ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 31/01/2013


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

30-01-2013

مآسٍ..من الشام لبغدان!

صالح القلاب

الرأي الاردنية

30-1-2013

بحجم المخاوف على سوريا وأوضاعها ،التي لا تزال معلقة بين الأرض والسماء والتي تواجه شتى الإحتمالات، فإن هناك مخاوف فعلية وحقيقية على مصر وعلى العراق وعلى تونس وليبيا وأيضاً على العديد من الدول العربية التي لم يصلها «الربيع العربي» ولم تغشها إستحقاقاته حتى الآن وكل هذا ولا يمكن إستثناء الوضع الفلسطيني من هذه الخشية حيث هناك دولة في غزة لا يتوفر لها أي مقوم من مقومات الدولة ودولة أخرى في رام الله هي كمن يعيش بين فكي تمساح وكل مبرر وجودها أنها تحافظ على بقاء وإستمرار الأمل الذي مضى من أجله الآلاف من الشهداء والذي ذاق الشعب الفلسطيني من أجل الوصول إليه الأمرّين.

لا أحد بإمكانه الجزم بعَلَى أيِّ جنب ستستقر الأمور في سوريا ،مع أن الثورة السورية تسير في الإتجاه الصحيح وتحقق إنجازات واعدة على الأرض، ولا أحد بإمكانه الجزم بطبيعة ما ستصل إليه الأوضاع الكارثية في العراق وما إذا كان هذا السائد حالياً سيأخذ هذا البلد إلى الحرب الأهلية المدمرة أم لا ولا أحد بإمكانه الجزم بما إذا كان شعب مصر العظيم سيعود إلى طبيعة مياه النيل الإنسيابية الهادئة أم أن نزوات الشموليين والإستبداديين ستأخذه إلى المصير المظلم الذي يجري الحديث عنه.

وهذا في حقيقة الأمر ينطبق على تونس وليبيا وبالطبع على السودان ،الذي أوضاعه «لا تسر الصديق ولا تغيظ العدا»، وعلى اليمن السعيد المصاب بمرض جاهلية علي عبد الله وبصداع «التشطير» الشيوعي المُحْتضن ،وللمفارقة، من قبل الولي الفقيه ومرشد الثورة وآيه العظمى في طهران.

لماذا نزل غضب الله على هذه الأمة فأصبحت أوضاعها هي هذه الأوضاع وأحوالها هي هذه الأحوال المزرية والبائسة..؟!

لو بدأنا من بدايات القرن الماضي لوجدنا أنه لم يكن قد بقي من العرب كمكانة وكحضارة وكعطاء للإنسانية وكدور تاريخي إلا ما يشبه «بقايا الوشم في ظاهر اليد» فأجيالهم اللاحقة بعد أيام العز وبعد الفتوحات العظيمة التي امتدت من «بواتيه» على أبواب باريس في الغرب وحتى سور الصين العظيم في الشرق قد أصيبت بالإعياء والأمراض التي أصيبت بها أجيال كل الدول البائدة وأنَّ خلفاءها وسلاطينها قد سلموا ذقونهم ورقاب شعوبهم ومصائر بلدانهم لمن كانوا أشتروا آباءهم وأجدادهم من أسواق النَّخاسة فحلَّ بهم عقاب التاريخ وكانت النتيجة أن وصلت هذه الأمة التي كانت عظيمة إلى كل هذا الهوان الذي تعيشه الآن.

ولو عدنا إلى عشية الحرب العالمية الأولى لوجدنا ان الغرب ،المنتصر على الإمبراطورية العثمانية التي كانت قد وصلت إلى الشيخوخة والإنهيار وأرذل العمر، قد قسَّم الوطن العربي بـ»المسطرة» وحوَّله إلى دويلات ودول لا تتوفر لمعظمها أدنى مقومات «الكانتونات» التي عرفها التاريخ القريب والبعيد وكذلك ولو عدنا إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية لوجدنا أننا أبتلينا بإنقلابات العسكر الذين كانت حالهم كحال ذلك الزوج الذي لأنه يواجه إذلالاً لا مثيل له وهو في الخارج إعتاد على أن يعود إلى بيته ويبدأ من قبل التعويض وإثبات رجولته بالإنتقام من زوجته وأطفاله.

«إنَّ الله لا يغير ما بقومٍ حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم» وحقيقة ان كل هذا الذي نراه في سوريا وفي مصر وفي اليمن وفي السودان وفي تونس وليبيا ولبنان و»فلسطين».

وفي كل مكان :»من الشام لبغدان..ومن نجد إلى يمنٍ..ومن مصر فتطوان» هو من صنع أيدينا وهو إنعكاسٌ لما في قلوبنا.. وحقيقة أنَّ هذا كانت قد مرَّت به أمم وشعوب كثرة لكنها ما لبثت أن نهضت ووقفت على أقدامها وأخذت مكانها تحت الشمس لأنها تمردت على الذِّلة والمسكنة ولأنها قدمت مصالح أوطانها على المصالح الذاتية.. وهذا ما جناه جدودنا وآباؤنا علينا!!.

 

========================

سورية: استمرار العنف وما يليه!

أكرم البني *

الأربعاء ٣٠ يناير ٢٠١٣

الحياة

بات واضحاً أن الأوضاع السورية تسير نحو مزيد من التفاقم والاحتدام وأن خيار العنف هو الفيصل وأن ما يطرح من مبادرات سياسية، داخلية أو خارجية، ليس أكثر من مناورات لتمرير الوقت وامتصاص ردود الأفعال الأخلاقية على مشهد يومي دامٍ ومروع لا يحتمله عقل أو ضمير.

وإذ يتوجب التذكير ببديهيات حول طبيعة سلطة الاستبداد السورية وبأنها من النوع الذي لا يقبل التنازل وتتناقض بنيتها الأمنية مع أية معالجة سياسية، وحول سلبية المجتمع الدولي ومسؤوليته في منح الفرص للنظام كي يتوغل في القمع والتنكيل، فثمة أسئلة محيرة ومقلقة لا بد من طرحها لتفسير دوافع استمرار هذا العنف المفرط. فهل ثمة في السلطة من لا يزال يتوهم بأن التصعيد المتواتر للعنف سيرهب الناس مجدداً ويعيد المجتمع إلى بيت الطاعة بعد ما يقارب العامين من تجريب أعتى أنواع الأسلحة وأكثرها فتكاً، أو يأمل على الأقل في تعديل موازين القوى واستعادة زمام المبادرة؟!. أم هناك من يراهن على دور الممارسات الموغلة في العنف والاستفزازات الطائفية في تبديل المشهد واستجرار ردود أفعال من الطبيعة ذاتها، وتظهير صورة طالما روج النظام لها عن عصابات مسلحة متآمرة وقوى سلفية مرتبطة بأجندة خارجية لتشويه وطنية الثورة ووجهها الشعبي واستمالة الموقف الغربي الذي يعتبر إرهاب القاعدة العدو رقم واحد، ولعل موقف الإدارة الأميركية من «جبهة النصرة» مؤشر ذو دلالة على ذلك!.

وهنا لا يخفى على أحد أن تصاعد العنف المفرط أدى إلى استيلاد تيارات لم تكن موجودة أصلاً في بنية الثورة، كالقوى المتطرفة الجهادية، وتمرير ما ترفعه من شعارات عن دولة الخلافة الإسلامية، ومن حسابات ضيقة بأنها قادرة بمفردها وبقوة السلاح على تحقيق الانتصار، وبأن من يعارض مواقفها وتكتيكاتها هو كافر وجاحد. ثم أليس الإمعان في العنف والتنكيل ضد فئات محددة وتحويل الصراع معها إلى صراع وجود، ما يدفع النسيج البشري المتعايش منذ مئات السنين نحو العداء والتفكك، ويزيد الضغينة وروح الانتقام، ويذكي العصبيات ويجرها نحو التنابذ والنزاع وتهديد الذات المجتمعية بالانشطار إلى هويات ممزقة، معززاً عودة كل مكون اجتماعي إلى أصوله القومية أو الدينية أو الطائفية كي يضمن بعضاً من الحماية والوجود الآمن، وممهداً لفكرة تقسيم سورية إلى دويلات أو كانتونات للخروج من هذا المأزق الوجودي.

ونضيف: ألا يتعلق التوغل في العنف برهان على ربح مزيد من الوقت للاتكاء على مثالب وإرباكات تشهدها الثورات العربية في مراحلها الانتقالية لتسويغ فكرة «الاستبداد الآمن» وللطعن برياح التغيير العربية والتشهير بمشروعية مطالب الناس في الحرية والكرامة «كجالبة للفوضى والتذرر»!. والغرض تعزيز مخاوف الأقليات ودفع كتلة كبيرة من أبناء المجتمع وهم أصحاب مصلحة حقيقية في التغيير للتمسك بموقفهم السلبي والمتردد؟ وأيضاً، ألا يفضي استخدام العنف بهذه الطريقة التدميرية التي تتعرض لها أماكن السكن في معظم المدن والأرياف السورية، وشدة الحصار المزمن عليها والضغط على حاجاتها وخدماتها وشروط حياتها، إلى تغييب الوجه الديموقراطي والمدني للثورة وعسكرة المجتمع في تلك الأماكن، وتالياً إلى تشويه حضور المعارضة وقدرتها على إدارة مناطقها في ظل شح المستلزمات المعيشية، والتعويل مرة على خلق حالة من الشقاق بينها وبين الناس، ومرة على دور التدمير العشوائي في حرمان هذه المناطق من أدنى قدرة على النهوض.

وأيضاً هل من عامل أهم من العنف يؤدي إلى محاصرة قادة العمل السلمي والمدني وضرب رموز الاعتدال، بما في ذلك منع أي تفاعل حواري وطني بين الفئات الاجتماعية والقوى السياسية السورية، منذراً من جديد بتغييب الناس عن السياسة وبإعادة الأمور إلى المربع الأول إلى منطق الغلبة والإكراه، ربطاً باعتقال وتهجير المزيد من كوادر المعارضة السياسية وإضعاف قدرتها على قيادة الثورة، وتالياً تعزيز دور القوى المسلحة في الميدان، لتغدو صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة.

الكل متفق على أن النظام على استعداد للمساومة على كل شيء، عدا احتكاره للسلطة، وغير مستعد لتقديم أي تنازل قد يهدد من قريب أو بعيد موقعه وسلطانه، وحين لا يهم السلطة، أية سلطة، سوى ضمان امتيازاتها وبقائها في الحكم، فلن تتوانى عن فعل أي شيء بما في ذلك جر البلاد كلها إلى العنف والاقتتال لخلط الأوراق وتضييع الحدود والتخوم وكسب المزيد من الوقت عساها تتمكن من إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.

هو ليس مشهداً فريداً في التاريخ أن تفضي المصالح الأنانية والضيقة لنخبة حاكمة إلى انهيارات عامة ومروعة، وهو ليس حدثاً نادراً أن يرفض المتنفذون وأصحاب الامتيازات تقديم التنازلات ويلجأون دفاعاً عن مكاسبهم والوضع القائم إلى إشاعة كل أساليب العنف والقهر، لكنه أمر غريب أن لا تدرك المعارضة ذلك وأن لا تتقدم بجرأة لأخذ زمام المبادرة وترشيد إدارة الثورة، ليس بالاقتصار على طلب السلاح وتشجيع الحسم العسكري، بل بنشر ثقافة تظهر موقفاً مبدئياً ضد العنف ومنطق الغلبة والإكراه في إدارة الصراع السياسي وتنبذ كل محاولات الإقصاء والاستفزاز وإثارة الحقد والبغضاء والتحشيد المتخلف الطائفي أو المذهبي، مكرسة جهوداً خاصة للاستمرار في الاحتجاجات السلمية والمدنية، وفي تنظيم حياة الناس لتقاسم شح الإمكانيات المعيشية ومنع التجاوزات والتعديات ولخلق روابط للتآخي تنبذ التفرقة وتعزز الروح الوطنية، واضعة في حسبانها أنها من سيرث هذه الأرض وأن من واجبها منع قوى الماضي التي تحتضر من تحويلها إلى أرض محروقة، كما من واجبها إقناع الآخر بأنها ثورة إيجابية وبناءة تلتقي على الاحتكام لدولة القانون والمؤسسات، وتستمد على النقيض من الماضي شرعيتها ليس من منطق القوة والإرهاب بل مما تقدمه للناس من ضمانات لصيانة حقوقهم وحرياتهم وعيشهم الكريم.

========================

سورية غريبة عن صورتها في الإعلام الغربي والعربي

أبو نضارة *

الأربعاء ٣٠ يناير ٢٠١٣

الحياة

ثمة تباين بين بشار الأسد وصورته، وهو لا يشبهها. ويُقال أنه زعيم ميليشيا، ومستبد دموي، وقاتل متسلسل. لكن طلته هي طلة رجل «جنتلمان»، وابتسامته تشبه ابتسامة الطلاب. وعلى رغم اطلاع المرء على المجازر التي يرتكبها جنوده الذين لا يستثنون من «مبضعهم» القاتل الأرملة واليتيم، يصعب عليه ألا يساوره شك حول ما يقال عن بشار الأسد حين يراه على خشبة أوبرا دمشق، حيث ألقى اخيراً خطاباً قدم فيه نفسه على انه ضامن الوحدة الوطنية ازاء «الجهاديين» الأشرار.

أوجه الشبه ضعيفة بين سورية وصورتها. ويقال انها بلد قومي وعلماني مر في مرحلة تطور علمي، شأن تونس على قاب قوسين من النموذج الديموقراطي الجامع العام. لكن الصور التي تعرض عن سورية هي صورة بلد تنهشه «حرب طائفية» قد يلقى مصير الصومال. والناظر الى صور وسائل الاعلام الكبيرة، يكاد أن يصدق أن الأسد سيد نبيل في مأزق يقتضي مساندته عسكرياً على اسرع وجه لاطاحة اتباع «القاعدة». إذ ثمة تشوش في صورة سورية يغلّب كفة الاسد على كفة عشرات آلاف الضحايا. والنظام البعثي هو وراء هذا التضليل. فهو حرم المجتمع السوري من الحق في رسم صورة أمينة لأحواله. فالنظام هذا بلغ سدة الحكم إثر انقلاب في 1963، واحتكر تمثيل المجتمع بعد ان طرد النخب الليبرالية، وأحكم القبضة على المجتمع المدني، واحتكر الانتاج الثقافي والفني. ولم يبق لعامة السوريين سوى صورة فبركها النظام عنه: شعب مرصوص الصفوف ومؤيد للرئيس و «مصطف» وراءه. وسورية هذه هي «سورية الاسد» كأنها ملك له، عرين السلام والعلمانية والقومية العربية.

ونظرت وسائل الإعلام الأجنبية نظرة جغرافية – استراتيجية الى حوادث سورية غلب عليها الطابع الـ «فولكلوري» الذي يبرز التراث الشعبي البائد، أو نسبت مشكلات سورية الى وقوعها في «الشرق المعقد». وصدرت اعمال كثيرة عن سورية، منها الافلام الوثائقية، تتبع احوال الطاغية والنزاع مع اسرائيل ومسيحيي الشرق. لكن الأعمال هذه أهملت نقل صورة فعلية عن المجتمع السوري الذي حكم عليه الطاغية بالانمحاء، وأسدل عليه ستار القمع الصفيق. وما السبيل الى التوجه الى المجتمع السوري ومنحه الحق في التعبير والكلام في وقت درجت وسائل الاعلام الخارجية على الحذر منه؟

وعوض النقد الذاتي، هربت كبريات وسائل الإعلام العربية والغربية الى أمام: منذ مطلع الثورة السورية في آذار (مارس) 2011، سعت الى الالتفاف على «تعتيم الاعلام النظامي»، فوقعت على ممثلي النظام الجدد من معارضين سياسيين وناشطين ومواطنين – مراسلين ومثقفين وفنانين. ويدعو الى الاسف انزلاق هؤلاء الممثلين الى تقديم الثورة في سورية على انها نزاع بين الشر والخير وبين الشعب والغول الحاكم. والإكثار من الكلام على الوحش أو الغول أطاح صدقية وسائل الاعلام، فقصرت الثورة على انها «جهاد» متطرف. والصورة هذه ثبتت مزاعم الاسد بأنه يواجه هجوماً «اسلاموياً»، ومنحتها الصدقية.

اليوم يناضل المجتمع السوري من اجل حقه في الوجود وفي جبه دولة ميليشيوية تسعى الى قطع الأواصر الاجتماعية وتمزيقها. وإذا قيّضت لهذه الدولة الحياة، قد تشارك في لقاء الحضارات الموعود.

ولا نملك نحن السينمائيين السوريين غير الدفاع عن مجتمعنا من طريق نقل صورة أمينة عنه، شأن غيرنا من الفنانين والمواطنين السوريين. ونحن ننتج صوراً بديلة نرميها في شباك الشبكة العنكبوتية كأنها زجاجات في عرض البحر.

========================

حوار في صير بني ياس!

الشرق الاوسط

ميشيل كيلو

30-1-12013

هما دبلوماسيان سابقان: روسي وأميركية. وقد جاءا إلى لقاء صير بني ياس، أو دافوس الرملي، في دولة الإمارات العربية المتحدة، ليقولا رأيهما، شبه الرسمي، ويتناقشا مع حضور متنوع الجنسيات والمناصب والأدوار، في بعض مشكلات عالمنا الاستراتيجية والراهنة.

ومع أنهما كانا من أكثر الناس أهمية في بلديهما، فإنني لن أذكر اسميهما، وسأكتفي بسرد بعض الوقائع التي جرت بينهما وبيني، بعد أن أثار اهتمامهما أنني مواطن من بلاد تصنع ثورة ستمس نتائجها بالتأكيد مصالح بلديهما ومكانتهما من المشرق العربي خاصة، والمنطقة العربية عامة. وكنت قد قدمت ما يشبه خريطة طريق للخروج من الأزمة السورية، فجاءا يستوضحان بعض مفرداتها وتفاصيلها.

سأل الروسي بعد أن قدم شرحا طويلا حول موقف بلاده: وكيف ستوقفون اندفاع بلادكم إلى الحرب الأهلية، في حال استمر تصاعد دور المتطرفين فيها، وازداد عجزكم عن السيطرة عليهم، وتحولوا إلى قوة رئيسية أو حاسمة على الأرض؟ ألم يكن التفاهم مع بشار الأسد أفضل لكم من السقوط تحت رحمة من لن يقبلوا بكم، وليس بينكم وبينهم أي قواسم مشتركة؟

وقالت الأميركية إن بلادها لن تتدخل في سوريا خشية أن تجرها إيران إلى معركة بلا نهاية قد تخسرها، وليس لأنها لا تملك الأدوات والقوة اللازمة للتدخل، وأضافت أن الصراع مع إيران قد يقوض توازنات القوة القائمة اليوم في المنطقة، والتي تريد واشنطن الحفاظ عليها، بعد أن بذلت جهودا حثيثة من أجل إقامتها وإدامتها.

قلت للروسي: أنتم تقفون وراء صعود التطرف الرسمي وغير الرسمي في سوريا؛ الرسمي لأنكم تساندون وتسلحون نظاما أنكر أن يكون في بلاده أزمة تتطلب حلا، وسد أبواب السياسة وفتح أبواب الحرب على من طالبوه بحقوق أقر أنها شرعية، ثم انقض عليهم طيلة الفترة الماضية قتلا وتدميرا. وأنتم لا تحاولون ثني هذا النظام عن عنفه الذي طاول جميع السوريات والسوريين دون أي استثناء، وفرض عليهم تضحيات جسيمة قوضت وجودهم، وإنما شجعتموه على المضي في جرائمه بأمل تمكينه من الانتصار، ولم تفكروا في ما سيبقى له من شرعية في حال انتصر فعلا على مواطنيه، وحول سوريا إلى ركام. كما أنكم تقفون وراء التطرف غير الرسمي، لأنكم، بمساعدتكم النظام، تطيلون أمد الصراع وتسهمون في دفع السوريين إلى تطرف متزايد ردا على تطرف النظام المتزايد. أنتم تخشون توطن المتطرفين في سوريا وإحرازهم مكانة مميزة وقيادية فيه يمكن أن تلعب دورا مهما في انتقاله إليكم، لكنكم تستقدمونه بقوة إلى دياركم لأنكم تزرعونه بعمق في الأرض السورية، فكأنكم تنتحرون خشية أن تموتوا. وما لم تتخلوا عن النظام وتتبنوا مطالب الشعب، فإنكم تكونون كمن يزرع عاصفة خوفا من نسمة، ولن تلبثوا أن تعانوا الأمرّين من التطرف الذي تغذيه سياساتكم الخاطئة في سوريا، عندما سينتقل إليكم، علما بأنكم لن تواجهوا شيشانا جديدة، بل تمردا قد يكون واسعا ويشمل قسما كبيرا من مواطنيكم، الذين يفتقرون إلى الكثير مما كان يجب أن يحصلوا عليه من حقوق وثروة. وإذا لم تتحركوا بسرعة وبمبادرات جدية وصادقة، فإنكم لن تجدوا أي صديق يدافع عنكم بين السوريين، وستخسرون سوريا وجزءا واسعا من شعبكم في روسيا ذاتها، فضلا عن ملايين المسلمين في العالم بأسره، وستضعون أنفسكم خارج العالم الأخلاقي الذي لا بد أن تنهض عليه حياة الإنسانية اليوم.

سألت الأميركية باختصار: لو هزم الشعب في المواجهة مع النظام، هل كنتم ستعتبرون أنفسكم منتصرين أمام إيران لأنكم تركتموها تهزمه هو وتنقذ نظامه؟ لم تهزموا أمام إيران في سوريا، لأن شعبها حال دون ذلك بفضل الهزيمة التي ينزلها بنظامه وبحليفه الإيراني. لقد خاض الشعب السوري معركة لم تكن من اختياره، جعلتها ضرورات استراتيجية كثيرة معركتكم، وحقق انتصارا تحول بقوة الواقع إلى انتصار لكم، مع أنكم لم تقدموا له أي عون، ولم تقوموا بدوركم المفترض في الصراع باعتباره فرصة يمكن أن تحرزوا من خلالها انتصارا مؤكدا، لذلك توقف كل شيء على تضحيات السوريين، الذين أخرجوا لكم الكستناء من النار، لتأكلوها وأنتم تتفرجون باستمتاع على موتهم، كما لم تسهموا بأي دور أو تعبروا بأي شكل ملموس عن امتنانكم لهم، ليس فقط لأنهم وفروا عليكم تضحيات كثيرة بالرجال والمال، بل كذلك لأنهم أنقذوكم من هزيمة أمام إيران كان من شأنها أن تحول لفترة طويلة بينكم وبين تحقيق أي شيء في صراعكم معها، وأن تمكنها من تحديكم في أي بلد من المنطقة. بدل أن تبرروا عزوفكم عن القيام بدور تمليه عليكم مسؤولياتكم الدولية، تمسكتم بأكاذيب حول وحدة المعارضة، وانقسام الشعب السوري، وقوة جيش السلطة، وكان عليكم أن تسألوا أنفسكم: إذا كان شعب سوريا حقق إنجازاته ضد جيش السلطة «القوي» رغم عدم وحدة المعارضة وانقسام مجتمعه وبأقل قدر من السلاح، ماذا كان سيحدث لو تمت مساعدته وتمكن من تجاوز انقساماته وتهافت معارضته؟

أنتم لم تفعلوا شيئا من هذا، بل تركتم السوريين يموتون عوضا عنكم، مع أنهم لم يقرروا يوما خوض معارككم الإقليمية، لسبب بسيط هو أنها ليست معاركهم، ولأن من فرض عليهم الصراع مع إيران هو نظامها الذي قاتلهم بلا هوادة، ونظامهم الذي مكنته أسلحتها وذخائرها من قتلهم بالجملة.

وعلى العموم، فأنتم لم تفهموا بعد المنطويات التاريخية لثورات الربيع العربي، وإلا لما اتخذتم منها مواقف سخيفة وحتى عدائية.

أقرت محاورتي بأن الشعب السوري يخوض بالفعل معركة أحد أطرافها المعادية له هو إيران: حليفة نظامه، وقالت: إن انتصاره فيها يجنب أميركا هزيمة استراتيجية الدلالات. قلت وأنا أدير ظهري منصرفا: ويربحها معركة أخرى هي شطب سوريا من خارطة القوى في المنطقة، ويجعلها تضرب عصفورين بحجر واحد، دون أن تبذل أي جهد أو تخسر أي جندي.

كان وقت العشاء قد حان، فدعتني إلى الجلوس قربها لإكمال حديثنا. كان الغضب والاستياء يتصاعدان في نفسي، فتركتها وقصدت مائدة أخرى وقد فقدت رغبتي في تناول الطعام!

========================

روسيا: في انتظار ثمن بيع سوريا؟

الشرق الاوسط

عماد الدين اديب

30-1-2013

هل بدأت موسكو في إعطاء إشارات علنية لاستعدادها للتفاوض على رأس النظام السوري مع الأميركيين؟ سؤال يطرح نفسه بقوة على المتابعين للقاء التاريخي المنتظر بعد ساعات بين الرئيس الأميركي أوباما ونظيره الروسي بوتين والذي سوف يخصص قسم كبير منه لمناقشة أفكار عملية وجادة حول الوضع في سوريا.

الذي يؤكد أن هناك «تحولا» في الموقف الروسي التقليدي الداعم لنظام الرئيس بشار الأسد، ما صرح به رئيس الوزراء الروسي ميدفيديف أثناء وجوده في لقاءات دافوس الاقتصادية لمحطة «سي إن إن» بأن فرص الرئيس السوري في الاستمرار بالسلطة تتضاءل يوما بعد يوم، وأن الرئيس السوري تأخر كثيرا في الإصلاحات السياسية اللازمة لاحتواء الأزمة. إذن نحن أمام إشارة من رئيس الوزراء الروسي للرئيس الأميركي تؤكد له أن بلاده تتجه نحو موقف قابل للتغير من الأسد، وأنه يمكن مناقشة هذا الموضوع أثناء لقاء أوباما - بوتين شريطة «الثمن المناسب» الذي ستتقايض عليه موسكو! إن «الثمن المناسب» هو جوهر تحركات عهود بوتين المختلفة في حكم روسيا، سواء حينما كان رئيسا للدولة ثم رئيسا للحكومة ثم عودته إلى رئاسة الدولة مرة أخرى.

روسيا في عهد بوتين: تاجر سلاح، وشريك تجاري، وجاذب للاستثمارات بأي ثمن مع أي طرف إقليمي أو دولي شريطة الحصول على «الثمن المناسب». لغة المصالح البراغماتية في القاموس الروسي في عهود بوتين واضحة بشكل ساطع في توجه السياسة الخارجية الروسية.

بهذا المنطق، فإن كل شيء قابل للنقاش، وكل شيء قابل للتفاوض والمقايضة شريطة حصول موسكو على ثمن مرض ومناسب. وسوريا هي «كنز استراتيجي» للسياسة الخارجية والأمن القومي لروسيا لـ4 أسباب:

 - مشتري سلاح كبير من روسيا يعتمد أكثر من 80 في المائة من نظامه التسليحي منذ نهاية الستينات على نظام التسليح الروسي في المعدات والذخيرة والصيانة والتدريب.

 - تعطي سوريا أهم إطلالة وموطئ قدم استراتيجي للأسطول الروسي على البحر المتوسط في موانئ بانياس واللاذقية وطرطوس.

 - جسر مصالح مهم مع إيران التي ترتبط بتحالف استراتيجي مع دمشق.

 - قدرة سوريا كلاعب إقليمي رئيسي في تأمين المصالح السوفياتية (سابقا) والمصالح الروسية حاليا في المنطقة وبالذات في لبنان وإيران وفلسطين.

إذن حينما يكون الحوار بين أوباما وبوتين حول «الثمن المناسب» لتسليم رأس الأسد فإن الزعيم الروسي لن يرضى إلا بأعلى ثمن ممكن حالي وبضمانات أميركية باستمرار وجود للدور الروسي «في المتوسط بشكل متفق عليه» بين البلدين. بدوره سوف يقوم الرئيس الأميركي بتقدير ثمن سوريا وهناك احتمال أن يكون الروسي راغبا في البيع أما الأميركي فغير راغب في الشراء!

========================

صفقة شاملة حول إيران وسوريا

الدستور

30-1-2013

في مراجعته الحرب العالمية الثانية، قال وينستون تشرشل، رئيس الوزراء البريطاني آنذاك: الشيء الأسهل من شن أي حرب في العالم هو العمل على تجنب هذه الحرب من خلال اتخاذ إجراءات في الوقت المناسب، وإن مثل هذ الإجراءات كلما اتُّخِذَت مبكراً كان الثَّمنُ أقلّ . وفي عام 1936م، أي قبل بداية الحرب بثلاثة أعوام، كانت هناك بلدان أوروبية من ضمنها فرنسا أقوى بكثير من ألمانيا، غير أنها اتخذت سياسة المساومة مع هتلر، وهي السياسة التي أدَّت إلى الحرب العالمية الثانية.

عنوان هذا المقال هو عنوان لمقالٍ نشرته صحيفة واشنطن بوست فور توجيه 74 عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي، أي ثلاثة أرباع أعضاء المجلس، رسالة إلى الرئيس باراك أوباما قالوا فيها: نطالبكم أن تؤكدوا في بداية الفترة الرئاسية الثانية لكم أنه، وفي حال استمرار محاولة النظام الإيراني الحصول على السلاح النَّووي، ستكونون جاهزين لاتخاذ الإجراء العسكري ضد هذه الدولة . أما المقال المذكور، وتماشيا مع اللوبي الإيراني الداعي إلى المضيِّ قُدُماً في خط المساومة والتواطؤ مع الديكتاتورية الإرهابية الحاكمة في إيران يعترف أن النظام في سوريا سينهار من داخله وخارجه، وأن الوقت للرئيس أوباما، الذي كان قد وعد بأنه سيمنع النظام الإيراني من الحصول على الأسلحة النووية، وأن الأمل الأخير والأفضل قد يكون أنه سيربط بين الأزمتين المذكورتين (أي إيران وسوريا) بصفقة مع روسيا وإيران، وهما من أهمِّ مُسانِدي بشار الأسد . (واشنطن بوست 29 ديسمبر 2012). وهناك مقال آخر في الجريدة نفسها، وفي نفس العدد بعنوان عجز الولايات المتحدة تجاه سوريا ، يتحدَّث عن انتصارات المعارضة السورية في غضون الأسابيع أو الأشهر القليلة القادمة في حين يعترف النظام الايراني على لسان رفسنجاني، رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، بأنه ستكون هناك أحداث سيئة بداية من لبنان مروراً بالعراق ووصولاً إلى إيران، في حال سقوط النظام السوري.

يقول الخبير الاستراتيجي الايراني محمد اقبال انه كما حدث في الحرب العالمية الثانية وتعامل المساومون مع هتلر، نرى أن المساومين بعدم اتخاذهم سياسة حازمة وداعية للسقوط سواء تجاه سوريا أو إيران يرتكبون خطأ فادحاً. ويضيف اقبال ان سقوط النظام السوري ما هو إلا مسألة وقت فقط، أما فيما يتعلق بالنظام الإيراني؛ فإن سياسة تحديد المُهَل المكرَّرة المتخذة من قِبَل البلدان الغربية، والتفاوض حول البرنامج النووي لنظام ولاية الفقيه من شأنهما فقط أن يوسِّعا من تداعيات وأبعاد حرب مقدَّرة ضد هذا النظام، وخاصة على حساب الدول العربية. ويتابع الخبير الاستراتيجي الايراني “إن تاريخ الملالي الحاكمين في إيران أثبت وأكد أنهم لن يتراجعوا لا عن البرنامج النووي، ولا عن دعمهم للنظام السوري؛ لأنهم يعرفون معرفة جيدة أنَّ سقوط النظام السوري معناه انهيار نظامهم.. وعليه؛ فإنَّ الملالي، وباستغلال سياسة المساومة في الغرب، وبالبحث عمن يبحث عن صفقة شاملة معهم، سيستمرُّون في سياسة إضاعة الوقت إلى أن ينتهي ذلك من دون شك إلى الحرب ضد نظامهم.. إذن، ولكي يسد طريق هذه الصفقة الشاملة التي سيدفع ثمنها العرب، وخاصة الدول العربية المجاورة لإيران، هناك حل في متناول اليد. وكان الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وزير الخارجية البحريني قد أكَّد في دعوة نشرتها صحيفة الشرق الأوسط ضرورة عقد مؤتمر لأصدقاء الشعب الإيراني . هذا هو الحل الصحيح والإجراء الضروري للتَّصدي لهذا النظام، وهو في المحصِّلة يصب في خانة السلام والصداقة والإخاء في المنطقة. ويضيف اقبال “ان أي محاولة للمساومة وأي صفقة شاملة مع النظام الايراني لن تؤدي إلا إلى كارثة على شعوب المنطقة”.

========================

جردة حساب للثورة السورية وآفاقها

د. عبدالله تركماني

2013-01-29

القدس العربي 

يتفق الكثيرون على أنّ سورية تمر اليوم بمرحلة حساسة ومصيرية من تاريخها، وإذا كان من الصعوبة أن نجري حساباً لوقائع وتطورات الثورة السورية التي انطلقت في مارس/آذار 2011، لأنّ فيها الكثير من التعرجات والتعقيدات، فإنّ ما يميّز اللحظة الراهنة هو الحراك الشعبي السوري غير المسبوق الذي يمكن أن يبلور البديل الوطني الديمقراطي، الممكن والضروري، نحو الاستقلال الثاني لسورية. فالثابت أنّ حراكاً إنسانياً رائعاً جرى بحجم كبير وتضحيات كبيرة، يتجه نحو مواطن سوري جديد، ووعي سوري جديد، بما ينطوي عليه ذلك من تألق للوطنية السورية الجامعة ذات العمق العربي والإنساني.

وهكذا، بعد سيل التضحيات التي قدمها أبناء الشعب السوري وبناته، فإنّ الثورة كغيرها من ثورات الشعوب العربية لم تكن نتيجة مباشرة لعمل أحزاب المعارضة، بل هي جاءت من وعي تشكّل في مكان عميق من العقل والوجدان الشعبيين، وهو مكان لم يعد قادراً على تحمّل أو فهم دواعي استمرار الاستبداد المستفحل منذ أربعة عقود.

ومن هنا فإنّ الطابع العام للثورة ظل مدنياً وتحررياً وإنسانياً بفضل تراكم نضالات الديمقراطيين السوريين طوال أربعة عقود، وبفضل تشكّل قيادات شابة قادرة على استيعاب معطيات التحول العالمي نحو الديمقراطية، وتمسك بزمام الأمور وتتحكم بحركتها حسب المتغيّرات، رغم وجود حالات تشويش فردية. وتكتسب هذه القيادات الخبرة اللازمة في سياق عملها وبالاحتكاك مع المخضرمين من المعارضين، فتنجز أعمالاً مشهودة. وهي تعرف أنّ هذا الليل السوري الطويل لن ينجلي بسرعة، وأنّ أمامها مهمات شاقة وتضحيات كبرى، لكنها تعرف أيضاً أنّ لا عودة إلى الوراء، وأنّ لا خيار أمامها سوى مواجهة ظلام هذا الليل الطويل بالصمود والتحدي والتفاؤل.

ولا شك في أنّ تفرّد الحالة السورية، وخصوصيتها، من جهة طول أمد الثورة وتداخلاتها الإقليمية والدولية، جعلها موضع نقاش وسجال واختلاف حول دقة التوصيف لما يجري منذ سنتين، لكنّ ذلك لا يحجب حقيقة أنّ الثورة بدأت في صورة حراك احتجاجي سلمي، تركّز حول مطالب الحرية والكرامة، إلا أنّ الخيار الأمني لسلطة آل الأسد جعل الحراك الثوري يمرّ بأطوار عديدة، خصوصاً بعد الانشقاقات والتسلح.

ويمكننا اليوم استخلاص عدد من العِبر من يوميات الثورة ومن أشكال تعامل السلطة معها: فهي الأكثر تمدداً على الصعيد الأفقي، أو الانتشار الجغرافي، بالمقارنة مع باقي الثورات العربية. وهي الأكثر مثابرة رغم التعرض لسادية الأجهزة الأمنية المدعومة بميليشيات 'الشبيحة' في مواجهتها. وهي الأكثر قدرة على تجنّب الانزلاق نحو المواجهات المسلحة وأعمال الثأر الواسعة النطاق، رغم فظاعة ما يتعرض له المشاركون وعائلاتهم، ورغم محاولات النظام المتكررة لجرّ الناس إلى أعمال انتقامية تضاعف التشنج الطائفي وتزيد من خوف المترددين، فيُتاح المجال أمام الأجهزة الأمنية للمزيد من البطش والإجرام ضد المتظاهرين من دون أدنى تمييز، وهي كذلك الأكثر اعتماداً على الذات لتغطية أنشطتها وفعالياتها، خاصة بعد أن خذلها 'أصدقاء الشعب السوري'. وهي الأكثر إنتاجية وإبداعاً في الشعارات والأغاني الشعبية، والأكثر تعبيراً عن تضامن داخلي تشهره لجانها وتنسيقياتها مداورة في مواجهة استهدافات سلطة الاستبداد للمدن والبلدات والقرى والمناطق. وهي الثورة الأكثر حضوراً للنساء في المواقع القيادية لتنسيقيات الثورة.

لقد نهضت الثورة السورية بفعل عوامل داخلية أساساً وبسبب تفاقم معاناة الشباب الثائر في بحثه عن لقمة عيشه وكرامته وحريته، ربطاً بحالة غير مسبوقة من الاستبداد والقهر واستشراء الفساد أفضت إلى تخريب البنى الوطنية وامتصاص طاقاتها لحساب مجموعة صغيرة من أصحاب النفوذ والامتيازات، وهذه الأخيرة يسكنها هاجس الخوف من مصير غير محمود في حال أُزيحت عن مواقعها.

ودخلت الثورة مجال التسلّح والعسكرة والعنف كردّ فعل على استشراس الأجهزة الأمنية لسلطة آل الأسد في قمع الحراكات الشعبية السلمية وكسرها، ومن ثم إقحام الجيش في الصراع الداخلي، واستخدامه في ترويع السوريين وامتهانهم وقتلهم وتدمير بيوتهم وممتلكاتهم، ما ولّد ظاهرة الانشقاقات، ونشوء تشكيلات 'الجيش الحر'. والمشكلة أن ردّ الفعل هذا كان من طبيعة الثورة ذاتها، أي أنه جاء عفوياً، ويفتقر إلى التنظيم، وليست له هيكلية واضحة، ولا مرجعية قيادية محدّدة، وأنه تغذّى فقط من غضب السوريين، على السلطة الباغية، ومن توقهم إلى الحرية والكرامة. بل أنّ كثيراً من حملة السلاح اليوم، من غير العسكريين المنشقين، كانت الأجهزة الأمنية للسلطة قد سهّلت ذهابهم لـ 'الجهاد في العراق'، وهاهم اليوم يطبقون ما اكتسبوه من خبرات قتالية ضدها.

وفي المقابل تكبر كرة الثورة، وتنضم فئات جديدة من المجتمع السوري إلى المناخ الثوري. ويبدو أنّ العامل الاجتماعي للثورة سيكون العامل الحاسم في سيرورتها وآفاقها المستقبلية، بعد أن تجاوزت مرحلة الاحتجاجات والتظاهرات المحدودة، التي بدأت بعشرات أو مئات الأشخاص، لتتحول إلى تظاهرات تضم مئات الآلاف، مما يدل على اتساعها وانتشارها الواضح أفقياً وعمودياً، وبعد أن استطاعت كسب تعاطف فئات اجتماعية واسعة في مختلف أنحاء البلاد.

وتكمن أهمية مؤشر انخراط مكونات وفئات جديدة في فعاليات الثورة، في إمكانية إعطاء الثورة هوامش حراك ومناورة ضرورية وحيوية، تخرجها من وصف 'ثورة الريف'، أو 'ثورة المساجد'، أو 'ثورة الأحزمة العشوائية'، وهو الأمر الذي بقدر ما يعطيها القدرة على الاستمرار والتواصل، يمنحها أيضاً القدرة على تحقيق التمثيل لأكبر فئات المجتمع ومكوناته، على طريق الحالة الوطنية الشاملة، التي ترتكز إلى استنهاض الشعب، ككتلة سياسية فاعلة، لها مطالب واضحة تخص الجميع وترتبط بالإطار الوطني الجامع وبالمشاركة السياسية. وهكذا، فإنّ الطيف الشبابي أعاد السياسة إلى الفضاء السوري العام، بعد أن غابت لعقود، والحرية تعني له آفاقاً مفتوحة أرحب تحيل إلى سورية كمجال عمل، وإلى خبرات اجتماعية وسياسية واقتصادية مشتركة، أساسها الشعور بحصار السلطة وضآلة الفرص، وإلى قيم إنسانية عامة كالمساواة والاحترام. لقد أعلنها واضحة جلية أنّ الوحدة الوطنية هي قدس الأقداس، وأنه لا جدوى من أي شحن طائفي، أو غرس الرعب في أفئدة الناس عبر إيحاءات تمتد خيوطها إلى مكاتب المسؤولين في أجهزة المخابرات. فالوحدة الوطنية السورية المبنية على قاعدة احترام الخصوصيات، وتأمين الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية لجميع المواطنين من دون أي استثناء، مثل هذه الوحدة الوطنية هي التي تعد الحاضنة الكبرى القادرة على جمع كل السوريين، بعيداً عن روحية الأحقاد، وعقلية الانتقام والإقصاء، وسياسة اعتماد الولاءات ما قبل الوطنية، المتناغمة مع النزعات الاستبدادية. ولا عجب أنّ ثورة الشعب السوري كشفت المشكلات العميقة والقاتلة، التي رعاها وغذّاها نظام الاستبداد واستعان بها في صراعه مع شعبه، كما كان من المحال أن لا يكشفها هذا الجهد الإنساني الجبار الذي يبذله مجتمع يريد الخروج من الاستبداد إلى الحرية. لذلك يخطئ كثيراً من يعتقد أنّ الثورة السورية مسؤولة عن المشكلات التي برزت إلى العلن، خلال السنتين الماضيتين، وخاصة منها مشكلة الطائفية المدمرة. ومن التسرع الحكم على الثورة السورية الراهنة انطلاقا من الدور الذي تلعبه هذه المشكلة في الصراع، ومن الضروري رؤية المعضلة على حقيقتها كمنتج للنظام الاستبدادي، ومعالجتها بصفتها هذه، وإزالتها معه باعتبارها واحدة من أقوى ركائزه وأكثرها خطورة، يستحيل أن تتعايش الحرية معها، لما بينهما من تناقض وجودي.

وهكذا، في ظل احتكام سلطة الاستبداد إلى الخيار الأمني، كما وجدناه منذ انطلاق الثورة السورية في 15 مارس 2011، وغياب أي أفق حقيقي لإجراء إصلاحات عميقة، وصل الشعب السوري إلى قناعة مفادها أنّ انتهاء ثورته من دون الحصول على نتائج سياسية حقيقية، تنطوي على تفكيك النظام الأمني والتوجه نحو نظام سياسي معاصر قوامه عقد اجتماعي وسياسي جديد يقوم على تعددية سياسية حقيقية ومؤسسات تؤمّن الكرامة والحرية للمواطن السوري، سيؤدي إلى الانتقال لمرحلة أسوأ مما كانت عليه الأمور قبل بداية الثورة، خاصة إذا ما نجحت المساعي الإيرانية كي يكون بشار الأسد وحاشيته من القتلة في المرحلة الانتقالية من الاستبداد إلى الديمقراطية.

المهم أنّ رأس السلطة سيلحق بأقرانه التونسي والمصري والليبي واليمني، وكلما تضافرت الجهود وتعاظمت العوامل المنهكة له، كلما كان اللحاق هذا أسرع وبكلفة بشرية واقتصادية أقل وطأة. مما يفرض على الكتلة التاريخية للثورة السورية أن تبلور توازنات جديدة، تصون الحرية المكتسبة في المناطق المحررة بعد كفاح شاق، وتضمن استقراراً مواتياً للتراكم الوطني، وتؤسس لنشوء تقاليد سياسية واجتماعية جديدة.

وتبقى الثورة هي الفاعل الأساسي في سورية اليوم وهي أيضاً الصانعة لقيم جديدة على طريق الاستقلال الثاني: الحرية والكرامة والمساواة والعدالة، ولشرعية جديدة قائمة على المواطنة. لن تكون سورية بعد اليوم مزرعة لأحد، كما كانت لعقود طويلة، وإنما وطن الحرية والكرامة لجميع أبنائها. لن تكون بلد التمييز والظلم والإقصاء، بل وطناً واحداً لشعب سوري موحد، لا حديث فيه عن أكثرية وأقلية بل مواطنية ومساواة، لا يراعي في معاملته مع أبنائه أي اعتبار قومي أو مذهبي أو طائفي أو مناطقي، ولا اعتبار فيه إلا للكفاءة والإخلاص، والمقدرة على البذل والتضحية في سبيل المجموع. سيحمي دستور سورية الجديدة حقوق كل مكوّنات المجتمع السوري، حيث سينال فيها الأكراد والآشوريون والتركمان ما حُرموا منه من حقوق وما عانوه من تمييز. ستُفصل في سورية الجديدة السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية، وستحاسَب فيها الحكومة المقصّرة وستكون السلطة بيد الشعب يقرر من يحكمه عبر صناديق الاقتراع. ستكون سورية المستقبل دولة الحق والقانون، يتساوى فيها الجميع أمام القضاء المستقل، ويكون للجميع الحق ذاته في تشكيل المنظمات والأحزاب والجمعيات، والمشاركة في صنع القرار، مما يفتح في المجال لتألق الوطنية السورية الجامعة.

والأسئلة التي تطرح نفسها هنا هي: هل سيستطيع الشعب السوري الأعزل وحده إيقاف جرائم سلطة استبداد آل الأسد وشبيحتهم، أم أنه سيحتاج إلى الدعم العربي والدولي، وما هو دور هذا الدعم وحدوده؟ وهل يتوجب على السوريين، الذين يحتاجون لمؤازرة الأسرة الدولية للانعتاق من قهر سلطتهم الفاسدة أن يدفعوا ثمن تلك المساندة وفق تسعيرة تفرضها شروط المصالح الدولية والإقليمية؟

========================

بشار والبعد عن الواقع

ألبير خوري

عكاظ

30-1-2013

بين ما قاله وزير الخارجية الأمريكية المعين جون كيري عن أن ساعة رحيل رئيس النظام السوري بشار الأسد قد دقت، وما قاله رئيس الحكومة الروسية ديمتري مديديف عن تضاؤل فرص الأسد بالبقاء في السلطة، يطل بشار الأسد بنفسه متحدثا عن استعادة جيشه للمبادرة الميدانية ومبشرا بمفاجآت جديدة.

مرة جديدة يثبت بشار الأسد أنه يعاني من «داء الغربة والبعد عن الواقع تماما» حيث تظهر تلك العوارض المرضية المزمنة عليه مع كل إطلالة إعلامية كانت أو جماهيرية مع التحفظ على كلمة جماهيرية.

الواقع مع كل وقائعه يؤكد أن المسألة ليست أن بشار الأسد سيبقى أو سيرحل عن السلطة أو أنه سيتنحى أو يرشح نفسه مجددا للرئاسة عام 2014، فالمباحثات كل المباحثات مهما اختلفت جنسية أطرافها وأجندتها وتحالفاتها تتحدث عن سورية ما بعد الأسد، تتناول الهواجس التي ترافق هذه المرحلة عن هوية من سيحكم وكيف سيحكم ومستقبل سورية.

قصة بشار الأسد مع داء الغربة عن الواقع تختصر كل المأساة السورية، فهذا الداء جعل من صبية درعا قبل عامين وقودا لثورة شعبية عارمة والداء نفسه جعل ما أسماه الأسد نفسه بالإصلاحات بعد أشهر من انطلاقة الثورة عنوانا لقمع أكبر .

والداء نفسه أوصل كل المبعوثين الدوليين والعرب من كوفي عنان إلى الأخضر الإبراهيمي إلى الفشل والعجز، وهو نفسه أيضا دفع الكثيرين من المقربين من الأسد إلى الانفضاض عنه والهروب. فالغربة عن الواقع تفقد حاملها القدرة على القرار والقدرة على الحوار والقدرة على مواجهة الأخطار . هذا ما يعانيه بشار الأسد وهذا ما يدفع ثمنه الشعب السوري من دمه وماله ومستقبله.

التعاطي مع بشار الأسد يجب أن يكون من موقع الإدراك بالداء الذي يحمله ولا معالجة للأزمة السورية إلا بمعالجة الرأس المريض ومعالجة المرض بعد عامين على استفحاله قد تستوجب آخر العلاج كما يقول الأطباء «آخر العلاج الكي» .. والسؤال: بعد مرور عام ونصف على ثورة الكرامة السورية .. وبعد سقوط عشرات الآلاف من السوريين قتلى وجرحى وبعد تدمير المدن والبنية التحتية السورية .. هل شعر المجتمع الدولي بأن آخر العلاج .. هو «كي الأسد ؟».

========================

حصة الأسد للبنان من الكويت؟

راجح الخوري

2013-01-30

النهار

لم يتردد احمد داود اوغلو في تقديم "ظلامة تركية" في دافوس عندما شكا من ان بلاده تؤوي 160 الف لاجئ سوري "واستمرار تدفقهم يثير قلقنا"، وليس خافياً ان تركيا بلد كبير مقتدر اقتصادياً يمكن ان يتحمل عبئهم!

ولم يتردد الاردن قبل ايام في الاعلان عن انه يريد إغلاق حدوده في وجه اللاجئين السوريين لأن عدد الذين عبروا اليه حتى الآن تجاوز الـ200 الف وهو ما يفوق احتماله، وليس خافياً على احد ان الاردن يواجه وضعاً اقتصادياً صعباً ينعكس على الحراك الشعبي الداخلي فيه.

ولكن ماذا يقول لبنان يا سادة يا كرام؟

كيف يشكو لبنان وبأي "لسان حال" يتكلم وهو الاعمى والاخرس والاكثر طيشاً والغارق في خلافات احزابه وسياسييه حول القوانين الانتخابية، ليبدو مثل صرصار الصيف يلهو طويلاً ليدهمه جوع الشتاء والمآسي؟

فعلاً ماذا يقول لبنان بعدما تجاوز عدد اللاجئين السوريين الذين هربوا اليه الـ450 الف لاجئ، وهو ما يفوق مجموع اعداد اللاجئين الذين وصلوا الى تركيا والاردن؟ ماذا يقول في ظل ما يتقلب فيه من الازمات الخانقة، وهو الذي يرزح تحت دين بالمليارات وتعلكه سلسلة من الازمات الاقتصادية والمعيشية التي جعلت من ساحاته ووزاراته والشوارع مسرحاً دائماً لصخب التظاهر والمتظاهرين، ولا من يسمع في حكومة "دُبّر بليلٍ" التي تتعامى عن هذا الموضع المأسوي فتمتنع عن الصراخ للحصول على المساعدات لمواجهة هذه الازمة الكبيرة، ربما انسجاماً مع سياسة "النأي بالنفس" التي تحولت دفناً للرؤوس في ازمة اللاجئين الذين اذا استمرت وتيرة تدفقهم على ما هي سيتجاوزون المليون ونصف مليون نهاية الصيف المقبل، الامر الذي سيؤدي حتماً الى غرق القارب اللبناني او انفجاره؟

وعندما يقول الوزير وائل ابو فاعور اننا قصّرنا في شرح الوضع الكارثي الذي يرتبه علينا وضع هؤلاء امام الجامعة العربية والمجتمع الدولي، فان ذلك يعني ان مؤتمر المانحين الذي تستضيفه الكويت يشكل الفرصة الوحيدة وربما الاخيرة للحصول على الـ370 مليون دولار اللازمة لتغطية النفقات لمدة ستة اشهر فقط، ولكن هذا لا يعني في النهاية اننا قادرون فعلاً على تحمل هذا الامر طويلاً، فماذا انتم فاعلون ايها النائمون تحت تراب النأي بالنفس؟!

نعم ماذا يفعل لبنان امام طوفان اللاجئين وهو ذلك القارب الذي تملأه الثقوب؟ ربما عليه ان يصرخ ويستغيث اذا كان فيه بعد من يجرؤ على الصراخ، وعندما تشكو تركيا والاردن يكون من حق لبنان ان يحصل على حصة الاسد من المساعدات التي سيقررها "مؤتمر المانحين" في الكويت، التي حرص اميرها الشيخ صباح دائماً على لبنان حرصه على بلده.

========================

هل "نضجت" الصفقة؟

الياس الديري

2013-01-30

النهار

سؤال يُطرح عند هذا المفترق السوري الإقليمي الدولي: هل أنجزت واشنطن وموسكو بنود الصفقة السوريّة، وباتت العاصمتان مستعدّتين لإبرام "البازار" الجديد في القمة الثنائيّة المنتظرة منتصف الشهر المقبل؟

على رغم الاضطرابات والمواجهات الدموية المتصاعدة في مختلف المدن المصريَّة، وسقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى، فإن حرب الدم والدمار في سوريا استأثرت أمس باهتمام عربي ودولي وإبراز إعلامي غير عاديّين.

أما الأسباب المباشرة في هذه "النقلة"، أو هذه المفاجأة، فهي ما اعتبره مراقبون مخضرمون تصعيداً دولياً يمهِّد لقمة يتوقّع كثيرون أن تسفر عن "حل واضح" للمأساة السوريَّة المفجعة.

ليس مصادفة، أو رمية من غير رامٍ، التقاء واشنطن وموسكو على الإعلان عن "سحب" الدعم الذي كان ينعم به الرئيس السوري... والمعبَّر عنه بلسان وزير خارجيَّة روسيا سيرغي لافروف وبصوت الناطق باسم البيت الأبيض.

فالأول اختصر الموضوع بجملة اعتبرت في منزلة المبتدأ انتظاراً للخبر، إذ قال للمرة الأولى "إننا لم نكن معجبين أبداً بالحكم السوري"، ليوافيه الناطق باسم الرئيس باراك أوباما "مؤكداً رحيل الأسد" الذي صارت أيامه معدودة...

صحيح أن الرئيس الأميركي لم يخفِ حيرته إزاء الوضع في سوريا المستمر منذ 22 شهراً، وأضاف الى "الحيرة" المربكة دزينة من الأسئلة التي اعتبرها البعض من "البديهيّات"، ولا تمنع أميركا من "الإقدام" بصحبة روسيا، إلا أنَّ أوباما قد يكون تذكَّر أن المؤمن لا يُلدغ من جحر مرّتين.

وخصوصاً عندما يسأل نفسه ومَنْ حوله: هل يمكننا أن نُحدث فارقاً؟ ما ستكون عواقب تورطنا على الأرض؟ هل وهل، والكثير من الأسئلة التي تتبدّى عاديّة، إلا أنها تحجب أو تكشف قلق دولة مثل أميركا لا تزال تدفع ثمن مغامراتها العسكريَّة، كما لا تزال تداوي أصابعها التي أحرقها اللعب بالنار.

على أن ذلك كلُّه، على أهميته، لم يعد يشكِّل حاجزاً، أو سوراً يحُول دون تفاهم واشنطن وموسكو على حلِّ قد لا يُضطر الدولتين الكبيرتين الى استعمال القوّة العسكرية والسلاح... مباشرة على الأقل.

من الطبيعي، عند هذا التقدّم في موقف الدولتين العظميين، أن يتراءى لبعض الأفرقاء اللبنانيّين أن المتغيّرات المنتظرة على هذا الصعيد قد تأخذ من هذا وتعطي ذاك، أو قد تدفع المستقوين بسوريا إلى التريّث، أو اللجوء إلى الأسوأ.

إذا تمَّ ما جاء في الكتب، وتحقَّقت "معجزة" الاتفاق بين واشنطن وموسكو، فإن على العقلاء في الضفتين، في الغابتين، اغتنام الفرصة للمّ الشمل، بعد هذا الافتراق المريع، والعودة إلى لبنان الميثاق ولبنان الرسالة.

========================

 لروسيا مصالح ثقافية وتجارية وعسكرية واستراتيجية!

سركيس نعوم

2013-01-30

النهار

إجلاء روسيا الاتحادية أخيراً زهاء 80 من مواطنيها المقيمين في سوريا أثار شعورين متناقضين عند اللبنانيين. الاول، الارتياح الحذر. والآخر القلق والخوف. وسبب الشعورين واحد هو الاعتقاد ان المسؤولين في موسكو ما كانوا ليقدموا على الإجلاء لولا اقتناعهم بأن تطور الاوضاع في سوريا يسير في غير مصلحة النظام. طبعاً ادرك هؤلاء انعكاسات الإجلاء على السوريين وعلى غيرهم، ولذلك سارع العاملون في "الوزارة الروسية للأوضاع الطارئة" الى دعوة الجميع الى عدم تضخيم الإجلاء والمبالغة في اسبابه وفي انعكاساته على سوريا  وعلى سياسة روسيا حيالها. وأوضحت ان آمال البعض في تزحزح الرئيس فلاديمير بوتين عن "موقفه السوري" المتشدد لا تستند الى معطيات ثابتة. وأكدت انه من غير المحتمل ان تُغيِّره روسيا على الاقل في المستقبل المنظور لأن مصالحها في سوريا ليست فقط عسكرية واستراتيجية، بل هي ايضاً تجارية وثقافية.

هل يمكن شرح المصالح المذكورة تفصيلاً؟

يمكن ذلك، تجيب عاملة في مركز ابحاث اميركي عريق لها خبرة واسعة في الشؤون الروسية. وتبدأ بشرح المصالح الثقافية فتقول ان روسيا اعتبرت سوريا الاسد الحليف الأقرب اليها في العالم العربي منذ أكثر من اربعة عقود. فأثناء "الحرب الباردة" مع اميركا انتقل روس كثيرون الى سوريا، كما انتقل سوريون كثيرون الى روسيا للدراسة الجامعية. وحصلت زيجات مختلطة بين مواطنين من الدولتين. وسعت روسيا الى الافادة من دراسة السوريين في جامعاتها لكي تستطيع الاعتماد عليهم لاحقاً. وبسبب كون سوريا في حينه عاملاً مهماً في السياسة الروسية الشرق الاوسطية، كانت وسائل الإعلام في روسيا تصف السوريين بـ"الحلفاء والأصدقاء". وعندما بدأت الانتفاضة السورية في آذار 2011 كان في سوريا قرابة مئة الف مقيم روسي. وبسبب تأييد موسكو لنظام الأسد استهدف الثوار عدداً من هؤلاء المقيمين. وقد ساعدت هذه الحوادث على زيادة الازدراء الشعبي للقوات المناهضة للاسد.

وتصل الباحثة الاميركية إياها الى المصالح التجارية فتقول ان سقوط الزعيم الليبي معمر القذافي ونظامه ساهم في تكوين عناد الرئيس بوتين حيال الاوضاع السورية. ذلك ان روسيا خسرت استناداً الى وسائل إعلامها نحو اربعة مليارات دولار اميركي هي قيمة عقود اسلحة موقّعة مع القذافي. وهي تريد تلافي تكرار ذلك مع سوريا. فالاخيرة تُعتَبر "مُستهلِكة" للسلاح الروسي على تنوعه من زمان. وقد زادت تجارة الاسلحة بين دمشق وموسكو منذ وصول الاسد وبوتين الى السلطة عام 2000. واستناداً الى "مؤسسة ابحاث استوكهولم للسلام الدولي" زوَّدت روسيا سوريا ما يقارب الـ78 في المئة من حاجتها الى السلاح بين 2007 و2012. وبين 2007 و2010 بلغت قيمة المبيعات الروسية من الاسلحة الى سوريا اربعة مليارات وسبعمائة مليون دولار اميركي. وفي مجالات اخرى، تقول الباحثة الاميركية اياها، وظّفت الشركات الروسية حوالى 20 مليار دولار اميركي في سوريا منذ عام 2009. وإذا خسر الاسد السلطة فان روسيا ستخسر عقود الاسلحة وتوظيفاتها والاستثمارات. وتقول ايضاً انه يجب عدم إغفال القروض الكبيرة الروسية للأسد. فاستناداً الى "بيانات" رحلات جوية حصلت عليها وسيلة إعلام روسية شحنت موسكو في صيف الـ2011 أكثر من مئتي طن من "اوراق البنكنوت" (اموال) للنظام السوري. وربما بسبب هذه الشحنات نجح الاسد في تفادي الافلاس وفي مواصلة وضع الرواتب لقواته، وخصوصاً بعدما بدأ الاحتياط من النقد الاجنبي الصعب لسوريا في التضاؤل".

ماذا عن المصالح العسكرية الروسية في سوريا الاسد؟

عن ذلك تجيب الباحثة الاميركية اياها فتقول ان بوتين جعل من توسيع القوة البحرية لبلاده هدفاً مركزياً لولايته الثالثة. وقد اعلن ذلك في اثناء الاحتفال بانجاز الغواصات الروسية الحديثة الاولى منذ عام 1991. وسقوط الاسد سيعني خسارة روسيا القاعدة العسكرية البحرية الوحيدة خارج اراضيها المسماة مركز التزويد البحري. ومركزها بحر مدينة طرطوس. في الوقت نفسه تقريباً أعلن وزير الدفاع الروسي عن تدريبات (او مناورات) عسكرية في المتوسط معتبراً اياها "الاكبر في تاريخ" بلاده. طبعاً لم تربط روسيا بين المناورات والصراع في سوريا. لكن المحللين الغربيين يجب أن يعتبروا ذلك اشارة الى ان روسيا لا تنوي التراجع عن دعم الاسد.

ماذا عن المصالح الاستراتيجية الروسية في سوريا؟

========================

جمود مدمر في سوريا

رأي البيان

التاريخ: 30 يناير 2013

أدت المواقف الدولية غير الحاسمة من الأزمة السورية، إلى دخولها في مرحلة من الجمود المدمر، الذي تنذر عواقبه بإخراج هذا البلد المحوري في الشرق الأوسط من الحسابات الإقليمية والدولية، وتحويله إلى بلد فاشل، تعبث الفوضى في أرجائه.

فمن شأن استمرار الأمور كما هي عليه، أي دعم طرف بالسلاح والمال وحرمان طرف آخر، أن يطيل أمد المعركة، ويدفع بالملايين من السوريين إلى البحث عن الأمان والطعام في دول الجوار، التي تعجز عن تلبية احتياجات الأعداد المتزايدة من هؤلاء اللاجئين.

ولا تبدو المواقف الدولية مقنعة لعدم التدخل المباشر، فالموقف الروسي يدعي أن الأمر بيد الشعب السوري، وانه هو صاحب الكلمة، والسؤال المطروح، هو ألا يكفي هذا العدد من القتلى وسقوط مدن وأقاليم بأكملها وتوقف جميع المطارات والطرق الدولية لكي تغير قناعات ومواقف الأطراف الدولية، وتجعلهم يتخذون مواقف أكثر إيجابية وفاعلية.

أما الموقف الاميركي الذي عبر عنه الرئيس باراك اوباما أول من أمس في لقاء صحافي، فهو يندرج أيضاً في سياق عدم اتخاذ موقف حاسم، والتساؤلات حول جدوى التدخل ومنعكساته على الوضع السوري، ليست مقنعة أيضاً، لأن الأسوأ قد حدث فعلاً وأي تدخل مهما كان لن يكون له تأثير أشد مما جرى ويجري الآن. فملايين السوريين في الداخل محرومون من أبسط شروط الحياة الآدمية من حيث الطعام ومياه الشرب ووقود التدفئة وانقطاع الكهرباء في جو شديد البرودة، وحصار خانق للكثير من المدن.

المؤتمرات الدولية التي تعقد هنا وهناك، ضرورية وهي خطوة إيجابية، ولكن لابد، وعلى خط مواز، أن يكون لها رديف عملي مهما كان وبأي اتجاه لوضع حد لهذا النزيف الذي لا يبقي ولا يذر.

لقد طالت الأزمة أكثر مما يجب، ولابد أن يكون هناك حل يوازي تضحيات وآلام الشعب السوري، وإلا فلن يكون هناك أي حل.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ