصة للجرائم التي يرتكبها «الجهاديون» بدعم من سورية. واليوم يراقب السفير الأميركي روبرت فورد، المكلف متابعة الأزمة السورية، بلا شك تحول الشمال السوري قاعدة لهذه المجموعات المتشددة. ولا يحتاج إلى درس في طريقة عملها وتحركها. خبر ذلك في حرب الجزائر في التسعينات وكان سفيراً لبلاده هناك. وخبر ذلك في العراق حيث كان عنصراً فاعلاً في الماكينة الأميركية التي قاتلت «القاعدة» العقد الماضي في بلاد الرافدين.

لهذا لا يستعجل الأميركيون التدخل في سورية. بل لا يرغبون في ذلك. أوكلوا الأمر إلى بريطانيا، وإلى المبعوث الدولي - العربي. وحتى الدوائر المعنية في الخارجية البريطانية التي تتشاور يومياً مع نظيرتها الأميركية، لا تبدي استعداداً للقيام بأي مغامرة. بخلاف الحماسة التي يبديها أحياناً رئيس الوزراء ديفيد كامرون أو وزير خارجيته. في أي حال لا يبدو أن أحداً في واشنطن أو أي عاصمة أوروبية يملك الجرأة على اتخاذ قرار بالتدخل، سيكون مكلفاً عسكرياً واقتصادياً، وهم يلملمون شتات عسكرهم من أفغانستان وغيرها. ألا يكفي عجزهم عن إنقاذ بعض الدول الأوروبية التي تعاني أوضاعاً اقتصادية هشّة تنذر بقلاقل ومشاكل اجتماعية تجد لها انعكاساً على القارة كلها ومستقبل اتحادها؟

في ظل غياب أي تحرك فاعل لوقف الحرب في سورية، لا يتوقع أحد من اللاعبين الدوليين والإقليميين، فضـــلاً عن المتصارعين في الداخل، أن تنتهي الأزمة بــغالب أو مغلوب. فالمدقق في الأسئلة الأميــــركية عن «اليوم التالي» لسقوط الأسد يجدها مطابقــــة تماماً للأسئلة الروسية. ولا تجد الدولتان جواباً سوى بإلقاء الكرة في ملعب المعارضة. كأن المطلوب أن تخوض جماعات المعارضة المسلحة صراعاً جانبياً مبكراً مع «جماعة النصرة» والجهـــاديين الذين يساهمون في قتال النظام. وهو صــــراع بدأت بوادره تصفيات متبادلة بين «النصرة» والفــــرق المحسوبة على «الإخوان». فهل يعقل ألا تــــدرك الدول الكبرى أن العزوف عن التدخل الفاعل يزيد في تعقيد الأزمة السورية ويعزز دور هذه الجماعات؟ إلا إذا كان المطلوب أن تفتح لها الساحات السورية للتناحر كما كانت الحال في العراق الذي تحول بعد الغزو الأميركي قبلة لـ «القاعدة» وشقيقاتها!

حتى إيران التي لا تتوانى عن دعم نظام الأسد بكل ما يحتاج إليه، تلمس ضعف هذا النظام. وتحتاط لاحتمال هزيمته في النهاية. وإلا ما معنى أن تتمسك باقتراح الرئيس محمد مرسي تولي المجموعة الرباعية (مصر وتركيا والسعودية وإيران) تسوية الأزمة، وهي تعرف رفض «الأطراف» الثلاثة بقاء الأسد؟ صحيح أنها تدرك حجم التحديات والمتاعب التي تسببها لها الأزمة في سورية واحتمال خسارة موقعها في هذا البلد، واهتزاز مواقعها في كل من العراق ولبنان أيضاً، بعدما أقفلت في وجهها ساحة البحرين وخرجت القضية الفلسطينية من تحت عباءتها. ولكن، قد لا تصح المبالغة في توقع خسارتها الكاملة لهذه المواقع أو المراهنة على ذلك، إذا انتهت الحرب بتحويل سورية إلى صومال أو أفغانستان، على ما يحذر الإبراهيمي.

وإذا قيض للمعارضة أن تدحر النظام في دمشق وحلب، فإنه سيجد ملاذاً في الساحل الغربي. وإذا لم تتوافر الظروف الإقليمية والدولية لتقسيم سورية، فسيظل الأسد يحتفظ بـ «الشرعية» ما لم يبدل أصحاب «الفيتو» مواقفهم. فيما تغرق فرق المعارضة في التناحر على السلطة. وقد بدأت بوادر الصراع الدموي بين بعض مجموعاتها. فضلاً عن القتال الذي سيندلع بين هذه المجموعات وأهل الشريط الساحلي العلوي إلى ما شاء الله. هذا من دون الإشارة إلى عبء إدارة مدن ودساكر تحولت أنقاضاً، وإلى اقتصاد يحتاج إلى بلايين الدولارات لينهض من الحضيض. فهل سيكون في طاقة هؤلاء المتناحرين الانشغال بقضايا إقليمية من مثل المساهمة في خنق «حزب الله» أو نصرة أهل السنّة في العراق؟ إلا إذا كان قدر اللبنانيين والعراقيين أن يغامروا مرة أخرى في خوض حروب أهلية جديدة!

وتركيا التي وقفت باكراً مع المعارضة تخشى على استقرار مناطقها الجنوبية في ظل الحدود المفتوحة أمام اللاجئين والمقاتلين الذين يثيرون حفيظة طائفة كبيرة في أنطاكيا. فيما عودة نشاط المجموعات الكردية يضاعف قلقها ومخاوفها، مثلما يثيرها الحديث عن «دويلة علوية» أو تقسيم سورية والعراق وما قد ينتهي إليه الوضع من قيام دولة كردية. وإذا كانت الأزمة وضعتها في مواجهة صريحة مع طهران وبغداد، فإنها تحاول هي الأخرى الحد من خسائرها وتعويض ما تخسر بعلاقات مميزة مع كردستان والسعي إلى تسوية مع حزب العمال الكردي. ولا حاجة إلى التذكير بمخاوف الأردن مما يجري اليوم في سورية ومن التغييرات المحتملة أيضاً!

في ظل هذه المعطيات هل يواصل الإبراهيمي تقديم غطاء لعجز جميع المتصارعين في سورية وعلى سورية، أم إن خسائر كل هؤلاء لم تتساوَ بعد أو لم تبلغ حدودها القصوى بتهديد مصالحهم المباشرة؟ وماذا عن سورية، هل بقي فيها شيء لم تخسره؟

=================

مواسم الطائفية تليها مواسم «الشعب السوري واحد»

عمر قدور *

الإثنين ١٤ يناير ٢٠١٣

الحياة

يُظهر الفيديو المسرّب عن عناصر من الجيش أو الأمن أو الشبيحة، إذ لم يعد من فرق بين الثلاثة، مجموعة من العناصر يتناوبون على استخدام السكاكين في جسد معتقل، ومن ثم يقومون برميه بالحجارة حتى الموت.

هذا الفيديو الذي استهل به السوريون سنتهم الجديدة لم يكن الأول، فقد ودعوا السنة السابقة بفيديو يظهر عناصر آخرين وهم ينكلون بالجرحى الذين يفترشون الأرض في مستشفى ميداني، وقد اضطرت المحطات التلفزيونية التي عرضته إلى تشفير بعض المشاهد لهولها، وإلى كتم الشتائم البذيئة التي استخدمها الجلادون. على العموم لم تعد الفيديوات المسربة بين الحين والآخر دلالة على الوحشية غير المسبوقة للنظام، والتي يتفنن شبيحته بابتكار أساليب جديدة لها، بل بات يُنظر إلى تسريبها كوسيلة يتعمدها النظام لمزيد من الإرهاب، وبخاصة لمزيد من شحن الغرائز الطائفية.

بعد اثنين وعشرين شهراً قاسى السوريون مختلف أصناف القتل والتنكيل، إلا أن لبعض المجازر طعماً خاصاً، وتحديداً المجازر التي استخدمت فيها السكاكين وأشكال من التمثيل بالأحياء قبل قتلهم أو بعده، فهذا النوع لا يسفر عن وحشية النظام وحسب، بل يسفر عن الوحشية الفظيعة لشبيحته فرداً فرداً، ومن المؤكد أنها تكتسب مغزى خاصاً لجهة تباهيهم وتشفيهم الواضح بالضحايا، وهم يتحدثون بلهجة تدل على لون طائفي محدد. وسيكون من الصعب بعد مشاهدة أحد الفيديوات المجادلة بأن الشبيحة ينتمون إلى مختلف الطوائف، أو بأن قادة النظام هم المسؤولون الحصريون عن المجازر، بغياب تسجيلات لمجازر يمكن نسبها إلى شبيحة من انتماءات الطائفية أخرى. ما يُفهم عن حقّ، وهذه هي إحدى الرسائل المتوخاة من النظام، أن الشبيحة العلويين يقومون بالمجازر البشعة دفاعاً عن النظام، مضافاً إلى ذلك حقد طائفي بغيض هو وحده الكفيل بإيصال وحشيتهم إلى هذا الحد.

ليس مستغرباً أو مستبعداً إذاً، أن تحرّك هذه المجازر ردود أفعال طائفية أيضاً من طرف بعض الثوار أو الناشطين، وليس مستبعداً أن يتنادى بعضهم إلى دعوات الانتقام من الطائفة العلوية ككل، من دون تمييز بين الأبرياء والشبيحة. هذا بطبيعة الحال لا يعني تبريراً لردود أفعال يستدرجها النظام أصلاً، ولا تخدم سوى أجنداته في تصوير الثورة كثورة سنّية طائفية، ومن المعلوم أن أبواق النظام تستثمر ردود الأفعال هذه بمعزل عن مسبباتها وتُصورها على أنها جوهر الثورة. لكن المسألة لا تتوقف عند النتائج السياسية المباشرة، إذ يمكن القول إن المسألة الطائفية بدأت تهدد جدياً «الشخصية السورية»، والتي لم تُمتحن على هذا النحو منذ بداية عهد الاستقلال على الأقل.

وعندمــــا نقول إن «الشخصية السورية» لم تُمتحـــن على هذا النحو، فذلك لا يعني إنكـــار وجود الطائفيين في المجتمع السوري عموماً، ولا يعنـــي أيضاً عدم التفريق بين طائفية مقيمة وطائفية موسمية. مثلاً لقد اتخذت المواجهات بين «الإخوان المسلمين» والنظام قبل ثلاثة عقود منحى طائفياً، ولكن يمكن وصف طائفية جزء معتبر من أنصار «الإخوان» آنذاك بالطائفية الموسمية لأنها كانت نوعاً من الاستثمار السياسي الموقت، وانتهت تقريباً مع خسارة المواجهة. أما طائفية النظام التي بنيت على تلك الأحداث فكانت أكثر عمقاً، فلم يتوقف استثماره إياها منذ ذلك الوقت، أي استثماره إياها في أوساط الأقليات وعلى نحو خاص في أوساط الطائفة العلوية. ذلك لا يعني أيضاً غياب الملمح الطائفي عن الخطاب «الإخواني»، بل يعني انحسار شعبيتهم التي كانت موقتة بدورها، والتي يبدو أن انتعاشها رهن بأوقات الأزمات.

على هذا الصعيد ليس إنكار النظام الطائفية، على رغم تغذيتها منه، هو الوحيد. فقد شاركته في هذا النخب الثقافية والسياسية التي تعالت دائماً على الخوض في المسألة الطائفية، ويجوز القول إن النظام أحسن استغلال صمت النخب عن المسألة الطائفية ليشتغل من دون رادع أو رقيب على استثمارها. بهذا المعنى قدمت النخب، بتعففها الطائفي المزعوم، خدمة كبيرة للنظام الذي استفرد بالمسألة الطائفية بوسائله القذرة.

ومن المؤكد أن فتح الملف الطائفي في زمن الثورة يزيد من أعبائها الثقيلة أصلاً، لكن تجاهله من قبل بعض النخب لم يخدمها إطلاقاً. ولم يستطع على نحو خاص أن يحجب وجود النزعات الطائفية والطائفية المضادة لها ضمن الصراع الحالي المرير؛ لا ينفع في دحضها تلك الإشارات إلى تعدد الانتماءات الطائفية للمؤيدين وللثوار، لأن أعمال العنف الطائفي، وردود الأفعال الطائفية التي تليها، هي ما يستبطن الواقع أكثر من الادعاءات الثقافية. المعيار الذي لا تخطئه الحساسية العامة هنا هو أن مجازر النظام بعامة تُحسب عليه كمجرد نظام، أما في حالات محددة كمجزرة الحولة والقبير وسواهما فهي تُحسب على النظام بصفته طائفياً أيضاً، ما يجعل التعبير عن النقمة يمتد ليطاول طائفة بأكملها. ومن المؤسف عدم فهم هذه الفوارق حتى من قبل بعض الناشطين الذين سعوا في كل مرة إلى مواجهة ردود الأفعال الناقمة بنفي وجود الطائفية إطلاقاً والإصرار على وجود انقسام واحد فقط ضمن المجتمع السوري، هو بين النظام كمجرد نظام والثورة كمجرد ثورة.

بالطبع ليـــــس هنــــاك ما يمكن تسميتــــه «شخصـــية سورية» إلا على سبيل النَسَب الجغرافي، وما دون ذلك يتقلقل المجتمع السوري بين انتماءات وولاءات لا يعدو الانتماء والولاء الوطني كونه واحداً منها، وربما يكون الأضعف بينها بحكم تغييبه لنصف قرن من الحكم البعثي. ففي غياب السياسة عن المجتمع السوري بقي الحديث في المسألة الوطنية نوعاً من التمرين الذهني لا أكثر، ولم تساعد الأيديولوجيات البعثية أو اليسارية أو الشيوعية التي سادت في أوساط النخب على طرح النقاش فـــي موضوع الاجتماع الوطني السوري، وفــــي المحصلة بقي الاجتماع السوري أسير تــجاذبين، فمن جهة هناك روابط ما قبـــــل الدولة التي دامت بسبب غياب الروابط المدنية والسياسية الحديثة، ومن الجهـــة المقابلة هناك الأيديولوجيات العابرة للحدود والتي لا ترى في السوريين إلا جزءاً من كلّ أو وطناً موقتاً في أحسن الأحوال.

لقد نشأت أجيال سورية على تلك الأيديولوجيات المتعالية، ولم يُتح لها الاصطــــــدام بالواقع إلا بفعل الثورة الحالية، ولن يكون متوقعاً أن يطابق الواقعُ المثلَ المنشودة التي اقترحتها الثورة. بالتالي لا يبدو الواقع مستقراً أو ثابتاً، بما في ذلك المسألة الطائفية التي تتمدد وتنحسر على إيقاع المجازر. لكن ما ينبغي الاعتراف به هو أن المشاركين في ارتكاب بعض مجازر النظام هم طائفيون، يقابلهم نظراء لهم في الطوائف الأخرى يمارسون حتى الآن أفعالاً أدنى من العنف الطائفي، بما في ذلك العنف اللفظي المتبادل. وثمة نسبة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، إن كان لهذا من دلالة، متأرجحة فهي تكشف عن طائفية موسمية إثر كل مجزرة، ثم تعود لتكفّر عنها بالقول إن الشعب السوري واحد.

 =================

ما بعد حرب سورية... الآتي أعظم؟!

عرفان نظام الدين *

الإثنين ١٤ يناير ٢٠١٣

الحياة

لم يعد مهماً معرفة من سينتصر في حرب داحس والغبراء السورية... لأن مثل هذه الحروب لا تجر إلا الويلات والمصائب والخراب. ولم يعد مغرياً لأحد مهما كان طامعاً في السلطة أن يتولى حكم بلد خرّب أبناؤه كل ما فيه من جمال وتاريخ وحضارة وعمران نتيجة للعناد والمكابرة وسياسة الإنكار ورفض الاحتكام الى العقل واللجوء إلى الحوار البناء والاعتراف بالآخر مهما كانت أسباب العداء.

فمثل هذه الحروب خاسرة مهما كانت نتائجها: المنتصر فيها مهزوم، والرابح مأزوم، والكارثة ستتكشف أبعادها وأحجامها عندما يحل اليوم التالي لتوقف جنون القصف وتنجلي السماء عن غيوم البارود وتظهر صورة الأرض، أرض الوطن الغالي مكسوة بالدم الطاهر ومرتدية ثوب الحداد الأسود حزناً على أبرياء سقطوا شهداء في حرب عبثية أدمت قلوبنا وحطمت نفوسنا وخيبت آمالنا وتركتنا أيتاماً في عالم بلا قلب وضائعين في متاهة تداعيات وآثار وجروح وندوب ما جرى ويجري.

وبعد هذا لا فرق في محصلة النتائج إلى أية جهة رجحت فيها كفة ميزان الحرب، فالتركة ستكون ثقيلة والمصاب جلل والدمار هائل، ما يجعل عملية إصلاح ما تخرب صعبة وإعمار ما تهدم بعيد المنال ليس على صعيد الأبنية والمؤسسات والطرقات والمدن والقرى التي سويت على الأرض، بل على مستوى الشعب كله... لأنني أخاف على البشر قبل الحجر وعلى الإنسان السوري الذي تحطمت معنوياته وانكسر خاطره وذاق الويلات من هذه الحرب العبثية وكاد أن يفقد الأمل بالحاضر والمستقبل بعد أن كاد يفقد كرامته التي أهينت على كل الصعد، سواء بقي في أرض الوطن أو نزح عنه وأقام في مخيمات العار والهوان والغربة القسرية وآلامها التي لا تقاس بعذابات الغربة الاختيارية.

والآن وبعد أن شارفت الحرب على إكمال عامها الثاني الأسود لا نسمع إلا أخبار القتل والقصف والتشريد والتهجير ولا نرى سوى مشاهد صور الدم والدمار التي تنبعث منها صرخات الثكالى وأنين الجرحى ونحيب اليتامى وبكاء الأطفال الأبرياء. ولا نرى في الأفق من يصرخ في وجه الجميع، والسلطة بالذات، منادياً العقول والضمائر أن كفى دماً ونزيفاً، وكفى قتلاً إمعاناً في نشر الكراهية والأحقاد، وكفى نفخاً في نار الفتن الطائفية والمذهبية وصباً للزيت عليها، وكفى تجاهلاً لحقوق الشعب الراغب في الأمن والأمان والخائف على وطنه والحريص على كل قطرة دم من دماء إخوانه وشركائه في المصير والحاضر والمستقبل.

نسمع كل شيء عاطل وباطل إلا صوت الحكمة ولا نرى في الأفق ملامح جنوح للسلام ولا نشهد انتفاضة تطرح تساؤلات: ثم ماذا بعد؟

لنفترض جدلاً أن النظام قد انتصر أو أن المعارضة قد حققت أهدافها ثم نتساءل أي انتصار هذا على النفس وعلى الوطن وعلى جثث أبنائه وجماجم أطفاله؟ وأية أهداف نحققها عندما نقف على أطلال هذا الوطن؟ وأي أمر في الدنيا يوازي خسارة الوحدة والأمن والأمان أو الاحتفال في مأتم الشعب المنكوب والمغلوب على أمره؟

لا أحد يجيب عن هذه الأسئلة، ولا أحد يملك الجرأة على مجرد طرحها أو الاستجابة لمعانيها... ولا أحد يعترف بأن الطامة الكبرى ستقع وتصدم القاصي والداني عندما نكتشف حجم الدمار في الحجر والبشر وفداحة الخسائر التي نحتاج لتعويضها عقوداً من الزمن حتى ولو توافرت النيات الحسنة، والإدارة والعزيمة وحشدت الطاقات والإمكانات وتوحدت السواعد، وهذا صعب إن لم يكن مستحيلاً في ظل المعطيات الحالية والظروف الراهنة والانقسامات الحادة أفقياً وعمودياً.

ونحن نعرف جيداً أن التخريب سهل ويتم في لحظات، أما البناء فيحتاج إلى جهد وعرق وتعب ووقت طويل... وما يقلقني الآن لم يعد مجريات الأحداث الدامية الراهنة، بل مصير الوطن ومستقبله بعد أن ينجلي غبار الحرب فنشهد حجم المأساة ونقف حائرين متسائلين: من أين نبدأ؟ وأي مجال له الأولوية بعد أن طاول الخراب كل مرفق من المرافق وضرب المؤسسات وترك وراءه مخلفات لا قدرة لبشر على معالجتها أو مواجهة أخطارها المستقبلية؟ نعم ماذا سنفعل في اليوم التالي؟ ومن أين نبدأ؟ ومن سيقوم بالمهمة؟ ومن سيساعد ويداوي الجراح ويلملم الشتات ويكفكف دموع الثكالى واليتامى ومن سيعيد مئات الألوف من اللاجئين وكيف؟ وبأية كلفة؟ وأين سيتم تأمين مساكن لهم بدل المساكن التي سوّيت بالأرض؟ ومع هذه التساؤلات لا بد من تسليط الضوء على الحقائق الآتية:

• إن الجيش والقوات المسلحة والأمن قد ضربت في الصميم وتعرضت لخسائر فادحة في الأرواح والمعدّات والأفراد والقيادات وضربت معنوياتها بعد أن انقسمت المواقف تجاهها حول وجهتها الحقيقية وعقدتها الأساسية في الذود عن حياض الوطن ومواجهة العدو الصهيوني وكل عدو آخر.

• إن الدمار شامل في القرى والمدن، وهذا يتطلب أموالاً طائلة وإمكانات لا حدود لها لإعادة الإعمار وعودة المهجرين وإعادة بناء البنى التحتية والمؤسسات المدمرة.

• إن الوحدة الوطنية قد تلقت طعنة نجلاء أشعلت نار الفتن وحركت الغرائز المذهبية والطائفية والعرقية... وهذه أيضاً تحتاج إلى جهود جبارة ووحدة الآراء والمواقف لإطفاء الحريق وترميم الجسور وردم الهوة القائمة وإعادة اللحمة إلى الوطن الواحد الذي عاش قروناً وهو ينعم بوحدة لا مثيل لها ويعيش في إطار لوحة حضارية من موزاييك الطوائف والمذاهب والأعراق وسط نعيم الحرية والأمن على اختلاف العهود، ولا سيما في العصور الإسلامية الرحبة والمتسامحة.

• إن الحالة النفسية للشعب برمّته قد تدهورت إلى مستوى مرضي وهذا يحتاج إلى علاج عاجل وحشد العلماء النفسيين بمشاركة الإعلام وأجهزة التعليم الأهلية والدولية لمعالجة المواطنين المنكوبين الذين عاشوا أيام الرعب والخوف والقلق وأصيبوا في فقدان أعزاء مع التركيز على الأطفال الأبرياء الذين دفعوا ثمناً باهظاً من حروب الكبار لإنقاذهم قبل فوات الأوان من مواجهة أجيال مريضة لم تعرف سوى العنف والخوف ورياح الكراهية والأحقاد، إضافة إلى فريق كبير عاش آلام العيش في مخيمات الذل وليل الغربة المظلم الذي يزرع اليأس في نفوس سكانه الهاربين من دلف القصف والقتل إلى مزراب الهوان والحاجة والحرمان من أبسط مقومات حقوق الإنسان ومكونات كرامته.

هذه الحقائق تؤكد أن الدمار لحق بالبشر والحجر بغض النظر عن هوية المتضرر والمنكوب، ما يستدعي دق ناقوس الخطر وتوجيه الأنظار نحو وضع خطة طوارئ عاجلة تقوم على تأمين موازنات ضخمة لإعادة الإعمار ودفع تعويضات للمتضررين وإعادة بناء ما تهدم من مؤسسات وبنى تحتية بتضافر جهود الجميع من دون استثناء.

فالحكم الآتي بعد الكارثة لن يتمكن من الصمود يوماً واحداً أمام هول المأساة الدامية أو التراجيديا السورية التي تشبه ملامح الأساطير وملاحم حضارة ما بين النهرين، وهنا أيضاً يجب التنبيه إلى نقطة مهمة وهي العمل منذ الآن على حماية الآثار والمعالم الحضارية التي تهدم أو تسرق من قبل المجرمين وعصابات تهريب الآثار. فسورية غنية بتاريخها الطويل بهذا الموروث الإنساني الحضاري... وما نسمعه هذه الأيام لا يبشر بالخير، ما يستدعي توجيه نداء إلى كل مخلص لإنقاذ ما يمكن إنقاذه لمنع تكرار ما حدث للعراق بعد الغزو الأميركي.

كل ذلك يتطلب تضافر كل الجهود، ولا سيما من جانب المغتربين ورجال الأعمال السوريين وأهل الخير والنخوة من العرب، ومن المجتمع الدولي على اختلاف اتجاهاته، ومن كل سوري حر لرصد التبرعات والمساعدات في صندوق إعمار أو «مشروع مارشال سوري» يغطي جانباً من نفقات ترميم البشر والحجر.

وقد يقول قائل إن طرح مثل هذه القضايا سابق لأوانه، ولكن أختلف معه لأن هذا الأمر هو جوهر البحث عن مستقبل آمن وأي تجاهل له يعني ترك الباب مشرعاً أمام فتن وحروب لا نهاية لها... فالحرب أي حرب لا بد من أن تنتهي آجلاً أم عاجلاً... أما السلام فله أولويات ومقومات لا بد من معالجتها والتحسب لها حتى يصمد ولا يقع فريسة مزيد من الغرائز والقتل والدمار، إن لم نقل الانتحار... والنهاية المأسوية.

 

 

=================

.. وإيران تلبي نداء الأسد!

الشرق الاوسط

طارق الحميد

14-1-2013

لا يمكن أن نلوم من يتعجبون من التدخل العسكري في مالي بعد تسعة أشهر من سيطرة متشددين إسلاميين على أجزاء من البلاد، بينما يهمل العالم كله عامين من الإرهاب الأسدي الذي راح ضحيته حتى الآن ما يقارب الخمسين ألف سوري، هذا عدا عن الحالة الإنسانية المزرية التي يعيشها السوريون.

ففرنسا، وعلى لسان رئيس وزرائها، تقول إن «رئيس الجمهورية رد بالموافقة على طلب رئيس مالي وبما يتفق مع القانون الدولي. فرنسا بدأت تدخلا عسكريا إلى جانب الجيش المالي والقوات الأفريقية لوقف تقدم قوات الإرهابيين التي تهدد وحدة مالي وكذلك أمن واستقرار منطقة بأسرها». والسؤال هنا ما هذا القانون الذي ينطبق على مالي ولا ينطبق على جرائم الأسد بحق السوريين؟ وإذا كانت دعوة رئيس مالي للفرنسيين وحدها التي حركتهم، وبمباركة غربية، فماذا لو قال قائل إن إيران، مثلا، تتدخل لحماية الأسد بطلب من «الرئيس السوري» الذي ما فتئ يردد أن الثوار إرهابيون؟

أمر محزن حقا، فليس القصد الانتقاص من مالي، ومواطنيها، أو التقليل من معاناتهم، بل إن القصة تكمن في تجاهل معاناة السوريين، التي لا يقرها عقل ولا منطق، ولا قوانين، ولا ديانات، والغريب أن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند يقول إن عملية التدخل في مالي «ستستمر طيلة الوقت اللازم»، وإن «فرنسا ستكون دائما حاضرة حين يتعلق الأمر بحقوق شعب يريد أن يعيش حرا وفي ظل الديمقراطية». والسؤال هنا هو: أوليس هذا هو مطلب السوريين الذين يجابهون بأسوأ عملية إرهاب من قبل نظام الأسد، ووسط صمت دولي مطبق، وطوال عامين؟ وعندما نقول صمت مطبق فليس المقصود الأقوال وإنما الأفعال، فلا يعقل أن الثوار السوريين يتركون هكذا بلا دعم وأمام نظام إجرامي لا يتردد في استخدام الطائرات والصواريخ، وبدعم إيراني واضح، بينما يهرع الغرب لإنقاذ مالي!

وفي حال تذرع البعض بصعوبة المشهد السياسي دوليا تجاه سوريا، وأن التدخل الخارجي سيعقّد الأمور، فإن الواقع أمامنا يقول إن الجهود الدبلوماسية، سواء على مستوى التواصل مع الروس، أو عبر مجلس الأمن، لم تكن جدية، ولا يمكن القول إن الجميع قد فعل ما بوسعه، فالعالم، ومنه منطقتنا، جلس منتظرا فراغ الرئيس الأميركي من استحقاقاته الانتخابية طوال العامين الماضيين، وما زال الجميع ينتظر الموقف الأميركي الحاسم، بينما نجد أن الأسد لم ينتظر لحظة، حيث إن إجرامه بحق السوريين متواصل، وفوق هذا وذاك يخرج طارحا مبادرة يضع هو شروطها!

ملخص القول إن المبررات التي قدمها الفرنسيون للتدخل العسكري في مالي - حقيقة - ما هي إلا إدانة لفرنسا نفسها، والمجتمع الدولي، على تقاعسهم عن التدخل ودعم الثوار في سوريا التي تشهد جرائم من قبل الأسد تفوق ما يحدث في مالي، فالأسد لا يمثل خطرا على السوريين وحدهم وإنما على المنطقة ككل، وعلى أمن المتوسط أيضا الذي يمثل جزءا من أمن فرنسا والغرب بالطبع.

=================

بشار.. عازف كمان على السطح؟

الشرق الاوسط

عطاالله مهجراني

14-1-2013

ألقى بشار الأسد، مثل عازف كمان على السطح، خطابه في دار الأوبرا في السادس من يناير (كانون الثاني)، ووصف معارضيه بـ«أعداء الله». وكان يتحدث عن اليوم الآخر وكأنه نبي أو شخص يعلم الغيب. المذهل أنه في اليوم ذاته، حكم آية الله خامنئي على رموز المعارضة مثل موسوي وكروبي وكل الشخصيات المعارضة الأخرى بأنهم «ليسوا فقط بؤساء وتعساء في الدنيا، بل أيضا في الآخرة». وكان هناك مفردة أخرى مشتركة في الخطابين وهي العدو. يعلم الجميع في إيران أن الكلمة الأساسية التي يستخدمها خامنئي هي العدو. ومثل خامنئي، ألصق بشار وصف العدو بالمعارضة السورية، فهم أعداء بشار والأكثر من ذلك أنهم أعداء الله. ويشكل هذان العنصران الإشكاليان وجهة النظر الغريبة التي يتبناها كل من بشار وخامنئي. على سبيل المثال، عندما كان رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يتحدث مع أحد الكفار أو المشركين لم يكن يقول لهم إن مصيرهم جهنم، بينما سيكون مصيره هو الجنة، بل على العكس كان يقول: «قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24) قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26)» (سورة سبأ).

هذا هو أسلوب نبينا، إنه أسوة حسنة لنا جميعا بمن فيهم القادة. واستنادا إلى موقف كل من بشار وخامنئي، يمثل النظام معيار التمييز بين الحق والباطل، وبين الملاك والشيطان. كل من يناهضون الحكومة وينتقدون القائد هم الأعداء، أعداء الله، لذا فمصيرهم جهنم يوم القيامة. ومن الصعب جدا استيعاب هذه الطريقة في التفكير وتقبل هذه المواقف الغريبة.

إذا نظرنا إلى تعاليم القرآن سنجد أن الله يدعونا إلى أن نجعل من أعدائنا أصدقاء مخلصين، حيث يقول الله في كتابه الحكيم: «وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)» (فصلت: 34).

هذا هو ما ينص عليه القرآن. إنه أبعد ما يكون عن آيديولوجية الكراهية والعداء. يقول الزمخشري في «الكشاف»: «يعني: أن الحسنة والسيئة متفاوتتان في أنفسهما، فخذ الحسنة التي هي أحسن من أختها - إذا اعترضتك حسنتان - فادفع بها السيئة التي ترد عليك من بعض أعدائك. ومثال ذلك: رجل أساء إليك إساءة، فالحسنة: أن تعفو عنه، والتي هي أحسن: أن تحسن إليه مكان إساءته إليك، مثل أن يذمك فتمدحه ويقتل ولدك فتفتدي ولده من يد عدوه، فإنك إذا فعلت ذلك انقلب عدوك المشاق مثل الولي الحميم مصافاة لك. ثم قال: وما يلقى هذه الخليقة أو السجية التي هي مقابلة الإساءة بالإحسان إلا أهل الصبر، وإلا رجل خير وفق لحظ عظيم من الخير». إن هذه هي القاعدة الذهبية في القرآن التي تساعد على تحويل العدو إلى صديق حميم. إلى أي مدى تبعد هذه الفكرة عن عقل بشار الأسد؟ قُتل تسعون في صف أمام أحد المخابز، فهل كانوا من أعداء الله وينبغي أن يكون مصيرهم الجحيم؟ إنه قول يمثل مفارقة، أليست سوريا حاليا بمثابة جحيم مستعر؟

كان لأفلاطون كتاب كلاسيكي شهير عن القيادة الحكيمة للدولة. ويشبه في الكتاب فن السياسة بفن الغزل والنسيج. إن رجل الدولة الحكيم مثل الناسج الماهر الذي يستطيع الخروج بتصميم جميل ويصل بين الخيوط، فهذا هو فن النسيج. بمعنى آخر ينبغي أن توحد القيادة الحكيمة للبلاد المكونات المختلفة للمجتمع. على سبيل المثال عندما يتحدث عن العلاقات بين الديانات السماوية، اليهودية والمسيحية والإسلام، يركز على الأرضية المشتركة بينها جميعا لا على أوجه الاختلاف.

ويقول ابن الرومي: «عندما أقول لا فإنني أعني إلا»، وهذا يعني أنه يريد توحيد البشر أيا كانت الاختلافات بينهم. ومن الواضح أنه من دون إجماع وتنسيق ووحدة وطنية، فإن كل حكومة سوف تكون مثل عازف كمان فوق السطح، أو «بشار في الأوبرا»، فمن سيستمع إلى الأغنية؟ ومن أين تأتي مصداقية المغني؟ إنه مشهد غريب لمغنٍّ أصم وجمهور أخرس!

والأسوأ من ذلك أن بشار قد بدأ في الحديث مثل كاهن في كنيسة أو شيخ في مسجد، ثم صب الزيت على النار بالقول مرارا وتكرارا إنه لا يوجد أي طريق آخر سوى المزيد من الشقاء والكوارث والضحايا: «يخربون بيوتهم بأيديهم».

فالقائد أو الحاكم الذي يستخدم مقاتلاته الحربية ودباباته ومدفعيته الثقيلة ضد شعبه يفقد ثقة الناس. ثم من الذي خلق مناخا سياسيا واجتماعيا مناسبا للتكفيريين في سوريا؟ إن المثل العربي يقول: رمى واشتكى. لقد حكم بشار ووالده سوريا بقبضة حديدية لما يزيد على 40 عاما، وخلال هذه الفترة تم قتل أكثر من 100 ألف شخص، وفي كل ركن من أركان العالم يمكنك أن تجد الكثير من السوريين، كتابا وصحافيين وفنانين، يعيشون في المنفى ويشتاقون إلى رؤية بلدهم الحبيب سوريا.

فهل سوريا ضيعة خاصة تملكها عائلة الأسد ودائرته الأمنية؟ لقد كان أنصاره يهتفون: الله وسوريا وبشار. وفي ثالوثهم الجديد هذا أصبح بشار يلعب دور الله، وأصبحت سوريا ملكا له، وبالتالي ففي مقدوره أن يصف خصومه بأنهم أعداء الله الذين سيدخلون جهنم. وليست لدي أي فكرة عمن كتب له خطابه، لكنني أعلم أن السياسة هي العلم بالاحتمالات وليس بالأوهام، والقائد لا ينبغي أن يكذب على شعبه، وعليه أن يكون صادقا مع نفسه أيضا. فهل يصدق بشار نفسه خطابه؟ هل يحب شعبه؟ هل هو قلق حقا على أبناء سوريا والشعب الذي يعيش في ظروف صعبة إلى درجة أن كسرة الخبز صارت حلما بالنسبة له؟ من الذي قتل 90 شخصا أمام المخبز؟ ما هو ثمن حكم بشار للسوريين؟ كم من الضحايا يريد أن يضحي بهم؟

على بشار بلا ريب أن يرحل، بينما ستبقى سوريا، وفي المستقبل عندما يدرس جيل جديد في سوريا التاريخ ويرى جمهور الأوبرا وهو يهتف «الله وسوريا وبشار»، فسوف يقولون لأنفسهم: ما أغبى هؤلاء القوم!

=================

ماذا فعلت «أولغا» بالسوريين؟

الشرق الاوسط

سوسن الابطح

14-1-2013

لا أحد يعرف عدد النازحين السوريين الذين يقضون، هذه الأيام، بردا وصقيعا، بفعل العواصف والثلوج والسيول. والمرجح أن أحدا لا يريد أن يعرف.. فالحقيقة مؤلمة، ودفن الرؤوس في الرمال أسهل، ألف مرة، من مواجهة العار ووخز الضمير. الدول المضيفة تستبسل لحفظ ماء الوجه، وتبييض صفحتها في مرآة الدول الغربية. لكن الهوة فادحة بين الحاجات المتزايدة للنازحين والإمكانات المتواضعة للمستضيفين بمعية جمعياتهم والهيئات الإنسانية، وردمها يبدو عصيا إن لم يكن مستحيلا. النزوح السوري بات أشبه بفيضان بشري يغرق الدول المحيطة ويزلزلها. وما تتستر عليه المصادر الرسمية من كوارث، يبوح به النازحون أنفسهم. في مخيم «الزعتري» الأردني الذي أصبح عنوانا للذل الإنساني، تقول النازحة إسراء لأحد الصحافيين: «في كل ليلة تهب الرياح العاتية، تمزق مجموعات كبيرة من الخيام، دون أن يكترث بنا أحد. في هذا المخيم يموت الناس ويصرخون ويتوسلون ولا مجيب.. كل يوم يموت طفل وطفلان من شدة البرد». وعلى ذلك قس، ففي لبنان والعراق وتركيا الوضع ليس أفضل حالا. لا يتمتع لاجئو مخيم «القاع» و«باب الهوى» ونازحو عرسال ووادي خالد بنعمة الـ«فيس بوك» أو «تويتر» ليقيموا الدنيا ولا يقعدوها بتغريداتهم والترويج لرحيل فلذات أكبادهم، فهم بالكاد يكافحون من أجل علبة حليب أو قطعة ثياب ترد غائلة الصقيع عمن بقي من أطفالهم.

ما حدث بسبب العاصفة منذ الأسبوع الماضي - وما زال الشتاء في أوله - أكثر من جريمة بحق من بات يقدر عددهم بثلاثة ملايين آدمي، حياتهم أقرب إلى التشرد منها إلى الاستقرار الذي يليق ببني البشر. نصف هؤلاء في الداخل السوري المعذب، يبحثون عن أمن مستحيل. آلاف منهم، لا سيما في إدلب، لجأوا إلى مبان بيزنطية قديمة وكهوف منسية هربا من المطر وعصف الريح. «اليونيسيف» تتحدث عن مليون سوري صاروا مهددين بالموت جوعا في بلادهم ولا تملك أي منظمة إنسانية إغاثتهم بسبب المعارك الدائرة هناك. ليس من فر هاربا أفضل حالا ممن بقي، فثمة لازمة بتنا نسمعها من أفواه النازحين بعد أن حاصرتهم السيول الهوجاء واقتلعت خيامهم وتركتهم في العراء: «الموت أهون علينا من هذه الحياة».

مر خبر وفاة مواطن سوري جرفته المياه في لبنان منذ عدة أيام عابرا، لم تذهب كاميرات التلفزة لتصوير المكان والبحث عمن يعرف الرجل، ويتحدث عن مآثره، كما تفعل، عادة، حين يتضرر أحد المواطنين.. فالإنسان السوري صار أرخص حتى من الفلسطيني، وأقل شأنا. لا عجب، فبورصة الكرامة العربية إلى تهاو مريع!

1500 نازح سوري يدخلون لبنان يوميا، تركيا تشكو تزايد أعداد الهاربين من جحيم الحرب، ومثلها الأردن. سكان الجوار السوري يتزايد بالتالي ذعرهم. ثمة في لبنان من نادى بإغلاق الحدود، في وجه النازحين، فاتهمه البعض الآخر بالعنصرية. لم يلحظ هؤلاء المنافحون عن حقوق الإنسان، أن الأمر لا يتوقف على حزب سياسي بعينه، فما تتناقله ألسن العامة، يفوق ما يسمع على المنابر السياسية. يتداول لبنانيون بقوا حتى وقت قريب جدا يتعاطفون مع الثورة أن «السوريين خرجوا من الباب وعادوا من الشباك»، وأن «الجناية السورية المقبلة ستكون أسوأ على لبنان مما فعله النظام الأسدي». ثمة من بات يتساءل عن عدد الإرهابيين الذين يتسللون تحت ستار النزوح، وما الذي يخططون له. قلق لا يأتي من فراغ، فالمخاوف نفسها هي التي تدفع بدول أخرى لجعل مخيمات النزوح سجونا محاطة بأسلاك شائكة، بينما توقفت دول غيرها عن استقبال السوريين بالكامل.

ليست الطبيعة وحدها هي التي تتآمر على نازحي سوريا، فـ«حاميها حراميها»، والعديد من الهيئات التي يفترض أنها تقدم الإغاثة، تسطو وتنهب، وثمة هيئات غيرها تدس الاستغلال السياسي في السكر والأرز. وتقول دراسة أجريت مؤخرا إن قسما لا يستهان به من المساعدات الإنسانية بات مربوطا بأهداف سياسية أو دينية وأحيانا مجرد مآرب انتهازية رخيصة.

خرجت مئات المظاهرات في سوريا منذ أيام تحت شعار «جمعة مخيمات الموت» تحية للنازحين الذين يدفعون أعمارهم من أجل حرية سوريا. لكن هذا التضامن الرمزي لن يجدي كثيرا، أمام واقع تتعاظم مأساوياته، ودرجات حرارة تتدنى إلى الصفر.

إن صح ما يقوله المبعوث العربي والأممي الأخضر الإبراهيمي من أنه لا نهاية لهذا الجحيم إلا بحل سياسي، بينما لا تلوح في الأفق أي بادرة لاتفاق أميركي - روسي تسعف في إنهاء الأزمة، فإن كارثة إنسانية، لم تشهد المنطقة مثيلا لها، تلوح في الأفق.

المسؤولية تطال النظام أولا بطبيعة الحال الذي يمعن تقتيلا وتذبيحا وعنادا، لكنه لا يعفي الآخرين من مسؤولياتهم. الجميع يشارك في المذبحة السورية، الذين دعموا الثورة كما الذين وقفوا ضدها. الاقتتال الأممي على أرض سوريا دمر مقومات العيش. هذه لم تعد ثورة بعد أن صارت المفاوضات عليها تجري بين قطبين عالميين متنازعين، بينما يموت الآلاف بردا وجوعا ومرضا وقصفا، بينما المعارضة السورية تنتظر عاجزة، أمام أبواب قاعات الاجتماعات السرية. هذه لم تعد ثورة بعد أن تحولت إلى مجزرة قد تغرق دماؤها كل المحيطين بها إن استمرت على وتيرتها، ولا مبالاة للمستفيدين منها. لم تعد ثورة بعد أن فقد النظام كل مقومات الحكم، من أرض ومطارات واقتصاد، ولم يعد له إلا شبيحته ومخابراته ومخازن الأسلحة، بينما المعارضة تقتتل وتتناحر من أجل زقاق هنا وشارع هناك. ما يحدث في سوريا تراجيديا عبثية سوداء، لن تتوقف إلا بعد أن ينهك الدمار كل اللاعبين.

ثمة مسلسل لبناني شهير عنوانه «العاصفة لا تهب مرتين». وهو عنوان مخادع لأن عواصف الشتاء لا تتوقف عن الهبوب. فإن كانت العاصفة «أولغا» قد أطاحت بمئات الخيام وحولت مخيمات اللجوء إلى مستنقعات من الوحل والبلاء، وحصدت القتلى، فإن العواصف المقبلة، رغم كل التبرعات والاحتياطات، لن تكون أكثر رحمة على من خرجوا من بيوتهم. لقد فاق عدد النازحين السوريين، من مسجلين وغير مسجلين، عدد سكان لبنان، ومات 60 ألف سوري، ولا تزال شهوة الخراب مفتوحة. لهذا ليس من مصلحة أحد أن يتحدث عن حفنة من المئات أو الآلاف يموتون بردا وصقيعا.. فليس بالدفء وحده تتحقق المآرب السياسية الوضيعة، وإنما بالتشريد والتدمير وتحويل حياة الناس إلى جحيم مقيم.

=================

«والي» تركي للسوريين!

 عريب الرنتاوي

الدستور

14-1-2013

عيّنت تركياً «والياً» للسوريين والمحافظات السورية «المحررة»..فيصل يلمظ، جلس في مكتبه في مدينة غازي عنتاب خلف يافطة كتب عليها «والي السوريين»..في خطوة تذكّر السوريين خصوصاً والعرب عموماً بعصور خلت، كانوا فيها تحت السيطرة العثمانية..وفي إجراء يعزز المخاوف من «العثمانية الجديدة» التي لا يبدو أنها فارقت تماماً، تفكير بعض النخب الحاكمة في أنقرة.

تقول مصادر الحكومة التركية، أن الإجراء روتينياً إجرائياً، هدفه تسهيل إمداد اللاجئين والسوريين المقيمين على أرضهم (المحررة) بالمساعدات الإنسانية، وأنه لا خلفية سياسية وراء إجراء من هذا النوع..ولكن هيهات أن تجد من يصدق مثل هذه الرواية، ليس بسبب حداثة عهد «الحقبة العثمانية» في التاريخ العربي في الذاكرة الجمعية العربية فحسب، بل لأن ثمة أمرا في السياسة التركية يشي ويشير إلى انتعاش «الأحلام الامبراطورية/العثمانية» لأنقرة.

قبل أيام، كان وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو يصرح بأن تركيا ملتزمة بالدفاع عن تركمان سوريا» وتأمين حقوقهم وسلامتهم..وهذا أمر نقدره ونحترمه..لكن أن يقدر الوزير التركي أعداد هؤلاء بأنها تناهز خمسة ملايين ونصف المليون تركماني، فتلكم قصة أخرى، لا تنم عن جهل الوزير – لا سمح الله – وهو العالم بكل شيء تقريباً، بل تعكس نوايا خبيئة للهيمنة والتوسع واستلحاق سوريا وعدد من الأقطار العربية بدائرة نفوذ تركيا ومجالها الحيوي.

أعداد التركمان في سوريا لا تصل وفقاً لأحسن التقديرات، مائة وخمسين ألف مواطن، فكيف أمكن للسيد الوزير أن «يضربها» بأربعين ليخرج بنتيجة مفادها أن تركمان سوريا، يشكلون ربع سكانها؟..والأدهى من كل هذا وذاك، أن الوزير يتعهد بإزالة الحدود مع هؤلاء، بل ومع جميع المناطق السورية المتاخمة، في إجراء «أخوي جداً»، يستلحق سوريا ويستتبعها، ويقضي عليها ككيان وطني، سيد حر ومستقل.

ثم من قال للسيد الوزير إن سوريا، قبل الأسد وبعده، تريد أن تلتحق بتركيا أو تتبعها، أو أن تتحول إلى جرمٍ يدور في فلكها..نحن مع أطيب العلاقات السورية – التركية، بل والعربية – التركية، ولقد قاتلنا في سبيلها زمن القطيعة بين نظام دمشق ونظام أنقرة، قبل أن يظهر حزب العدالة والتنمية إلى الوجود، زمن الأزمة الكبرى بين البلدين، ولقد تلقينا ما يكفي من النقد و»المنع» من قبل النظام السوري نظير تلك المواقف..ولكن شتان بين علاقات طيبة وحسن جوار وتعاون واحترام متبادل، وبين علاقة استتباع، تسمح لأنقرة بتنصيب «والٍ على السوريين».

قبل بضعة أسابيع، نسبت مصادر محلية للملك عبد الله الثاني تحذيره من تنامي نزعات التطرف لدى بعض دول الإقليم، وميل هذه الدول لدعم فريق من السوريين، وليس الشعب السوري بمجمله، وعلى أسس مذهبية صرفة..مثل هذه التصريحات التركية، تعزز هذه المخاوف، وتستثير في الذاكرة، أسوأ صور ومراحل انحطاط العلاقات العربية – التركية..وعلى أنقرة أن لا تطرب كثيراً لعبارات الثناء التي هبّت عليها من المجلس الوطني السوري لخطوتها هذه..ولا أن تأنس ل صيحات المصابين بالحنين و»النوستاليجا» للخلافة العثمانية..هذا عهد ولّى إلى الأبد، ولن يعود، والعرب ليسوا فائضاَ بشرياً، وبلدانهم ليست»فضاءً جغرافياً» مفتوحاً، لكل من يرغب في الاستتباع والإستلحاق

ولقد آن الأوان، لكي تستعيد السياسة الخارجية التركية بعضاً من ألقها الذي انتشر في سنوات ما بعد الحرب العراق (2003) وما قبل الأزمة السورية (2011)، إن هي أرادت أن تُرسي قواعد علاقات استراتيجية بعيدة الأمد، مع العرب، كل العرب، وليس مع السنّة منهم..مع العرب بكل أطيافهم السياسية والفكرية، وليس مع الإخوان المسلمين وحدهم أو «أولاً»..ومع الدول والمجتمعات العربية كوحدات سيادية مستقلة، وليس مع نصف أكراد العراق وربع السنة وتركمان سوريا وإخوانها..مع مصر بمسلميها وأقباطها وعلمانييها، وليس مع جماعة بعينها..هذا ما ننتظره من دولة شقيقة وجارة كبرى كتركيا.

=================

اللاجئون السوريون ونكران الجميل العربي

القدس العربي

رأي القدس

2013-01-13

اجتمع وزراء الخارجية العرب في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة تلبية لطلب لبناني لبحث اوضاع اللاجئين السوريين في دول الجوار واحتياجاتهم والتنسيق مع الدول المانحة في هذا الخصوص.

المجتمعون، ومعظمهم من السفراء مندوبي بلدانهم في الجامعة، قرروا تكليف الامانة العامة للجامعة بايفاد بعثة الى لبنان والاردن والعراق، حيث يوجد حوالى 500 الف لاجئ على الاقل لمعرفة احتياجاتهم.

هذا القرار يعكس حالة من اللامبالاة من قبل دول عربية شجعت السوريين على اللجوء الى استخدام السلاح في انتفاضتهم ضد النظام، مما ادى الى تحول الصراع بين النظام والمعارضة الى حرب اهلية، باعتراف الامم المتحدة، وفرار مئات الآلاف من السوريين بارواحهم واطفالهم الى مخيمات لجوء بائسة.

امران يستعصيان على الفهم في هذا القرار، الاول: هو استثناء اللاجئين السوريين في تركيا واقتصار اللجنة المعنية على زيارة ثلاث دول، هي لبنان والاردن والعراق، مما يوحي بأن احوال هؤلاء مريحة، وهذا انطباع غير دقيق، وغير انساني، والثاني: ان اوضاع هؤلاء اللاجئين المتدهورة لا تحتاج الى تشكيل لجنة للتعرف عليها.

حتى تذهب اللجنة الى مخيمات اللاجئين في الدول الثلاث، هذا في حال تشكيل امانة الجامعة لها بالسرعة المطلوبة وهذا موضع شك، وتعد تقريرها، ومن ثم تعرضه على اجتماع وزراء الخارجية او اجتماع الدول المانحة في الكويت، الذي لم يتحدد موعده بعد، او هكذا نعتقد، فان اعدادا كبيرة من هؤلاء واطفالهم قد ينتقلون الى الرفيق الاعلى بفعل موجة البرد الشديدة الحالية.

الكارثة بدأت بالطريقة المهينة التي جرى من خلالها التعامل مع هؤلاء اللاجئين، حيث عانوا من الاهمال الشديد في التعاطي معهم، وكأنهم ليسوا بشرا من اكرم الناس.

الوزير الفرنسي من اصل جزائري السيد قادر زار مخيم الزعتري الذي يضم اللاجئين السوريين في الصحراء الاردنية، وشعر بالصدمة وعبر عنها بالقول ان هذا المخيم لا يصلح للبهائم. وكان السيد الاخضر الابراهيمي مبعوث الجامعة العربية والامم المتحدة قال كلمات مماثلة عندما زار المخيم في الصيف الماضي.

الوزراء العرب ودولهم، الغنية منها والفقيرة، يعرفون احوال اللاجئين في كل دول الجوار، مثلما يعرفون جيدا احتياجاتهم، ولكنهم يلجأون الى بيروقراطية الجامعة العربية وموظفيها للتملص من التزاماتهم تجاه هؤلاء.

فاذا كان هؤلاء لا يريدون رصد مئات الملايين من الدولارات لاغاثة اشقاء لا يجدون العدد الكافي من الاغطية والبطانيات للوقاية من البرد في خيامهم، فكيف سيرصدون مئات المليارات من الدولارات لاعادة اعمار سورية في المستقبل، وفي مرحلة ما بعد الاسد؟

الشعب السوري فتح قلبه دائما على مصراعيه لكل الشعوب العربية، فقد استقبل اكثر من مليون عراقي في بيوته وليس في مخيمات البؤس، كما استقبل اللبنانيين بعشرات الآلاف بالطريقة نفسها اثناء حرب تموز عام 2006، وقبل هذا وذاك استقبل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وهو لا يستحق هذا النكران للجميل من دول عربية، وهذه المعاملة المهينة في مخيمات اللجوء.

=================

سورية والفاتيكان: انخداع وخداع

صبحي حديدي

2013-01-13

القدس العربي

  في القسم العربي لموقعها الرسمي على الإنترنت، وزّعت وكالة أنباء الفاتيكان (فيدس) خبراً مسهباً، يبدأ هكذا: 'حلب (وكالة فيدس) ـ هناك حوالي ألف مسيحي من الكاثوليك والروم الأرثوذكس محاصرون في قرية اليعقوبية المسيحية الصغيرة الواقعة في شمال حلب. إنهم منهكون، ويفتقرون إلى الغذاء والكهرباء والاحتياجات الأساسية، ويجدون أنفسهم وسط قتال عنيف بين القوى الموالية والقوى المعارضة. لا يستطيعون مغادرة القرية و'يعيشون في أوضاع رهيبة ويواجهون خطر الزوال'. هذا هو الإنذار الذي أطلقه عبر فيدس الأخ الفرنسيسكاني الأب فرنسوا قصيفي، راعي كنيسة القديس فرنسيس في الحمرا (بيروت) الذي يعتني ويهتم بحوالي 500 لاجئ سوري'.

لافت، في البدء، أنّ الوكالة تعلن نقل الوقائع من حلب، ثمّ لا يحتاج المرء إلا إلى حفنة كلمات بعدها كي يكتشف أنّ الناقل يقيم في بيروت، وهو مطلِق الإنذار الرهيب، المنضوي أيضاً في موقع الخصم والحكم. جديرة بالانتباه، ثانياً، تلك اللغة التهويلية، والتهييجية استطراداً، التي تذهب إلى حدود قصوى مثل 'الإنذار'، و'خطر الزوال' (Extinction باللغتَين الإنكليزية والفرنسية)، و'الحصار'، و'المأساة الرهيبة' و'المسار الخطير'... في فقرات الخبر الأخرى. مدهش، ثالثاً، أنّ الوكالة تبدو وكأنها تضع مسيحيي سورية في مصافّ افتراقية عن بقية السوريين، إذْ يتوجب ألا يفتقروا إلى الغذاء والكهرباء والاحتياجات الأساسية، أسوة بحال مواطنيهم عموماً؛ وهم أشبه بفريق محايد، مستقلّ، منفصل، لا هو 'قوى موالية' ولا 'قوى معارضة'.

والحال أنّ هذا ليس أوّل تهويل تنخرط فيه وكالة أنباء الفاتيكان، حول أوضاع مسيحيي سورية، وثمة سوابق كثيرة سارت على المنوال ذاته، واتضح أنها ليست عارية من الصحة، فحسب؛ بل ثمة منهجية قصدية تتوخى التضخيم، وتتلقف التقارير المغالية، أو الكاذبة عن سابق قصد، وتتبناها كحقائق مسلّم بصدقيتها. ففي حزيران (يونيو) 2012، نقلت الوكالة ذاتها تقريراً عن اضطهاد المسيحيين في مدينة حمص، نسبته إلى أسقف فرنسي يدعى فيليب تورنيول دو كلو، ادّعى النطق باسم كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك؛ تحدث فيه عن كنائس دمرها المعارضون المسلحون، وعن مقتل كاهن، وفرار عدد كبير من المسيحيين تحت تهديد 'الإسلاميين'.

خطأ الوكالة الأوّل كان إضفاء مرتبة الأسقف على دو كلو، في حين أنه 'أرشمندريت'، وهي مرتبة دينية أدنى. وأمّا الخطأ الثاني، الذي عُدّ فضيحة مهنية وأخلاقية، فقد كان تأكيد مجلة 'مسيحيو المتوسط' الفرنسية، ومدوّنة 'إل موندو دي أنيبال' المتخصصة بالعالم العربي، أنّ دوكلو شاهد زور لأنه لم يزر سورية قط؛ وهو، فوق هذا وذاك، مقرّب من أوساط اليمين المتطرف؛ وتساءلت المدوّنة: كيف وقعت في الخطأ وكالة مثل 'فيدس'، يتوجب أن تمثّل مجمع التبشير الإنجيلي للشعوب؟

وبين الانخداع، الذي وقعت فيه الوكالة؛ والخداع، الذي مارسته عامدة، كما يتوجب القول؛ ثمة تلك الأمثولة القديمة، المتكررة والمكرورة، عن الكيل بمكيالين. فالكنيسة الكاثوليكية اعتذرت، في مناسبات شتى، عن مواقف الصمت، أو التواطؤ، أو المباركة الضمنية، التي اتخذتها بعض المؤسسات الكاثوليكية إزاء الجرائم النازية. ولكنها ما تزال تلتزم الصمت المطبق إزاء عمليات الإبادة الجماعية التي مارسها الفاتحون الإسبان ضدّ الأقوام الأصلية الأمريكية ('الهنود الحمر'، في تسمية كريستوفر كولومبوس)، وسط لامبالاة الكنيسة، ولكن، أيضاً... وسط مباركتها للمذابح في أمثلة عديدة.

والتاريخ يسجّل أنّ المبشّر ورجل الدين كان العمود الرابع في تنفيذ الفتح، بعد الملاّح، والكاتب المؤرّخ، والفاتح العسكري. وفي كتابه الشهير 'دموع الهندي'، يشرح الأب الدومينيكاني بارتولوميو لاس كاساس الفظائع الرهيبة التي سكت عنها الآباء والمبشّرون، بل شجّعوها تحت دعوى التنصير الإجباري لهذه 'الأقوام الهمجية'. وفي موازاة دفاع الأب لاس كاساس عن المساواة بين البشر، توفّر الفقيه الإسباني خوان دي سيبولفيدا، الذي دافع عن التمييز الصريح بين البشر، وتساءل بقحة: 'كيف يمكن لأحد أن يعتبر غزوهم، وإبادتهم في حالة الضرورة، أمراً غير مبرر وهم على ما هم عليه من همجية وبربرية ووثنية وكفر ودعارة'؟

في مثال ثانٍ، كانت الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية، التي تفاخر الأرشمندريت دو كلو بالانتماء إليها، قد تلكأت 57 سنة قبل أن تعترف بصمتها على ترحيل 75 ألف فرنسي يهودي إلى المعسكرات النازية (لم يبق منهم على قيد الحياة سوى ثلاثة آلاف)؛ فتقرّ بأن ذاك لم يكن سلوكاً مسيحياً لائقاً، وهو بالتالي يستوجب الاعتذار العلني، وبأفصح العبارات. ولكن ماذا عن صمت الكنيسة، إياها، إزاء مليون ضحية جزائرية، أثناء حرب التحرير؟ وإذا كانت تعقيدات أرشيفية سياسية وتاريخية تكتنف هذا الملفّ بالذات، فماذا عن المجزرة الرهيبة الشهيرة التي وقعت عام 1961، وذهب ضحيتها 200 من المتظاهرين الجزائريين؛ قضوا غرقاً حين دفعتهم مفارز الشرطة الفرنسية إلى مياه نهر السين، في قلب باريس، أيام الجنرال دوغول دون سواه؟

وذات يوم سخر الفيلسوف الفرنسي جوليان بيندا من موظفي الكنيسة الكاثوليكية خلال القرون الوسطى، الذين أقاموا مبدأ 'إدفعْ من الدوقيات الذهبية، بقدر ما ترغب في احتكاره من أشبار الفردوس'. ويبدو، اليوم، وكأنّ أحفاد هؤلاء يختطّون معادلة جديدة: اختلق من الأكاذيب عن مسيحيي سورية، بقدر ما ترغب في نيله من رضا... وكالة أنباء الفاتيكان

=================

حين ينكسر السوريون؟

فادي عزام

2013-01-13

القدس العربي

لما نزحت العائلة الأولى لم أعد أذكر ماذا كنت أفعل يومها؟ على الأغلب مشغول بنشرات الأخبار والهروب من العمل محتشد بالانتباه الصارخ لأن بلدي' يعيش ' الموت'

وهل الموت يعاش؟ يسألني من أراه في المرآة!

كززت على شفتي السفلة حتى أدميتها.

وقلت له حازما: كُلْ بعضاً من براز الوقت وتوقف عن الفذلكة ؟ نعم أصلا اللجوء السوري طالما كان أليفا. كل ما حصل إنه هذه لمرة يأتي بمنتهى الوضوح؟

طوال عقود والسوريين لاجئين في بلدهم حالمين بمغادرته.

أما اليوم الذين نزحوا وتشردوا وأصبحوا بعرف التاريخ لاجئين وبعرف الدين مساكين وبعرف الإنسانية وصمة عار.

المشتتون في البقاع الكون بعيون مصوبة على سوريا التي اضحت دريئة لمهارة لكل أنواع الاقتناص والاقتصاص.

أيها 'العزيز الحكيم' إنهم يهربون من الجحيم يحدوهم الإيمان بحكمتك الغامضة ، يهربون وهم يسلمون بقضائك وقدرك ومشيئتك، يتأملون في الطرقات باحثين عن المفتاح الذي يفتح قفل الفرج بالصبر والمثابرة بروح بنلوب وإخلاص أحفاد أيوب.

هم فقراء سوريا الذي صب الأسياد عليهم حمم الجحيم. هم من تلتقط لهم الصور في المخيمات وتركز عليهم الفلاشات و العدسات وتجمع باسمهم التبرعات. هم أولاك يا الله من ليس لهم سواك من أول رصاصة أول قتيل أول ذبيح أول هابيل سوري وهم يناجونك يستنهضون نخوتك ولم يفقدوا الإيمان للحظة إنك ستبعث لهم 'بالسيد فرج'

في معتقل يقبع هذا السيد المتأخر أما زال يبحث عن مقشته فهم بأمس الحاجة إليه ليكنس عنهم لزوجة الكربة.

هم فقراء سوريا نزلوا من التل يحملون صلبانهم وكرجوا درب الجلجلة معكوسا يجتازون به الحدود إلى المنافي والمخيمات.

هم ناسك الطيبين بأحلامهم الخالية من الأذى وكلماتهم المليئة بالتقشف، وآلامهم اللجوجة قلوبهم الكليمة. يهمسون لك في تشردهم الواسع بشتاتهم المثير ويسألونك هل من وطن قومي للفقراء.

في مقدمة الفتوحات المكية يستهل الشيخ محي الدين بن عربي هذه الحوارية.

سمح الله لموسى أن يكلمه فسأله: أين أجدك؟

فقال: ابحث عني في المنكسرة قلوبهم.

فأجاب كليم الله وهل هناك من هو منكسر قلبه اكثر مني؟.

يا موسى عليك السلام.

جولة واحدة في مخيم واحد ونظرة واحدة لعين طفل فقد أختها بشظية واحدة وتحديق عميق بوجه طفلة غارق بالركام ستعرف إنه لم يعرف التاريخ عن شعب أنكسر قلبه تحت قبة هذا الصمت الاخرق مثل السوريين.

 

=================

الأسد ونظامه باقيان أو زائلان معا!

مطاع صفدي

2013-01-13

القدس العربي 

سواء عبّر الإبراهيمي عن فكره الخاص، أو عن الموقف الدولي إزاء مصير الأسد، فالرجل لم يعد بإمكانه مقاومة الحقيقة المطوية تحت لسانه الدبلوماسي. فليس للثورة أن تنقضي هكذا، من دون أن تحقق حدا أدنى من أهدافها، وما كان لشعب سورية أن ينخرط في مسلسل المجازر الأسدية من دون ثقته بإنهاء الوحش الفالت على البشر والحجر في بلاده، ليس هناك من صفقة إقليمية أو دولية قادرة على تغيير صيغة هذه المعادلة الأبدية قانوناً ودستوراً إنسانياً، التي تضع مقابل الجريمة عقابها الملازم لها ليقضي على كل آثارها المدمرة في نظام الحق القائد لروح وعقل كل حضارة راسخة في ذاكرة الكائن الإنساني، منذ أن عاش على هذه الأرض منذ البدء.

الثورة هي المحكمة الشعبية المتصدية للجريمة الكلية المستديمة، إنها تجعل نفسها قاضية بأحكام، لا يمكن لأية هيئة أخرى أن تقوم بتنفيذها سواها. إنها المشرعة للعقاب والمسؤولة الأولى والأخيرة عن مشروعية تحقيقه في الواقع العام، بل يمكن القول ان الثورة تتخطى مرحلة التداول والقرار لتغدو عقاباً استباقياً منذ لحظة إعلانها الخروج على إرادة الاستبداد الحاكم. فلا بد للعقاب الاستباقي من متابعة إنجازاته حتى يبلغ حد الإجهار الكامل على موضوعه، الموصوف عادة بعدو الشعب.

لا يمكن لمثل هذه الثورة أن تتراجع عن حكم أو عقاب يثبت صاحبه في كل آن بأعماله، أنه يستحقه، وكونه ماضياً في ارتكاب أصناف وكميات الجرائم العليا المصنفة دولياً في خانة العدوان على الإنسانية ذاتها. فالثورة، قائمة ومستديمة باستدامة الجريمة بآثامها المطلقة. لم تعد تراكماً من الماضي، بل هي متمتعة بالحضور الراهن والمتمادي إلى أجل مجهول.

إزاء هذه الحقيقة الصارخة تحاول اللعبة الدبلوماسية أن تلغي أو تطمس الحدود القانونية والأخلاقية ما بين وقائعها، ساعيةً إلى توقيف الثورة، تمهيداً لإلغائها ليس كأحداث جارية فحسب، بل كقصة تاريخية تُجرّد وقائعها، وتبقى فاقدة حتى لوثائقها. تريد اللعبة الدبلوماسية أن تجعل الثوار أنفسهم هم الذين يتخذون قرار التوقيف مقابلَ وعود غائمة بجوائز سلطوية معينة تُغدق عليهم من النظام الجديد القادم.

كان يمكن لهذه اللعبة أن تستمر فصولاً بما يحيل الثورة وذكراها إلى أثر بعد عيْـن، بينما يبقى النظام القديم وحده جائلاً وصائلاً في ساحات الصراع، فالغرب وقائدته أمريكا قد يغامر بالتخلي نهائياً عن الأسد كشخص، مقابل الاحتفاظ بنظامه، وربما ببعض رجاله ومفاصله الأصلية. والحجة في ذلك هي الخوف من الفوضى المحتملة، أو من وصول (المتشددين) إلى مراكز القوة والسلطة، لكن الخوف الغربي الحقيقي هو من صعود ربيع الشباب نفسه إلى قمة الهرم.

فالسلوك المتواطئ والمتردد الذي طبع تصرفات دول الغرب الرئيسة طيلة عمر الثورة السورية، لم يكن تعبيراً عن تردد صدفوي، أو متغيرات سياسية ظرفية. هنالك قرار محسوم سلفاً ضد أية احتمالات ممكنة للربيع الشبابي أنْ يبلغ مركز الرئاسات الأولى في مجتمعات التغيير الثوري. في مصر العظيمة أُجهضت المرحلة الانتقالية ما بعد سقوط الفرعون، وسُفكت دماء كثيرة لشباب ميدان التحرير وتوابعه، فقد بذلت الثورة المضادة أقصى ما لديها من جهود التآمر كيما تلغم كل خطوة إيجابية على طريق تحرير الحكم والدولة من نموذجهما الاستبدادي المظلم. مصر اليوم لا تزال هي عينها من حيث مناعة الدولة ضد كل تعديل في مفهومها أو سلوكها، وقد تم تسليمها، في خاتمة هذه المرحلة الانتقالية، إلى الجماعات الإخوانية والسلفية. فهي الأقدر على حفظ سلطة الاستبداد بدءاً من جذوره الغيبية، إذ تفوز حراسته مجدداً بأعلى حماية ما وراء أرفع سلطان، وهو اسم المقدس نفسه وطقوسه.

شباب 'ميدان التحرير' لن يحكموا مصر اليوم، وربما غداً كذلك. لكن البديل الإخواني الذي ربح الشوط السلطوي، خسر الكثير من تأييده العفوي لدى الكتل الشعبوية التي خدعها طويلاً بطقسنة التقوى وادّعاءات النزاهة المطلقة في العمل السياسي الجماهيري. ولعل النتيجة الأهم لهذه التحولات، هو تشكّل نوعٍ من حقيقة موضوعية جديدة ملء الحيز العربي العام، وليس المصري أو التونسي فحسب، هو أن المد الغيبي في سياسة الشارع قد بلغ أقصى حدوده الصاعدة، وقد شرع اليوم في التدحرج المتسارع، يصاحب هذا التغيير بروزُ الانقسام البنيوي، بل التاريخي بين الثقافتين السائدتين، انبثاق المجتمع المدني كفعالية مباشرة مقابل رموز الطقسيات الغيبية الجامحة والمتهافتة كالفراش على كراسي السلطنات بكل أنواعها.

إذن، يولد المجتمع المدني كفعالية مباشرة على الأرض، لها جمهورها الواسع المتجاوز لحدود النخب الثقافوية السابقة والمعهودة، فالسقوط السياسي والإداري السريع الذي تعانيه الجماعات الإخوانية ومشتقاتها في القطرين: المصري والتونسي تحديداً، يؤذن للمرة الأولى بأن التغيير سوف يصيب بنية المؤسسة الاستبدادية العربية عامة، الداعمة لأنظمة الحكم التسلطية، وتبدو معالمه في ظروف المعارضات المتصاعدة ضد خاطفي الثورتين السباقتين من طليعة الربيع، في القاهرة وتونس. وهو الأمر الأخطر الذي يخشاه رعاة هذه المؤسسة ـ على المستوى القومي الواسع ـ من تكرار هذه الظاهرة في بلاد الشام. ذلك أن ثورة الشام قد تخطت بمراحل كثيرة حالات الوقوع تحت الوصاية من قبل أية فئويات محلية أو سلطات إقليمية، بل دولية. وهي ماضية في اجتراح كل وسائلها التي مُنعت عنها، خاصة منها تزوّدها بالأسلحة العادية، ثم النوعية التي حصلت على بعضها من جيشها السوري نفسه؛ لعلّها أضحت أخيراً هي الثورة الواعية المتشبثة أساساً بما يحمي استقلالها التخطيطي والميداني في وقت واحد. قد ترحب بنوع الأصدقاء الأوفياء لكنها لم تعد تثق بخلفيات الأوصياء المتسابقين على احتوائها.

لم يتحرك الغرب وأعوانه إزاء الثورة إلا عندما راحت تخط انتصاراتها اليومية، لقد شبّت عن الطوق إذن، فإذا ما تُركت هكذا لحراكها الجديد المتقدم، فإنها بالغةٌ، هدفَها الأعظم من كل بدّ. هنا يبرز المعنى المريب لنشاط اللعبة الدبلوماسية، ولكن وضَع الأخضر إبراهيمي لها حداً، ربما من دون أن يقصد، ما إن أعلن عن كون الأسد مازال متشبثاً بدوره، وحتى بأولوية هذا الدور في كل مراحل (الحل/التسوية) الذي قد يتفق عليه الدوليون الكبار وأتباعهم من بعض العرب، فالأسد يمارس مناورته الأخيرة مع المجتمع الدولي نفسه، أي خاصة مع الأمريكيين. هؤلاء استخدموا نظامه طيلة أربعين عاماً وأكثر، في كل التحويرات الكبرى التي أودت بثورات المشرق العربي، وقلبت مشاريعها إلى ما يشبه الكوارث التاريخية التي أحالت أحلام النهضة الاستقلالية إلى سهام مسمومة مرتدة إلى صدور طلائعها واحدة بعد الأخرى.

يعتقد الأسد أنه يمتلك تراثاً هائلاً من تجارب التعاون الأمني المفصلي مع المخفي والأخطر من استراتيجيات الغرب إزاء المسائل العربية المصيرية، ألم يرث هذا التراث المشؤوم عن أبيه، بل زاد عليه هو بمشاركة فعالة في ما سمي بحروب أمريكا ضد الإرهاب (الإسلاموي)؛ كأنما يقول الأسد للمبعوث الدولي ان النظام ملتحم بأصحابه المنتجين له، فهم القادرون وحدهم على تشغيله واستثماره في تأمين الخدمات السرية والعلنية المطلوبة منه.

هل أفسد الأسد في موقفه الرافض ذاك، الصفقة الأمريكية الروسية، وبالتالي لم تعد ثمة مهمة وساطة ينفّذها الإبراهيمي أو أي بديل آخر سيأتي بعده. لكن الأسد من دون أن يدري يثبت الطرح المركزي للثورة، الذي يجعل منه شخصياً رمزاً للنظام، وبالتالي لن يزول إلا بزواله هو ونظامه معاً.

هكذا قالت الثورة دائماً..

=================

جنيف 2 تحت سقف الاسد

محمد صادق الحسيني

2013-01-13

القدس العربي 

في وقت يعيش فيه العالم حالة من الترقب لما يمكن ان يصبح تسوية امر واقع بين العملاقين الدوليين المتخاصمين حول الملف السوري، او قطيعة تهابها واشنطن المثقلة بهزائم العراق وافغانستان، فانه ومع كل يوم يمر على عملية 'شيطنة' الاسد يتأكد لاصدقاء سورية، الحقيقيين طبعا، ان الهدف النهائي من وراء الفكرة انما هو الانتقام من سورية الدولة العربية ودورها المحوري في محور المقاومة واستنزاف جيشها الوحيد المتبقي من بين الجيوش العربية في حالة حرب مع العدو الصهيوني.

لم يكن الاخضر الابراهيمي موفقا في خروجه عن دوره ' الحيادي' كوسيط مفترض في الازمة السورية، عندما فسر ورقة جنيف على الاجندة الامريكية مستعجلا بذلك نهاية طموحات المثلث الاقليمي التركي السعودي القطري المتشوقة لرؤية الاسد خارج خريطة الشرق الاوسط الجديد، كما رسمتها ريشة كونداليزا رايس.

الطموحات التي لم ولن تتقبلها موسكو ولا بكين البتة، فضلا عن طهران التي ترى ذلك خروجا على اصول وقواعد العمل الدولي وميثاق الامم المتحدة، ناهيك عن ورقة الفيتو المرفوعة دوما بوجه اي تلويح بالذهاب الى مجلس الامن الدولي.

وكما فشلت رايس من قبل انطلاقا من الارض اللبنانية في معركة الثلاثة والثلاثين يوما الشهيرة، فان وريثتها هيلاري كلينتون الوفية مثلها لمخطط اسرائيل القاضي باعادة رسم خرائط المنطقة، ستفشل هي الاخرى في المهمة ذاتها انطلاقا من معركة 'ادنى الارض السورية'، اي الغوطة بالشامي. ولم يبق امامها سوى تسليم مفاتيح هذا الملف الى جون كيري الباحث عن تسوية ما في اطار جنيف ثان بعد ان فشل جنيف الاول في المساهمة في تظهير نجاح المهمة الانفة الذكر، ذلك لانه لا تذاكي الابراهيمي للخروج على نص جنيف سمح له بالتطاول على موازين القوى المحلية والاقليمية والدولية الخاصة بسورية، ولا تعامي بعض رموز الادارة الامريكية المنتهية ولايتها عن رؤية الواقع الميداني على الارض السورية سمح لهم بتجاوز رمز وحدة الارض السورية، اي الجيش العربي السوري وقيادته الرمزية المتمثلة بالرئيس بشار الاسد.

رحم الله ابا عمار المقتول غدرا، كما اقر شمعون بيريس اخيرا، وهو الذي لطالما حذر مما سماه لعبة تغيير خرائط المنطقة، في زمن ظل يطلق عليه بالزمن العربي الرديء عندما كان يقول بان الوجود على الارض هو وحده الذي يفرض وجود القوى على الخريطة الجيوسياسية.

فعندما تغير ايران قواعد اشتباكها مع الامريكيين في البحر ويغير حزب الله قواعد اشتباكه مع العدو الصهيوني في الجو، وهما الحليفان القويان لسورية الدولة ذات الدور المحوري في معادلة الصراع المشترك، فان ذلك يجعل الاسد قادرا على تغيير قواعد اشتباكه مع المثلث الاقليمي الراعي للميليشيات المسلحة على الارض السورية.

ما نراه من تحرك يسميه البعض 'انتفاضة الانبار' في العراق انما هو هروب الى الامام يمارسه المثلث الاقليمي المروج لحروب الفتن المذهبية والطائفية المتنقلة طمعا بتكرار سيناريو سوري يفترض ان يمتد لاحقا لايران غداة انتخابات الرئاسة المرتقبة في الصيف المقبل.

في الحالتين سيظل الشعار المرفوع واحدا الا وهو المطالبات الشعبية المشروعة تحت راية 'الاصلاحات' البراقة.

وكما يتم الان 'شيطنة' حاكم بغداد فان المخطط المرسوم لايران هو اعادة انتاج فتنة 'شيطنة' دولة ولاية الفقيه، فيما الهدف الحقيقي المرتجى في الحالتين هو توسيع دائرة الفوضى الخلاقة.

في هذه الاثناء فان الخريطة الجديدة التي تحلم بها واشنطن وادواتها المحلية للعالم انما تفترض قطعا بين طهران والبحر المتوسط وتطويقا متزايدا لفصائل المقاومة وحصرها جغرافيا في بر مقفر بعيدا عن حلفائها الاقوياء طبعا مع افتراض نجاحها في استنزاف وتفكيك الدولة السورية تمهيدا لتصفية قضية فلسطين، كما يحلمون.

مثل هذه الخريطة لا يمكن البتة ان تروق لا للروس ولا للصينيين، وهما القوتان اللتان لا تريدان للاطلسي ان يقرع ابواب عاصمتيهما لا بفتنة الحروب الطائفية او العرقية المتنقلة، اي من خلال تحريك مفترض لملف ما يعرف بالاقليات الدينية والعرقية في كلا البلدين ولا بالتهديد الجيواستراتيجي، اي في حال خسارتهما لسورية الدولة العربية الوحيدة المتبقية لهما كحائط دفاع استراتيجي اخير امام طموح الغرب واطماعه التوسعية شرق المتوسط.

هذا التقدير للموقف كما يبدو من العاصمتين الايرانية والروسية لما يجري على الارض السورية في بعديه الاقليمي والدولي، هو الذي يجعلهما متمسكين بمهمة الابراهيمي في الظاهر، رغم معرفتهما بخفايا لعبة التوازنات التي فرضته كوسيط يستطيع ان ينجح كوسيط شرط ان يبقى نزيها ويساعده في تلك المهمة مدى رغبة واشنطن في الحل السياسي، والا فان نذر الحرب الاقليمية المفتوحة على الانزلاق نحو حرب عالمية يمكن ان تدق ابواب كل عواصم الدنيا من جديد.

الكرة اليوم في ملعب الادارة الامريكية الجديدة ان هي رغبت، فبامكانها اللعب حسب قواعد اللعبة الجديدة لا يسعها الا تجرع سم لابد منه عنوانه التعاطي مع الاسد حتى 2014، وهو ما سيسهل عليها الخروج من مأزقها. اما ان ارادت ارتكاب خطيئة جديدة فعواقبها ستكون عندئذ اخطر بكثير من شرب كأس السم، ما يعني تحول الكرة الى كرة نار تحرق الاخضر واليابس وعندها فان على الادارة الامريكية تحمل مرارة الفشل الذريع في رسم خريطة لبلادنا على هوى ربيبتها اسرائيل بل الوداع مرة والى الابد مع هذا الكيان المصطنع الامر الذي هو ات لا محالة ان عاجلا او اجلا.

=================

بشار الأسد: فات القطار

2013-01-13

القدس العربي 

طرفه بغجاتي

التاريخ يعيد نفسه، وصف قد ينطبق على حالة الرئيسين السابقين زين العابدين في تونس ومبارك في مصر، عندما قدم الأول في كل خطاب ألقاه قبل هربه تنازلا تلو الآخر على أمل أن يلحق بالعربة التي سبقته، وعندما تنازل الثاني في كل خطاب عن أمور كان يتشبث بها على أمل أن يلحق بذات العربة، لكنهما أدركا متأخرين أن عربة الزمان كالقدر لا تنتظر طويلا، وإذا انطلقت فهي لا ترحم وهي بالتأكيد لن تنظر إلى الوراء قط.

إذا انتقلنا إلى حالة سورية وخطاب بشار الأسد الأخير نلاحظ بوضوح أن الأسد لا يرى العربة أصلا، ويعتبر نفسه خارج المعادلة بشكل كامل فهو باق ولو ضربتم رأسكم بألف جدار، وإذا وضعنا جانبا كل الملاحظات، سواء المتعلقة بمقارنته نفسه بعريس يبحث عن زوجة ولا يجدها، أو باختيار الحضور الذين يتباهون بكونهم شبيحته إلى الأبد أو بإسقاط كلمة سورية من هتاف الجمهور وإلحاق بشار بالله دونما وسيط، فهنا قد يطرح سؤال مهم جدا: من الذي منع بشار الأسد من القيام بمبادرة نقاط المرحلة الانتقالية الثلاث التي ذكرها؟ ولماذا لم يعقد مؤتمرا وطنيا للحوار؟ لماذا لم يفتح الباب لصياغة دستور يستحق هذا المسمى؟ من وضع الصعاب في وجهه ومن حال دونه ودون حكومة موسعة بينه وبين معارضته (الوطنية)؟

كل هذه البدهيات التي ذكرها في الخطاب لم تكن تحتاج لسفك دم أكثر من ستين ألف شهيد ولملاحقة مئات الألوف واعتقالهم أو إلى ملايين غير محصورة من اللاجئين والمفقودين والنازحين، وكل هذه الخطوات كان من المحتمل أن تكون قابلة للأخذ والرد يوم تربع عرش الرئاسة بالوراثة عام 2000، أو بعيد بداية الثورة في شهر نيسان 2011 على أقصى تقدير، لكن حتى في ذلك الوقت كان من المفروض أن يضاف عليها نقطة رئيسية هامة للغاية ألا وهي تفكيك النظام الأمني وتحويله من مافيا مخابراتية إلى مؤسسة دولة خاضعة للمساءلة وتابعة للإدارة السياسية وقابلة للمحاكمة من قبل القضاء.

هذه النقطة التي يرفض بشار الأسد حتى هذه اللحظة أن يطرحها أصلا للنقاش، إلى جانب عدم قدرته على استيعاب ما حدث وما يحدث على الأرض في سورية، كافية لجعل إمكانية استمراره كرئيس للدولة في عداد المستحيلات، وهذا الاستنتاج ليس من منطلق سوري ثوري وحسب بل من ناحية تحليلية بحتة. ولهذا، أعتقد أن على روسيا وإيران والصين بعد هذا الخطاب أن يودعوا كل أمل في إمكانية بشار الأسد وبطانته من إخراج سورية من الأزمة الحالية، خاصة بعد حديثه عن كل شيء عدا مصيره ومستقبله هو، فمن الواضح أن الرجل يعتبر نفسه خارج دائرة النقاش أصلا.

خطاب الأسد الذي يصنفه الكثيرون بأنه الأخير، يثبت مبدأ حرب النظام على شعب ثائر ويحاول تصريحا لا تورية زج البلاد في حرب أهلية، فهو يطالب المواطن العادي بمساعدته بالحفاظ على نظامه ولو عن طريق حمل السلاح معطيا إياه الضوء الأخضر ومحصنا إياه من أي عقاب متوعدا الذين يقفون ضده أو حتى الذين يختارون طريق الحياد بالرعب والإفناء.

لقد قال بشار الأسد ما عنده وأدلى بما في جعبته مثبتا بشكل عملي أن كلمتي الحرية والكرامة محذوفتان من قاموسه تماما، ناهيك عن وصفه لكل ما يحصل حوله وفي بلاد المنطقة من نهضة للشعوب بوجه الديكتاتوريات بفقاعات هواء وصابون...!! فأين هي قدرته على الإدراك؟

الآن يأتي دور الحراك الثوري، فالعالم برمته والسوريون على وجه الخصوص، ينتظرون التصور الواضح للمرحلة الانتقالية، إذ لم يغدُ المطلوبُ الآن توحيدَ المعارضة والقوى الثورية وحسب بل توحيد الرؤيا السياسية للمرحلة الانتقالية وانضواء جميع القوى العسكرية تحت قيادة واحدة تلتزم بدورها بهذه الرؤيا السياسية الموحدة، وهنا يكمن التحدي الحقيقي الذي سينقل سورية من دولة الإستبداد والفساد إلى دولة الحرية والكرامة والشفافية.

بشار الأسد أثبت وبجدارة لكل من بقي عنده وميض أمل بقدرته على فهم ما حدث أنه غير قادر على استيعاب الحاضر أو إدراك الماضي، ناهيك عن إدارة ما يحدث الآن، وعلينا الآن كسوريين أن نثبت لأنفسنا وللعالم أننا قادرين على استيعاب ما حدث وإدارة ما يحدث والتخطيط لما سيحدث.

بشار الأسد أعلن وعلى الملأ انه ليس رئيساً لكل السوريين، وسوريا بحاجة اليوم قبل الغد إلى قيادة سياسية ذات مصداقية تؤكد للجميع أنها ممثلة لكل السوريين وليس لأتباعها فقط، والائتلاف الوطني يمتلك هذه المقومات... لكن التحدي الحقيقي يكمن بالانتقال من القول إلى العمل.

=================

خيار سلطة آل الأسد أم خيار الشعب السوري؟

د. عبدالله تركماني

2013-01-13

القدس العربي 

تقف سورية اليوم أمام مفترق طرق: سلطة تدفع الأمور نحو الحرب الأهلية، وشعب يقاومها ويرفضها. السلطة تأخذ سورية إلى خراب شامل، والثورة تعمل لإخراجها من مأساتها المديدة، وإدخالها إلى عالم مفتوح على الديمقراطية والحرية والكرامة. ولن تختتم هذه السيرورة من دون فتح باب السياسة وإغلاق باب القتل اليومي، بما يحقق هدف الثورة الرئيسي في الانتقال من نظام الاستبداد الحالي، بكل رموزه ومرتكزاته، إلى النظام الديمقراطي.

إنّ مصير سلطة آل الأسد لن يختلف عن مصير أنظمة الاستبداد العربية الأخرى، في تونس ومصر وليبيا واليمن، لأنها عاجزة عن قهر إرادة الثورة والتغيير لدى جموع الشعب السوري، التي تعرف أّن تراجعها عن مطلب إسقاط هذه السلطة يعني أنها ستعود إليهم بنزعة انتقامية كبرى، وأنّ فرصة أخرى للثورة والتغيير قد لا تتاح لها بعد عدة عقود أخرى.

إنّ سورية، بكل تاريخها وأهميتها الجيو استراتيجية، لا يمكن أن تستمر تابعاً لإيران أو مرتعاً للفساد وساحة للقمع، ولا سجناً كبيراً يموت فيه الأحياء وهم واقفون على طوابير الخبز. والشعب السوري سيكون على موعد حاسم في تاريخ ثورته، بقدر ما تكون قواه السياسية والعسكرية على قدر المسؤولية في الدفاع عن الأهداف العليا للثورة في الحرية والكرامة، وبقدر ما يتنبه العرب والمجتمع الدولي إلى خطورة معادلة بشار أو الدمار، فسقوط الطاغية سيحمي سورية والمنطقة كلها من ثمن فادح.

ومما يعزز خيار الشعب السوري أنّ سلطة آل الأسد تشعر أنّ الركون إلى عامل الوقت لم يعد في مصلحتها، وأنّ التوغل في أساليب القتل لم يعد يجدي نفعاً. وهنا لا يغيب عن بالنا احتمال حصول تغيير في موقف بعض أطراف هذه السلطة، فالفشل في إخماد الثورة، وحالة الإنهاك للقوى العسكرية والأمنية، وتسارع التدهور الاقتصادي، وتصاعد حدة الضغوط العربية والدولية الراغبة في مخرج سياسي، يمكن أن تفضي إلى تبلور قوى من داخل تركيبة النظام نفسه تزداد قناعة بعجز الحل الأمني وبضرورة المعالجة السياسية، وتتنطح بداية ربما للمنازعة والمشاركة في اتخاذ القرارات ثم المبادرة عند اللزوم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. فلم تعد بعيدة لحظة سقوط أوهام العقل الأمني، ولنقل لحظة إدراكه، بلا جدوى هذا العنف والتنكيل البربري وبأنه قد يزيد التكلفة والأثمان، وربما يؤخر موعد الخلاص، لكنه آتٍ على أية حال.

وقد تكون المفارقة أنّ هذه السلطة التي تستقوي بأبناء الطائفة العلوية الكريمة تستشعر الخطر على نحو خاص من هذه الطائفة، إذ من المؤكد أنّ انخراط نسبة بارزة منها في الثورة سيعني سقوط سلطة آل الأسد عاجلاً. ومن هنا ليس مستغرباً أن يُوجَّه جزء أساسي من دعاية الإعلام الرسمي لاستلاب الطائفة وإثارة المخاوف الوجودية لدى أفرادها. وقد يكتشف الأخوة العلويون، في وقت قريب، أنّ ابتلاءهم بهذه السلطة هو أكبر مصيبة حاقت بهم في العصر الحديث، فالديكتاتورية التي تدّعي حماية الطائفة لا تفعل في الواقع سوى الاحتماء بها، ونسب سيئات الديكتاتورية إليها، هذا فضلاً عن محاولة إفساد الطائفة ذاتها.

لقد اتسم خطاب الوريث بشار الأسد بالذاتية والغرور والعنجهية والتسلط، بعد طول إقامة آل الأسد المديدة في هيكل السلطة المغلقة، بما جعله يعتقد خطأً أنه أغلق تماماً حركة التغيير التاريخية بمفاتيح القوة الساحقة التي يمتلكها، متناسياً أنّ الشعوب المقهورة تصابر ولا تسامح، تنتظر ولا تنسى، وتتفجر لاحقاً لكرامتها وحريتها كالبراكين الثائرة.

إنّ التطور الأهم الذي نعتقد بأنه الأقرب إلى التحقق، والأكثر قدرة على التأثير في مسار الثورة السورية، هو التحولات في القاعدة الاجتماعية لسلطة آل الأسد، التي جهد منذ بداية الثورة لطمأنتها إلى سرعة وانخفاض كلفة عملياته، الأمر الذي حدث نقيضه عملياً، وتنقلت قواته من هزيمة إلى أخرى، متكبدة خسائر متصاعدة، وصار مطلب من يدفعون بأبنائهم للقتال إلى جانبه، بإيجاد مخرج للأزمة الوجودية التي ورطهم فيها، أكثر إلحاحاً يوماً بعد آخر.

وتشير بعض المعطيات إلى أنّ اعتقاداً بدأ يبرز لدى مؤيديه، بخاصة من الطائفة العلوية، بأنّ بشار الأسد في دفاعه عن مصيره الشخصي والعائلي مستعد للتضحية بآخر فرد منهم بلا أية مبالاة، وأنّ استمراره في القتل اليومي للشعب السوري ليس بدافع حمايتهم، ولا لثقته بالنصر كما يزعم، بل لشعوره بالخوف من لحظة الحقيقة، التي سيواجهها بمجرد انتصار الثورة، وحينها ستنجلي حقيقة الأوهام الكبيرة التي ركبت رأسه.

 

=================

الموقف في سورية

أنور بن ماجد عشفي

عكاظ

14-1-2013

في الأسبوع الماضي وصلتنا تقارير عن المركبة الفضائية الأمريكية مسباركبلر حيث اكتشف 17 مليار كوكب في حجم كوكبنا في مجرتنا درب التبانة التي تعتبر واحدة من مليارات المجرات، تذكرت وأنا أقرأ هذا التقرير ماذا قاله الأسد في خطابه الأسبوع الماضي وهو مفعم بالغرور وكأنه لا يعلم ما يدور على الأرض، وتساءلت كم يوم بقي له في الحياة ثم يواريه الثرى؟

لقد تابعت عبر التلفاز الأسد وهو يلقي خطابه ،وكنت جازما أنه مغيب عن الواقع لا يرى ما يحدث في سورية، ولا يشاهد إلا التلفاز السوري، ولا يستمع إلا لمن هم حوله، وثبتت قناعتي من ثباته وعدم ارتباكه، ويتكلم بثقة، وعزز من اقتناعي تلك المسرحية الهزلية في القاعة من الحشد الكبير، والهتاف الذي استفز كل من شاهده.

لكن قناعاتي ما لبثت أن تبددت عندما تابعت المقابلة التي أجراها أحد المذيعين البريطانيين مع رئيس الوزراء السوري رياض حجاب الذي انضم إلى الثورة، عندما قال: بأن القرارات تصدر من بشار وممن حوله من العائلة، وأن إيران هي التي أصبحت تتحكم في مفاصل القرار، وتمده بالسلاح والعتاد، وروسيا تدعمه سياسيا وتسليحيا، أدركت وقتها أن بشار لا يملك حتى الانسحاب وتسليم السلطة، لأنه إذا فكر في ذلك فإن روسيا وإيران لن توفرا له الملاذ الآمن.

لقد شغل الأسد بخطابه المحللين السياسيين، فهذه المتحدثة باسم مفوضية الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون، تقول: بأن الاتحاد يدقق في خطاب الأسد ليرى إذا كان يتضمن شيئا جديدا، لكن موقفنا واضح يتمثل في تنحي الأسد، ليتيح المجال لعملية الانتقال السياسي.

فلماذا يتباطأ التحالف الوطني المعارض في تشكيل الحكومة الانتقالية في الخارج ليتم الاعتراف الدولي بها، وتتمكن من استلام السلطة حالما يهرب الأسد أو يقتل، لكن الفرصة متاحة لانقلاب في مجلس الرئاسة وإلا وصل الأمر في سورية إلى درجة من الفوضى لا يمكن السيطرة عليها.

=================

سورية ملعب الصراعات المختلفة..

يوسف الكويليت

الرياض

14-1-2013

لقاء الأعداء تبرره سياسات المصالح، فقد اتفق الشرق والغرب، أو السوفيات ودول الأطلسي على الحرب ضد النازية والفاشية والقضاء عليهما، لكنهما تحاربتا في فيتنام وأفغانستان فهُزمتا في البلدين، ولعل ما تخفيه الاتفاقات السرية لن يظهر بسهولة حتى إن خدعة حرب ١٩٦٧م بين العرب وإسرائيل، وانتصار الأخيرة لم تكشف بشكل نفهم منه مثل هذا الاتفاق بين الأعداء..

سورية دخلت اللعبة في صراع مع مختلف القوى، إقليمية تظهر وجهها بين تركيا وإيران، وانقسام عربي يدعم البعض نظام الأسد، والآخر يدعم المعارضة وجيشها الحر، لكن القوى الكبرى تتعارك وفق مقومات مصالحها، غير أن هناك اتفاقاً تاماً بأن سورية مرشحة لأن يخلف الأسد نظام إسلامي متشدد سوف يقلب المسيرة الأمنية والسياسية في أكثر من بلد، لكن إذا كانت مخاوف أمريكا من إحداث مشكل أمني لإسرائيل، فروسيا تخشى أيضاً من شريط إسلامي يبدأ من سورية فالعراق فآسيا الوسطى، أي محيطها الجغرافي، وهذه الأفكار مخاوف أكثر منها حقائق لأن إهمال الوضع السوري وتركه يتفاعل، وعدم فتح نوافذ مع قوى المجتمع المعارض وفهم توجهه واحتوائه، ساهمت بشكل مباشر بأن تبرز تيارات وقوى تذهب إلى الدين كملاذ يجمع الفرقاء المحرومين والمظلومين من النظام..

ومثلما ساعد الأمريكان الأفغان في حربهم ضد السوفيات فقد بنوا بذرة التطرف التي أدت إلى أحداث (١١) سبتمبر، والروس سوف يدفعون فاتورة تأييد الأسد بفشل سياسي وقطيعة عربية وربما إسلامية، وقد شهدنا كيف بدأت حوارات سرية بين الأمريكان والعديد من حكومات الربيع العربي ذات الوجه الإسلامي، وكلاهما يخادع الآخر بعدم إظهار حقيقة موقفه، وإن كان الأمريكان يريدون فرض شروط وإملاءات تخدم توجه تلك الحكومات حتى لا تدخل في عداء طويل مثلما حدث بأفغانستان مع طالبان، أو إيران الخميني بأن عجلت بدعم بعض التوجهات بأمل أن تفرز نظماً أقرب للديموقراطية، وأرقى من الدكتاتورية، ومع ذلك فكل المعالم لا تبدو أنها تتوجه نحو خط واضح تُبنى عليه صورة المستقبل..

روسيا تصر على مقايضة شخص ونظامه الفئوي أمام حشد جماهيري شعبي يقاتل من أجل حريته التي يريد انتزاعها بالتضحيات غير المسبوقة، وكان عدد الشهداء خمسة وستين ألف قتيل فاق هذا العدد قتلى الكثير من الحروب العربية الأهلية وغيرها، بينما روسيا التي تدعم النظام تنسى كيف قدمت التضحيات في هزيمة النازية ومن أجل حرية شعبها زمن السوفيات لكنها تتصرف بعقلية الدولة الاستعمارية، والهدف يبقى ضبابياً لأن رهانها على خاسر هو سياسة عمياء، بتصرفاتها التي كشفت عن وجه جديد في عداء أمة كاملة وليس لديها، حتى الآن المرونة التي تخرجها من الحرج في إيقاف شلال الدم السوري، وهي مكاسب تمنحها للغرب بغباء من دولة تملك المفكرين والسياسيين والعلماء، لكن لأنها تفكر بما هو راهن ولا تفكر بقادم الأيام، وتدار بعقلية بقايا الفكر السوفياتي في صراع الشرق والغرب فذلك جعلها لا تفهم النتائج، ولكنها تقيم سياستها على الاحتمالات لا حقائق الواقع، وما ستفرزه من خسائر لها سياسياً واقتصادياً..

=================

لا حل بلا حوار

أنس زاهد

الإثنين 14/01/2013

المدينة

رغم استحالة الوصول إلى الحسم العسكري، فإن كلاً من النظام السوري والمعارضة المسلحة ممثلة في الجيش الحر، ما زالا يضعان الشروط لإطلاق عملية الحوار التي ينتظر أن توفر حلاً سياسياً وسطاً للأزمة المستفحلة والحرب المدمرة التي تدور بين الطرفين منذ ما يقارب العامين.

الحرب في سوريا لن تنتهي بانتصار طرف على طرف آخر، فموازين القوى أصبحت متعادلة منذ وقت ليس بالقصير، وعناصر النظام والمعارضة المسلحة بما فيها العناصر الصغرى، يخوضون حرب حياة أو موت لأنهم يعرفون النتائج التي ستترتب على انتصار الطرف الآخر.. أما السلاح فإنه سيظل يتدفق على الطرفين ما دامت الحرب مستمرة. وهذا لا يعني إلا استحالة تحقيق النصر العسكري من قبل طرف على طرف آخر حتى لو استمرت الحرب لعشر سنوات أخرى.

في ظل هذه المعطيات التي يعرفها جميع المتابعين والمهتمين بالشأن السوري، يظل الحوار هو الخيار الوحيد لإيجاد حل للأزمة. وهو ما أكد عليه مبعوث الأمم المتحدة وصاحب الاطلاع الميداني الأوسع على الساحة السورية، الأخضر الإبراهيمي، الذي قال ما معناه إن البحث عن حل للأزمة خارج الإطار السياسي سيؤدي إلى صوملة سوريا وظهور أمراء حرب يقتسمون النفوذ على المناطق السورية المختلفة.

المشكلة أن المعطيات في سوريا شهدت تعقيدات إضافية في الأشهر الأخيرة، فدخول جبهة النصرة ولواء التوحيد وباقي الفصائل التي تتبنى فكر منظمة القاعدة، وسيطرتها على بعض المناطق الحيوية في الشمال كإدلب وحلب، هو مؤشر خطير على دخول طرف ثالث في المعادلة له أجندة مختلفة عن أجندة الجيش الحر الذي يعتبر الذراع العسكرية للائتلاف الوطني. وهذا ليس مجرد تحليل أو استنتاج، فرفض جبهة النصرة ولواء التوحيد الاعتراف بأحقية الائتلاف الوطني في تمثيل الشعب السوري عبر بيانات صريحة أصدرتها هذه التنظيمات، هو واقع ترتب عليه إعادة حسابات الأمريكيين من الأزمة، ولكن ليس بالصورة التي تكفل فرض حل سياسي لا يمكن التوصل إليه دون الاتفاق مع الروس.

الخلاصة أن استمرار الحرب لن يضعف أي طرف من الأطراف بالشكل الذي يتيح للطرف الآخر تحقيق النصر النهائي وفرض رؤيته وأجندته لسوريا المستقبل.

الحوار غير المشروط هو المخرج الوحيد.

 

 

=================

لقاء جنيف: خطاب الأسد كأنه لم يكن

والجنائية الدولية تلغي أي دور مستقبلي له

روزانا بومنصف

النهار

2013-01-14

في اللقاء الجديد الذي عقده في جنيف نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف ونظيره الاميركي وليام بيرنز مع الموفد العربي الدولي الى سوريا الاخضر الابرهيمي، اعادت الخارجية الروسية تأكيد دعمها امرين اساسيين احدهما هو اتفاق جنيف بين مجموعة العمل من اجل سوريا الذي تم التوصل اليه في 30 حزيران من العام الماضي وما تضمنه من مرحلة انتقالية ضرورية للعملية السلمية في سوريا، والآخر هو دعم الابرهيمي في مساعيه من اجل التوصل الى حل للازمة السورية. وبدا الموقف الروسي لافتا ومهما في مغازيه وفقا لمصادر ديبلوماسية متابعة، رغم استمرار الخلافات الاميركية الروسية على الموضوع السوري، وتحديدا على مصير الرئيس السوري بشار الاسد. واهمية هذا الموقف في انه شكل ردا مباشرا على موقف الرئيس السوري بعد اطلاقه ما سماه مبادرة في خطاب السادس من الشهر الجاري، والذي رفض خلاله المرحلة الانتقالية وفق ما جاء في اتفاق جنيف. كما انه اعاد تثبيت الدعم للابرهيمي بالتزامن مع حملات قادتها الصحف السورية على الموفد العربي الدولي الذي كان كشف قبيل توجهه الى لقاء جنيف الجمعة المنصرم في 11 الجاري ان المرحلة الانتقالية لا تتضمن دورا للاسد، وانه لن يكون جزءا منها. وفي حين يبقى الموقف الروسي ملتبسا في شأن تفسير المرحلة الانتقالية واي دور للاسد فيها، فان اللافت بالتزامن مع اعادة وزارة الخارجية الروسية تأكيد دعمها للابرهيمي ودوره، تشديد الاخير على مواقفه الاخيرة المعلنة، ومن جنيف بالذات على اثر اللقاء الذي جمعه ببوغدانوف وبيرنز بضرورة “تأليف حكومة انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة”، مفسرا للاعلام انها تعني “كل صلاحيات الدولة”، الامر الذي يترك المجال واسعا امام تساؤلات محورها هل ان الابرهيمي يؤكد وصفه للمرحلة الانتقالية وتأليف حكومة بصلاحيات كاملة قبل لقاء جنيف كما بعده من دون تأييد من روسيا لهذا الوصف. وتاليا كيف يمكن ان تعيد تأكيد دعمها للابرهيمي في حال عدم توافقها معه علما ان مواقف الابرهيمي كانت صريحة بقوله انه اتفق مع الروس والاميركيين على ان العملية الانتقالية تعني تولي حكومة انتقالية كل صلاحيات الدولة؟

ومع ان لقاء جنيف الاخير لم ينته الى نتائج جديدة وفقا لما اعلن الابرهيمي من عدم اتفاق الطرفين الروسي والاميركي وان الحل للازمة السورية ليس في متناول اليد، فان رمزية التمسك الدولي باتفاق جنيف قبل اكثر من ستة اشهر اظهر الخطاب الاخير للرئيس السوري كأنه لم يكن او انه لم يحصل ولم يتم الاخذ بما قاله او بما حدده بمواصفات للحل الذي يراه. وهذا الامر في ذاته لا يعد مكسبا للرئيس السوري بل على النقيض رغم استمرار الخلاف على مصيره على رغم بروز ردود دولية قوية عليه من حيث رمزيتها ودلالاتها. اذ انه في مقابل محاولته تحديد شروط تعيد التفاوض على دوره في سوريا المستقبلية، فان توقيع 52 دولة عريضة تطالب مجلس الامن باحالة ملف الجرائم التي ارتكبت وترتكب في سوريا الى المحكمة الجنائية الدولية تعتبره المصادر المعنية وبصرف النظر عن قابلية مجلس الامن او عدم قابليته للبحث في هذا الموضوع راهنا ردا مباشرا وضغطا اضافيا على النظام السوري.

وفي مقابل رفضه المبادرات لتنحيه سلميا واتاحة المجال امام مرحلة انتقالية سلمية تزداد المطالبات الغربية بمحاسبته وصولا الى محاكمته. ففي هذا العامل الاخير مجموعة امور من بينها ان المسؤولية الاساسية عن الجرائم تحملها الدول الغربية المعنية - خصوصا سويسرا التي تولت اعلان العريضة الى مجلس الامن - الى الرئيس السوري ومحيطه المباشر، مما يعني طلب احالته مع هؤلاء الى المحكمة الجنائية الدولية وان لم تحدد العريضة ذلك صراحة.

يضاف الى ذلك ان الدول الغربية التي رفضت التهديد بمحاسبة الرئيس السوري حتى اليوم تاركة المجال امامه للتفاوض على خروجه السليم والآمن قد تجد نفسها مضطرة رغم مراعاتها روسيا في هذا الاطار، وعدم رغبتها في الوصول في سوريا الى مصير معمر القذافي في ليبيا الذي يعتقد انه لجأ الى تصعيد اخير نتيجة اقفال السبل امامه واحالته على المحكمة الجنائية الدولية، الى التلويح بهذا الخيار متى نفدت منها السبل للضغط على الاسد. بمعنى ان هذه الدول تضغط على الاقل ان لم يكن في اتجاه احالة الاسد على المحكمة الجنائية الدولية في ضوء دراسات وآراء تقول بعدم توافر الحظوظ لهذه الامكانية لكون سوريا غير موقعة على اتفاقية المحكمة، ففي اتجاه توجيه رسالة الى الاسد ان المجتمع الدولي لن يكون على استعداد للتعامل مع اي حل يبقيه في السلطة وفق ما جاء في مبادرته للحل، باعتباره مسؤولا وفقا لهذه الدول عن جرائم كثيرة في سوريا.

عود الى البدء اذاً، اي ما قبل خطاب الرئيس السوري، اقله على الصعيد الدولي مع توقع صعوبات في امكان الرئيس السوري التعامل مع هذه المعطيات التي اعادت تحديد موقف المجتمع الدولي من الازمة او مع الابرهيمي بناء على المواقف الاخيرة التي اطلقها الموفد الدولي، مما يعني تعقد الازمة اكثر فاكثر.

=================

النازحون السوريون ... من غضب النظام إلى غضب الطبيعة

الرأي الاردنية

 رولا فاضل

14-1-2013

عندما شاهدتُ بعض الصور والأفلام التي التُقطت لبعض النازحين السوريين في بعض دول الجوار خلال اليومين الماضيين بعد العاصفة الثلجية التي ضربت المنطقة، فهمت جيداً لماذا بكى أحد أصدقائي السوريين بكاء ً مرّاً في ذلك اليوم.

فهمت أن سبب بكائه الشديد هو حرقة ٌ نابعة ٌ من احساس بالألم بعد أن كان يتابع أخبار أبناء بلده في الداخل وفي ملاجئهم في الخارج. فهمت أن أطفال سورية يختبئون بين أكوام النفايات خوفا ً من قصف الطائرات وينامون في المقابر هربا ً من شبح الموت. فهمت أن آلاف السوريين مهددون بالجوع بسبب نقص الطعام، مهددون بالمرض بسبب نقص الاحتياجات الأساسية ومتطلبات الحياة ومهددون بالموت بسبب الصقيع ونقص مستلزمات التدفئة. فهمت أن السوريين الذين نزحوا من بيوتهم هربا ً من القتال و الدمار، ينزحون من خيامهم مرة جديدة بعد أن تسببت الرياح العاتية وغزارة الأمطار بدمار خيامهم واقتلاعها من أسسها وغرقها في مستنقعات وبحيرات من مياه الأمطار. فهمت أن خطر الموت الذي كان يهددهم في سورية كان أهون عليهم بكثير من ذلّ البرد والجوع والتشرّد.

ولكن ما لم أفهمه هو وقوف المجتمع الدولي بمن فيه الدول العربية، مكتوف الأيدي دون تحمّل أي مسؤولية جدية ودون قيامه بأي من الواجبات الانسانية الموكلة اليه؛ فاطلاق التصريحات والشعارات في الوقوف الى جانب الشعب السوري غير مجدية، ان لم تترافق أقلُه مع تقديم الدعم الحقيقي والصادق كالخدمات الأساسية للاجئين السوريين المقيمين في مخيماتٍ تفتقر إلى متطلبات الحياة الأساسية. ما لم أفهمه هو الخطاب الاعلامي الأميركي والأوروبي الجديد الذي يدعو الى حلول سياسية يتم التوافق عليها من قبل جميع مكونات الشعب السوري، بعد أن كان التهديد والوعيد من قبل هذه الأطراف بالتدخل العسكري ضدّ النظام في سورية سيّد الموقف. ما لم أفهمه هو استمرار التعزيزات العسكرية الروسية المتمركزة في طرطوس بعد أن كنا بدأنا نلمس تغيرا ً ملحوظا ً في موقف روسيا ازاء النظام السوري أخيرا ً. ما لم أفهمه هو استمرار تشبّث نظام الأسد بالسلطة برغم التضحيات والدماء التي يقدمها أبناء هذا الشعب الذي يثبت يوما ً بعد يوم أنه لن يستسلم قبل أن يستعيد كرامته، لأنها أعز ما يملك. ما لم أفهمه هو قيام المعارضة المسلحة بمثل ما يقوم به النظام وربما أسوأ، من تنكيلٍ و بطشٍ في حق شعب السوري وتصفية دمائه، واباحتها كل الوسائل من أجل الوصول الى السلطة. ما لم أفهمه هو تجرّؤ وزير الطاقة والمياه اللبناني جبران باسيل على استخدام تعابير لم ولن تقلل من شأن الشعب السوري الأعزل الذي يمرّ بمحنة يبكي عليها الحجر قبل البشر، والذي نزح الى لبنان فقط بسبب هربه من الحرب الدائرة في بلاده والذي من باب التذكير، لم يألُ هذا الشعب جهدا ً في استقبال النازحين اللبنانيين خلال الحروب التي مرّت على لبنان.

لم أعد أفهم ربما لتعدد أسباب تغيّر قواعد اللعبة الدولية؛ فربما بدأ اللاعبون الدوليون يحرصون أكثر على مصالحهم الاقتصادية والاستراتيجية أو ربما غيروا قواعد اللعبة خوفا ً من جدية انقسام المعارضة السورية واختلاف أهداف المعارضة المسلحة عن المعارضة «المنظّرة» من المنابر الخارجية.

ان تغيرت قواعد اللعبة أو لم تتغير، فثقافة القمع والدمار والموت ولغة الاذلال والاهانة هي السائدة في صفوف الشعب السوري الذي ان لم نستطع مساعدته بأيدينا فلنساعده بقلوبنا وأرواحنا وصلواتنا.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ