ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 26/01/2013


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

25-01-2013

علي أكبر ولايتي.. مع الأسد إلى الأبد أيضا؟!

رضوان السيد

الشرق الاوسط

25-1-2013

ما عاد ضروريا ولا مفيدا إيراد آراء أهل النظام الإيراني عن سوريا وعن الشؤون العربية بشكل عام. فالأسد عندهم بطل من أبطال المقاومة والممانعة، والثائرون عليه تسلحهم أميركا وإسرائيل(!)، والدول «الرجعية الخليجية» ضالعة في ضرب محور المقاومة العظيم هذا، والذي يتشكل - طبعا بالمصادفة - من الأجزاء التابعة لإيران من الطوائف الشيعية في سوريا والعراق ولبنان. وإيران تعتبر الممانعين في سوريا والعراق ولبنان جزءا من أمنها القومي، ولذا فستدافع عنهم كما تدافع عن طهران في حالة الهجوم. وإذا كان عند أحد شك فيما يمكن أن تقدم عليه إذا هوجمت أو إذا تهدد أحد أجزاء المحور الطائفي الخالد، فلينظر وليتأمل ماذا يفعل الجنرال سليماني، وماذا يفعل متطوعو حسن نصر الله والمالكي في سوريا الآن، حيث يدفعون بآلاف العناصر للقتال على جبهة الأسد وشقيقه، ويمدونهما بالسلاح الثقيل ويعطونهما أموالا ضخمة للإنفاق في الحرب!

وإذا كان الأمر كذلك، أي إنه خطاب أهل السلطة في إيران من خامنئي إلى رئيس الجمهورية ووزير الخارجية ومدير الأمن القومي وقادة الحرس الثوري، وكل الفضائيات الإيرانية ووكالات الأنباء والصحف التابعة لإيران أو أحد أجزاء محورها، فما الداعي إذن للاهتمام بمقابلات علي أكبر ولايتي وزير الخارجية الإيراني الأسبق، ومستشار خامنئي للشؤون السياسية والأمنية؟

كان ولايتي وما يزال نافذا بجوار خامنئي، وبينهما قرابة. وهو يعتبر نفسه متميزا في التوجه الثقافي الذي يمثل الوجه «الأصلي» للثورة الإسلامية في إيران (أي مثلث التشيع والإسلام والقومية الإيرانية). فعبر السنوات الماضية، قرأت له عدة تصريحات ضد «القومية العربية» المسكينة وغير الموجودة، إلى أن ذهب أخيرا إلى أن الظهور الإسلامي الأخير في البلدان العربية، إنما هو مواجهة بين الإسلام والقومية العربية! ثم لم يكتفِ بذلك، فاعتبر المعارضين لسيطرة الإسلاميين في العالم العربي، عملاء لأميركا وإسرائيل، باستثناء بشار الأسد طبعا. والأسد يقول أو قال عن نفسه أخيرا إنه قومي وعلماني، فكيف يعلل ولايتي عدم عمالته لأميركا وإسرائيل؟ لا علة لذلك غير انتمائه لمحور الممانعة الذي أنشأته طهران، والعلمانية الطائفية هي «أطهر» أنواع الممانعات والانفصاليات كما يعرف السيد ولايتي!

وكنت قد قرأت كتابا لولايتي (أظنه أطروحته للدكتوراه) عن السياسة الإيرانية تجاه القضية الفلسطينية حتى عام 1975، أثنى فيه على سياسات الشاه باعتبارها سياسات وطنية وقومية تجاه فلسطين وقضيتها (بسبب معرفته بعواطف الأمة الإيرانية تجاه الفلسطينيين) على الرغم من اضطراره لإقامة علائق قوية مع إسرائيل! وهكذا يمكن القول إن السيد ولايتي يمثل أو يعتقد أنه يمثل القومية الإيرانية والإسلام الإيراني في الوقت نفسه، وعلى قدم المساواة، ومن ضمن ذلك التمثيل منابذة العرب، ومنابذة الإسلام السني أو التنافس معه على «تمثيل» الإسلام بعامة.

هل تكون هذه الأمور أو الميزات في شخصية ولايتي، مبررا كافيا للاهتمام بعرض آرائه التي لا تختلف كثيرا في الظاهر عن آراء الإيرانيين الآخرين؟ نعم، فإن العودة «للأصول» الثورية وغير الثورية قوية جدا في إيران الآن، وقد تكون لها تأثيرات في السياسات الخارجية الإيرانية في السنوات المقبلة. ويضاف لذلك سبب آخر، هو اتجاه القريبين من مرشد الثورة إلى ترشيح ولايتي لرئاسة الجمهورية الإيرانية خلفا لأحمدي نجاد في الانتخابات التي تجري في يونيو (حزيران) المقبل. ونوايا الترشح والترشيح هذه كانت ولا شك بين دوافع ولايتي للظهورات الإعلامية العربية وغير العربية في المدة الأخيرة.

يسلم ولايتي بالطبع وفي الظاهر، في مقابلته مع فضائية «الميادين» بالخطوط الرئيسية للسياسة الخارجية الإيرانية في المنطقة العربية. وتقوم هذه السياسة على أن إيران تتزعم محورا بالداخل العربي للممانعة والمقاومة ضد أميركا وإسرائيل. ولذا فكل تمرد على الأسد أو المالكي أو نصر الله يشكل كسرا لمحور الممانعة هذا. وعندما تجادل ولايتي مع أحد مقابليه في مناسبة أخرى، أقر بأن المالكي لا شأن له بمقاومة إسرائيل، لكنه حافظ على وحدة العراق، أما الأسد فقد دعم المقاومة كثيرا، وعندما ووجه بأنه لم يسع لتحرير الأرض السورية، وأن إسرائيل تقيم الآن سورا عازلا على حدودها مع سوريا، وما رأت حاجة لذلك منذ عام 1967، غير الحديث ليقول إنه مهتم أيضا بحصول الشعب السوري على حقوقه إنما بالتفاوض، وليس بالحرب.

والطريف وذو الدلالة أنه عندما سئل عن كيفيات دعم إسرائيل للمقاتلين الثائرين على الأسد، عمد لمهاجمة الدول الرجعية، وخص قطر بالهجوم، ذاهبا إلى أنها تستورد مقاتلين من أفغانستان والصومال(!) وهذا بالطبع كلام غير صحيح، إضافة إلى أن مواقف أكثر الدول العربية في الخليج وخارجه، من الأزمة السورية، لا تختلف كثيرا عن موقف دولة قطر. فها هو الرئيس المصري يقول يوم الاثنين الماضي إنه لا بد من إنهاء نظام الأسد الآن! وهكذا فإن ولايتي تجنب عمدا الحملة على السعودية وعلى مصر، باعتبارهما المحاورين المحتملين والقائمين لإيران باسم الإسلام إن لم يكن باسم العرب!

لدى ولايتي والنخب المحافظة من حول خامنئي مشكلتان «ثقافيتان» مع العرب إذا صح التعبير، ومشكلة سياسية واستراتيجية واحدة. أما المشكلتان الثقافيتان فتتعلقان بالقومية والإسلام. فقد كانت إيران في المرحلة القريبة الماضية، لا تمثل الإسلام الشيعي فقط؛ بل والإسلام الثوري السني. ويكون عليها الآن أن تعترف بوجود طرف آخر غير تركيا يمثل الإسلام السني المحافظ والثوري على حد سواء. أما المسألة القومية، والتي يركز عليها ولايتي، فليس لها سبب عربي، بل سبب داخلي إيراني. فقد انتصر أحمدي نجاد - الذي تحول إلى شبه خصم لخامنئي - في السنتين الأخيرتين للقومية الإيرانية في مواجهة محافظي مجلس الشورى والحرس الثوري ومحيط خامنئي. وتحت عنوان «المصالح الوطنية» بدأ نجاد بشكل مستتر وغير مباشر ينتقد مسالك الحرس الثوري، وسياسات المحاور المكلفة لإيران بالخارج.

وولايتي يقول الآن إن معسكر المرشد هو المعسكر القومي الإيراني الأصلي، كما أنه معسكر التشيع والإسلام الأصلي. وهناك فرصة للقاء مع الإسلام السني الأصلي بنوعيه عبر مصر والسعودية. أو أن هذا هو ما يحاول ولايتي الإيهام به.

بيد أن هذه التركيبة الآيديولوجية المتنافرة، وسواء صحت أم لم تصح، تظل العقبة الرئيسية في وجهها ما اعتبرناه مشكلة سياسية واستراتيجية كبرى مع العرب. وهي بالذات المحور الإيراني الذي يخترق المشرق العربي والخليج، وبالطائفية، كما بالإعلان السياسي المعادي للأميركيين. وهو محور ما كان ليقوم إلا بالتنسيق مع الأميركيين، وبالتقاطع إلى حد ما مع الإسرائيليين. وذلك في مقابل عدم التعرض للأميركيين في انسحابهم وعدم التحرش بإسرائيل. وبنتيجة قيام المحور أخيرا وبشكل متماسك في الدول العربية الثلاث، ووجود نفوذ لإيران في مناطق عربية للإقلاق مثل البحرين واليمن؛ اعتبر الإيرانيون أنفسهم شركاء رئيسيين في المنطقة العربية، ويمكنهم أن يستفيدوا من ذلك في مفاوضاتهم مع الأميركيين، وفي تجاذباتهم مع دول مجلس التعاون الخليجي. ثم جاءت سنتا الربيع العربي فنقلتا الموضوع إلى مكان آخر تماما: الشعوب العربية في مواجهة حلفاء إيران من الأنظمة والحكومات في سوريا والعراق ولبنان. وجاء الحصار على إيران بسبب النووي، فحول أطراف المحور إلى عبء عسكري وأمني وسياسي ومادي. بيد أن أحدا في إيران لا يجرؤ على التراجع علنا عن رعاية المحور والالتزام به، وإلا فكيف يمكن تعليل الإنفاق الأسطوري والمغامرات الأسطورية في الأعوام العشرة الأخيرة على الأقل؟

المحور الإيراني في أدنى درجات ضعفه، على الرغم من مظاهر القوة والثبات. ولا ينبغي أن يتوقف العرب عن الضغط بقدر ما يستطيعون في سوريا والعراق ولبنان، فهذه هي فرصتنا للتخلص من الخطوط الحمراء والصفراء. أما الترتيبات الآيديولوجية اللفظية، التي ينتهجها ولايتي، فليست من همنا نحن «الرجعيين» الذين لا يريدون غير حرية بلدانهم وسلامتها وسلامها!

=================

تطورات الشرق الأوسط قد تجر أوباما إلى التورط

راغدة درغام

الجمعة ٢٥ يناير ٢٠١٣

الحياة

الخيط الأساسي الممتد من الولايات المتحدة إلى الصين وإلى روسيا وأوروبا والمنطقة العربية والشرق الأوسط إلى أفريقيا وإلى أميركا الجنوبية وكافة أنحاء العالم يبقى واحداً، وهو: أن الفرد يبحث عن لقمة العيش والوظيفة، يبحث عن الحياة الآمنة وبعض الاستقرار. يبحث عن يومٍ ما يخف به الفساد الذي يطوّقه وتنحسر فيه تلك النزعة المتجذرة إلى السلطوية واحتكار السلطة والاستفراد بالقرار. أحاديث المنتدى الاقتصادي العالمي قل ما تركز على هذه البديهيات لأن التحديات التي يُفترض أن يدقق فيها قادة النخبوية في شتى القطاعات تدخل عامة في خانة الاستراتيجيات الكبرى وصنع القرارات العالمية. هذه السنة، اقتحم أجواء دافوس نوع من الحاجة إلى ضخ التفاؤل والثقة بالديناميكية التي أراد لها رئيس المنتدى البروفسور كلاوس شواب أن تتسم بالمثابرة والقدرة على التحمل والتأقلم والتغلب على الصعوبات والتشاؤم. لذلك لربما حاول منظمو المنتدى توجيه الأنظار بعيداً عن مآسي ما يحدث في سورية أو مالي، للتركيز على التحديات الكبرى التي تحدق على المدى البعيد في مستقبل الدول، من روسيا إلى الصين، إلى الولايات المتحدة وأوروبا ومنطقة الشرق الأوسط والعالم. كان ذلك تمريناً مفيداً في جلسات وحوارات المنتدى على جبال الألب، لكن واقع المآسي بقي مرادفاً، والتشاؤم بقي مسيطراً بالذات عند بحث المنطقة العربية. على رغم ذلك، دفع النقاش في دافوس اللاعبين السياسيين كما كبار المفكرين إلى مرتبة أخرى من النقاش تعدّت الحدث اليوم ودخلت إلى معنى الأحداث على المدى البعيد إقليمياً ودولياً. وهذا أدى إلى طرح أفكار خرجت عن نمط الاجترار وفتحت آفاقاً على تناول مختلف لما حدث منذ أتى التغيير إلى المنطقة العربية، وماذا قد يحدث في عهد الانزواء عن القيادة بالذات داخل أهم دولتين مؤهلتين للقيادة العالمية – الولايات المتحدة والصين.

روسيا التي أراد لها المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس 2013 أن تكون النجم وتلقت صفعة استهلت مخاطبة رئيس الوزراء للمنتدى ديمتري ميدفيديف. فلقد وضع المنتدى دراسة عن السيناريوات السلبية التي قد تحدق في مستقبل روسيا وتم إجراء استفتاء في الجلسة الافتتاحية حول ما هو الخطر الأساسي والأول الذي يحول دون تقدّم روسيا في السنوات المقبلة. أتت النتيجة لتسجل أن ما يقارب 80 في المئة أكدوا أن ما تفتقده روسيا هو الحكم الرشيد وأن الأولوية القصوى في سياساتها يجب أن تكون لمحاربة الفساد والحكم الرشيد وإدخال الإصلاحات الجذرية.

ميدفيديف تصرّف على الطريقة الروسية – البوتينية بامتياز. ضرب بعرض الحائط تلك النتيجة التي حذرت من أن حكومته ستواجهه ثورة من الطبقة الوسطى إذا استمر هو ورئيسه فلاديمير بوتين بتجاهل الحاجة الماسة إلى إصلاح اقتصادي وسياسي على السواء.

هذا النمط من الإنكار Denial مرض متفش في كثير من الدول النامية التي ترفض الاعتراف بما يعرقل مسيرتها إلى النمو والتقدم. روسيا بوتين لا تعتبر نفسها دولة كبرى فحسب وإنما دولة عظمى. إنها تتصرف على هذا الأساس بقفز ونكران وتجاهل للحاجة الماسة إلى الإصلاح والديموقراطية اللذين يقفان عثرة أساسية أمام مستقبلها.

ما يراهن عليه فلاديمير بوتين وتلميذه ديمتري ميدفيديف هو انحسار الرغبة أو القدرة على القيادة لدى الآخرين بالذات الدولتين الكبريين – الولايات المتحدة والصين. الرئيس الأميركي باراك أوباما أوضح في ولايته الأولى أنه ليس راغباً بمحاربة دور القيادة للولايات المتحدة لا سيما في أماكن النزاع بالذات في الشرق الأوسط – وأنه ليس معارضاً لفكرة الشراكة في القيادة.

وجد بوتين فرصة مضاعفة له في المنطقة العربية حيث امتدت نزعة باراك أوباما بالانسحاب والانعزالية لتجنب التورط في ما قد يؤدي بالأميركيين إلى دفع كلفة التورط بالقوات والمال. ورافق تلك «الأوبامية» استعداد من قِبَل القيادة الصينية لإيلاء القيادة في مسائل الشرق الأوسط – بالذات سورية وإيران – إلى روسيا بصورة تشابه التكليف بالنيابة للقيادة إلى روسيا.

أخطاء روسيا في تفسيرها لهذه الوقائع لا تنحصر باستدعائها العداء من المنطقة العربية وكذلك من الجهاديين المتطرفين وإنما هي أيضاً أخطاء قراءة استراتيجية لما يحدث في العلاقة الأميركية – الصينية أو في التنافس المبطن على القيادة العالمية بين العملاقين.

أحد المفكرين المخضرمين في هذه الأمور قال في إحدى الجلسات المغلقة إن ما يسمى بـ Pivot to Asia أي التحول في الاهتمام إلى آسيا مفاده أن الولايات المتحدة قررت مواجهة الصين في عقر دارها. هذه المواجهة قد تبدو، سطحياً، مقتصرة على المنافسة لاقتصادية وحشد الدعم والولاء لأميركا في الدول المجاورة للصين. إنما في العمق، بحسب هذا المخضرم، أن مثل هذه المواجهة الاستراتيجية والمنافسة على العظمة ستتطلب في نهاية الأمر عكس ما هو حجر الأساس في السياسة الأوبامية – أي حشد الإمكانيات العسكرية الأميركية الكبرى والاستعداد لاستخدامها إذا برزت الحاجة.

في هذه المعادلة بين العملاقين الحقيقيين، تبدو روسيا عملاقاً قزماً وتبدو موضع استخفاف في نهاية المطاف، أميركياً وصينياً، وهي تورط نفسها في الشرق الأوسط متوهمة أنها تصنع التاريخ فيما التاريخ يحذفها من معادلة الكبار الذين يفوضونها بالقيادة أو يوحون لها بانعزالية وتخلّ عن القيادة. ساحة هذه التطورات المهمة في العلاقة الأميركية – الصينية – الروسية هي سورية بشكل خاص حيث تخوض الجمهورية الإسلامية الإيرانية معركة بقاء وتعتقد بدورها أنها هي وحدها تمتلك سلم الهبوط أو «سلم التسلق هبوطاً» ليس فقط للقيادة السورية وإنما أيضاً للقيادة الروسية.

على الصعيد الآني، تُبذّل الجهود حالياً في الأمم المتحدة – وفي بعض اللقاءات وأحاديث دافوس – للعمل على صيغة إخراج من الوضع الراهن في سورية توفر صيغة «إنقاذ ماء الوجه» لكل من القيادة الروسية والقيادة السورية كي يكون في الإمكان إنقاذ القيادة الأميركية من التورط ومن المحاسبة على التلكؤ واعتماد التآكل والاستنزاف سياسة.

إدارة أوباما الثانية تود الكف عن اعتماد «تعييب» السياسات الروسية Shaming كسياسة وتبحث عن وسائل للكف عن إحراج روسيا واستبدال ذلك بنوع من الشراكة. عقدة موسكو تبقى في رغبتها بعدم الظهور بأنها تتخلى عن صديقها في دمشق، الرئيس بشار الأسد، وهي راغبة في التعاون إذا ما تمت معالجة تلك العقدة. والكلام يدور في حلقة إمكانية ووسائل تحييد «عقدة الأسد» في الجولة الأولى من الحلول السياسية.

البعض يقترح وضع مسألة الأسد على جنب بمعنى عدم الانطلاق من الاشتراط بأن لا دور له في العملية الانتقالية السياسية أو بأن عليه التنحي. يقول هذا البعض إن أسلوب «الافتراضيات» قد يكون مفيداً للخروج من الحلقة المفرغة في البحث عن حل سياسي وكي يتم التركيز على التحول الديموقراطي الحقيقي بما يحافظ على وحدة سورية بدلاً من تدهورها إلى التفكك والتفتت. جزء أساسي من أسلوب الافتراض هو أن بشار الأسد لن يبقى رئيساً في نهاية المطاف بعد أن تبدأ حكومة انتقالية أعمالها ويتم التوصل إلى دستور جديد يحدد مدة الرئاسة وبعدما يتم إجراء انتخابات بمراقبة حقيقية. هذا رأي يشق طريقه إلى الجهود الدولية التي تُبذَل في الأمم المتحدة ولربما يكون جزءاً مما يسمى «جنيف +» في إشارة إلى الاتفاق الذي تم بين الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا الصيف الماضي – ثم وقع في الحلقة المفرغة بسبب اختلاف تفسيره بالذات بين روسيا والدول الغربية.

مصير هذا الرأي يتوقف ليس فقط على ما تقبل به المعارضة السورية وإنما أيضاً على ما إذا كانت إدارة أوباما الثانية جاهزة له. روسيا تحاول التملّص من المأزق والنفق الذي أدخلت نفسها فيه وهي تتمنى أن تمد لها إدارة أوباما الثانية السلم للتسلق هبوطاً.

الرئيس أوباما لا يمانع الابتعاد عن التورط وهو يبدو عازماً على تجنب الانجرار إلى صنع السياسة الخارجية بالذات في الشرق الأوسط. تحوّله إلى آسيا يشكل الرد الأميركي على صعود الصين وهذا سيفرض عليه الانخراط في السياسة الخارجية. تطورات منطقة الشرق الأوسط قد تجره «مرغماً» إلى الانخراط مهما حاول تجنب الانزلاق في متاهات المنطقة.

كثير من الأميركيين المعنيين بصنع السياسة الأميركية لا يريدون أن يتورط في فشل آخر ولذلك ينصحونه بتجنب تناول الملف الفلسطيني – الإسرائيلي، أقله مطلع إدارته الثانية. وزير خارجية بريطانيا وليام هايغ يريد العكس وهو يدفع بأوباما إلى الإقدام على البحث الجدي عن حل جذري للنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي. الانقسام كبير حول خيارات الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعد حصول فلسطين على مقعد دولة غير عضو في الأمم المتحدة بين من يشجعه على التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية للشكوى على إسرائيل لا سيما ضد سياسة الاستيطان واستمرار الاحتلال كجريمة حرب، وبين من يهدده بالعقاب المرير وقطع عنق السلطة الفلسطينية أو خنقها عبر حجب كامل المعونات الأميركية إذا تجرأ عباس على تلك الخطوة.

النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي والموضوع السوري ليسا وحدهما في طليعة الأحداث التي قد تجر إدارة أوباما الثانية إلى التورط. دول «الربيع العربي» كما تسمى – أيضاً قد تستدعي إدارة أوباما الثانية إلى الانزلاق في متاهاتها من مصر إلى تونس مروراً بليبيا واليمن.

رئيس البنك المركزي السابق في تونس مصطفى نبلي الذي عاد إلى دافوس من دون تلك الحقيبة علماً بأنه أتى إلى دافوس قبل سنتين بنشوة التغيير. قال هذه المرة: «كنا نحلم وأقدامنا في الهواء. ما زلنا نحلم إنما أقدامنا الآن في الأرض الوحلة». قال إن المعركة مستمرة بين اواقع والتوقعات والخلاف مستمر على الأسس الجذرية مثل نوعية الدستور وكيفية التوجهات. لفت إلى أن «العنف في السياسة» يستعر كرفيق لفرض الأيديولوجيات الدينية منها والمدنية.

هذه المعارك مصيرية والمرحلة الانتقالية في المنطقة العربية معقدة في بعدها المحلي وفي استدعاء الآخرين إليها.

ضخ التفاؤل في مثل هذه المرحلة صعب جداً. لكن عنوان دافوس ليس مجرد بدعة. إنه دعوة جدية إلى الكف عن التشاؤم واستبداله بديناميكية تدعمها المثابرة والقدرة على المضي إلى التغيير الحقيقي بتواصل مع المستقبل.

=================

عن اللامعقولية في وحشيّة النظام السوري

براء موسى *

الجمعة ٢٥ يناير ٢٠١٣

الحياة

استمرأ النظام السوري الكذب بشناعة الدفاع عن الكذبة الواحدة بمتواليات متتابعة من الأكاذيب لتشويه ما هو مشوّه أصلاً من عقول وتفكير الموالين له، وآملاً في الوقت ذاته إقناع الرأي العام بأنه من غير المعقول أن يفعل كل هذا الاجرام، وهو الذي يحتفظ في سجلاته بصحائف من حسن الخلق ومكارم الأخلاق، فهو – وفق منطقه الشهير - لم يُبد الأكراد في انتفاضتهم عام 2004 كما فعل صدّام حسين، وهو لم يسحق تماماً حماة وحلب وبعض المناطق الثائرة على رحمته في أحداث الثمانينات، التي ما زالت ذاكرة السوريين تحتفظ بذكريات التفجيرات التي نسبت إلى الإخوان المسلمين بداية ثمانينات القرن الآفل كمبنى الأزبكيّة وسط دمشق والقطارات وغيرها، ويتداول بعض السوريين حتّى اليوم النعمة التي أسبغها الأسد الراحل عندما أوقف حرباً أهليّة تتمثل بالذبح على الهوية كما وهب اللبنانيين ذات النعمة عندما فاض الأمن والاستقرار عن الحد السوري اللازم.

تفجير الأزبكيّة كمثال تعمّم مؤخراً ليطاول جميع المكونات السوريّة كل بحسب الحاجة إليه، فجبهة النصرة وأخواتها التي تتبنى التفجيرات هنا وهناك اشتعل حقدها من جديد على كلّ هذه «الفسيفساء» التي تقف كعثرات في وجه الخلافة الراشدة.

النظام يكذب، ويعرف جيداً أنه يكذب عندما يجد لكل تفجيراته المفضوحة جبهة نصرة تتبناها هي أو أحد فصائلها من ذات «الماركة، استغلال مثل هذه النتوءات في الثورة السوريّة وتحميلها كل الأثافي ليس بجديد على منطق المجرم، فالمجرم يتعمّد بمنطقه الاجرامي على حرق كل أوراق إدانته، وإيجاد من يحملها عنه طوعاً أو اختلاقاً، ولو تطلب ذلك احراق الأخضر واليابس كما هو الشعار المعلن للنظام الأسدي، وعلى ذلك فإنّ المنطق البشري الفطري الطيب هو استثناء من أصل القاعدة التدميريّة للمنطق الإجراميّ.

ومن اللامعقول الذي يدعم موقف النظام بطريقة غير مرئيّة هو استمرار موظفي الدولة في العمل بما يوحي أنّ مؤسسات الدولة تحت ظل النظام ما زالت تؤدي دورها الروتيني الاعتيادي، مما يتعارض نسبياً مع صورة المأساة التي يعيشها السوريون عبر الاعلام «المفبرك»، تحت أجندات «كونية»، من ذلك وفي شكل خاص ملاكات وزارة الداخلية من رجال الشرطة التي يستعملها النظام في خطوطه الخلفية، أقله لحماية ظهره، بعد أن كان استغلها أيضاً في قمع التظاهرات السلمية وغيرها من المهمات التي تترك لوحشيّة النظام بالفتك بأبناء شعبه كل المساحة اللازمة، وهذه الصورة أيضاً يستغلها النظام اعلامياً أيضاً بحجم الموالين له، على أن السوريين وحدهم يدركون معنى العبودية من باب الحاجة لمصدر رزق وحيد بعد إفقار ممنهج طويل للشعب السوري طوال عقود أزهقت ثروته بالنهب تلو النهب، وكذلك الانتقام الرهيب الذي يهدد به من يتجرأ على الانشقاق من هذه الصفوف الخلفية.

الحيرة المنطقيّة التي تعتري المتابع للحدث السوري في كل التناقضات البادية منها والمخفية، تحول دون وضوح التفاصيل الكثيرة، وتتعب المتابع الذي ابتدأ بالتململ من الأخبار المتوالية يومياً، لطول المدة التي تنتهي بالاعتياد، والمرهقة للأعصاب، لترتد التحليلات إلى أولويات المنطق الانساني الذي يميل إلى الفطرة الانسانية الخيرة أصلاً.

هذا في ما يتعلق بالرسائل الداخلية للشعب السوري، فالتدمير الانتقامي الحاقد للبيئة الاجتماعية الحاضنة للثورة، وقصف الناس وهم في صفوف الدور أمام المخابز من بعض هذه التحذيرات، أما الرسائل الخارجية فتهدف إلى استمرار الضخ في اللامعقول لدرجة تجعل الحيرة في الحسابات المنطقيّة تمهد لقبول أن هناك وحوشاً بشريّة تستهدف أي شيء لمجرد «الجهاد» على سبيل «تنظيم القاعدة» وأخواتها، نظراً لأن المزاج العالميّ يصبّ على هؤلاء وحدهم صفات اللامعقول الوحشي الحاصل.

يمضي النظام بدعم اللامعقول في أفعاله بصبّ زيت لا معقوليّة أكبر وأعنف لعلها تلاقي تفاعلاً مع أنصار اللامعقول، فهو مثلاً لا يرعوي عن قتل واستهداف موالين له حتى من داخل نسيجه في السلطة ولا يتورع عن الوصول لأخطر الدوائر الضيّقة حوله كما ترجح بعض التحليلات عن تفجير مبنى الأمن القومي /إدارة الأزمة ليتخلص النظام من كل رفّة جفن قد تعيق مخطط الجريمة.

ولا يزال الالتباس في فهم الغير معقول عالقاً ضمن ذروة الحدث السوري لنرى فعليّاً أن بعض الناس يتسلحون مجدداً بلا معقوليّة الحدث المدهشة لتكذيب الفعل، ومن ثم لتبريره منعاً لتسرّب الدهشة الحائرة إلى الفراغ المعرفي، فالبنية الشريرة لطغمة حكمت البلاد والعباد طويلاً، واستطاعت التحكم حتى بطريقة التفكير التي تؤدي في النتيجة إلى انفصام عن المنطق نفسه، هذا في الداخل السوري أما العالم الخارجي الذي لم تفلح الثورة للأسف بإقناعه وبالتالي دفعه إلى نصرة شعب يُنكّل به أن هذا اللامعقول يحصل في بلادنا بالفعل، ربّما لخروجه عن نسق «المعقول البشري» أساساً.

=================

من حلب إلى باماكو: عقيدة أوباما والحرب العالمية الرابعة

صبحي حديدي

2013-01-24

القدس العربي

من الخير انتظار مداولات الكونغرس الأمريكي، حول تثبيت رجالات إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في ولايته الثانية (جون كيري في الخارجية، وشاك هاغل في الدفاع، وجون برينان في وكالة الاستخبارات المركزية، على نحو خاصّ)؛ قبل تلمّس ملامح الحقبة القادمة، في ميادين السياسات الخارجية والدفاعية والأمنية. نعرف، مع ذلك، ودونما حاجة لانتظار تلك المداولات، أنّ ما يُسمّى 'عقيدة أوباما' بصدد هذه السياسات الثلاث، استقرّت في تفكير أوباما، وفي سلوك نساء ورجال إدارته، منذ مطالع الولاية الأولى.

وقبل سنة من الآن، في مؤتمر صحافي مع وزير دفاعه ليون بانيتا، بادر أوباما إلى تبيان المزيد من عناصر تلك 'العقيدة'، وذلك حين خطا خطوة كبرى حاسمة (يعتبرها الكثيرون مجازفة، ويرى عتاة الجمهوريين أنها تهوّر غير محسوب) باتجاه إسقاط استراتيجية البنتاغون الكلاسيكية، التي ظلت مركزية وسارية المفعول منذ اعتمادها في عقود الحرب الباردة: أن يكون الجيش الأمريكي مستعداً لخوض حربَيْن إقليميتين في آن معاً. سياسة التقشف فعلت فعلها، غنيّ عن القول، وكانت التخفيضات في ميزانية وزارة الدفاع تنحني أمام مقتضيات الاقتصاد، قبل السياسة والدفاع والأمن والعقائد والستراتيجيات، خاصة وأنّ ولايتَيْ جورج بوش الابن شهدت تضخماً غير مسبوق في أرقام تلك الميزانية.

عنصر آخر أوضحه أوباما، آنذاك، وتمثّل في هذه الثنائية التي تكاد تختصر 'العقيدة' بأسرها، وتُراجع مفهوم 'الحملة على الإرهاب' كما استقرّ خلال العقد الأخير، وبعد هزّة 11/9 بصفة خاصة. أوّلاً: 'بقدر ما نتطلع إلى ما بعد العراق وأفغانستان ـ وإنهاء بناء الأمم المترافق مع ترك آثار أقدام عسكرية هائلة ـ فإننا سنكون قادرين على ضمان أمننا عن طريق قوّات تقليدية برّية أقلّ'؛ وثانياً: 'سوف نواصل الاستثمار في الإمكانات التي سنحتاجها في المستقبل، بما في ذلك الاستخبارات، والرصد والاستطلاع، ومناهضة الإرهاب، ومجابهة أسلحة الدمار الشامل'. والناظم، خلف هذين العنصرين، هو 'إيضاح مصالحنا الستراتيجية في عالم متسارع التغيّر، وهداية أولوياتنا الدفاعية والإنفاقية في العقد القادم'.

لافت أنّ اختبارات هذه العقيدة ـ بمعزل عن المشاركة الأمريكية في عمليات الحلف الأطلسي ضدّ ليبيا، أو عمليات الاغتيال بطائرات من غير طيار في اليمن وسواها ـ تكاد أن تقتصر، حتى الساعة، على أفريقيا: ساحل الصومال، وأوغندا (حيث أرسل أوباما 100 'مستشار' عسكري لمساعدة الحكومة في صدّ هجمات المتمردين). لافت، على نقيض هذا، أنّ إدارة أوباما ما تزال تجرجر الأقدام في المساندة المباشرة للعمليات العسكرية الفرنسية في مالي، والتي يتوجب ـ وفق منطق عقيدة أوباما ذاتها ـ أن تندرج في صيغة 'الحملة على الإرهاب'. وطيلة قرابة سنة، أعقبت الانقلاب العسكري الذي شهدته مالي، وقام به النقيب أمادو سانوغو (خريج برنامج التدريب العسكري الأمريكي!)؛ وخلال سنوات، قبلها، شهدت انتشار وتغلغل 'تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي' على امتداد مناطق مالي الشمالية؛ لم ترتفع في الإدارة أي أصوات عالية، من طراز ينتظره المرء في سياقات كهذه، لإنقاذ البلد من أخطار التشدد والإرهاب والانقسام.

وقبل أن يضع 'جبهة النصرة' السورية على لائحة المنظمات الإرهابية (وهي، بالطبع، أقل عدداً وأضعف تسليحاً وأقصر عمراً من 'القاعدة' في مالي أو مناطق الساحل عموماً)، كان أوباما قد وضع قرابة 675 مليون آدمي مسلم، في الغالبية الساحقة؛ فضلاً عن بضعة ملايين من المسيحيين، المواطنين في دول عربية أو مسلمة أو مسيحية تضمّ رعايا مسلمين، على لائحة 'الإرهاب الدولي'. وإلى جانب كوبا وإيران وسورية وليبيا المصنّفة أصلاً في عداد 'الدول الراعية للإرهاب'، أضافت إدارة أوباما تصنيفاً جديداً هو 'الدول الميّالة إلى الإرهاب'، فانضمت إلى اللائحة دول السودان والجزائر والعراق ولبنان والمملكة العربية السعودية واليمن والصومال، فضلاً عن أفغانستان والباكستان ونيجيريا!

وفي حصيلته المتنوعة، الديموغرافية والجيو ـ سياسية والتاريخية، لا يحيل هذا الانتقاء إلى شذرات من فلسفة المحافظين الجدد حول أنساق الوقاية من 'الإرهاب' عن طريق سدّ منابعه أو تجفيفها نهائياً، فحسب؛ بل هو إعادة إنتاج، مقنّعة في قليل أو كثير، لعقيدة جيمس وولزي، المدير الأسبق لوكالة المخابرات المركزية، حول 'الحرب العالمية الرابعة المفتوحة'. وخلال حقبة غزو العراق واحتلاله، كان وولزي قد عرض عقيدته في اجتماع شهير (كشفت النقاب عنه دورية Executive Intelligence Review آنذاك)، حضره اثنان من عتاة 'مجلس سياسات الدفاع'، هما بول ولفوفيتز وإليوت كوهين، وملخّصها ببساطة هو التالي: الحرب الباردة كانت الحرب العالمية الثالثة، وأمّا حرب الولايات المتحدة ضدّ الإرهاب، فإنها الحرب العالمية الرابعة. هي طويلة الأمد، وقد تستغرق مائة عام، وتنبسط على مستويات إقليمية وقارّية؛ كما أنّ أشكال القتال فيها لا تقتصر على العمل العسكري، بل تنطوي على مختلف أنماط التدخّل، بما في ذلك الإنقلابات العسكرية والاغتيالات الفردية؛ وأمّا العدو فيها، فهو واحد وحيد: 'الإسلام السياسي'.

من جانبه كان ريشارد بيرل، أحد كبار مهندسي غزو العراق، قد أعلن أنّ تلك الحرب المفتوحة لن تقتصر على العراق، ولن تتوقف هناك؛ مستبعداً أيّ دور لمجلس الأمن الدولي فيها، لأنّ هذه الهيئة 'خُلقت لإدارة نزاعات كلاسيكية، مثل دخول أفواج من دبابات البانزر الألمانية إلى الأراضي الفرنسية؛ وهي مؤسسة عاجزة عن التعامل مع المشكلات الأصعب لعصرنا، مثل الإرهاب أو انتشار أسلحة الدمار الشامل'. وبالطبع، كان ذلك التبشير بالذات هو الذي يتغنى بقرابة 1000 قاعدة عسكرية أمريكية منتشرة هنا وهناك في نحو 100 بلد على الأقلّ، نصفها لا 'يجفف منابع الإرهاب' بقدر ما يمنح أعداء الولايات المتحدة الفرصة تلو الفرصة لتفجير المزيد من تلك المنابع!

ومن جانب ثالث، كان السير مايكل هوارد، المؤرّخ البريطاني الأخصائي بتواريخ الحروب، قد اعتبر أنّ الصراع ضدّ الإرهاب ليس حرباً، وسخر بالتالي ممّن يتشدّقون بالقول إنها 'حرب عالمية'، وأعاد التشديد على حقيقة مزدوجة، ليست البتة جديدة: أنّ أمريكا ترى نفسها في صفّ الخير ضدّ الشرّ، كالعادة، وأنّ خصمها الفعلي هو الإسلام المتشدد وليس أيّ مفهوم مجرّد لـ'الإرهاب'. وقد تساءل هوارد عمّا إذا كانت تسمية 'الحرب' تمنح الفريق الثاني، أي 'الإرهابيين' أنفسهم، صفة شرعية تستوجب حصولهم على الحقوق؛ مثل خضوعهم للواجبات، المنصوص عنها في المواثيق الدولية الخاصة بالحروب: من تبادل الأسرى والسماح للصليب الأحمر بتفقدهم، إلى الإدانة الجنائية جراء غتيالهم أياً كانت الوسائل المستخدمة، وأينما وقعت.

كذلك تبدو انتقائية أوباما الراهنة بمثابة ارتداد عن نظرية 'التفاحات الفاسدة' التي سبق أن طرحها المؤرخ الأمريكي الشهير بول كنيدي، المعروف ببصيرة ثاقبة في شؤون صعود وانحطاط القوى العظمى، ولاح أنها لقيت بعض القبول لدى فريق الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلنتون. وكان كنيدي قد اعتبر أنّ المكسيك والبرازيل والجزائر ومصر وجنوب أفريقيا وتركيا والهند وباكستان وأندونيسيا هي دول أقرب إلى 'تفاحات فاسدة' سوف تُلحق الأذى بصناديق الستراتيجيات الكبرى المرسومة للقرن الراهن. أو هي، في بُعد آخر للمسألة، قطع الدومينو التي قد تودي بكامل شروط اللعبة، كما كان سيقول رجال من أمثال دوايت أيزنهاور أو دين أشيسن أو هنري كيسنجر أو زبغنيو بريجنسكي؛ أو، ثالثاً، هي 'الدول المحورية' كما جادل الجغرافي والستراتيجي البريطاني هالفورد ماكيندر في مطلع القرن.

ويسرد بول كنيدي المعايير والخصائص التي تسمح بتحديد الدولة المحورية، فيشير إلى عدد السكان، والموقع الجغرافي الهامّ، والإمكانات الاقتصادية، واحتمال ولادة الأسواق الكبرى، والحجم الفيزيائي، وسواها. هذه جميعها عوامل كلاسيكية تساعد في تعريف الدولة المحورية، ولكن المعيار الأهمّ هوقدرة تلك الدولة على التأثير في الإستقرار الإقليمي والدولي، بحيث يكون انهيارها بمثابة تقويض لعدد كبير من المعادلات السياسية والاقتصادية والأمنية والإثنية والثقافية. وضمن هذا التعريف سارع كنيدي إلى التحذير من خطأين: اعتبار اللائحة مقتصرة على هذه الدول وحدها (إذ قد تتبدّل، أو بالأحرى ينبغي أن تتبدّل، اللائحة)؛ وانقلاب نظرية التفاحات الفاسدة إلى 'مزمور' مقدّس شبيه بنظرية الدومينو (لأنّ منظورات هذه الدول المحورية يمكن أن تتقاطع وتتباين كثيراً، في واحد أو أكثر من المعايير المشتركة).

الجزائر، مثلاً (ما دامت قد دخلت إلى لائحة أوباما، وشهدت قبل أيام عملية إرهابية كبرى، انتهت إلى نتائج مأساوية تماماً)، تشغل موقعاً جغرافياً بالغ الحساسية، ومستقبلها السياسي يحظى بأهمية فائقة في حسابات دول أوروبية حليفة مثل فرنسا وإسبانيا، والمسّ باستقرار البلد يهدد أمن حوض المتوسط بأسره، وأمن الأسواق الدولية للنفط والغاز. كذلك فإنّ انهيار النظام سوف يسفر عن تكوين قاعدة لاحتضان التيارات الأصولية العالمية، وتطوير شروط المجابهة بين الأصولية والعلمانية من جهة أولى، وإعادة صياغة العلاقة بين التيارات المعتدلة والراديكالية ضمن الحركة الإسلامية الواحدة من جهة ثانية؛ فضلاً عن امتداد الفيروس إلى الجوار ميمنة وميسرة (مصر، تونس، ليبيا، المغرب)، وفي العمق الأفريقي المسلم.

كذلك فإنّ وصول نظام راديكالي معادٍ للغرب إلى السلطة سوف يعني تهديد حاجة فرنسا وإسبانيا وإيطاليا إلى موارد الجزائر من النفط والغاز، وتهديد الإستثمارات الأوروبية الواسعة، الأمر الذي سيلحق الإضطراب بالأسواق العالمية، ويهدد المصالح الأمريكية. كذلك سوف تضطر الطبقات الوسطى العلمانية إلى الهجرة الكثيفة، وستضطرب من جديد سياسات الهجرة في دول الاتحاد الأوروبي. ولكن السؤال المشروع يُطرح، هنا، لأسباب وقائعية صرفة أولاً: هل التدخل العسكري الفرنسي الراهن في مالي يسهم في توطيد استقرار الجزائر ذاتها، أم يفضي إلى العكس، كما تشير العملية الإرهابية الاخيرة؟

والولايات المتحدة، راعية 'الحملة على الإرهاب'، ما الذي يتوجب عليها القيام به، بين الجزائر ومالي والساحل بأسره؟

ومن حلب السورية، حيث تتمركز الكتلة الأكبر لمقاتلي 'جبهة النصرة'؛ إلى باماكو، التي يزحف إليها مقاتلو فصائل جهادية وإرهابية شتى؛ مروراً بمواقع أخرى عديدة، هنا وهناك؛ تواصل إدارة أوباما ممارسة العقاب الجماعي بحقّ 675 مليون مواطن، ينتمون إلى دول ذات أنظمة سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية مختلفة، أو غير متطابقة في الحدّ الأدنى الذي يسوّغ حشرها في سلّة أمنية واحدة. وهذه خطوة إلى وراء تلك الفلسفة الشاملة (الكاريكاتورية، كما يتوجب القول) التي اعتمدتها إدارة بوش الابن في النصّ الشهير المعنون 'ستراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية'، والذي نُشر في خريف 2002.

وهي، ثالثاً، بمثابة اعتناق ضمني لتسمية 'الحرب العالمية الرابعة' التي قال بها وولزي؛ بعد إعادة إنتاج المفهوم، على نحو أكثر تشدداً!

 

=================

سورية على طريق الدولة الفاشلة

د. نور الله السيّد

2013-01-24

القدس العربي

لا تزال القوى المتصارعة على الأرض السورية، مباشرة أو لا، غير قادرة على حسم الصراع في أي اتجاه. ومع الزمن تُخلق أوضاع تفيد في التمزق والاهتراء على كل الصعد لتتحول سورية إلى دولة فاشلة. وإن تأكد ذلك في الأشهر القليلة القادمة فستدفع الدول المجاورة، بلا استثناء، فواتير باهظة الثمن وكذلك السوريون المقيمون في بلدهم.

فالوضع الداخلي اليوم محكوم بالفوضى. فسلطة الدولة تراجعت كثيراً حتى في المناطق التي يُفترض أنها تسيطر عليها. الأسعار مثلاً تحدد بحسب المكان والزمان من المثل إلى الضعف. الخطف في تزايد، حتى خطف الموظفين مقابل مبالغ زهيدة. السرقات والسطو بلا تدخل من قبل الأمن.

هيبة الدولة أصبحت في الحضيض واختزلت إلى ما يمكن للمخابرات أن تتمتع به حتى الآن من إمكانية توقيف الناس واحتجازهم أثناء المداهمات. نسبة لا بأس بها من الموظفين لا تأتي لمكتبها لممارسة عملها لأسباب مختلفة منها التعذّر ومنها عدم الاكتراث. تحرك رجال الدولة، الرئيس وضباطه، تتم بسرية عالية للغاية تزيد من التوتر والقلق بفلتان البلد. خطاب الأوبرا أذيع يوم الأحد ولكنه سُجل يوم الجمعة.

هناك أزمات تموينية حادة في الخبز والوقود. في بعض المناطق أخذ الناس بقطع الأشجار للتدفئة دون أي تدخل من الدولة في مناطق كان محرماً فيها تربية الماعز حتى لا تؤثر على نمو الحراج! يصعب التنقل داخل سورية وداخل المدن نفسها. الانتقال من أي ضاحية في دمشق إلى مركزها قد يستغرق خمس ساعات بين ذهاب وإياب. الحنق واضح في وجوه الناس وتعب الجهد والإجهاد بعد سنتين من المعاناة المستمرة، ولكنها لا تزال تتكيف مع الأوضاع المتدهورة دون ـأن يبلغ ضيقها حد الانسياق في عصيان مدني إذ لا تزال آلة القتل منفلتة من كل عقال.

وفي المناطق التي لا تسيطر عليها الدولة يعود الأمر فيها إلى الكتيبة المسلحة صاحبة السلطة. وهذه المناطق تعاني عموماً من مشاكل جمّة وعلى كافة الصعد ولا تعرف إلى أين المنتهى. ناهيك عن قصف الجيش السوري لها كلما أتيحت له الفرصة.

الوضع الميداني، الجيش ليس بقادر على حسم الأمور حتى على مستوى مناطق صغيرة. فداريا مثلاً التي يحاصرها الجيش منذ أكثر من ستين يوماً لم يستطع حتى الساعة من السيطرة عليها بالرغم من قصفها الشديد في الأسبوعين الأخيرين وحتى لحظة كتابة هذه السطور بما يجعل أبواب البيوت ونوافذها تهتز على بعد أكثر من عشرة كيلومترات. وكذلك الأمر في باقي بلدات الريف الدمشقي. الوضع أسوأ في باقي المناطق وخاصة في الشمال السوري.

مبادرة النظام نسيها الناس، وهي بالأصل لم تثر عموماً أي حماس سوى لدى أصدقاء النظام الخارجيين خصوصاً. وغير ذلك لا يمكن البناء عليها أو انتظار أية نتيجة ملموسة يمكن أن تقود إلى ما يمكن أن يقبله السوريون. فهي قادمة من نظام اعتمد الحل الأمني منذ البداية ولا يمكن لأي كان أن يُصدق أن النظام قد غيّر جلده وأن الغول قد أصبح غزالاً.

في الوضع الميداني أيضاً، الجيش الحر بكتائبه العديدة، المتباينة الآراء والمشارب، وتسليحه المتواضع القائم على ما يكسبه من الجيش النظامي، لن يستطيع أن يصل إلى دحر الجيش النظامي، أقله في الأمد القريب، طالما أن الآخر يسيطر على السماء. ولا تخضع كتائبه لقيادة موحدة، وقد فشلت محاولات كثيرة بخصوص التوحيد أخلّت بمصداقية الجيش الحر وتركت انطباعاً بأنه يتحرك بلا استراتيجية توصله إلى النصر. فهو، بالرغم من تحقيقه انتصارات هنا وهناك ومن كل مايبديه من بطولة، لم يستطع حتى الآن كسب معارك، يقول عنها إنها حاسمة، مضى وقت طويل على بدئها. الجيش النظامي لا يزال في مستودعاته الكثير من القوة النارية التي يقاتل فيها عن بعد حتى يقلل من خسائره البشرية ويواجهه الجيش الحر ببسالته. ومن ثم فلا هذا ولا ذاك بقادرين على حسم المعركة.

كثير من كتائب الجيش الحر، بسلفيتها المعلنة أو إسلامويتها المعروفة، تثير لدى الناس تخوفاً من أن المستقبل لن يكون بأحسن من الحاضر وبأن الناس ستعاني منها بقدر ما تعانيه حالياً وربما أكثر. وهذه الكتائب، كونها خارجية التمويل ولا تعاني نقصاً من شيء، تجذب إليها أعداداً متزايدة ممن يلتحقون بالمعارضة المسلحة وهذا ما يزيد من وزنها على الأرض ويزيد من قلق الناس ولكن دون أن يكسب النظام شيئاً من ذلك.

أما المعارضة السياسية، الداخلية والخارجية، فلا وزن لها يذكر في الداخل ولا حاضن شعبي. فهي لم تولد من رحم الثورة. انصرفت الناس عن المجلس الوطني وهي في طريقها للانصراف عن الإتلاف. أما هيئة التنسيق فهي بالكاد معروفة في الداخل. معظم المعارضين يعيشون في الخارج، ولم يقوموا بأي مبادرة للانتقال إلى الداخل وقيادة الثورة فعلياً فبقوا ظاهرة صوتية. ولم تتقدم كل هذه المعارضات بمبادرات سياسية لحل الأزمة السورية، وربما ليس لديها مبادرات لكسر الانسداد. ولكنها تكتفي بالرفض والشجب. إذن هو الفراغ السياسي الفعلي من طرف المعارضة. أضف إلى كل ذلك عدم وجود رابط حقيقي بين المعارضة السياسية والجيش الحر. عبرت بعض الكتائب عن تأييدها للإتلاف أول أيامه، ثم اختفت أصواتها إما لضعف التأييد أو لضعف هذه الكتائب أو اختفائها مثلاً.

القوى الخارجية تأتمر بإمرة قوتين تجتمع الخيوط بين أيديهما: روسيا وأمريكا. كلاهما يقول بالحل السياسي ولكنهما يختلفان في مسألة بقاء الأسد. أمريكا، بهدف تحقيق الحل السياسي، تمارس الضغوط لمنع وصول الأسلحة التي تمكّن المعارضة المسلحة من تحقيق الانتصار وهي تدرك أنه لا حل ببقاء الأسد. فالداخل بأغلبيته الساحقة لا يقبل بقاء الأسد. وبالفعل، فقد أظهرت إحدى استبيانات الرأي، التي أجريت الشهر الماضي على عينة من حوالى 1600 سوري، باستخدام الإنترنت، رفض 86' أية تنازلات عن أهداف الثورة ورفض 94' منهم بقاء الأسد في السلطة حتى بدون صلاحيات، ورفض 97' بقاء قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية في مواقعهم. روسيا تقول بضرورة بقاء الأسد باعتباره ضمانة لعدم الاقتتال 'الطائفي'. أمريكا وروسيا تخشيان الكتائب المتطرفة ولكن الوقت لصالح هذه الكتائب والانتظار كثيراً سيفقد إمكانية الحل السياسي.

طائفة الرئيس في حالة تململ بسبب كثرة ضحاياها، فمجالس العزاء في كل بلدات الطائفة. ضباط النظام من الطائفة حانقون على الوضع الذي أوصلهم إليه الأسد، إذ وضعهم والطائفة في وضع خاسر خاسر. الشارع السني يتشدد ولا يريد أي ضابط علوي في السلطة. الأسد نفسه فيما يقوله المقربون يبحث عن حفظ ماء الوجه والحفاظ على إرث أبيه، ولكن كيف؟ هل ستكون هناك ولادة لمجلس عسكري أو حل يفرضه مجلس عسكري افتراضي فيه ممثلين عن الطرفين.

بالانتظار بدأت تظهر ميليشيات طائفية تساند النظام وبدأت بواكير مشاركتها في محافظتي حمص واللاذقية. تقول هذه الميليشيات إنها وجدت لتقاوم القاعدة ومن سار سيرها في الطائفية. بعض الدول في المنطقة لها دوافعها الخاصة بها ستدعم كتائب لها في الجيش الحر بصرف النظر عما يجري في الكواليس الروسية الأمريكية.

بهذا وبكل ما سبق، فإن لم يحدث شيء قاطع في السياسي أو العسكري في الأشهر القليلة القادمة فلن تكون سورية مصوملة بل ستكون سورية الفاشلة بامتياز ... كل ما هنالك أن السوريين طالبوا بحريتهم وكرامتهم، وخذلهم العالم بأسره.

 

=================

سوريا: ثورة أم حرب أهلية؟

تاريخ النشر: الجمعة 25 يناير 2013

د. رياض نعسان

الاتحاد

سألني أحد كبار المسؤولين السوريين يوم أحرق البوعزيزي نفسه واشتعلت تونس "هل تتوقع أن يحدث شيء من هذا القبيل عندنا في سوريا؟" قلت بعد أن نزعنا معاً بطاريات هواتفنا الجوالة "أظن أنه لا توجد في سوريا الآن مبررات راهنة لقيام ثورة شعبية عارمة، إلا إذا تذكر الناس ماضيهم كله دفعة واحدة، لكن توجد مبررات احتجاج صارمة، الناس في سوريا يضيقون بأجهزة الأمن التي باتت هي تضيق بالحكومة وتعتقل موظفيها حتى دون إبلاغ الوزراء، وأظن أن الرئيس بعد أن كان يضيق بتسلط أجهزة الأمن صار يثق بهم أكثر من ثقته بحكومته، وهم يشيعون أن الحكومة هي سبب فشل الإصلاح، وأنت تعرف أنها لا تملك من أمرها شيئاً". قال "أين ترى المشكلة إذن ؟"، قلت "العودة بجدية إلى مشروع الإصلاح، ألا ترى أننا دخلنا حالة طوباوية، نتحدث عن ربط البحار الخمسة، وننسى المحافظات الخمس؟"، تنبه صاحبي إلى خطر ما أقول، فقال "أية محافظات؟"، قلت: سأبدأ بإدلب التي لم يقم فيها مشروع تنموي من يوم كان يحكمنا عبد الناصر إلى الآن وأبناؤنا يبحثون عن فرص عمل في قبرص واليونان، وأما الحسكة وهي أكثر من ضعف مساحة لبنان، فجل سكانها يهجرونها، وباتت الحكومة توزع عليهم معونات كي يبقوا، وأما دير الزور فمن ذا يصدق أنها منطقة نفطية؟ وأما درعا فلولا أبناؤها المهاجرون الذين يرسلون لأهلهم الدعم المالي لما وجدت فيها حياة لائقة، ودعك من ريف حلب فهو لم يدخل التاريخ المعاصر بعد، وحتى مناطقكم في جبال العلويين لم تستفد سوى من شبكة طرق جبلية، وبعض الفلل لأصحاب الثروات، وبقية العلويين يسكنون في قرى بائسة، ومن جاء منهم إلى دمشق عمل عنصر أمن، وبقيت أرضه الزراعية تبحث عن فلاح، وسكن في مناطق المخالفات ومهمته أن يحرس سيده، لأنه لا يجد في الساحل كله مشروعاً إنتاجياً، وحسبك أنك لا تجد في اللاذقية كلها سوى فندق واحد على مدى عقود تعصف فيه الرياح! قال "من حسن حظك أننا نزعنا البطاريات"، قلت "إن لم نبادر إلى حلول استباقية لنزع الفتيل وإراحة الناس وتلبية مطالبهم وفك الطوق الأمني عنهم فعلينا أن نتوقع إعصاراً قادماً"، قال "هذا مستحيل، البلد ممسوكة جيداً"، قلت "الماء الرخو يفت الصخر حين يندفع، واحذر من أن يكون خصمك شعبك، فلست أعرف في التاريخ كله قائداً انتصر على شعبه، يجب حل مجلس الشعب فوراً، واستبعاد الحزب الذي لم يعد حزباً بمقدار ما هو حكومة رديفة، والدعوة العاجلة إلى انتخابات برلمانية حرة بكل معنى الكلمة". وللحديث شجون، ولكنني التقيت صاحبي مرة أخرى حين تحركت درعا، فقال "هل تظنها ستخرج من درعا ؟"، قلت "ستعم سوريا كلها إن لم يبادر الرئيس لتلبية مطالب الناس، وهم يبرئونه بذكاء، فهم لا يريدون أن تغرق سوريا في طوفان دم".

لم تفلح كل الأحاديث التي لا أريد الإسراف في ذكرها مع أنها باتت وثائق مرحلة، فقد تحكم الطغيان عبر التجبر والعناد، وهذا ما يدعوني إلى القول إن الثورة السورية وجدت مبرراتها كاملة بعد أن قامت، فالأساليب التي اتبعها النظام لقمع احتجاجات درعا هي التي أشعلت بقية المحافظات، وأصر السوريون على سلمية ثورتهم، وعلى مدى ستة شهور تحملوا القتل اليومي وبيدهم أغصان الزيتون. وكان النظام قد خطط لفخاخ يصطاد بها الثورة، أولها فخ المؤامرة الكونية، وثانيها فخ الطائفية، وثالثها فخ التطرف، ولم يكن شيء من ذلك موجوداً في الحقيقة، والآن يظهر شبح فخ جديد، هو فخ الحرب الأهلية التي بتنا نخشى أن تصير حقيقة يفرضها النظام، وقد نجح في كل خططه. لقد أنكرنا وجود المؤامرة على النظام، ولكننا بتنا واثقين من ضخامة المؤامرة الكونية على سوريا وشعبها وبات تدمير سوريا هدفاً يترقب كثيرون سرعة إنجازه، وأنكرنا أي بعد طائفي للثورة، لكن مشروع إبادة السنة في قراهم وتهديم مدنهم بمن فيها من معارضين ومؤيدين معاً، حيث لا تفرق براميل الموت ولا الراجمات وصواريخ الطائرات بينهم، بات بيئة ممكنة لتضخم ولادة حقد طائفي يسعى السوريون جميعاً لتجنبه. وأما التطرف فقد وجد في الفوضى العارمة أبواباً مفتوحة، ومع تأخر إيجاد حلول ستصبح سوريا ساحة مفتوحة لكل من يحمل سلاحاً، وستصير الحرب الأهلية قدَراً محتوماً، وستكبر قضية اللاجئين السوريين وتصير عبئاً على المنطقة كلها، ولابد أن الإرهاب سيصير مشكلة جادة تهدد أمن المنطقة.

والمؤسف أن الملف السوري لم يعد بيد السوريين ولا حتى بيد العرب، صار لافروف هو المتحدث الرسمي باسم سوريا، وهو لا يملك أي مشروع يتجه به إلى الشعب السوري سوى أنه يطلب منه الإذعان والتسليم والعودة إلى الحظيرة، مهدداً بأن الرفض سيعني مزيداً من القتل والدمار، والولايات المتحدة تراجعت حتى عن التصريحات النارية ربما بسبب إسرائيل التي يسعدها أن ترى سوريا يدمرها جيشها الوطني الذي تم تدميره هو أيضاً. والمجتمع الأوروبي انصرف إلى دولة مالي وباتت القضية السورية ثانوية عنده، وتركت سوريا لقدرها، وإخفاق الثورة لن يعني بحال عودة الشعب إلى بيت الطاعة، وإنما يهدد بالدخول في خطر الحرب الأهلية التي قد تطول سنوات، فليس ممكناً أن يسلم الشعب رقبته وهو يعرف قسوة العقاب، ويعلم أن هزيمته تعني بقاءه محروماً من حريته مئة عام إضافية على الأقل. وسيكون النجاح بقمع الثورة السورية انتصاراً ساحقاً للمشروع الإيراني الذي يهدد بالتهام سوريا والعراق ولاسيما إذا تمت التسوية بين إسرائيل وإيران حول ملفها النووي. وسيسعد إسرائيل أن يتوقف عداء العرب لها، لأنهم سينشغلون بعدو جديد، سيرون أنه أخطر عليهم منها.

إنني أدرك صعوبة الحسم في القضية السورية عسكرياً، فحين يقصف النظام المدنيين، ويدمر المدن يؤجج لهيب الثورة ويضيف إليها طاقة مقاومة أكبر، والثورة كذلك غير قادرة على الحسم العسكري، لأنها تواجه معسكراً عالمياً ضخماً يساند النظام سراً وعلانية، فضلاً عن وجود طائفة تم زجها في الصراع، وباتت تراه صراع وجود، ولذلك لابد من مبادرة دولية عادلة يقودها مجلس الأمن تضمن مخرجاً مقبولاً، وتضمن انتصار الشعب ونيله حقه في الحرية والكرامة، وتحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة، دون تدخل عسكري خارجي، ودون إملاءات تضع سوريا تحت الانتداب ثانية.

=================

سلة الغذاء.. ضحية الصراع في سورية

الوطن السعودية

التاريخ: 25 يناير 2013

في كل يوم يرتفع عدد ضحايا الصراع في سورية بالعشرات وربما بالمئات، ومن شبه المؤكد أن الرقم الذي وضعته المنظمات الدولية، 60.000 قتيل، هو رقم متواضع، لأنه يمثل الضحايا الذين تم التأكد من هوياتهم وجثثهم.

لكن هناك آلاف المفقودين الذين لا يعرف أحد مصيرهم، ولا شك أن كثيرا منهم في عداد القتلى أيضا. جرحى الصراع ليسوا أفضل حالا لأنهم لا ينالون القسط الوافي من الرعاية الطبية بسبب تعرض المستشفيات والمراكز الطبية إلى الهجمات المسلحة، وهناك أيضا المخطوفون الذين يعانون هم وأهلوهم بسبب عدم معرفتهم مصير أبنائهم الذين يتعرضون للخطف والخطف المضاد لأسباب مختلفة، فقد انتشرت عصابات مسلحة خطيرة تخطف من أجل الحصول على الفدية، وبأرقام خيالية أحيانا. هذه العصابات تستهدف على الأغلب أبناء العائلات الثرية نسبيا، لكنها لا تتردد في اختطاف الفقراء أيضا.

لكن الضحية الأهم في الصراع الدائر في سورية هي السلة الغذائية الغنية والمتنوعة التي كانت تميز هذا البلد. تقول تقارير الأمم المتحدة الصادرة مؤخرا إن محاصيل القمح والشعير والمنتجات الزراعية الأخرى تراجعت إلى النصف تقريبا، بما يعنيه ذلك من انعكاسات على توفر وأسعار المواد الغذائية للمواطن السوري.وذكرت منظمة الفاو أن محاصيل القمح والشعير تراجعت من معدلاتها السنوية التي تبلغ حوالي 5 ملايين طن إلى أقل من 2.2 مليون طن في 2011-2012. لحوم الدجاج والفواكه وزيت الطبخ تراجعت بنسبة 60% في بعض مناطق الصراع. أما محصول القطن الذي كان يعد من المحاصيل الاستراتيجية فتراجع بنسبة تزيد على الثلث أيضا.

السبب الرئيسي لهذا التراجع في إنتاج المحاصيل الزراعية هو أن معظم القتال الدائر في سورية يقع في مناطق الحزام الزراعي، بما في ذلك ريف حلب وريف إدلب، وهناك حوالي 10 ملايين سوري، أي نصف عدد السكان تقريبا، ترتبط حياتهم بالزراعة بشكل أو بآخر.

كانت سورية تزخر بالاكتفاء الذاتي، وخاصة القمح، وها هي "طوابير الخبز" تمتد مئات الأمتار في كثير من المناطق، حيث يقضي المواطن ساعات طويلة للحصول على ربطة خبز قد لا تكفي أسرته وجبة واحدة. هذه الأرقام والحقائق التي نشرتها منظمة الفاو يجب أن تدفع أطراف النزاع في سورية إلى تحييد سلة الغذاء وما يرتبط بها من ماء وكهرباء ومحروقات. يكفي المواطن معاناته من القصف والدمار والموت، ولا داعي لزيادة ذلك بحرمانه حتى من رغيف الخبز.

=================

السعودية وقطر باقيتان مع "الثوار"... والأردن

   سركيس نعوم

   2013-01-24

النهار

متابعو المواقف الدولية من الأزمة – الحرب السورية يعتقدون ان ما تضمنه "الموقف" يوم امس من معطيات تؤكد التفاؤل بمستقبل النظام السوري الكثير من "البروباغندا"  والفكر الامنياتي.

اما الأسباب التي برّر بها الموالون للأسد تفاؤلهم فإن هؤلاء المتابعين يعلّقون عليها بالآتي:

1- ان التذرع بميزان القوى العسكري "الطابش" في مصلحة نظام الاسد لا يكفي للقول انه سينجح في القضاء على الثورة السورية. فهو عنده جيش يمتلك الأسلحة الكيماوية والآليات العسكرية والمدفعية الميدانية والصاروخية والطائرات الحربية، ولا تنقصه الذخائر. لكنه رغم ذلك اخفق في ضرب الثورة، وفي منع تمددها شعبياً وجغرافياً. علماً ان سلاح الثوار لا يقارن من حيث النوعية والفاعلية بسلاح النظام. وعلماً ايضاً ان المجتمع العربي والاقليمي الذي يؤيدهم بقوة لا يبدو سخياً، سواء في مدهم بالمال لشراء الأسلحة أو في تزويدهم ما يحتاجون إليه منها لتوسيع سيطرتهم الجغرافية وربما لاسقاط النظام. لكنه يُقدِّم اليهم ما يكفي لمنع انكسارهم، وللاحتفاظ بالتقدم الذي حققوه خلال 22 شهراً ولزيادته ولكن بكثير من البطء.

2- ان انتشار "الارهابيين" في اوساط الثوار السوريين، اي الاسلاميين التكفيريين (بين خمسة وعشرة الآف مقاتل) لم يكن السبب وراء التقدم المشار اليه اعلاه الذي حققه الثوار. ولا يمكن ان يكون في كل الحسابات والمقاييس. وذلك يعني ان اصحاب  التقدم الحقيقي على الارض ضد النظام هم من الشعب السوري المُصمِّم على التضحية بكل شيء من اجل التخلص من نظام الاسد. طبعاً لا يمكن انكار ان "الارهابيين" اثاروا قلقاً عند المجتمع الدولي وربما عند المجتمع العربي المؤيديْن للثورة. لكن ذلك لم يدفعهما ولن يدفعهما الى العودة الى تأييد النظام المذكور من جديد. وسواء صحَّت الاخبار "المسربة" من الموالين له عن زيارة قطب من جهاز امني غربي لدمشق، أو عن اجتماع امني سعودي – سوري على ارض الاردن (وأمور كهذه تحصل بين اعداء، وفي اثناء الحروب بينهم احياناً كثيرة) او لم تصحّ فان المعلومات الثابتة عند المتابعين انفسهم للمواقف الدولية من الأزمة – الحرب السورية تؤكد اولاً عدم تغيّر موقف فرنسا الداعم للثوار والمؤيد لتنحّي الاسد وإسقاط نظامه. وتؤكد ثانياً ان المملكة العربية السعودية لم تغيّر موقفها السلبي من الاثنين والايجابي من الثوار. ذلك انها تخوض معركة جدية ضد خطر كبير عليها تمثله ومن زمان ايران الاسلامية وحليفها نظام الاسد و"حزب الله" اللبناني. وهي ليست في وارد التراجع رغم التردد احياناً في تقديم الدعم المالي والسلاحي بسبب ضغوط واشنطن او نصائحها. وهي نابعة اساساً من عجز الثورة عن فرز قيادة جدية لها رغم رعاية المجتمع الدولي الغالبية الساحقة لمجموعات المعارضة السورية. كما انها نابعة من حرص على إعداد وضع سوري معارض يكبح جماح التكفيريين قبل الاندفاع في معركة الإجهاز على النظام. علماً ان اميركا تعرف ودولاً اخرى غيرها ان مجيء هؤلاء الى ارض سوريا بعضه عفوي تطوعي، وبعضه الآخر يُسهِّله النظام لإثارة قلق بل خوف العالم من تحوّل سوريا ملاذاً آمنا للتطرف الاسلامي التكفيري اي للارهاب. وتؤكد المعلومات نفسها ثالثاً ان الاردن وتحديداً نظامه الخائف وعن حق من إسلامييه الذين حرّكهم ومنذ اشهر "ربيع سوريا القاني" كما ربيع الدول العربية الاخرى، والخائف تحديداً من انتصار اسلامي في سوريا معتدلاً كان او متشدداً، تؤكد انه لن يخرج عن تحالفاته الخليجية وعن تحالفه الاميركي، وانه لا يزال يقوم بكل "واجباته" تجاه ثوار سوريا ولكن بعيداً من الإعلام. اما اسرائيل التي وقّع معها معاهدة سلام في النصف الاول من تسعينات القرن الماضي، والتي لا مصلحة لها في نهاية نظام الاسد بسبب التقاء قديم للمصالح معه، فانها لا تستطيع مساعدته. ولذلك فإنها لا تمانع في تحوّل الثورة حرباً اهلية، وهذا ما حصل، وفي استمرارها سنوات بغية الغاء "سوريا التهديد" لها من المعادلة العربية. وفي الوقت نفسه فإنها ستحاول الدفاع عن الاردن الى ان يحين أوان الحلول النهائية في المنطقة. طبعاً ومن أخبار "البروباغندا" ان قطر اختلفت مع السعودية بسبب سوريا وإنها قد تعود الى الاقتراب من ايران حليفة الاسد. إلّا ان معلومات المتابعين انفسهم تنفي ذلك جملة وتفصيلاً.

ماذا عن المواقف الروسية والاميركية والايرانية التي تضمنتها "بروباغندا" الموالين للاسد؟

====================

لمن تدق الأجراس في سوريا؟

تاريخ النشر: الخميس 24 يناير 2013

د. وحيد عبد المجيد

الاتحاد

لا حل اليوم أو غداً في سوريا. هذا ما يستفاد من لقاء جنيف الذي عُقد يوم 11 يناير الجاري وانتهى بلا نتائج، كما من اجتماعات ومؤتمرات سابقة. ويعني ذلك أن الاستقرار في الشرق الأوسط سيبقى بعيد المنال لفترة غير معلومة.

ويزداد خطر استمرار هذا الوضع لأن المنطقة تمر في مرحلة انتقال نتيجة التداعيات السلبية الكثيرة والإيجابية القليلة لما أُطلق عليه «الربيع العربي». ولذلك فعندما يستعظم بعض السياسيين والمراقبين المقارنة بين الصراع الداخلي في سوريا الآن والحرب الأهلية الإسبانية في ثلاثينيات القرن الماضي، ويرون فيها «تهويلًا»، فهم يهوِّنون على الأرجح ويقللون حجم أزمة قد تفوق آثارها ما حدث في حروب أهلية سابقة.

فلا مبالغة في المقارنة بين سوريا اليوم وإسبانيا الأمس. ومع كل يوم جديد، يبدو الصراع السوري أكثر شبهاً بالحرب الأهلية الإسبانية. خذ مثلاً مشاهد الطائرات التي تقصف المدنيين وتدمر المنازل والطرق. ألا تُذكِّر بما حدث في مدن إسبانية، مثل مدينة جرفيكا التي خلَّدها الفنان الكبير بيكاسو في إحدى تحفه؟

لذلك ربما لا يكون السؤال الأساسي اليوم هو عن استمرار الصراع السوري أو إنهائه، بل عن المدى الزمني الذي سيستغرقه، والآثار التي ستترتب عليه عربياً وإقليمياً كذلك.

فقد أصبح واضحاً أن سوريا ليست ليبيا، ولن تكون، وأن التدخل العسكري ليس وارداً. فالدول التي تدخلت في ليبيا وعجّلت بحسم الصراع وإسقاط نظام القذافي، ليست مستعدة لعمل مماثل في سوريا. والدولة الوحيدة التي تبدو حكومتها مستعدة للتدخل، وهي تركيا، يرفض معظم شعبها -وفق استطلاعات الرأي العام- التورط في صراع لا يعرف أحد متى وكيف يمكن أن ينتهي.

ولا نتيجة لهذا كله إلا استمرار الصراع لفترة يصعب توقع مداها. فلم يتمكن نظام الأسد من إنهاء الاحتجاجات على مدى ما يقرب من عامين. وأخفقت استراتيجيته القائمة على القوة الطاغية باستخدام أسلحته الثقيلة ومدرعاته وطائراته. ونجحت شبكات المحتجين الحيوية والمؤلفة من خلايا صغيرة في تجنب معظم الضربات المدمرة الموجهة ضدها، وفى زيادة معدلات هجماتها المضادة بالتوازي مع توسع نطاق الانشقاقات في قوات النظام.

والواقع أن الجيش السوري، مثله في ذلك مثل القوات المسلحة في الدول الأخرى، منظم في إطار وحدات واسعة ذات قدرة نارية فتاكة. لكن عددها قليل مقارنة بخلايا ووحدات المحتجين الأصغر حجماً والأكثر حيوية ومرونة وقدرة على الحركة السريعة. وقد زادت فعالية هذه الوحدات تدريجياً نتيجة اكتسابها مهارات حرب المدن والشوارع وحصولها على مدافع مضادة للدبابات، وتنامت قدرتها على أن تفاجئ قوات النظام في أكثر من موقع في الوقت نفسه كما تفعل خلية النحل.

ولم يجد النظام السوري وسيلة مناسبة حتى الآن لتقسيم قواته إلى وحدات أصغر حجماً، دون أن يحمل ذلك في طياته خطر المزيد من الانشقاق عنها. ويبدو أن إحدى مهام كوادر «الحرس الثوري» الإيراني و«حزب الله» التي ذهبت إلى سوريا هي مساعدته في ذلك وتقديم الخبرة المكتسبة من تجربة مواجهة القوات الإسرائيلية خلال الحرب على لبنان صيف عام 2006.

لكن الفرق شاسع، بل يبدو الوضع معكوساً لأن الأسد لا يواجه القوات الإسرائيلية التي تشبه إلى حد كبير قواته من حيث تنظيمها، بل يسعى إلى قمع محتجين منظَّمين في خلايا ووحدات صغيرة ويجيدون حرب الشوارع والمدن. لذلك فهو يحتاج إلى خبرة في مواجهة عناصر غير نظامية وليست قوات تقليدية.

والأكيد أن المستشارين الإيرانيين واللبنانيين يقدمون له نصائح مفيدة، لكنها لا تكفي لتحقيق تفوق حاسم في الميدان. وربما يكون الروس أكثر قدرة على مساعدته في مواجهة المحتجين اعتماداً على تجربتهم في الشيشان. فبعد أن طرد مقاتلين غير نظاميين الجيش الروسي من الشيشان عام 1995، غيّرت موسكو استراتيجيتها وأنشأت شبكة من الوحدات الخاصة الصغيرة التي نجحت في حسم المعركة.

لكن الظروف مختلفة كثيراً. فقد كان بإمكان النظام الروسي أن يغير استراتيجيته دون ضغط على مدى ثلاث سنوات. فلا يمكن إنشاء شبكة فعّالة من الوحدات الخاصة في أسابيع أو أشهر قليلة، وفي وسط العمليات القتالية. فعندما يقترن تغيير الاستراتيجية العسكرية بإعادة تنظيم القوات، لابد من وقف الهجمات التي تشنها هذه القوات. وهذا أمر مستحيل بالنسبة لبشار وقادته العسكريين اليوم.

غير أن عدم قدرة النظام السوري على الحسم لا تعني أن معارضيه في وضع أفضل كثيراً. فرغم صمودهم في الميدان ونجاحهم في إحباط الهجمات المدمرة التي استهدفت وحداتهم المقاتلة، فهم أيضاً لا يملكون قدرةً على حسم الصراع حتى الآن.

فالقاعدة العامة المستخلصة من تاريخ الصراعات الداخلية الكبرى من هذا النوع، هي أن المحتجين الذين يخوضون حرب المدن والشوارع لا يستطيعون الانتصار إلا إذا تمكنوا من خلخلة القوات النظامية عبر إضعاف روحها المعنوية. فهذه القوات لا تُهزم إلا إذا أصابها الإحباط واليأس وبلغت الانشقاقات في صفوفها معدلًا يصيبها بالانهيار. وليست هناك مؤشرات أو معطيات تفيد بإمكان حدوث ذلك في أسابيع أو شهور قليلة.

ولا ننسى أن معظم القادة المركزيين والميدانيين يربطهم انتماء طائفي ويخوضون ما يعتبرونه معركة حياة أو موت. كما لا تزال فكرة «المؤامرة الخارجية» تجد قبولاً في أوساط القوات النظامية من خلال تعبئة معنوية وسياسية قوية ومستمرة. وستظل إيران وروسيا تغذيان ترسانة هذه القوات لفترة طويلة على الأرجح.

ويُضاف إلى ذلك عجز السياسيين السوريين المعارضين في الخارج عن حل خلافاتهم وتوحيد خطابهم وتنظيم تحركاتهم الكثيرة العدد والقليلة الأثر بسبب ما يشوبها من عشوائية وعدم تنسيق ودخول عدد من العواصم على خطها بدون رؤية واضحة.

كما أن وجود مقاتلين من بلاد أخرى في أوساط الوحدات التي تقاتل ضد نظام الأسد يثير قلقاً ويزيد صعوبة التدخل الخارجي ويضع سقفاً لخيار تطوير تسليح المعارضة وتدعيم قدرتها عبر إنشاء مناطق آمنة ينطلقون منها.

وقد زاد القلق الدولي بعد الهجمات التي تعرضت لها السفارات والقنصليات الأميركية في بلاد «الربيع العربي» احتجاجاً على فيلم مسيء للرسول عليه الصلاة والسلام في 11 سبتمبر الماضي والأيام التالية.

لذلك بات ضرورياً أن يقود قادة الدول العربية الأكثر استقراراً، حواراً جاداً للتفاهم بشأن سيناريوهات الوضع في سوريا وانعكاساته المحتملة على المنطقة، إلى أن تأتي الإجابة على السؤال الذي ظل مطروحاً في إسبانيا لسنوات طويلة وهو: لمن تدق الأجراس؟

========================

المتواطئون في تيئيس السوريين

زهير قصيباتي

الخميس ٢٤ يناير ٢٠١٣

الحياة

بين إدراك معظم العرب حال «المأزق الكبير» لجحيم الحرب في سورية، و «الخيبة العميقة» لدى الموفد الدولي- العربي الأخضر الإبراهيمي، وغضب الروس من «عناد» المعارضة «المهووسة بإطاحة نظام الأسد»، وسعيهم الدائم الى تيئيس السوريين من أي رهان على الخلاص إلا ببقاء النظام... كان صارخاً إصرار موسكو على دق إسفين بينهم والمعارضة، بالتزامن مع إعلان استعدادها لاستضافة الجميع. فالتغيير «مستحيل»، إما حوار مع بشار الأسد، وإما مزيد من القتال، لسنتين إضافيتين.

هكذا يبدو الموقف الإيراني الذي لا يتخلى عن النظام ايضاً، متقدماً بعض الشيء، إذ يُبطِن عكس ما يُعلن، ولا يذهب علناً إلى حد تهديد السوريين بسقوط 120 ألف قتيل بعد الستين ألفاً، إذا احتُسِب معدل الإبادة بخمسة آلاف كل شهر.

حوار الدم مرشح إذاً لجولات وجولات، تتوزع الأدوار بين طهران وموسكو لإنعاش قدرة النظام على الصمود، مالياً وعسكرياً، ومحاصرة المعارضة بحرب نفسية أبسط أدواتها تيئيس المدنيين، خصوصاً الذين يجاورون أهوال خطوط التماس، ويشهدون فصول خراب البصرة. أما قلب دمشق فينبض نعيماً وهدوءاً بشهادة الروس الذين يحرصون على بقاء رعاياهم في البلد، ثم يخرج بعضهم عبر بيروت.

ما الحل؟ جزء من المشكلة أن موسكو وطهران لم تدركا بعد أن المعارضة المسلحة و «الائتلاف الوطني السوري» طرفان غير مقبولين للحوار الذي يعرض مواصفاته النظام، مثلما هو مرفوض لديهما... بصرف النظر عن تشرذم الفصائل المقاتلة، أو قدرتها على توحيد أهدافها لدى سقوط النظام. الافتراض الآخر، أن النيات «السلمية» لدى موسكو وطهران تفتعل طروحات حوار مستحيل، فيما تراهن عملياً على تآكل صمود الثوار، وتشويه صورة الثورة بفظاعات مريعة ومريبة.

ظاهرياً، تلتقي واشنطن وموسكو وطهران في طلب الحل السياسي الذي يمنع «أفغنة» سورية أو «صوملتها». عملياً، الفارق الوحيد هو أن إدارة الرئيس باراك أوباما تسعى إلى إدارة انتقالية لسورية في غياب الأسد. والفارق «الوحيد» بين الأميركيين ومعظم العرب، هو كذاك الذي يتجسد بين ساكنٍ على فوهة الجحيم، و «زعيم» للعالم ينحاز الى «الأخيار» ضد «الأشرار»، لكنه يراقبهم مِن بُعد، ويحصي الضحايا بلغته «الناعمة».

إزاءه سجّل الروس نقاطاً، فكل التكهنات الأميركية والتركية بأيام معدودة للنظام السوري، سقطت واطمأن أردوغان الى الدعم «الأطلسي» لحماية الأراضي التركية بصواريخ «باتريوت». أما حماية السوريين فتُرِكت لقوات «الدفاع الشعبي»!

ولا أحد يلومنّ الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي كان أَحرَج الأميركيين بحماسته دفاعاً عن الثورة السورية. فالمعركة الآن هي «لتطهير» الحديقة الخلفية لأوروبا، شمال افريقيا من «القاعدة» وأخواتها والمتشددين الذين يشبهون صورة «جبهة النصرة» في سورية.

هل هو الوقت المثالي للمساومة؟ تدخَّل الروس للتطوّع في نقل قوات لدعم العمليات العسكرية الفرنسية في مالي... لكي لا تصبح شيشان أوروبا. أهو النموذج الذي يريده الغرب في سورية؟ يتساءل بوتين ربما، والمشكلة وراء استيائه أن جميع الشركاء في الغرب استهانوا منذ البداية بقرار الكرملين الدفاع عن النظام السوري حتى رمقه الأخير.

لغة أميركية «ناعمة»، وأنياب روسية تحرّك أساطيل، تنقل ذخائر وصواريخ لتجديد ترسانة النظام السوري. صرخات أمام مأساة النازحين واللاجئين في الخارج وبعض السخاء، أما الهاربون من جحيم الى جحيم فلا يسعهم إلا انتظار سنتين... والنتيجة «ليست مضمونة».

الخيار الآخر، تريث، الى أن تُفكَّكْ عقدة تشكيل حكومة المعارضة. وماذا بعد؟ مزيد من التريث لكي تحظى بالاعتراف الأميركي والأوروبي والعربي... وبين هذا وذاك مزيد من الإبادات.

سوريون يقتلون سوريين. هو الخبر، وقبله مصريون يقتلون مصريين، ويمنيون يقتلون يمنيين، وعراقيون لا يشذون عن المألوف في المنطقة. رياح الاستئصال أقوى من أمواج الإصلاح. للاستئصال نهج، ولو أطاح كيانات، وأنعش مذهبيات وانعزاليات. هل يبقى بعد، أمل بنهار قريب يُنقِذ السوريين من ليل الانتحار وجنون القهر؟

لا حل سياسياً في سورية، ولا حل عسكرياً في وقت قريب... كل المتاح قتل، وألم المتفرج العربي الذي انتصر يأسه على «ربيع» ثورات، فيما الضعفاء في زمن الإبادة، يتمنون أن يكون غد يالطا قريباً.

أي علّة للتاريخ العربي، إذ يعيد إنتاج نفسه، بوجوه جديدة، ومراحل خراب عبثية؟

في جوار سورية مَنْ لا يتعلم.

========================

أميركا، بعد روسيا، جزء من المشكلة في سورية

عبدالوهاب بدرخان *

الخميس ٢٤ يناير ٢٠١٣

الحياة

منذ شهور طويلة غدا الموقف الروسي ميؤوساً منه، فلا تغيير بل إصرار على التعنت، وكل الكلام عن أن موسكو «غير مهتمة» ببشار الاسد كان مجرد تغطية لحقائق أهمها أنها، كإيران، تعتبره «خطاً أحمر»، وأنها تعمل جنباً الى جنب مع ايران، تسليحاً وتخطيطاً، لمنع انهيار النظام والحؤول دون سقوطه قبل أن يرتسم حلٌ ما يكون هذا النظام جزءاً منه.

واليوم لم يعد مستبعداً أن تنضم الولايات المتحدة الى هذا الثنائي. لماذا؟ لأن الأزمة في سورية أصبح لها في واشنطن اسمٌ هو «جبهة النصرة»، أو «مكافحة الارهاب»، وليس «الشعب يريد التخلص من الاستبداد ويطمح الى الحرية». ولا بد من أن اسقاطات مجزرة الرهائن وخاطفيهم في الجزائر، وامتزاج الأفغنة والصوملة في «الحال القاعدية» شمال مالي، وقبلهما دور تنظيم «القاعدة» في مقتل السفير الاميركي واثنين من الديبلوماسيين في بنغازي، ستشحذ الاقتناع الاميركي بأن الشيطان الذي تعرفه في سورية يبقى أفضل من ذاك الذي تجهله.

عندما يلتقي وزير الخارجية الجديد جون كيري، «صديق» النظام السوري، نظيره الروسي سيرغي لافروف، خلال الشهر المقبل، لن تكون السياسة الأوبامية الجديدة قد تبلورت نهائياً، لكنها ستقترب أكثر من الأهداف الروسية - وليس العكس - وستتضح أكثر في اندفاعها الى تفعيل «التفاهمات»: انسوا «الحكومة الانتقالية بصلاحيات كاملة»، انسوا الدعوات الى رحيل الأسد، فالدولتان الكبريان ستدعمان من يستطيع ضرب الارهاب، وستقفان بحزم ضد مَن يعرقل هذه الأولوية. بديهي أنهما ستعتمدان على النظام، ولأن الأخير ليس غبياً، فإنه يريد ضماناتٍ اميركية لبقائه. صحيح أنه سجّل، وإنْ لم يعترف، أن الاميركيين استطاعوا أن يجففوا منابع الدعم المالي والعسكري للمعارضة (حتى غير المتطرفة)، إلا أنه يريد عودة للعلاقات مع واشنطن، وزيارة من «الصديق» كيري الذي قد يكون اتخذ لتوّه قراره الأول، وهو أن ينسى نصيحة سبق أن وجهها الى الأسد بضرورة التنحي. وفي الانتظار يجتهد النظام حالياً ليبرهن أن في الإمكان الاعتماد عليه. يرتكب مجزرة أو أكثر في اليوم الواحد. يركز على قتل الأطفال والشبان مستهدفاً جيلاً لا يريده أن ينسى ما حلّ بالشعب والبلد. يذهب الى أقصى حد في التماهي مع اساليب التوحّش الاسرائيلية، بل يتخطّاها.

هذه هي «لعبة الأمم» بأبشع وجوهها، وعندما تجتمع البراغماتيتان الاميركية والروسية في لعبة واحدة مع وحشية نظام الاسد، فلا بد من أن سورية ستكون موعودةً بمرحلة هي الأكثر قسوةً، بل الأكثر قذارةً. فليس في «لعبة الأمم» فسحة لـ «طموحات» الشعوب ولا لحقوقها، والشعب الفلسطيني يعرف الشيء الكثير عن مثل هذا الظلم التاريخي. في أحسن الأحوال، ستُحشر المعارضة السورية في الزاوية ليُقال لها إن موازين القوى لا تمنحها أكثر من قبول ما تتفق الدولتان الكبريان، وليس فيها مَن يملك تفويضاً للقبول. طلب الشعب السوري حمايةً للمدنيين، طلب حظراً جوياً، طلب سلاحاً نوعياً للحسم، طلب إغاثةً، طلب ألا يُترك الأطفال يموتون برداً أو مرضاً، ولم ينل شيئاً من المجتمع الدولي. لم يجافِ الحقيقة كل من قال إن «المؤامرة» كانت مع النظام وضد الشعب في نهاية المطاف.

طبعاً، لم يكن الانقلاب الاميركي ولن يكون بالصدمة الكهربائية، كما لن يكون مسألة سهلة وخالية من التعقيد. فلا واشنطن ولا موسكو متأكدتان، على رغم اختلافهما في التقدير، بأن النظام لا يزال قادراً. ثم إن تأهيله ولو لمهمة محددة ومموّهة بعنوان نبيل مثل «منع انهيار الدولة والجيش» ينطوي على رسالة خاطئة وتخريبية في اتجاهين، سواء للدول والأطراف التي ناصرته في عدوانه على الشعب، أو للدول والأطراف التي ناوأته وأيدت ثورة الشعب عليه. وقلّما تتوصل لعبة الأمم الى توازنات سلمية، هذا إذا بحثت عنها أصلاً. وسيعني قبوله أيضاً قبولاً بتحالفه المتعاظم مع ايران، وفي ذلك اشارة أولية الى دول الاقليم عما يمكن أن تتوقعه من أي اتفاق اميركي - ايراني مرتقب. فالنظام السوري أصبح الآن كلياً تحت النفوذ الايراني، مالياً وتسليحياً وزخماً قتالياً وسياسياً، مع مساهمة معتبرة من جانب عراق نور المالكي و «حزب الله».

فيما يظهّر الاميركيون والروس حالياً عوارض الصوملة في سورية، فإنهم يدركون جيداً أن النظام هو المسؤول عن هذه الحال. أي أن «عقيدة عدم التدخل» الأوبامية بلغت عملياً في سورية النتائج التي خلصت اليها «عقيدة التدخل» البوشية في العراق. أما روسيا التي تقدم تدخلها في سورية بأنه «تصويب» لتطبيق القانون الدولي، فإنها تعطي نموذجاً سيئاً لما يفترض في المجتمع الدولي أن ينهجه. الواقع أن الدولتين الكبريين تقولان كل شيء لتستبعدا مسؤوليتهما عن صناعة وضع تشكوان منه الآن، وكأن الشعب السوري ثار وقدم التضحيات وتحمّل كل هذه العذابات... فقط من أجل أن يستدرج الارهاب وتنظيم «القاعدة» الى أرضه.

في اختزالها للأزمة بتصاعد التطرف، وعلى رغم اجتهادها الحالي لابتداع الإخراج الملائم لـ «انقلاب» سياستها، تقدّم الولايات المتحدة مضاعفات المرض على معالجة أسبابه، تتجاهل دوافع السوريين للثورة، بل تبدي استعداداً لنسيان ما حصل خلال العامين الماضيين من عنف وسفك دماء وتدمير ارتكبها النظام، ماضيةً في منطق يقودها الى اعتبار أنه أفرط في الإجرام الى حدّ يشجعها على الاعتماد عليه لـ «استعادة الاستقرار». لماذا وكيف تغيّرت الحسابات الاميركية؟ ثلاثة عوامل: 1) منذ البداية أعطت واشنطن مصلحة اسرائيل أولوية في ادارة الأزمة السورية بما يعنيه ذلك من محاولة «اصلاح» النظام لا تغييره، 2) عناد روسيا التي وظّفت المحنة السورية لشق طريق عودتها كـ «قوة عظمى» ما استلزم عزماً من ادارة اوباما على مواجهة أو على تنازلات ومقايضات لم ترِدها حتى لو عنى ذلك تراجعاً في مكانتها وصدقيتها الدوليتين، 3) الصعوبات التي اكتنفت بناء بديل أو بدائل للنظام من المعارضة السورية كنتيجة موضوعية للتجريف السياسي الذي نفّذه النظام على مدى عقود...

لكن، هل يبرر ذلك أن تستقيل الادارة الاميركية من «الاخلاقيات الربيع - عربية» التي تبرّع اوباما برسم معالمها وتحديد أهدافها؟ كلما سُئل المسؤولون الاميركيون عن التغيير الذي طرأ على سياسة حكومتهم إزاء الشعب السوري، فإنهم يكثرون من الحديث عن «المساعدات الانسانية» التي قدّمتها للشعب السوري. ولا يعني ذلك أنهم يشيرون الى سخاء استثنائي خفّف من معاناة هذا الشعب، بمقدار ما يعني أن ليس لدى الدولة العظمى ما تتحدّث به عن معالجتها للأزمة. فروسيا توفّر الأسلحة وكل أنواع الدعم للنظام، وأميركا تلهث بحثاً عن اتفاق مع روسيا ولا تتردد في حجب كل دعم عن المعارضة السياسية والعسكرية. هذا هو الواقع الملموس، وثمة عواصم كثيرة عربية وغير عربية رتّبت برامجها لدعم المعارضة على أساس أن هناك التزاماً دولياً صلباً تقوده الولايات المتحدة لتمكين الشعب السوري من تحقيق طموحاته، وإذا بها اليوم تحاول التكيّف بصعوبة مع انعطاف اميركي الى وجهة غير محددة الأفق، بالأحرى الى الاستسلام للأمر الواقع الذي تفرضه معادلة السلاح. ولطالما سُمع الاميركيون يدعون روسيا الى أن تكون جزءاً من الحل لا أن تكون جزءاً من المشكلة. ها هي اميركا تغدو بدورها جزءاً من المشكلة، اذا صحّت التوقعات عن مسار مواقفها، وستصبح بالتالي مثل روسيا مسؤولة عن قتل السوريين وذبح ثورتهم.

 

========================

عودة المشرق العربي إلى نقطة البداية

بول سالم *

الخميس ٢٤ يناير ٢٠١٣

الحياة

بعد مئة سنة من بدء المشرق العربي رحلة بناء مجتمعات سياسية حديثة، يبدو أن تجربتنا منيت بالفشل وعدنا إلى نقطة البداية. فقد انهار لبنان في سبعينات القرن الماضي، وتفكّك العراق في التسعينات وخلال العقد المنصرم، وتنخرط سورية اليوم في أتون حرب أهلية تمزّقها. وعلى عكس مصر وتونس وبلدان عربية عدة أخرى، لم نتمكّن من الحفاظ على وحدة المجتمع ولا سيادة الدولة. وفيما ندخل في المشرق فترة من الانقسام الشديد وعدم اليقين مستقبلاً، هل سنتمكّن من إيجاد طريق العودة إلى الوحدة الوطنية وبناء الدولة الحديثة، أم أن انحدارنا نحو الفرقة والنزاع والتراجع عصيّ على التغيير؟

قبل مئة عام، كان أجدادنا مشاركين فاعلين في النهضة العربية التي كانت تتوق لأن تستبدل النظام العثماني الآفل بدول ومجتمعات حديثة، تقوم على مبادئ تقرير المصير الوطني والمساواة وحقوق المواطنة وتمكين المرأة والتقدم الاجتماعي والعدالة الاقتصادية والتنوير. انهار النظام العثماني بالفعل، لكننا وجدنا أنفسنا أمام تحدٍّ جديد يتمثّل بالانقسامات السياسية التي أوجدها اتفاق سايكس-بيكو وحُكْم قوى الانتداب الأوروبية. لكن على رغم ذلك، أتيحت لمجتمعاتنا الفرصة لبناء مؤسّسات سياسية ديموقراطية ومجتمع مدني فاعل وأنظمة تعليمية واقتصادية حديثة. وتميّزت تلك الفترة بقدر كبير من العمل السياسي الخلاّق وتأسيس حركات وأحزاب سعت إلى صياغة مستقبل عربي أفضل.

في عهد الاستقلال الذي أعقب الحرب العالمية الثانية، تمت إزالة العقبات التي تسبّب بها الحكم العثماني أو الانتداب الأوروبي، وأصبحنا سادة مصيرنا. بيد أن تقدّمنا السياسي المأمول تباطأ بدل أن يتسارع. فالحركات التي بشّرت بالوحدة والحرية وصلت إلى السلطة لتأسيس دول الحزب الواحد البوليسية وتأجيج الصراعات بين بعضها البعض. جرى تدمير المؤسسات الديموقراطية الوليدة لمصلحة أنظمة ديكتاتورية شمولية، بينما في حالات أخرى، كما هو الحال في لبنان، أُهملت تلك المؤسّسات لكي تضعف وتضمحلّ. كما جرى تبديد طموحات الوحدة الوطنية والمواطنة المتساوية لمصلحة هيمنة جماعة واحدة على الجماعات الأخرى. وفي البلدان التي تعاني من ضعف الدولة مثل لبنان، ظهر التفكّك الوطني في وقت مبكر، في عام 1958، ومن ثّم على نحو أكثر تدميراً في عام 1975. في سورية والعراق، أسهمت القبضة الحديدية الديكتاتورية في تأخير عملية التفكّك، إلا أنها جعلتها أكثر إيلاماً ودموية عندما وقعت.

استعاد شباب «الربيع العربي» في العامين الماضيين روح النهضة العربية، داعين إلى الحرية والوحدة الوطنية والحقوق المدنية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية والتقدم الاقتصادي. لكن في المشرق، كان تأثير الارتداد إلى الطائفية والمذهبية والانتماء العرقي والقبلي أكثر قوة. ففي العراق استغلّت حكومة المالكي فرصة الانسحاب الأميركي قبل عام من الآن للقضاء على خصومها، واستبعاد مبدأ الشراكة الفعلية في الحكم، ومحاولة تعزيز قبضتها على السلطة، غير آبهة بالتفكّك والحرب الأهلية الزاحفة التي تقود البلاد إليها. وفي سورية يبدو النظام الحاكم، الذي يُفترض أنه قام على مبادئ حزب البعث المتمثّلة بالوحدة والحرية والاشتراكية، عازماً على ضرب الوحدة وتأجيج حرب أهلية طائفية واضطهاد شعبه كي يجبره على الخضوع وحماية الثروات البليونية التي تراكمت لدى رموزه.

أما المعارضة السورية، التي اتفقت في البداية بوجه عام على إقامة نظام ديموقراطي تعدّدي في مرحلة ما بعد الأسد، فقد تجاوزتها الآن حركة جهادية راديكالية تسعى إلى إقامة دولة دينية توتاليتارية قد تجعلنا نتحسّر على الإمبراطورية العثمانية.

وفي لبنان، كان أفضل ما تفتّقت عنه العقول السياسية هو طرح ما يسمى قانون الانتخابات «الأرثوذكسي» الذي يقود إلى قفزة تاريخية إلى الوراء باتجاه ترتيبات سياسية تشبه التي كانت سائدة في العصر العثماني، عندما مارست كل ملّة وجوداً سياسياً مستقلاً من دون أن تشارك لا بالمبدأ ولا بالفعل في أي مشروع وطني وازن.

الواقع هو أن المشرق مفلس سياسياً. ففي ظل غياب أفكار وحركات جديدة لتوحيد مجتمعاتنا وتحديد طريق جماعي وعقلاني للمضي قُدُماً، سنغرق أكثر فأكثر في معمعة الانقسام والتفسّخ. ولكن أين هي هذه الأفكار التي ستمضي بنا قُدُماً؟ أين هي نهضة الفكر السياسي التي أضاءت العقود الستة الأولى من القرن الماضي؟ لقد اصطدمت أحلام الوحدة العربية بواقع الانقسام والسلطوية. فإذا كنا قد عجزنا عن الحفاظ على الوحدة والحرية حتى في الوحدات الوطنية الصغيرة، فهل كنّا سننجح في وحدات سياسية أكبر؟ بالإضافة إلى ذلك، اصطدمت طموحات الاشتراكية العربية بواقع الفساد وسُوء استخدام السلطة، وجرى إضعاف زخم المجتمع المدني من خلال تأثير الروابط الأسرية والقبلية و «الهويات القاتلة» ذات الانتماءات الدينية والعرقية. وواجهت الاندفاعة لتمكين المرأة الحدود الجامدة للنظام العربي الأبوي السائد. كما فشلت محاولة بناء المواطنة والهوية الوطنية في مواجهة الهويات الطائفية الأكثر قوة.

في الواقع، كان القرن العشرون هو «القرن الضائع» كما وصفه الراحل الكبير غسان تويني. فها نحن نجد أنفسنا في المشرق في عام 2013، في نقطة انطلاق أسوأ مما كنا عليه في عام 1913. فقد كانت منطقتنا آنذاك تعجّ بالنشاط والتفاؤل لبناء مستقبل عربي مستنير وديموقراطي ومدني. كنا خارجين من خمسة قرون من الحكم العثماني الخانق ونتطلّع إلى اقتناص فرص تتيح لنا التحرّر وامتلاك القرار الوطني وبناء نظام سياسي مدني ثقافي اقتصادي جديد. واليوم وعلى رغم أنّ مصيرنا في أيدينا ولم نعد خاضعين للهيمنة الأجنبية، ما زلنا نفتقر إلى رؤية موحّدة ومشروع شامل للاستفادة من الفرص التي تنتظرنا. وفي ظل حرص كل جماعة على تعظيم هيمنتها أو الاستفادة منها إلى أقصى حدّ ممكن، دمّرنا المشروع المشترك الذي يمكن أن يوفّر الأمن والكرامة والمشاركة والرخاء للجميع.

سيستغرق خروجنا من هذا الليل المظلم سنوات طويلة. ولذا علينا أولاً أن نقدّر عمق الانقسام والضعف الذي غرقنا فيه، ومن ثم علينا أن نبدأ في صياغة الأفكار والمشاريع التي يمكن أن تفضي بنا إلى طريق الخلاص من هذا الواقع القاتم. ولا بدّ أن تستند هذه الرؤى إلى مبادئ الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية التي نادى بها واستشهد من أجلها شباب الربيع العربي. ومن ثمّ يتعيّن علينا أن نعمل على تنظيم الحركات الاجتماعية والسياسية التي ستوصلنا إلى الخلاص. ولا شك أن إنجاز ذلك الهدف سيستغرق سنوات طويلة، فقد أهدرنا بالفعل قرناً كاملاً، فدعونا لا نهدر قرناً آخر.

========================

دماء في ذمة روسيا

راجح الخوري

2013-01-24

النهار

لست ادري لماذا منع الصحافيون من الاتصال بالرعايا الروس الذين عبروا المصنع في اتجاه مطار بيروت بعدما غادروا دمشق التي تحولت ساحة حرب منذ اشهر.

هل حرص الديبلوماسيون الذين اشرفوا على عملية اجلائهم على منعهم من الحديث عن معاناتهم وخصوصاً بعدما تعذّر على روسيا اجلاءهم عبر ميناء طرطوس حيث تقوم قطع بحرية روسية عدة بمناورات وبافراغ ما تحمله من الذخيرة، ام انهم حرصوا على الا يدلي هؤلاء بافادات تدين سياسة بلدهم الذي كان ويستمر شريكاً في صنع المأساة السورية ورعايتها وقد صاروا الآن من ضحاياها؟

لا داعي للبحث عن اجوبة فقد كان مثيراً للاشمئزاز والتقزز ان تبشرنا موسكو بان الازمة السورية ستطول وانها قد تستمر سنتين اضافيتين، في وقت لا يخفى على احد وخصوصاً رعاياها في سوريا ان سياستها هي التي عطلت وتعطل كل مساع عسكرية بالدعم المتواصل وسياسية عبر تعطيل كل المبادرات لانهاء الازمة.

كان هذا واضحاً منذ سعت موسكو الى نسف مهمة المراقبين العرب والدوليين ومنذ ساهمت في افشال كوفي انان ومن بعده الاخضر الابرهيمي الذي تعرّض بعد مقابلته الثالثة والاخيرة على ما يبدو مع بشار الاسد لقصف سياسي قاتل عندما اتهم بانه "وسيط فاشل ومنحاز" لمجرد انه فاتح الرئيس السوري بموضوع الانتقال السياسي فقيل انه " تجرأ" على المحرمات وانهى الاسد المقابلة معه في طريقة مهينة!

لا ادري ماذا يفعل الابرهيمي في هذه الايام غير الجلوس مع بان كي - مون ومحاولة ايجاد ترجمة دولية للقول المعروف: "يا حصرماً رأيته في حلب... ودمشق طبعاً"، وليس من الواضح ما هو رأي الرفيق سيرغي لافروف الذي حرص دائماً على تصوير المعارضة السورية بانها من الارهابيين وتمسك منذ عامين بالقول ان الاسد خط احمر وان موسكو غير قادرة على اقناعه بالتنحي، لكن من الواضح ان حسابات موسكو آخذة في الانهيار والتداعي مثل الابنية في المدن السورية المنكوبة!

وعندما يقول الروس ان الازمة السورية طويلة ونرى رعاياهم يغادرون تحت جنح التكتم عبر مطار بيروت الذي صار البوابة الوحيدة لمغادرة دمشق جواً بعدما ظل مطار دمشق بوابة اللبنانيين الوحيدة للسفر الى الخارج هرباً من جحيم الحرب التي استمرت 17 عاماً وادارها النظام السوري اياه، هل من الكثير ان نتوقع تأجج المأساة السورية اكثر بما يستدعي ان تنقل السفارة الروسية اعمالها من دمشق الى بيروت كما كانت قد انتقلت من بيروت الى دمشق؟

 نعم المأساة طويلة جداً لكن طولها وما سيرتبه من المآسي والدماء سيقيّد حتماً على ذمة الروس... ايها الرفيق لافروف!

========================

سلاح من السوق السوداء لـ" الحر"؟

علي حماده

2013-01-24

النهار

في "المنتدى الاقتصادي العالمي" المنعقد منذ البارحة في منتجع دافوس في سويسرا، فتح موضوع الوضع في سوريا. موضوع سوريا اساسي عندما يتم التطرق الى الواقع العربي وآثار "الربيع العربي" بعد مرور عامين على انتصار اول ثورة في تونس اعقبتها مصر واليمن وليبيا. وحدها سوريا تحولت من ثورة الى حرب بفعل إيغال نظام بشار الاسد في الحل الامني العسكري، الذي بلغ مستويات الجرائم ضد الانسانية، وذلك في الكثير من الاماكن في سوريا. بلغ عدد القتلى ستين الفا بحسب ارقام الامم المتحدة، وثمة ارقام غير رسمية تتحدث عن مئة الف قتيل بينهم آلاف المعتقلين والمفقودين في سجون النظام. اكثر من ذلك، بدأت ارقام الجنود والضباط المعتقلين في سجون النظام العسكرية لرفضهم تنفيذ أوامر القتل، بالخروج الى العلن، وثمة حديث عن عشرة آلاف قتيل من الجيش النظامي في اعدامات ميدانية فورية جرت على مدى الاشهر الثلاثة والعشرين الماضية.

هذا الواقع المرير، يضاف اليه التدمير المنهجي لمدن وقرى بأسرها في سوريا، يجعل موضوع حسم المعركة ضد نظام الاسد موضوعا اول على طاولة بحث في عواصم عربية وغربية عدة هذه الايام. فباعتراف مسؤولين عرب كبار موجودين هنا في دافوس فتحوا موضوع دعم ثوار سوريا بشكل جدي، فإن الدول الغربية وفي مقدمها الولايات المتحدة ابلغت دولا عربية داعمة للثورة السورية، وتملك سلاحا اميركيا او اوروبيا متطورا من شأنه اذا ما دعم الثوار به ان يقلب نتيجة المعركة على الارض. ومما قاله احد المسؤولين العرب، ان عقود شراء الاسلحة الغربية مشروطة بعدم تسربها الى اطراف ثالثة الا بموافقة الجهة البائعة. هذا هو حال صواريخ ستينغر وغيرها من انظمة الدفاع الجوي والسلاح المضاد للدروع المتطور، إذ منعت واشنطن وشركاؤها الاوروبيون دولا عربية داعمة للثورة في سوريا من منحها لـ"الجيش السوري الحر".

إنه واقع يعكس مفارقات الموقف الدولي الذي يتخوف من تسرب سلاح متطور الى جهات متطرفة على الارض، فيما يستمر القتل المنظم بدعم عسكري كامل من روسيا وايران للنظام. والحال ان الميدان سيكون المكان حيث سيحسم الوضع بالرغم من كل الكلام عن مسارات سياسية. اما ايران فليس سرا انها لا تزال تراهن على امكان تحقيق توازن عسكري يدفع بالمعارضة وبداعميها، وبالمجتمع الدولي الى الجلوس الى طاولة المفاوضات مع بشار.

السؤال الذي  طرحه احد المراقبين على مسؤول عربي كبير في دافوس كان: ما الذي يمنع الدول العربية الداعمة من اللجوء الى سوق السلاح السوداء حيث كل الأسلحة المتطورة للميدان السوري متوافرة بكثرة؟ هكذا يتم تجاوز المنع الغربي المتعلق بالسلاح الذي جرى شراؤه رسميا، وفي الوقت عينه تكون الثورة السورية حصلت على الدعم الذي يعجل في انتصارها على النظام. نقاش يبدو مفتوحا في مرحلة تسبق معركة الربيع الكبرى!

========================

السعودية لا تخبئ رأسها !

ما قبل النقطة

خالد صالح الحربي

الخميس 24/01/2013

المدينة

لا شيء يعدل الوطن، ولا شيء يعدل الأمن والأمان فيه. هذا ما كنت أفكّر فيه كلّما قادني الريموت لمشهد اللاجئين السوريين في الأردن أو في تركيا أو في لبنان.. بعد أن بِتّ أهرب من تلك المقاطع اليوتيوبيّة المروّعة التي تُصوّر فظاعة ووحشيّة نظام الديكتاتور "نشّار الجسد" إلى درجة إثارة مثل هذا التساؤلات: تُرى أين تربّى هؤلاء البشر؟! من أي ثديٍ رضعوا؟! وهل لهم أطفال؟! يحضنونهم ويحبونهم؟!!، بصدق لا يمكن أن يُلام من غادر وطنه واختار المنفى والملجأ عندما تحوّل الموكل بحفظ الأمن والأمان إلى مُخرج ومنتج ومموّل لـ"فيلم رُعب" حقيقي لا يُمكن أن تنتج مثل فظاعته ووحشيّته ودمويّته "هوليود"!، على المدفأة أكتب هذا الكلام وحولي أطفالي لا خوفٌ ولا جزع ولا جوع.. وعلى الشاشة أرى مشهد مخيّم الزعتري وقد غطّته المياه في الفترة الأكثر صقيعاً من السنة، يا ااالله الدرجة تصل عندنا إلى أدنى درجاتها الصفر المئوي.. و"العجز العربي" في أعلى درجاته أمّا "الضمير العالمي" فقد كان كما وصفهُ المُهَجّر - أحمد مطر -: "يشبه الضمير العالمي، دائماً يتفرج ساكتًا على ما يجري: باب المسلخ"!، الحقيقة لم يكُن يعزّيني على عجزي وقلّة حيلتي كمواطنٍ بسيط إلاّ شيئين، الأوّل: هو سيلُ دُعاء المسلمين الذي لم ينقطع.. وَأنّ الله - سبحانه وتعالى - وَعَدَ بنُصرة المظلوم ولو بعد حين، وبأنّهُ قريبٌ يجيبُ دعوة الدّاعِ إذا دعاه، والثاني: جسر مساعدات المملكة العربيّة السعوديّة الذي لم ينقطع منذ أَمَرَ خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - باعتماده،

بدءاً من الثاني من شهر رمضان ١٤٣٣هـ وحتى هذه اللحظة.. سواءً للإخوة اللاجئين السوريين في الأردن أو في تركيا أو في لبنان، وقد نُفّذَ حتى الآن أكثر من ٣٥ برنامجاً إغاثيّاً ومشروعاً إنسانيّاً بتكلفةٍ بلغت (٣٠٤,٤٥٨,٨٥٢) ريالاً، شملت هذه التبرعات والمساعدات والإعانات الجانب الغذائي والإيوائي والصحّي وغير ذلك.. وفقاً لظروف وحاجة أولئك اللاجئين، إضافةً إلى أكثر من اثني عشر برنامجاً ومشروعاً لا زالت تحت التنفيذ، وهذا ديدن بلادنا ولله الحمد مع البعيد قبل القريب، إذ طال   ما وقفت مع ضحايا الكوارث في كل مكان، تفعل ذلك بكل هدوء.. وترميه في البحر..

خاتمة القول:

اللهم انصر أشقاءنا في سوريا وخارج سوريا وأعدْهم إلى بلادهم وأعدْ بلادهم إليهم.. سالمين غانمين أجر الصبر.. ورأس ذلك الطاغية عاجلاً غير آجل.

========================

الصراع على سوريا إلى أين؟!

والمملكة من أكبر الدول الداعمة للاجئين السوريين الهاربين من جحيم الحرب الدائرة إلى مخيمات الدول المجاورة، حيث بلغ حجم التبرعات والدعم ما يناهز المليار ريال

م. سعيد الفرحة الغامدي

الخميس 24/01/2013

المدينة

مضى عامان على بداية الصراع على سوريا، والذي لم يقتصر على انتفاضة شعبية ضد نظام، بل تعدّاه إلى تدخل أطراف دولية لها أطماع اقتصادية وسياسية، عبّرت عنها بالميل لجهةٍ على حساب أخرى. واستمرار الصراع، وعدم الحسم لصالح أيّ من الأطراف، كلَّف الشعب السوري ما يزيد على ستين ألف قتيل، وعدد غير معلوم من الجرحى، ودمار غير محدود للمنشآت والمرافق العامة، طالت كل المناطق والمدن والأحياء، حسب ما تظهره القنوات التلفزيونية وشهود العيان الهاربون من جحيم الأزمة المتصاعد في ذلك البلد الجميل؛ الذي يتعرض لتشويه متعمد على أيدي أهله أولًا، وبمساعدة أعدائه ثانيًا، والمنقذون اختفوا من الصورة إلى عالم المجهول، منتظرين الاقتراب من توقف الحرب نتيجة التعب والرعب والعوز والعجز عن الانتصار.

لقد لعب تدخل روسيا والصين دورًا حاسمًا في الوقوف إلى جانب النظام السوري، يقابله في جانب المعارضة عدم وضوح الرؤى والتنازع على السيطرة واختلاف الآراء حول المستقبل، والتراجع عن التدخل المباشر، مثلما حصل في ليبيا، لأن هناك قوى دولية كبرى معارضة بقوة الفيتو والدعم على أرض الواقع.

والمرجح أن مصدر التردد في إنجاح الثورة السورية بقوة الدعم الخارجي هو التوجس من أن تصبح سوريا مثل مصر وليبيا وتونس، حيث سقطت الأنظمة وعمّت الفوضى، وسيطرت الأحزاب الدينية على مقاليد الحكم من خلال انتخابات حرة ووعود برّاقة لم يتم الوفاء بها. كما أن الرهان على سقوط النظام أصبح مشكوكًا فيه لتشابك العوامل المحلية باختلاف وجهات النظر الدولية التي عقّدت الوضع، وأصبح الحل العسكري مشكوكًا فيه، وإن كان هناك من الطرفين من يدّعي بأن الانتصار أتي لصالح الجانب الذي ينتمي إليه.

وسوريا الدولة والنظام والمجتمع أصيبت في مقتل من جراء الصراع الدائر الذي ترك عشرات الألوف من الضحايا ودمار مخيف للمنشآت والبنية التحتية ومقومات الدولة ككل، وبقي العناد والتعنت سيد الموقف بين المتصارعين ومن يساندهم من الخارج.

وإذا كان لا بد من استقراء لما سينتهي إليه الصراع على سوريا، فإن الأشهر القادمة قد تُفاجئ الجميع بأن المعارضة ستضعف وتتعب، وأن النظام سيخرج مجروحًا في الصميم، ولكنه لم يدخل غرفة الإنعاش ولم تطلق عليه رصاصة الرحمة لترديه قتيلًا حتى يريح ويستريح، ولم تنجح محاولة انتزاعه من براثن إيران، لم يتحقق كهدف ظن البعض أنه قاب قوسين أو أدنى في بداية الصراع.. (وقد نُفاجأ خلال الأشهر القادمة بعكس ما تَقدَّم).

إن ضعف الدعم الدولي الكافي أوصل سوريا وشعبها إلى حافة الهاوية، ومع ذلك فإن الحياة ما زالت تسير في عروقه رغم فقر الدم وقلة الغذاء.. والمنشغلون بالاستراتيجيات يدركون أن الإخفاق في إيجاد حل جذري.. مثل وقف المد الإيراني في سوريا ولبنان ومنع انتقاله إلى غزة.. وبعد أن استقطب الصراع كل القوى المؤثرة في القرار الدولي.. سيكون له تداعيات إقليمية ودولية، وقد تضطر أطراف دون أخرى لتعديل مواقفها التي راهنت على نجاح مشروع إسقاط الأسد وإبعاد إيران عن حوزة التأثير في القرار السوري.. وبالتالي عودة سوريا إلى الحظيرة العربية.. وهذا التصور ليس ببعيد إذا لم تحقق المعارضة انتصارًا حاسمًا خلال الأشهر القادمة.

والمملكة العربية السعودية كعادتها في المواقف الإنسانية من أكبر الدول الداعمة للاجئين السوريين الهاربين من جحيم الحرب الدائرة إلى مخيمات بالدول المجاورة في الأردن ولبنان وتركيا، حيث بلغ حجم التبرعات والدعم ما يُناهز المليار ريال والخطوط مفتوحة للمزيد من الدعم الإنساني الذي يتم إيصاله للمحتاجين في المخيمات الموجودة في الدول المجاورة لسوريا، وفي الداخل أيضا حسب إمكانية إيصاله للمتضررين والمحتاجين من الشعب السوري.

وعلى جميع الأطراف أن تدرك أن الدعم سيزداد الطلب عليه بعد أن تضع الحرب أوزارها، لأن الدمار الذي حصل سيكلف عشرات المليارات من الدولارات حتى تعود سوريا لوضعها الطبيعي.. والله المستعان.

 

========================

أبو حاتم.. زاباتا الثورة السورية

مازن كم الماز

2013-01-23

القدس العربي

يصنع السوريون التاريخ اليوم، هناك عدة طرق لصنع التاريخ، أو لدخول التاريخ، أن تدخله كجنكيز خان كما يفعل بشار الأسد، أو أن تدخله كسبارتاكوس، كعبد تحدى قدره ومصيره، كعبد عاش حرا ومات حرا بحد السيف، كأية ثورة شعبية في التاريخ أنتجت الثورة السورية أبطالها، الذين لا يطلون على الفضائيات ولا تعرفهم فنادق استانبول والقاهرة، لا نسمع ضجيجهم ولا نراهم وهم يصنعون الحاضر إلا لماما مما تسمح به وسائل إعلام السادة أو من مشاركاتهم المتواضعة جدا في هذا الصخب. من هؤلاء كان لي حظ التعرف عن قرب على أحدهم: القائد الميداني أبو حاتم. منذ اللحظات الأولى من لقائي بأبو حاتم كان أول ما خطر لي هو الشبه الهائل بينه وبين زاباتا الثائر المكسيكي أو نستور ماخنو قائد الأنصار الأوكرانيين، رجال جاؤوا من أسفل الهرم الاجتماعي، تسيسوا وسط ثورات شعبية عارمة، واجهوا الطغيان بالسلاح، وانتهوا بأن أصبحوا أبطال الثورة، أيقوناتها الحقيقية. صحيح أنهم بدأوا نضالهم أو تاريخهم كثوار 'بقيادة' الجماهير بشكل لا سلطوي أو غير فوقي، لكن ظهرت عليهم لاحقا ملامح سلطوية صريحة وأحيانا بونابرتية.

أذكر تماما أن تلك المقارنة كانت في بالي بينما كنت أعالج أبو حاتم من إصابة، بينما كان مقاتلوه حولنا في حالة حزن وغضب هستيري لإصابته، حتى نحن المعتادين على تلك الإصابات كان بعضنا يبكي جزعا، صحيح أن هذا الشعور قد يبدو طبيعيا لحد كبير بالنسبة لمقاتلي مجموعته وحتى لنا نحن، لكن لا شك أن مثل هذه المظاهر قد ساعدت في تضخيم الأنا عند أبو حاتم وأمثال هؤلاء القادة وإنتاج ميولهم البونابرتية اللاحقة، نحن أيضا مذنبون بشكل من الأشكال في تحول كثير من هؤلاء الثوار إلى نابليونات، إلى سادة جدد. لا أعرف كيف أصبح أبو حاتم قائدا ميدانيا، لكني أعرف أنه كان دائما في المقدمة، وأنه تعرض للإصابة مرارا بسبب ذلك، وأعرف أيضا أنه بقي 'نظيفا' حسب الوصف الأخلاقي 'الثوري'، أنه لا يجمع المال ولا يحاول امتلاك بيت أو ثروة كبيرة كما يفعل الكثيرون. مع أبو حاتم أيضا عرفت قسوة الثورة، قسوة الموت في الثورة، عندما عرفت أنه تخلص من بعض جنود جيش الأسد بطرق لا يمكن وصفها إلا بالقاسية، هذا باستخدام ألطف العبارات .. لم أملك الوقت لأناقش الرجل في هذا، صحيح أن خمسة من إخوته استشهدوا في الثورة، وأن السادس أسير في سجون النظام لكني أستطيع أن أؤكد أن الرجل لا يسعى للانتقام، لكن مع ذلك ربما كانت خسارته الشخصية الهائلة هي التي علمته أن الحياة في حقيقتها قاسية جدا وهي التي دفعته ليصبح قاسيا في عصر القسوة .. كما أن الرجل لم يوجه قسوته تلك ضد العلويين تحديدا، في الحقيقة كان يوجهها ضد عساكر جيش الأسد دون تمييز .. لا بد هنا من استدراك مهم، فقد يدفع الكلام السابق للاعتقاد أننا أمام شخص قاسي القلب أو دموي، لكن أبو حاتم في الواقع ليس إلا إنسان، وإنسان حقيقي بكل ما تعنيه الكلمة، لكن في عصر وصل فيه معيار الوحشية في علاقات البشر ببعضهم إلى مستوى هائل.

أكيد أيضا أن أفعال أبو حاتم ليست أكثر قسوة مما مارسه زاباتا أو ماخنو أو حتى سبارتاكوس في أيامهم، هذا ليس تبريرا للقسوة، ولا حتى قسوة الجزار يمكن أن تبررها، بل إن محاولة تبريرها بحد ذاته شيء فظيع، صحيح أن القبح هو جزء أصيل من هذا الوجود، لكن مع ذلك لا يمكن تبرير القبح، إننا نكتشفه فقط لكي نلغيه، أن نبقى قبيحين عن وعي وتصميم كاملين، هذا بحد ذاته هو الجريمة الكاملة، والقسوة الأشنع على الإطلاق.

لا أجمل ولا أسمى من أن تعيش حرا، لكن المشكلة هي في هذا العالم نفسه الذي يفرض عليك أن تقاتل كل لحظة لتنتزع حريتك وتحتفظ بها، قسوة الثورة لا يمكن أن تكون إدانة للثورة، إنها إدانة لهذا العالم، خاصة للواقع وللنظام الذي تثور في وجهه، وإعادة إحياء لحلم أن يعيش البشر أخيرا دون عنف أو إكراه أو سجون أو حرس. أيضا لم يسعفني الوقت لأعرف من أبو حاتم أين بدأت ثورته وأين يرى أنها ستنتهي. نعرف أن زاباتا بدأ مقاتلا في جيش ماديرو الثائر ضد الطاغية دياز، لكن عندما سقط دياز وتولى ماديرو السلطة وبعد أن خاب أمل زاباتا في الرئيس الجديد قرر مواصلة الصراع ضد قائده السابق.

يذكر التاريخ أنه عندما طلب ماديرو من زاباتا إلقاء سلاحه رد الأخير بأنه إن لم يحصل الناس على حقوقهم اليوم وهم مسلحين فإنهم لن يحصلوا عليها أبدا خاصة إن ألقوا سلاحهم، لكن مصير زاباتا يشبه مصير معظم الثوار الذين سبقوه، ومن سيأتون بعده أيضا، فها هو ذا يسقط أخيرا في صراعه ضد السلطة مدافعا حتى آخر نفس عن حلمه بأن يتملك الفلاحين أرضهم ذات يوم، لكنه يموت فقط ليحيا من جديد مع ثورة أخرى للفلاحين المكسيكيين من السكان الأصليين عندما أخذ الثوار الجدد اسمهم وهدفهم وحلمهم من زاباتا، فولد جيش الزاباتيستا للتحرر الوطني عام 1994. أين ستتوقف 'ثورة' أبو حاتم وكثيرون من أمثاله في الثورة السورية، هل سيستمرون بحمل السلاح إذا لم تتمكن 'السلطة' القادمة من الوفاء بأحلامهم، تلك السلطة التي لا شك أن قادته المباشرين اليوم سيكونون من بينها بشكل أو بآخر؟ مرة أخرى يصعب جدا الجواب على هذا السؤال. لقد بكيت فعلا وأنا أعانق أبو حاتم مودعا، كنت أضم سوريا التي أحببتها، سوريا التي تناضل من أجل حريتها، المغمسة بالدم والحب والكراهية، بالأمل وبالتعب وبكل تأكيد، بالحرية. قبل قرون لم يكن الجنرال الماركيز لافييت ولا الامبراطور نابليون هم الأبطال الحقيقيين للثورة الفرنسية، بل تلك الآلاف التي اقتحمت الباستيل ونكلت بالنبلاء وأفراد العائلة الحاكمة ودافعت عن جمهوريتها، آلاف ممن انتزعوا حريتهم بدمائهم ودافعوا عنها بدمائهم وماتوا أحرارا في ساحات الوغى يحلمون بيوم يكون فيه كل قاطني هذه الأرض من الأحرار فقط، نحن لا نعرف أسماءهم، لم يحفظها لنا التاريخ كما حفظ أسماء الوزراء أو النبلاء أو كبار الكهنوت أو السياسيين، لم تقدسهم السلطات 'الثورية' ولا 'الكنائس الثورية'، ولم تمنحهم تيجان الأباطرة ولا حتى أكاليل الغار، لم تتجاوز مكافأتهم سويعات من الحرية قضوها وهم يحاربون كل طامع باستعبادهم ومكان ما في ذاكرة وضمير كل المضطهدين والمقهورين عبر العصور. لقد وقعت ثورةعظيمة هناك، وكان هؤلاء هم الثوار الحقيقيين، في سوريا كان هناك أبوفرات وأبو حاتم.

========================

محاولات لشطب مخيم اليرموك

د. فايز رشيد

2013-01-23

القدس العربي 

طالما بقيت المخيمات الفلسطينية .. فستظل شواهد النكبة قائمة. لذلك من الطبيعي أن تجري المحاولات واحدة بعد أخرى لمحو هذه المخيمات من الوجود. بالأمس كان تدميرمخيم نهر البارد الذي تم تهجير سكانه وجرى هدمه بشكل كامل.محاولات إعادة بنائه ما تزال قائمة وقسم صغير من أهله عاد إليه. الآن: مخيم اليرموك تجري محاولة لإزالته. المخيم هو أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في سوريا، يسكنه قرابة المئة وعشرين ألفاً من أبناء شعبنا، وفيه يسكن أيضاً سوريون. على أطرافه: في الحجر الأسود وببيلا والست زبيب وغيرها من المناطق، تتواجد نسبة قليلة من الفلسطينيين وعدد أكبر من السوريين.

منذ بدء الأحداث في سوريا، حاولت الفصائل الفلسطينية ووجهاء المخيم إبقاء أهاليه على الحياد، وتجنيبه الأزمة للمحافظة عليه، وعدم الزج بساكنيه في أتون الصراع السوري. تفهمت كافة الأطراف المعنية بالصراع هذا الموقف، واستطاع المخيم أن يكون بؤرة استقطاب للاجئين السوريين من مختلف المناطق. أبناء شعبنا تقاسموا الرغيف مع إخوتهم السوريين. بقي هذا الوضع إلى أن قام مسلحو ما يسمى بالمعارضة بمحاولات الدخول إلى المخيم عنوةً وفي أكثر من حي، ذلك وسط رفض أهاليه، الأمر الذي أدى إلى تدخل قوات الجيش النظامي السوري، وحصلت اشتباكات ذهب ضحيتها العشرات من الفلسطينيين.

مؤخراً، دخل مئات بل آلاف من المسلحين إلى المخيم يجمعهم ما يسمى بــ'الجيش الحر'، وهؤلاء من جماعات إسلامية أصولية متطرفة من بينها جماعة النصرة التابعة للقاعدة، جماعة التوحيد، الجهاديون، صقور الجولان (من لاجئي الجولان) وغيرهم. هؤلاء استطاعوا التأثير على جماعات سورية من اللاجئين، وجماعات فلسطينية من حركتي فتح وحماس تعملان تحت اسمي زهرة المدائن، والعهدة العمرية. هؤلاء يقاتلون إلى جانب الجيش الحر وهذا ما أصبح معروفا لكل ساكني المخيم ومن يتواجد بالقرب منه. والحالة هذه تدخل الجيش النظامي السوري فجرى قصف أهداف المسلحين بوسائل عديدة منها الطائرات مما أدى إلى سقوط عدد كبير من الضحايا من بين أبناء شعبنا بين قتيل وجريح، وكذلك إلى هجرة أهالي المخيم عن بكرة أبيهم طلباً للسلامة.

فصائل المقاومة وإضافة إلى الوجوه وأعيان المخيم كانت قد شكّلت لجاناً أمنية من المواطنين، وهي غير مسلحة، للمحافظة على الأمن في المخيم. المسلحون داهموا مقرات الفصائل الفلسطينية في المخيم وقاموا بالعبث فيها وسرقة محتوياتها وإحراقها، ومنها مكاتب للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ومن قبل هوجمت مراكز للقيادة العامة ومعكسر تدريب تابع لها. الفصائل وبعد عقد اجتماعات عديدة تنسيقية فيما بينها حضرها مندبو المخيم، قررت الاتصال بالدولة وبالمسلحين، وهو ما تم فعلاً. الدولة تفهمت الوضع ووعدت بعدم تكرار القصف مطلقاً، وعدم الاشتباك مع المسلحين شريطة إخراجهم من المخيم، الاتصال والتفاوض جرياً أيضاً مع محركي المسلحين من الدول وكذلك ومعهم، لحثهم على الخروج. هم جماعات كثيرة مثلما قلنا. البعض استجاب وهم قلة لا تُذكر، والغالبية رفضوا الخروج وزادوا من تموضعهم وتمركزهم في المخيم، وابتدأوا عمليات القنص، وممن جرى قنصهم الشهيد غسان الشهابي وهو كاتب وناشر يشرف على دار الشجرة للنشر. الدار تعتني بالتاريخ والتراث الفلسطيني وتؤرخ للمدن والقرى الفلسطينية.

الغريب أن المسلحين الرافضين للخروج وعبر ممثلهم الرئيسي أبو توفيق (أحد قيادي جماعة النصرة) طالب المجتمعين معه بالضغط على مهجّري المخيم من أجل العودة إلى بيوتهم، ويبرر رفضهم للخروج بأنه تم تشكيل قيادة عسكرية جنوبية تتمركز في المخيم وأطرافه وهدفها الدخول إلى العاصمة السورية دمشق ويطلبون من الأهالي مساعدتهم في اسقاط النظام. من بين المسلحين باكستانيون وأفغان وعرب من جنسيات مختلفة، أفارقة مسلمون، كازاخستانيون وأوزباكستانيون وقرغيزيون من جمهوريات كانت تأتلف مع روسيا في 'الاتحاد السوفييتي'. الأشد غرابه أن هؤلاء من الجنسيات الأخرى عُبؤوا بأنهم في دخولهم إلى دمشق سيكونون على أبواب القدس وسيقومون بتحريرها. معظمهم لا يتقن اللغة العربية ويجهل حقيقة الأزمة وكذلك لا يعرف 'جغرافية' سوريا ولا فلسطين ولا المنطقة. بالطبع عندما يسمع أهالي المخيم بوجود مسلحين فيه تنتزع من نفوسهم امكانية العودة الى المخيم، ولم يعد إليه سوى سكان قلائل من ساكنيه، أما في المعظم فما يزالون خارجه بعد تهجيرهم. الدولة من جانبها ونظراً لملابسات الوضع حاصرت المخيم، وتتحكم في مياهه وكهربائه، وإمداده طالما بقي المسلحون في أرجائه.

بالتالي ماذا يريد الأصوليون وحلفاؤهم من استمرار تمركزهم في المخيم؟ أيريدون إزالته عن الوجود؟ أيريدون إبعاد أهله عنه نهائياً؟ إذ لا مبررات لاستمرار بقائهم فيه، وبخاصة أن أهله لم ولن يتدخلوا في الأزمة السورية. محاولة إزالة المخيم وإبقاء أهله في التهجير تلتقي مباشرة أو بطريق غير مباشر مع المحاولات الصهيونية-الأمريكية-الغربية لمحو تعبير 'اللاجؤون الفلسطينيون' وتصب في مجرى تصفية القضية الفلسطينية وتُلحق أفدح الضرر بالمشروع الوطني الفلسطيني والحقوق الوطنية لشعبنا.

على صعيد آخر يروج هؤلاء بأن النظام السوري على شفى الانهيار ويعيش لحظاته الأخيرة، وأن الرئيس الأسد مرعوب ومكتئب ويبحث عن ملجأ وغير ذلك من القضايا. الجيش السوري ما يزال متماسكاً وقوياً، ووفقاً للأنباء فإن الجيش السوري وحتى اللحظة لم يستعمل سوى 20' من قواته، فله حساباته بإمكانية التدخل العسكري الأجنبي وبخاصة الإسرائيلي في شؤونه. الرئيس الأسد بدا في خطابه في دار الأوبرا متماسكاً وقوياً وينطلق من موقع المتحكم في الصراع، وقام في خطابه بتقديم مبادرة سياسية.

سوريا لم تكن مدينة لأحد مطلقاً، وهي قادرة على الاستمرار وبالإمكانيات الذاتية للصمود فترة طويلة رغم حرق العديد من (إهراءات) تخزين القمح. الاقتصاد السوري ما زال قوياً، ويلقى الدعم من إيران (قرض إيراني جديد بفوائد ميسرة يبلغ مليار دولار) وروسيا والصين وغيرهما. الحياة وسط العاصمة دمشق وفي مدن سورية أخرى تبدو طبيعية، والليرة السورية محافظة على قيمتها (بعد الانخفاض في سعرها بسبب الأزمة)، والنظام له جماهيره الواسعة. المعارضة الداخلية تدعو إلى الحل السياسي وتقف ضد عسكرة الأزمة وتدويلها. الصراع في سوريا لن يجري حلّه إلا من خلال طاولة الحوار، والحوار فقط.

يبقى القول: أن المحاولات الجارية لزج اللاجئين الفلسطينين عموماً وبشكل خاص سكان مخيم اليرموك في الصراع في سوريا، سوف يؤدي إلى شطب هذا المخيم، وذلك لتمرير التسوية الأمريكية الأسرائيلية في تصفية القضية الفلسطينية. يجيء ذلك في الوقت الذي يعزز فيه اليمين المتطرف واليمين الأكثر تطرفا من مواقعه في الكيان الصهيوني. سياسة شطب المخيمات الفلسطينية ومنها مخيم اليرموك تتماهى مع سياسة محو وتفتيت الدول العربية الى دويلات: طائفية، مذهبية واثنية تحترب فيما بينها لصالح محو وانهاء الصراع العربي الصهيوني.

 

========================

مؤشرات لعبة دولية عنوانها وقف الدعم عن المعارضة السورية!

صالح القلاب

الشرق الاوسط

24-1-2013

أليس مثيرا لألف سؤال وسؤال أن يتوقف الدعم عن الجيش السوري الحر، الذي غدا منتشرا في سوريا كلها ويقاتل على كل الجبهات، بينما رفعت روسيا وإيران مستوى تدخلهما العسكري في الحرب الطاحنة المحتدمة الآن في كل المناطق السورية... فهل هناك لعبة دولية حقيقية وفعلية تقف وراء هذا كله وهي التي جعلت الأمم المتحدة توجه مساعداتها، البالغة 519 مليون دولار، إلى «المتضررين» السوريين من خلال الحكومة السورية الملطخة أيدي أعضائها بدماء الأبرياء من أبناء الشعب السوري، التي من المفترض أنها فقدت «شرعيتها»، هذا إذا كانت لديها بالأساس أي شرعية، بعد كل هذه المجازر التي ارتكبتها على مدى نحو عامين؟!

يعلن مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، أن بشار الأسد خط أحمر، بينما تضاعف إيران دعمها للنظام السوري بالأموال «الطائلة» وبالمتطوعين من حزب الله ومن بعض الميليشيات الطائفية العراقية، ومن «فيلق القدس» بقيادة قاسم سليماني الذي لم يغادر ساحات القتال منذ اندلاع الأحداث السورية المتلاحقة وحتى هذه اللحظة، وكل هذا بينما يواصل الإيرانيون تدخلهم في جنوب اليمن وفي مصر ويعلنون على لسان أحد كبار قادتهم العسكريين أن أمن الخليج أصبح في أيديهم.

في الاتجاه ذاته، يؤكد نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف: «ثبات الموقف الروسي المبدئي على ضرورة حل الأزمة السورية عبر الحوار ووفقا للمبادئ التي نص عليها بيان جنيف». والمعروف أن الروس عندما يتحدثون عن جنيف ومؤتمرها وبيانها، فإنهم يقصدون عدم المس بالرئيس السوري لا في المرحلة الانتقالية، التي لم يعد أحد يتحدث عنها حتى بمن في ذلك المبعوث الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي، الذي يلاحظ أنه غاب عن مسرح الأزمة السورية غيابا كاملا منذ خطاب بشار الأسد الأخير، ولا بعدها، بل والتمسك، حتى الموت، بأن من حقه - أي الرئيس السوري - أن يبقى حتى نهاية ولايته الرئاسية الحالية، وأن من حقه أيضا، إن هو أراد، أن يترشح في الانتخابات المقبلة لولاية جديدة مدتها سبعة أعوام.

وإلى جانب هذا، فإن اللافت أن الروس كانوا قد أعلنوا قبل أيام، على لسان رئيس هيئة الأركان فاليري غيرا سيموف، عن مناورات بحرية ضخمة في البحر المتوسط، تشارك فيها نحو عشرين سفينة وعدد من الغواصات، وكانوا قد أعلنوا أيضا عن إرسال طائرات ركاب إلى مطار بيروت كبداية جسر جوي لنقل رعاياهم الموجودين في سوريا، وهذا يشير إلى أن كل هذا يتم في إطار الترتيبات التي يشارك فيها الإيرانيون أيضا لشن هجوم كاسح شامل لإلحاق الهزيمة بالجيش السوري الحر، الذي يشكو من توقف الدعم عنه، وبالمعارضة السورية التي باتت تعاني سوء أحوالها، نظرا لتوقف المساعدات عنها ولأن الأمم المتحدة لم تخجل من إرسال 519 مليون دولار إلى «المتضررين» السوريين عبر الحكومة السورية، التي من المفترض أنها غير شرعية.

وكذلك وإلى جانب هذا كله، فإن الملاحظ أن جيش النظام السوري، الذي من المؤكد أنه تلقى في الفترة الأخيرة أسلحة روسية حديثة ومتطورة، من بينها صواريخ تكتيكية متوسطة المدى وفعالة ومن بينها أيضا جيل جديد من القنابل العنقودية المحرمة دوليا - قد لجأ، وللمرة الأولى، منذ بداية المواجهات الشاملة مع الجيش السوري الحر، إلى القيام بهجوم معاكس طال كل جبهات القتال وتركز بشكل خاص في دمشق العاصمة وضواحيها وفي الجبهة الجنوبية؛ أي درعا والمدن والبلدات الحورانية التابعة لها، وتحقيق بعض المكاسب العسكرية على الأرض، التي يجب اعتبارها مكاسب فعلية رغم محدوديتها وعدم تأثيرها الحاسم على نتائج هذه المواجهات المحتدمة.

ومقابل هذا، فإن ما يبعث على الاستغراب أن الدعم العربي والدولي، على قلته، للجيش السوري الحر تحديدا، قد توقف، وغير معروف لماذا، في اللحظة الحاسمة، وبينما بات سقوط العاصمة دمشق مسألة أيام معدودات فقط، وبينما كادت تنتهي معارك السيطرة على المطارات الحربية، وأيضا بينما بدأت عمليات الانتهاء من معركة حماه والتوجه إلى مدينة اللاذقية والساحل السوري لقطع أي إمدادات لنظام بشار الأسد عبر موانئ هذا الساحل على البحر الأبيض المتوسط.

وبناء على هذا كله، فإنه لا بد من القول، وبكل صراحة، إن هناك أمورا غير مفهومة قد استجدت على واقع الأزمة السورية بينما أصبحت ساعات الحسم النهائي ورحيل بشار الأسد وانهيار نظامه قريبة، إذ بالإضافة إلى موقف اللاموقف الذي بقيت تتخذه الولايات المتحدة، فإن الملاحظ أن هناك انكفاء وتراجعا في مواقف دول الاتحاد الأوروبي، وأن فرنسا، تحديدا، غدت تتعامل مع المعارضة السورية كأنها اتحاد طلابي يستكثر على نفسه ويستكثر عليه مضيفوه استقباله على أراضيهم وإسماعه كلاما جميلا لا يغني ولا يسمن من جوع، وقد اعتاده النظام السوري وبات - حتى عندما يسمعه مجددا ومرة أخرى - لا يرف له جفن.

لم يعد يعرف ما الذي تريده الولايات المتحدة وما الذي تنتظره دول الاتحاد الأوروبي ومعها تركيا، التي «زهق» الشعب السوري من تأكيداتها أن نهاية بشار الأسد باتت قريبة، ثم إن هناك استغرابا لتوقف الدعم العربي المفاجئ، وخاصة عن الجيش السوري الحر بينما هو يخوض معارك الانتصار الأخيرة... ما الذي يجري وراء ستارة خشبة مسرح الأزمة السورية.. هل هناك مستجدات ستكشفها الأيام القريبة المقبلة أم أن كل ما في الأمر أن بعض «الداعمين» لهم موالهم الخاص، وأنهم لتركيزهم على فئة محددة من المعارضة السورية قد اضطروا الداعمين الآخرين إلى وقفة مراجعة للحسابات كلها كي لا يختلط الحابل بالنابل وكي لا يجدوا سوريا وقد أصبحت تغرق في مذابح الاقتتال الطائفي وعلى غرار ما يحدث الآن في العراق وفي أفغانستان؟!

لكن وحتى وإن تم العثور على أجوبة شافية لكل هذه الأسئلة والتساؤلات، فإنه لا يمكن إلا أن تبقى الشكوك، والكثير من الشكوك تحوم حول موقف الولايات المتحدة، ومواقف إن ليس كل دول الاتحاد الأوروبي.. فبعضها على الأقل، فهل هناك لعبة تلعب في الخفاء.. وهل هناك مؤامرة يجري حبكها لغرز خنجر مسموم في ظهر الثورة السورية بينما هي باتت على مسافة قصيرة من الانتصار الذي دفع ثمنه الشعب السوري كل هذه الأعداد الهائلة من الشهداء ومن النازحين والمهجرين والمفقودين والجرحى وكل هذا الدمار المروع، الذي لم تسلم منه ولا مدينة سورية واحدة، من بينها بل في مقدمتها العاصمة دمشق..؟!

إن كل شيء جائز، وإلا لماذا يتوقف الدعم عن الجيش السوري الحر على هذا النحو وبشكل مفاجئ وبينما معارك الخلاص النهائي محتدمة وباتت تقف على أبواب القصر الجمهوري (قصر الشعب).. وإلا لماذا أيضا يزداد الموقف الأميركي ميوعة وتراجعا بينما تشن روسيا ومعها إيران هذا الهجوم الكاسح، الذي لا بد من النظر إليه على أنه هجوم اللحظات الأخيرة؟!.

وحقيقة، إن هناك من يقول إن هدف توقف الدعم، وعلى هذا النحو المفاجئ وفي اللحظات الحاسمة، عن الجيش السوري الحر، هو ممارسة المزيد من الضغط على هذا الجيش وعلى المعارضة عموما كي تتخلى عن رفضها وتقبل بالحلول المقترحة المستندة إلى مقررات مؤتمر جنيف، وفقا للقراءة الروسية التي تريد مرحلة انتقالية برعاية الرئيس السوري نفسه، بل وأكثر من هذا بأن يبقى بشار الأسد حتى نهاية ولايته الحالية وأن يترشح لولاية جديدة في الانتخابات، التي من المفترض أن تتم بعد فترة من انتهاء المرحلة الانتقالية.

إن هذا ما هو متداول ويجري الحديث عنه الآن، وهذا يعني أنه على العرب الذين يتحملون مسؤولية الدفاع عن الأمة العربية أن يدركوا أن هذا الحل آنف الذكر يعني الانتصار المؤكد لإيران، التي بات «هلالها» يطوق المنطقة كلها، فنظام بشار الأسد هو قاعدتها المتقدمة، وصمود هذا النظام يعني أن عمامة الولي الفقيه السوداء سوف تفرد فوق هذه المنطقة.. كلها ومن دون استثناء حتى ولا دولة واحدة!!

========================

الدب الروسي في الغرفة السورية!

طارق الحميد

الشرق الاوسط

24-1-2013

تخيل دبا داخل غرفة، وليس فيلا كما يقول المثل، بالتأكيد ستكون الصورة عبثية.. هذا هو الموقف الروسي في سوريا، ففي أسبوع واحد لاحظنا عدة تصريحات، ومواقف، من موسكو تجاه الأزمة السورية يناقض بعضها بعضا، فكيف يمكن فهم الموقف الروسي؟

الحقيقة أنه سؤال طرح كثيرا، لكنه لا يزال قائما، ويستحق المزيد من التحليلات، وتسليط الضوء عليه ما دام الروس يتناقضون، والأزمة في سوريا تزداد سوءا. بالأمس انتقد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف رفض المعارضة السورية التفاوض مع الأسد، كما انتقد ما وصفه بـ«هوس» المعارضة بضرورة رحيل الأسد. والحقيقة أن موقف المعارضة السورية ليس «هوسا»، وإنما أمر واجب خصوصا بعد مقتل قرابة 60 ألف سوري على يد قوات طاغية دمشق. وكما قال وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل فإن دمشق ذات التاريخ الطويل تتعرض لقصف شامل، وتساءل الفيصل عن كيفية تصور إمكانية التوصل إلى تسوية من خلال التفاوض مع أحد يفعل ذلك ببلده وبتاريخه وبشعبه، مضيفا «إنه أمر لا يمكن تصوره». كما سبق لوزير الخارجية الفرنسي القول بأن ما يحدث في سوريا مروع، وأن الأسد يجب أن يرحل بأسرع وقت، وبالتالي فهذا ليس «هوس» المعارضة، وإنما هو موقف السوريين والمجتمع الدولي، عربيا وغربيا.

ولذا، فعندما نقول إن الموقف الروسي هو بمثابة وجود دب في غرفة، فلسبب بسيط، وهو أن الروس يسهمون في استمرار الحالة المأساوية في سوريا. فكيف نفهم، مثلا، انتقاد لافروف للمعارضة السورية، ثم إقراره بأن روسيا قد قررت إجلاء موظفيها غير المهمين وعوائلهم من سفارتها في دمشق بسبب الأوضاع غير الملائمة هناك، هذا عدا عن إغلاق القنصلية الروسية في حلب؟ بل كيف نفهم الخبر الذي بثته قناة «روسيا اليوم» ظهيرة الثلاثاء بأن الخارجية الروسية تنوي الالتقاء بأطراف لم تلتقها من المعارضة السورية؟!.. علما بأن لدى الروس مشاكل واضحة مع الائتلاف السوري الذي سبق أن انتقده لافروف، وانتقد رئيسه معاذ الخطيب، واتهمه بنقص الخبرة السياسية.. ثم يخرج لنا لافروف منتقدا المعارضة مرة أخرى، في الوقت نفسه الذي يدعو فيه الرئيس الروسي لمؤتمر خاص باللاجئين السوريين!.. كل ذلك يقول لنا إننا أمام جملة تناقضات روسية، تشبه تخبط الدب الذي يحاول الخروج من غرفة صغيرة!

الحقيقة أنه لا توجد رؤية واضحة، أو معلومة دقيقة، حول الموقف الروسي، لكن الأمر الوحيد الذي قد يشي بالكثير هو إقرار لافروف نفسه في مؤتمره الصحافي الذي انتقد فيه تمسك المعارضة السورية بضرورة رحيل الأسد، بأنه ليس لدى بلاده معلومات أكيدة حول توقيت لقاء الرئيس الروسي بنظيره الأميركي، وما يهمنا هنا هو قول لافروف إن بلاده قد وجهت دعوة للرئيس أوباما لزيارة موسكو، وإن واشنطن لم ترد حتى الآن، مما يقول لنا إن الدب الروسي سيبقى متخبطا في الغرفة السورية ما دام الأميركيون لم يفتحوا له الباب، علما بأن السؤال للروس الآن هو: هل ترون أنه قد تبقى باب من الأساس؟

=======================

هل بدأ المشروع الإيراني بالانحسار..!؟

2013-01-22

د. محمد عياش الكبيسي

يستند المشروع الإيراني إلى مجموعة من المقولات المركبة والمعقدة، حيث يمتزج التعصب الديني الطائفي بالنزعة القومية العنصرية، كما تمتزج الرغبة بنشر التشيع الصفوي وهو ما أطلقوا عليه «تصدير الثورة» بالرغبة الثأرية الانتقامية من كل الأعداء التاريخيين من أحفاد الراشدين والأمويين والعباسيين والعثمانيين، إلى الوهابيين والبعثيين والصداميين!!

 

وحينما يعبر الإيرانيون عن كل هذه المقولات في مواقفهم السياسية وخطاباتهم التعبوية فإنهم يقعون في حالة من التناقض تستعصي على الفهم حتى من حلفائهم وأصدقائهم، فهم مثلا يكفرون البعثيين العراقيين إلى حد «الاجتثاث» لكنهم يتحالفون مع البعثيين السوريين إلى حد التبني، كما أنهم يدعمون المقاومة الفلسطينية و «اللبنانية» في مواجهة المشروع الصهيوني الأميركي بيد أنهم في العراق يدعمون المشروع الصهيوني-الأميركي في مواجهة المقاومة العراقية!!

 

في الانفتاح على كل الديانات الأخرى يستندون إلى مقولة «إن لم يكن أخا لك في الدين فنظير لك في الخلق» وفي استئصال السنة ومحاربة العرب يستندون إلى مقولة «يا لثارات الحسين».

 

نظريتهم في الحكم تستند إلى مقولة «الإمام المعصوم» فالإمامة منصب إلهي كالنبوة، وعليه فإن خلافة أبي بكر وعمر كانت باطلة وغير شرعية؛ لأنها كانت بالشورى وليست بالنص، وأن النص قد حصر الإمامة في الأئمة الاثني عشر المعصومين، لكنهم اليوم يمنحون الشرعية الكاملة لأحمدي نجاد في إيران والمالكي في العراق وبشار في سوريا!!

 

لقد اتضح أن هذه المقولات لا تمثل قيما دينية حقيقية بقدر ما تمثل مرتكزات سياسية وأدوات تضمن لهم التحكم في عواطف الجماهير ودفعها باتجاه الأهداف المرسومة وفق فلسفة أخرى لم يحن الوقت بعد لطرحها والتبشير بها.

 

مع كل هذا التعقيد والضبابية أو الباطنية فإن المشروع الإيراني حقق قدرا كبيرا من التقدم وقد لا يكون هذا بإمكانياته الذاتية المجردة بل بمجموعة من الفرص التي أتيحت له ولم تتح لغيره ومنها:

أولا: تبني المقاومة الفلسطينية في وقت تخلي العرب عنها، وكان هذا وفق سياسة مدروسة، فلم يجد الفلسطينيون من يستضيف مكاتبهم السياسية إلا بشار في سوريا وحسن نصر الله في لبنان!!

 

وكانت هذه خطيئة عربية كبيرة زادت من حنق الشارع العربي على حكوماته وبالمقدار نفسه زاد من تقبله للمشروع الإيراني.

 

ثانيا: تحالف الإيرانيين مع المشروع الصهيوني-الأميركي في العراق، الذي كان يهدف إلى تدمير الدولة العراقية بكل مؤسساتها، ومن ثم عزل العراق كليا عن عمقه العربي، ساعد في هذا قدرة الإيرانيين على التحكم بالطائفة الشيعية في العراق من خلال المرجعيات الدينية والسياسية، وقدرتهم على التنسيق مع الكرد بدافع العداء المشترك لصدام.

 

ولا شك أن الجمع بين الفرصتين الأولى والثانية بكل تفاصيلهما وتعقيداتهما يمثل قدرة فائقة على بناء النظريات المركبة، وربما يمثل في المقابل عجزا عربيا في فهم مثل هذه النظريات وتحليلها، حتى اختصر أحد المثقفين العرب المشهورين كل المشكلة بجملة واحدة (لقد أخطأت إيران في العراق، وأصابت في فلسطين) هذه الطريقة البدائية في التحليل ربما كانت فرصة أخرى لتمدد المشروع الإيراني.

 

اليوم تغيرت الصورة وبشكل سريع وغير متوقع، وبات المشروع الإيراني يفقد الكثير من مكتسباته، ولا شك أن الثورة السورية هي التي رسمت النقطة المفصلية لتحول الخط البياني لهذا المشروع من الصعود إلى النزول، ومن التمدد إلى الانكفاء.

 

لقد كان بإمكان القيادة الإيرانية أن تحقق كل ما يجول في ذهنها من طموحات وأهداف، وبكلفة أقل بكثير مما بذلته لحد الآن، فقد كان يكفيها أن تستخدم الموارد الضخمة والمتنوعة للدولة التي لا تقاس بها موارد أية دولة أخرى في المنطقة لبناء نموذج مقنع يلبي احتياجات المواطن الإيراني أولا ثم يدعو الدول المحيطة والقريبة لصناعة نوع من الاستقرار الأمني والسياسي يسهم في تحويل المنطقة إلى صورة أفضل بكثير من الصورة المأساوية والمخجلة التي تعيشها اليوم.

 

إن الموارد الطبيعية الإيرانية أكبر بكثير من الموارد الطبيعية لتركيا، لكن إيران سخرت جل مواردها في مشروعها التوسعي «تصدير الثورة»، وراحت تغدق ثروات الشعب الإيراني على أدواتها التوسعية كحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن والمليشيات الطائفية في العراق وبعض الحركات القلقة والمضطربة في الخليج والشمال الإفريقي، وكل هذا التبذير للموارد الإيرانية لم يجن منه الإيرانيون سوى الكم الهائل من العداوات حتى بات الإيرانيون يشعرون وكأنهم يصنعون من حولهم وبأموالهم بحرا لا حدود له من الكراهية، حتى باتت إيران تنافس إسرائيل في عزلتها السياسية والثقافية، بل إن الكثير من العراقيين والسوريين واللبنانيين وربما كل الجزيرة والخليج العربي يشعرون بالخوف والقلق من إيران أكثر بكثير من إسرائيل.

 

هذه الكراهية اشترتها القيادة الإيرانية بثمن باهظ مما كان له انعكاسه على المستوى المعيشي والخدمي للمواطن الإيراني، حتى أصبح الإيرانيون يخرجون للبحث عن العمل في الدول المجاورة وبأبخس الأجور، وقد كانوا ينتظرون من «الدولة الإسلامية» السائرة على خط «الأئمة المعصومين»أن تحقق لهم قدرا من الكرامة الآدمية والحلول المناسبة للمعاناة اليومية، وقد كنت أقول لبعض الكفاءات الشيعية وهم يقدمون أوراق العمل أو اللجوء لأوروبا أو أميركيا: ماذا يعني أنكم تفضلون هذه الدول «الكافرة» على «جمهورية إيران الإسلامية»؟ وكم تحتاج التجربة الثورية من الوقت لتنفيذ وعودها وقد مضى عليها أكثر من ثلاثين سنة؟! ثم كم سيحتاج حزب الدعوة من الوقت لبناء العراق الجديد وهو يحاول أن يستنسخ التجربة الإيرانية؟

 

على النقيض من هذه التجربة كانت التجربة التركية، حيث ركزت حكومة العدالة والتنمية على تطوير البنى التحتية للدولة وتوفير كل مستلزمات التنمية الذاتية، حتى حققت قفزاتها التي أذهلت جميع المراقبين والمحللين، وقد عايشت جانبا من الانتخابات الأخيرة فوجدت الفئات المختلفة للشعب التركي تتفق على دعم العدالة والتنمية حتى من قبل بعض العلمانيين وهم الخصوم التقليديون للعدالة والتنمية.

 

على الصعيد الخارجي لم تدفع تركيا فاتورة تذكر في مقابل صناعة المقبولية لسياساتها وعلاقاتها المتشعبة، واكتفت بصناعة النموذج الذي صار أداة للجذب وعنوانا للتأسي والاقتداء، كما نجحت الدبلوماسية التركية في إيجاد حالة من التوازن بين علاقاتها الأوروبية والغربية وكونها جزءا من الحلف الأطلسي وبين علاقاتها المشرقية مع العالم العربي والإسلامي.

 

إن إيران كانت تعتمد على الرشاوى السياسية الباهظة من أجل تحسين صورتها، ولكن سرعان ما انقلبت تلك الرشاوى إلى عبء أخلاقي وسياسي ثقيل، أما تركيا فقد رأت أن تحسين صورتها إقليميا وعالميا إنما يكون بقدرتها على صناعة النموذج الناجح لدولة العدالة والتنمية، وقد كان الفارق بين السياستين أشبه بالفارق بين من يعمل بإخلاص وبين من يعمل سمعة ورياء، وإذا كان الإسلام يعلمنا «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» وأن الرياء محبط للعمل، فلا شك أن خطورة الرياء في إحباط العمل على مستوى الدولة سيكون أكبر بكثير من إحباط العمل على مستوى الأفراد.

 

إن القيادة الإيرانية مدعوة اليوم لتقديم كشف حساب لشعبها عن كل تلك الميزانيات الضخمة التي أنفقتها خلال أكثر من ثلاثين سنة على مغامرات خارجية غير محسوبة وغير مدروسة، وكان ذلك كله من قوت الفقراء والمحرومين.

 

ليس ذلك فقط، بل هناك فاتورة أخرى تتحملها الطائفة الشيعية أينما كانت وهي فاتورة أخلاقية، حيث وقف الممثل الأعلى للطائفة وهو الولي الفقيه ليدعم كل جرائم الأسد في سوريا والمالكي في العراق، ويمنحها الغطاء الشرعي، وهي جرائم تنتهك كل القيم الدينية والإنسانية، فلمصلحة من تربط الطائفة الشيعية مصيرها وسمعتها بمصير بشار والمالكي وسمعتهما؟

 

إن الشيعة كطائفة، وإيران كدولة وشعب وتاريخ، هم أولى بصناعة الربيع الذي يخلصهم من هذه الأعباء الثقيلة سياسيا واقتصاديا وأخلاقيا.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ