ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 17/01/2013


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

16-01-2013

دبلوماسية الإنسانية والحل في سوريا

المصدر: صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأميركية

التاريخ: 16 يناير 2013

البيان

يتركز الأمل في الوصول إلى إجماع دولي لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا، عادة على ما هو سياسي وعسكري، هل سيكون التحالف المعارض للرئيس السوري بشار الأسد بديلاً عملياً لنظامه؟ هل سيسيطر الثوار على مدينة كبرى؟ وقد أحبط انتظار إجابات على هذه الأسئلة، أولئك الذين يأملون في السلام والديمقراطية في بلد يبلغ عدد سكانه 23 مليون نسمة، ويقع في قلب الشرق الأوسط.

ولكن كما يحدث في بعض الأحيان في الصراعات، فإن الإجماع يمكن الوصول إليه بسهولة أكبر، عندما تكون هناك صيحة تطلق من أجل المساعدة الإنسانية. وعندئذ فإن الاستجابة الجمعية والمتعاطفة لهذه الصرخة، توفر مدخلا لمناقشة القضايا الصعبة حقاً.

وقد حذرت الأمم المتحدة مؤخرا، من أن مساعداتها الأخيرة لم يعد بمقدورها الوصول إلى حوالي مليون سوري شردهم القتال داخل بلدهم. ومع حلول الشتاء وارتفاع أسعار الخبز إلى ستة أضعاف معدلها العادي، فإن هذه الصرخة لا ينبغي تجاهلها من قبل الدول التي تتصارع حالياًَ حول مستقبل سوريا.

ويصل الدعم الدولي في الوقت الحالي، إلى ما يزيد على 600 ألف لاجئ سوري في تركيا والأردن ولبنان. وفي المناطق التي يسيطر عليها الثوار على امتداد الحدود التركية، فإن ما يشبه الخدمات يجري تقديمه، ولكن الطريقة الوحشية التي يواصل بها الأسد شن هجماته على المناطق المؤيدة للديمقراطية، بما في ذلك قصف المخابز بالطائرات، قد أسفرت عن سعي 2.5 مليون شخص إلى ملاذ آمن في مناطق أخرى من بلادهم، وفي الوقت الحالي.

فإن حوالي نصفهم موجودون في مناطق أكثر خطورة من أن يصل إليها برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة والمنظمات السورية التي تتعاون معه. وبأي معيار دولي، فإن هذا الشعب الذي شرد الكثير من أبنائه، لا ينبغي السماح بأن يصبح أبناؤه ضحايا للإهمال من جانب القوى الخارجية التي لديها القدرة على مساعدتهم.

ونوعية الكارثة ذاتها التي حذر الكثيرون من حدوثها إذا تدخل الغرب في سوريا، تحدث الآن لأنه لم يتدخل، على نحو ما قال عضو مجلس الشيوخ الأميركي جون ماكين. وينبغي للكارثة الإنسانية على الأقل أن تفرض ضغطاً على الغرب.

وعلى العرب كذلك، للتعجيل بالجهود نحو تولي التحالف الوطني السوري للمسؤولية في المناطق التي يسيطر عليها الثوار، وشرعية النظام يمكن كذلك تقويضها من خلال الاعتراف بهذا التحالف باعتباره ممثلاً لسوريا في العواصم الأجنبية.

وقد بزغ وهج أمل أخيرا، عندما أطلق نظام الأسد سراح ما يزيد على 2000 سوري، مقابل الإفراج عن 48 إيرانياً كانت قوات الثوار تحتجزهم. وكانت تلك هي أول عملية تبادل للأسرى منذ بدء الانتفاضة السورية في مارس 2011، وهي تمثل نوعية الدبلوماسية الإنسانية التي يمكن أن تفضي إلى إنجازات في مجالات أخرى، وقد ساعد القادة في تركيا وقطر على إنجاز هذه المبادلة من خلال التوسط في إتمامها.

ويوضح مثل هذا النهج المتعاطف، كيف تمكن معالجة الانتقال في مرحلة ما بعد الأسد، وقد يساعد في تقليص أولئك الذين لا يرغبون في معارضة النظام داخل سوريا خوفاً على المستقبل.

========================

الأخضر الإبراهيمي ..وسوريا ما بعد الأسد

المستقبل

خيرالله خيرالله

16-1-2013

مخطئ من يعتقد انه كان على الاخضر الابراهيمي، منذ البداية، اتخاذ موقف واضح من نظام بشّار الاسد. ما لا يمكن تجاهله أن الاخضر الابراهيمي وسيط قبل اي ّ شيء آخر. ولأنّه يعرف ذلك جيّدا، سعى، في تعاطيه مع الرئيس السوري، الى التمسّك بالصبر الى حدّ يفوق قدرة أيّ مخلوق ينتمي الى طينة البشر على تحمّله.

بدا الاخضر في سياق مهمته السورية وكأنّه رفع شعار: صابر حتى يعجز الصبر عن الصبر. ولا شكّ أنّ الكلام الاخير الصادر عن مبعوث الامين العام للامم المتحدة والامين العام لجامعة الدول العربية يدلّ على أنّ الرجل يتصرّف كوسيط حقيقي انحيازه الوحيد لمستقبل الشعب السوري والمحافظة على ما بقي من الدولة السورية. فما الذي يضمن انقاذ سوريا غير رحيل النظام الحالي والانتقال بالبلد الى مرحلة جديدة يستعيد فيها وضعه الطبيعي؟

يبدو أنّه توصل الى هذه الخلاصة في ضوء تجربته الاخيرة مع النظام السوري، هو الذي سبق له التفاوض في الماضي مع شخصين يتمتعان بكل صفات الديكتاتور هما صدّام حسين وحافظ الاسد ووجد ان الرجلين مثلا اصعب تحديين واجههما في حياته الديبلوماسية التي يزيد عمرها على نصف قرن.

كان طبيعيا صدور تصريحات وبيانات عن النظام السوري تهاجم الاخضر. ربّما كانت العبارة الاهمّ التي خرج بها المبعوث الدولي- العربي هي أنّ النظام لم يقطع الجسور معه على الرغم من اتهامه بـ"الانحياز الى المتآمرين على سوريا". وهذا يعني أنّه سيكون قادرا على متابعة مهمّته بغض النظر عمّا اذا كانت هناك فرص نجاح من نوع ما متوافرة لها.

حافظ الديبلوماسي الجزائري على هدوئه ورفض السقوط في فخ نصبه له النظام الذي كان يريد منه سحب وساطته. في الواقع، كان النظام السوري يفضّل عدم حضور الوسيط الدولي- العربي الى دمشق اواخر الشهر الماضي للاجتماع بالرئيس السوري.

في كلّ الاحوال حقق الاخضر اختراقا في غاية الاهمّية. يتمثّل هذا الاختراق في كشف النظام السوري على حقيقته. كشف بكلّ بساطة ان بشّار الاسد يرفض التعاطي مع الواقع ومع ما يدور حقيقة في سوريا. لا يزال يخلط بين النظام وسوريا، علما أنّ النظام الذي ورثه عن والده لا يمتلك شرعية من ايّ نوع كان نظرا الى أنّه نظام قائم على اجهزة امنية وضعت في خدمة عائلة معيّنة تعتبر سوريا مزرعة لا اكثر.

يبدو واضحا أن هدف النظام اقناع العالم بأنّ نهايته تعني نهاية سوريا. وهذا ما يرفضه كلّ من يمتلك حدا ادنى من المنطق والشعور الوطني من المحيط الى الخليج، بمن في ذلك الاخضر الابراهيمي...

أذا اخذنا في الاعتبار الحالة المرضية التي يعاني منها النظام السوري، يمكن القول إنّ الاخضر الابراهيمي، باصراره على متابعة مهمّته، أنما يتلو يوميا فعل ايمان بسوريا وامكان انقاذها. كلّ ما فعله الى الآن هو محاولته الذهاب الى النهاية في اقناع بشّار بأن هناك شيئا اسمه "سوريا ما بعد الاسد" وأن بلدا مهما مثل سوريا ليس مرتبطا بمصير عائلة تعتبر ان السوريين عبيدا لديها. نعم، هناك "سوريا ما بعد الاسد"، اي هناك حياة اخرى لسوريا بعد رحيل بشّار الاسد. ربما كان ذلك التحدي الاهمّ الذي يواجه المبعوث الدولي- العربي.

كان الاسد الابن يفضّل عدم مجيء الاخضر الى دمشق عن طريق بيروت. كان يعرف أنّ مجرد قدومه عبر مطار العاصمة اللبنانية، اي مطار رفيق الحريري، سيفرض عليه الاعتراف بأنّ نظامه لم يعد قائما. إنه يرفض أن يطرح على نفسه السؤال البديهي الآتي: كيف يمكن لنظام أن تقوم له قيامة بعد فقدانه السيطرة على مطار العاصمة وكلّ المطارات المهمة الاخرى في مختلف انحاء البلد؟ ولذلك، لجأ الرئيس السوري الى كلّ ما يستطيع من اجل تأجيل زيارة الاخضر، خصوصا بعدما تبيّن أنه سيسلك طريق بيروت- دمشق.

فشل اوّلا في اعادة فتح مطار دمشق على الرغم من تبرّع عدد لا بأس به من ضباط الحرس الجمهوري في انجاز هذه المهمّة. ورضخ اخيرا للامر الواقع بعد ضغوط روسية مورست عليه من منطلق أن ليس من مصلحته تدمير كل الجسور مع المجتمع الدولي وأنّ تصرفا من هذا النوع سيضعف موقف موسكو على غير صعيد.

كانت زيارة الايراهيمي الاخيرة لدمشق بمثابة فضيحة للنظام السوري. كان تصرّف الاسد الابن تأكيدا لأنّ النظام لا يعرف سوى ممارسة لعبة الهروب الى امام بدل التعاطي مع موازين القوى على حقيقتها ومع ما يدور فعلا على الارض.هل كان كافيا أن يتصرّف الرئيس السوري مع المبعوث الدولي- العربي وكأنّ لا شيء يحدث في سوريا كي يقتنع الاخير بأن الشعب السوري الثائر مجموعة من "الارهابيين"؟

لم يعد مهمّا نجاح وساطة الاخضر او فشلها. ما حققه الى الآن، عن طريق الديبلوماسية الهادئة والتكتم الذي اثار كثيرين، مهمّ جدا بكلّ المقاييس. استطاع الرجل نقل الازمة السورية الى مرحلة جديدة. تختصر هذه المرحلة، التي لا تزال موسكو تعترض عليها، بأنّ لا مفرّ من مرحلة انتقالية من دون الاسد الابن وآل الاسد. هل يكون في استطاعته الابقاء على سوريا موحدة في حال اتيح له متابعة مهمّته التي لم يوجد في البداية، وحتى في يومنا هذا، كثيرون يعلقون عليها ايّ أمل؟

من الواضح أنّ الاخضر الابراهيمي، الذي يحب سوريا والسوريين ويرفض المزج بين سوريا والنظام، يمتلك من المعطيات بما يجعله يتابع مهمته. يبدو أن فكرة سوريا ما بعد الاسد تستأهل العمل من اجلها، او اقلّه بعض الجهود الديبلوماسية.

===================

الإبرهيمي نهاية وساطة أم وسيط؟

راجح الخوري

2013-01-16

النهار

اذا كان الاخضر الابرهيمي قد أصبح كما يقول النظام السوري بعد ستة اشهر على مهمته اليائسة: "مجرد سائح يحمل ملامح معمّر هرم، ووسيط مزيف يقوم بمهمة فاشلة، وطرف وليس وسيطاً بات في كل الاحوال خارج الحل السوري"، فلا ندري ما الجدوى من صمت هذا الديبلوماسي الجزائري المخضرم، الذي يعض على جروحه منذ ستة اشهر فلا يستقيل من "المهمة المستحيلة" كما وصفها منذ البداية؟

ولا ندري ما الجدوى من تقديمه تقريراً في 29 من الجاري الى الامم المتحدة ومن ورائها طبعاً اميركا وروسيا، اللتان تعاملتا معه منذ ايلول الماضي على انه مجرد ممسحة يستعملانها لإخفاء عجزهما او بالأحرى تآمرهما على سوريا والسوريين؟

ما يفرضه المنطق على الابرهيمي هو تقديم استقالة غاضبة ومعللة، لا تتوقف عند كشف انخراط النظام في حمّامات الدم التي أودت حتى الآن بأكثر من ستين الف قتيل، في وقت يستمر دك المنازل بالقنابل الروسية تلقيها مقاتلات الرفيق سيرغي لافروف المبتسم حتى آخر قطرة دم في سوريا، بل تكشف ايضاً سخافة جامعة نبيل العربي العاجزة إلا عن استطلاع اوضاع اللاجئين السوريين بعد الصراخ اللبناني اخيراً، كما تكشف تفاهة مجلس الامن وقد تركته واشنطن رهينة "الفيتو" الروسي الذي يخفي في الواقع نوعاً من انخراط البلدين الوقح في رقص "التانغو" على قبور السوريين!

يجب الا ينهي الابرهيمي حياته الديبلوماسية بالصمت عن الحقائق التي افشلت مهمته، فهو لم يفشل بل كان اكثر جرأة وصراحة من سلفه كوفي انان الذي توارى مع نقاطه الست من دون ان يقول كلمة، في حين وضع الابرهيمي نقاطاً على حروف مهمة وكثيرة تتصل بعمق الازمة السورية، وذلك عندما "تجرأ" وطرح مسألة الانتقال السياسي وفاتح الاسد بموضوع ترشحه للإنتخابات وهو ما اعتبره النظام "وقاحة" فأنهى اللقاء معه كما أعلن النظام، الذي يريد تحميله مسؤولية الفشل لأنه يرفض بالمطلق الانتقال السياسي، معتمداً على الدعم الروسي والايراني والصيني وعلى التغاضي الاميركي وعلى التقصير العربي الفاضح.

يجب الا ينتهي الابرهيمي كما انتهى انان، شبح واختفى من دون ان يقول شيئاً، وخصوصاً ان الاسد اطلق رصاصة الرحمة على مهمته قبل ان يصل الى دمشق في رحلته الثالثة عندما تركه ينتظر ثمانية ايام في القاهرة ليحدد له موعداً ثم اكثر من ساعة في البهو ليطل عليه، فما كاد يطرح موضوع الانتقال السياسي والانتخابات حتى وقف الاسد منهياً المقابلة والوساطة ايضاً!

ولكن هل من العدل والمنطق ان تنتهي حياة الابرهيمي الديبلوماسية مع انتهاء تلك المقابلة التعيسة؟ واذا كان "حكم اسرة لمدة 40 عاماً اطول مما يجب" كما قال، فلقد صمت هو اكثر مما يجب!

========================

ما سر هذا السكوت على المجازر اليومية في سورية ؟!

سيستمر هذا السكوت حتى وإن استخدم السلاح الكيماوي عيانًا، بل سيستمر حتى تصبح سورية كلها أرضًا خرابا لا تقوم لها قائمة

المدينة

أ. د. محمد خضر عريف

الأربعاء 16/01/2013

عامان تقريبًا مضيا على اندلاع الثورة المباركة في سورية، وخلال هذين العامين لم يتوقف ولو ليوم واحد القتل والترويع والتشريد والتدمير الذي تمارسه آلة الفتك الحكومية بحق شعب أعزل، أعزل من كل شيء من السلاح أولًا، ومن لقمة الخبز ثانيًا، حتى أن آخر ما درجت عليه قوات البغي والعدوان هو قصف صفوف المواطنين عند المخابز عن عمد، كما حدث قبل أسبوعين أو يزيد من قتل ما يزيد عن مائتين من الأبرياء عند المخبز الوحيد في حلفايا، لكي لا يبقى لهم مورد للقمة الخبز، وحصل بعده مباشرة قصف مخبزًا آخر أدى إلى قتل العشرات، وأمام المجزرتين المروعتين، لم يكن من الحكومة الأمريكية إلا أن استنكرت كالعادة بأخف وألطف عبارات الاستنكار، وجاء على لسان أحد مسؤوليها: (لأن نظامًا يقوم بهذه الممارسات، لا يمكن أن يكتب له البقاء). هكذا..وكأن هذا النظام إن لم يقصف المخابز يمكن أن يكتب له البقاء، وبعد أن تهدد الرئيس الأمريكي وتوعد بالثبور وعظائم الأمور إن أقدم من يسمى بالأسد على استخدام الأسلحة الكيميائية، بحيث إن أمريكا ستتدخل في تلك الحالة، ها نحن نرى النظام المجرم يقدم على استخدام بعض الغازات السامة ضد المدنيين، دون أن تحرك أمريكا ساكنًا، بل على العكس من ذلك، تزامن استخدام الغازات السامة مع تصريح إسرائيلي رسمي بأنه (لا خطر من الأسلحة السورية الكيميائية)، خلاف ما كان يقال سابقًا، ولعل المقصود: أن لا خطر على إسرائيل بالطبع، ولا ضير في أن يستخدم نظام الحكم السوري السلاح الكيماوي ضد شعبه وأن يرشه كما ترش الحشرات، وهذا الموقف الأمريكي والإسرائيلي مفهوم، فالمسمى بالأسد كان ولا يزال الحليف الأول لإسرائيل في المنطقة، وكان يحقق لها الأمان سابقًا بحراسة حدودها على مدى أربعين عامًا، وها هو يحقق لها الأمان مجددًا بتصفية أكبر عدد ممكن من السوريين الشرفاء من أهل السنة فقط بالطبع، من الذين يمكن أن ينتفضوا على إسرائيل بعد سقوط النظام الآثم، ولكي يترسخ هذا الأمان لإسرائيل بعد رحيل هذا النظام أكثر فأكثر، لابد من أن تدمر كل مقومات الحياة في سورية، بحيث لا يبقى حجر على حجر في أي مدينة أو قرية سورية، وهيهات أن يتمكن الثوار بعد انتصارهم من أن يعلنوا الحرب على إسرائيل ولو بعد خمسين عامًا، والأمر الآخر أن النظام الحاكم يعني أن يبدد كل الأسلحة التي لديه باستخدامها ضد الشعب الأعزل، بحيث لا يجد الثوار بعد انتصارهم المحقق أي شيء متبقٍ منها يمكن أن يغنموه ليكون نواة لجيش قوي جديد يمكن أن يحارب إسرائيل أو أن يصفي حسابات مع حزب الله في لبنان، وإعادة بناء جيش قوي بعتاد عصري فعال يحتاج إلى أكثر من خمسين عامًا أيضًا تكون كافية لترسيخ أقدام إسرائيل أكثر فأكثر في المنطقة، وتضمن الأمان لفئة باغية من غير أهل السنة في المنطقة من العلويين وأشياعهم، وبوضع كل تلك الاعتبارات في الحسبان يصبح واضحًا سر هذا السكوت المشين من قبل القوى العالمية المختلفة على جرائم النظام الآثم في سورية، وسيستمر هذا السكوت حتى وإن استخدم السلاح الكيماوي عيانًا بيانًا، بل سيستمر حتى تصبح سورية كلها أرضًا خرابًا يبابًا لا تقوم لها قائمة، وبدل أن تجفف منابع التسلح المتاحة لنظام مجرم سفاح قاتل، نجد المزيد من التسليح له في كل يوم، كما أعلن قبل فترة قصيرة من تدعيم روسيا للدفاعات الجوية السورية، بحيث تكون جاهزة للتصدي لأي هجوم خارجي، مع أن هذا الهجوم لا يمكن أن يأتي من أي مكان، وليس هناك أي تلميح به قبل أن يكون هناك تصريح، وعليه فإن مهمة الإبراهيمي التي وصفت بأنها لم تكن إلا لتأمين نظام الأسد لم تنجح، ولأن المسمى بالأسد ضامن لأمنه وأمانه من قوى بالشرق والغرب، وعامل آخر قد يكون سببًا في هذا السكوت المريب على هذه المجازر اليومية أن القوى الشرقية والغربية تعلم حق العلم أن البديل القادم للحكم في سورية لن يكون إلا إسلاميًا، وإسلاميًا سنيًا على وجه التحديد، وهو ما لا تريده هذه القوى، كما صرح بذلك أحد المسؤولين الروس حين قال: (لن نسمح بقيام دولة سنية في سورية)، وقال في مناسبة أخرى: (لا مانع من قيام دولة علوية بديلة في سورية)، فليست مواقفهم خفية أو غير معلنة، بل هي ماثلة للعيان دون أي شك أو ريب أو احتمالات أخرى.

ولكن ما يغيب عن هؤلاء جميعًا أن الله قادر على نصر هؤلاء الصامدين الصادقين، حتى لو تخلى عنهم العالم كله، وقد تخطئ حسابات هذه القوى جميعًا أمام إرادة الشعوب التي انتصرت في دول أخرى مجاورة، وإلى أن يتحقق هذا النصر لا نملك إلا أن ندعو لإخوتنا في سورية بأن يفرج الله كربتهم، ويعجل بنصره لهم، ويعيد لشامنا الحبيب عزته ومنعته.

 

========================

المالكي على خطى الاسد؟

2013-01-15

عبد الجبار الجبوري

القدس العربي

 ألقت الأحداث التي تشهدها سوريا على يد بشار الاسد من قتل وتهجير وتدمير وإعدامات فورية في الميدان، وقصف عشوائي بالطائرات والصواريخ على الأحياء المدنية لقتل السكان المدنيين، ألقت بظلالها على انتفاضة وثورة العراقيين، التي عمت اغلب محافظات العراق، مطالبة بالإصلاح والتغيير وإنهاء المحاصصة الطائفية والإقصاء والتهميش وإلغاء قرارات الحاكم المدني الأمريكي سيىء الصيت بول بريمر(4ارهاب والمسائلة والعدالة)، من حيث مواجهة المالكي لثورة الشعب العراقي ،حيث وصفها بـ(النتنة والفقاعة والطائفية)، في حين قامت قوات الجيش بأوامر من المالكي نفسه بقمع هذه الثورة على الظلم والطغيان والاستبداد، بمنع المتظاهرين من التظاهر وغلق ساحات التظاهر في نينوى والانبار وسامراء والاعتداء على المتظاهرين واعتقالهم وقسم منهم علماء ورجال دين وطلبة، بل وذهب ضحية هذا استشهاد الطفل عبد الرحمن خالد ابن كبير مرافقي رئيس مجلس النواب العراقي، ثم هدد المالكي بإنهاء المظاهرات فورا وبالقوة إذا لم تتوقف، وها

هي قواته تنفذ هذا التهديد في نينوى حيث قامت القوات الخاصة (سوات والفرقة الذهبية) بغلق ساحة الأحرار ومنع المتظاهرين من دخولها بالرغم من أن محافظ نينوى قام شخصيا بفتحها إلا أن نائب قائد عمليات نينوى رفض هذا الإجراء معنفا المحافظ بقوله (إنني أنا القانون) بعد أن حاججه المحافظ بان الدستور يسمح بالتظاهر السلمي ولا يجوز قمع المظاهرات، مما زاد من احتقان الموقف ويهدد بالانفجار الشعبي بأية لحظة، وهكذا الحال في بقية المحافظات المنتفضة ضد حكومة الفساد والطائفية والإقصاء والتهميش والاستبداد الطائفي المقيت، حتى أن دولة القانون هددت مجلس النواب بحل البرلمان والحكومة والرئاسات الثلاث، في حال استمرار المظاهرات ودعمها من قبل بقية الكتل المقصية من العملية السياسية مثل التحالف الكردستاني والعراقية والتيار الصدري وغيرهم ،وهكذا يواجه نوري المالكي الشعب في سيناريو مشابه للذي ينفذه بشار الاسد مع شعبه تماما، ونحن قادمون على أسوأ من هذا أمام إصرار المالكي على تنفيذ إجراءاته تحت أسوء قوانين العصر الإجرامية (قانون 4 إرهاب والمسائلة والعدالة )، مع إبقاء مئات الألوف من السجناء والسجينات والمعتقلين الأبرياء في سجون الحكومة السرية والعلنية، فهل يستطيع المالكي السير في هذا السيناريو المدمر الى النهاية؟ بالرغم من حراك جماهيري واسع ودعم لا محدود سياسي وشعبي للمظاهرات السلمية العراقية واعتراف أقطاب العملية السياسية بشرعية مطالب الجماهير، ومنهم التحالف الكردستاني والعراقية والتيار الصدري، في وقت تحاول دولة القانون وأعضاء حزب الدعوة بتشويه هذه المظاهرات وإفراغها من محتواها السلمي والشعبي الى وصفها زورا وبهتانا (بالطائفية والبعثية والإرهابية والنتنة والفقاعة)، إننا إزاء مفترق الطرق، فإما الذهاب الى حرب طائفية مدمرة اشد وأقسى من ما حدث في عامي (2005-2006-2007)، (وهو المنظور مع الأسف)، بسبب إصرار دولة القانون وحزب الدعوة وقسم من أعضاء التحالف الوطني لعدم تلبية مطالب الشعب العراقي الثائر ضد الظلم والاستبداد الحكومي الطائفي، إذن سيناريو بشار الاسد في قتل وتدمير شعبه ممكن أن يتكرر بهذا الإصرار وملامحه واضحة أمامنا، ففي غياب رئيس الجمهورية والتحالف الكردستاني والعراقية والتيار الصدري عن المشهد الحكومي، وتفرد رئيس الوزراء بوصفه القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع ووزير الداخلية ورئيس الأمن الوطني، وبيده الملف الأمني والأجهزة الأمنية والعسكرية بالقرار الحكومي مع ضعف مواجهة هذه الأطراف، جعل من قيام دكتاتورية طائفية أمرا مؤكدا على الأرض، تقودنا الى حرب أهلية مؤكدة، هذا التفرد الطائفي يقابله سكوت إدارة اوباما والأمم المتحدة ومجلس الأمن، الذي من واجبه حماية الشعب العراقي من القتل والتشريد والتهجير الطائفي، وغياب العدالة وحقوق الإنسان العراقي لان العراق مازال تحت البند السابع الذي يضمن له الحرية والعدالة وحقوق الإنسان والدفاع عنها من أية جهة كانت، علما إن أكثر من جهة دولية اعترفت بانتهاك حقوق الإنسان في العراق (منظمة العفو الدولية لحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني العالمية)، حتى إن الانتربول الدولي أوقف تعامله مع حكومة المالكي لهذا السبب، فلماذا هذا السكوت المخزي لإدارة اوباما ومجلس الأمن والأمم المتحدة (ماذا يفعل مارتن كوبلر إذن في العراق)،هذا الوضع الخطير في العراق هو جزء من انعكاس الأوضاع والأحداث في سورية والتي تشارف على انتصار الشعب السوري في القضاء على نظام بشار الاسد الدموي، والذي وصل الى نهاياته الأخيرة بالرغم من إسناد ودعم حكام طهران له، وهو نفس الدعم الذي تلقاه حكومة المالكي منهم، وفضائح الحكومة في أكثر من قضية تؤكد هذا الدعم العسكري والسياسي واللوجستي والديني في الشحن الطائفي، لإبعاد ايران عن المواجهة مع الغرب بسبب برنامجها النووي العسكري، وإشغالهم في مناطق أخرى في العالم (اليمن البحرين العراق سورية لبنان وافغانستان)، الآن المشهد العراقي يزداد قتامه وظلاما دامسا أمام العراقيين في ظل إصرار المالكي على تكرار سيناريو بشار الاسد في قتل وقمع

الشعب في غضبته العارمة ضد طغيان واستبداد الحكومة الطائفي.. نعم المالكي على خطى بشار الاسد.. حفـــــظ الله شعب العراق من شر الأشرار وظلم الدكتاتورية الطائفية المقيتة.

========================

استحالة التدخل العسكري في سورية

2013-01-15

ربحي شعث

القدس العربي

 يبدو أن التطورات الميدانية التي بدأت تميل على الأرض لمصلحة المعارضة المسلحة في سورية منذ شهور قد إستدعت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التحرك إعلامياً وسياسياً وعسكرياً للحئول دون تسجيل إنتصارات متزايدة للمعارضة وسيطرتها على الأرض في لعبة تكشف المزيد من التواطىء من تلك الدول ضد الشعب السوري الذي يتعرض إلى شتى أنواع الإنتهاكات الحقوقية والإنسانية على مدى مايقارب السنتين التي لطالما نادى بها الغرب وتبناها زوراً ونفاقاً.

هذا التحرك بدأ مع حصول الجهات المُخابراتية الغربية على تقارير ميدانية تفيد بأن المعارضة المسلحة ذات التوجه الإسلامي هي صاحبة الإنجازات الأكبر في تكبيد نظام الأسد الخسائر في الأرواح وفي المواقع العسكرية، فكانت الخطوة الأولى هو ضرورة التخلص من سيطرة المجلس الوطني السوري على الصعيد السياسي بحجة أنه لايمثل كل الشعب والطلب بوجود جسم آخر يتحمل مسؤوليات المرحلة القادمة المُخطط لها مُسبقاً.

الولايات المتحدة الأمريكية إتخذت الشرق الأوسط كحظيرة إختبار تجرب فيها قوتها العسكرية وفي كل تجربة تكتشف النتيجة نفسها وهي الهزيمة لكنها يبدو أنها تفتقد إلى المعايير الحقيقية في طريقة التعامل مع الشرق الأوسط والوطن العربي خاصة فبعد الهزائم التي تكبدتها في الصومال والعراق وأفغانستان فإنها مازالت تُراهن على نصر ما في بلاد أخرى عربية تحت نفس المبررات.. إرهاب أو أسلحة دمار، أخطأت أمريكا في التقدير بأن الربيع العربي قد يكون لصالحها وأن وقاحتها قد تُبرر في البلاد الثائرة فتلقت ضربة في مصر وليبيا مرة أخرى.

إن الإعلام الغربي بدأ بالحديث عن تجهيزات وإستعدادات عسكرية غربية وخاصة أمريكية لشن هجوم ارادعب على نظام الأسد بحجة إمكانية إستخدامه أو نقله لأسلحة كيماوية بالتزامن مع تحذيرات لمسؤولين عسكريين غير مبررة وغير مقنعة فبدأ بنصب بطاريات الباتريوت وإستقبال الأراضي التركية والأردنية لجنود أمريكيين وأوروبيين عسكريين وكان آخرها في إستفزاز الشعوب الحرة والشعب السوري الثائر بإدراج جبهة النصرة الإسلامية المُعارضة على لائحة الإرهاب الأمريكية فاتحاً بذلك منفساً لنظام الأسد أن يقتل أكثر وأكثر بحجة محاربة القاعدة. إن هذا الغرب لم تتحرك مشاعره أمام آلاف الشهداء من الشعب السوري ولم يتحرك أمام مشاهد الأطفال المُكبلة والمذبوحة أمام أمهاتهم. ولم يحرك ساكنا أمام آلاف النازحين والمُحاصرين الذين يأكلهم الألم والجوع والمرض ولا يأكلون ولم يتدخل.لم تكن هُناك خطوط حمراء أمام الإبادة الجماعية على مدى سنتين. لكن عندما شعر بأن القوة الإسلامية بدأت تدك معاقل نظام الأسد بقوة بدأ بإثارة موضوع السلاح الكيماوي بأسلوب يحرّض النظام على إستخدامه كي يتدخل لا من أجل الشعب ولا من أجل الديمقراطية ولا الحرية ولا لدعم أي منهم بل لإكمال مهمة التدمير وإضعاف الدولة كي تقتات أمريكا على مادمره نظام الأسد لعشرات السنوات القادمة.

التدخل العسكري كان مطلباً شعبياً بلاشك في بداية الإنتفاضة وقد تجاهل العالم كله هذا الطلب 'والحمدلله' ومن ثم اقتصر الطلب على التدخل الجوي ومنطقة عازلة ورفض العالم ذلك أيضاً والحمدلله إلى أن بدأت المُعارضة المسلحة بالتوحد والتماسك والتنسيق مع امتداد زمن الإنتفاضة فاقتصر الدعم بعد ذلك على أسلحة خفيفة ومعدات لوجوستية من بعض الدول الداعمة للشعب والمؤثرة. لكن بالتأكيد فإن أي تدخل عسكري الآن بأي حجة كانت سيكون بمثابة عدوان أجنبي سيواجهه السوريون بشراسة لاتقل شراسة عن مايواجهه نظام الأسد، لذلك فهو لم يعد مطلباً شعبياً ولا حتى سياسياً كما أكد على ذلك السيد جورج صبرا رئيس المجلس الوطني السوري والسيد معاذ الخطيب رئيس الإئتلاف السوري، وعلى الدول العربية التي أرهقتنا شجباً وتنديدا أن لاتكرر الخطيئة الكبرى التي أخطأتها في حق عراقنا الذي تبكيه الأمه العربية بعدما قسمه الإحتلال الأمريكي فأصبح لقمة سائغة لإيران التي تحترف اللعب على حبل الطائفية ويتوجب على تلك الدول على الأقل رفض أي تدخل وتدع الشعب السوري يسطر الإنتصارات التاريخية بمسلميه ومسيحييه لوحده كي ننتقل إلى رحلة إستعادة الكرامة.

========================

الأسد أقوى رجل في العالم

محمد كريشان

2013-01-15

القدس  العربي

موتوا جميعا بغيظكم... أنا الأسد الذي لا يقهره أحد، ولولا بقية حرص على تجنب الرمي بالكفر لقلت: ولم يكن له كفؤا أحد.

أنا لست جبانا كابن علي حتى أهرب، ولا معتوها كمبارك كي أتنحى، ولا أرعن كالقذافي حتى أفشل في التواري عن الأنظار، ولا رخوا كصالح حتى يضحك علي الخليجيون بمبادرة تخرجني من السلطة. أكثر من ذلك، أنا لست كحاكم صربيا سلوبودان ميلوسيفتش يموت كمدا وراء القضبان، ولا أنا كتشارلز تايلور رئيس ليبيريا يحكم عليه مؤخرا بخمسين عاما بتهمة الإبادة. لا..لا.. أنا من طينة أخرى مختلفة تماما، لا أعبأ بشيء ولا يخيفني شيء.

من مثلي يقف العالم كله عاجزا على فعل أي شيء حياله؟ صحيح أن معي روسيا والصين وإيران، ولكن العصابات الإرهابية التي تحاربني يقف معها كل من الولايات المتحدة وأوروبا ومنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية والجمعية العامة للأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية، وتنفق عليها بسخاء قطر والسعودية وتسهل تركيا دخولها البلاد. كل هؤلاء لا يحركون فيّ ساكنا، فالشعب شعبي وأنا حر فيه. وشعبي هذا مخير، على كل، بين أن يكون معي فيقتله الجيش الحر والجماعات التكفيرية التي تسللت إلى البلاد من كل أصقاع العالم، أو أن يكون ضدي فتتكفل بقتله طائرات الميغ ومدافع الدبابات والبراميل، التي سأطالب المجتمع الدولي بتسجيلها باسمي كملكية فكرية لا يتجرأ على منازعتي فيها أحد.

لا يهمني ما يسمى المجتمع الدولي، فإسرائيل ليست أحسن مني حتى تضرب عرض الحائط بكل القرارات الدولية ومع ذلك لا يقترب منها أحد، ولا تهمني أكثر من 50 دولة من أنحاء العالم، من بينها عدة دول أعضاء في مجلس الأمن طالبت رئاسة هذا المجلس بإحالة الملف السوري إلى النائب العام لدى محكمة الجنايات الدولية.

لا يهمني أوباما الذي بدا عاجزا وتائها أمام إصراري وتمسكي بنهج المقاومة ضد إسرائيل ورفض كل المشاريع الاستسلامية التي تريد فرض هيمنة أمريكية على المنطقة. صحيح أنني لم أحارب إلا الفلسطينيين واللبنانيين ولم أقصف بالطائرات والدبابات سوى مواطني الأعزاء في مختلف المدن السورية، ولكن هذا تفصيل غير ذي شأن طالما أن العالم ما زال فيه من الحمقى من يؤمن بأني نظام ممانع ومقاوم.

لم يستطع أوباما هذا ومن لف لفه من قادة أوروبا العجوز والمتآمرين العرب أن يهزوا قيد أنملة من تصميمي على البقاء، وكذلك هيئات المعارضة العميلة التي لم تفلح في شيء فلاحها في عقد المؤتمرات وإصدار البيانات.

ستون ألف قتيل في بلادي إلى حد الآن... وهل هذا رقم كبير أمام الذي قتله مثلا بول بوت في كمبوديا في أربع سنوات فقط من حكمه، أواسط سبعينات القرن الماضي وقد تجاوز المليونين... أو من سقطوا في رواندا وقد ناهزوا المليون في تسعينات القرن الماضي؟ علي التفوق على إسرائيل حتى في عدد من قتلتهم من السوريين ومن العرب جميعا في كل حروبها. ستون ألفا فقط ! إذن رجاء لا تهولوا ولا تشوهوا حتى إن تهدمت مدن بكاملها ونزح الملايين داخل البلاد ولجأ إلى خارجه مئات الآلاف يبيتون في العراء وسط هذا البرد الشديد. المهم انني وأسرتي ودائرتي الضيقة المخلصة نتمتع بالدفء ووافر الطعام، بحيث لا نضطر إلى التجمهر أمام المخابز فنقصف ونموت.

أنا رجل وطني صلب لا أنحني أمام مؤامرات الأعداء والخونة. يمكنني كذلك إلقاء خطب طويلة واثقة أمام عشاقي في الأوبرا فأقدم مقترحات تسوية كرما مني وعطفا، بل وألقي هذه الخطب وخلفيتي من فسيفساء تجمع على علم البلاد صور ضحايا سقطوا في المؤامرة الكونية على بلدي. للأمانة لم أسأل إن كان هؤلاء ممن قتلهم جيشي الباسل أو قتلتهم العصابات المسلحة.. لا يهم.. وهل هناك من سيدقق في ملامحهم ويسأل عن أسمائهم من يهتم؟!

لولا أنني لا أحب التشبه بالقذافي لقلت لكم وللعالم جميعا بصريح العبارة: طز!

========================

«سورنة» العراق، بعد «عرقنة» سوريا *

عريب الرنتاوي

الدستور

16-01-2013

مع اندلاع الأزمة الوطنية العامة في سوريا، حذرنا كما حذر غيرنا، من المخاطر الجمّة الناجمة عن “عرقنة” سوريا، باعتبار ذلك أسوأ سيناريو يمكن أن تؤول إليه سوريا..اليوم، يتعين علينا التحذير من مخاطر وتداعيات “سورنة” العراق، باعتبار أن ما يجري في سوريا من حروب، فيها وعليها، بات أسوأ بكثير مما جرى في العراق من جهة، ولأن العراق الذي كدنا نعتقد بأنه غادر مربع الحرب الأهلية المقيت، يعود اليوم للوقوف من جديد على حافتها المُدمرة من جهة ثانية.

قبل سنوات، شكا لبنانيون من نظرية “تلازم المسارين” السوري واللبناني، حرباً وسلماً..مصدر الشكوى أن هذا التلازم، يُفرض عليهم، وبغير إرادتهم، من قبل النظام في دمشق وحلفائه في لبنان..هذه النظرية فقدت بعض مبررات ومصادر القلق والتحسب المتأتيّة عنها بعيد الانسحاب السوري من لبنان، وبالأخص في السنتين الأخيرتين..لكن تلازماً آخر قد حصل “موضوعياً”، ومن دون إملاء من أحد على أحد، ولكن بين المسارين السوري والعراقي هذه المرة..فما يحدث في طول العراق وعرضه، وإن كانت له بواعث وأسباب داخلية، إلا أنه بات يرتبط أشد الارتباط بمسارات الأزمة السورية وتحولاتها..والمؤسف أن كلا المسارين المذكورين، بات مرتبطاً أشد الارتباط بالصراع الأوسع في المنطقة: بين إيران وحلفائها من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل ومروحة واسعة ومتفاوتة (من حيث درجة العداء وحدته) من الدول العربية (السعودية بخاصة) والإقليمية (تركيا بخاصة).

ولأنه لا حل وشيكاً للأزمة السورية على ما يبدو، فإن الأزمة العراقية مرشحة للديمومة والتصاعد على الإيقاع الإقليمي والدولي ذاته..فالأرجح أن حال العراق سيظل على هذا الحال من انعدام اليقين والاضطراب السياسي المفضي للتصعيد الأمني، والمفتوح على احتمالات مواجهات عسكرية داخلية، طالما ظل الجرح السوري نازفاً.

في سوريا، وصلت الأزمة إلى ذورة جديدة من التصعيد (ليست آخر أو أعلى ذروة بالطبع)..ميدانياً من خلال اشتداد حدة المعارك واستمرار القتل المجاني المتبادل..وسياسياً من خلال اصطدام مهمة الأخضر الإبراهيمي، أو “السائح المُعمر” على حد وصف الإعلام الرسمي السوري للرجل، اصطدام هذه المهمة بجدار سميك، وربما يجد الموفد الدولي نفسه مضطراً لتقديم “خطبة الوداع” إلى مجلس الأمن، قبل أن يرد “العهدة” إلى أصحابها، فبعد التراشق بين الموفد والنظام، وبعد الفشل في تجسير الفجوة بين موسكو وواشنطن، يبدو أن حظوظ الإبراهيمي في الاستمرار بمهمته، باتت محدودةً للغاية.

أما في العراق، فثمة حلف قوي (سنّي – كردي) مدعوم من السعودية وقطر وتركيا، ويلقى عطفاً من قبل بعض الدوائر والعواصم الغربية، يريد إطاحة المالكي بأي ثمن..اليوم اكتشفوا أن الرجل مشروع ديكتاتور مذهبي، لتفادي القول الصريح بأنهم يضيّقون الخناق على المالكي للوصول إلى الأسد، أو للإطاحة بالرجلين معاً، وبضربة حجر واحد..هنا “التلازم” يطال مستقبل الرجلين كذلك، وليس مستقبل الأزمتين فحسب، طالما أن الأزمة هنا وهناك، باتت تُختصر في رجل واحد.

المايسترو الإيراني، يراقب المشهد عن كثب، هو يعرف أنه المقصود بالحرب على الأسد والمالكي معاً، وأنه سيؤكل يوم أكل “الثوران” الأبيض والأسود، في دمشق وبغداد..بيد أن “الإيراني” ما اعتاد يوماً، الاكتفاء بدور المراقب..هو يتحرك بقوة على المسارين المتلازمين، يدعم حليفه المحاصر في قصر المهاجرين، ويحشد حليفه المحشور في المنطقة الخضراء..ولدى اللاعب الإيراني الكثير من أوراق القوة التي سيلوح بها أو سيستخدمها، من أجل درء النار عن “كرم العنب”.

ثمة في طهران، وفي دمشق وبغداد كذلك، من ينتظر بفارغ الصبر، إنتهاء إدارة أوباما الثانية من استكمال نصابها ومباشرة مهام طاقمها الجديد، والرهان ينعقد في كثير من الأوساط، على المقاربة الجديدة لواشنطن..طهران تأمل بحوار حول “رزمة شاملة” تطاول جميع الملفات العالقة بينها وبين الغرب، من “النووي” مروراً بالمالكي وغيره وانتهاء بالأسد..فيما واشنطن، تفضل اتباع سياسة “فصل المسارات”، التي ستمكنها من تحقيق مكاسب أكبر في أية “مقايضة إقليمية” تجريها مع طهران..لكننا لا نعرف الآن، وقد لا نعرف قريباً، السلوك الذي ستنتهجه واشنطن في قادمات الأيام.

نحن نعرف أن أوباما الخارج من حربين كونيتين يجرجر أذيال خيبة جورج بوش الابن، لا يريد الدخول في حرب ثالثة..نعرف أن عيني الرجل متسمرتان على مبلغ 700 مليار دولار نفقات دفاعية، يريد تقليصها لضخ دماء جديدة في عروق الاقتصاد الأمريكي المتيبسة..لكننا لا نعرف إلى أي مدى سيصل مع كيري وهايغل، في سعية لاحتواء الأزمات الدولية المتفجرة، وفي مقدمتها “قوس الأزمات” الممتد من إيران مرورا بالخليج الأعلى والعراق وصولاً إلى الساحل الشرقي للبحر المتوسط..ونعرف أيضاً أن دماء غزيرة وعزيزة، ستُراق في كل من سوريا والعراق قبل أن تنضج شروط “الصفقة الشاملة” أو “الصفقات المُجزّأة”..ألم يدفع اللبنانيون والسوريون ثمن تلازم مساريهما من قبل؟..وهل ثمة من سبب يدعونا للتفاؤل بأن “تلازم المسارين السورين والعراقي” سيمر من دون ثمن باهظ من بعد؟

========================

ليسوا نملا.. إنهم بشر!

ميشيل كيلو

الشرق الاوسط

16-1-2013

أفقت صباح أحد الأيام الماضية على بكاء زوجتي. كانت تنظر إلى الـ«آي باد» وتبكي. سألت عن السبب فوضعت الجهاز أمام عيني، فإذا برجل يدفن حيا لأنه يرفض أن يقول: «بشار الأسد ربي». كان الرجل غارقا في التراب إلى عنقه، وكان من الجلي أنه دفن واقفا، بينما تحلق حوله نفر من عناصر الأمن وفي يد كل منهم رفش. فجأة، ظهر ضابط في المشهد، وسأل إن كان «ابن الكلب» قد شهد أن لا إله إلا بشار الأسد، فقال الرجل بصوت مخنوق: «لا إله إلا الله». عندئذ، وضع فوهة بندقية على صدغه وأمرهم بطمره، فشرعوا يهيلون التراب على رأسه وهو يكرر أن «لا إله إلا الله»، إلى أن غاب ولم يعد يظهر منه أي شيء.

بعد ظهر يوم آخر، قبل ساعات من مشهد دفن الرجل حيا، كانت طائرة تقصف مخبزا في بلدة صغيرة قرب حماه اسمها حلفايا، تجمع أهلها طلبا للخبز. أما حصيلة الغارة، فكانت 300 قتيل هشمتهم القنابل التي ألقيت عليهم.

ذكرتني هذه الجريمة بأمرين: جريمة نازية وقعت ضد قرية بوهيمية ذبح خلالها قرابة 300 شخص، بقيت إلى اليوم في ذاكرة عالمنا المنافق، الذي لا يرى ما يرتكب من جرائم يومية مماثلة ضد سوريا والسوريين من جميع الأعمار والفئات. وذكرتني كذلك بقصيدة للحطيئة (إن كانت الذاكرة تسعف) تصف صيادا يترصد ظبية ترد الماء، وكيف أمهلها حتى «ارتوت من عطاشها» قبل أن «يرسل فيها من كنانته سهما».

هذه الواقعة اعتبرت دوما خير تجسيد لأخلاق الشهامة والكرم العربية، التي لا تجيز قتل ظبية تطلب الماء وهي عطشى. قارنت أخلاق العرب بأخلاق نظام لم يتوقف يوما عن التشدق بالعروبة وقيمها، لكنه ما إن طالبه شعبه بحقوقه أو بشيء منها، حتى سارع إلى دفن بناته وأبنائه أحياء أو قصفهم وهم ينتظرون رغيف خبز لهم ولأحبابهم.

قبل أيام من قصف فرن حلفايا، قصف فرن في حلب، واليوم يقصف حي البياضة في حمص بثماني عشرة قنبلة محملة بغاز السارين السام، وغدا ستقصف سوريا الثائرة بكل ما يملكه النظام من أسلحة دمار شامل، بعد أن قصف قبلها داريا بغاز السارين القاتل إياه، دون أن يكون هناك أي رد فعل من أي جهة دولية، وخاصة الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي وضع قبل قرابة شهر خطين أحمرين شجعا السلطة الأسدية على تصعيد القتل، عندما «حذرها» من تجاوز أي منهما، فإذا هما: إسرائيل والحفاظ على الأسلحة الكيماوية كي لا تقع في يد متطرفين أو ترسل إلى حزب الله. قال أوباما إن تدخلا فوريا سيحدث إن وقع واحد من هذين المحظورين، ففهمنا يومها أنه يطلق يد الأسد في شعبه، ويسمح له بقصفه بكل ما يملك من طائرات ومدافع ودبابات وراجمات صواريخ وصواريخ ثقيلة.

وكان المدافعون الدوليون عن الإنسان وحقوقه قد أخبرونا في فترة مبكرة من الصراع أنهم قرروا أن لا يحيلوا أحدا من أرباب نظامنا وأتباعه إلى محكمة الجنايات الدولية، لسبب لا يعلمه إلا الله، رغم أن هؤلاء لم يتركوا بيتنا أو قرية أو بلدة أو مدينة سورية من شرهم، وفتكوا بالبشر كأنهم نمل ليست لهم حياة وحقوق يجب أن تحترم.

للتذكير بمعنى مأساتنا: شنت إسرائيل حربا دامت عشرة أيام ضد غزة التي كانت تقصف مدنها المختلفة بالصواريخ، قتل خلالها 108 أشخاص، وهو عدد يوازي عدد من قتلوا في حلب وحدها خلال يوم واحد، مع أن حلب لم تكن تقصف أحدا بالصواريخ، بل كانت تطالب بالحرية والإصلاح.

واليوم، والشهادات الميدانية المباشرة تقول إن عدد القتلى من السوريات والسوريين تجاوز عتبة المائة ألف، وعدد من تشردوا وهاموا على وجوههم وهجروا واعتقلوا ولوحقوا وعذبوا وجرحوا واختفوا بالملايين، يبدو العالم وكأنه مرتاح لما يجري، أو كأنه يشارك النظام في إدارة مجزرته المنظمة ضد شعب يتعرض منذ قرابة عامين للقتل، بعد أن تعرض قرابة نصف قرن للإذلال والاضطهاد والإهانة والنهب والإفساد، تحت سمع العالم المؤيد للنظام الأسدي وبصره.

ماذا يمكننا أن نقول عن عالم يسكت على هذه المأساة الإنسانية المرعبة؟ وهل نصدق بعد اليوم أن هناك مؤمنين بالإنسان ومدافعين عن حياته وحقوقه، إذا كان ذبح البشر يتم بأكثر الصور علنية وأكثر الأسلحة الحديثة فتكا، دون أن يثير أدنى شعور بالشفقة، ناهيك عن الاعتراض لدى المتفرجين، الذين ينقسمون إلى مؤيدين مصفقين وآخرين صامتين، وفي الحالتين إلى شهود لا يرون شيئا مما يجري، كأن موت السوريين بالجملة لا يعني شيئا، أو كأنهم نمل وليسوا بشرا؟

أليس العالم متواطئا بصمته وموافقته وشريكا في القتل، وهو الذي عطل الحمايات القانونية والإنسانية لشعب يباد كالذباب، وبدأ قتله البارحة بالغازات السامة في كل من حمص وداريا، دون أن يصدر ولو رد فعل كلامي على ما وقع، أو يتحرك أصحاب الخطوط الحمراء، التي يبدو أنها لم تبطل ما أعطوه للنظام خلال نصف قرن من خطوط خضراء وبيضاء، تمكنه أن يفعل ما يريد؟ وهل سيعيد العالم السوريات والسوريين إلى الحياة من خلال تصريحات طافحة بالكذب والرياء تتحدث عن التقصير، مثلما حدث في حالات مماثلة سابقة، وقع تجاوزها دوما بواسطة تعهدات لفظية تنم عن انعدام الإنسانية والضمير لدى من أطلقوها، تدعي أنهم لن يسمحوا بتكرارها، لكن هذا لم يمنعهم من الوقوف مكتوفي الأيدي طيلة قرابة عامين على مذبحة منظمة بإتقان ضد شعب سوريا: أحد أقدم الشعوب المتحضرة، الذي يعصف القتل بكل شيء لديه، بما في ذلك أوابده التاريخية التي تتعرض لقصف منهجي يدمرها ويمحوها من الوجود، أو يجعلها عرضة للسرقة والتشويه، مع أنها إرث إنساني يلزم القانون الدولي جميع البلدان بالمحافظة عليه وحمايته؟

ليس الموقف الدولي مما يجري في سوريا مقبولا بأي معيار، ولا شك في أنه ستكون له نتائج خطيرة على حقوق وحياة البشر والشعوب في كل زمان ومكان، وعلى أمن وسلام عالم أثبت أنه لا يقيم وزنا للإنسان، فلا عاصم له عن دفع ثمن فادح سيترتب على امتناعه المقصود عن صيانة أمنه الخاص عبر امتناعه عن احترام ما يمليه القانون الدولي والتضامن الإنساني من احترام حق السوريين في الحياة والحرية والأمان.

ثم لا يخجلون من أنفسهم، ويحدثونك عن جنوح ضحايا الإبادة الشاملة إلى التطرف!

========================

لماذا يجوع السوريون؟

السفير

فايز سارة

16-1-2013

ربما لم يتوقع احد ممن يعرفون سوريا والسوريين، مجيء يوم يقال فيه ان ثمة سوريين يطحنهم الجوع. بل وفي اغلب الظن، لم يتوقع احد، ان يتجاوز الامر ما سبق، وان يتضمن تقرير للامم المتحدة تأكيداً، على ان هناك مليون سوري، صاروا فريسة للجوع. وقد صدر التقرير قبل ايام، بعد تقارير اممية، لم يأخذها كثيرون على محمل الجد، تحدثت في الاشهر الماضية عن جوع، يهدد ثلاثة ملايين سوري في مدى قريب.

غريب أن يتهدد الجوع السوريين. تاريخ هذا البلد معروف، كان يعرف بـ«اهراءات روما». تغيرت معطيات كثيرة منذ ذلك الزمان. لكن الغرابة، تستند الى معطيات داخلية، بعضها يتعلق بالارض، وآخر يتصل بالسكان. فسوريا التي تصل مساحتها الى مائة وخمسة وثمانين الف كيلو متر مربع، وفيها نحو ثلاثة وعشرين مليون نسمة، تملك قدرات زراعية كبيرة، وخاصة في ميدان الزراعات الغذائية والانتاج الحيواني، حيث هناك اراض ومياه وتنوع بيئات، نجدها مكثفة في سهول الجزيرة السورية، التي تنتج الحبوب، ولاسيما القمح، وفي سهول الشمال في حلب وادلب، التي تشارك الساحل السوري الاشجار المثمرة والخضار، وهي السمة العامة للزراعة في وادي العاصي، فيما تتعدد انواع الانتاج الزراعي في سهول ومرتفعات الجنوب، لتشمل الخضار والاشجار المثمرة والحبوب، وخلاصة حالة الانتاج الزراعي الغذائي في سوريا، انها بين بلدان قليلة في المنطقة، حققت اكتفاءً غذائياً، واحتياطاً استراتيجياً في القمح ومحاصيل اخرى على مدار عقود مضت، بالتزامن مع انتاج حيواني كبير، فيه نحو خمس عشرة مليون رأس من الاغنام، وعدد هائل من انتاج البيض ولحوم الدواجن، وكان يصدر فائضه الى دول الجوار على نحو ما هي عليه حالة الانتاج الزراعي من الغذاء.

ولم يكن الانتاج الغذائي خارج اطار الاهتمام الكبير الذي يبذله الفلاحون السوريون المعروفون بجدهم واجتهادهم، فقد غرسوا في العقود الثلاثة الماضية خمسة وسبعين مليون شجرة زيتون في اراض دخلتها زراعة الزيتون لاول مرة، كما هو حال سهول حوران والجولان، وزرع الفلاحون مساحات واسعة من اشجار التفاح والحمضيات والفستق الحلبي في جنوب وشمال البلاد والساحل، واغلبها لم تكن زراعات رائجة ومنتشرة في السابق، وهذه مجرد امثلة على جدية الفلاحين وعلى قدرتهم في تجديد انتاجهم استناداً الى الظروف المحيطة، ومنها قلة المياه، وحاجة سوق الاستهلاك، والعائد الاقتصادي للزراعة.

ان نجاح الزراعة السورية في احد وجوهه، كان يمثل تحدياً جدياً من جانب الفلاحين للبيروقراطية الحكومية وفسادها، التي كان يمكن ان تدمر الزراعة كلها، وليس الانتاج الغذائي وحده بفعل تحكمها بالقروض التي تقدمها الحكومة، فيأخذ الفاسدون والمقربون من النظام أكثرها، ومن خلال التحكم بالبذار والاسمدة اللذين توزعهما الحكومة عن طريق الجمعيات الفلاحية ويحصل عليهما اصحاب الحظوة، ومن خلال سياسات الفرض الزراعي على الفلاحين لنوعية وحجم الانتاج لبعض المحاصيل مثل القمح والقطن والتبغ، وقد استطاع الفلاحون بفعل جدهم وصبرهم، تجاوز تلك السياسات والالتفاف عليها من اجل الاستمرار في دورهم الانتاجي.

غير ان قدرات الفلاحين وبيئة الزراعة السورية في العامين الاخيرين، اختلت بعد ان تعرضت لانتهاك وتدمير، تجاوزا حدود سياسات البيروقراطية والفساد المعروفة، الى سياسات امنية انتقامية، شاعت في اغلب مناطق الريف السوري من دير الزور شرقاً الى ارياف حمص وصولا الى ريف اللاذقية، ومن سهول حلب في الشمال الى سهول درعا مروراً بادلب وريف دمشق، وكلها مناطق شهدت حركات احتجاج وتظاهر، قبل ان يتحول اغلبها الى مسرح للاعمال العسكرية، في الصدام بين القوات الحكومية وقوى المعارضة المسلحة، وهو تحول سبقته وتمت في اطاره عمليات دمار للاراضي الزراعية ومنشآت الانتاج الحيواني نتيجة لاسباب امنية، وغالباً لانتقام او لالقاء الرعب في قلوب الفلاحين ومنعهم من الاحتجاج والمشاركة في اعمال المعارضة المسلحة. وترافقت تلك الاعمال مع تدمير لمناطق سكنية في كثير من الارياف، والامثلة في ذلك لا تحصى، من قرى درعا وريف دمشق، وقرى حمص وادلب وريف حلب، وترتب على دمار البنى التحتية للزراعة، وصيرورة الريف ميداناً للصدامات العسكرية، ان هجر اغلب السكان قراهم.

لقد فاقمت ظروف اخرى في تدهور الزراعة السورية وخاصة الغذائية، كان ابرزها تدهور وضع الطاقة ومنه فقدان المازوت وارتفاع اسعاره لأكثر من ثلاثة اضعاف، وتقنين او انقطاع الكهرباء، وفقدان البذور والاسمدة ونقص السيولة المالية، وارتفاع تكاليف النقل من اماكن الانتاج الى اسواق الاستهلاك، ثم صعوبات الانتقال ليس بين المحافظات، انما داخل المحافظة الواحدة وسط اجواء امنية شديدة الصعوبة والخطر، ما ادى الى تدهور في الناتج الزراعي ومنه الزراعة الغذائية، واذا استمر الوضع على ما هو عليه، فان الزراعة السورية ستموت في قسمها الاكبر، ويزداد عدد الجائعين في سوريا بصورة كبيرة.

========================

انشقاقات الجيش السوري... وتنامي إحباطات «النخبة» 

تاريخ النشر: الأربعاء 16 يناير 2013

كارول موريلو

أنطاكيا - تركيا

الاتحاد

لخمسة أشهر ظل الضابط العسكري السوري يحمل في جيب بذلته العسكرية “ذاكرة محمولة” (ميموري ستيك) مكتظة بصور العائلة، منتظراً الفرصة للانشقاق. وعندما حانت تلك اللحظة في أواخر ديسمبر الماضي، ذهب العميد الركن محمد حسون إلى منزله في حلب لتناول وجبة الغداء، وهي الفترة الوحيدة في اليوم التي يقول إنه يعلم أنه لن يكون مراقَباً من قبل عملاء المخابرات الذين يحاولون وقف موجة انشقاقات تجتاح الجيش السوري.

ومثلما حكى في مقابلة معه، ودع حسون عائلته بسرعة في اتجاه، ثم ارتدى معطفاً قديماً ونظارات شمسية واستقل حافلة عمومية ذاهباً في اتجاه آخر. وبعد عشرة أيام على ذلك، التحق بزوجته وأبنائه الثلاثة في تركيا، تاركا وراءه حياة يسر وامتيازات ولكن بدون ندم على التخلي عن مؤسسة خدمها لـ31 عاماً.

ويقول حسون، 49 عاماً: “لقد كنت أعتقد أن الجيش وُجد من أجل محاربة أعداء أجانب، وليس استهداف المدنيين”. ما يبدو أنه عدد متزايد من الانشقاقات من قبل ضباط كبار في المخابرات والشرطة والجيش يشير إلى أن الحملة الحكومية الوحشية لسحق الانتفاضة التي اندلعت قبل 22 شهراً بدأت تُضعف المعنويات في صفوف بعض من أفراد نخبة المجتمع السوري.

ورغم أن بعض الضباط بقوا في سوريا ويقاتلون إلى جانب الجيش السوري الحر، فإن الحكومة التركية أنشأت مخيماً منفصلاً للضباط المنشقين، وترفض الكشف عن عدد الضباط الذين تأويهم، سواء في المخيم أو في منازل خاصة عبر البلد. كما أنه لا يُسمح للصحفيين بدخول المخيم الذي يخضع لحراسة مشددة، ما يجعل من الصعب معرفة ما إن كانت الانشقاقات تعكس استياء متزايداً من سير الحرب، التي تقدر الأمم المتحدة أنها أسفرت عن مقتل أكثر من 60 ألف سوري، أو إدراكاً بأن الثوار يمكن أن يهزموا القوات الحكومية. غير أن لا أحد من السوريين تقريباً يقول إن الانشقاقات تشير إلى أن الحرب ستنتهي قريباً أو قبل أن يموت مزيد من السوريين. ذلك أنه على الرغم من أن الجيش السوري أُضعف، إلا أنه مازال يمثل قوة مهيبة وفق التقارير المتوافرة.

وفي هذا السياق، يقول حسون، الذي درَّس الهندسة في أكاديمية الأسد العسكرية لنحو ألف طالب في حلب، خلال مقابلة معه في إحدى مقاهي أنطاكيا: “أعتقد أن الأمر سيستغرق أكثر من ستة أشهر لأن جيش النظام قوي ومدرب جيداً، ولديه مقاتلات ودبابات”.

ويقول “حسون” إنه حين كان في طريقه إلى تركيا التقى بجنود من الجيش السوري الحر مسلحين بالبنادق فقط، مضيفاً “إن النظام يستطيع أن يقتل عدداً أكبر بضربة جوية واحدة مقارنة مع ما يستطيع أن يفعله الجيش السوري الحر من خلال العديد من الهجمات”.

ورغم أن هذه شهادة رجل واحد فقط، فإن قرار حسون الانشقاق، والأخطار التي ينطوي عليها ذلك، تساعد على تفسير لماذا لم يحذ عدد أكبر حذوه.

“حسون” قال إنه أمضى حياته في الجيش، حيث دخل أكاديمية حلب عندما كان في سن الثامنة عشرة. وقال إنه كان متفائلاً في عام 2000 عندما أصبح بشار الأسد رئيساً حيث كان يأمل أن يكون وصول ابن الرئيس السابق حافظ الأسد إلى السلطة بداية عهد من الإصلاحات للمجتمع والجيش.

غير أن الانتفاضة كان مقلقة جداً للضباط العسكريين. فقد تعرض المحتجون في قرية “حسون” لإطلاق النار والاعتقالات. وتم توقيف شقيقه. ولوقت طويل لم يخبره أحد بأي شيء إذ يقول: “إنهم لم يراعوا أنني ضابط”، مضيفاً “لقد استغرق الأمر ثلاثة أشهر قبل أن أعلم أنه في السجن”.

أكبر أبناء حسون، وهو طالب جامعي، كان مع المحتجين. وذات يوم عاد الابن إلى المنزل وقميصه مضرج بالدماء جراء جروح أصيب بها زميل محتج، ولكنه انتزع من والدته وعداً بألا تخبر والده. ولم يعلم حسون بذلك إلا عندما وصلت الأسرة إلى تركيا.

ظل حسون يعتقد أن استهداف المدنيين سيتوقف تدريجياً، وأنه لا يستطيع تحمل أن يكون جزءاً من جيش يلقي القنابل على مواطنيه. ولكن بدلاً من ذلك، ازداد الوضع سوءاً حيث هاجم الجيش مدينة حلب في يوليو الماضي.

ويقول “حسون” في هذا الصدد: “لقد وقفت هناك، ومن بعيد كنت أستطيع رؤية الطائرات وهي تقصف القرى”، مضيفاً “ولكن كجندي وكضابط في الجيش، ليس هذا هو ما تدربنا على القيام به”. من سنواته في حلب، عرف “حسون” العديد من الأشخاص الذين شاركوا في الانتفاضة، مضيفاً أنه لم يكن يعتبرهم “إرهابيين”، مثلما تسميهم الحكومة.

ويقول “حسون” إنه كان يعرف أن قراره مغادرة سوريا كان خطيراً. وحين سئل عن ماذا كان سيحدث في حال اكتشفت مخططاته، قام بحركة حيث ضربت يده اليمنى الطاولة بقوة. وقال إنه بعد انشقاق بعض الضباط، تم توقيف عائلاتهم الممتدة كلها. “وهذا هو السبب الرئيسي لعدم قيام عدد أكبر من الضباط بذلك”، كما يقول.

ومع اقتراب عيد ميلاده الخمسين، تلف حياة “حسون” حالة من عدم اليقين. فهو لا يعرف ما إن كان منزله مازال قائماً، أو متى يستطيع العودة إلى سوريا، أو ما سيفعله إذا استُبدلت الحكومة. ولكنه متأكد من شيء واحد إذ يقول: “لم أكن أخدم الحكومة؛ بل كنت أخدم بلدي. ولذلك، فإن ضميري مرتاح”.

========================

العرب والمأزق السوري!

تاريخ النشر: الأربعاء 16 يناير 2013

محمد خلفان الصوافي

الاتحاد

تأخُّر العرب في البحث عن بديل سياسي مناسب لمرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد في سوريا خطأ استراتيجي كبير، يدل على عدم استيعاب الدروس الإقليمية السابقة لسقوط الأنظمة، خاصة مع تزايد المؤشرات التي توحي بأن سقوط النظام في سوريا قد يكون أقرب مما يتصوره المراقبون.

لا يكمن ذلك الخطأ فقط في أن تصل إلى السلطة هناك قوى سياسية لا تتوافق توجهاتها مع الدول العربية الفاعلة حالياً في الساحة، وهي تحديداً الدول الخليجية، وبالتالي تزيد الفجوة السياسية القائمة وحالة الانشقاق التي تفتعلها تلك القوى لتدمر حتى العلاقات بين الشعوب العربية خدمة لمصالحها الفئوية. ولا يكمن ذلك الخطأ فقط في تمزيق الوحدة الوطنية في سوريا المعروفة بتنوُّعها وتعدد تياراتها السياسية والطائفية والعرقية. وإنما يكمن "الخطأ الأعظم" في احتمال خسارة دولة عربية أخرى بوزن العراق ومصر من الوجهة الاستراتيجية، بعدما اختُطفت السلطة فيها من جانب تيارات دينية متطرفة، حتى بتنا نشك في إمكانية الحديث عن تجمُّع عربي أو عقد قمة عربية كما كان الأمر سابقاً.

ما حدث في العراق؛ باعتباره أقدم حالة عربية مشابهة، أن العرب قد تباطأوا في إيجاد صيغة لملء الفراغ السياسي. وهي تجربة تفيدنا بأن هناك من هو جاهز للانقضاض على أي نجاح واختطافه لصالحه، خاصة التيارات الدينية التي اكتسبت خبرة سياسية في هذا المجال، وهي ترسم مستقبل المجتمعات التي تقفز إلى حكمها بما يتناسب ومصلحة "الجماعة" أو "الفئة" على حساب الدولة والوطن.

بحث الدول العربية الفاعلة عن بديل ملائم للأنظمة المحتمل سقوطها، ودعم ذلك البديل بما يضمن المصالح العربية، أمر مشروع، بل مطلوب، وتفعله كل الدول التي لا تترك مصالح شعوبها عرضة للأقدار ومناورات الآخرين. كما أن دعم تيارات وطنية حقيقية من شأنه خدمة الدولة العربية المعنية ذاتها بشكل أساسي، وهي في حالتنا الدولة السورية؛ لأن المصير المحتوم في حالة تخلي الدول العربية الفاعلة عن الخيار الإيجابي سيكون صراعاً سياسياً داخلياً يستدعي آخرين من أصحاب الأجندات، وسيدفع الشعب السوري الثمن، على النحو الذي نراه الآن في العراق من تمزق المجتمع وتكرار احتقاناته التي تعيد إنتاج نفسها كل مرة أقوى مما سبقها، بل يُرجح أن يكون الوضع في سوريا أسوأ بكثير.

ومن الناحية النظرية، يُفترض أن التغيير السياسي لابد أن يصب في مصلحة الشعوب. ومن الناحية النظرية أيضاً؛ فإن هذا يؤدي إلى قوة الدول العربية ككل لما بينها من المشتركات. لكن المأساة الإنسانية في سوريا تعود إلى تصلب الأسد الذي لم يستوعب درس نظام صدّام وإضراره بالدولة العراقية وبالعرب وبنفسه أيضاً، عندما تسبب في تقتيل وتشريد عائلته. كما أن تشدد الأسد لم يُتح له أن يستوعب ما حصل للقذافي وعائلته. ومن هنا فإن التخطيط لمرحلة ما بعد نظام بشار، وهي تبدو وشيكة، يُصبح ضرورة عربية، تُحتم تجاوز العاطفة العربية، والعودة إلى أرض الواقع التي ينشط عليها "الآخرون"، ويهيئون القادة المحتملين لخدمة مصالحهم التي ستتعارض على الأغلب مع المصالح العربية.

لقد تغير الظرف السياسي العربي، ومضت أيام إدارة العلاقات العربية وفق طريقة "حسن النية"، أو ما نحب أن نسميه وحدة اللغة والتاريخ المشترك والجوار الجغرافي. فالواقع يقول إن هناك قوى سياسية مدعومة من خارج الإقليم ومن داخله، والحديث عن التنافس بين إيران وتركيا وإسرائيل على مستقبل الوضع في سوريا هو الأبرز اليوم في الساحة السياسية، وتوجد تحرُّكات حقيقية لإعادة ترتيب أولويات المنطقة.

هناك حديث عن إقليم سياسي ذي توجهات دينية، وسوريا تاريخياً وجغرافياً كانت العقدة الرئيسية في المنطقة أمام هذا السيناريو بفعل تنوعها الديني، وبالتالي سيكون الأمر مأزقاً عربياً صعباً إذا لم يتم الاستعداد له بعد التغيرات الناجمة عن الوضع السوري الحالي.

أبرز ملاحظتين يمكن تسجيلهما في الحدث العربي في فترة ما بعد "الربيع"؛ هو ظهور قوى سياسية جديدة في الساحة العربية ذات أجندات دينية محلية وإقليمية، وهي قوى متشابكة بعضها مع بعض في مواجهة القوى السياسية الأخرى، وطنية أو ليبرالية. وتعمل القوى الدينية مع بعضها، في مواجهة القوى الأخرى، حتى وإن أظهرت أنها متنافسة أو مختلفة أحياناً. وقد تسبب هذا التحالف ذو التوجه الديني في تغيير تركيبة العلاقات العربية- العربية بشكل تدريجي، ويكمن الخوف في أن تنضم سوريا ما بعد الأسد إلى هذا التحالف الجديد الخطر على شعوبه قبل أي جهة أخرى.

تمدُّد الحركات الدينية، خاصة "الإخوان المسلمين"، سيشجعها على تحريك أفرادها في الدول الأخرى، مما سيزيد من تعقيد العلاقات العربية التي شهدت مآزق سياسية خطيرة بسبب محاولات العبث بالأمن والاستقرار.

الملاحظة الأخرى؛ وهي تدخل في باب المفارقات، أن الدول العربية كثيراً ما تلعب دوراً سياسياً نشطاً في مساعدة الشعوب في التغيير، وتطرح مبادرات إيجابية لإنقاذ النظام والدولة والشعب، كما حصل في مبادرة خروج صدّام للحفاظ على وحدة العراق ومبادرة التوفيق في اليمن ومبادرة إيجاد مخرج سياسي للأسد، وبعض هذه المبادرات ينجح وبعضها لا يجد التجاوب من الأطراف أو أحدها على الأقل. وبعد حدوث التغيير تغادر الدول العربية الساحة السياسية، باختيارها أو بغير اختيارها، نتيجة لعدم تأهيل قوى مناسبة لها، وبالتالي تترك هذه الدول مواقع نجحت في شغلها حيناً لتحل محلها قوى كانت غائبة.

لا توجد لدينا على الساحة السياسية العربية مؤشرات في شأن بديل عربي يمكن أن يبعد عن سوريا "شبح الدولة الدينية" الذي أثبت أنه يدمر بنية الدول. كذلك فإن شبح "الاختطاف الإقليمي" لسوريا قائم بقوة، وهو ما سيترتب عليه إعادة رسم خريطة المنطقة بأيدي لاعبين خطرين.

========================

دوامة الحرب الأهلية السورية

الاتحاد

راجان مِنون

تاريخ النشر: الأربعاء 16 يناير 2013

بعد 22 شهراً من الحرب الأهلية المحتدمة، التي لقي فيها ما يقرب من 60 ألف شخص مصرعهم، ألقى بشار الأسد خطاباً متحدياً، استبعد فيه إمكانية الدخول في مفاوضات مع مقاتلي المعارضة، وأوضح بشكل واضح أنه ينوي البقاء في السلطة إلى أطول مدى ممكن.

وفي الحقيقة أن كلمات الأسد لم تمثل مفاجأة كبيرة لكثيرين، وذلك لأن الدبلوماسيين المخضرمين المهتمين بالأزمة في سوريا، ومنهم الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان، حاولوا التوصل لصفقة سلام في هذا البلد ولكنهم فشلوا فشلاً ذريعاً.

ولكن السؤال هنا هو: لماذا تتواصل هذه الحرب؟ من بين الأسباب الرئيسية لاستمرار الحرب حتى الآن أن أياً من الجانبين لا يصدق أنه يمكن أن يخسر.

فالمعارضة تسيطر على مساحات كبيرة من الأراضي، كما نجحت في ترسيخ وجودها في أجزاء عديدة من سوريا وعلى وجه الخصوص في الشمال والشرق. كما كوّنت مؤخراً بنية سياسية وعسكرية موحدة، وحصلت على اعتراف بها من عدد كبير من الدول. أما حكومة الأسد فيمكنها من جانبها أن تجد عزاءً في حقيقة أن الثوار فشلوا حتى الآن في الاستيلاء على أي مدينة من المدن الكبيرة، وعلى وجه الخصوص حلب المركز التجاري لسوريا ودمشق عاصمتها.

يشار إلى أن مقاتلي المعارضة قد تسلموا أسلحة وغيرها من أنواع الدعم اللوجستي من بعض دول الجوار، ما أدى إلى جعلهم أكثر جسارة، وأكثر قدرة على خوض المعارك ضد قوات النظام، وإن كان حسم تلك المعارك يظل أمراً غير مؤكد حتى الآن نظراً لما يمتلكه جيش النظام من تفوق هائل على المعارضة في قوة النيران.

ونظراً لأن كلا الطرفين يعتقدان أنهما لن يخسرا القتال الدائر، فإن أياً منهما ليس لديه الاستعداد لإيقاف القتال والدخول في مفاوضات مع الطرف الآخر.

ومن الأسباب الأخرى لاستمرار القتل أيضاً ذلك السبب المتعلق بتذبذب الأقليات السورية المختلفة بشأن رأيها حول أي حكومة مستقبلية تهيمن عليها الأغلبية السنية العربية وهل ستكون في مصلحتها أم لا. فالأكراد في الشمال الشرقي على سبيل المثال، ظلوا بعيدين عن القتال الدائر إلى حد كبير، وركزوا بدلاً من ذلك على اقتطاع أجزاء من الأرض يأملون على أقل تقدير في أنها ستصلح لتكوين ذلك النوع من مناطق الحكم الذاتي المشابه لما حصل عليه أشقاؤهم في العراق، عقب الإطاحة بنظام صدام.

ولا يرجع هذا الموقف من جانب الأكراد إلى أنهم يحبون نظام بشار، وإنما يرجع إلى أنهم يعتقدون أن انتصار المعارضة قد يعرض الأقليات في سوريا بشكل عام للمزيد من القمع. ومن المعروف أن الأسد الذي ينتمي إلى الطائفة العلوية التي تشكل 12 في المئة من إجمالي عدد السكان، يحتاج إلى دعم المجموعات العرقية الأخرى التي تتشكل منها الأقليات السورية التي يصل عددها إلى 12 أقلية أو نحو ذلك، والتي تكوّن في مجموعها ما يقرب من ثلث عدد سكان البلاد، حتى يتمكن من الاستمرار في الإمساك بزمام السلطة.

ولذلك السبب، حرص الأسد خلال فترة حكمة على إضفاء حمايته على تلك الأقليات وهو ما جعل أبناءها يتشككون في أن تفعل أي حكومة سورية يهيمن عليها العرب السنة تحكم البلاد عقب سقوطه الشيء ذاته.

ومنطق مماثل لهذا المنطق، هو الذي جعل العديد من العرب السنة يظلون موالين لنظام الأسد وخصوصاً بعض المهنيين من سكان المدن والمثقفين والموظفين البيروقراطيين المستفيدين من النظام، الذين يشعرون بأن ما يجمعهم بالحكومة الجديدة التي يمكن أن تتولى الحكم في سوريا، أقل مما يجمعهم بنظام الأسد الحالي.

وعلى رغم بعض حالات الانشقاق التي شملت بعض المسؤولين الكبار، إلا أن نظام الأسد احتفظ مع ذلك بأعداد كافية من أعضاء الجهاز البيروقراطي والقوات المسلحة لحكم الأماكن التي لا يزال يسيطر عليها، ومواصلة خوض القتال الضاري المندلع في الوقت الراهن في سوريا.

وقد تمكن الأسد حتى الآن على الأقل من الاحتفاظ بولاء الجيش وجهاز الأمن اللذين يشكلان دعامة من الدعامات المهمة التي ساعدت على بقائه حتى الآن. وفي التاريخ الحديث للشرق الأوسط كان القادة الذين فقدوا زمام السيطرة على جيوشهم هم من يفقدون زمام السيطرة على بلادهم في نهاية المطاف كما أثبتت ذلك الانتفاضات التي جرت في عدد من البلدان العربية خلال العامين الماضيين.

إذن أين يترك هذا كله سوريا؟ إنه لا يتركها في مكان مريح. فالنظام لا يبدو عليه حتى الآن أنه قد فقد شهيته للدماء، ولربما يعتقد في قرارة نفسه أنه قادر على مواصلة القتال إلى ما لا نهاية حتى لو اضطر لذلك من حصون وقلاع علوية (تقع بشكل أساسي في المنطقة الساحلية بين اللاذقية وطرطوس) -في حالة ما إذا تمكنت المعارضة من السيطرة على العاصمة دمشق.

أما المعارضة من جانبها فقد حصلت من خلال تضحيات جسام على خبرات قتالية كبيرة خلال المعارك التي خاضتها طيلة ما يقرب من عامين ضد قوات النظام، مما جعلها أكثر قدرة بكثير على خوض المعارك مما كانت عليه خلال الشهور الأولى من الانتفاضة. وهي الآن مسلحة بشكل أفضل أيضاً، والدعم الدولي لها يتزايد في نفس الوقت الذي ينحسر فيه عن نظام الأسد.

ولكن نظراً لأن أياً من الطرفين لا يشعر أنه تحت ضغط يدفعه للتفاوض من أجل التوصل لتسوية تشمل المشاركة في السلطة، فإن عجلة الحرب السورية سوف تستمر في الدوران وفي حصد المزيد من الأرواح

=====================

طاغية بلا شجاعة

د.خالص جلبي

الاتحاد

تاريخ النشر: الأربعاء 16 يناير 2013

في مطلع يناير عام 2013 افتتح الأسد خطبة طويلة عن حقه في الوراثة، وأن الثورة لا تزيد عن حفنة من الرعاع واللصوص، وأن عليهم تسليم الرقاب، وأنه ماض في حربه حتى النهاية لاستئصال شأفة المسلحين والإرهابيين!

إنه يذكّر بخطاب فرعون القديم، تأملوا كلمات القرآن: «إن هؤلاء لشرذمة قليلون، وإنهم لنا لغائظون، وإنا لجميع حاذرون».

بشار الأسد طاغية ككل الطواغيت، لكن لنعلم أن كل واحد منا يمكن أن يتحول إلى «بشار» بشرط امتلاك القوة بدون فرامل. إنه قانون التمدد والانتشار: قطرة سم تقتل فيلاً. نفثة غاز من التابون والسارين كافية للقضاء على الجهاز العصبي عند العصبة أولي القوة من الرجال. وخزة فيروس تهلك ديناصوراً. عضة أفعى تهلك أسداً.

إن المشكلة في عمقها لا تقف عند فرد بل نظام، والويل للثورة السورية إذا رأت أن المعركة تقف عند الطاغية كفرد وليس كنظام. وهذا بالضبط ما تعانيه ثورات «الربيع العربي» اليوم بعد فرحها بذهاب بن علي ومبارك والقذافي وصالح، لتدخل في رحلة مضنية طويلة لاقتلاع النظام السابق. اقتلاع جذوره النفسية. نعم، اقتلاع الجذور النفسية لتربة الاستبداد والفساد.

وبقدر جبروت الطاغية بقدر هشاشته الداخلية. والمستكبِر هو الوجه الآخر للمستضَعف. ومن مرض بالاستكبار حمل بذرة الاستضعاف في أعماقه. والمستكبر والمستضعف كلاهما من فصيلة واحدة. الصورة الملونة أصلها أسود. وجايكل وهايد شخصيتان متناقضتان اجتمعتا في رجل واحد، ملاك ومجرم، مثل وجهي القمر؛ مضيء يغلي (150 درجة مئوية) ومظلم بارد (150 درجة تحت الصفر) لا يصلح للحياة.

من احتقر الناس احتقر نفسه، ومن وظف المجرمين قلب المجتمع عاليه سافله، فلم يظهر على السطح إلا السفلة. وخسف بالمجتمع في ليل التاريخ حتى حين، كما حدث مع بلدان «البعث» وديكتاتوريات الخوف. الطاغية نفسياً هو سادي ومازوخي في آن واحد. لا يصل لذروة اللذة إلا بإنزال العذاب بنفسه أو قرينه! ومن انحرف فقدَ توازنه فعاش على الأطراف. نيرون أحرق روما، كما يفعل بشار مع سوريا، لكنه لا يملك جرأة الانتحار حينما يحدق به الناس؛ فيقتله خادم نكير أو جندي صغير.

الطاغية ليس رجل مبدأ ليموت من أجل مبدئه، بل هو متعلق بالحياة على طريقته الخاصة. قارن كيف أنهى هتلر نفسه منتحراً مع زوجته «إيفا براون» بالسيانيد والرصاص، بعد أن ودع جنرالاته. إنه رجل عقائدي صلب حتى اللحظة الأخيرة، أما ديكتاتوريات الترانزستور، ممن حملتهم الدبابات إلى الحكم في جنح الظلام، فلا يمتلكون مثل تلك الشجاعة. يقول الله تعالى: «ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون».

من يدفع ببناته إلى الترمل وأحفاده إلى اليتم، كما فعل صدام؟ وحسب شهادة «جمال المجيد»، فقد قتل صدام كل عائلته؛ قتل والده وثلاثة من إخوانه وأخته، وفي النهاية أرسل من ذبح والدته ليلاً على عادة الطغاة.

========================

المجتمع الدولي والخروج من ورطة سورية

2013-01-16

الوطن السعودية

بعد أن أكدت "الخارجية الروسية" ـ أمس ـ على موقفها الرافض لإحالة ملف جرائم الحرب المرتكبة في سورية إلى المحكمة الجنائية الدولية، قائلة إن ذلك ستكون له "نتائج عكسية"، وذلك في مواجهة اقتراح بذلك تقدمت به 57 دولة على رأسها سويسرا، تأكد المعروف، وهو أن روسيا، بوصفها طرفا دوليا مهما، مصرة على الوقوف في وجه المجتمع الدولي من أجل الإبقاء على نظام الأسد، أو من أجل الإبقاء على مصالحها على حساب الشعب السوري الذي تعلم روسيا أنه لن يفرط بسهولة في مطالبه، لكنها تسير مع بشار الأسد ونظامه حتى النقطة الأخيرة في آخر سطر.

روسيا لديها القاعدة العسكرية الوحيدة في المنطقة وتقع في طرطوس، كما أن سقوط نظام بشار يعني تحجيم مبيعات السلاح الروسي، أيضا فإن انتشار الدرع الصاروخية للناتو في أوروبا يعني قطع الطريق مستقبلا على روسيا باتجاه الشرق الأوسط، وهو ما ينفي أي تواجد استراتيجي روسي في المنطقة.

يبدو أن هناك انسدادا سياسيا فيما يخص الأزمة السورية، فالقوى الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة، لا تفضل الحلول الأحادية للأزمة، أو هي لا تستطيع حتى وإن أرادت ذلك، فإنهاء الأزمة في سورية يتطلب حل إشكالات معقدة ومركبة بين عدد من الدول، تتقاطع مصالحها الاستراتيجية والأمنية في سورية، ابتداء بروسيا ومرورا بتركيا وإسرائيل، وصولا إلى الولايات المتحدة، هذا إذا نحينا مصالح دول إقليمية في دمشق، كإيران، وذراعها في الشام حزب الله، وجارتها العراق، لانتفاء قدرتها على المبادرة ومواجهة المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة.

هناك رغبة دولية في إنهاء الملف السوري، بيد أنها تصطدم بعقبات كثيرة، وتتوقف عند أسئلة محورية تتعلق ببدائل النظام السوري، في ظل وجود أطياف متعددة، عسكرية ومدنية داخل سورية، ومحاولة كل الأطراف إيجاد صيغ معقولة ترضي الجميع لإنهاء هذا الملف، وتمهد السبيل للخروج من ورطة سورية.. هذه الورطة التي يبدو أنها أصعب امتحان تعرض له المجتمع الدولي بعد الحرب العالمية الثانية

========================

ليت سورية كانت مالي

رندة تقي الدين

الأربعاء ١٦ يناير ٢٠١٣

الحياة

كان فرنسوا هولاند على الطائرة التي نقلته من باريس إلى أبوظبي واثقاً من أن قرار التدخل العسكري الذي اتخذه في مالي يوم الجمعة الماضي ضروري ولا بد منه. فالقوات الفرنسية وعددها كان في البداية حوالى ١٥٠٠ جندي منعت مالي من السقوط في أيدي إرهابيي منطقة الساحل الذين يريدون تحويل هذا البلد الحليف لفرنسا إلى معقل إرهاب تعد منه عمليات إرهابية ضد فرنسا في أفريقيا وفي فرنسا. وأكد الرئيس الفرنسي للصحافيين الذين رافقوه في الطائرة إلى أبو ظبي، و»الحياة» كانت من بينهم، انه اتخذ القرار يوم الجمعة وليس قبل ذلك. وقال انه اتصل بالرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة الذي اكد له انه اغلق الحدود وأعطى الإذن بمرور الطيران فوق الأجواء الجزائرية. وأجرى اتصالاً بالعاهل المغربي محمد السادس وتناول الموضوع في لقاءاته مع قادة الإمارات في كل من أبو ظبي ودبي. وأيدته المعارضة الفرنسية والإعلام الفرنسي في هذا التدخل رغم أن هنالك ٨ رهائن فرنسيين لدى الجهاديين في الساحل. وشرعية التدخل الفرنسي أتت من طلب السلطات المالية من فرنسا هذا التدخل الذي حصل أيضاً على ضوء اخضر من مجلس الأمن. وهولاند يدرك مخاطر هذه الحرب واحتمال سقوط الضحايا وأيضاً احتمال مقتل الرهائن. إلا أن العملية فرضت نفسها لأن تقدم الجهاديين في الساحل كاد يسقط باماكو وهناك جالية فرنسية من 6 آلاف شخص في مالي كانت مهددة. إن العملية العسكرية معقدة وصعبة لأن الجهاديين يستخدمون طرقاً غير تقليدية في حربهم وهي طرق إرهابية وهذا مريع. ولكن هولاند يدرك ذلك وانتهج خياراً شجاعاً رغم أن خطورة تدهور الأوضاع ليست لمصلحة فرنسا، ولكنه خياره الأفضل من أن يبقى في جوار فرنسا معقل لإرهابيين جهاديين يسيطرون على بلد ضعيف مثل مالي. وقراره بالتدخل أعطاه زخماً على صعيد الرأي العام الذي منذ بداية عهده كان ينتقده ويلومه على عدم الحسم في القرارات الحكومية. فقد اظهر في هذا القرار حسماً في اتخاذ القرار فاجأ الكثيرين من منتقديه. ولا شك في أن هولاند يدرك أيضاً أن جزءاً من الرأي العام العربي والإسلامي سيرى في هذا التدخل في أفريقيا استعماراً فرنسياً، وهذا خصوصاً في صفوف مجموعات سلفية جهادية في المغرب العربي تنتمي إلى «القاعدة» وجزء كبير منهم جهاديون جزائريون قاتلوا النظام في الجزائر ثم أبعدتهم الجزائر إلى مالي، والقسم الآخر جهاديون تمكنوا من الحصول على الأسلحة من ليبيا. ففرنسا وحيدة في هذه الحرب رغم أن البريطانيين والولايات المتحدة أعطتا مساعدات رمزية للحليفة الفرنسية كما أن رئيس الأركان النيجيري للقوات الأفريقية تمركز في باماكو ولكن هي حرب فرنسية بوضوح وهي مصيرية في مقاومة الإرهاب. ولكن مما لا شك فيه هو خيبة الأمل من أن هذه الحرب في أفريقيا تبعد أي احتمال بتدخل عسكري آخر لتخليص الشعب السوري من نظامه. فمجلس الأمن معطل في هذه المسألة والإدارة الأميركية لا تتحرك. فالمعلومات لدى الأوساط التي تعمل على الملف السوري أن إيران هي عقدة اكبر من روسيا أمام رحيل بشار الأسد. فالتدخل العسكري غير وارد في سورية ولو أن الوضع في هذا البلد يهدد منطقة الشرق الأوسط والعالم. وبالطبع سورية ليست مالي والأوضاع والمصالح تختلف ولكن الإرهاب السلطوي في سورية اسقط اكثر من ٦٠ ألف ضحية وإدي إلى نزوح نصف مليون سوري ولم يتحرك احد لإيقاف هذه الكارثة. فحجة أن الوضع في مالي ليس مماثلاً للوضع السوري لا تكفي. إن سفك الدماء المستمر وتدمير البلد من دون أن يتصدى احد لذلك أمران غير مقبولين مهما كانت الحجج. فالوضع في سورية يجعل المراقب يثور على تدخلات سريعة في أماكن لوقف الإرهاب وفي أماكن أخرى يترك القتل والقمع من نظام تؤيده إيران وروسيا، وذلك بحجة أن لا قدرة للعالم وللدول القوية الفاعلة على إنهاء هذا الوضع.

========================

سنة جديدة ومآسٍ كثيرة

عبدالعزيز التويجري *

الأربعاء ١٦ يناير ٢٠١٣

الحياة

أطل العام الميلادي الجديد والأحداث الدامية المتفجرة في سورية تتفاقم، والحلول الناجعة لها تتباطأ، وإيقاف هذه الحرب الضروس التي يشنّها النظام السوري الاستبدادي الطائفي لا يلوح في الأفق، فلا يزال الطاغية السفاح ممعناً في إجرامه ويهذي بكلام يدل على أنه يعيش في الأوهام بعيداً من الواقع المتأزم المتردي المنهار، وأنه أشدّ ما يكون إصراراً على المضيّ قدماً في قتل الشعب وتخريب البلد وجعلها خاوية على عروشها.

ويبدو أن انهيار سورية إلى هذا الحدّ المروع، أو انسداد آفاق الحل السياسي للأزمة المدمرة، لم يكن كافياً لإغراق المنطقة برمتها في مستنقعات الفوضى الهدامة، فنشبت الأزمة في العراق بسبب تعنت المهيمنين على الحكم وطائفيتهم وأصبحت تهدد بحرب أهلية قد تنتهي إذا اندلعت، إلى تقسيم العراق وانفراط عقد الدولة العراقية، بكل ما ينجم عن ذلك من كوارث ستزيد من معاناة الشعب العراقي وتضاعف من بؤسه.

وهكذا أصبحنا، نحن العرب، أمام كارثتين اثنتين مدمرتين؛ الأولى في سورية النازفة الرازحة تحت النظام الديكتاتوري الطائفي، والثانية في العراق المنكوب بالطائفية وبالتبعية لإيران التي بسطت نفوذها عليه. وكلتا الكارثتين تلقي بكلكلها على العرب والمسلمين عموماً، وليس على المنطقة فحسب، وتؤثر تأثيراً قوياً مدمراً في الحياة الاقتصادية والجهود الإنمائية والأوضاع السياسية والاجتماعية، كما تؤثر بالقدر نفسه، في الفكر السياسي السائد، وفي الثقافة العامة، وفي الإبداع العقلي والأدبي والفني، وفي الأداء الإعلامي، وقبل هذا وذاك، تؤثر تداعيات هاتين الكارثتين، في السياسات التعليمية والتربوية والعلمية والتقانية، التي هي المدخل الرئيسُ للإصلاح السياسي والإداري والاقتصادي، وللتطوير والتحديث في مرافق الحياة بصورة عامة. وكأن هناك مخططاً لإبقاء حال العرب والمسلمين على ما هي عليه، بل للتراجع عن المكاسب المحققة وللتفريط في الحقوق وفي المصالح الوطنية والقومية. ولا ضير في أن نقر بوجود هذا المخطط ضد العرب والمسلمين، فليس في هذا الإقرار ما يُعدُّ تخلياً عن تحمّل المسؤولية الجماعية، أو استسلاماً للأمر الواقع بدافع من العجز، أو هروباً من ساحة المواجهة والعمل الجدّي من أجل الإنقاذ. ولكنّ في هذا الإقرار توصيفاً للحالة، واعترافاً بوجود اختراقٍ تسرَّب إلى الجسم العربي من منافذ ظلت مشرّعة غير مأمونة الجوانب.

لا سبيل إلى إنكار ضلوع قوى عظمى وإقليمية في إطالة أمد النظام الطائفي الاستبدادي في سورية، وتمكين النظام الطائفي الاستبدادي في العراق. فهذا هو الوضع الذي يحقق مصالحها الاستراتيجية في المنطقة. وها هي المؤشرات والدلائل تؤكد صحة ما نراه.

لقد وقعت الواقعة، وزُجَّ بالمنطقة في أتون الصراعات والأزمات والكوارث الطائفية والسياسية والأمنية، فانصرفت الأذهان عن التفكير في تجديد البناء على أسس قوية، وفي إقامة الجسور للانتقال إلى المجتمع الجديد الذي يكفل الحريات العامة، وتقام فيه المؤسسات النزيهة التي تمثل إرادة الشعوب، وتتمهد السبل لتحقيق المشروع الحضاري العربي الإسلامي للنهضة القائم على قواعد راسخة من التربية البانية، والتعليم المنتج، والعلوم التي تصنع التنمية وتصوغ الحضارة، وتبني الدولة القوية القادرة التي تمتلك شروط التفوق المعرفي لتذليل العقبات ومواجهة التحديات.

لقد صرفتنا المأساة الناشبة في سورية والأزمة المتفجرة في العراق والأزمات والمآسي الأخرى في مناطق عدة من العالم الإسلامي، عن الانشغال بقضايانا الحيوية، وحالت بيننا، كمجموعة عربية إسلامية، وبين العمل باستغراق وتفرغ، من أجل تعميق الانتماء وتكامل الجهود وتجديد البناء الحضاري للعالم الإسلامي.

فماذا نحن فاعلون والحالة أن الكوارث تتفاقم والأزمات تتعاظم للخروج من هذا النفق الذي زُجَّ بنا فيه؟ إن التحليل المنطقي للأوضاع السائدة في المنطقة، يجعلنا نميل إلى توقع ازدياد خطورة الحالة في المدى القريب، في كل من سورية والعراق، وفي مناطق أخرى من العالم الإسلامي، أمام هذا الغموض المريب الذي يلف التحركات السياسية الإقليمية والدولية في المنطقة، مما يبعث على الشك في نيات القوى العظمى التي تتصدر هذه التحركات، وبخاصة الولايات المتحدة وروسيا اللتين تبيَّن أنهما متفقتان على أمر خفي لن يكون ملبياً مطالب الشعب السوري النازفة دماؤه ولا مطالب الشعب العراقي الجريح الذي يواجه انقسامات خطيرة، ولا مستجيباً معايير العدالة الإنسانية والقوانين الدولية.

تلك هي المشكلة التي لا تزداد إلا تفاقماً مع كل يوم يمرّ من دون حل، والتي يحار العقل السليم في فهم تعقيداتها وما يراد منها وما ترمي إليه من أهداف مريبة تخدم مصالح إسرائيل والقوى العظمى ولا تهتم بمصالح الشعب السوري ولا العالم الاسلامي برمته. ولعل مؤتمر القمة الإسلامي المقرر عقده في شباط (فبراير) المقبل في جمهورية مصر العربية، أن يكون بداية لوضع نهاية لهذه المآسي المروعة والأزمات الطاحنة إذا ما توافرت الإرادة وصدقها العمل.

========================

ماذا بعد خطاب الأسد؟

حسين عبد العزيز *

الأربعاء ١٦ يناير ٢٠١٣

الحياة

في الثالث عشر من الشهر الماضي خرج تصريح روسي مفاجئ شغل الأوساط الإعلامية العالمية، قال فيه نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف إن المعارضة السورية المسلحة تحرز انتصارات على الأرض. تصريح يدل على إعادة موسكو قراءتها للأحداث في سورية على رغم نفيها للخبر.

بعد أيام قليلة من هذا التصريح التقى بوغدانوف مساعد وزيرة الخارجية الأميركية وليام بيرنز في جنيف وخرجت تسريبات عن مبادرة روسية ـ أميركية لإنهاء الأزمة في سورية، ولم تمض أيام أخرى حتى خرج موقف مفاجئ من دمشق لا يقل أهمية عن تصريحات بوغدانوف، إذ قال نائب الرئيس السوري فاروق الشرع في مقابلة صحافية بتاريخ الحادي والعشرين من الشهر الماضي إن النظام والمعارضة عاجزان عن حسم المعركة والمطلوب تسوية تاريخية. تصريح نشرته وكالة «سانا» الرسمية ما يؤكد قبول القيادة السياسية بما جاء فيه، ومؤشر على قبول دمشق بتسوية سياسية.

بعد ستة أيام، في السابع والعشرين من الشهر الماضي أعلن الإبراهيمي عن بوادر اتفاق دولي أساسه اتفاق جنيف الذي فيه ما يكفي للوصول إلى تسوية بحسب الإبراهيمي نفسه، مع إجراء بعض التعديلات لم يعلن عنها، لكن تسريبات سياسية وإعلامية كشفت أنها تعديلات متعلقة بصلاحيات الأسد، ثم ما لبث أن أعلنها الإبراهيمي في مؤتمر صحافي حين أكد أن الحل يبدأ بتشكيل حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة تناط بها مسؤولية المرحلة الانتقالية.

بعد هذه المقدمات أعلن التلفزيون السوري أن الرئيس بشار الأسد سيلقي خطاباً يقدم فيه رؤية للحل السياسي، وسرعان ما تولت وسائل الإعلام المؤيدة للنظام الإسراف في تحليل ما سينبئ به الخطاب. ترقب السوريون: بعضهم متفائل وبعضهم الآخر يائس من نظام غير قادر بعد على فهم حقيقة الأزمة.

ألقى الأسد خطابه في السادس من الشهر الجاري. قدم حلاً أقل ما يقال فيه إنه إغلاق تام لأبواب الحوار وإعلان رسمي لاستمرار القتال، حل يبقي على النظام بكل مؤسساته السياسية والعسكرية والأمنية والحزبية، حل أحادي الجانب غير قابل للمساومة والمناقشة وما على المعارضة إلا القبول به من دون أي تغيير في تفاصيله.

على ماذا يعتمد النظام السوري في تقديم هذا الحل السياسي؟ هل يمكن الذهاب مع بعض المراقبين إلى أن سقف الحل المرتفع الذي قدمه الأسد هو تكتيك لأجل التفاوض؟

ليس هكذا تورد الإبل، فالحل السياسي الجاد مهما كان سقفه مرتفعاً لا بد أن يحمل في ثناياه معطيات ومسائل قابلة للمساومة والحوار، وهو ما كان غائباً عن مبادرة الأسد، التي تجاهلت، ليس مبادرة الإبراهيمي (جنيف 2) فحسب، بل اتفاق جنيف الأساسي الذي لم يتطرق أصلاً لرحيل الأسد، كما أن المبادرة لم تأخذ في الاعتبار الموقفين الروسي والصيني المؤيدين لخطة الإبراهيمي، فالصين أعلنت بعد الخطاب مباشرة تمسكها وتأييدها لخطة الإبراهيمي في إشارة واضحة لرفضها مضمون الخطاب الرئاسي، أما موسكو فقد طالبت المجتمع الدولي بدراسة بعض الأفكار التي قدمها الأسد، لكن تصريح الخارجية الروسية هذا يجب أن يقرأ في سياقه الطبيعي. فقد جاء الموقف الروسي بعد ثلاثة أيام من خطاب الأسد وهذا فيه ما يكفي من الدلالة على عدم رضاها عما جاء في الخطاب، حيث كانت الدولة الوحيدة في العالم التي تأخرت في إعلان موقفها، ثم أن تصريح الخارجية يتحدث عن بعض الأفكار وليس النقاط أو البنود، فالنقاط في المبادرات أو الحلول السياسية تكون محددة وواضحة أما الأفكار فتكون عامة فضفاضة.

لم ترغب موسكو في إحراج حليفها الوحيد في الشرق الأوسط علناً لكن موقفها فيه من الرسائل السياسية ما يكفي لمن يستطيع القراءة.

نعود ونسأل: على ماذا بنى الأسد مبادرته السياسية؟ هل بناها على إنجازات عسكرية حصلت مؤخراً كما يرى بعض المراقبين؟ واقع الحال لا ينبئ بذلك، فالمعارضة تحرز تقدماً واضحاً في المعارك وإن لم تستطع بعد حسم الصراع، والنظام في تقهقر وإن كان قادراً على البقاء والاحتفاظ بتماسكه العسكري في بعض المناطق.

ريف العاصمة دمشق تحول إلى قاعدة خلفية لعمليات المعارضة المسلحة، بحيث تحولت معضمية الشام غرباً وداريا في الجنوب الغربي ومخيم اليرموك جنوباً وحرستا ودوما وسقبا وعربين وكفربطنا وغيرها في الشرق إلى ساحات للمعارك العسكرية، استطاعت المعارضة من خلالها إحداث جيوب مسلحة في بعض أحياء دمشق ذاتها.

أما المناطق الشرقية والشمالية من سورية، فقد أضحى معظمها بيد المعارضة، وفي حلب يستمر القتال الضاري مع انتصارات لا يستهان بها للمعارضة التي استطاعت قطع طرق الإمداد التي يعتمد عليها النظام، فضلاً عن سيطرتها على معظم المعابر الحدودية في الشمال والشرق.

وإذا افترضنا أن مبادرة الأسد جاءت نتيجة إنجازات عسكرية للنظام خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، فهو نوع من المخاطرة السياسية التي قد تأتي نتائجها بعكس ما أُريد لها، لأنها مبنية على وقائع ميدانية سرعان ما تتغير وتجعل التشدد في الخطاب من نصيب الطرف الآخر، وتكون النتيجة إضاعة النظام لجهد دولي للوصول إلى تسوية ستكلف البلاد أكثر مما تكلفت.

========================

الوالي التركي الجديد!

    جهاد المحيسن

16-1-2013

الغد الاردنية

الحالة العربية الرسمية هي حالة برسم الإيجار بما يخص تفكيك الدولة الوطنية، وهي تقف على الحياد السلبي بما يخص مشروع التفكيك. ويبدو المشهد واضحا في الحالة السورية، عندما بدأ الطموح العثماني الجديد يؤتي ثماره على الأرض. فالدولة العلية العثمانية تعيد إحياء مصطلحاتها التي تحمل معاني سلبية في الوجدان العربي، وذلك عندما قررت تعيين "وال" تركي على السوريين والمحافظات السورية "المحررة"؛ فيصل يلمظ!

فالكل مشغول في العالم العربي بهمه ومشاكله الداخلية التي تعود إلى سنوات طويلة تسبق مرحلة الربيع العربي. فمصر وتونس تعيشان حالة من الصراعات والتحديات على كافة الأصعدة؛ السياسية والثقافية، ما يعزز المخاوف في نهاية المطاف من تقويض الديمقراطية الوليدة في هذين البلدين. ولكن دول الربيع العربي وباقي المنظومة العربية تقف في خندق واحد عندما يصبح الأمر شأنا عربيا يستدعي إنهاء هذه الدولة أو تلك.

يبدو أن العرب يغضون الطرف عن تعيين الوالي العثماني الجديد على المدن السورية المحررة، طالما أن الموضوع السوري خلافي، ويستدعي تحرير سورية من قبضة الدكتاتور. والدولة العلية العثمانية في نهاية المطاف هي دولة إسلامية، انتهت الخلافة الإسلامية بنهايتها، فلماذا لا يعاد إحياء هذا المشروع التوسعي التركي طالما أن الإسلاميين وصلوا إلى السلطة في مصر وتونس، والحبل على الجرار؟ فالقضية أصبحت توزيعا، ولا يوجد ما يمنع من إعادة تقسيم المنطقة بحسب التقسيمة العثمانية السابقة، وطالما أن السلطان ما يزال موجودا في أنقرة، عاصمة الإمبراطورية العثمانية الجديدة.

ما يجري من عدم اتخاذ موقف من المشروع التركي التوسعي يؤكد عجز النظام العربي عن مواجهة الأخطار الحقيقية التي تهدد وجوده، حتى مع وجود أنظمة عربية جديدة دخلت نادي النظام العربي.

ما حدث ويحدث في سورية كشف عن حقيقة ما وصلت إليه الحالة العربية من عجز، وحتى المواطن العربي العادي لم يعد يعرف في حالة الضعف العربي هذه العدو من الصديق والمحرِر من المستعمِر، لانشغاله بلعبة الانقسام الداخلي الذي كرسته مرحلة الربيع العربي؛ فالكل مشغول بهمومه الداخلية. وهذا من أهم النتائج التي كشفت عنها الأحداث الأخيرة في سورية، عندما كشفت تركيا عن وجهها الحقيقي والتوسعي في المنطقة. فدعمها للمعارضة السورية لم يكن للتخلص من النظام السوري، بقدر ما تريد إعادة إنتاج العثمانية الجديدة في المنطقة. فلم يعد هنالك شيء مستور، وثبت بالوجه القطعي أن الكل يتآمر على الكل، وأن الأزمة ضربت الجميع في العمق.

لكن الصديق والزميل هشال العضايلة ذكّرني بموقف الأردنيين في سورية الجنوبية، عندما قالوا في العام 1910 للوالي العثماني الجديد في الشام جمال باشا السفاح، ولقائد جيوشه المتوجهة إلى الكرك لقمع ثورتها على الاحتلال التركي، سامي الفاروقي: "يا سامي باشا ما نطيع وما نعد رجالنا، لعيون مشخص والبنات ذبح العساكر كارنا".

jihad.almheisen@alghad.jo

========================

"الزعتري".. الكارثة التي يجب أن تتوقف

   ياسر أبو هلالة

الغد الاردنية

16-1-2013

مثل كل القضايا الكبرى والصغرى، علينا التسليم بأن الحكومة (أي حكومة) اتخذت قرارا صائبا بإقامة مخيم الزعتري، بدءا من اختيار مكانه، فإدارته، وصولا إلى الانتهاء منه بعودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم. وأي انتقاد لأوضاع المخيم هو إساءة للدور الأردني وانتقاص منه، وتنفيذ لأجندات شخصية وخارجية. وبالنتيجة، فإن أي انتقاد، سواء لسياسة كبرى أو لإجراء بسيط على مستوى ميداني، لن يؤدي إلى نتيجة في غالب الأحوال.

فوق ذلك، فإن ما يعاني منه اللاجئ السوري يعاني منه المواطن الأردني. فإن كان المخيم قد غرق بالمياه، فإن شوارع كبرى في عمان غرقت، وبلدات تقطعت بها السبل، فلماذا الانشغال بمأساة صنعها أهلها بأيديهم؟ فقد كان بإمكانهم البقاء تحت القصف والحصار والتدمير، وهم بين الأسوأ والسيئ اختاروا الأخير.

تلك الحجج تصلح للمساجلة بلا معنى، والركون للراحة وتعطيل الضمير. والواقع أن نقاش الموقف الرسمي من الثورة السورية سياسيا وإغاثيا هو مسؤولية القوى السياسية كافة، كما هو مسؤولية الإعلام. وبالتجربة، فإن أخطاء الحكومة تتكرر بشكل أسوأ في مخيم الزعتري، نظرا لغياب الرقابة الفاعلة، حتى الإعلامية منها. فدخول الإعلام مقيد، وأي صحفي يحتاج إلى تصاريح مسبقة للدخول، المقيد زمانا ومكانا.

من حيث المبدأ، شكل المخيم انعطافة في نظرة السوريين والعالم لنا. حتى إعلام النظام السوري أخذ يذرف الدموع على حال أهل الزعتري. وبالمجمل، فإنه لا يمكن مقارنة الحال قبل وبعد الزعتري. فقد ظلت الصورة خلال نحو عام ونصف العام من الثورة السورية وقبل افتتاح المخيم زاهية نسبيا: يستقبل الجيش العربي الهاربين من جحيم القصف والدمار والاغتصاب، ويقدم لهم المعونات العاجلة. بعدها يؤمنون لسكن البشابشة لتتم واقعا لا خيالا أروع عمليات التضامن من خلال إجراء التكفيل. فإن كان الخليح الثري عرف نظام الكفيل مع رجال الأعمال، فإن الأردنيين عرفوا الكفيل مع المعدمين واللاجئين. والكفيل الأردني قد يقدم كل ما يحتاج إليه اللاجئ من سكن ومعونة، وقد شاهدت ذلك بعيني؛ وقد تقتصر مسؤوليته على الجانب القانوني والإجرائي لتستكمل الجمعيات الخيرية دورها الإغاثي.

توجد قصص رائعة غير مسبوقة في مجتمعات ثرية. وأتذكر هنا المرحوم الشيخ سامي مثقال الفايز الذي تبرع بعمارته التجارية للاجئين. وكان ذلك أفضل استثمار له يبقى عائده حتى بعد رحيله عن دنيانا. صحيح أن ما قبل الزعتري شكل إغراء لقدوم كثير من اللاجئين، لكن مأساة المخيم تسهم في تقليل عدد اللاجئين. لكن ذلك يحتاج تدقيقا. فعلى سوء الزعتري، إلا أنه يظل أفضل من القبر أو سجون النظام السوري أو التشريد في داخل سورية في ظل انعدام الأمن وشروط الحياة.

حالنا مع اللجوء السوري كحال من نقضت غزلها من بعد قوة. وفي غرق المخيم فرصة لإغلاقه والعودة إلى النظام السابق، بحيث يكون مخيما محدودا يسبق إجراءات التكفيل، ويبقى فيه من لا يجد كفيلا. وقد أدى المخيم دوره في إشعار العالم بأهمية موضوع اللاجئين، وتسليط الضوء على قضيتهم. وفي النهاية، النظام السوري ساقط، واللاجئون سيعودون، وفرق بين من يعود وهو يشعر بالامتنان وبين من يعود وهو يشعر بالمرارة والألم والخذلان.

ألخص حال المخيم في المنخفض الجوي الأخير بما قاله لاجئ مستغيث: "يا أخي لا يوجد شيء غير مبلل نغطي الأطفال به". هؤلاء أولا وآخرا بشر سيسألنا الله عنهم. والمسألة ببساطة، وبدون تنظير وفلسفة وسياسة واقتصاد، خوف من الله لا أكثر.

أغلقوا المخيم وعودوا للوضع السابق والعود أحمد. واللاجئون عاجلا لا آجلا لوطنهم عائدون.

yaser.hilila@alghad.jo

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ