ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 27/01/2013


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

26-01-2013

أوباما وسوريّة

حازم صاغيّة

السبت ٢٦ يناير ٢٠١٣

الحياة

في الخطاب المرصّع بعبارات بليغة تكاد تكون فلسفيّة، قال باراك أوباما إنّ الولايات المتّحدة مهمومة، أوّلاً بأوّل، بداخلها.

وهذا الخطاب الذي تُدشّن به الولاية الأوباميّة الثانية يعيد التذكير بإحدى الحقائق البارزة في الحياة السياسيّة الأميركيّة، وهي أنّ الديموقراطيّين، في الغالب، أكثر انعزاليّة وأقلّ تدخّليّة من منافسيهم الجمهوريّين. فحتّى إيران و»ملفّها النوويّ» يبدو أنّ الإدارة القديمة – الجديدة ستعالجهما بالاحتواء لا بالمواجهة، ولا تكفي شهادة جون كيري لإقناعنا بغير ذلك. وهذا، ما دام الكلام على إيران، يحمل على تذكّر إدارة ديموقراطيّة أخرى كان على رأسها جيمي كارتر: يومذاك، وبحسب نقّاده الكثيرين، كان لتركيز كارتر على «حقوق الإنسان» أن ساهم في إسقاط أحد أبرز حلفاء واشنطن، وهو شاه إيران.

لقد كان التحليل المرتكز على حسبة جغرافيّة سياسيّة باردة يقول إنّ كارتر قد يفعل كلّ شيء إلاّ ترك الشاه يتهاوى، هو المقيم جنوب الاتّحاد السوفياتيّ في مناخ من احتدام الحرب الباردة. وكان أصحاب هذا الرأي يحتكمون إلى تجربة الأميركيّين مع محمّد مصدّق في 1953 حيث بلغ تدخّلهم، في ظلّ إدارة أيزنهاور الجمهوريّة، حدّ الإعداد لانقلاب عسكريّ نفّذه الجنرال زاهدي، بعدما رفضت إدارة ترومان الديموقراطيّة فكرة انقلاب كهذا.

والآن يقول التحليل الجغرافيّ السياسيّ البارد إنّ أوباما لا بدّ أن يتدخّل في سوريّة، إن لم يكن لحسابات إنسانيّة فمن أجل إسقاط الجسر الإيرانيّ مع المشرق العربيّ. هكذا ستكون إطاحة بشّار الأسد خدمة كبرى تُسدى إلى واشنطن التي لا يمكن إلاّ أن تساعد وتردّ مسبقاً بخدمة مماثلة.

لكنْ لا.

في المقابل، فإنّ أوباما ذو همّة لا تفتر في ما خصّ مطاردة «القاعدة» وإرهابها (أو انتشار السلاح الكيماويّ). وهذا، في العرف الأميركيّ، وبعد تجربة 11 أيلول (سبتمبر) وما تبعها في لندن ومدريد وسواهما، شأن داخليّ، لا خارجيّ. صحيح أنّ مكافحة الإرهاب، في نظر الرئيس الحاليّ، ينبغي ألاّ تقود إلى حروب كالتي انساق إليها سلفه جورج دبليو بوش، إلاّ أنّها ينبغي أن تُستأنف بالإصرار نفسه ولو بأدوات أخرى كالقواعد البعيدة والحلفاء المحليّين والطائرات من دون طيّارين.

ما يُستنتج من أيّة مقارنة بين الموقف من إيران وسوريّة والموقف من «القاعدة» هو أنّ الخارجيّ ينبغي أن يصبح داخليّاً من أجل أن تتدخّل الولايات المتّحدة، أو أنّ هذه المعادلة هي، على الأقلّ، الحكمة الأوباميّة التي سيُعمل بها في السنوات الأربع المقبلة. وبطبيعة الحال فإنّ العمل بموجبها في ولاية ثانية لن يترشّح بعدها الرئيس سيكون أسهل وأقلّ تعرّضاً للابتزاز.

وهذه معادلة حتّى لو وضعنا جانباً ضعفها الإنسانيّ وقلّة اكتراثها بمصائر السوريّين، تبقى قصيرة النظر، خصوصاً حين تعتنقها الولايات المتّحدة التي هي أكثر دول العالم تداخلاً بين ما هو داخليّ وما هو خارجيّ. لكنّ إذا طبّقنا المعادلة إيّاها على سوريّة بتنا أمام حصيلة كارثيّة تستدعي تأمّل قوى الثورة وتمعّنها. ذاك أنّ أكثر أوجه قوى الثورة السوريّة قابليّة لأن تُعدّ خارجيّة هو وجهها المتعلّق بـ»جبهة النصرة» وشقيقاتها لأنّها، أميركيّاً، تندرج في الإرهاب. وهذا، كما نعلم، دأب النظام والصورة التي يعمل على تصديرها إلى العالم.

فإذا تمادينا مع هذا المنطق وجدنا أنّ أفضل ما قد تصل إليه واشنطن هو الجمع بين تأييد معنويّ وسياسيّ للثورة السوريّة لا يكلّف الكثير وبين إجراءات عمليّة ضدّ «جبهة النصرة» وشقيقاتها.

وأغلب الظنّ أنّ صورة قاتمة كهذه تحضّ على ضرورة الإبداع السياسيّ الذي لا تبدو أدواته متوافرة كثيراً، سيّما في ظلّ القناعة التي باتت مكرّسة بأنّ الثورة لن تستطيع بذاتها إسقاط نظام مجرم يحظى إجرامه بدعم روسيّ وإيرانيّ كثيف.

فليس مقبولاً أن «تنجح» منظّمة كـ»جبهة النصرة» في أن تصبح همّاً أميركيّاً، وأن لا تنجح الثورة السوريّة في ذلك. هنا في الأمر خطأ ما لا يسعف التبرير في علاجه.

========================

هذه ليست حرباً ضد عصابات بل حرب انتقام من الشعب

سلامة كيلة *

السبت ٢٦ يناير ٢٠١٣

الحياة

كــانت السلــطة تبرر استخدامها السلاح منذ بداية الثورة بوجود «عصابات إرهابية» أو مجــموعات سلـــفية، لكن تبيّن بعد عام وأشهر أن الأشهر الستة الأولى من الثورة لم تشهد وجـــود مسلحين كما اعترف بشار الأسد، وأيضاً فاروق الشرع. بمعنى أن الخطاب الذي تعـــممه كان كاذباً، وهو الأمر الـــذي يفـــرض التشكيك في كل الخـــطاب الذي استخدمته منذ البداية، وطــبعاً إلى الآن.

إذاً، استخدام السلاح كان قراراً سلطوياً بالأساس، وكان كل الخطاب الإعلامي تغطية على ذلك. وهو ما يعني بأن كل التطورات التالية كانت نتاج هذا الأمر. لكن سنلحظ بأن السلطة طوّرت استخدامها السلاح، من استخدام الأسلحة الخفيفة والاعتماد أكثر على عنـــاصر الأمن والشبيحة إلى استخدام الجيش في شـــكل أساسي بعد أن وجدت هؤلاء عاجزين عن وقــف تــــوسع الثورة. ظهر ذلك واضحاً بعد الـــتظاهرة الكبيرة في حماة، حيث قررت السلطة زج الجيش في الصراع بشكل حاسم، والذي على ضوئه استقال وزير الدفاع علي حبيب (وقيل إنه قتل). بالتالي كانت هذه الخطورة سابقة لتسلح الثورة (نهاية تموز/يوليو 2011). فأصبح تكتيكها يتمثل في اقتحام المدن والقرى بقوة الجيش، وتركها لسيطرة الأمن والشبيحة.

وبعد ان جرى استخدام السلاح من قبل الشعب (بعد أيلول/ستمبر 2011، وخصوصاً بعد تشرين الأول/أكتوبر) كرد على العنف السلطوي، أخذ الصراع يتجه نحو التصعيد العسكري، إلى أن أصبح الجيش (خصوصاً هنا الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري) أداة المواجهة. لكن ظل الأمر يتعلق بالسيطرة على المدن والأرياف من أجل «ضبط الأمن». وظل التركيز على قتل المتظاهرين هو السياسة التي تقوم بها من أجل إنهاء الاحتجاج الشعبي.

الأمور تصاعدت بعد أن توسعت الثورة، وأصبح عديد المناطق خارج سيطرة السلطة. وهنا كان الهجوم على بابا عمرو هو مفصل التحوّل، حيث ظهر أن السلطة لم تعد معنية بالقتل فقط بل أصبحت معنية بالتدمير كذلك. وكان ذلك يفسّر بأنه نتاج سيطرة المسلحين على هذه المناطق، التي كان بالفعل هناك سيطرة عليها من قبل المسلحين. لكن كان يبدو واضحاً بأن السلطة لم تعد تواجه المتظاهرين فقط، بل باتت غير معنية بالتدمير الذي يتحقق، وربما أصبحت تعتبر أن التدمير يمكن أن يكون رادعاً كافياً لوقف توسع الثورة وتصاعدها. وفي كل الأحوال كانت تواجه مناطق سيطر عليها مسلحون وخرجت عن سيطرتها. أي كان ما يجري هو تدمير ناتج من «الحرب»، بغض النظر عن أن كل العنف الذي مورس منذ البداية ليس مبرراً ولا يمكن تبريره أصلاً. ما نشير إليه هنا هو «المنطق العسكري» الذي يقود إلى ضرورة ممارسة أو عدم ضرورتها.

هذا الأمر اختلف بعدئذ، حيث بدأ يظهر أن السلطة انتقلت إلى استخدام الطائرات والصواريخ والقصف المدفعي. وإذا كان ذلك يعبّر عن عجز في السيطرة على الأرض، وتقلّص المقدرة العسكرية في ما يتعلق بالقوات البرية، سواء نتيجة توسع مقدرة الثورة أو نتيجة انتشار الشعور بالانشقاق لدى قطاعات الجيش الأمر الذي فرض «تحييدها» (عبر وضعها في المعسكرات من دون إجازات أو تواصل). إذا كان الوضع قد آل إلى ذلك فإن طريقة استخدام الطائرات والصواريخ والقصف المدفعي لم تعد تشير إلى أن ما يجري هو مواجهة مع «مجموعات مسلحة». فتدمير أحياء كاملة لأن فيها مسلحين يُظهر بأن الأمر أوسع من هزيمة هؤلاء أو قتلهم، حيث يمكن من المنظور العسكري اتباع سياسات عسكرية لا تؤدي إلى كل هذا الدمار. خصوصاً أن السلاح الذي يمتلكه هؤلاء ليس متطوراً أو ثقيلاً، بل هو سلاح خفيف بكل المقاييس (ومع كمية ذخيرة محدودة). بمعنى أن «قوة النيران» المستخدمة أكبر بكثير من قدرات المسلحين على الأرض. وكل منظور عسكري سيشير إلى هذا الأمر بوضوح.

ربما يكون السبب تقليص الخسائر لدى «العدو»، وهذا أمر يقوم به الاحتلال عادة، الذي يتقصد أيضاً التدمير الأكبر والقتل الأكثر. وبالتالي نحن إزاء تقلص مقدرة السلطة من حيث عديد الوحدات العسكرية التي تستخدمها.

لهذا أشرت إلى أن معظم وحدات الجيش باتت «خارج الصراع» نتيجة أنها باتت مجال شك بـ «ولائها» وميل الكثير من عناصرها إلى الانشقاق. وبالتالي يتوضّح أن السلطة باتت ضعيفة، و «تترنح»، وأنها لم تعد قادرة على الحسم العسكري. وهذا ما اشار إليه فاروق الشرع في مقابلته الأخيرة مع جريدة «الأخبار»، ولامسه بشار الأسد في خطابه الأخير.

من هذا المنظور يمكن أن نصل إلى أن ما يجري ليس سياسة تهدف إلى هزيمة «العدو»، لأن الشك في الانتصار هو الذي يهيمن على بنى السلطة، وربما هناك الكثير من أفرادها بات مقتنعاً بأن الأمر تجاوز ذلك، وأنه يتعلق بالخسارة والفشل، وبالتالي انتظار السقوط. أظن أن هذا الأمر هو الذي يقبع في أساس «الإستراتيجية العسكرية» التي تتبعها السلطة، والذي يعني أن الممسكين بالسلطة، والذين يشعرون بأن نهايتهم باتت قريبة، باتوا يمارسون سياسة انتقام وليس سياسة انتصار. وهي السياسة التي تقوم على ممارسة المجازر الوحشية بكل معنى الكلمة، والتدمير الشامل، والقتل الممنهج. وهنا لم يعد الأمر يتعلق بمؤيدين ومعارضين، أو شعب وعصابات مسلحة، بل بات يتعلق بأن الشعب ككل يجب أن يذوق الانتقام ما دام تمرّد على «الإله» الحاكم. هذا «الإله» الذي أصبح فوق سورية وفوق كل الشعب. ولا شك أن الكثير من الشعارات التي تطرح من قبل الشبيحة أو تكتب هنا أو هناك يوضح هذه العقلية التي تتحكم في سلطة مافياوية بالأساس.

الجرائم التي تظهر تشير إلى هذه العقلية، حيث تغيب الإنسانية، ويظهر وكأن الذين يقومون بذلك «مهلوسون»، مثل ما ظهر في ليبيا، وقبلها في لبنان خلال الحرب الأهلية. هناك وحشية تمارس لا تعبّر عن سعي لانتصار بل تشير إلى ميل لانتقام. فلماذا يرفض الروس تحويل ملف السلطة إلى محكمة الجنايات الدولية؟ فهم سيكونون مشاركين بالضرورة. الأمر هنا هو أكبر من سياسي.

========================

الثورة السورية في خطر...

ماجد كيالي *

السبت ٢٦ يناير ٢٠١٣

الحياة

إذا كان ثمة مئة سبب للثورة في مصر وتونس واليمن فثمة ألف سبب للثورة في سورية، فهذه هي الأكثر مشروعية (مع الثورة الليبية) بين ثورات «الربيع العربي».

لكن الثورة السورية المجيدة هذه باتت اليوم في خطر، وفق تصريحات عديد من قادة «الائتلاف الوطني» و «الجيش الحر» الذين أكدوا ذلك بدلالة ضآلة الدعم المادي، والإغاثي، ووقف إمدادات التسلح، وبعجز المجتمع الدولي عن التدخّل لوضع حدّ للآلة الحربية، التي تعيث قتلاً وتدميراً في السوريين وممتلكاتهم وعمرانهم.

ليس القصد التخفيف من أهمية هذه المخاطر، لكن ثمة ما يبعث على الاعتقاد، أيضاً، بأن الثورة السورية دخلت دائرة الخطر، نتيجة عوامل أخرى، ربما تكون أكثر أهمية وخطورة من التي ذكرناها. وقد يأتي في مقدمة هذه المخاطر، أنها، وبعد ما يقارب عامين على اندلاعها، لم تستطع أن تجذب مجمل مكونات المجتمع السوري إلى فعالياتها، ولو الشعبية والسلمية المناهضة للنظام، من التي ما زالت تعتبر نفسها، عن وعي معين (ولو عن غير حق)، على الحياد، رغم كل القتل والتدمير الجاري.

ربما كان من السهل تحميل تلك الجماعات مسؤولية ذلك الموقف، وقد يستمرئ كثيرون توصيف ذلك بتعبيرات هوياتية، طائفية أو مذهبية أو اثنية، لكن هذا وذاك لا يحلان شيئاً، فضلاً عن أن لا جدوى منهما. والواقع أن القوى الفاعلة في الثورة تتحمّل قسطاً من المسؤولة، بتلوّن خطاباتها، وتخبّط أشكال عملها، وضمن ذلك، مثلاً، تسمية أيام الجمع، والكتائب العسكرية، وبياناتها المتعلقة باحتكار التقرير بماهية مستقبل سورية، مع رفع بعضها للرايات السود، بدلاً من علم الثورة السورية، وهذه كلها شوّشت على هوية هذه الثورة، كثورة وطنية، وعلى مقاصدها، بشأن اعتبار سورية وطناً لكل السوريين.

هذه الحال لم تسهّل عملية الاستقطاب لمصلحة الثورة، علماً أن هذا الأمر لا يتعلق بجماعات طائفية أو مذهبية أو اثنية بذاتها، إذ أنه يشمل، أيضاً، قطاعات لا بأس بها من المجتمع الاسلامي «السني»، المديني، الذي لم ينخرط في الثورة الى الدرجة المناسبة، لا سيما في مدينتي دمشق وحلب، وهذا ينطبق على احياء كاملة في قلب هاتين المدينتين، بدليل أن قطاعات الدولة ذاتها ما زالت تشتغل.

واضح أن الثورة معنية ببذل الكثير من أجل استقطاب مجمل الجماعات السورية إلى معمعانها، لا العمل على عكس ذلك، كمثل تركيز الحديث على انشاء دولة دينية، أو مذهبية، ما يثير مخاوف الجماعات الأخرى، ويوحي بإقصائها من نطاق الشعب السوري، فضلاً عن أنه يثير القلق لدى أهل الجماعة «السنية» نفسها، التي اعتادت على الوسطية والاعتدال، والتي لم يترسّخ في وعيها أنها تشكّل جماعة طائفية أو مذهبية، مستقلة في ذاتها. وتكمن معضلة الثورة السورية، أيضاً، في غياب القيادة عنها، وفي أن القوى المحركة لها لا تعمل في إطار من التوافق والترابط والتكامل. فالائتلاف الوطني، مثلاً، كقيادة سياسية، ما زال لم يتمكن من العمل على هذا النحو، لا إزاء الحراك الشعبي (التنسيقيات والهيئات واللجان المحلية)، ولا ازاء الجماعات التي يتشكّل منها «الجيش الحر». بدوره فإن «الجيش الحر» لا يعمل كجيش، لافتقاده الهيكلية وهيئة الاركان، ولخضوعه لمرجعيات متعددة، تبعاً للأطراف المشكلة له، أو للأطراف التي تدعمه من الناحيتين المادية والتسليحية. أما الحراك الشعبي، وهو القوة التي اطلقت الثورة السورية، ومنحتها شرعيتها، فبات في وضع صعب جداً، لا سيما بعد أن بات يفتقد كادراته، التي تمت تصفيتها إما بالقتل، أو بالاعتقال، أو بالاختفاء، أو بالخروج من البلد.

طبعاً، لا بد من تفهّم الصعوبات والتعقيدات التي تواجهها هذه الثورة المستحيلة، لكن ثمة مسؤولية تقع على عاتق القيادات السياسية والعسكرية والشعبية، التي لم تستطع بعد عامين الارتقاء بالصيغ التنظيمية لعملها، بسبب بعض الحساسيات الشخصية، وبعض الحسابات السياسية الضيقة. فالائتلاف الوطني ما زال لم يحسم فكرة الارتقاء بوضعه الى صيغة الحكومة الانتقالية الموقتة، رغم أن الواقع بات يفرض ذلك لمركزة عمل القيادة السياسية للثورة، وتوضيح كيانيتها، مع وجود مناطق محررة، وتحسّباً لأي فراغ سياسي قد يحصل في الفترة القادمة. والغريب رهن ذلك، أي حاجة السوريين وثورتهم الى هذا الانتقال، لاستجابة الخارج لشرطين، هما الاعتراف والدعم المالي، بدلاً من أخذ زمام المبادرة في تشكيل هكذا حكومة، وفرضها على الأرض، وجلب الاعتراف والدعم لها في ما بعد، كونها حاجة سورية أولاً، وأخيراً، قبل ان تكون مطلباً دولياً.

ليس الأمر أفضل حالاً على الصعيد العسكري، فثمة اليوم قوى تعتبر نفسها خارج اطار «الجيش الحر». وهذا لا ينطبق فقط على التشكيلات العسكرية التابعة لـ «جبهة النصرة» وأخواتها، وإنما بات يشمل تشكيلات كل من «الجبهة الاسلامية السورية»، وجبهة تحرير سورية الإسلامية. واللافت أن دور «الجيش الحر» يتضاءل فيما تصعد هذه التشكيلات والجبهات التي تعتبر نفسها مستقلة عنه وعن الائتلاف، ناهيك عن خطاباتها التي تدّعي احتكار التقرير بمستقبل سورية، من مدخل القوة العسكرية!

لا تنبع المشكلة من هذه الوضعية فقط، فثمة أيضاً مزاجية في عمل بعض التشكيلات العسكرية، وفي غياب خطة موحدة، وفي التبعات المكلفة التي تنجم عن عمل بعضها في المناطق التي توجد فيها. وهذا يفتح النقاش بشأن الاستراتيجية العسكرية المعتمدة، وضمنه جدوى ما يسمى «تحرير» بعض المناطق، التي تعتبر أصلاً بمثابة بيئات محررة، او حاضنة للثورة، حيث ان هذا «التحرير» يحيلها إلى مناطق منكوبة، وخالية من السكان، الأمر الذي سهّل الأمر على النظام أكثر مما على الثورة، في عديد الحالات. ويأتي في هذا الإطار عدم مراعاة الحساسيات والحسابات في بعض البيئات المحلية كمثل الدخول في معركة في رأس العين (سري لانكة)، أو السيطرة على مخيم اليرموك من دون دراسة لعواقب ذلك، ومن دون الإرتباط بخطّة عامة، أو اعتماد تفجير السيارات وسط مناطق مدنيّة، أو السكوت عن بعض التجاوزات المسلكية والأخلاقية، كما يأتي ضمن ذلك عدم نجدة الكتائب لبعضها، كما حصل في دير بعلبة، وربما في اماكن اخرى. الثورة السورية في خطر، ولكنها محكومة بالانتصار، لذا فهي مطالبة بتوضيح ذاتها، ماذا تريد؟ وما تعريفها للسوريين؟ وما رؤيتها للمستقبل؟ هذا ضروري من أجل ترتيب الثورة لأحوالها، ومن توضيح ذاتها لكل السوريين، وبعده من أجل توضيح ذاتها للخارج. وبالتأكيد فإن السوريين بشجاعتهم وتضحياتهم وتصميمهم يستحقون كل ذلك.

========================

في ضرورة كسر المحرّمات

نسيم ضاهر *

السبت ٢٦ يناير ٢٠١٣

الحياة

أطاحَ الحراك الشعبي فصيلاً من الأنظمة الجمهورية في الفضاء العربي، فيما تكابد سورية للخلاص من صيغتها الأسدية الموقوفة منذ نيِّف وأربعين سنة على أسرة وحواشيها المذهبية والنفعية. وقد بانَ أن عملية الانتقال من الاستبداد إلى الديموقراطية ليست بتلك الصورة الوردية التي حلم بها جيل التواصل الاجتماعي في سعيه نحو انتزاع الكرامة والحريّة، التواق إلى محصلة فورية (بالمعنى التاريخي) تقطع مع الموروث الحجري المعوِّق، وتؤَهِّل لمحاكاة القرن الحادي والعشرين بلغته وجدليّته وما تيسَّر من مفاهيمه وعناوين مشاغله.

إنّ ثمَّة قتامة يتعين الإقرار بها صراحة وعلى الملأ، بموجب النزاهة الفكرية. العيوب مشهودة، تنفي الطابع المدني، إلى التغليف المذهبي وإقحام الأحكام الشرعية في الشأن السياسي وكل مسألة تخصّ الدائرة الاجتماعية. وحيث يجتمع الأصولي السلفي والإحيائي الإقصائي لكل حداثي، تُخصّب التربة، لزراعة استبداد من نمط جديد، ذي قماشة دينية وخياطة خلاصية زائفة، تقوم بحراستها الهراوات. وخلال هذه الدورة، يصعب توقّع المسرّات لأن المحمول لن يأتي خلافاً لمراد الحامل وما مستطاعه إلّا الدعوي علاجاً، والهوية المهددة شعاراً، واللاءات للمعاصرة سبيلاً إلى إنفاذ غاياته وبناء عالمه المختلف عن الآخر محورهُ الغيبيات والطقوس.

مهما احتفلنا بالسجالات الدائرة في تونس ومصر، وحتى ليبيا، بين التيارين المدني والديني، على مختلف تلاوين «الأخونة» كما «الأسلفة» فهي خارجة في معظمها من رحم جماعة «الإخوان المسلمين» عينها.

ذاك أن الذي أفرزته الانتفاضة فاقَ المُتوقع من حيث الحجم وحصاد المناصب، على غير ما أراده مطلقو الشرارة الذين بادروا إلى تحدِّي الجمود ومقارعة السلطة في الميدان الشعبي، بينما تخلّفت المعارضة التقليدية عن مسيرتهم لتقتنص لاحقاً حصة الأسد. ولا يعوز المرء كبير عناء كي يتبين بُعد النتيجة المحققة لغايته. بل إن الكثير من التابوهات (المحرّمات) آخذٌ معظم محاصرة الحياة المجتمعية، من الإطار الدستوري إلى السلوكيات، مهدِّداً التجديد والابتكار، وعاملاً على خنق الحريات الخاصة والإبداع. وإذا استمرّ غلوّه مندفعاً بوتائره ومحدّداته، يحرم بلداناً بأكملها نعمة التمتع بحواصل ومكتسبات حضارية صنعها دعاة التحديث عبر عقود وعلى مدى أجيال، ويطبق على التآخي وعلى الأمل بمغادرة التخلف والعوز والإهمال.

مأزق تلو الآخر يلوح في المدى المرئي لما بدأ بعهد الثورات وعلاماتها، ويكاد، عقب عامين أو أقل، يُشوِّه ملامح وليدها، ويطعن جوهرها، مُبدِّداً الإيجابيات. هذا مآل يطرح السؤال عن أمر عقدي لا مفرّ من تناوله، عائدٍ إلى جنوح يتوسل الدافع الديني عباءةً ورافعة لا تمس، في حقل السياسة وإدارة المجتمع. الأدهى، تلك السطوة المعنوية لفريق الإسلام الحركي، كأنما قعوده في حضن الأمة يمنع عنه النقد الجذري، ويمنحه امتياز (وشهادة) الدفاع عن الدين، بأسلوبه وطرائقه، على أساس صدق النوايا والمشروعية. ويذهب معمّمون وفقهاء إلى تأييد سعيه ومؤازرته من على المنابر، لأنه لا يخرج عن صحيح الدعوي، ويعبّر عن موقف ملتزم بالأصول، وبإخلاص. في المقابل، يُعْزَى إلى كل نقد من طرف عقلاني، أو موقع مدني، غربته وضآلة معرفته بالحاضنة الاجتماعية، بلوغاً لوصمة بالتشريك والردّة، وإدانة أقواله بذريعة تعرّضها للمقدّسات. على هذا النحو، فهو أقلّوي دخيل، يحمل أفكاراً معادية في الصميم للشريعة والجامع الثقافي.

وفي هذا المجرى، تهون أبلسة الأبحاث والدراسات العلمية، لأنها، نظير الاستشراق، مجرد أداة استعمارية لئيمة كاذبة، تروِّج للغرب المادي، وتبثّ سموماً صليبية (كيف؟) ومُتصهْيِنَة في الغالب. علاوة على الأجنبي، الويل والحرم لمن يجرؤ على التصدّي لأسس منظومة الإسلاميين الفكرية ومناهجها، لأنه من فلول فاقدي الأهلية والاعتبار، يطعن في الهوية، مثاله الأعلى مادي، دنيوي تحقيراً، في مدار التبعية لعواصم التفسّخ الأخلاقي والانحلال.

هي المحرّمات/ التابوهات على خلفية أسلمة السياسة وردود الفعل الغاضبة، تلهب حماسة جماعة «الإخوان»، وتشحذ سيوف الجهادية السلفية المقاتلة في آن. دفعاً للالتباس والدمج العشوائي، لا يفوتنا بداهةً وبدايةً، بيان المسافة الفاصلة بين الكتلتين، من حيث المرجعية الفضلى وقراءة النصوص وتفاسيرها، والشيوخ القدوة، والفتاوى الناهية، كما منسوب العنف والتكفير بينهما، واختلاف الرؤى حيال المصادر وإشكالية منافع الأداء وموجبات تجميل الصحوة غير أن العامل الأساس يتمثل في اجتماع الحركيين جميعاً على معادلة «نحن وهم» التي تجلس الأمة فوق الدول والأوطان، وتعرِّفها منزل الرفعة، يستوجب العزلة عن سائر الملل والأقوام مخافة التلوّث، أبدية في ذات مكتفية لا تتغير، وفي خصام مجتمعي حضاري حتمي مع سواها، عصيّة على التفاعل والتثاقف والقبول بالمتحوِّلات والمتغيرات. ولكـــم يبدو نازع الإسلام الحركي، في حدّية، علــــى هــامش التنوير ومواكبة تقدم العلوم والمعارف، مسقطاً وطارداً الطرق الصوفية في الوقت ذاته، كأنما ارتضى الفـــكاك عن المعرفة والعرفان، متدلياً بين الأرض والسماء. ولـــربما أصاب مقداراً من النجاح في صعوده واستوائه قاطرة شريحة واسعة من الجمهور (بديل الرأي العام المُسائل)، تنحني أمامها دول ومنظمات إسلامية رسمية، عند كل امتحان دولي لمجال حقوق الإنسان، وكل مطاردة للإرهاب وصنائعه.

يعيش الفرد دنياه، ملؤها الحاجات المادية المعيشية، ككائن اجتماعي بامتياز، من سماته احتكار الوعي، ومن خصاله طلب المعرفة إلى أبعد الحدود. هذا واقع كوني يتعدى خصائص الأقوام والطبقات، كما الثقافات والأديان.

الإسلام الحركي يتنكّر لمشاغل الناس الحقيقية، وينتصر للغيبيات، وسبيله إقامة السدود في مواجهة عالم مُتغيِّر، والإكثار من التابوهات/ المحرّمات. وما كسر منحى الأسلمة الأصولية الزاحفة إلّا العلاج المفيد، والقاعدة الضرورية الصلبة لمنهج يُنقذ الربيع العربي من الضياع والمتاهات.

========================

كيري وكيف يرى سوريا؟

الشرق الاسوط

26-1-2013

عبد الرحمن الراشد

حدث أن قرأت النص الطويل لجلسة الاستماع التي عقدت في مجلس الشيوخ التي تسبق التصويت على تعيين مرشح الرئيس الأميركي لوزارة الخارجية جون كيري، نحو 35 ألف كلمة. وهو الحوار الذي دار بين السيناتور كيري ولجنة الشؤون الخارجية التي كان يرأسها كيري نفسه قبل تعيينه. وحتى نتعرف على شخصية وزير الخارجية الجديد، الذي سيثبت تعيينه بالإجماع، فهو قد سبق له أن مثل للشهادة أمام مثل هذه اللجنة قبل أكثر من 40 عاما كجندي عائد من حرب فيتنام.

إذن، نحن أمام سياسي متمرس ومطلع. وهو مطلع على منطقتنا إلى درجة أن سبق له أن التقى الرئيس السوري بشار الأسد 6 مرات، أي أن كيري يعرف زوايا المنطقة ورجالها.

مع هذا أشعر بالقلق مما قرأته لأن كيري لم يعكس مواقف واضحة في قضايا أساسية، وتحديدا سوريا وإيران. حتى إن السيناتور جون ماكين ألح عليه أن يتبنى موقفا أكثر وضوحا ينسجم مع المفاهيم الأخلاقية والمصلحة العليا بالوقوف ضد أفعال نظام بشار الأسد. وقال ماكين ألا ترى أننا نبذر في الريح في سوريا وسنحصد «القاعدة» وبقية الجماعات المتطرفة التي ستحل محل النظام؟ 60 ألف قتيل اليوم في سوريا والنظام سقوطه حتمي، وإن الأسد يفكر في الخطة (ب) بالرحيل إلى الساحل وارتكاب عمليات تطهير عرقية وإقامة دولة علوية هناك. وقال له ماكين أيضا لقد تحدينا كثيرا وعقدنا الكثير من جلسات الاستماع ولم نفعل شيئا، والآن نحن أمام 60 ألف قتيل بعد 22 شهرا وكل ما أسمعه من الحكومة هو أن سقوط الأسد حتمي! لهذا أملنا أنت لأني أعرف أنك حريص ومهتم بالوضع.

لكن لم يقل كيري كلاما يوازي كلام ماكين أو يجيب عنه بشكل واضح، تحدث عن أمله في تعاون الروس، ورد عليه ماكين أن الروس يقولون هذا لكنهم يدعمونه بالسلاح. أجابه كيري بأن أي حكم نتخذه هنا عليه أن يتعرض للاختبار، أن نحلل تكاليفه، كل التكاليف البشرية والمادية وانعكاساته على بقية الدول.

الحديث طويل ولم يقتصر على سبر مواقف كيري حيال سوريا، بل طرحت الأسئلة عليه حول كل قضايا العالم المختلفة التي تهم الدولة العظمى.

ومع إدراكي أهمية القضايا الأخرى في هذا العالم الفسيح والمضطرب؛ من إيران إلى كوريا الشمالية إلى الصين وأميركا اللاتينية، إلا أن الموضوع السوري مفتاح القضايا هنا، وهي مسألة آنية. إلى قبل عشرة أشهر لم تدخل «القاعدة» حرب سوريا، اليوم صارت ضمن قوى الصراع، وكل ذلك بسبب التلكؤ وترك نظام الأسد يمارس التدمير والقتل الذي روعت مظالمه شعوب المنطقة وأغضبتهم.

لقد أفسد الصيام الأميركي عن التدخل إيجابيا في سوريا كل ما تم تحقيقه بصعوبة شديدة في الحرب على الفكر المتطرف والجماعات الإرهابية، حيث نجحت حملة مركزة في السنوات العشر المنصرمة ضد الجماعات المسلحة، و«القاعدة» تحديدا على المستوى الشعبي والنخبوي، لكن ها نحن نعود للمربع الأول بكل أسف. أعتقد أن كيري كوزير خارجية مقبل قادر على تفهم طبيعة الصراع ومخاطر التجاهل الذي مارسته إدارة أوباما خلال العامين الماضيين، سقوط النظام السوري سيفقد الإيرانيين ذراعهم الطولى في تنفيذ سياساتهم الإرهابية، هذا مشروط بإعانة الشعب السوري على إقامة نظام من اختيارهم في اقتراع حر. أما إذا فر الأسد من دمشق، وهذه مسألة حتمية كما قال ماكين، فإننا أمام آلاف من الجهاديين التدميريين من جانب، وآلاف من شبيحة الأسد الذين سيمارسون عمليات تطهير عرقية في المناطق الساحلية. هذه نتيجة الغياب وترك الفراغ للأطراف السيئة من إيرانية و«قاعدة» وغيرها.

========================

الأخضر.. وبشار!

حسين شبكشي

26-1-2013

الشرق الاوسط

لقاء بشار الأسد الأخير بالمندوب العربي الأممي الأخضر الإبراهيمي ممثل ملف سوريا وأزمتها كان لقاء صريحا وواضحا ومباشرا بحسب التسريبات الإعلامية التي تم تناقلها عنه، ولعل أهم هذه التسريبات هي ما قاله الأخضر الإبراهيمي للرئيس السوري إن عليه أن يرحل، فأجابه الرجل بإنكار تام لهول وفداحة ما يحدث بأنه لن يرحل حتى ولو أحرق دمشق كلها. ووقتها أدرك الأخضر الإبراهيمي أنه أمام رجل «مفقود منه الأمل تماما» وأنه من غير المجدي الاستمرار في الحديث معه.

والحقيقة أنه لمعرفة موقف بشار الأسد هذا لا بد من التعرف على الخلفية النفسية للرجل والتي بسببها تولدت هذه القناعات المبررة لقراراته الغريبة وغير المفهومة. بشار الأسد كان ذا طبيعة منزوية وخجولة جدا في صغره وهو الذي ولد شخصية من الممكن أن توصف بأنها مهزوزة وغير مستقرة، وهو للتذكرة لم يكن خيار والده الأول بل كان شقيقه الأكبر باسل وبعد وفاة باسل جيء به على «عجالة» وسط امتعاض وتحفظ بل واعتراض الحرس القديم المتواجد حول الأب حافظ الأسد.

وكان بشار منذ الأيام الأولى لمشروع التوريث يحاط بجملة «هو ضعيف وموهو اللي عم يدير الأمور»، فمرة كان الأمر يحسب أن الحرس القديم «هو الذي يسيطر على الحكم لضمان استمرارية نهج الأب» وبعدها خرجت أقوال بأن الحكم بات في أيدي «الأم والخال وابن الخال» وهم الذين يسيطرون على زمام الأمور سياسة واقتصادا، وبعد ذلك خرجت مقولة بأن «الأخ ماهر والصهر آصف يسيطران على الحكم في صراع محتدم بينهما». وطال الأمر أن يكون القول بإن إيران هي التي تسيطر على صناعة القرار الاستراتيجي في سوريا وأن العلاقة التي بدأت خجولة أيام الأب حافظ الأسد بين النظام الحاكم في سوريا ونظام الثورة الإيرانية تحولت إلى علاقة كاملة وواضحة على حساب كل الشعارات الفارغة التي كانت ترفع والمتعلقة بالمقاومة والممانعة والعروبة والتحرير.

وكل تلك الأقاويل لا بد أن تولد إحساسا هائلا بالذنب وعقدة نقص كبرى تتحول معها رغبة جامحة ومبالغ فيها لإثبات الذات فيتم الأمر بالمبالغة في القتل والتدمير وعدم الإنصات لصوت الحكمة والعقل واعتبار ذلك أنه «استسلام» و«ضعف» وهي مسائل حساسة جدا في عقل باطني مليء بالإرث المضطهد. بشار الأسد يدرك أن لديه «حلفاء» متمثلين في روسيا المقاومة للمد الغربي والراغبة في الحصول على ثمن الخلاص من الأسد، والصين التي تتبع الخط الروسي حفاظا على هيبتها الدبلوماسية أمام المد الغربي وإيران تحمي مشروعها الطائفي الذي بنته مع الأب لمدة أربعين سنة، وإسرائيل التي تريد جارا يؤمن حدودها بلا أرق ولا قلق كما كان الوضع عليها لعقود من الزمن حتى تحولت الجولان فيه وهي «محتلة» إلى منطقة أهدأ من منتجعات هاواي الساحرة نفسها.

ولذلك بتدمير سوريا ومدنها الممنهج يراهن بشار الأسد أن «الثمن» لمغادرته إذا تم هو أن يأتي من سيأتي بعده على سوريا مدمرة تماما تحتاج لمشروع عظيم لإعادة الإعمار يشغلها ويشغل من يحكمها لعقود من الزمان لن يلتفتوا فيه إلى مسائل تحرير الجولان أو دعم المقاومة وهو ثمن عظيم لدور قام به النظام على أكمل وجه وليس هناك من دليل على ذلك إلا رؤية أرتال النفاثات الحربية والدبابات والصواريخ وهي تقصف المدن السورية وتقتل شعبها دون أن يكون هناك رصاصة واحدة بالخطأ باتجاه الجولان ليثبت الجيش السوري أنه في واقع الأمر أنهم «حماة بشار» وليسوا حماة الديار كما يتم التغني بهم زورا وبهتانا.

ولكن سوريا بلد عظيم وشعب عظيم ففي ترابها الطاهر والمبارك يرقد العظماء من أمثال خالد بن الوليد وصلاح الدين الأيوبي ويوسف العظمة وغيرهم من الشرفاء الذين بسببهم يسري في الدم السوري الشريف جينات العزة والكرامة والحرية والشرف والتي سينالونها حتما بالرغم ممن خانهم ووالى عدوهم وساعد على قتلهم وتدمير ديارهم. تكالبت عليهم الأمم وخانتهم الدول وظهر حقد من كان بالأمس ظاهره طيبا وبان خبثه من كان بالأمس يبدو مسالما.

زيادة حدود الطغيان وإظهار «صفات» الجبروت والطغيان هي علامات النهاية لكل الطغاة ولن يكون بشار الأسد بكل علله وعقده ومشاكله وجنوحه للحلول «المجنونة» بأحسن حالا من هتلر وصدام حسين والقذافي كلهم رحلوا إلى مكانهم المستحق في ظلمات التاريخ حاجزين مكانا يليق ببشار الأسد وهم بانتظاره على «نار».

الأخضر الإبراهيمي جاء بفكرة خلاص أخيرة لبشار الأسد ولكن بشار الأسد عاشق الدم فضل أن يرتوي بدماء شعبه وهنا ستكون المفاجأة والمفارقة من يضحك أخيرا.

========================

"جبهة النصرة".. مطلب الجميع

الغد   

نشر : 26/01/2013

منار الرشواني

في تصريح لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية، في 10 كانون الثاني (يناير) الحالي، أقر مسؤول أميركي بالتقاء الولايات المتحدة ونظام بشار الأسد على وجود (وبالتالي ضرورة محاربة) تنظيم القاعدة في سورية، ممثلا خصوصاً بـ"جبهة النصرة لأهل الشام"، والتي كانت الإدارة الأميركية قد أدرجتها على قائمة المنظمات الإرهابية في كانون الأول (ديسمبر) الماضي.

لكن ما يثبته الواقع اليوم هو أن حضور "القاعدة" في الثورة السورية، وليس محاربتها، كان مطلب الطرفين ابتداء؛ نظام الأسد والإدارة الأميركية، وقد أديا لتحقيق ذلك دوراً متكاملاً.

ففي تبريره لاستخدام العنف وتصعيده إلى حدود وحشية ضد المتظاهرين السلميين مع بداية الثورة، وكذلك تحييد الرأي العام العالمي، سعى نظام الأسد حثيثاً إلى عسكرة الثورة، وضمن ذلك استحضار "القاعدة" فعلياً. وقد استغرقته للنجاح في ذلك أشهر مديدة من القتل والتنكيل والمجازر.

لكن دموية النظام لم تكن كافية بحد ذاتها لبروز "القاعدة" وتفرعاتها في سورية؛ بل فرض ذلك قسراً التخلي الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، عن الثوار؛ وتحديداً على صعيد توفير سلاح نوعي يخفف على الأقل من حجم مجازر قوات الأسد بحق المدنيين قبل الثوار. إذ بسبب هذا التخلي، كان طبيعياً -وكما توقع بداهة كثيرون، بينهم باحثون ولربما مسؤولون أميركيون وغربيون- اللجوء إلى "القاعدة" التي تتوفر على الخبرة العسكرية الضرورية للثوار، والتي تم اكتسابها في أفغانستان والعراق خصوصاً. يؤيد ذلك أن الإعلان عن تأسيس "جبهة النصرة" لم يتم إلا نهاية العام 2011، وتحديداً في تشرين الثاني (نوفمبر) من ذلك العام، عقب أشهر من اندلاع الثورة. كما يؤيده أيضاً، وفي مؤشر يكاد يفوق ما سبق أهمية، تلك الشعبية التي تتمتع بها الجبهة بين الثوار السوريين، بمن فيهم العلمانيون، كما تشير مجلة التايم الأميركية ضمن مقابلتها مع الناطق باسم الجبهة، أبو عدنان، الشهر الماضي.

بعبارة أخرى، فقد أصبحت "جبهة النصرة" مطلب الجميع في سورية؛ ثواراً ونظاماً، كما مطلب الولايات المتحدة.

لكن، إذا كانت الجبهة قد شكلت خيار المضطر بالنسبة للثوار السوريين؛ فإن حضورها وبروزها في الثورة السورية كانا مطلباً واعياً بالنسبة لنظام بشار الأسد وللإدارة الأميركية على السواء. وإذا كانت معروفة ومفهومة تماماً دوافع الأسد لاستجلاب "القاعدة" إلى سورية، فإن السؤال المهم، إن لم يكن الأهم في مسار الثورة السورية اليوم، هو: لماذا أرادت الولايات المتحدة هذا الحضور المتوقع، بل واستحواذ "القاعدة" على دور قيادي في الثورة؟ وافتراض الإرادة الأميركية الواعية سببه بطلان مزاعم العقبة الروسية بعد أن فشلت الولايات المتحدة في الحصول على أي تنازل من موسكو على صعيد ملف كوريا الشمالية والملف النووي الإيراني، فيما ما تزال واشنطن تدعي مراعاتها، أو في الحقيقة اتخاذها ذريعة، لعدم التحرك لدعم الثوار السوريين.

هكذا، يغدو صحيحاً أن الإدارة الأميركية ونظام الأسد لا يلتقيان أبداً على محاربة "القاعدة" و"جبهة النصرة" أساساً، وإنما هما يلتقيان على تدمير سورية.

========================

جاء ذلك بقرار رسمي حول 'الأزمة السورية': حين تُدين الأمم المتحدة نفسها بالإنحياز إلى الجزّار ضد الشعب!

د. عمّار البرادعي

2013-01-25

القدس  العربي

هذا الجنون المتأصل في عقلية بشار والسائر صُعُدا نحو حدّ لا حدود له، لم يعد يُقتصر عليه ولا على شبّيحته والمجموعات الطائفية المستفيدة منه، بل وصل إلى أعلى منبر دولي يُفتَرَض فيه أن يكون حَكَما عادلا بين الدول فكيف بين نظام جزّار وشعبه ؟ نعم، ففي عالم الشرعية الدولية ثبت بالأمس عدم اقتصار ' حالة ' بشار عليه وعلى نظامه، وتأكد انسحابها على هيئة الأمم المتحدة ذاتها بجلالة قدرها، عبر قرار رسمي أصدرته هي كأعلى سلطة دولية . فحسب 'خطة الإستجابة للمساعدات الإنسانية إلى سورية ' التي أطلقتها المنظمة الدولية بتاريخ 19 كانون الأول الماضي، تم رصد مبلغ 519 مليون دولار نصّت الخطة في بنودها الأولى على تخصيصه 'للسكان المتضررين'. بمعنى ليس للنظام ولا لشبّيحته. إلى هنا يبدو القرار حكيما وإنسانيا ولا تشوبه شائبة . ولكن 'عدالة ' المنظمة الدولية لم تكتف بذلك، بل وضعت في معرض تحديدها لكيفية تنفيذ هذه الخطة بندا آخر ينسفها من أساسها، ويجعلها تصبّ بالكامل لصالح النظام من خلال اشتراطها بالنص الحرفي : 'على أن يرأس لجنة الإشراف على إدارة وتنظيم عملية تقدير وإيصال المساعدات نائب وزير الخارجية السوري (أو من يفوضه بالنيابة عنه)، وأن تقوم وزارة الخارجية والمغتربين بالإشراف على المشاريع الإنسانية وتنفيذها!' .

الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية الذي أدهشه هذا الإشتراط، أبلغنا مشكورا في تعميمه المؤرخ في 19 الجاري أنه إذ يشكر جميع الجهود المبذولة لتقديم العون والمساعدات للمحتاجين من الشعب السوري، إلا أنه 'يعبّر عن بالغ قلقه' حول طريقة إدارة هذه المساعدات وحقيقة وصولها للمحتاجين الحقيقيين في الداخل السوري.وبالرغم من صوابية هذا الكلام الذي يؤمئ إلى الخلل في التناقض المعيب بين النص على تخصيص المساعدة للمواطنين المتضررين، والنص على تخويل النظام المتسبب بكل المصائب التي يعانيها هؤلاء المواطنين بعملية تقديرها وكيفية توزيعها، إلا أن مجرد التعبير عن القلق لا يكفي وحده للرد على هذا الإنحياز الصارخ إلى جانب الجزار ضد الضحية . ولا يرقى إلى مستوى فضح هذا العُهر الرسمي الخارج من رحم 'الشرعية الدولية'، وسط صمت ذيلها الرسمية العربية، مجرد التساؤل المشروع في بيان التآلف: 'هل يُعقل أن يقوم النظام بتهديم المدن وقصف المستشفيات والمخابز وتهجير السكان ثم تُقدَّم له المساعدات ليعالج بها ما اقترفت يداه ؟!' ... وهل يُعقَل فعلا أن يصل عمى وطَرَش أعلى منظمة دولية إلى هذا الحد، أم أنها ليست أكثر من أداة طيّعة بأيدي جبابرة القوة والقرار الدولي؟ ثمة من لا يستغرب أي غريب في مسار حرب الإبادة التي يشنها بشار ضد شعبه، ويذكرنا ببعض الحقائق التي تغيب عن الأذهان كقوله : لقد سمعنا كما عايشنا حروبا تدور بين أنظمة ومناوئيها من ثوار ومعارضين، تعود أسبابها إما لصراع على حق أو سلطة، أو تصفية حساب مع متشددي طائفة أو عرق ،أو بين محرومين وظالمين منعّمين .. الخ. لكننا لم نسمع ولم نر حربا يشنها نظام ضد شعبه تتداخل فيها كل هذه الأسباب، وغيرها مما لا يخطر على بال من صنوف الإجرام والباطنية والتجييش الطائفي والتمييز بين فئة وأخرى، فضلا عن الحرمان وفقدان متطلبات الأمن وحتى الخبز. وحده نظام بشار الجزار هو الذي بات يُعلّم العالم بالصور اليومية الحيّة والمباشرة فنون استنباط أبشع وسائل حروب الإبادة الشعبية براجمات الصواريخ والأسلحة المحرّمة في الحروب، دون أن يستثني من جحيمها حتى الهاربين إلى الملاجئ من النساء والأطفال. وهو وحده الذي يجرؤ على التمادي إلى أقصى حد في المناكفة والعناد وقلب الحقائق البيّنة أمام الدنيا كلها، من خلال الإستمرار بتصعيد التعبئة الطائفية في السر، إلى جانب الطرح المناقض في العلن، فضلا عن الأكاذيب وادعاء أحقّيته في مواجهة ما يُسميه بمؤامرة دولية تقودها جراثيم وعصابات عميلة . والغريب أن يحدث ذلك كله دون أن تتحرّك الدنيا جدّيا لمواجهة هذا الوضع، مع أنها تقوم ولا تقعد في حالات أخرى لا تُقاس خطورتها النسبية بما يجري في سورية، فتُسارِع إلى استنفار الأحلاف وتحريك الجيوش لمواجهة حركة سلفية، أو تنظيم إرهابي محدود التأثير لا يستدعي تجييش كل هذا الكمّ لأجل ضربه أو القضاء عليه.

استمرار هذا الوضع الشاذ بكل تعقيداته على مدى العامين الماضيين بدأ يرخي بظلاله على بعض من كان يؤكد على استحالة انشطار البلد وشعبه على أسس طائفية وعرقية. ويستند في ذلك على شواهد من الماضي والحاضر ترجح استبعاد وقوع التقسيم، ومعظمها شواهد منطقية، ولكنها من واقع آخر و في ظل ظروف أخرى لا يسودهما نَفَس وباطنية بشار وأبيه، عدا عن أنها تقتصر في خطورتها على جانب واحد من جوانب الصراع. لكن حرب الإبادة العمياء التي يشنها نظام بشار بتصميم جنوني تفوق ما عداها من حالات الإجرام في التاريخ الحديث، كما تتداخل فيها كل الجوانب والأسباب التي يمكن لواحدة منها، إذا ما استفحلت في بلد آخر، أن تدفع باتجاه القبول بالتقسيم كحل بديل للواقع المُعاش، فكيف إذا كان هذا الحل بالنسبة للوضع السوري، وسواء جاء بمحض الإرادة أو الإجبار، أقل النتائج المنتظرة مرارة وأكثرها توفيرا للأرواح والدماء، لاسيما وأن الصفحات المعتم عليها من تاريخ الأمس تُفسّر السر التاريخي لهذا الإمعان الطائفي في الإجرام، وتوحي بالمزيد. لا ريب أن التاريخ لا يُعيد نفسه بالمعنى الدقيق للكلمة، لكن ماذا نقول إذا كانت ثمة أحداث تبقى محفورة في الوجدان نظرا لما تعكسه من توجهات في منتهى الخطورة، كتلك الرسالة التي وجهها ستة ممن اعتبروا أنفسهم'وجوه' الطائفة العلوية إلى سلطة الإنتداب الفرنسي في العام 1936 ممثلة يرئيس الحكومة ليون بلوم، جاء في ذيلهم اسم سليمان الأسد جدّ حافظ ـ أبو بشارـ، طالبوه فيها بعدم الرحيل عن سورية وعدم منحها الإستقلال، وعللوا طلبهم بما هو أغرب وأخطر منه قائلين 'إن الشعب العلوي يختلف بمعتقداته الدينية وعاداته وتاريخه عن الشعب المسلم، ولهذا يرفض أن يُلحَق بسورية المسلمة لأن منحها الاستقلال يعني سيطرة العائلات المسلمة على الشعب العلوي في كيليكيا والإسكندرون وجبال النصيرية'.

هذا غيض من فيض ما تضمنته الرسالة من نفَس طائفي يُفسّر السبب الأساس لإصرار النظام على تصعيد وتيرة القتل الجماعي، كما يؤكد في المقابل أن عدم تحقق الأحلام الطائفية بالتميّز والإنشطار يعني أن سورية كانت على الدوام عصيّة على التقسيم أمام المحن، ولكنها المحن التي لا توازي في كثافتها جزءا من هول ما نراه اليوم، وهنا تكمن المصيبة.أما الذين يتذرعون بموقفهم المؤيد للنظام المجرم من خلال العزف على وتر الدفاع عن وحدة سورية واستقلالها وممانعتها .. إلخ، فلكل منهم منطلقاته الخاصة التي تبدأ بالطائفية ولا تنتهي عند العمالة والمصلحة الشخصية . ولهذا لا يكلّف أحد منهم نفسه مجرد السؤال: هل من شروط الحفاظ على الوحدة والإستقلال والمنعة ـ وليس الممانعة ـ الحرص على بقاء جزّار كبشّار في سدّة السلطة، وأي وحدة واستقلال وممانعة هذه التي يمكن التذرع بها مع استمرار آلة التدمير في إبادة البشر والتاريخ والتراث؟.

========================

إنسانية العالم على المحك

أرجو أن تحذو الدول العربية ودول ما يسمى بالمجتمع الدولي، حذو السعودية في حملتها الوطنية الإنسانية، فما فعلته السعودية تجاه النازحين السوريين هو فرض عين ،وليس فرض كفاية

أنس زاهد

المدينة

السبت 26/01/2013

لم يكن أكبر المتشائمين يتصور أن مئات الآلاف من الشعب السوري الكريم، سيتحولون إلى نازحين يستبدلون المخيمات ببيوتهم التي تركوها، فارين بأرواحهم من جحيم الصراع المسلح الذي يجري على أرض وطنهم.

القضية لم تعد محصورة في الصراع المسلح الذي يجري على الأراضي السورية منذ حوالي عامين، المسألة الآن لها بعد إنساني بعيد كل البعد عن حسابات الربح والخسارة من الناحيتين السياسية والعسكرية. القضية الآن قضية إنسانية بالدرجة الأولى، ومنذ كارثة مخيم الزعتري بالأردن للاجئين السوريين، تفاعلت المملكة العربية السعودية قيادة وشعباً مع المأساة.

لقد دشنت المملكة رسمياً حملتها لتخفيف معاناة النازحين حيث قام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بالتبرع بعشرة ملايين دولار للنازحين السوريين. وبسرعة تجاوب الشعب مع الحملة الوطنية لإنقاذ الشعب السوري، وبالتحديد النازحين الذين يعيشون في المخيمات، في ظروف لا تتوفر فيها أبسط مقومات الحياة التي تليق بالبشر.

أرجو أن تحذو الدول العربية ودول ما يسمى بالمجتمع الدولي، حذو السعودية في حملتها الوطنية الإنسانية، فما فعلته السعودية تجاه النازحين السوريين هو فرض عين ،وليس فرض كفاية إذا ما قام به أحد ما فإنه يسقط عن البقية. المجتمع الدولي بأكمله مسؤول مسؤولية مباشرة عن الكارثة الإنسانية في سوريا، وطالما كانت كثير من الدول لا تبخل بإنفاق المبالغ الطائلة لدعم أطراف الصراع هناك، فإن الأولى بتلك الدول أن تفتح باب التبرعات الشعبية لإنقاذ مئات الآلاف من السوريين الذين فقدوا الوطن بعد ما فقدوا الممتلكات والأمن.

القضية السورية تحولت إلى قضية إنسانية أكثر من كونها قضية سياسية، فهل سيتعامل العالم معها من هذا المنطلق؟

إنه اختبار حقيقي لإنسانية المجتمع الدولي.

========================

3 - لا تفاهم أميركي - روسي حول الأسد أو عليه.

سركيس نعوم

2013-01-26

النهار

الكلام على توصل روسيا واميركا الى اتفاق يفتح الباب امام وقف الحرب الاهلية الدائرة في سوريا، وأمام تسوية للأزمة الناشبة فيها تتضمن إصلاحات جدية للنظام الحاكم فيها ترضي الثائرين عليه، وبقاء للرئيس بشار الاسد في السلطة حتى موعد الانتخابات الرئاسية عام 2014 من دون اقفال الباب امام ترشحه لولاية جديدة، هذا الكلام لا يوافق عليه متابعو اوضاع سوريا وتطوراتها ومواقف المجتمع الدولي منها. فالمسؤولون الروس اكدوا أكثر من مرة عدم تمسكهم ببقاء الرئيس الاسد في السلطة، وقالوا لمعارضيه والثائرين عليه: إذا كنتم تستطيعون إزاحته فافعلوا. ويعني ذلك ان تمسكه بالبقاء نهائي، وأنه لن يستمع الى النصائح التي تدعوه الى التنحّي وإن أتته من صديق أو حليف مثل روسيا. والمسؤولون الاميركيون الذين يستَهوِلون ما يحصل في سوريا من دمار وقتل وعنف على يد النظام، والذين يخشون نجاح الجماعات الاسلامية التكفيرية العنفية في توسيع نفوذها في اوساط الثائرين على نظام الاسد، أو ربما نجاحها في قيادة هؤلاء أو في شرذمة الشعب السوري والجغرافية السورية، لم يصلوا الى حد التراجع عن موقفهم المعلن منذ 16 او 17 شهراً والداعي الى تنحّي الاسد. وإن كانوا وصلوا ربما الى اقتناع بأن حلاً سياسياً ما، يطبخه المجتمع الدولي المنقسم حالياً حيال ما يجري في سوريا، قد يكون افضل من استمرار القتال ومن تعريض سوريا للتفتيت او التقسيم والاقليات فيها الى الإبادة، والأكثريات الى الاقتتال في ما بينها. لكن هذا الاقتناع يرافقه اقتناع آخر باستحالة حصول ذلك مع الرئيس الاسد، ومع المؤسسات التي سيطر بها والده الراحل ثم هو على سوريا وعلى شعبها. وقد تكون دوافع "المرونة" الاميركية الظاهرية رفضها التدخل عسكرياً في سوريا على نحو مباشر، ورفضها الوصول في الاختلاف مع روسيا حول مصير الاسد ونظامه الى صدام مباشر او الى نزاع سياسي يليه نزاع غير سياسي ولكن بالواسطة. وهذا ما بدأت طلائعه تظهر في سوريا. لكن المتابعين لأوضاع سوريا انفسهم يتحدثون عن دوافع اخرى لموقف اميركا هذا. منها رغبتها في انتظار الانتخابات الرئاسية الايرانية لمعرفة إذا كانت ستوصل معتدلاً مؤمناً بالحوار مع واشنطن بل مع المجتمع الدولي من اجل حل القضايا الخلافية معهما وفي مقدمها الآن الملف النووي الايراني والأزمة – الحرب السورية. ذلك ان دور ايران في سوريا الاسد كبير جداً، ولا بد من التفاهم معها بالحوار لإيجاد حل لمشكلة هذه السوريا مع غالبية شعبها إذا أمكن، وهذا المنحى هو المفضّل عند ادارة الرئيس اوباما. أما إذا تعذر ذلك فان الحوار قد يُستَبدل بالضربة العسكرية بغية حل القضيتين الخلافيتين المشار اليهما اعلاه. ومن الدوافع ايضاً في ظل المواقف المختلفة لموسكو وطهران وبيجينغ انتظار انتهاء ولاية الرئيس الاسد في السنة المقبلة 2014. وفي ظل تعذر انتخابه مرة اخرى أو في ظل إعادة انتخابه بطريقة مسرحية، كما الانتخابات التي اجريت ومعها الاستفتاء بعد اندلاع الثورة، فإنه سيصبح في نظر العالم رئيساً غير شرعي لسوريا.

طبعاً لا يعني ذلك انه ومؤسساته سقطوا. بل يعني انهم تحولوا فريقاً من افرقاء حرب اهلية دامية قد تطول، وخصوصاً اذا تمكن الثوار بدعم تسليحي ومالي عربي ودولي من فرض الانكفاء عليه الى "مربعه الفئوي" الموسَّع. ومن الدوافع ثالثاً انتظار التفاهم مع الروس، علماً ان الاميركيين لا يبدون متحمسين حتى الآن على الاقل لدفع "الثمن" لهم في مقابل تخليهم عن الاسد، او على الاقل تسهيل تسوية لحرب سورية تتضمن رحيله. وما يبدو واضحاً أن البعض في واشنطن يعتبر ان روسيا ستجد نفسها في مأزق كلما طالت الحرب واستمرت في تأييدها للأسد، لأنها ستضع كل العرب او بالأحرى غالبيتهم الكبيرة كما غالبية المسلمين في العالم في ظهرها كما يقال. وقد ينعكس ذلك على استقرار بعض مناطقها المُسلِمة الذي لم تنجح موسكو في فرضه إلا بالاسلوب نفسه الذي يتبعه الآن الاسد مع الثوار في بلاده. ومن الدوافع اخيراً اخفاق الثوار والمعارضين لنظام الاسد في تحقيق وحدة في ما بينهم على الأهداف وعلى وسائل تحقيقها. واستمرار ذلك قد يأخذ سوريا الى اتجاهات مؤذية لشعبها وللمنطقة. وفي حال كهذه فان جهات عدة اقليمية وربما دولية لا تمانع في استمرار الدمار والقتل في سوريا طويلا. إذ ان ذلك يلغي وزنها ودورها الإقليميين، ويحوّلها ساحة لصراع الكبار في المنطقة كما الكبار في العالم.

ماذا عن ايران وسوريا؟

========================

العرب في "المأزق" السوري

النهار

سميح صعب

2013-01-26

يتحمل العرب جزءاً كبيراً من وصول الامور في سوريا الى المستوى الذي سماه وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل "المأزق الكبير". فالعرب هم من استعجل استنساخ الحل الليبي تارة واليمني تارة اخرى لمعالجة الازمة في سوريا. واستسهلوا استجرار التدخل الاجنبي من اجل تغيير الانظمة. ولا يزال الامين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي حتى الان يناشد مجلس الامن اللجوء الى قرار لسوريا بموجب الفصل السابع الذي يجيز استخدام القوة لتطبيقه.

الاستسهال ونشوة النصر في ليبيا ومصر واليمن جعلا الممالك والامارات في الخليج ومعها تركيا تضع اهدافاً طموحة جداً في سوريا واقنعت المعارضة السورية الناشئة سواء في الداخل او في الخارج بعدم القبول بأقل منها، وخصوصا في ما يتعلق باسقاط الرئيس بشار الاسد قبل فتح اي حوار داخلي، حتى صار التمسك بهذا الشرط مكلفاً الى اقصى الحدود وبات التراجع عنه بمثابة تسليم بخسارة المعركة في سوريا.

ولعل هذا الشرط المسبق هو أحد الاسباب الرئيسية التي آلت الى "المأزق الكبير". والذي صدم العرب والمعارضة السورية اكثر، هو القرار الاميركي عدم التدخل عسكريا في سوريا او في منطقة اخرى من الشرق الاوسط بعد الانسحاب من العراق والتحضير للانسحاب من افغانستان. وحتى قرار تسليح المعارضة السورية الذي كانت تتحمس له فرنسا وبريطانيا، طرأت عليه حسابات اخرى الان، بعد التورط الفرنسي في مالي والنفوذ الكبير الذي تبين ان تنظيم "القاعدة" وحلفاءه يتمتعون به في منطقة الساحل والجزائر وليبيا. ومن الواضح في سوريا ان كل ما احرزته المعارضة من تقدم على الارض يعزى الى مقاتلي "جبهة النصرة" المرتبطة بـ"القاعدة".

هذه العوامل كلها قادت العرب الى "المأزق الكبير". ولا يبدو ان العرب وحدهم في مأزق، بل ان حليفهم الاقليمي رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان المنشغل بعد الايام المتبقية للاسد في السلطة، هو ايضا في مأزق. كما ان واشنطن هي الاخرى باتت كذلك اسيرة كلمة التنحي ولا يمكنها التراجع عنها ولا تملك الا توجيه العتب الى روسيا لأنها لم تطالب الاسد بالتنحي، كأنها واثقة من ان موسكو لو فعلت لكان الاسد تنحى.

واخيراً انضم الاخضر الابرهيمي الى المفتشين عن حل للعقدة المتمثلة في المطالبة بتنحي الاسد، فتقدم باقتراحات جبهت برفض سوري مطلق، الامر الذي دفع الممثل الاممي والعربي الى التفتيش عن مخرج لنفسه من المهمة التي ورثها عن كوفي انان.

وادراكاً لهذا "المأزق الكبير" الذي يجد العرب والغرب وتركيا انفسهم فيه، حاولت موسكو وطهران تقديم السلم الذي يمكن هؤلاء ان ينزلوا به عن شجرة التنحي. لكنهم حتى يرفضوا ليبدأ فصل جديد من فصول المأساة السورية.

========================

الثّورة السّورية على مفترق

والحاسم توحيد قوى الثّورة

المستقبل

د. نقولا زيدان

26-1-2013

تمرّ الثورة السورية في المرحلة الراهنة في ظروف شديدة التعقيد والدقّة. فلدى الشعوب العربية والنخبة الثورية العربية، الاثنان اللذان صنعا أمجاد الربيع العربي وشاهدا تعثراته وأزماته، كثيرٌ من القلق والتوجّس والخوف المبرر.

فعلى الصعيد الخارجي, يزداد الموقفان الإيراني والروسي تصلباً في مساندة نظام الأسد الدموي. فالنظام الإيراني ما زال يراهن على إمكانية سحق الثورة السورية عن طريق المزيد من إلحاق الدمار الواسع النطاق بواسطة الألوية العسكرية التي ما زالت تدين بالولاء لحاكم دمشق، بالاضافة الى ارتكاب سلسلة متواصلة من المجازر الموصوفة بحق المدنيين العزّل والأحياء الآمنة والقرى والبلدات الوادعة، تلك التي لا ذنب لها سوى إبداء شعور العطف حيال الثوار واحتضانها لهم. وبالفعل يمد النظام الايراني نظيره السوري بالخبراء والأسلحة والمعدات في الوقت الذي يتورط فيه حليفه "حزب الله" اللبناني في القتال الدائر هناك. ولم تتوانَ طهران عن منح نظام الأسد كتلة نقدية من النقد النادر بعد أن أشرف احتياط نظام دمشق من الدولارات على النضوب والافلاس. ولم تتراجع الحكومة الايرانية بعد عن هذه السياسة رغماً عن صفقة إطلاق الرهائن والأسرى الايرانيين من هم في قبضة الجيش السوري الحر مقابل عدد محدود من المعتقلين الثوريين في سجون نظام الأسد ومراكز التوقيف التابعة له.

وتمضي موسكو، كما هي الحالة بالنسبة لطهران في منح نظام الأسد المزيد من الدعم اللوجستي وآخر مبتكرات السلاح الروسي المتطور في الوقت الذي ترسل قطعاً حربية مهمة إلى مقربة من الساحل السوري لإجراء مناورات عسكرية لا تعدو كونها رسائل مهمة توجهها الى الغرب وتلك الدول العربية الداعمة للثورة السورية. وفي هذا المجال ما زال سيرغي لافروف وزير خارجية روسية يكرّر تصريحاته المتصلبة التي تنادي علناً ليس باستحالة تنحي الأسد عن السلطة فحسب بل باستحالة إقصائه عنها بقوة السلاح. هذا في الوقت الذي تدعو فيه موسكو كما طهران، الى حل سياسي "سوري"... أي ما معناه تسوية سياسية من طريق الحوار يكون الأسد نفسه طرفاً فيه. هذه التسوية التي أدرك المبعوث العربي والدولي الأخضر الابراهيمي استحالتها الموضوعية والتي، في أية حال، نعاها الأسد نفسه الذي يرفض بعناد متصلّب تشكيل حكومة سورية انتقالية تتولى جانباً مهماً من صلاحياته الرئاسية.

ويفاقم من شعور القلق والخوف لدى الشعوب العربية ونخبها الطليعية الأحداث الخطيرة الجارية في الآونة الأخيرة في الحسكة ورأس العين من اشتباكات دامية بين الجيش السوري الحر من جهة ومقاتلي حزب العمال الكردستاني من جهة أخرى. إنه قتال تدور رحاه بين ثوريين وثوريين آخرين. فحزب العمال الكردستاني (PKK) قد دفعته السياسة غير المتبصرة لقيادته الحالية، ليتحول الى أداة مسلحة وحرس حدود للنظام الأسدي. لا بل يمضي في سياسته الحالية لتحويل المواجهات المسلحة بينه وبين الجيش السوري الحر، وخصوصاً في المناطق المختلطة حيث السكان أكراد وعرب في آن معاً، الى نزاع اثني قومي المستفيد الوحيد منه هو النظام الأسدي الذي يعمل ليل نهار على تأجيج الصراع وتوسيع المواجهات. ولم ينجح تبوؤ الكردي عبد الباسط سيدا رئاسة المجلس الوطني السوري، ولا تدخّل الملا مسعود البرزاني حاكم اقليم كردستان العراقي ولا نصائح الرئيس جلال طالباني عندما كان بعد في عافيته في ثني حزب العمال الكردستاني عن التورط في ممارسات خطرة من هذا القبيل. هذا في الوقت الذي تعلم القيادة الحالية لهذا الحزب انها تنقاد للغرق في التورط بلعبة خطيرة وعقيمة لن تقود بتاتاً لمنح حكومة الأسد الفاشية للأكراد السوريين حكماً ذاتياً بإيفاء منه بوعود كاذبة لا تهدف في حقيقيتها سوى الى تفجير اقتتال داخلي يؤدي عملياً الى مشاغلة الجيش السوري الحر وإلهائه عن إنجاز مهمته الأولى ألا وهي تحرير العاصمة دمشق. فإذا كان الظلم التاريخي اللاحق بالشعب الكردي وبخاصة في تركيا هو قضية عادلة بل ثورية بامتياز، فإن مهمة هذا الحزب يجب أن تنصب على مؤازرة الشعب السوري وقواه الثورية السياسية والمسلحة، لا أن يتحول الى فصيل مسلح يشابه في سلوكه العملي فرق المرتزقة بل يكاد يلامس ممارسات كتائب الأسد الفئوية ومجموعات شبيحته الأوغاد.

إننا نقول هذا ونحن نراقب بكثير من القلق والتوجس التحول المهم للرأي العام العالمي للاهتمام بالأحداث الجارية في منطقة الساحل الافريقي والصحراء الجزائرية (عين اميناس) حيث يتبيّن بالملموس أن تنظيم القاعدة الظلامي وحلفاءه من مجموعات إرهابية دموية استطاعا زرع خرّاج متعفّن آسن هناك استدعى التصدي له بحزم من فرنسا والجزائر قبل فوات الأوان. وتتبارى القوى العالمية والأوروبية في تقديم الدعم لفرنسا في محاولتها استئصال هذا "الخرّاج" الخطير، بل حتى روسيا نفسها تتبرّع في منحها المساعدات.

إن إطالة حرب التحرير الشعبية السورية، وإنهاك قواها الثورية حتى يفرض حاكم دمشق نفسه رغماً عن أنف الغالبية الساحقة من المجتمع الدولي، وخصوصاً الشعب السوري طرفاً في أي تسوية سياسية مرتقبة للأزمة السورية يستدعي الآن أكثر من أي وقت مضى تطوير القدرة القتالية للمعارضة السورية المسلحة، وتوحيد صفوها وتشكيل حكومة سورية موقتة في الخارج معترف بها دولياً لقلب المعادلة نهائياً لمصلحة الثورة. ان في ذلك لنقلة نوعية نحن بأمس الحاجة اليها الآن ما دامت الفرصة ما زالت بعد مواتية، هذا قبل أن تضيع منا الفرص.

========================

مواقف دولية من الأزمة السورية

حسين العودات

التاريخ: 26 يناير 2013

البيان

تتنازع الأزمة السورية ثلاثة مواقف تؤثر كل منها في هذه الأزمة تأثيراً هاماً وجدياً وأحياناً مفصلياً، وهي مواقف السياسة الروسية والإدارة الأميركية والموقف الأوروبي، ولكل منها دوره الهام في رسم مسار الأزمة السورية المقبل وتأثيره الأكيد، ولاشك أن هناك تباينات بين هذه المواقف، وهي وإن كانت نادراً ما تصل إلى درجة التناقض، إلا أنها تبقى بالإجمال غير موحدة ولا قريبة تماماً بعضها من البعض الآخر.

من الواضح أن الموقف الروسي يتبنى النظام السوري ولذلك يدافع عنه منذ بداية الثورة، وبجد له المبررات، مع أنه أعلن صراحة على لسان الرئيس بوتين أنه لايدعم الرئيس الأسد شخصياً وليس معنياً ببقائه، وإنما يخشى من سقوط النظام وحدوث فوضى.

وانتصار الفئات الإسلامية المسلحة التي تحارب النظام، وبالتالي ما يعني ضمناً احتمال فرض نظام إسلامي على سوريا يكون مهيئاً لمساعدة التنظيمات الإسلامية في القوقاز وخاصة الشيشان منهم، وعلى ذلك لا يخلو الموقف الروسي من رؤية مخاطر عليه نفسه من نجاح المعارضة الإسلامية السورية.

وكأن الأزمة السورية تلامس الوضع الداخلي الروسي. هذا فضلاً عن مصالحه الأخرى في سوريا، وخاصة تصدير السلاح إليها والسماح للجيش الروسي باستخدام ميناء خاص في طرطوس لخدمة قواته البحرية. مع ملاحظة أن سوريا هي موطئ القدم الأخير لروسيا في حوض المتوسط وفي البلدان العربية ، إضافة إلى الضغوط الإيرانية على روسيا لاتخاذ هذا الموقف. ومن المعلوم أن المصالح الروسية في إيران كبيرة جداً سواء من الناحية الاقتصادية أم من ناحية الموقع الجغرافي والناحية السياسية أيضاً.

ولعل ذلك كله ما جعل روسيا تصر على رفض تنحية الرئيس الأسد، وتتجاهل مواقفه العنيفة والدموية من الشعب السوري، وخلاصة الأمر تسعى السياسة الروسية بالنهاية لإجراء إصلاحات في النظام دون تغييره تغييراً بنيوياً وجدياً.

أما الموقف الأميركي فرغم الصخب الذي أثارته وتثيره السياسة الأميركية منذ بداية الثورة، فهو موقف حذر، ولم يقل ولا مرة بتغيير النظام السوري، وكل ما طرحه هو تنحية الرئيس، وهذا الطرح هو ذر للرماد في العيون، فتنحية الرئيس تختلف عن تغيير النظام، الأمر الذي لم يلفظه أو يصرح به أي مسؤول أميركي كبيراً كان أم صغيراً، ويبدو أن السياسة الأميركية غير مستعجلة على حل الأزمة السورية لأكثر من سبب، أولها على أمل أن يتم تدمير سوريا تدميراً كاملاً (اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً واجتماعياً وثقافياً) .

وتحويل مجتمعها إلى مجتمع طوائف، وهو الحل الذي يرضي السياسة الإسرائيلية التي يرى بعض المراقبين أنها اشترطته منذ الشهر الأول للثورة على الولايات المتحدة، كشرط سابق لتغيير النظام. وثاني الأسباب هو خوف هذه السياسة من زيادة قوة ومنعة التيارات الإسلامية المسلحة التي تحارب النظام، وخشيتها من أن تتسلم السلطة فيما إذا سقط، حيث تقع الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة في ورطة كبيرة، إذا حدث ذلك، وهذا ما حدا بالولايات المتحدة للبحث عن مبررات لتأخير تقديم المساعدات الجدية للمعارضة السورية السياسية والمسلحة.

كالسلاح والغذاء والدواء، فتارة تجد مبرراً في انقسامات المعارضة، وتارة أخرى تبدي خشيتها من قوة المنظمات الإسلامية (جبهة النصرة وأمثالها) وفي الخلاصة مازالت السياسة الأميركية تماطل في اتخاذ موقف جدي تجاه الأزمة السورية، وتبدي الحذر الكبير في تحقيق تأثير فاعل بحلها.

أما الموقف الثالث الرئيس فهو الموقف الأوروبي (وخاصة الفرنسي والبريطاني) الذي يرى، خلاف رأي الموقفين السابقين، ويعتقد أن عدم تزويد المعارضة السورية المسلحة بما تحتاجه سوف يترك فراغاً يساعد على نمو تنظيمات المعارضة الإسلامية المسلحة التي سوف تستفيد من تراجع الجيش الحر وضعف تسليحه لتتقدم خطوات إلى الأمام.

كما يرى الموقف الأوروبي استحالة أن ترث المنظمات الإسلامية النظام السوري إذا سقط لأسباب عديدة، وعلى ذلك فهي تقول بضرورة تقديم الدعم السياسي للمعارضة السياسية وتزويد المعارضة المسلحة بالسلاح حتى تملأ الفراغ وتتأهل لوراثة النظام بعد سقوطه.

وفي ضوء ذلك من المتوقع أن تزود الدول الأوروبية المعارضة السورية بالسلاح خلال أسبوعين، وأن تدعمها دعماً كاملاً لتستطيع (سياسيا وعسكرياً) إسقاط النظام وإقامة نظام ديمقراطي تعددي تداولي، ورغم أن أوروبا بالعادة لا تذهب بعيداً عن السياسة الأميركية، إلا أنها استنّت لنفسها هذه المرة سياسة أخرى كما يبدو. وهي تراهن على أن تزويد المعارضة بالسلاح سيحسم الموقف لغير صالح التنظيمات الإسلامية المتطرفة.

 وهكذا تتجاذب الأزمة السورية هذه المواقف الدولية الثلاث التي تتسابق لتطبيق خططها وإنجاح رأيها ومواقفها، وينبغي التنويه، بما يراه المراقبون، من أن الشعب السوري والمعارضة السورية يرفضان، حتى الآن، أي حل بدون تنحية الرئيس الأسد ووضع الجيش والأمن تحت إمرة الحكومة الانتقالية، ويقولان باستحالة أي حل بدون هذين الأمرين ، وعلى ذلك فهما أقرب إلى الموقف الأوروبي وهذا ما قد يساعده . أما الموقف الروسي الداعم للنظام تقريباً والموقف الأميركي الموارب، فهما بعيدان عن قبول الشعب السوري ومعارضته السياسية والمسلحة.

بقيت الإشارة إلى أمر هام، هو أن عدم حل الأزمة السورية أو البدء بحلها، ربما يساعد على نقلها لدول الجوار، وتحولها إلى أزمة إقليمية تتضرر منها دول العالم جميعها، بما فيها السياسات الثلاث السابقة، وهذا ما يدعوها إلى بذل جهد استثنائي للوصول إلى حل حتى لو كان مفروضاً .

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ