ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 19/01/2013


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

17&18-01-2013

انتخابات لبنان والتغيير في سورية والعراق

وليد شقير

الجمعة ١٨ يناير ٢٠١٣

الحياة

في المخاض الشديد التعقيد، والعصيّ على الفهم أحياناً، الذي يعيشه لبنان للتوافق على قانون جديد للانتخاب، لا يخرج البلد الصغير عن حقيقة وجوهر ما يحصل في الدول المتجاورة المصنفة دول محور النفوذ الإيراني، لا سيما في سورية والعراق.

ومع أن لبنان يغرق في كمٍّ هائل من التفاصيل التي توازي فسيفساءه الطائفية المملوءة بالعقد واعتقاد كل طائفة أنها محور الدنيا، فإن هذا لا يلغي أن الصراع على قانون الانتخاب هو خلاف على إعادة إنتاج السلطة وتحديد هوية قرارها في السنوات المقبلة. وبهذا المعنى يشبه ما يجري في لبنان ما يحصل في سورية وفي العراق. ومع اختلاف المعطيات الداخلية ودينامية العلاقات بين المكونات السياسية – الطائفية في الدول الثلاث، فإن التشابه الجوهري بينها لا يحتاج الى كبير عناء لاكتشافه: لن تقبل طهران قيام سلطة في أي منها تلغي أرجحية نفوذها فيها و «انتقالها» إما الى شراكة أو سيطرة أي محور آخر سواء كان عربياً – تركياً، أو خليجياً – غربياً في أي منها.

فبالحد الأدنى تسعى طهران الى تأخير انتقال السلطة من نظام بشار الأسد الى معارضيه، على الأقل حتى عام 2014 الذي يفترض أن يشهد الانتخابات الرئاسية في سورية. وفي الحد الأقصى تقوم خططها على بقاء الأسد مدة أطول، على رغم الاعتقاد بأنها ترى ضمنياً صعوبة صموده أكثر. وربما تدفعها هذه الصعوبة الى التشدد أكثر في تأخير سقوطه، وفي عدم تغيير الأسس التي تقوم عليها السلطة في كل من بغداد وبيروت اللتين ستتأثران مباشرة بالتغيير بسقوط الأسد. ولذلك يتشابه السلوك في الدول الثلاث: لا يرف جفن للمسؤولين الإيرانيين إزاء تصعيد الدعم لنظام اغتصب السلطة بوحشية قلّ نظيرها على مدى عقود ويستمر في ممارستها بأبشع صورها فتقرضه بليون دولار إضافة الى دعمه بالمال والسلاح والمقاتلين الذين تزداد أعداد تورطهم مع مقاتلي «حزب الله» في الداخل السوري، هذا على رغم ازمة ايران الاقتصادية الناجمة عن العقوبات. ولا يرف لهم جفن إزاء النجاح في ترجيح كفة نوري المالكي والائتلاف الشيعي في رئاسة الحكومة «العراقية» منذ 2010، على رغم نيل قائمة «العراقية» الأكثرية في الانتخابات البرلمانية في حينه. ولا يرف لهم جفن إزاء التمسك بأرجحية نفوذ «حزب الله» في حكومة قامت على ضغط السلاح وما سمّي ظهور «القمصان السود» في الشوارع كتهديد باستخدام القوة إذا أعادت الكتل البرلمانية سعد الحريري الى رئاسة الحكومة.

ومع تفاوت العنف في كل من الدول الثلاث، فإن الجوهر هو نفسه، أي الحؤول دون التغيير، الى أن ينتج التفاوض المحتمل مع الغرب حول ملف إيران النووي ونفوذها الإقليمي معادلة جديدة، في ضوئها يمكن أن تقبل هذا التغيير أو بصيغة شراكة جديدة في كل من هذه الدول.

تتشابه اقتراحات الحلول ومناورات تأجيل التغيير في الدول الثلاث: في مبادرة إيران حول سورية تتقدم دعوتها الى الحوار على حكومة انتقالية وتعتبر أن 90 في المئة من الشعب مع الأسد الذي يزودها بحجة إضافية هي ربط الانتقال بتحقيق الاستقرار. ويواجه المالكي تصاعد الدعوات الى تنحيه بالمطالبة بالحوار وبتحقيق الاستقرار. ويصرّ «حزب الله» في لبنان على أولوية الحوار (الذي كان عطله قبل سنة) وضمان الاستقرار قبل التغيير الحكومي. إنه تشابه ينتج التعابير نفسها في الدول الثلاث. فانتزاع قرار السلطة من حلفاء إيران يعني تقويضاً للاستقرار. يتميز لبنان بتعقيداته العصية لأن الانتخابات النيابية في الربيع المقبل استحقاق دستوري قد يكون غير مضمون النتائج للاحتفاظ بأرجحية إيرانية (وسورية) في المعادلة الحاكمة، ما يطرح احتمال تأجيل الاستحقاق للحؤول دون تغييرها، إذا لم تنجح جهود اعتماد قانون انتخابي يضمن النتيجة مع حلفاء الحزب، لمصلحة بقاء هذه المعادلة. والمطلوب هنا إنقاص الحصة السنّية لزعامة الحريري والحصة النيابية للكتلة المرجحة لوليد جنبلاط الذي يتيح له موقع الوسطية التأرجح بين هذا الفريق أو ذاك. وهو موقع غير مضمون.

يزداد التعقيد في لبنان بفعل الوضع المسيحي المأزوم الذي يخشى الصراع السنّي – الشيعي، ويسعى الى استعادة المبادرة في قلب السلطة لمناسبة تصاعده المرتقب، فيجنح قادته نحو اقتراح قانون انتخاب كل مذهب لنوابه في سياق المبارزة على النفوذ بين المسيحيين. فالقادة الأربعة الذين اتفقوا عليه، الرئيس أمين الجميل، العماد ميشال عون، سمير جعجع وسليمان فرنجية، مرشحون للمنصب الماروني الأول، رئاسة الجمهورية عام 2014، ويسعى كل منهم لإثبات وزنه المسيحي ليكون جزءاً من المعادلة الحاكمة المقبلة.

ومع أن كثيرين اعتقدوا أن تأييد «حزب الله» هذا القانون المذهبي يشبه استناده الى قاعدة مذهبية، فإن هذا التأييد يمكنه من استخدامه لمصلحة تحجيم الحريري وجنبلاط، أو للتفاوض معهما «بالحوار» على صيغة الحكم بعد الانتخابات.

 

========================

لبنان وسورية: ديمومة الهيمنة العميقة

أحمد جابر *

الجمعة ١٨ يناير ٢٠١٣

الحياة

في ظل التطورات العاصفة، التي تهز البنية السورية العامة، لم تستطـــــع البنية اللبنانية الإفلات من إطـــــار الهيمنة الشاملة، التي فرضها وجود القوات السورية في لبنان، سحابة ثلاثة عقود، والتي أملت مــــقوماتها الأولية، طبيعة العلاقة التاريخية والجغرافية، بيـــن «الشقيقين»، اللذين خرجا من رحم تلك العلاقة. وإذا كان لكـــــل بلد عربـــي مجاور لسورية، شكل انفعاله الخاص بما يجري فيها، فإن الانفعال اللبناني ما زال ذا طبيعة خاصة، تتمـــيّز عمــــّا لسائر دول الجوار من انفعالات. هذا يعيــــد الاعتـــبار إلى المقولة اللبنانية التي تردد أن لبنــــان يشكل داخلاً سورياً، بقدر ما إن سورية تشكل داخلاً لبنانياً، وعليه، فإن حبل الوصل ليس قيداً خارجياً كله، بل إن فيه ما فيه من عناصر التقييد الداخلية الذاتية.

تتوضح عناصر التمايز اللبناني من حقيقة بعض التداعيات، التي كان من آخر تجلياتها مذكرات التوقيف الصادرة ضــــد رئيس الحكومة اللبنانية السابق، سعد الحريري، ومعـــه النائب من كتلته عقاب صقر. ما تحمله المذكرة ليس أقل من الإعلان، أن حكم تداعي النفوذ السوري في محيطه الجغرافي، وفي المدى الذي يتجـــاوزه، لا ينسحب على لبنان، وأن الطوق المضروب حول النـــظام في سورية، ليس له «ملحق تفسيري» في السياسة اللبنانية. ولذلك أسباب، كما سلف، ترقى في تفسير بعض جوانبها، إلى مفهوم «الدولة العميقة»، مما يمكن معه القول إن لبنان يخضع لنمطٍ من الهيمنة العميقة، التي يحتاج زوالها إلى مسار سياسي مغاير، يفسح في المجال أمام تراكم مديد، يفتح على إمكانية الـــوصول إلى ما يمكن تسميته بـ «السيادة العميقة»، التي يتداول اللبنانيون إسمها، ويمارسون عكس ما تقتضيه، وما توجبه، في مجالات الحياة الوطنية كافة.

تشترك الهيمنة العميقة اللبنانية مع ظاهرة الدولة العميقة، في حقيقة قيامها على تجميع «حقائق متناثرة»، تستند إلى نظرية المؤامرة، التي تطاول البلد، وتهدد أمنه، لدى القائلين بـ «الدولة»، وتضع كل طائفة على حافة الهاوية، في الأوضاع اللبنانية القائمة. وإذا كانت فكرة الدولة العميقة تقوم على مجموعة مصالح، تتولى رعايتها وضمانها، تحالفات عسكرية وقضائية واستخباراتية واقتصادية، فإن الحالة اللبنانية ليست غريبة عن هذا السياق، مع فارق أن البنية الداخلية، التي تكون موحدة ومستقرة في دولة ما، هي موزعة على تجمعات أهلية متنازعة، كما هو الأمر في لبنان.

تختلف طبيعة التقاء المصالح، في الأماكن الأخرى، من حيث الديمومة، وتعدد المشتركات، لأن البلد «واحد» في نظر أبنائه، ويحتفظ اتصال المصالح في لبنان، بالظرفية وبفحوى الانتظارية، وبضآلة أو ضمور فعل القواسم المشتركة. وكما أن العنف ووسائل الضغط، أدوات مستساغة لإنقاذ المصالح وتحقيقها، لدى القيمين على شؤون الدولة العميقة، فإن الوسائل نفسها من الترهيب والترغيب معمول بها في لبنان... وما شهده هذا الوطن، بخاصة بعد عام 2005، أبلغ دليل مادي على ما نذهب إليه. لعلنا نستطيع القول إن العنف «النظامي» العاري، قد يكون موقتاً، في هذه الدولة أو تلك، وأن العنف، أو الإكراه «المقنع»، يظل نافذ القوانين. كذلك يمكننا القول إن العنف العاري في لبـــنان صار لغة يومية، وكثيراً ما اقترنت اللغة التهديدية العنفية بالأفعال. لقد خلع الإكراه اللبناني أقنعته، منذ أن صارت السياسة موضوعاً أهلياً عارياً. فـــي سياق الإعلان الإكراهي، يقيد تطور الداخل اللبناني بخطـــب متنافرة تستبطن المصالح الضيقة، وتنطق بألفاظ القضايا الكبرى، التي صارت أسماء من دون مضامين. على سبيل التحديد، شعار السلاح والمقاومة مطلب أهلي، يكرس الهيمنة العميقة على الداخل من الداخل، ويستدرج لها عوامل تعميقها من الخارج. وشعار الغبن الطائفي الأهلي المقابل، يسعى إلى كسر هيمنة بهيمنة أخرى، يعرضها على داخله، وعلى امتداد هذا الداخل الخارجي، وبالجملة، يتوزع الوضع اللبناني على دواخل طائفية ومذهبية، يظلّل العريُ لغتها وأساليبها، ومصالحها وسياساتها وتحالفاتها.

ما جرى تقديمه، يشكل الأساس الموضوعي لنفوذ الهيمنة السورية المستدام، في لبنان، ذلك أنه، وكما سلف، تبني الهيمنة الوافدة على أحكام وتوجهات الهيمنة المقيمة، فتضيف إليها، وتجعلها هيمنة عميقة مركبة، بدل أن تكون هيمنة أحادية الأسس والمنطلقات. والحال، لا يعود غريباً أو مستغرباً، توزع التوجهات السياسية الداخلية اللبنانية حيال التطورات السورية، وإقامة الأطياف الأهلية على ضفة موالاة النظام السوري ودعمه، أو على ضفة مناوأة هذا النظام ودعم معارضاته. ذلك أن التوزّع هو في مضمونه الحقيقي، إعادة تموضع ضمن المجرى العام للهيمنة العميقة، دفاعاً عن استمرارها من جانب المستفيدين منها اليوم، وسعياً إلى قلب معادلتها من جانب المتضررين من اشتغال آلياتها وسريان أحكامها.

حاصل الأمر، أو خلاصته، هو استمرار الانقسام اللبناني حول مصطلح «الهيمنة» عموماً، تلك التي تكون طبيعية في بلدان متقدمة، بحيث تشكل مجموعة مصالحها عنصر استقطاب لقطاعات اجتماعية واسعة، تمكن من قيام حكم ذي قاعدة شعبية عريضة، وإلى وجود معارضة واضحة المعالم وبينة القسمات، ذات انتشار اجتماعي وازن وملموس ومشروع، بالمعنى السياسي والاجتماعي. هذه الهيمنة لم يعرفها لبنان، وما زال من المستبعد أن يتعرّف عليها في المدى المنظور، لذلك فإن الأرجحية ستظل لقوانين «الهيمنة العميقة»، التي كبّلت الوضع اللبناني بقيود الوصاية السورية في السابق، وما زالت تقيّده في الراهن، لأن اللبنانيين ينخرطون في الصراع، حول هيمنة نظام غيرهم، ويدّعون أن هيمنتهم هي بنت الحداثة في نسختها «الأكثر... حداثة»!

 

* كاتب لبناني

 

========================

سماء مثقوبة ببراميل البارود

موسى برهومة *

الجمعة ١٨ يناير ٢٠١٣

الحياة

لم يحدث أن جرى التواطؤ على قضية عادلة كما يجري الآن في سورية. وإذا كان ثمة تواطؤ تاريخي أصاب، وما انفكّ، القضية الفلسطينية، إلا أن هذه الأخيرة وجدت لها مساندين في دول عدة ومؤثرة في العالم، وبخاصة إبّان الحرب الباردة.

أما القضية السورية فهي تشهد الآن أكبر عملية إغماض عين في التاريخ المعاصر، إذ أضحى الدم السوري، الذي نزف من أكثر من 60 ألف ضحية لقيت حتفها، ميداناً للمناورة وشراء الوقت، وتبدّل المواقف والتكتيكات التي لن يستفيد منها إلا جزّار سورية المجرم بشار الأسد.

فمرة يدفع السوريون دماءهم ثمن الصراع القطبي بين الولايات المتحدة وأوروبا من جهة، والصين وروسيا من جهة أخرى، ومرة ثمن التحالف «المتين» بين إيران و «حزب الله» من جهة، في مقابل التحالف الهش لدول تنتسب إلى «أصدقاء سورية»، حيث تكشف الوقائع أنهم أصدقاء مرتهنون لتطورات اللحظة السياسية بكل حمولاتها البراغماتية.

ومرة ثالثة يدفع السوريون ثمن المخاوف من صعود التيارات الإسلامية التي تهدد دول الجوار، حتى لو كان هذا الجوار من أشد المتحمسين للخلاص من بشار الأسد وعصابته، وهنا تطل إسرائيل برأس رغباتها واشتراطاتها، فهي تسعى إلى التواصل مع نظام حكم في دمشق يؤمّن لها حدوداً معافاة من الاحتكاك، وقضّ مضجع جبهة الجولان الساكنة منذ أكثر من ثلاثين عاماً.

ولا يشعر الساسة الذين يتلونون، وفق هذه الأهواء المتبدلة بأي حرج وهم يقلّبون مواقفهم، فيما الشوارع تمتلئ بالضحايا، وفيما بورصة القتل والتهجير والتدمير بلغت حداً غير مسبوق في التاريخ المعاصر، وهو ما يكشف سقوطاً أخلاقياً فادحاً، وتواطؤاً منبوذاً يقدم المصالح الآنية العابرة على القيمة الكبرى في الكون: الإنسان.

إن السوريين الذي رفعوا شعار «يا وحدنا»، و «ما لنا غيرك يا الله» كانوا يعبّرون عن أقصى ما في النفس البشرية من إحساس بالعزلة والإقصاء، لكنهم لم يقطعوا تلك الشَعرة التي تبقي حبل التعويل على النخوة موصولاً، لكنّ الشعرة انقطعت، ولم يرفّ للنخوة جفن، فهي تغطّ في سبات طويل، مانحة السفاح فسحة كي يشحذ سكّينه ويواصل قتل المزيد من البشر الذين يجترحون المعجزات في صبرهم، ومقاومتهم آلة الذبح والإفناء.

وإذا كان ثمة فسطاطان، واحد للخير وآخر للشر، فإن الوقائع المتتالية تشير إلى انتصار قوى الشر، في مقابل تلجلج قوى الخير، وارتباكها، وحيائها، ونكوصها. إن الشر يمشي على الأرض وفي السماء، وله جنود مرئيون بعيون زرق، ولحى تسبّح بحمد الإمام والسيد، فيما «كتائب» الخير تفكر، بل وتطرق في التفكير، في الخطط الكفيلة بإرغام جزار سورية على الرحيل، وكأن الحرب تحسمها الرغائب، وكأن الموت يردعه التلويح بعقوبات لفظية واجتماعات ماراثونية، وتهديدات يسمعها القاتل فيكاد يسقط على ظهره من فرط القهقهة!

ويخشى المرء أن يقع في التعميم، فيقول إن جميعهم متورطون في سفك الدم السوري، وجميعهم مسؤولون بدرجة أو بأخرى عن تمكين سفاح دمشق من أن يأخذ قيلولة على ظهر سفينة روسية يقال إنها ملاذ القاتل الذي لا يبدو أنه يشعر بثقل الحمولة الأخلاقية الباهظة التي يقذف بها في وجه الضمير الإنساني الذي صار يتعامل مع الحدث السوري بمنطق العادة، ويحمد السماء لأن عدد القتلى أقل من ذي قبل، أو لأن الدم في الشوارع جفّ قليلاً، ولربما يثور قليلاً، لبرهة على أقصى تعديل، إن خالفت بورصة الدم توقعاته، أو ارتفع منسوب القتل قليلاً أو كثيراً. إنها المأساة إذاً. تأخذ شكل التراجيديا، كما ترتدي وجه الملهاة. أما الضحية، فلا تملّ من النداء الموجّه إلى سماء مثقوبة ببراميل البارود: «ما لنا غيرك يا الله»!

========================

فئات 'الذين لم تتلطخ أيديهم بدماء السوريين': من هم؟ أين هم؟

صبحي حديدي

2013-01-17

القدس العربي 

منذ أن تعالى الحديث عن مرحلة ما بعد سقوط النظام السوري، وسلسلة الترتيبات العاجلة التي يتوجب أن تسبقها وتعقبها؛ واستجابة لضغوطات شتى، غربية بصفة خاصة، مورست على مؤسسات المعارضة السورية الرئيسية، مثل 'المجلس الوطني السوري' و'الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية'؛ راجت، بالتزامن، مقولة التعاون مع قوى النظام التي 'لم تتلطخ يدها بدماء السوريين'.

وعلى نحو سريع، متسارع وارتجالي أحياناً، بلغت هذه المقولة شأو الافتراض الضمني بأنّ النظام نظامان: واحد سفك الدماء، ولا حوار معه البتة، ولا رجعة عن إسقاطه برموزه كافة؛ وآخر لم يسفك الدماء، وثمة فرصة لأفراده كي ينخرطوا في بناء سورية المستقبل.

وهكذا، في البند 6 من خطة نقل السلطة في سورية وبدء المرحلة الانتقالية، التي أعلنها قبل أيام جورج صبرا، رئيس المجلس الوطني، نقرأ ما يلي: 'تشرف الحكومة المؤقتة على اتفاق بين قادة الجيش الحر وهيئة الأركان المشتركة وضباط الجيش السوري ممّن لم تتلطخ أيديهم بدماء السوريين، لتنظيم عمليات وقف إطلاق النار وسحب الجيش إلى ثكناته، واستيعاب الثوار في الجيش والقوى الأمنية، وضبط الأمن وحفظ السلم الأهلي'.

وأمّا الشيخ أحمد معاذ الخطيب، رئيس 'الائتلاف الوطني'، فقد حثّ على الروحية ذاتها، في خطب رسمية وأحاديث صحفية مختلفة: 'كلّ من لم تتلطخ يداه بالدماء فهو شريك في الوطن، ليس فضلاً منّا وإنما حقّ له، وهؤلاء الناس كثيرون'؛ وكذلك: 'لو كان كلّ الثوار إرهابيين فليستلم [السلطة في سورية] من لم تتلطخ يده بالدماء، ولا مشكلة لدينا بذلك'؛ وأيضاً: 'كلّ من لم تتلطخ يداه بدماء السوريين هو جزء من أي حلّ سياسي ممكن'.

غير أنّ المقولة، التي تبدو للوهلة الأولى بسيطة ومنطقية، تسعى لإحقاق الحقّ، وتنهض على مبدأ أن وازرة لا تزر وزر أخرى؛ تخفي في طياتها مقداراً كبيراً من التعقيد والتشابك، لا يُفقدها قسطاً كبيراً من براءتها الظاهرية، فحسب؛ بل ينذر بانقلابها إلى نقيض ما تصبو إليه من تسامح، واستعداد لقبول الآخر، ونزوع إلى المصالحة. هذا إذا افترض المرء، بادئ ذي بدء، أنّ الجهة/ الجهات التي سوف تتولى فرز ملطخ اليدين من سواه، تمتلك من أسباب الشرعية والتمكن والإحاطة والعدل والإنصاف والموضوعية، فضلاً عن المعلومات والوثائق والبراهين، ما يسبغ الكفاية الحقوقية على خلاصاتها وأحكامها. ثمّ إذا افترض المرء ذاته، بعدئذ، توفّر درجة كافية من الإجماع حول إجراءات كهذه، لدى الأوساط الشعبية ذاتها التي يعود إليها، أولاً، حقّ المقاضاة في وقوع تلطيخ اليد، أو الجزم في عدم وقوعه.

فإذا لم تكن المقولة صيغة لفظية ومجازية صرفة (وهي تأخذ هذا المنحى في أمثلة كثيرة، عملياً!)، فإنّ تصنيف الذين لم تتلطخ أيديهم بدماء السوريين يظلّ عملية أصعب، بكثير في الواقع، من تصنيف الملطخة أيديهم، غنيّ عن القول. هم، في المقام الأول، ليسوا أولئك الذين انشقوا صراحة عن النظام، بصرف النظر عن توقيتات انشقاقاتهم ودوافعها الظاهرة والخافية، والمواقع التي شغلها كلّ منهم في آلة السلطة. ذلك لأنّ الفرضية العقلية البسيطة تقول إنهم قد انخرطوا في صفّ الانتفاضة، وهذه تجبّ ما قبلها، الآن على الأقلّ، في انتظار ساعة حساب يتوجب أن تأزف ذات يوم، في سورية المستقبل، حيث دولة الحقّ والقانون. كذلك فإنّ الفرضية السياسية تستوجب زجّهم في محاولة استمالة تلك الشرائح من 'جمهور' النظام، التي حافظت على درجة من الولاء لمؤسسات السلطة، حزب البعث أو النقابات أو اتحادات الطلبة والشبيبة أو ما يُسمى 'المنظمات الجماهيرية' عموماً؛ لكنها لم تذهب بالولاء إلى حدود الانخراط، على نحو عسكري وأمني مباشر، في حرب النظام ضدّ الشعب.

ولكن، في جانب ثانٍ من أركان التصنيف، أين نعدّ أمثال رامي مخلوف، تمساح المال والأعمال والفساد، وصيرفي النظام الأبرز: في صفّ الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء، باعتباره ليس ضابطاً في جيش النظام أو في أجهزته الأمنية، وليس قائداً ميدانياً لميليشيا عسكرية أو قطيع شبيحة؟ أم في الصفّ الآثم، بوصفه أحد كبار مموّلي الإنفاق اليومي على آلة الاستبداد، وأحد كبار دافعي رواتب الشبيحة، فضلاً عن الخدمات اللوجستية الكثيرة التي تقدّمها شركاته لأجهزة النظام المختلفة؟ وإذا جاز القول إنّ حالة مخلوف أوضح من سواها، لجهة تصنيفه في خانة الملطخة أيديهم بدماء السوريين، فما حكم بثينة شعبان مثلاً، المستشارة الإعلامية للقصر الجمهوري رسمياً، وطابخة معظم قدور الحصى حول مسرحيات 'الحوار الوطني' و'المعارضة الداخلية الشريفة'؟ أو عمار ساعاتي، رئيس ما يُسمّى 'الاتحاد الوطني لطلبة سورية'، وقائد معظم عمليات التشبيح الدامية ضدّ طلاب الجامعات السورية؟ أو الشيخ محمد سعيد رمضان البوطى، الذي أفتى بأنّ ضحايا النظام ليسوا شهداء، وحرّم التظاهر السلمي في الشوارع، واعتبر صورة الأسد الموضوعة على الأرض بمثابة بساط يمكن السجود فوقه لله؟

والأكثر تعقيداً، في جانب ثالث من أركان التصنيف، هي حالة المسؤولين السابقين الذين شغلوا مواقع عليا في جهاز الدولة، ولم يكونوا مجرّد موظفين يؤدون مهامّ بيروقراطية صرفة، بل شاركوا في إدارة شبكات الفساد، وانخرطوا فيها بأنفسهم: هل ذاك الذي امتصّ دماء السوريين، وأثرى على حساب قوتهم وكدّهم، ونهب ثروات بلادهم... يختلف كثيراً عن ذاك الذي تلطخت يده بدمائهم؟

وذاك الذي لم يكن فاسداً تماماً، لأسباب شتى، لكنه سكت عن الفساد، أو تواطأ عليه، أو سهّل عملياته بحكم موقعه، ما الرأي فيه؟ وقد يقول قائل، محقاً في مستوى أوّل: ألا يتوجب على دولة الحقّ والقانون الوليدة أن تحسم أمر هؤلاء، في دور القضاء وقاعات المحاكم؟ صحيح، بالطبع، ولكن للأمر مستواه الآخر الأسبق، الذي أخذت تلهج به مؤسسات المعارضة: إذا كان هؤلاء شركاء لنا في الوطن، و'ليس فضلاً منّا' كما يقول الشيخ الخطيب، فهل يكونون أيضاً شركاءنا في المرحلة الانتقالية، قبل أن يقول القضاء كلمته في ماضيهم، من حيث أفعالهم التي خرقت قوانين كانت سارية المفعول في عهودهم، هم أنفسهم؟

لعلّ بعض الأمثلة تقرّبنا أكثر من ميدان النمط الملموس، وليس المجرّد وحده. ففي خريف 2004 عقد محمد الحسين، وزير مالية النظام آنذاك، مؤتمراً صحافياً واسع النطاق، غير مسبوق أو بالأحرى غير معهود في تاريخ وزارة كهذه، مع مراسلي الصحف المحلية والعربية والعالمية. واكتسب اللقاء أهميته من اعتبارات ثلاثة: أنّ الوزير عضو في القيادة القطرية، ورئيس المكتب الاقتصادي القطري، ومن الجيل 'الشاب' الذي واكب ترقية بشار الأسد في الميدان الحزبي، ومن مواليد محافظة دير الزور الشرقية النائية غير المعروفة بتعاطفها مع النظام؛ وأنّ اللقاء، ضمن الاعتبار الثاني، عُقد في مقرّ دار البعث، بما يوحي توجيه رسالة مفادها أنّ الوزير ـ الرفيق يتمتّع بدعم قيادة الحزب أيضاً؛ وأخيراً، أنّ الهدف الرئيسي من اللقاء كان شرح مبادىء 'التعاون' و'الشفافية' و'الصدق' التي تعتمدها الوزارة مع الوفد الأمريكي القادم للتفتيش على المصرف التجاري السوري، بحثاً عن تبييض أموال أو ودائع عراقية، أو سواها من التفاصيل التي يستدعي 'قانون محاسبة سورية' التدقيق فيها.

ولقد كان الوزير مفوّهاً ذرب اللسان متباهياً في كلّ ما طُرح عليه من أسئلة، عدا ذلك السؤال الوحيد الذي تجاهله تماماً، وكأنّ أحداً لم يطرحه البتة: ما حكاية انقلاب شركتَيْ الهاتف الخليوي 'سيرياتيل' و'سبيستيل'، لصاحبهما الأبرز رامي مخلوف، من شركتَي BOT (أي بناء ـ تشغيل ـ انتقال ملكية)، إلى شركتين مساهمتين تطرحان الأسهم للبيع على الجمهور، قبل أو دونما إحداث سوق أسهم؟ المحتوى الآخر للسؤال ذاته كان يفيد التالي: هل تنازلت الدولة عن حقّها في امتلاك الشركتَين بعد انتهاء مدّة العقد؟ وكيف، نكتشف، ويكتشف الجمهور السوري، الآن فقط أنّ المدّة هذه ليست ثماني سنوات كما نعرف ويعرف الجميع، بل هي 15 سنة بالتمام والكمال... هذا إذا وافق مخلوف على ردّ ما للدولة إلى الدولة!

بالطبع، 'طنّش' الوزير ـ الرفيق عن هذا السؤال لأنّ أملاك ومشاريع وأنشطة مخلوف كانت وتظلّ فوق القانون، ويحدث أحياناً أن تكون صانعة للقوانين أو معدّلة لها أو ضاربة بها عرض الحائط (كما حين أصدرت محكمة البداية المدنية في دمشق حكمها بتحويل ملكية 750 ألف سهم من مجموعة نجيب ساويريس إلى مجموعة مخلوف؛ أو حين خضع بشير المنجد، وزير المواصلات، الاتصال والتقانة بعدئذ، وطوى قراراً بمنع شركتَي الخليوي من تحويل أموالهما إلى الخارج دون إذن من الوزارة؛ أو حين بدا أنّ كلّ قوانين الأرض لا تحفظ حقّ آل سنقر في وكالة مرسيدس، التي سال لعاب مخلوف عليها...). ولقد 'طنّش' الحسين لأنّ مخلوف يمثّل التجسيد العملي الأعلى للبنية الريعية التي تضخّ أموال الفساد إلى حسابات الفاسدين، من أعلى الهرم وحتى أسفل سافله!

وبعد المالية والمواصلات، هنا مثال ثالث جسّده وزير الصناعة الأسبق غسان طيّارة: رجل شغل موقع نقيب المهندسين طيلة 20 سنة، ليس لأنّ مهندسي سورية يهيمون به إعجاباً، وليس لأنه انتُخب (حتى بمعنى انتخابات حزب البعث الأقرب إلى المهازل)، بل لأنه عُيّن تعييناً بقرار من القيادة القطرية للحزب الحاكم، بعد حلّ نقيب ومجلس نقابة المهندسين في عام 1980، إثر التحرّك الشعبي والمهني الواسع ضدّ النظام. المثال الرابع غسان الرفاعي، وزير الاقتصاد الأسبق، المستشار السابق في البنك الدولي، 'المستقلّ' حزبياً، ولسان حال توجهات السلطة نحو الاقتصاد الليبرالي. وفي التغيير الأول لوزارة محمد ناجي عطري، جرى الاحتفاظ بالرجل ضمن صيغة إرسال المزيد من الإشارات حول الليبرالية القادمة، ولأنّ النظام كان بحاجة إلى هذا 'الخبير' في خوض مفاوضات شاقّة حول الشراكة الأوروبية. وفي دورة التغيير، عطري ـ 2، فُصلت التجارة عن الاقتصاد، وارتدّت هذه الوزارة الأساسية إلى حيث بدأت وتواصلت طيلة عقود: إلى حزب البعث الحاكم، الذي عاد من جديد للإطباق على المالية والصناعة والاقتصاد!

أليس البتّ في أمثال الحسين والمنجد وطيارة والرفاعي أشدّ تعقيداً، من حيث الإشراك في بناء الوطن، من الرأي في كبار ضباط الجيش الذين لم ينشقوا، ولكن النظام جمّد صلاحياتهم أو أحالهم إلى مواقع غير قيادية لارتيابه في إمكان انشقاقهم عنه؟ أليس أشدّ صعوبة، كذلك، من نموذج قاضٍ اضطُرّ، تحت ضغط رؤسائه وإلحاح لقمة العيش والخوف من التنكيل، إلى إصدار أحكام جائرة بحقّ المواطنين؟ وقبل انقياد مؤسسات المعارضة إلى خطاب غنائي حول التسامح والشراكة المستقبلية في الوطن، ألا يتوجب احترام الذاكرة الشعبية بصدد شخوص النظام، لا رموزه وحدهم؟ ألا يصحّ فرز زارع الحنطة عن زارع الزوان، كما جاء في مثال يسوع الناصري... سيّد التسامح؟

 

========================

قهوة الصباح بطعم سوري

د. عبدالوهاب الأفندي

2013-01-17

القدس العربي 

(1) على راديو 4 تصدر نشرة الأخبار الصباحية نبأ قرار الحكومة البريطانية تعديل نظام المعاشات بحيث يتم توحيد المعاش الذي يصرف لكل البريطانيين ورفع قيمته خلال أربعة أعوام، بينما كان الخبر التالي إعلان المسؤولين الفرنسيين أن قرار التدخل في مالي أوقف تقدم المتمردين الإسلاميين جنوباً. أهرع لأداء بعض الواجبات الصباحية، وأثناء ذلك ألقي نظرة على شاشة قناة الجزيرة. 'عدد القتلى في سوريا برصاص قوات النظام' بلغ بالأمس 216. أصبحنا وأصبح الملك لله! وكم عدد من قتل بغير رصاص قوات النظام يا ترى؟ حان الوقت لتناول قهوة الصباح مع بعض الخبز المحمص والمربى.

 

(2)

 

بعد حديث خفيف عن دور حارس المرمى في كرة القدم، وعما إذا كان يضع صاحبه في مرتبة أدنى من بقية اللاعبين، تناولت فقرة 'فكرة اليوم' ذات الطابع الروحاني في راديو 4 حوادث الاغتصاب العنيف في الهند، ولم يجد القس الذي قدم الفكرة مدخلاً روحانياً مناسباً لمعالجة المشكلة، وإنما زاد الطين بلة بالإشارة إلى أن التوراة حفلت بحوادث الاغتصاب العنيف، بما في ذلك اغتصاب المحارم، دون أن تكون لتلك القصص خاتمة طيبة. وفي نهاية كلمته أفتى بأن كل مصيبة تفتح أبواب بدايات جديدة. ليقل ذلك لذوي الفتاة التي اغتصبت وقتلت.

 

(3)

 

أستعد للخروج في يوم بارد غطى فيه الثلج كل شيء: أتدثر بملابس دافئة، وأجمع الكتب والأوراق وتلك 'الضرورات' الالكترونية المعروفة. أتابع السجال على شاشة التلفاز حول قصف جامعة حلب، حيث يتهم الثوار النظام بقصفها بطائرة صبيحة أول يوم في الامتحانات (هل ما يزال البعض يدرس ويجلس للامتحان في حلب؟)، بينما إعلام النظام يتهم الإرهابيين إياهم بأنهم من فجروا الجامعة. بغض النظر عن الجاني، فإن عدد القتلى فاق الثمانين، تمزقوا أشلاء، إضافة إلى مائة وستين جريحاً، قد يكون القتلى أسعد حالاً منهم. هناك اتفاق على أنها جريمة منكرة، بدليل أن النظام الذي لم يطرف له جفن أمام الكبائر الأخرى، يتبرأ منها.

 

(4)

 

أن يرتفع عدد القتلى في سوريا إلى أكثر من مائتين منهم ثمانون قضوا في حادث واحد أمر غير اعتيادي حتى بمقاييس هولاكو سوريا. ولكن الأمر لا يستوقفني سوى لثوان معدودة للتأمل قبل أن أنصرف لشأني، فالواجبات أكثر من الأوقات كما كان الشيخ حسن البنا رحمه الله يكرر. أتوقف عند السوبرماركت في ناصية الشارع لشراء بعض السندويتشات والمشروبات قبل أن أصعد إلى المكتب. أتذكر لبرهة المخابز السورية التي يموت الناس على أبوابها، قبل أن أختار بعناية ما أحتاجه لغداء ذلك اليوم: ساندويتش تونا مع عصير برتقال. أتوقف كذلك في المقهى المجاور لشراء كوب من الشاي.

 

(5)

 

بعد المحاضرة يطرح الطلاب أسئلة حول قضايا منطقتنا السياسية من وحي موضوعها، فيتطرق النقاش إلى تركيا وعلاقتها بالاتحاد الأوروبي، اغتيالات ناشطي حزب العمال الكردستاني، ثم إلى غزة وعلاقة 'الدولة' الفلسطينية الافتراضية بإسرائيل وأخيراً موقف عامة المسلمين من القاعدة. أما سوريا فلم يتطرق لها أحد. ما هو الجديد هنا؟ القتل اليومي؟

 

(6)

 

في نهاية يوم مرهق، أتابع الأنباء على عجل. عدد القتلى اليوم بلغ 141 فقط. الحمدلله، 'جات سليمة'. هذه مناسبة لتناول كوب من الشاي، ثم التأكد من أن التدفئة مضبوطة على النحو المطلوب، قبل أن آوي إلى الفراش بصحبة كتاب وأنا أحاول أن أطرد من ذهني مشهد أطفال مخيم الزعتري وهم يضطرون للنوم في الوحل. أفكر بدلاً عن ذلك في قصور الزعماء العرب، وفرشها الوثيرة الدافئة، فيزحف النوم إلى جفني بسرعة كبيرة.

 

(7)

 

صباح آخر، مجازر أخرى. في صحف الصباح تأكيد في صحيفة بريطانية باستخدام النظام لأسلحة كيماوية في حمص، وتقرير للمرصد السوري عن مجزرة في حمص راح ضحيتها 106 من المدنيين كانوا يختبئون في أحد بساتين المدينة. العناوين في راديو 4 تركز على قضية تلوث بعض أصناف الهامبرغر المباع في بريطانيا بلحم الخيل، وقضية الرهائن الغربيين في الجزائر، وخطر تدفق اللاجئين من شرق أوروبا. ومع ذلك وجدت المحطة وقتاً لتقرير من حلب ما كان يكون مختلفاً لو أعدته قناة الدنيا. قررت تناول القهوة هذا الصباح بدون الخبز المحمص، تضامناً مع أخواننا في المخيمات. سأكتفي فقط بقطعة بسكويت.

 

(8)

 

لم يعد خبر مجزرة سورية أخرى يدفع المرء لمجرد الالتفات. النظام السوري لم يمارس الإبادة في حق السوريين أو يدمر سوريا فقط، بل قتل الإنسانية في قلوب معظم سكان كوكب الأرض. مات السوريون، وماتت النخوة والإنسانية وكل شعور نبيل في نفوس الناس. ألا رحم الله الإنسانية.

 

========================

روسيا سوريا.. مجرد خلاف في مواضع الأحرف

د. نور الله السيّد

2013-01-17

القدس العربي

كثرت التفسيرات عن سر دفاع روسيا الاتحادية عن النظام السوري، منها من ذهب إلى القول بأن سورية هي المعقل الوحيد المتبقي لروسيا من دولها الصديقة في المتوسط أيام الاتحاد السوفيتي، ومنها من قال بأن سورية تمنح روسيا تسهيلات عسكرية أهمها قاعدة بحرية في طرطوس ومنها من قال بأن سورية تمثل سوق أسلحة هام بالنسبة لروسيا. وهناك من قال بأن روسيا تبحث عن دور فاعل في هذا العالم يماثل الدور الذي كان يمارسه الاتحاد السوفييتي.

ولكن هذه الأسباب ليست مقنعة فعلاً. فمشتريات سورية من الأسلحة الروسية لا تمثل قيمة اقتصادية هامة فهي أقل من 300 مليون دولار وسطياً سنوياً في فترة الأسد الابن وتخضع لعوامل سياسية متعددة كما حدث في صفقة صواريخ إسكندر التكتيكية التي اتُفق عليها عام 2001 وكان من المتوقع تسليمها عام 2005 فأوقفت بتدخل من إيهود أولمرت رئيس وزراء إسرائيل حينها. أما قاعدة طرطوس فلا يمكن تسميتها بقاعدة بحرية بالمعنى العسكري، وهي ليست أكثر من محطة وقود وتوقف للسفن للإصلاحات البسيطة ولا يمكن التعويل عليها حربياً، ويمكن الحصول على خدمات مماثلة بالاتفاق مع أي دولة من دول المتوسط.

أما أن سورية هي المعقل الصديق المتبقي لروسيا في المتوسط فهذا في الواقع لا معنى له، إذ إن الواقع الجيوسياسي قد تغير في العقدين الأخيرين والحرب الباردة انتهت وأمريكا لم تعد تنظر إلى المتوسط والشرق الأوسط عموماً على أنه منطقة استراتيجية. وبلد بمساحة روسيا وامتدادها لا يهمها الحصول على مواطئ قدم هنا وهناك. أما الدور السياسي في العالم فلن يكون على خلفية المسألة السورية. فلكل دولة قدر ووزن معروفين. فروسيا عضو في مجلس الأمن وقوة عسكرية جبارة ومساحة جغرافية مترامية وقوة اقتصادية متوسطة ونظام سياسي لا تُحسد عليه. لها علاقات اقتصادية حيوية مع أوروبا بالنسبة للطرفين وحدود جغرافية هامة وعلاقتهما تتسم بالبرود عموماً. هذه هي عناصر قوتها وضعفها، تستعملها في كل مسألة ويحسب وزنها على أساسها. فهي لم تستطع التدخل في الأزمة البلقانية عام 99 ولم تستطع في العراق عام 2003 ولم تستطع في ليبيا عام 2011.

ولا يبدو في الظاهر من علاقة مباشرة قادرة على تفسير الارتباط بين النظام السوري وروسيا ودفاع الأخيرة عن الأول وكأنه نظامها. فروسيا ومنذ اليوم الأول لاندلاع الثورة السورية على موقف ثابت: نكران الثورة والدفاع عن النظام السوري واعتماد مواقفه وتفسيراته لما يجري في سورية حتى في الحالات التي كانت أكثر من واضحة مثل مذبحة الحولة. ودافعت روسيا عن سورية في كل المحافل الدولية فمنعت إصدار قرار إدانة ما يجري في سورية، ووقفت مع ما يريده النظام السوري في كل المبادرات التي جرى تداولها لحل المسألة السورية وآخرها الالتفاف على خطة الإبراهيمي التي لا تناسب النظام السوري والتصفيق على الطريقة الروسية لخطاب الأسد الأخير وهو ما لم يفعله السوريون أنفسهم!

تدعي روسيا أن موقفها لأسباب مبدئية. فهي ترفض أن يكون لأي دولة إمكانية التدخل بشؤون أية دولة أخرى، وأن يكون مجلس الأمن وصياً على الدول والشعوب. وأن ما حدث في ليبيا لن تسمح بتكراره في سورية. وسار البعض في سوق هذا السبب باعتباره سبباً رئيساً يُفسر حذر روسيا من استغلال قرارات مجلس الأمن على النحو السيئ الذي حدث في القرار الخاص بليبيا! ولكن كيف يمكن تصديق أن الغرب تمكن من خداع روسيا والصين وفعل ما فعل بغفلة منهما؟ فكلاهما ليستا على هذا القدر من السذاجة.

أما أن يكون موقف روسيا لأسباب مبدئية فهذا نُبل قلما عرفته السياسة الروسية ولا يستقيم وسلوكها السياسي عموماً. فاحتلال تشيكوسلوفاكيا وإخماد ربيع براغ عام 68 لا يزال ماثلاً في الذاكرة. وقمع استقلال الشيشان عندما أعلنت روسيا الحرب عليها وقتلت رئيسها دوداييف عام 96 الذي كان أعلن استقلالها عام 91. ولما لم تستطع روسيا يلسين حسم الحرب أبرمت معها اتفاقية عام 1996 تنص على خروج الروس منها وإجراء استفتاء فيها عام 2001! ولإجهاض هذه الاتفاقية افتعلت روسيا بوتين عام 1999 جرائم قتل بالسُم لمواطنين روس في شققهم واتهمت مجموعات من الشيشان بالقيام بذلك. وشنت روسيا إثر ذلك حرباً على الشيشان سحقت خلالها قياداتها وأجهضت استقلالها. وعندما اكتشف بعض الصحفيين حقيقة ما جرى وفضحوه لاحقتهم المخابرات الروسية وقتلت عام 2006 الصحفي ليتفيننكو بالسّم في لندن وكذلك الصحفية الروسية الشهيرة آنّا بوليتكوفسكايا رميا بالرصاص.

والحال هذه، فهل كان لروسيا، البوتينية خصوصاً، أن تتخذ موقفاً آخر غير الذي اتخذته من الثورة السورية؟ الجواب لا وإلا فستكون في تناقض مع نفسها وعليها أن تتوقع ردود فعل من جمهورياتها القوقازية مثلاً وعلى رأسها داغستان وشركستان والشيشان التي تعيش حالة إلحاق تاريخية بدأت بروسيا القيصيرية ثم الاتحاد السوفيتي ثم روسيا الاتحادية منذ مطلع القرن التاسع عشر وتصبو وضوحاً لتحقيق حالة من الاستقلال وهو ما لا ترغب فيه روسيا قطعاً. وإذا أخذ بالحسبان وضع الدول التي تدور في الفلك الروسي وروسيا نفسها، التي لا تحسد على 'ديمقراطيتها'، مثل روسيا البيضاء وغيرها التي قد تجد نفسها في مواجهة شعبية مطالبة بأنظمة أكثر انفتاحاً، الأمر الذي سيلقى دعماً من الغرب لاعتبارات عدة، فماذا سيكون عليه موقف روسيا عندئذ؟ يمكنها أن تعيد عندها التذكير بموقفها في المسألة السورية الذي سيحيل كل ما يمكن أن تشهده جمهورياتها القوقازية ودولها 'الصديقة' إلى شؤون داخلية وتقاوم التدخل.

على صعيد آخر عرفت روسيا بأن الغرب لن يتدخل وعلى رأسه أمريكا التي كانت تعد العدة للخروج من العراق. كما أن سورية لا تمثل قيمة حيوية وهدفاً سهلاً بالنسبة للغرب كما هو الحال في ليبيا، وإنما قيمة سياسية متأتية عن ارتباطات سورية الإقليمية التي يكفي للغرب إضعافها إلى حد جعلها عديمة التأثير وتحيدها تماماً وهو ما يمكن بلوغه بإطالة الأزمة السورية مع احتوائها لتبقى داخل سورية، وهو ما تم حتى الآن. ومن ثم فلن يكون هناك من تدخل عسكري من قبل الناتو، إذن لا خطر من إحراج لروسيا. وصواريخ باتريوت التي تُنشر حالياً في الأراضي التركية بمواجهة الأراضي السورية فقيمتها ردعية ولن تستعمل إلا في حالات الضرورة القصوى. إذن فهامش المخاطرة في موقفها من الأزمة السورية صغير جداً.

ومما ساعد روسيا على موقفها المؤيد للنظام السوري الترابط الإيراني السوري. فخسارة إيران لسورية ستكون عالية الكلفة على إيران لذا فإن إيران ستقدم كل الدعم الممكن، العسكري والاقتصادي، المباشر وغير المباشر، لإبقاء النظام السوري حياً. ومن ثم فإن روسيا تساند سورية سياسياً دون كلف مادية ودون حاجة للتورط المباشر.

من جهة أخرى، يؤخر موقف روسيا من المسألة السورية سقوط النظام السوري وهذا يقلل من تشجيع إسرائيل التي كانت تتحين الفرصة لضرب إيران. فروسيا تبحث عن إعاقة أية عملية عسكرية ضد إيران نظراً لتداعياتها الكثيرة على المنطقة بما في ذلك روسيا نفسها.

وهذا كله لا يمنع أن تكون القراءة الروسية لما يجري في سورية خاطئة تماماً. وهذه لن تكون المرة الأولى، فالقراءات السياسية لروسيا نادراً ما كانت صائبة وخاصة عندما تمتزج برغبات 'قيصيرية'، كما هو حالها اليوم. ورغبة قيصر الكرملين الحالي تتمثل في إعطاء روسيا دوراً في العالم على الطريقة السورية في منطقتها، أي دور 'الأزعر أو الفتوة'، فيجني ما يجنيه الأزعر بالإتاوة، ولكن إلى حين.

 

========================

المثقفون السوريون وتشكيلات المعارضة

عمر كوش

المستقبل

18-1-2013

وضعت الثورة السورية حَمَلة الأفكار الطنانة، من يساريين وقوميين وإسلاميين، على المحك في خيارهم الديمقراطي، وفي مدى اقترابهم والتزامهم بمصالح الناس وحقوقهم، وأعادت فرزهم بطريقة لا لبس فيها. وتبيّن أن الأحزاب اليسارية والقومية والدينية، عاجزة عن مواكبة الثورة ودعم ناسها، والانخراط في حراكها. وقد يعود الأمر إلى تركيبتها والعقليات المتحكمة فيها، حيث لم تتمكن طوال عقود عديدة من إحداث قطيعة معرفية وسياسية مع ماضيها، القائم على الإقصاء والأحادية، وعلى التعبئة الايديولوجية ذات الاتجاه الوحيد، ولا يزال قادتها وممثليها أسرى نفس العقلية القديمة ونفس النهج القديم.

ومع تعدد التشكيلات السياسية لقوى المعارضة السورية، التي نشأت بعد ثورة الخامس عشر من آذار 2011، فإن الناظر في تركيبة مختلف تشكيلات المعارضة، بما فيها الائتلاف والمجلس الوطني السوري وهيئة التنسيق الوطني والمنبر الديمقراطي والتحالف الديمقراطي السوري والمجلس الوطني الكردي وسواها، يجد أنها لم تنبثق من قلب الحراك الاحتجاجي الثوري، لذلك لم تتمكن من تمثيله فعلياً، وحاول بعضها ترديد مطالب الثوار، ولم تبتعد مسافة كافية عنها ليحق له الادعاء بتمثيلها عضوياً، ولا انفصلت عنها مسافة مطلوبة لقيادتها ومساعدتها. والمفارق في الأمر هو أن القوى التي رفضت التدخل الخارجي، خاصة العسكري، وجعلته لافتة لها، لم تنأى بنفسها عن التدخلات الدولية والإقليمية في شؤونها، وفشلت جميعها في تأمين الدعم اللازم والضروري للثورة. وحتى الدعم المالي القليل الذي حصلت عليه، وزعته وفق حساباتها الضيقة، القائمة على ضمان تأييدها.

وتذهب أغلب تفسيرات أسباب فشل تشكيلات المعارضة السياسية إلى حالة العطالة السياسية، الموروثة من عقود انتفاء السياسة ومصادرتها في سوريا، والتي طبعت العمل السياسي المعارض بطابع من الهامشية، وشوهت الفعل السياسي، بوصفه ممارسة تهدف إلى تغيير الواقع، وليس موقفاً أخلاقياً أو مبدئياً فقط، الأمر الذي يفسر تعلق بعض المعارضين وتركيزهم على المواقف المبدئية فقط، مع غياب مقتضيات الفعل السياسي. يضاف إلى ذلك غياب برنامج تغيير واضح لدى القوى والأحزاب التقليدية، وتركيزها على الإرث الشخصي لبعض رموزها التاريخيين، الذين تحولوا إلى ما يشبه المستحاثات السياسية، واطمأنوا إلى تاريخهم الذاتي، بل وحولوا السياسة إلى استثمار شخصاني. والأهم هو لجوء بعض الشخصيات المعارضة إلى سياسة تسجيل المواقف والنقاط، وسوق الاتهامات، وهدر الجهود، وتسميم الأجواء، وعدم القدرة على العمل الجمعي المؤسساتي، والتركيز على شخصنة الخلافات، بما يزيد من التنابذ والفرقة. وعليه، فإن تجربة تشكيلات المعارضة السورية، أظهرت أن المشكلة ليست خلافات سياسية بين تيارات وقوى، بل تفشي أمراض متعددة الأبعاد، عملت على تثبيط فاعلية أطرها وهيئاتها ومجالسها، وبدلاً من أن تشكل داعماً حقيقياً للثورة صارت عالة عليها، حيث لم تقدم الدعم الكافي، فضلاً عن عدم تمكنها من قيادة الثورة الشعبية الواضحة الأهداف، واكتفت قيادات المعارضة بترديد مطالب الناس، وما تصدح به حناجر المتظاهرين من شعارات المتظاهرين، الأمر الذي بيّن انقطاعها العملي عن وقائع الثورة ومسارها.

يضاف إلى ما تقدم دور القوى الخارجية المخاتل والمتردد، التي تدعي الانحياز إلى ثورة الشعب السوري، فضلاً عن الإسناد والدعم المتعدد الوجه الذي يلقاه النظام الأسدي من طرف إيران وروسيا واطراف إقليمية ودولية أخرى. وهناك أدوار لبعض الدول، تسهم في حرف وجهة الثورة، وصبغها بصباغ معين، ودول أخرى تريد فرض أجنداتها وتوجهاتها على قوى الثورة، بل وتريد إجهاض الثورة ووأدها.

بالمقابل، توجه إلى المثقفين المستقلين والنشطاء السياسيين الفاعلين على الأرض في سوريا انتقادات، تطاول أسباب عزوفهم عن الانخراط في التشكيلات السياسية الناشئة. وتمتد لتصل إلى أسباب عدم تشكيلهم جسماً سياسياً مختلفاً، قادراً على جمع القوى المدنية والديمقراطية، ويضرب مثلاً في خدمة أهداف الثورة، ولا يتغاضى عن نقد أخطائها، بل يسعى إلى تخليصها قدر المستطاع من منزلقات التعثر، وإلى تقويم مساراتها وإبعادها عن مندرجات التطرف والتعصب، التي باتت مؤثرة في بعض المواضع، خاصة وأن المجتمع السوري بحاجة إلى عودة السياسة المسلوبة منه، في هذه المرحلة الصعبة والحساسة من تاريخ سوريا، التي تشهد ازدياد خطر ارتداد المزيد من الناس إلى مختلف الولاءات ما قبل المدنية، من اثنية وعشائرية وطائفية ومذهبية، وتزايد خطر التطرف والتعصب.

والواقع، هو أن أغلب النشطاء السوريين والمثقفين النقديين حافظوا على مسافات معينة من التكوينات السياسية التي نشأت على هامش الثورة السورية، واكتفوا بمراقبة أدائها بشكل نقدي، وقدموا اقتراحات عديدة للارتقاء بعملها. وما كان يقلقهم هو مبدأ التوافق الذي قامت عليها هذه التشكيلات، بوصفه توافقاً بين كتل سياسية مختلفة في قوتها ونشأتها وتوجهاتها، انقلب في معظم الأحيان إلى محاصصات ومساومات بغيضة بين أطراف وشخصيات، تدعي تمثيل الثورة، إلى جانب ارتفاع منسوب الشخصنة وتضخم الذات، لدى العديد من ممثلي تشكيلات المعارضة، وخاصة لدى بعض من تحولوا إلى نجوم شاشات تلفزيونية، الأمر الذي يتناقض بشكل صارخ مع تضحيات شباب الثورة، الذين برهنوا على إصرارهم في المضي حتى تتحقق أهداف الثورة، وعلى امتلاكهم قدرة كبيرة في التضحية وخدمة الثورة.

ولا شك في أن تعقيدات الوضع السوري تفترض تشكيل جسم سياسي جديد، سواء أكان تياراً أم حزباً، أم تجمعاً، ديموقراطياً، قادر على جمع السوريين، بمختلف انتماءاتهم الدينية والاثنية، حول مبادئ المواطنة وحقوق الإنسان، ويسعى إلى تحقيق أهداف الثورة في الحرية والكرامة والعدالة، وبناء سوريا الجديدة، بوصفها دولة مدنية دستورية، تعددية وحديثة، وفق نهج لا يستبعد فرداً أو جماعة، ولا يقصي أو يهمش أحداً، بل يشكل قطباً جذباً لمختلف المكونات والشرائح الاجتماعية، وعابراً لمختلف الانتماءات والولاءات ما قبل المدنية، دون القفز فوقها.

========================

الإبراهيمي يغلق البوابة أمام الأسد

د. محمد عاكف جمال

التاريخ: 18 يناير 2013

البيان

بعد أن ظل يحوم ويدور حول لب الموضوع في مهمته الشاقة لمقاربة الأزمة السورية طيلة الشهور المنصرمة، حسم المبعوث الأممي والعربي الأخضر الإبراهيمي أخيراً موقفه. ففي مقابلة مع «رويترز» في العاشر من يناير الجاري، أعلن في معرض حديثه عن ملامح الحكومة الانتقالية التي يجري التفاوض بشأن تشكيلها في سوريا، وفق إعلان جنيف الذي صدر في الثلاثين من يونيو المنصرم، بأن الرئيس الأسد «بكل تأكيد لن يكون عضواً في هذه الحكومة».

هكذا يغلق الإبراهيمي البوابة في وجه الرئيس الأسد، الذي سبق أن أخبره في لقاء سابق عن رغبته بالبقاء في السلطة والترشيح للرئاسة المقبلة. والحقيقة أن هذا الموقف يستوجب بعض التوقف، فالإبراهيمي ليس صاحب قرار في هذا الشأن، خاصة وأنه على دراية تامة بالرفض الروسي، في العلن على الأقل، لأية تسوية تنص على استبعاد الرئيس السوري من الساحة السياسية. لذلك من المرجح أنه لم يكن ليدلي بتصريح كهذا، لو لم تتوافر لديه القناعة من خلال رصده لبعض الإرهاصات التي تشير لذلك، خلال لقاءاته العدة على أعلى المستويات.

يأتي تصريح الإبراهيمي بعد أيام قلائل من خطاب الرئيس الأسد في دار الأوبرا، الذي قوبل برفض شديد من المعارضة ومن الدول الغربية التي اعتبرته محاولة يائسة للتشبث بالسلطة، فقد تحدث فيه عن كل شيء ما عدا الواقع الموضوعي للأزمة السورية، متعالياً كعادته، ومغازلاً الولايات المتحدة بالتركيز على أن ما يجري في بلاده ليس سوى أنشطة لتنظيم القاعدة والتنظيمات الإرهابية الأخرى التي تحالفت معها.

وأنه الفارس الذي نذر نفسه للتصدي لها. ويأتي كذلك عشية اللقاء الثلاثي الذي جمعه في جنيف مع نائب وزيرة الخارجية الأميركية وليام بيرنز، ونائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، لبحث سبل وضع إعلان جنيف موضع التطبيق.

الرئيس الأسد متمسك بكرسيه مهما بلغت الخسائر التي تحيق ببلده، فهو متيقن أن نظامه لن يسقط دون تدخل خارجي، وهو ما يشاركه فيه الكثيرون من متابعي الأزمة السورية ومن ضمنهم بعض معارضيه، ولذلك يراهن في بقائه على العوامل التي تجعل هذا التدخل أقل احتمالاً.

فهو إضافة إلى رهانه على استمرار الدعم الروسي والصيني، يرى أن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة، لا يزال يئن من تداعيات الأزمة المالية، التي كان آخرها الهاوية المالية التي أوشكت أن تعيد الاقتصاد الأميركي بقوة إلى حالة الكساد، في الوقت الذي تستمر فيه منطقة اليورو الأوروبية باحثة عن رقع لرأب التصدعات المالية، التي ما فتئت تتفتق في هذه الدولة.

أو تلك. كما يتعزز في الوقت نفسه نفور الغرب، حكومات وشعوباً، من الحركات الإسلامية المتطرفة التي لا تقل عن تنظيم القاعدة خطراً، والتي أصبحت الساحة السورية مرتعاً خصباً لها، مما حدا بالولايات المتحدة إلى تصنيف إحداها (جبهة النصرة)، ضمن المنظمات الإرهابية. ويضاف إلى ذلك تزايد خيبة الأمل لدى الغرب مما آلت إليه ثورات الربيع العربي.

ومصادرة أحلام الشباب في بناء أنظمة ديمقراطية يتنفسون فيها الصعداء، وتوفر لهم أجواء حقيقية للتقدم، بعد أن استحوذت التنظيمات الإخوانية والسلفية على حصادها. ولعل التعيينات الجديدة التي أقدمت عليها إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، لكل من جون تيري في منصب وزير الخارجية وتشاك هاجل لمنصب وزير الدفاع، تعزز الانطباع لدى الرئيس السوري بأن الولايات المتحدة فقدت الكثير من شهيتها للتدخلات الخارجية.

وأنها قد تكون بصدد مراجعة فعلية لاستراتيجيات سياساتها الخارجية. فالمعروف عن هذين المرشحين اللذين اشتركا في الحرب الفيتنامية، أنهما أصبحا في ما بعد من أشد المعارضين للحروب الأميركية خارج الولايات المتحدة، طيلة فترة وجودهما كأعضاء في مجلس الشيوخ.

صحيح أن هذه العوامل تدعو الغرب للنكوص في مواجهة بعض الحالات، إلا أنها من المستبعد أن تعيقه عن مواجهة قضية استراتيجية تتعلق بتعديل موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط ذات الأهمية الحيوية لمصالحه.

لقد انفض اللقاء الثلاثي في جنيف من غير التوصل إلى اتفاق، وصرح الإبراهيمي عقبه بأن الأطراف متفقة على أن لا حل عسكرياً للأزمة في سوريا.

الصعوبة التي تواجه الإبراهيمي، هي أنه لم يصدر عن روسيا حتى الآن ما يشير إلى استعدادها للتخلي عن الأسد، فهي حين أصبحت طرفاً في إعلان جنيف الداعي لتشكيل حكومة انتقالية، لم تسقط من حساباتها دور الأسد في وضع سيناريوهات هذه الحكومة. لعبة الشد والجذب في المسألة السورية، وصلت إلى حدود لم تعد مقبولة على جميع المستويات، الأخلاقية بشكل خاص.

فقد تجاوز عدد ضحايا الصراع الدائر ستين ألف قتيل حسب بيانات الأمم المتحدة، ناهيك عن الدمار الذي لحق بالبنية التحتية للاقتصاد السوري، والخراب الهائل في المدن، والوضع المزري الذي يعيشه مئات الآلاف من المهجرين والنازحين داخل سوريا وفي دول الجوار.

ولكن كيف السبيل لتنفيذ إعلان جنيف؟ وما الذي لدى الإبراهيمي من أفكار لتحقيق ذلك؟ المرجح أن الإبراهيمي، إضافة إلى استشرافه الشخصي لأبعاد الأزمة السورية، قد توصل إلى استنتاج أن روسيا باتت قريبة من قبول الأمر الواقع، من منطلق القناعة بعدم جدوى الاستمرار في دعم الرئيس الأسد.

فذلك لن يغير من المصير المتوقع للنظام القائم من جهة، ولم تعد سوريا بلداً تستفيد موسكو من علاقاتها معه حتى في حالة بقاء الأسد في رأس السلطة، من جهة أخرى. من جانب آخر، من المستبعد جداً أن يوافق الرئيس الأسد على التنحي، حتى لو تعرض لأشد الضغوط من قبل حلفائه.

 

 وقد يكون السيناريو الذي تلجأ إليه موسكو، هو مجرد التوقف عن تقديم الدعم العسكري لقواته وتركه لمصيره، كما فعلت من قبل حين تركت الرئيس الصربي سلوبان ميلوسوفيتش يواجه مصيره لوحده عام 2000. لا شك أن لدى الغرب نية حقيقية للتغيير في سوريا، ولكن من الصعب التيقن بأن ذلك سيتم بتدخل عسكري مباشر، إلا إذا تطورت الحالة ولجأ النظام السوري بدافع اليأس، إلى استخدام الأسلحة الكيميائية.

ولكن مقابل ذلك، فإن وقف وصول الدعم العسكري له وتوفيره لمعارضيه، سيكون الخيار الذي من المتوقع أن يلجأ إليه الغرب، وقد يضاف لذلك تحييد السلاح الجوي السوري، للتعجيل بإسقاط النظام. وفي سيناريو كهذا، ستزداد حتماً الضغوط على حكومتي بغداد وبيروت لاتخاذ أشد الإجراءات، لمنع وصول السلاح ومنع تسلل المقاتلين لدعم نظام الأسد.

==================

قراءة للتطورات الراهنة للأزمة السورية

الوطن القطرية

التاريخ: 17 يناير 2013

ظلت النداءات بشكل مستمر طيلة الفترة الماضية توجه إلى النظام السوري، للإنصات إلى صوت العقل، والتجاوب بالشكل المطلوب مع مبادرات وأطروحات عديدة إقليمية ودولية، تنطلق من الحرص على حقن دماء السوريين، وإيجاد مستوى مقبول تتراضى عليه أطراف الأزمة، لوقف العنف والعنف المضاد، يستند إلى الإدانة الصريحة، لما قام به النظام طيلة العامين الماضيين، من مجازر لا تحصى واستهداف للمدنيين، مستخدما ما عرف بالحل العسكري والأمني، لكن كل تلك النداءات ذهبت أدراج الرياح.

وفي الرصد الراهن لتطورات وتداعيات الأزمة السورية، تتبدى عدة نقاط، يجمع بينها خيط واحد هو الرفض لأسلوب الصلف، وتحدي حقائق الواقع من قبل قيادة النظام السوري، ومن ذلك ما حملته الأنباء من تصريحات لعدد من المعارضين يستنكرون ما صرح به بعض رموز النظام، من إمكانية ترشح قيادة النظام، لفترة رئاسية جديدة، وذلك الأمر يتحدث عنه النظام وكأن شيئا لم يكن، مستهينا بالدماء التي أريقت والأرواح التي أزهقت.

وفي ذات القراءة للمعطيات الحالية للأزمة يلفت الانتباه أيضا، تصريح صادر عن المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أرثارين كوزان أمس، يشير إلى أن المساعدة الدولية، ستصل قريبا إلى مليون سوري إضافي من بين المتضررين مباشرة بتداعيات الأزمة الإنسانية التي نجمت عن اعتماد النظام لسياسة البطش والقمع بكل من يعارضه ويدعو للحلول الديمقراطية بسوريا..

إن ذلك يعكس مدى ما بلغته أوضاع اللاجئين السوريين بالخارج والنازحين بالداخل، من سوء بالغ، وسط استمرارية الأزمة دون حل ملموس وظاهر، وهو ما يرفع باستمرار أعداد السوريين النازحين بالداخل واللاجئين بالخارج. لهذا كله فإننا نقول إن اتساع المأساة السورية وتعميق جراح الشعب السوري، قد بلغا حدا لا يمكن السكوت عليه، وهو ما يتطلب مجددا، تكثيف جهود المجتمع الدولي للخروج من هذه الأزمة، عبر حل يرتضيه الشعب السوري بحرية تامة، تتحقق من خلاله تطلعات ملايين السوريين، في أن يروا وطنهم ينعم بالأمن والطمانينة والحرية والكرامة والاستقرار. 

========================

سوريا.. أزمة بلا أفق

رأي البيان

التاريخ: 17 يناير 2013

عامان أو ينقصان قليلاً وأكبر حروب التاريخ المعاصر لا تزال على حالها بل تشتد أكثر في ظل إصرار الأطراف المتحاربة على عدم الحوار وعلى الاستمرار في القتال، إلى جانب المشهد الدولي غير محدد المعالم إلا من معلم واحد، وهو عدم الاعتبار لنهر الدم الذي يزداد فيضانه يومياً، ما أحال أرواح المدنيين السوريين الأبرياء إلى مجرد أرقام، ودماءهم التي لا تزال تروي الأرض إلى وقود للمزايدات من قبل جميع الأطراف، والمجتمع الدولي لا يزال مكتوف الأيدي عن فعل شيء إلا مجرد إدانات لا تسمن ولا تغني من موت، في أزمة تجسّد العجز الدولي في أبهى تجلياته.

لا يزال المبعوث العربي والأممي الأخضر الإبراهيمي يجول هنا وهناك بحثاً عن حل سياسي يراهن عليه، بيد أنّ سفن الحرب الضروس الدائرة تبدو بعيدة كل البعد عن شواطئه، ولعل خطاب الرئيس السوري بشّار الأسد والتي توقع له الكثيرون طرح مبادرة سياسية تخرج البلاد والمنطقة من الأزمة، جاء مخيّباً للآمال حتى للإبراهيمي نفسه الذي انتقل إلى مربع أكثر عملية باستبعاده الأسد من أي حكومة انتقالية قادمة بموجب حل سياسي.

ولعل التوافق الدولي يبدو مطلوباً الآن أكثر من أي وقت مضى لاسيّما بين الطرفين الروسي والأميركي إذ إنّ تعنّت المواقف لن يؤدي إلّا إلى مزيد من العنف الذي من شأنه نقل الاقتتال إلى دول مجاورة ما يقود إلى حرب إقليمية شاملة لا تبقي ولا تذر بدت ملامحها تتجسّد في الاقتتال في طرابلس، وربما يمتد إلى مناطق دول أخرى.

الأنباء تأتي من مصادر عدة لتكشف عن تقدّم للمعارضة المسلحة في مناطق عدة واستيلائهم على الكثير من المناطق الاستراتيجية من قوات النظام، أمرٌ يتخوف معه البعض من أن يقود النظام إلى البدء في استخدام أسلحة أكثر فتكاً يمكن أن تقود إلى كارثة حقيقية لعل أولى تجلياتها تبدت في كشف منظّمة «هيومن رايس ووتش» استخدام قوات النظام قنابل عنقودية مُحرّمة دولياً ربما فيما لو صحّت أن يتبعها باستخدام الأسلحة الكيماوية، أمرٌ يبدو إلى التحقّق أقرب وعلى المجتمع الدولي استنفار آلياته الآن قبل فوات الأوان.

========================

على ماذا يراهن الأسد؟

راجح الخوري

2013-01-17

النهار

السنة الثالثة من عمر الازمة السورية بدأت مرعبة: ارتفاع عدد الضحايا اليومي الى اكثر من 200 قتيل، الدمار صار زلزالياً، النظام صعّد القصف معلناً انه متفائل بالانتصار، المعارضة وسّعت سيطرتها الى 70 % من مساحة سوريا، الابرهيمي خرج مفلساً وقد لا يعود، العجز العربي المعيب الى ازدياد والتغاضي الاميركي عن المذبحة يقابله الانحياز الروسي الى النظام والازمة مفتوحة على مداها!

اذاً تبقى سوريا أرض معركة "يا قاتل يا مقتول" المديدة بعد سقوط 60 الف قتيل وقد باتت تدار "بالريموت كونترول" الدولي وسط معادلة واضحة هي ان المعركة لن تقرر مستقبل سوريا وحدها بل مستقبل المنطقة، فهل تقبل اميركا واسرائيل بتسليم الاقليم من لبنان الى الخليج الى ايران وروسيا؟ الجواب لا قطعاً. في المقابل هل تقبل روسيا وايران بتسليم هذا الاقليم الى اميركا واسرائيل؟ والجواب لا قطعاً. اذاً خلاصة الوضع الميداني معطوفة على الموقف الدولي تبدو بمثابة كارثة: دعوا القتلى يتقدمون... دعوا الدم يسيل الى الركب، فليس من يرف له جفن في هذا العالم المتوحش!

واضح ان المعارضة بعد 60 الف قتيل وتدمير 60% من المدن السورية لن توقف القتال لتذهب الى مفاوضة الاسد الذي يرفض مفاوضتها، وواضح ان النظام الذي استأنف الحديث عن الانتصار، يبني حساباته على مجموعة من المعطيات منها:

اولاً- استمرار الدعم الايراني العسكري والمادي، ولأن طهران تخوض في سوريا معركة حياة نفوذها الاقليمي أو موته، فانها تجنّد كل قواها وتحالفاتها بما فيها الحكومة العراقية لدعم الاسد.

ثانياً - ثبات الموقف الروسي الذي يرفض كل خطة هدفها تنظيم عملية الانتقال السياسي، والذي عطّل مجلس الامن ويرفض حتى دعوة 56 دولة الى اجراء تحقيق في ارتكاب جرائم حرب من خلال المحكمة الجنائية الدولية، على رغم انه غالباً ما اتهم "الارهابيين" بها، والذي يقيم جسرا لتزويد النظام الاسلحة والذخائر ولا يتردد في إرسال اسطوله لاجراء مناورات عند الشاطئ السوري رداً على نصب صواريخ "باتريوت" في تركيا.

ثالثاً - بعدما اسقط النظام بالنار مرحلة "سلمية سلمية"، بدأت مراهنته على تصوير الثوار وكأنهم من رجال "القاعدة" والسلفيين التكفيريين، وقد ساعده اخيراً الموقف الاميركي من "جبهة النصرة" ودورها المتقدم في الميدان، وبهذا يسعى الى تعطيل اي قرار غربي لتسليح الثوار.

رابعاً – المراهنة على ازدياد التناقضات بين المعارضين كما بين التنظيمات المسلحة، وخصوصاً بعد ورود اخبار عن بداية صراع على الارض بين بعضها، وهو ما يشجع النظام على الحديث عن الانتصار وسهولة استعادة المناطق التي خسرها!

والخلاصة ان سوريا دخلت سنة ثالثة من المذابح... إذاً فليتقدم القتلى وليخجل العالم!

========================

من داخل مخيمات البؤس السورية: قصة مروعة من نار وجليد

أمل هنانو

2013-01-16

القدس العربي

إنها ليلة رأس السنة. العالم يترقب ببهجة الدقائق الأخيرة لإطلالة العام الجديد 2013، وبينما تنطلق الأسهم النارية مدوية باهرة تفرش السماء ، كانت النار تشبّ في خيمة من 'مخيم شجرة الزيتون'، قرب قرية أطمة، يرقد فيها سبعة أطفال وأم. التهمت النار الخيمة، وقضى خمسة من الأطفال حرقاً مع بزوغ فجر العام الجديد.

في اليوم السابق لهذا الحدث الجلل، قمت بزيارة هذا المخيم، الذي أقيم منذ أربعة أشهر فوق هضبة مزروعة بأشجار الزيتون على محاذاة الشريط الشائك الحدودي مع تركيا. كنت أسلك طرقاً موحلة بين صفوف 1200 خيمة منتشرة تضم 8000 -12000 لاجئ سوري.

أحاط بي الأطفال من كل جانب كعادتهم مع كل زائر، يتصايحون ويهزجون أناشيد الثورة، وينهالون بالأسئلة، ويتحدثون بشكل مبسط عن حياتهم اليومية في المخيم. كانت كلماتهم تبدأ دوماً بجملة نافية 'ما عنّا ميّ.. ما عنّا كهربا.. ما عنّا أكل.. ما عنّا ألعاب.. ما عنّا...'. يجول الأطفال في المخيم ما بين مجموعة تلمّ أغصان الزيتون للتدفئة، وأخرى تتجمع حول الأمهات يطبخن ما قطف من نبات الأرض مما لا يسدّ رمق الجائعين. معظم الأطفال يرتدون ملابس رثّة لا تقيهم من البرد، وكلهم قد فاتهم أشهر من المدرسة. تسمع عن الأهل تأكيداً راسخاً أنهم نزحوا من أجل أطفالهم، وترى بعينك حال المخيم البائس الموحل بمجاريه المفتوحة، وتعجب أي مكان هذا يليق بأطفال؟.

كانت النسوة في حركة دؤوبة، منهن من تطهو ومن ترعى رضيعها ومن تنشر غسيلاً على حبال امتدت بين الخيم. اقتربت مني إحداهن تدعى منار وهي ترتدي جلابية مخملية بلون الصدأ، ودعتني إلى خيمتها لتقص لي أحداث حريق حصل قبل 15 يوماً. انحنيت داخل الخيمة وجلست على حجر يفصل المدخل عن وحل الطريق . كان هناك بضعة أغطية وفرش متواضعة مكومة في الزاوية. بدت منار شاحبة مرهقة، توحي بعمر أكبر من سنواتها العشرين. بادرتني دامعة العينين: ماذا أقول لك؟ احترق قلبي، احترق كبدي، احترق كل شيء.

قبل أسبوعين، تركت منار خيمتها ليلاً وطفليها نائمين، فاطمة في الخامسة من العمر، وضياء في الثالثة. اتجهت منار الى طرف المخيم لقضاء حاجتها، رأت ألسنة النار وأعمدة الدخان تتصاعد من خيمتها، هرعت مولولة تنادي أطفالها وقد تذكرت أنها تركت شمعة تؤنسهم في حلكة الخيمة. أمسكها بعض الناس وهي تشاهد رجلاً يدعى عبد الله يحمل ابنها ضياء ملفوفاً في معطفه الذي مازال عليه أثر من جلد ابنها المحترق.

أكمل القصة يقظان الشيشكلي مدير المخيم، وأنه أرسل الطفل ضياء إلى مشفى تركي حدودي لكنه توفي بعد يوم، أما فاطمة فقد توفيت على الفور.

تحكي منار قصتها وهي تشاهد خمس صور لأطفالها على جوالها، اثنتين لابنها وواحدة لابنتها واثنتين لقبرهما. هي تعيش مابين أطيافهم باكية ذاهلة مثقلة بالذكرى. 'نزحت من أجلهما من بلدي البعيد بنّش. هربت بهما من القصف والتدمير إلى مكان آمن. لقد فقدت كل شيء، بيتي وأطفالي وكل ماأملك في هذه الحياة. ماذا بقي بعدهما غير التراب؟'.

زوج منار الذي تركها وحيدة في المخيم، يحاول أن يبيع جوالها من أجل مال يسير. لكنها تتمسك به وتقول أنها ستحفظ بطاقة الذاكرة إذا اضطرها إلى بيعه، صور طفليها هي كل ما تملك ومايبعد عنها شبح الجنون.

تشير إلى أطفال تجمهروا عند باب الخيمة: إنهم يذكّروني بولديّ، كلهم بحاجة إلى الرعاية والأمن، لا أريد لأي أم أن تفقد أطفالها مثلي. في كل يوم يموت الأطفال من البرد والجوع. وتعقب أم أخرى: أصبحنا نخاف الليل ولا نريده أن يحلّ، البرد يقتل أولادنا.

أضحى البؤس والمعاناة في المخيمات السورية هو واقع الحياة للاجئين اضطروا إلى الهرب من قذائف القصف والموت في قراهم. ولكنه الشتاء الثاني يحلّ عليهم في مخيمات العراء، دون تأمين أبسط ضروريات الحياة والرعاية الطبية لهم، وبدأ تدهور الوضع يظهر بشكل مؤلم خاصة على الأطفال، وانتشرت أوبئة مثل التهاب الكبد b والسل بسبب ندرة الأدوية واللقاحات. وتوفي طفلان في الشهر الماضي بنقص الحرارة في مخيم الزعتري. وبالإضافة إلى هذا فإن أطفال 'مخيم شجرة الزيتون'، في قرية أطمة، تهددهم حرائق الخيام، ويترصدهم البرد القارس.

الشيشكلي، الذي أنشأ 'جمعية مرام' لإعانة المخيم، يقول أن حل حرائق الخيام ممكن عن طريق استبدالها بخيام مقاومة للحريق، بالإضافة الى برامج التوعية والسلامة. ولكن أما آن الأوان لهذا العالم المنهمك في حل أزمة سورية، أن يبادر إلى حل أسرع: أعيدوا هؤلاء اللاجئين إلى بيوتهم آمنين.

صور طفلين من حريق ليلة رأس السنة يجري تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي. أجساد صغيرة تشقق جلدها وتفحمت بأثر النار وتجمدت في آخر لحظة للحياة، ووجوه فقدت ملامحها وذابت معالمها. ما دعاني إلى التساؤل، ربما، كانت صور الطفلين يبتسمان لي في اليوم السابق؟ أو لعلهما ممن غنوا أناشيد الثورة خلف أشجار الزيتون؟ أو هما ممن تبعوني على خجل في طرق المخيم؟ هل كانا مع الأطفال الذين طلبوا مني كتابة أسماءهم بالإنكليزية، وقرأوها فرحين؟ لا أعلم. ولكني أعلم أن الأهل في المخيم زاد بؤسهم وشقاؤهم بفقد أبنائهم.

أطفالنا يعيشون في ذاكرة هاتف خلوي، تتحسس أنامل أمهاتهم الشاشة الصغيرة بحنان. حين تختفي الصور وتظلم الذاكرة، يبرز الألم وهاجس الذنب طاحناً في ليالي الخيمة الكئيبة. ماذا لو أنني لم أتركهما؟ ماذا لو أطفأت الشمعة وتركتهما في الظلام؟ ماذا لو أننا مارحلنا عن بيتنا؟.

هل هذه هي خيارات السوريين؟ أن يتجمد طفلك، أو يحترق؟ أن يموت جوعاً، أو يهلك بوباء سارٍ؟ أن يموت تحت القصف، أم في مخيمات اللجوء؟

لعله قدر الأمهات من أمثال منار أن يُحرق أبناؤهم أحياء في مخيمات الموت، في الدقائق الأخيرة من عام جلل، ليعيشوا سعداء في ذاكرة خلوي أصم.

========================

الاسم الحركي لآلام السوريين

أمجد ناصر

2013-01-16

القدس العربي 

نحن نعرف أنَّ السياسة لا تتطابق، دائما، مع المبادئ. يمكن أن تلهج باسمها وتتشدق بها، ولكن الفارق بين 'المبادئ' و'السياسات' يظل قائما ويستحيل، على ما يبدو، تجسيره. لم تفعل ذلك الدول التي انبثقت من الأديان (بما في ذلك الدين الاسلامي) ولا الدول التي قامت على أسس نظرية عادلة (الاشتراكية مثلا).

هذا الفارق، أو الهوّة أحيانا، بين المبادئ 'الهادية' والسياسات المُتّبَعة يجد تفسيره في قوة المصالح وقدرتها على هزيمة المبادئ، فضلا عن الطبيعة البشرية الميالة، عموما، الى الاستحواذ والاستئثار.

نادراً ما يتغلب المبدأ على المصلحة. كأنَّ في البدء كان المصلحة! هكذا اعتدنا على أن تكون دساتير الدول في اتجاه وسياساتها في اتجاه آخر. هذا ليس مفاجئا ولا غريبا، خصوصا عندما تعترض 'المصالح الوطنية العليا' طريق المبادئ. هنا تدوس قَدمُ السياسيِّ على رأس المبدأ وتمضي قُدُماً في اتجاه المصلحة.

هذا، إذن، يحصل، إلى هذا الحد أو ذاك، ولكن ان يصل التنافر بين الأمرين الى درجة الخيانة الكاملة والطلاق البائن، فهذا لم نره، في أسطع نماذجه، إلا على يد دولتين هما الولايات المتحدة الامريكية في موقفها الداعم، ماديا ومعنويا، للأبارتهايد الاسرائيلي وروسيا الاتحادية في إمعانها بدعم بشار الأسد، بكل ما أوتيت من قوة، في مواجهة الشعب السوري.

لم تستمت دولتان عظميان في الدفاع عن 'حليف' لهما، في مجلس الأمن وفي ميدان القتال، كما فعلت واشنطن حيال اسرائيل، وموسكو حيال نظام بشار الأسد، ولا أقول حيال سورية لأن الفرق بين زعيم العصابة هذا وسورية كالفرق بين السماء والأرض. واشنطن تفعل هذا لأن اسرائيل، وليس بنيامين نتيناهو أو باراك أو بيريس أو رابين أو حاشياتهم، هي خندقها المتقدم في المنطقة، رأس حربتها الاستعمارية في الشرق الاوسط، على ما كانت تنصُّ عليه أدبياتنا اليسارية سابقا (وهو صحيح حتى لو لم يعد هناك يسار ويساريون)، أما موسكو فهي تدعم بشار الأسد وقادة أجهزة أمنه الذين يختطفون بلدا كبيرا وعريقا اسمه سورية، ويفاوضون عليه ببراميل الديناميت وصواريخ 'سكود'، وربما بالغازات السامة. فإن كانت اسرائيل تمثل مشروعا امبرياليا غربيا عموما وامريكيا خصوصا، وليست بلدا قائما على شخص أو من أجل شخص، فليس لدى نظام بشار الأسد، بالمقابل، من مشروع سوى بشار الأسد. النظام هو بشار وبشار هو النظام حتى وإن أشرك هذا 'النظام' بضعة منتفعين في كعكة السلطة السامة، لكنَّ ذلك لا يغير أن 'النظام' السوري مصمَّمٌ على مقاس بشار بالسنتيميتر وأي تغيير في هذا المقاس هو تغيير لبشار نفسه.. الأمر الذي يفسر لِمَ كان إصلاح النظام في سورية مستحيلاً بوجود عائلة الأسد في السلطة.

' ' '

ومثلما لا تأخذ واشنطن آلام الشعب الفلسطيني ونضالاته التاريخية وآماله المستقبلية في الاعتبار عندما تواصل، على نحو أعمى، دعم اسرائيل، كمشروع، بكل أسباب القوة، ها هي موسكو تفعل الأمر ذاته ولكن مع رجل واحد في سورية لا يملك مشروعا سوى كرسي حكم غارق في الدم. المقارنة بين واشنطن وموسكو واسرائيل ونظام بشار فرضت نفسها علي. كنت أخطط لكتابة مقال عن روسيا التي تقف، بكل صلافة، بلا وازع من ضمير، بلا ذرة أخلاق، وبلا بُعد نظر الى جانب طاغية قتل عشرات الآلاف من أبناء شعبه وجرح مئات الآلاف وشرد ملايين ومسح عن وجه الارض بلدات وأحياء، فوجدتُ رائدا عالميا سابقا للصلافة وانعدام الاخلاق وموت الضمير هو الولايات المتحدة.

هكذا يلعب البلدان في مصائر الشعوب من أجل مصالحهما حتى لو اتحدت شعوب العالم في مواجهتهما. كم مرة وقف العالم حيال القضية الفلسطينية في جهة وامريكا في جهة أخرى؟ مئات المرات! لنتذكر أن آخرها كان التصويت على الدولة الفلسطينية في الجمعية العمومية. وها هي روسيا، في أقل من عامين، تقف في مواجهة معظم دول العالم في خصوص المأساة السورية التي تأخذ على عاتقها استمرارها بكلفة بشرية غير مسبوقة.

أفهم العلاقة التي ربطت، تاريخيا، الاتحاد السوفييتي بالنظام في سورية في ظل الحرب الباردة و'صراع الجبارَين'، كما أفهم أن تستمر هذه العلاقة في اطار ما تبقى لموسكو من 'مصالح' في المنطقة من جهة، ولعب 'النظام' السوري على التناقضات بين 'الشرق' و'الغرب' من جهة أخرى.

ولكن غير المفهوم، تماما، هو أن لا تصدر ادانة واحدة، مهما كانت خجولة، من موسكو لاستخدام النظام السوري 'المفرط' للسلاح الروسي في مواجهة المدنيين، أو ضد المسلحين، في مناطق مأهولة بالسكان.

كل هذا القتل المشاع بالسلاح الروسي لا يحرِّك ساكنا في 'ضمير' ساسة موسكو، ولا يهزُّ شعرة في رؤوس ورثة الاستبداد الستاليني في انحطاطه الرأسمالي.

حتى الولايات المتحدة الامريكية، الأب والأم الشرعيان للاحتلال الاسرائيلي، تجد نفسها، أحيانا، في حالة إدانة مُغَمْغمة لسلوك اسرائيلي ما. ولكن لا شيء من هذا يصدر من موسكو. لا غمغمة ولا لعثمة. حتى عندما يخطئ 'بغدانوف' سرعان ما يعيده الشبّيح 'لافروف' الى 'جادة الصواب'. وجادة الصواب بالنسبة لموسكو، مربط الفرس وبيت القصيد في سياستها السورية تكمن في الامساك بهذه السانحة التاريخية التي أعادتها من 'الغيبة الكبرى' إلى مشهد السياسة الدولية ثانية.

لا سياسة لروسيا سوى السياسة السورية.

لقد جاءتها المأساة السورية (بفضل جرائم بشار الأسد) من غامض علم الله، كما يقولون في بلادنا، فاستماتت في الامساك بها.

هذه هي المصلحة الروسية.

لا مبيعات السلاح الى سورية.

ولا القاعدة العسكرية في طرطوس.

ولا شيء قريب من هذين يفسر الاستماتة الروسية في دعم بشار واعتباره جزءا من أيِّ حل سياسي حتى لو أدى ذلك الى تحويل سورية الى ركام.. وهو ما يحصل تدريجيا.

تريد موسكو أن يتم التكلم معها.

أن تعود قوة عالمية يحسب لها حساب.

أن تتقاطر اليها الوفود.

أن تشخص اليها الأفئدة والأبصار.

وصادف أن هذا لا يزعج واشنطن البتة. صادف، لسوء حظ السوريين، أن لا مصلحة أمريكية حقيقية في ثورة السوريين ضد بشار الأسد، بل ثمة ريبة عميقة لن يبددها 'الائتلاف السوري' المعارض مهما فعل. فثمة بعدٌ اسرائيلي عضوي لأي سياسة أمريكية (سابقا ولاحقا وفي كل وقت) عندما يتعلق الأمر بسورية. فنحن نتحدث هنا عن جغرافيا سياسية حاسمة في مصير الدولة العبرية.

سورية ليست ليبيا البعيدة آلاف الأميال عن اسرائيل، ولا هي مصر التي تقيم سلاما مع اسرائيل ويفصل بينها وبين التجمعات الاسرائيلية الكبرى مفازة شاسعة اسمها صحراء سيناء. سورية أقرب الى اسرائيل من حبل الوريد. لسورية (للذكرى فقط!) أرض محتلة هي الجولان وهذه قضية معلقة تركها النظام الممانع والمقاوم كما هي منذ آخر هدنة بين جيشه وجيش الاحتلال الاسرائيلي في عام 1974. أي خطوة امريكية تجاه سورية تمرُّ، فعلا أو مجازا، بتل أبيب.

هكذا تُرِكَت سورية لروسيا.

فلا أحد في الغرب له مصلحة في سورية الا من الباب الاسرائيلي، وهذا باب يمكن أغلاقه كما يخطط نتيناهو، ثم ليقتتل السوريون الى أن تنهك قواهم. ساعتها، يمكن تُدبُّر 'طائف' سوري، ولكن الى ذلك الحين فلتنعم روسيا، الاسم الحركي لآلام السوريين، بلحظتها العالمية التي لا ينازعها عليها أحد.

========================

الولاية التركية على سورية

علاء الدين أبو زينة

الغد الاردنية

17-1-2013

تعددت القراءات حول الأدوار التركيّة الجديدة في الوطن العربي. وفي كثير من الأحيان، كانت النظرات إلى الجارة المسلمة إيجابية. وتصوّر المحللون الموضوعيون أن هناك مصلحة عملية واضحة في ذهاب تركيا للمطالبة بعضوية الاتحاد الأوروبي وفي يدها ورقة إثبات على نفوذها الإقليمي من ناحية، وفي الاستفادة من أجواء صافية مع جوارها العربي والإسلامي لخدمة مصالحها التجارية والحيوية من ناحية أخرى. وهكذا، تحدثت تركيا عن انتهاج سياسة "صفر مشاكل" التصالحية مع الجيران. وفي السياق، تحولت عن صداقتها وحلفها العسكري مع كيان العدو في فلسطين المحتلة، وتبنت خطاباً مناصراً للقضايا العربية، بعد حساب الأرباح والخسائر.

من حيث المبدأ، لا يضير العرب التحالف مع دولة جارة مسلمة لها وزن لا بأس به. بل إن العرب تطلّعوا إلى النموذج التركي الذي يوفق بين الإسلام والليبرالية، لاستلهامه في الدول العربية التي شهدت صعود إسلامويين إلى سدة السلطة. لكن آخرين حذّروا أيضاً من استبدال تبعية العرب للغرب بتبعية إقليمية بدلاً من تأكيد شخصية إقليمهم القومية، وبدا أن الأتراك أو غيرهم يتنافسون على دور وصاية على العرب. وكان الأجدر بالعرب دائماً أن يتعاملوا مع الجيران بصفة النظير، حيث لا يعني إكرام الحليف إجلاسه في صدر البيت ووقوف صاحب البيت بين يديه متوسلاً البركة.

وفي "الربيع العربي"، ظهر الصوت التركي بوضوح؛ إذ دعمت تركيا الرسمية –مع العناية البالغة بالتوقيت- مطالب الشعوب العربية، كسباً للتعاطف الشعبي، والأهم: لترتيب المصالح العمَليّة مع الأنظمة الجديدة وتأمين الاستثمارات. لكن الدور التركي كان بارزاً جداً في الثورة السورية بشكل خاص. وقد اندهش البعض من فرط الحماس التركي للشعب السوري وحريته، وكانت تركيا أول من استضاف المعارضة السورية المدنية والمسلحة، واللاجئين السوريين. ومع تفهم البواعث الإنسانية، كانت تركيا "ملكية أكثر من الملك" في الشأن السوري، بما يضع كثيراً من علامات الاستفهام. والحالة تشبه، ولو بوضوح أكبر، استثمار إيران محنة العراق لوضع قدم فيه.

أخلاقيّاً، ينبغي أن تكون أولوية "الأشقاء" مساعدة الجيران على إدارة أزماتهم بأقل الكلف في الأرواح والمنجز المادي. وبغض النظر عن التفاصيل وموضع اللوم فيما حدث في سورية حتى الآن، فإنّ الصورة الكلية لما يحدث مفزعة: إن سورية، بكيانها المطلق العزيز على كل عربي، يجوس فيها الخراب والموت والتشريد وشبح التحلل والانقسام وحرب الطوائف. وقد عبر الكاتب البريطاني باتريك سيل مؤخراً عن هذا الإحساس بالفجيعة، مقترحاً من باب التمني على الزعماء العرب:

"قوموا بحماية ما تبقى من سورية... أوقفوا أعمال القتل بجلب النظام السوري ومعارضيه إلى طاولة المفاوضات، سواء رغبوا في ذلك أم أبوا. لا يوجد حل عسكري للأزمة. والطريقة الوحيدة لوضع حد للعربدة والتدمير هي فرض وقف إطلاق النار على الجانبين، ووقف إيصال الأموال والأسلحة للنظام والثوار على حد سواء، وعزل المتطرفين القتلة في كلا المعسكرين، وحشد الولايات المتحدة وروسيا، والاتحاد الأوروبي ومصر وتركيا وإيران، لدعم عملية انتقال سياسي. ليست القضية الرئيسة ما إذا كان الرئيس السوري بشار الأسد سيبقى أو يذهب، لكن الذي على المحك هو الحفاظ على دولة سوريّةٍ موحدة. وهو ما يجب عمله من أجل حماية تراث سورية التاريخي الفريد، ومؤسسات الدولة، والأقليات القديمة، ودور سورية الإقليمي الحيوي في الدفاع عن الاستقلال العربي".

إذا كان ذكر باتريك سيل لتركيا بين الدول المعنية بإنقاذ سورية منطقياً، فإن تصوره يثير التساؤل عن انسجام ذلك مع سلوك تركيا الأخير: تعيين "وال" تركي للاجئين السوريين والمناطق السورية المحرّرة. وكما لوحظ، فإن منصب "الوالي" يذكّر العرب بحقبة الإمبراطورية العثمانية الاستعمارية، وبما درسناه عن القومية الطورانية المعادية للعروبة، والتتريك، والمشانق التي نُصبت لأحرار العرب، وسلخ لواء الاسكندرون عن جسمه الأم. وإذا كان يمكن فهم تعيين مفوض لشؤون اللاجئين السوريين في داخل تركيا، فإن من غير المفهوم انتصار تركيا لحرية السوريين بتعيين "وال" تركي على مناطق في داخل سورية، محررة أو غير ذلك. ولا شك في أن إعلان "ولاية" تركية على أرض عربية يرتب تداعيات قانونية ودلالية غير مريحة على الأقل، وشكاً في شخصية العرب.

ala.zeineh@alghad.jo

========================

متى سيسقط النظام السوري؟

طلال المَيْهَني *

الخميس ١٧ يناير ٢٠١٣

الحياة

«متى سيسقط النظام السوري؟» يُطْرَحُ هذا السؤال بحثاً عن أملٍ بالخلاص من الكارثة التي تعيشها سورية. ولعلّ الإجابة تغدو أسهل حين نُقارِب هذا السؤال بطريقةٍ معكوسةٍ، عبر طَرْحِهِ وفق الصيغة التالية: «لماذا لم يسقط النظام السوري حتى الآن؟»

سيكون على رأس الأسباب، دون رَيْب، وحشية النظام، وجنونُ استئثاره بالسلطة، وعدم قدرته على استيعاب وجود أصواتٍ معارضةٍ تنتفض وتنطق بـ «لا» في وجه آلته القمْعِية.

لكن إلْقاءِ اللوْم على النظام لا يفسر وحده التأخر في حسم الأمور. فنظرةٌ سريعةٌ تُظْهِرُ بوضوحٍ أن النظام لم يَعُدْ قادراً على ضبط وبسط السيطرة بعد تراجع قبضته الأمنية عن مناطق كثيرة، حتى أنه يجد صعوبةً في ضبط الأمن في العاصمة دمشق. لكن من الملحوظ أن التفتّتَ الطَرَفي للنظام لم يترافق مع تقدمٍ حقيقيٍ «للمعارضة» على شكل سلطةٍ مركزية. ولهذا فالجواب عن السؤال المطروح (بصيغته المعكوسة) لا يرتبط بالنظام فقط، بل يتشعّبُ ليكْشِفَ لنا العديد من الأسباب الكامنة التي سيحاول هذا المقال المختصر تلخيصها.

لا يجب أن ننسى أولاً وجود «تركيبةٍ سكانيةٍ» تشكل قاعدةً اجتماعيةً يستغلها النظام، سواءً على المستوى النفعي/الانتهازي، أو على المستوى الوجودي/المذعور. وهذه «التركيبة السكانية» جزءٌ من «المجتمع السوري»، ولا تقتصر على صِبْغَةٍ واحدة، لكنها ترى في الانتفاضة تهديداً مبطناً بخاصة مع التشويه المُزْمِن الذي خلط السياسي بالاجتماعي/الثقافي. وقد ساهم ذلك في تعقيد «اللاتجانس» الموجود أصلاً في المجتمع السوري. ومع تطور انزياحٍ في خطاب وممارسات أطرافٍ في المعارضة (كانتْ هي نفسها ضحيةً «للاتجانس» المجتمعي المذكور)، ازداد تشنج هذه «التركيبة السكانية» (التي يتم تخوينها ونَعْتُها بالعمالة مع أنها ليست بالضرورة داعمةً للنظام حباً فيه)، وازداد انكفاء الطبقة الوسطى، الضعيفة والمُصابة بسُباتٍ مزمن، لتغيب، في صيغتها الفاعلة، عن المشهد. أدتْ هذه الارتكاسات المجتمعية «اللامتجانسة»، والمتفاقمة نتيجةً لصعوبات الحياة اليومية، إلى تطوير تأقلمٍ جَمْعِيِ مع الكارثة عوضاً عن خلق رافعةٍ احتجاجية. وقد انعكس ذلك سلباً على النظام الذي فقد هيبته، وعلى قوى المعارضة التي لم تستطع فرض ذاتها كبديلٍ مُؤَهّل، ونَشَأَتْ بالتالي حالةُ الاستعصاء التي يُخشى، إنْ لم تلتق بآفاقٍ لحلٍ حقيقي، أن تنزلق إلى دولةٍ فاشلة.

ولم تكن الأطراف التي تصنّف نفسها على أنها «معارضة» أفضل حالاً. إذ يُظْهِر لنا تحليل أدائها، بعد حوالى السنتين من بدء الحراك الشعبي، حالة ارتهانٍ مؤسفٍ لـ «ردود الفعل» التي تخلو من طرح المبادرات، أو تحويرها بما يخدم بناء «الثقة» بين المكونات المجتمعية اللامتجانسة، والاستفادة من أدوات الواقع المُتاح لتحقيق التغيير المنشود. وتأخذ «ردود الفعل» ملامح مُخْتلفة تتداخل في ما بينها لتتجسّد في: خطابٍ مُنْفَعِلٍ نَدْبِيٍ تَوَسُّلِيٍ يُعْلي من النُّواح والتباكي والتبرير والنكران، ويتمحور حول ثنائية «الجلاد/الضحية»، ويقضي وقته في عنفٍ مضادٍ وانتظارٍ للمُخَلِّص. وتتشابه هذه الملامح مع «ردود الفعل» التي يتبعها النظام، كونه هو الآخر ليس بقادرٍ على الفعل (سوى ممارسة العنف).

وخلال الشهور الماضية ساد منطق الاحتجاج في صفوف الحراك الشعبي، ليُشَكِّل ربما الفعل الخلّاق الأبرز في المشهد السوري. لكن الاحتجاج بقيَ أسير ذاته، ولم يُتَرْجَم في صِيَغٍ عمليةٍ قادرةٍ على تجاوزه والوصول إلى صناعة التغيير، وليس مُجَرَّد استجدائه. وهذا ما يفسر تحوّل «التظاهرات» إلى هدفٍ قائمٍ بحدِّ ذاته عوضاً أن تكون أداةً أوليةً باتجاه الهدف. ويمكن أن نعزوا هذا الفشل إلى غيابٍ شبه مُطْلَقٍ للحوامل السياسية/الاجتماعية الضرورية لترجمة الفعل الاحتجاجي في صِيَغٍ عملية. صحيحٌ أنه قد تأسّسَتْ بعض القوى السياسية/المدنية على خلفية الحراك الاحتجاجي، إلا أنها لا تمتلك الخبرة والحجم والحضور الكافي كي تلعب دوراً فعّالاً، بخاصة وأن نُدْرَةَ السّاسة لا تسمح بحمل واستيعاب الحراك الواسع والمنتشر في سورية. وقد تأزّم هذا الوضع مع انتشار كراهيةٍ واسعةٍ للسياسة نتيجةً لخطابٍ إعلاميٍ يزدريها، وموروثٍ عريقٍ في منطقتنا يربط العمل السياسي بالانتهازية (غياب ثقة، فالأنظمة العربية المهترئة هي النماذج «السياسية» الوحيدة التي تعاملتْ معها شعوب المنطقة).

أدى غياب التكامل بين الاحتجاج والسياسة إلى استعصاءِ وتكبيلِ «الاحتجاج»، وبَتْرِ «السياسة» وتجفيفِها. وترافق ذلك مع صعود «نجوم» المعارضة الذين صَوّروا، ويُصَوّرون، الأمور بطريقةٍ مُفرطةٍ بالبساطة والشخصنة، مُسَلَّحِين، بدءاً، بتقليد السيناريو المصري/التونسي، ولاحقاً بمحاولاتٍ لإعادة تشكيل السيناريو الليبي. ما يدلُّ على غياب الروح الإبداعية القادرة على خلق سيناريو سوري. وقد أثر هذا الخطاب، المُشْبَع بالأمل الكاذب، في الروح المعنوية وانعكس في «خطاب اليأس والمؤامرة» أو «خطاب العَدَمِيّة» الذي بدأ يسود منذ شهور.

يُضافُ إلى ذلك العديد من السلبيات كاللاتنظيم، وغياب العمل الجماعي، وبروز «الأنا» في صفوف المعارضة السياسية، مع العلم أن «الشارع» لم يكن أحسن حالاً (والوضع أسوأ على مستوى الكتائب المسلحة). إلا أن «الرومانسية الثورية» أشاعَتْ خطاباً تمْجيدياً «للشارع» ربما انطلاقاً من موْقفٍ تَطَهُّريٍ يخشى الطروحات النقدية بحجة أنها قد «تصبُّ في مصلحة» النظام.

كما تجب الإشارة إلى دور التدخلات الخارجية القطبية التي تستنزف الدولة السورية وتُطِيلُ أَمَدَ الصراع العنفي، مع التأكيد أن هذه التدخلات ما كان لها أن تكون لولا الحُجَج التي وَفّرَتْها ممارسات النظام والمعارضة.

لقد تضافر ما سبق ليعطي هذا النظام المُتَشَظي، والمهترئ سياسياً وأخلاقياً، فرصة الاستمرار، حتى هذه اللحظة، على حساب عشرات الآلاف من الضحايا والمعتقلين وملايين اللاجئين والنازحين. وبين نظامٍ لا يتورّعُ عن أعْتَى الممارسات الفاشية، وعطالةٍ ذاتيةٍ في المعارضة والمكونات السكانية عموماً، يحترق الوطن في أتون «ردود الفعل». ومع غياب وتغييب منطق «خلق الحلول» عن سورية يغدو الحسم بعيد المنال، ويصبح التوافق الدولي ضرورةً لتوفير «ظروف الحل»؛ تلك الظروف التي قد تؤسس لحلٍّ، وتكسر دوامة عنفٍ دمويٍ يكتسح سورية وشعبها.

 

* كاتب سوري

========================

العلويّون آخر من يصدّق قصة «الدويلة العلوية»

عبدالوهاب بدرخان *

الخميس ١٧ يناير ٢٠١٣

الحياة

لا حل عسكرياً، يقول الاخضر الابراهيمي. ولا سياسياً، لأن بشار الاسد لا يريد أن يرحل، وفقاً لما تردده موسكو منذ شهور. فعلى أي مسعى روسي يعتمد الاميركيون؟ ما أصبح مؤكداً أن الولايات المتحدة وروسيا ودول «مجموعة أصدقاء الشعب السوري» اتفقت على التزام عدم تمكين المعارضة أو «الجيش الحر» من التقدم أكثر على الجبهات مع قوات النظام. فعلامَ أنشأوا «ائتلاف المعارضة» وبذلوا له الوعود السخية ثم راحوا يتنكّرون لتعهداتهم الواحد تلو الآخر. وعلامَ جمع ممثلو دول «الأصدقاء» بضع مئات من الضباط المنشقّين في تركيا لتشكيل مجلس قيادة ومجالس عسكرية للمحافظات اذا كانوا سيقررون في اليوم التالي حجب السلاح والذخائر والمال؟ ولماذا يطرحون الآن إنشاء مجلسين قياديين، عسكري وسياسي، من معارضة الداخل، أملاً في الحصول على موافقتهما على سيناريو مبتكر لـ «حل سوري – سوري»، كما يصفونه؟ قد يتوصلون الى هذه الصيغة، فمعارضة الخارج لم تكن يوماً سوى رديف للداخل، أما الحل بـ «حوار مع النظام» أو «بوجود الاسد»، فلا مكان له في قاموس المعارضة.

أخلوا الساحة، اذاً، لـ «جبهة النصرة»، وهم المتذرّعون بها لخذلان عسكريي المعارضة. فهي الوحيدة التي لا تعاني من قلة الذخائر، ومعها «أحرار الشام» وفصائل اخرى تولد وتتكاثر ملتحقة بها. ذاك أن المقاتلين لن يتوقفوا ولن يستقيلوا، لا لأن واشنطن وضعت «جبهة النصرة» على «لائحة الارهاب»، ولا لأنها أصدرت الأمر لوقف تدفق الأسلحة. كانت «الجبهة» وأخواتها هي التي أسقطت مطار تفتناز، بثمن بشري باهظ من الجانبين. انه تنظيم «القاعدة» في سورية، يقول مسؤول اميركي لـ «الحياة»، قبل أن يضيف انها قد تكون النقطة الوحيدة التي «اتفقنا» فيها مع الاسد. لم يقل إنهم انتظروا سنتين ليجدوا «نقطة الاتفاق» هذه، وبكلفة بشرية عالية أيضاً. كانوا يتهمونه بإرسال المقاتلين الى العراق لدرء تداعيات المغامرة الاميركية عن نظامه، فإذا بهؤلاء يعودون من الطريق نفسه لإحباط أي موقف اميركي سويّ من قضية الشعب السوري. لم يكن في ظنّهم أنهم يخدمون النظام السوري بذهابهم الى العراق، لكنه متيقّن بأنهم يخدمونه الآن في رحلة الإياب حتى لو لم يرتضوا ذلك. وبين «القاعدة» والنظام لا يبدو أن لدى واشنطن صعوبة في الاختيار، خصوصاً أنها حصلت وتحصل عملياً، وبحد أدنى من الجهد، على ما تريده من النظام: تدمير سورية وإضعافها. لكنها توضح الآن ما لا تريده من النظام: أن لا سورية تحت سيطرة «القاعدة». وهذا بالضبط ما يقوله الاسد تبسيطاً وتسخيفاً للواقع. بل إن هذا ما غدا جوهر التفاهم بين الاميركيين والروس: مصالحهما أولاً، بما فيها مصلحة اسرائيل.

ماذا يعني ذلك، استطراداً؟ أن «النظام» الذي يمكن أن يولد من «حل سياسي» جارٍ البحث عنه، ستحـــدد له أولوية: مكافحة الارهاب. الثنائي الدولي بات مقتنعاً بأن حتى الاسد لا يُعتمد عليه في هذه المهمة لأن نظامه اعتاد استخدام هذه الورقة في لعبة مزدوجة. لعل واشنطن عادت الى نظريتها ما قبل إسقاط صدام حسين، حين وضعت مواصفات لبديل أمثل: أن يكون «صدّاماً» آخر، سلساً متوسط الدموية ومحاطاً بديكور «ديموقراطي» يتيح له اتخــاذ القرارات الصعبة في ما يبدو كأنه مجرد لعبة أو صراع سياسي بحت. استغرق الأمر غزواً واحتلالاً واختــباراً لأشخاص حتى تبلور خيار نوري المالكي في العراق. أما في سورية فالعملية أكثر تعقيداً، لكن حتى الابراهيمي خرج عن النص ليقول إن الشعب السوري يرى أن حكم أسرة الاسد طال أكثر مما ينبغي. ما يمكن ترجمته عملياً بأن المطلوب «اسد» أو بالأحرى «علوي» آخر يمكنه أن يقوم بإعادة هيــكلة الجيش وأجهزة الأمن. لماذا؟ لأن هذا من الخطوات الأولى اللازمة لتفعيل أي حل سياسي، ولأن هذه «المؤســسات» تأتمر جميعاً حالياً بقادة من العلــويين، ولأن وجود شخصية كهذه يمكن أن يُعتبر نهاية لـ «حكم العائلة» ويوفر ضماناً لعدم «استــباحة الطائفة». في الخــطاب الأخير أطلق بشار رسالة مفادها أنهم لن يجدوا غيره. فـ «الطائفة» متضامنة، وهي قد تفاجئ من يراهنون على انقسامها ببدء الاعتماد على «مجموعات شبابية» تقاسم الروس والايرانيون و «حزب الله» تدريب عناصــرها في منــطقة الساحل وزوّدت أســلحة متـــطورة وبوشر تكليفها بمهمات قتالية في ريف دمشق. أما من كانوا «مرشحين مفترضين» كـ «بدائل»، فلم يبقَ منهم أحد، فمنهم مَن اعتُقل ومنهم مَن قُتل ومنهم مَن نُفي الى قريته أو قُطع عن العالم في اقامة جبرية.

لا يعني ذلك أن ما أظهره الاسد في دار الأوبرا هو المزاج الحــقيقي للعــلويين، لا سيما العسكريين، الذين هم على اتصال بالواقع ويرون بأم أعينهم ما أصبح عليه الشارع. إنهم على أي حال آخر من يصدّق أن ثمة خياراً اســمه «دولة» أو «دويلة علوية». وعلى افتراض أن طُرح أو سيُطرح فعلاً فإنهم لا يتخيّلون للأسد مكاناً أو دوراً فيها، فهو سيأتي اليها خاسراً وســـيواجه «حساباً مع الطائفة». بعض منهم يلوم بشّار لأنه لم يتخذ ما يكفي من اجراءات لجعل هذه «الدولة» ممكنة، اذ لم يهتم بإقامة بنية تحـــتية «فهــناك قرى لم تصل اليها الكهرباء بعد ولا تبعد سوى دقائق عن الساحل». بعضٌ آخر يتهمه بأنه «غير طائفي بما يكفي، وإلا لكــان فكّر أولاً بأمن طائفته وبمستــقبلها» ويتــساءل: «وين صرنا ووين رايحين؟». كانوا يأملون بســـيناريو مشـــابه لما حــدث في 1982، ولم يتصوّروا أنهم سيــتعرضون لهذه الخســـائر بالأرواح، لا يزالون متضامنين وراءه، ولا خيارات اخرى لديهم، لكنهم يقولون «اذا لم يكن قادراً على الحسم فلماذا ورّطنا الى هذا الحد» أو يقولون «لم نعد نعرف لمــاذا يموت أولادنا». في الشــهور الأخيرة تغـــيّروا كثيراً، فخيام العزاء في قراهم أصبحت تحتل الســـاحات بشكل دائم وتحتقن بالنقمة والانتقادات. يشعرون في دواخلهم بأنهم خسروا دمــشق، حتى الحارات التي ظلّت ساكنة بدأت الآن تتظاهر، وحتى الأنباء الجديدة «المرضية» عن معارك داريّا والريف المجاور لا تقنعهم، لم يعودوا مصدّقين أن لديه أوراقاً خفية تمكّنه من استعادة السلطة، فهم الأكثر معرفة بالقدرات وقد رأوه يتقلّب من دون جدوى بين الخــيارات التي تحددها الدائرة الضيقة برعاية خاله محمد مخلوف الذي سافر كثيراً الى موسكو خلال العام الماضي. يفكرون بعائلاتهم ويدرسون احتمالات الرحيل، يسألون عن الجهات الممكنة والآمنة، ويحلم معظمهم بلجوء الى دبي. هو نفسه قلّت خياراته، ولا يستطيع تسفير أولاده الى الخــارج، فإذا لم يظهروا كل صباح في المدرسة التي نقلت خصيصاً من مقرّها الأصلي غير الآمن الى «المربع الأمني»، فإن غيابهم سيثير تساؤلات ذوي زملائهم.

عند عقدة «رحيل الاسد» الذي «يستحيل تنفيذه» بالنسبة الى سيرغي لافروف، و «عقدة العلوي»، و «عقدة الحكومة الانتقالية بصلاحيات كاملة»، لم تشهد المحادثات الأخيرة في جنيف أي تقدم. فالكرة في ملعب موسكو، وتعتبر واشنطن أنها نفّذت ما عليها لإنجاحها اذ لا يمكنها أن تخذل المعارضة مالياً وعسكرياً أكثر مما فعلت حتى الآن. وعلى رغم اقتناع موسكو بوجوب التحرك، إلا أنها لا تملك خطة، لذا تفضل انتظار تغيير ما على الأرض قد يكون النظام وعد به. كلاهما لم يتعلم شيئاً من «الحل الدموي» طوال الـ 22 شهراً الماضية.

 

* كاتب وصحافي لبناني

========================

في سوريا يوجد قتل وليس بقتال

طاهر العدوان

الرأي الاردنية

17-1-2013

المجازر في سوريا اصبحت بالجملة ، المدنيون هم الضحايا لان الحصيلة اليومية لإعداد القتلى هي من المدنيين وليس من صفوف المتقاتلين من الطرفين ..في سوريا يوجد قتل وليس بقتال ، وتدمير ممنهج يقوم به النظام للانتقام من الشعب لانه خرج الى الشوارع يطلب الحرية والكرامة كما يقول المعارض السوري ميشيل كيلو . ويوجد في الجهة المقابلة من المعارضة الميدانية فلة حكم ، فالثورة تتحول تدريجيا الى جماعات مسلحة لا يجمعها جامع غير شهوة السلطة ، حيث تجري عمليات تجارب على كيفية استعباد البلاد والعباد ، فهذه جماعة تشكل محاكم مدنية وتلك عسكرية وثالثة حسب ( شريعة ) تلك الجماعة التي هي أبعد ما تكون عن الاسلام الذي من شدة احترامه للقانون ومعاداته للفوضى ان نادى بطاعة ولى الامر حتى في حالات لا تستوجب فيها طاعته . والضحية في كل الاحوال هم الاطفال والرجال والنساء العزل الذين يجدون انفسهم بلا حماية وبلا امن وامان.

كلما اشتد القصف وارتفع عدد المجازر وزادت اعداد النازحين نسمع عن تحركات واجتماعات عربية ودولية تحت عناوين مثل ( بحث مستقبل سوريا بعد سقوط الاسد ) و( ومستقبلها الاقتصادي والمالي والإنساني بعد سقوطه ) اما حاضر سوريا وما يتعرض له شعبها من كوارث ومآسي فلم يعد يحرك ضمير كل من له باع وذراع في تفاقم المأساة السورية .

 ما يحتاجه السوريون ليس مؤتمرات تبحث مستقبله المجهول وانما تعالج حاضره الدامي ، ما تحتاجه سوريا ليس مائدة حوار تجمع المعارضة والنظام ، فهذا هو الخطوة التالية انما حاجة الشعب السوري الاولى ان يجلس الشركاء الإقليميين والدوليين في سفك الدم السوري على مائدة واحدة لغسل ايديهم من شلالات الدم المسفوح في القتل وليس في القتال .

النظام هو المستفيد الاكبر من التدخل الخارجي عبر إمدادات السلاح من روسيا وإيران والدعم السياسي والمادي منهما اما الكذبة الكبرى فهي وجود دعم خارجي للمعارضة بالسلاح والمال ، الحقيقة ان لا امريكا ولا الناتو قدموا شيئا يذكر للجيش الحر وفي المعلومات التي تتداولها المعارضة ، ان الصوت التركي عال لكن الوقائع تقول ان شحنات السلاح التي تشتريها او تحصل عليها المعارضة يصادر معضمها في الموانئ التركية . هذه الحقائق والوقائع حولت الساحة السورية الى نقطة جذب لتنظيمات وجماعات لا هدف لها الا نقل الحرب من بلد عربي الى آخر ، تحت شعارات عولمة الحرب ضد امريكا وضد الأنظمة من كل صنف ولون وبالنتيجة المستفيد الاكبر هي امريكا وإسرائيل .

كما لايوجد اي فعالية سياسية للمواقف العربية من خلال الجامعة و مجلس الأمن من اجل صناعة قوة ضغط تعمل على إنقاذ سوريا من النظام ومن الفوضى، ودفع الثورة نحو المؤسسية الثورية القادرة على نقل البلد في الوقت المناسب من شرعية الثورة الى شرعية الدولة .

ان افضل شيء يمكن ان يحققه الإبراهيمي هو الدعوة لمؤتمر سلام يستثني المعارضة والنظام والجامعة العربية ( التي لم يبق لها من دور الا اخراج شهادات الوفاة لضحايا المجازر ) يضم روسيا وإيران وأمريكا والاتحاد الاوروبي والأمم المتحدة من اجل توافق على مصالح كل طرف كمقدمة لقرار أممي من مجلس الامن يفرض وقف النار بموجب الفصل السابع ويوقف إمداد السلاح للطرفين ثم الاتفاق الى مرحلة توفير الظروف للشعب السوري لكي يقرر مصيره بإشراف دولي .

 وأخيرا تؤكد المأساة السورية الواقع المر بان النظام العربي هو من العجز عن حماية امنه و امن شعوبه بحيث يستحق وصف ( الرجل المريض ) .

 

========================

إيران «توجه» ملياراتها إلى نظام الأسد وحزب الله

هدى الحسيني

الشرق الاوسط

17-1-2013

يتفق السياسيون الأوروبيون على أن إيران بفعل المقاطعة الدولية تتآكل من الداخل. ويوم السبت الماضي نشرت صحيفة «التايمز» البريطانية مقالا عن تململ في صفوف الجيش الإيراني بسبب إلغاء الخدمات الأساسية من وجبات طعام ووسائل نقل مجانية (باستثناء كبار الضباط)، وإبلاغ الجنود أن لا يتوقعوا الشهر الثالث عشر الذي كانوا يقبضونه في بداية شهر مارس (آذار) من كل عام بمناسبة عيد النوروز (رأس السنة الفارسية).

صحيفة «الغارديان» كتبت بدورها صباح الاثنين الماضي أن العقوبات أثرت على استيراد إيران للأدوية، في هذه القضية بالذات تنكشف الأولويات الملتوية للنظام الإيراني. إذ على الرغم من الزيادات في الإيرادات السنوية البالغة 30 مليار دولار من صادرات النفط، وأكثر من ثلاثة أضعاف هذا المبلغ في احتياطي العملات الأجنبية، والتصريحات الإيجابية لوزراء الحكومة الإيرانية، فإن النظام الإيراني لا يبذل أي جهد لمساعدة المواطنين. وبدلا من تحديد الأولويات الأساسية للميزانية، فإنه يستغل العقوبات الدولية ككبش محرقة لتعميق معاناة الشعب الإيراني، وآخر نموذج عن أولويات النظام الملتوية، هو الرعاية الصحية في إيران التي تتدهور بسرعة، كما أن الكثير من الناس يجدون أنفسهم عاطلين عن العمل.

في الثامن من الشهر الماضي، طلبت وزيرة الصحة الإيرانية مرضية وحيد دستجردي (طردها الرئيس محمود أحمدي نجاد من منصبها في 28 ديسمبر (كانون الأول)، أي بعد عشرين يوما) من البنك المركزي الإيراني تخصيص مبلغ 2,5 مليار دولار بشكل عاجل، لاستيراد الأدوية لمعالجة ستة ملايين مريض يعانون من أمراض تهدد الحياة، مثل الهيموفيليا (مرض في الدم) والسرطان والتلاسيميا. ومع ذلك وحتى الآن فشلت السلطات الإيرانية في تخصيص الأموال اللازمة لاستيراد الأدوية المنقذة للحياة.

إن سبب عدم استيراد إيران للأدوية الملحة لمرضاها واضح ومباشر، ويكشف عن أسوأ نوع من السياسة المتبعة في ما يتعلق بالشعب الإيراني.

يسعى النظام، في كل منعطف، إلى تضليل الشعب الإيراني وجعله يشعر بأن كل المشكلات التي يواجهها سببها تدخل القوى الخارجية في الشؤون الداخلية الإيرانية.

من هنا، إبلاغ فاطمة رفسنجاني رئيسة «رابطة الأمراض المستعصية» أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون بأن النقص في العلاج الطبي هو نتيجة العقوبات الدولية. لكن على الرغم من تصاعد العقوبات الدولية ردا على التعنت الإيراني لا يوجد أي قرار على الإطلاق يمنع النظام من تصدير أو استيراد الأدوية الحيوية.

في الواقع، قد تكون قراءة خاطئة للوضع، إذا كان التصور بأن فشل إيران في تخصيص الأموال اللازمة التي طلبتها وزيرة الصحة المقالة يعود إلى فرض العقوبات الدولية.

في الحقيقة، هناك موارد مالية ضخمة تحت تصرف السلطات الإيرانية، فخلال السنة الماضية فقط، ازدادت عائدات النفط 28 مليار دولار أو 36% (سنة 2011 – 2012 بلغت عائدات النفط 108,9 مليار دولار، مقارنة مع سنة 2010 – 2011 حيث بلغت 80,1 مليار دولار).

علاوة على ذلك، وحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، فإن لدى إيران من احتياطي العملات الأجنبية والذهب ما مقداره 101,5 مليار دولار. فكيف يمكن لهذه الزيادات في الإيرادات التي تبلغ 130 مليار دولار أن تعجز عن تخصيص مبلغ 2,5 مليار دولار قيمة أدوية حيوية لتحسين وربما إنقاذ حياة ستة ملايين إيراني؟ إنه تبرير أبعد من أي منطق اقتصادي. وعلى ما يبدو فالمسألة ليست اقتصادية وإنما سياسية.

وفي محاولة للحفاظ على الاستقرار الداخلي، بدأت السلطات الإيرانية نشر البيانات عن الواردات الطبية، مع إبقاء جدار من الصمت المطبق حول انهيار معظم الميزانية الوطنية. على سبيل المثال، أعلن المصرف المركزي الإيراني في أوائل شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عن تخصيص مبلغ 750 مليون دولار للواردات الطبية. بعد عدة أسابيع أعلن حسين علي شهرياري رئيس اللجنة الصحية في مجلس الشورى عن رغبة إيران في استيراد أدوية بقيمة 130 مليون دولار. وفي حين تبدو هذه المبالغ كبيرة فإنها أقل بكثير من المبلغ الذي طالبت به وزيرة الصحة التي أقالها أحمدي نجاد. ثم إنه ليس واضحا ما إذا كانت هذه المبالغ استخدمت فعلا لاستيراد الأدوية.

إن انعدام الشفافية حول كيفية تدفق المليارات من الدولارات على خزينة النظام أمر صارخ ويمكن وصفه بـ«الثقب الأسود».

هذا «الثقب الأسود» العملاق يبدو أنه يتكفل برعاية حلفاء إيران وفي طليعتهم نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا ةو«حزب الله» في لبنان. أما الذين يعانون المعاناة الكبرى فهم الإيرانيون نتيجة حالة يائسة لعدم إيجادهم الرعاية الصحية اللازمة، أو لمحاولتهم البحث عن طريقة لتأمين الاحتياجات الأساسية لأسرهم.

ومع سبعة ملايين عاطل عن العمل في إيران اليوم والبطالة في تصاعد، ومع فقدان الناس ثقتهم بالحكومة إن كان لجهة تأمين الدواء أو إيجاد فرص عمل، تعلو بين حين وآخر ضجة إعلامية عن خطط تضعها الحكومة لإعادة الإيرانيين إلى العمل، آخرها الوعد بتأمين 1,3 مليون وظيفة في شهر مارس المقبل. لكن التصريحات المتضاربة من مختلف المسؤولين الإيرانيين تجعل من الصعب على الإيرانيين أن يصدقوا أن هناك رغبة حقيقية في مساعدتهم.

أيضا، في خطوة لتطويق غضب الإيرانيين العاطلين عن العمل، والخوف من امتداده إلى قطاعات أخرى، أعلن داود قادري العضو في المجلس الأعلى للتوظيف، في الثالث من الشهر الماضي، عن تخصيص مبلغ 1,96 تريليون ريال (نحو 160 مليار دولار) لتعزيز فرص العمل في العام المالي الحالي 2012 – 2013. هذا الرقم ومع التشجيع الذي رافقه تم تقويضه من مسؤولين آخرين في حكومة أحمدي نجاد.

هشاشة وعد آخر شبيه بهذا أطلقه العام الماضي (يناير «كانون الثاني» 2012) نائب رئيس المجلس محمد رضا باهونا، إذ قال: «هناك خطة لاستثمار 200 مليار دولار لاستيعاب الملايين من العمال الجدد في السنة، لكن في الواقع ليس في حوزتنا إلا 80 مليار دولار»!

وبعد المناقشات ما بين وزارة المالية والمصرف المركزي في ما يتعلق بتلك الخطة، تم في شهر يوليو (تموز) الماضي التخلي عن مبلغ 37 مليار دولار للمجلس الأعلى للتوظيف، وفقا لتصريح نائب وزير العمل محمد حسين بوروزانمير.

من حق الإيرانيين أن يسألوا عما إذا كانوا سيرون «ثمار» الـ160 مليار دولار أو الثمانين مليارا أو 37 مليارا لتخفيض نسبة البطالة. كثيرون يشعرون بأن التوقعات قاتمة، وأن المليوني إيراني الذين طردوا، أو تم الاستغناء عن خدماتهم، كما قال محمد اتادوريان من جمعية رجال الأعمال في المجلس الأعلى للتوظيف، يعرفون بأن كل وعود الحكومة فارغة، كون معدلات البطالة تنذر بالخطر وهي أعلى كثيرا مما تدعيه الحكومة، بحيث تصل إلى 31% وليس كما تقول إنها ما بين 12 و13%.

من خلال مراقبة أوضاع قطاعي العمل والصحة، يبدو حتما أن أولويات القيادة الإيرانية ملتوية جدا. إذ على الرغم من عائدات النفط الكبيرة، واحتياطي العملات الأجنبية، فإن النظام يهمل شرائح كثيرة من الشعب.

في الوقت نفسه، يصر الناطقون باسم الحكومة على خداع الناس، وتعزيز أمل كاذب عبر بيانات وهمية وخطط ليس فيها أي مضمون فعلي.

تريد إيران أن تقول للعالم إن العقوبات تطال الشعب وليس النظام. إلى متى يمكن لهذا الوهم أن يستمر؟ هذا هو السؤال الرئيسي الذي ستواجهه إيران هذا العام.

========================

سوريا: حكومة انتقالية أم حكم انتقالي؟

سمير صالحة

الشرق الاوسط

17-1-2013

ما دمنا وقفنا إلى جانب الحراك السوري باسم التغيير والإصلاح وتوسيع رقعة المشاركة السياسية التي فجر من أجلها ثورته قبل عامين، فمن حقنا أن نقول رأينا في مسألة حساسة وخطيرة بدأت تظهر إلى العلن وتناقش في صفوف المعارضة وفي المحافل الإقليمية والعالمية وهي خطوة الاستعداد للإعلان عن حكومة انتقالية يدعمها ويؤسس لها الائتلاف الوطني السوري ويسعى لتوفير الاعتراف الدولي بها لتقود عملية المرحلة الانتقالية في البلاد وتتحمل مسؤولية إيصال الشعب السوري إلى بر الخلاص بعد كل هذه المشقات والأعباء والتضحيات المكلفة التي قدمها.

لا اعتراض لأحد على المرحلة الانتقالية بل التحفظ هو على خطوة الحكومة الانتقالية وملابساتها وما قد تجلبه عن غير قصد من أعباء قانونية وسياسية تترك الشعب السوري أمام ورطة أكثر خطورة وأعمق انقساما وشرذمة في الداخل، لكنها قد تكون أكثر تكلفة للمنطقة وشعوبها إذا ما حاول البعض استخدامها كورقة ضغط ضد الأنظمة والقيادات والكيانات السياسية.

القانون الدولي عندما يناقش مسألة الاعتراف بالدول يترك المجتمع الدولي أمام احتمالين، هما اعتراف قانوني مباشر يكون تحت سقف الأمم المتحدة، أو اعتراف فعلي يتحقق من خلال إقامة العلاقات الدبلوماسية والتجارية والسياسية مع هذه الكيانات يتحول لاحقا إلى اعتراف قانوني متكامل.

أما في موضوع الاعتراف بالحكومات فالقانون الدولي يقدم مادة أساسية في هذه المسألة. هو يدعم حكومات المنفى أو الحكومات التي تتشكل تحت ظروف الاحتلال والتي تقود مشروع تحرر وطني شامل من هذا الاحتلال وتسعى لطرده من الأراضي التي يشغلها.

خطوة الائتلاف الوطني السوري الهادفة لنزع الاعتراف بالحكومة الانتقالية بدل التركيز على إسقاط مشروعية نظام بشار الأسد قد تتحول إلى بوميرانغ ترتد عليه إذا لم يكن حذرا في دراسة جميع تفاصيل وأبعاد هذه الحملة، ربما ما قاله جورج صبرا بشأن شرط توفير الضمانات المسبقة، وضرورة كسب تأييد المجتمع الدولي باتجاه الاعتراف بهذه الحكومة قبل الإقدام على قرار إعلانها هو الذي يدفعنا للقول إن المجلس الوطني والائتلاف المعارض يعرفان مخاطر وانعكاسات تحرك بهذا الاتجاه يعلن دون دراسة جميع جوانبه السلبية والإيجابية.

فمشكلة الائتلاف الوطني الأولى ستكون حول مشروعية هذه الحكومة والطرح الفوقي الذي يقدمه بشكل يتناقض مع الرؤية والاستراتيجية التي يتبناها منذ ظهوره إلى العلن.

مشكلة الائتلاف الوطني الثانية في حال تمسكه بمشروع الحكومة الانتقالية ستكون حول قدرة وحق هذه الحكومة في تمثيل المعارضة السورية أولا والشعب السوري بأسره ثانيا وطريقة تعاملها مع النظام في دمشق ثالثا.

أما العقبة الأهم في هذا الطرح الفريد من نوعه فهي احتمال أن تتحول الحكومة الانتقالية إلى مكسِّر عصى وخشبة خلاص تجعل منها قوى التحرر والمجموعات المعارضة وانتفاضات الربيع العربي التي هبت تطالب بالسلطة وبإسقاط أنظمتها النموذج البديل المفروض بقوة السلاح ودعم الآخرين.

باختصار أوضح، القانون الدولي لم يسبق له أن تعامل مع حالات من هذا النوع وبهذا الشكل، ونحن هنا لا نعترض طبعا على أن تكون المبادرة نموذجا جديدا يستحق التجربة التي قد تنجح، بل نتحفظ على ترك المسألة تحت رحمة التجاذبات السياسية والدبلوماسية بين القوى الإقليمية والدولية تتلاعب بها بحسب مصالحها وحساباتها.

هي قد تسهل للمعارضة السورية ربما تحقيق بعض الإنجازات على الأرض بهذا الخصوص، لكن الخطورة الأكبر ستكون محاولات نقل وتعميم هذه الحالة وطرح تطبيقها عند الضرورة في الكثير من بلدان وعواصم المنطقة التي تنتظر دورها لتجرب حظها في ربيع آخر.

تجربة قبرص التركية عام 1983 والثمن الذي ما زالت أنقرة ولفكوشا يدفعانه حتى اليوم لا يحتاج إلى تذكير به فهما على الرغم من أن الموضوع يتعلق بإعلان دولة شمال قبرص والمعارضة السورية لا تعلن ولادة دولة جديدة فإن سوء التقدير والتخطيط وقتها حول احتمالات اعتراف المجتمع الدولي لاحقا بهذه الدولة إلى مواجهة مع الأمم المتحدة ومجلس الأمن وتصلبهما في رفض التعاون مع المولود الجديد. المخيف هو أن تتخلى قوى المعارضة عن إنجازاتها التي حققتها حتى اليوم فتسقط في فخ حكومة انتقالية تفشل ليس في قطع الطريق على الحكومة السورية في دمشق بل تقود سوريا باتجاه مواجهة الحكومتين وتتحول الأنظار عن النظام ومشروعيته وحقه في البقاء في السلطة بعد كل عمليات القتل والتدمير التي شاركت الأسلحة الثقيلة والطائرات والمدفعية والدبابات وراجمات الصواريخ في تنفيذها.

ما لا يشجع عليه القانون الدولي قد تفرضه لعبة التوازنات الدولية، لكن الحل الأنجع هو أن يعزز الائتلاف الوطني من حجم الدعم الدولي له، وأن يوسع رقعة انتشاره في الداخل السوري، وأن يركز على معادلة لا شرعية النظام، وأنه بات هو جاهزا ليس لإقامة حكومة انتقالية؛ بل حكم انتقالي كامل خطوته الأولى تبدأ من دمشق وتنتهي في آخر شبر من الربوع الشامية.

========================

الأسدنة.. سرطان سياسي!

حسين شبكشي

الشرق الاوسط

17-1-2013

لا تزال أصداء الاعتداء المجرم من قبل قوات بشار الأسد بطائرات «الميج» على حرم جامعة حلب وقذفها بالصواريخ تلقى الاستهجان والتندر، وهو الاعتداء الذي أودى بحياة أكثر من 200 ضحية في مشهد فيه فصل جديد من أحوال الرعب والموت التي يمارسها هذا النظام المجرم في حق شعبه.

مسلسل القتل والتدمير والتخريب مستمر في سوريا بشتى الوسائل والطرق والأساليب. حلب تتعرض لحملة منظمة من الإبادة بحق كل رموزها المدنية والحضارية. سوق المدينة العريقة الحاملة للإرث المملوكي والعثماني الجميل والتي كانت تعتبر أهم وأكبر سوق مسقوفة في التاريخ تعرضت لحريق هائل أودى بالمحال التاريخية فيه جراء قصف النظام له، وكذلك حصل بالنسبة للجامع الأموي الكبير في المدينة الذي حرق ونهب وأتلف بشكل متعمد، وطبعا حصل نفس الشيء بالنسبة لرمز المدينة الأشهر؛ قلعة حلب الشامخة التاريخية.

واليوم ها هو يعتدي ويدمر جامعة حلب؛ إحدى أهم وأعرق الجامعات العربية، تلك الجامعة التاريخية التي كانت مؤسسة قبلما تلوث سوريا بنظام بشار الأسد ووالده وحزب البعث. استهداف جامعة حلب وكلية العمارة العريقة فيها وكأن المقصود به رسالة مبطنة ولكنها واضحة جدا إلى كل من يريد إعادة إعمار سوريا في المستقبل، فالنظام ليس فقط يدمرها ويبيدها، ولكنه يدمر ويبيد كل من يفكر أو يكون جزءا من فكرة إعادة إعمار سوريا مستقبلا.

حذر علماء السياسة ومتابعوها ومحللوها من خطورة الوضع في الداخل السوري والخوف الشديد جدا من تطور الأوضاع وتدهورها، ووصفوا الوضع بأنه «صوملة» أو «لبننة» أو «عرقنة»، في إشارة إلى تدهور أوضاع دول عربية مختلفة عانت ويلات التفتت والاقتتال الداخلي البشع فيما بينها، وانقلبت إلى فرق ومجاميع متقاتلة، دول كالصومال ولبنان والعراق باتت أمثلة مخيفة للانهيار والاقتتال البيني والثمن الباهظ لكل ذلك الأمر. ولكن ما يحدث في سوريا اليوم هو ظاهرة سيسجلها التاريخ السياسي ويحللها لاحقا، هي ظاهرة من الممكن أن يطلق عليه «الأسدنة»، وهي تتعلق بفكرة «إبادة» شعبك حتى يحكمك، وترويج فكرة أن العالم يتآمر عليك لأنك صاحب مبدأ ومقاوم، وتكرار تلك الأسطوانة المشروخة المرة تلو الأخرى لمحاولة «إقناع» العامة بتلك الفكرة من باب الخوف أو الاستسلام.

الأسدنة ستكون حالة سياسية تدرس وتراجع بدقة، وسيجتمع على مراجعتها علماء النفس ليستوعبوا حالة الذعر والخوف التي زرعها النظام في نفوس شعبه عبر عقود من الزمن، ومن خلال أدوات الذل والإجرام والمهانة، وكذلك سيدرسها علماء الاجتماع في كيفية تكوين النظام لطبقات حاقدة على بعضها البعض، وتكوين نفوس مليئة لا تثق بالآخر، ولا تأتمن له، ولا تعمل معه، ولا تعتمد عليه، وسيدرسها علماء الاقتصاد في كيفية تمكن النظام من القضاء على روح المبادرة والإقدام التي عرف عنها الاقتصادي السوري تقليديا وأجبر على الهجرة وترك البلاد وتم إشغاله بنفسه وإغراقه بالديون الهائلة عبر مسلسلات هزلية من الإخفاق الاقتصادي والتجارب الاقتصادية التي أنهكت البلاد والشعب بشكل مذل ومهين.

المسألة مستمرة ولم تنته بشتى صورها، وستستمر الظاهرة الأسدية حتى الرمق الأخير، فالنظام الذي جاء على حصان الكذب وتحت ستار الخيانة لم يقتنع هو شخصيا بكل شعارات العروبة والمقاومة والاشتراكية والوحدة التي كان يرفعها، ومارس فعليا وعمليا عكس بشكل مقنن ومستمر ومتواصل، وبالتالي اليوم وهو يواجه «شعبه» في معركة البقاء والخلاص لم يعد هناك مكان للخجل ولا حتى لأنصاف الكذبات، فالقناع سقط تماما وظهر الوجه الحقيقي.

بشار الأسد الذي جاء للحكم في حفلة تنكرية لبرلمان مجلس الشعب السوري وتم فيها «سلق» الدستور وتفصيله على مقاس الابن في مشهد كوميدي ساخر لمحاولة إقناع العالم بأن الاختيار كان «ديمقراطيا»، علما بأن بشار الأسد نفسه لم يكن خيار الأب حافظ الأول، وإنما جاء احتياطيا بعد مصرع شقيقه الأكبر باسل الأسد في حادث سيارة غامض، واستقبله الناس بعبارات مبسطة مثل «دكتور حباب» و«بيفهم بالإنترنت»، وهي عبارات أطلقت لإشغال الناس عن استمرار مسلسل «الأسدنة» البغيض الذي أوصل سوريا العظيمة للحال الحزين الذي وصلت إليه اليوم.

قتل في الناس الأمل، ولد الشك والخوف بينهم وبين بعض، أخرجهم من أبواب الكرامة وجردهم من الحرية، فلم يعد أمامهم سوى المطالبة بها والخروج علنا وعيانا. العالم يخون ثوار سوريا ويمنع عن جيشها الحر السلاح والمعلومة، ويتدخلون في مالي فورا لإنقاذ «الوضع»، بينما سوريا وشعبها يئنون جرحى وصرعى وقتلى لأكثر من سنتين، إنه النفاق السياسي المعيب.

الأسدنة هي سرطان سياسي ابتلي به العالم العربي، مثله مثل إسرائيل تماما، ولا بد من الخلاص منه، والأسد مجرم لا يفوقه في الإجرام إلا من يؤيده ويبرر له.

========================

هل هي الحرب على الإسلام أم صراع مع الإسلاميين فقط..؟؟

حسان القطب

الجمعة 18 كانون الثاني 2013

المصدر: موقع بيروت اوبزرفر

لم يكن مفاجأً ما جرى في شمال أفريقيا من شن حربٍ ضد التنظيمات الإسلامية الساعية لتغيير نظام دولة مالي، بواسطة القوات الفرنسية التي انتشرت لدعم الحكومة المحلية مدعومة من قبل الدول المجاورة وبغطاء دولي واسع، حتى ان دولة روسيا أشارت على لسان مبعوثها لدى الأمم المتحدة فيتالى تشوركين، إن فرنسا أبلغت روسيا بقرار تدخلها العسكرى فى مالى لردع تقدم الجماعات المسلحة من السيطرة على البلاد، وأن موسكو ليس لديها أى تحفظات بشأن هذا التدخل. ونقلت وكالة أنباء "نوفوستى" الروسية، عن تشوركين قوله:( إن موسكو لن تتدخل طالما أن التدخل الفرنسى متوافق مع القانون الدولى وبناء على طلب حكومة مالى). وروسيا هذه المؤيدة للتدخل الفرنسي في دولة مالي هي غير روسيا التي ترى ان لا بد من بقاء بشار الأسد في السلطة في سوريا وهذا يدل على انعدام المعايير والثوابت والضوابط في إدارات السياسة الخارجية في روسيا وغيرها من دول العالم الغربي، بالرغم من المجازر التي يرتكبها بشار الأسد وبالرغم من انتفاضة الشعب السوري ضده وتحمله أعباء القتال بما امكن من السلاح ومواجهة آلة حربية روسية متطورة وفتاكة ودعم مالي ولوجيستي إيراني متعصب وحاقد، وتدخل عناصر من قبل ميليشيات لبنانية وعراقية طائفية ومذهبية مؤيدة لنظام بشار الأسد، ومع ذلك لم تر روسيا إلى الأن من ضرورة للتدخل فالسلم الأهلي مصان والسلام العالمي في أيدٍ امينة..؟؟ وفرنسا التي لا تزال إلى اليوم تستنكر ما يجري في سوريا على يد الأسد وعناصره، أيضاً لم تر إلى الأن من ضرورة، ليس للتدخل المباشر فقط بل حتى لدعم المعارضة بالسلاح والعتاد لتسريع سقوط الأسد وتخفيف او الحد من نزف الدم السوري ووضع حد للانقسام الداخلي المتفاقم في سوريا..؟؟ بالرغم من البيانات والتصاريح القوية اللهجة ضد الأسد، ولكنها مع الأسف لا تردع معتدي ولا تخيف مجرم..؟؟

إن مجرد المقارنة بين ما يجري في سوريا وبين ما يجري الأن في مالي، إلى جانب الحملة الإعلامية العنيفة والقاسية التي تقوم بها بعض وسائل الإعلام العربية والإيرانية وتلك المدعومة منها على النظام المصري الجديد وحركة الإخوان المسلمين بشكل عام تكشف ان الحملة هي على الحركات الإسلامية بكل تفاصيلها وعناوينها ورموزها وتوجهاتها.. سواء كانت إخوان مسلمين او سلفيين او حتى معتدلين. وهنا تتقاطع المصالح الإيرانية مع الغربية... وحيث يكون الصراع كما في سوريا مثلاً يؤخر وصول الإسلاميين إلى السلطة لا بأس من استمراره وإطالة امده، والحل السياسي وحتى الأمني بإمكانه ان ينتظر، وتكاليف هذه الحرب التي يتحملها الشعب السوري من دم أبنائه وبنيته التحتيه ومستقبل اقتصاده من الممكن تعويضها لاحقاً...؟؟ أما في دولة مالي فلا يمكن الانتظار أبداً ولا بد من وضع حدٍ لتفاقم الخطر الإسلامي وإنهائه بأسرع ما يمكن..؟؟ إن هذا السلوك والأداء السياسي والأمني الغربي كما المحلي المتعاون معه، هو ما يشكل خطراً فعلياً على مستقبل علاقات الشرق بالغرب وعلاقة القوى الإسلامية بالمجتمع الغربي وأنظمته، ويهدد باندلاع حرب حضارات بل وبحربٍ بين الأديان وأتباعها... وما جرى في الجزائر من اختطاف أبرياء من الموظفين الأجانب يعتبر عينة بسيطة لما قد يحدث مستقبلاً..؟؟..وإذا كان ما يجري في سوريا ومالي هو حرب فعلية ولو اختلف شكلها وطبيعتها فإن ما يجري في مصر وليبيا وتونس، مختلف تماماً ولو كان يؤدي إلى النتيجة عينها.. حيث استطاعت القوى الإسلامية من إثبات حضورها الشعبي على الساحة السياسية تعاني من حملات إعلامية وسياسية قاسية وحرب إقتصادية داخلية وتواجه ما يشبه الحرب الأهلية الهادئة التي تمنعها من تحقيق استقرار حقيقي والمباشرة في تحقيق خطوات جدية وملموسة على طريق الإصلاح والتنمية، عبر مواصلة الاحتجاجات والتظاهرات وإطلاق الاتهامات بحقها وفي وجهها والتشكيك باحترامها لحقوق الإنسان والحريات العامة.. وحتى في انها تملك رؤية اقتصادية وبرامج تنمية اجتماعية....

لتجنب الصراع بين الشرق والغرب ولتفادي تعميق الخلاف بين الدول الغربية والقوى الإسلامية ومنعاً لتكرار ما جرى في نيويورك عام 2001، حين تمت مهاجمة أبراج التجارة العالمية لا بد من البحث عن مخارج مقبولة تمنع وقوع حرب مشابهة لتلك التي لم تخرج منها الولايات المتحدة من أفغانستان إلى الأن، وتلك التي أسست لأزمة طائفية في دولة العراق التي ترتع فيها إيران بكل حرية وإجرام.. وظهور نظام مماثل للنظام السوري الحالي يستغل عواطف جمهور وآلام فريق ليمارس سياسة الإبتزاز الدولي بحق الدول المجاورة وتلك البعيدة، واضطهاد شعبه بحجة حماية الوطن من الإرهابيين.. فالمطلوب لتجنب هذا المستقبل والابتعاد عن واقع مماثل ما يلي:

* وقف التعامل مع منطقة الشرق الأوسط على انها منطقة ثروات طبيعية يتم التنازع عليها بين القوى الكبرى وبين الأغنياء والفقراء

* عدم التعامل مع العالم العربي والإسلامي على انه سوق استهلاكي يملك القدرة الشرائية اللازمة واليد العاملة التي يتم استغلالها محلياً أو استيرادها عند الطلب.

* وقف الحملات الإعلامية غير المبررة على القوى الإسلامية ووقف استغلال مخاوف البعض من الإسلام والمسلمين للتحريض والترهيب

* وقف ترهيب الأقليات الدينية والسياسية من حكم الأكثرية في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي

* فتح قنوات حوار مع القوى الإسلامية الفاعلة على الساحة الدولية وإيجاد أو وضع آلية تواصل لحل المشاكل والإشكالات التي قد تقع

* تعزيز التعاون الإقتصادي بين المجتمعات الغربية والإسلامية لتضييق حجم التباين الاجتماعي وردم هوة التفاوت في النمو الإقتصادي بين المجتمعيين

* رفع مستوى التعاون والتبادل الثقافي ومحاولة فهم ثقافة الأخر كما هي دون تحريض أو تشويه او تلاعب بما يعيد الثقة بين المجتمعين

* وقف التدخلات العسكرية أو السعي لمنع تحقيق رغبات الشعوب العربية والإسلامية في الحرية والعدالة والتغيير كما يجري في سوريا مع بروز التعنت الروسي غير المبرر والعدائي

* العمل على تحقيق سلام عادل ودائم في منطقة الشرق الأوسط وإعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعه لمنع الاستغلال من قبل دول مثل إيران وغيرها ولمساعدة الشعب الفلسطيني على الخروج من حالة اللجوء والتشرد إلى تحقيق المواطنة والثبات والاستقرار وبناء دولته المستقلة

هذه بعض النقاط التي لا بد من تحقيقها للإنتقال بالمنطقة من حال المواجهة والصراع والفوضى إلى حال الاستقرار وبناء مجتمع متعاون وجزء لا يتجزأ من المجتمع الدولي يقوم بواجبه ودوره على اكمل وجه.. وإلا فإن الواقع الحالي والسياسات المتبعة من قبل الغرب تفيد بأن الحرب هي على الإسلام والقوى الإسلامية في المنطقة .. فهل يستطيع العالم تحمل تبعات واقع من هذا النوع وهو ينوء بأزمات اقتصادية تكاد تطيح باستقراره....

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ