ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 04/02/2013


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

03-02-2013

الانقسام الدولي مسؤول عن معاناة السوريين

الراية القطرية

التاريخ: 03 فبراير 2013

لا يؤشر لقاء رئيس الائتلاف السوري المعارض معاذ الخطيب مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على هامش المؤتمر الأمني في ميونخ إلى تغيير في الموقف الروسي من النظام السوري حيث لا تزال تصر موسكو على دعم نظام الأسد في وجه الثورة السورية ورفض المطالبات برحيله.

الغطاء السياسي الذي تقدمه موسكو لنظام الأسد في مجلس الأمن الدولي أطال من عمر النظام وسمح له باستخدام العنف والقتل للرد على المطالب الشعبية المنادية برحيله، كما ساهم الفيتو الروسي -الصيني المشترك لمرتين في غلق الباب أمام ضغوط حقيقية يمكن أن يمارسها المجتمع الدولي تجبر النظام على اختيار طريق غير طريق القتل والتدمير.

لقد انتقد رئيس الائتلاف السوري المعارض في مؤتمر ميونخ المجتمع الدولي الذي وقف مكتوف الأيدي أمام ما يجري منذ 22 شهرا في سوريا من نزاع مسلح بدأ انتفاضة شعبية وتحول حربا أهلية حصدت أكثر من 60 ألف قتيل بحسب الأمم المتحدة. فالمجتمع الدولي وقف متفرجا وصامتا على ما يجري للشعب السوري وبالتالي فهو يتحمل مسؤولية أخلاقية في المأساة التي تجري فصولها في سوريا.

الشعب السوري الذي يواجه القتل اليومي بالطائرات والأسلحة الثقيلة ينتظر من المجتمع الدولي أن ينحي جانبا خلافاته وصراعاته ومصالحه وينظر نظرة أخلاقية للمأساة السورية التي تضرر منها ملايين السوريين وباتت تهدد السلم والأمن في المنطقة.

إن تأكيد المبعوث الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي مرة أخرى أن الحل يجب أن يأتي من مجلس الأمن الدولي، ودعوته إلى تشكيل حكومة انتقالية تتمتع بكامل الصلاحيات التنفيذية يشير بشكل واضح إلى أن الانقسام في مجلس الأمن تجاه ما يجري في سوريا هو ما يعطل الحل ويزيد من معاناة الشعب السوري ويهدد مستقبل سوريا الوطن والشعب.

إن أي حديث عن مرحلة انتقالية في سوريا لا تستجيب لمطالب الشعب السوري المتمثلة برحيل النظام لا يمكن لها أن تنجح بعد شلال الدم الذي سفك وبعد الدمار الهائل الذي لحق بالمدن والبلدات السورية التي قصفت بالطائرات وبراميل الموت التي كانت تقتل الناس في بيوتهم وعلى أبواب المخابز.

الجميع يتفق على أن صمت وتخاذل المجتمع الدولي عما يجري للشعب السوري ساهم في تفاقم الأزمة وتفاقم معاناة السوريين واستمرار مثل هذا الصمت والتخاذل سيجعل من مخاوف انتشار النزاع المسلح في المنطقة التي يحلو لكبار المسؤولين الغربيين ترديدها دائما أمرا محتوما، وحينها ستكون كلفة إنهاء الصراع مرتفعة ليس في سوريا فحسب بل في المنطقة وسيدفع الجميع ثمنها غاليا وليس الشعب السوري وحده.

========================

سوريا ساحة صراع سني ـ شيعي لسنين طويلة؟!

غازي دحمان

المستقبل

3-2-2013

لا يحلو لأنصار الثورة السورية ومؤيديها، إدراج ثورتهم في إطار ما يسمى بـ"الصراع السني- الشيعي"، إذ لم يخطر ببال هؤلاء أنهم يثورون ضد إستبداد نظام الرئيس بشار الأسد لأنه من طائفة أخرى، فالثورة إنطلقت ضد حالة ووضع وليست ضد أشخاص بعينهم، ودليل ذلك أن أول شعارات الثورة طالب بالتغيير والإصلاح، عطفاً على ذلك، فالثورة ومنذ البدايات ضمت كل أطياف المجتمع السوري وتلاوينه، ولم تقتصر على طائفة واحدة، وإن كان من الطبيعي أن تكون مشاركة المواطنين الذين ينتمون للمكون السني هي الغالبة تناسباً مع أكثريتهم السكانية.

غير أن هذه الوقائع لن تعمر طويلاً في المشهد السوري، إذ سيمر وقت تنزاح فيه المعطيات لتشكل مسارات مختلفة للثورة، ذلك أن النظام، وفي سبيل بحثه عن خيارات للخروج من الأزمة وإنقاذ نفسه مما إرتكبته الأجهزة الأمنية، سعى إلى تخليق المارد الطائفي من تحت أظفاره إذ لم يسعَ النظام إلى أي إنجاز في تاريخه بقدر سعيه الحثيث لإخراج المارد الطائفي من القمقم، وإستدعاء كل شياطين التطرف.

ومنذ اليوم الأول راحت ماكينة إعلام النظام تتحدث عن إمارات سلفية وأمراء سلفيين وقاعدة، وعندما لم تنجح هذه الخطة في إثارة مشاعر الناس، عملت أجهزة النظام على تسريب فيديوهات وأفلام، تظهر عناصر الأمن بلهجتهم العلوية وهم يهينون الرموز والأفراد، مَن صوّر الجنود وهم يحرقون المصاحف ويقولون "قتلناهم"، وسرب هذا التصوير؟

كان من الواضح أن النظام يستدرج الثورة لهذا النمط من الصراع الديني، ربما لإعتقاد رموزه أنه السبيل، ليس للخلاص من أزمته، وإنما لإستدعاء الدعم من أطراف النسق الطائفي الذي ينتمي إليه، وبخاصة في ظل وجود دعم عربي وقطري وسعودي ما، يشكل تلقائياً معادلاً طائفياً يستند عليه النظام في دعواه.

ولتجهيز البنية اللازمة لهذا النمط الصراعي، عمل النظام على تدمير الركائز الأساسية للحراك السلمي، والتي قامت على أسس الوحدة الوطنية، ونبذ التفرقة والطائفية، ورفض التدخل الأجنبي، ومدنية الدولة السورية... وذلك عبر قتل وإعتقال وإخفاء وتهجير كل الرموز المدنية والعلمانية للثورة، مع قيامه بإجراء بدأ في حينها مستغرباً، وهو تفريغ السجون من معتقلي تنظيم" القاعدة" الذين قاتلوا في العراق، وعناصر تنظيم" فتح الإسلام" و"جند الشام" الذين جرى إعتقال أغلبهم في الفترة مابين 2004 و2007.

لم يطل الوقت كثيراً قبل أن تظهر للعلن تشكيلات إسلامية مقاتلة ذات الأيديولوجيا والفكر الإسلامي المتطرف "جبهة النصرة" و"ألوية التوحيد" و"أحفاد الرسول"، وظهرت هذه التشكيلات مع توجه الثورة نحو التسلح، وفي ظل إشتداد الحملة القمعية على المدن والأرياف السورية، في غفلة من ثورة السوريين الّذين كانت نكبتهم قد تضاعفت بفقدانها قادتها السلميين، ووقوعها تحت كثافة نيران الأجهزة الأمنية التي لاترحم، ولهاث البشر خلف تأمين سلامتهم والحد الأدنى من قوتهم.

لا يتسع المجال لسرد كل الوقائع والحيثيات التي تواترت إثر ذلك، غير أن الحيثية الأهم في كل هذا السياق نجاح النظام في إستدعاء دعم نسق سياسي طائفي إقليمي لمساندته، مقابل تشكل جبهة من جماعات وتنظيمات مقابلة ضده، وخسارة كل دعاة المدنية والسلمية والعلمانية، وتراجعهم إلى صفوف متأخرة في قدرتهم على التأثير بالحدث السوري.

ولكن الواقع يفترض التذكير بحقيقة أن النظام لم يخترع سياق ما يسمى بـ"الصراع السني ـ الشيعي"، فهو سياق موجود ومؤسس، وإن كان لا يزال الجزء الأكبر منه يمكث في إطار الحيز النظري، وأن تجلياته ظلت محدودة إن على هامش الأزمة العراقية أو في بعض الأحداث المتفرقة في لبنان، غير أن هذا السياق ظل ينمو ويكبر، والأهم أنه كان يبحث عن حيز مكاني يشتغل فيه بكامل حريته وطاقته وعنفوانه أيضاً.

لا شك أن سوريا توفر بيئة مناسبة لهذا النمط من الصراع، ثمة مواصفات وميزات عدة تجعلها أرضاً مغرية لذلك، فهي بعيدة قليلاً عن مراكز المدن الرئيسية لهلالي الصراع، كما أن لديها فائضاً سكانياً كبيراً يضمن دوام تشغيل ماكنة الصراع لفترة طويلة، وفوق هذا وذاك ترضي أوهام أطراف الصراع بقدرة كل طرف على إنهاك الطرف الآخر على الأرض السورية... سوريا لسنين مقبلة أرض الموت والنزوح. فقط مطلوب تجهيز مخيمات تتسع لملايين البشر.

========================

سوريا: معظم المساعدات تذهب إلى السلطة !

المستقبل

3-2-2013

ندّدت المنظمة الطبية الإنسانية الدولية "أطباء بلا حدود" (30 كانون الثاني 2013)، بالطريقة التي يتم من خلالها توزيع المساعدات الدولية في سوريا، واصفة إياها بغير المتكافئة بين المناطق التي تسيطر عليها الحكومة وتلك التي تسيطر عليها المعارضة. إذ تتلقى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة معظم المساعدات الدولية، بينما لا تحصل المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة سوى على جزء يسير منها. لذلك، دعت المنظمة الأطراف المانحة في مؤتمر المانحين لسوريا في العاصمة الكويتية إلى دعم عمليات الإغاثة الإنسانية العابرة للحدود من أجل الوصول إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة.

غير أن عمليات الإغاثة بقيت حتى الآن تُنفذ من العاصمة السورية دمشق، من خلال اللجنة الدولية للصليب الأحمر والوكالات التابعة للأمم المتحدة، التي تعمل بشراكة مع الهلال الأحمر العربي السوري، الذي يُعتبر الهيئة الوحيدة التي تسمح لها الحكومة بتوزيع المساعدات داخل سوريا. ونتيجة لذلك، فإن جزءاً يسيراً فقط من المساعدات الدولية يصل إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. وعموماً، فإن المساعدات غير المتحيزة لم تعد كافية في سوريا على كلا الجانبين من الجبهة، وكذلك الأمر في البلدان المجاورة التي تستضيف اللاجئين السوريين.

وتقول ماري بيير آليي، رئيسة منظمة أطباء بلا حدود: "لا يبدو أن النظام الحالي قادر على التغلب على ظروف العيش المتردية التي يواجهها سكان سوريا. لذلك، يجب على المشاركين في مؤتمر الكويت الاعتراف بالعمليات الإنسانية العابرة للحدود المخصصة لسوريا ومدها بالدعم المالي والإداري واللوجستي اللازم".

منذ حزيران 2012، وسعت المعارضة السورية المسلحة سيطرتها على أجزاء كبيرة من البلاد. وبينما لا يمكن تحديد أعداد السوريين الذين يعيشون في تلك المناطق، فإن الحضور القوي للمعارضة في المدن والمناطق الريفية المجاورة لدمشق وحلب وإدلب، التي تعرف كثافة سكانية كبيرة، يجعلنا نعتقد أن سورياً واحداً على الأقل من أصل كل ثلاثة يعيش في مناطق خارج سيطرة الحكومة السورية (أي نحو سبعة ملايين شخص).

كما أن السوريين بدأوا ينظمون أنفسهم في تلك المناطق من أجل توفير المساعدات للمدنيين، وذلك بالاعتماد على المساعدات التي يقدمها المهاجرون السوريون في باقي أنحاء العالم وفي البلدان المجاورة وكذلك من خلال شبكات التضامن. ولكن من الواضح أن هذه المساعدات ليست ملائمة، حيث أن المواد الأساسية مثل المأوى والبطانيات والوقود والطحين وطعام الرُضّع تعاني كلها نقصاً كبيراً في الإمدادات. وبينما تستهدف القوات الحكومية الأنشطة الصحية غير الرسمية، فإن هذه الأخيرة تكافح من أجل تلبية احتياجات أعداد كبيرة من الجرحى والمصابين بأمراض مزمنة.

وهناك حالياً عدد قليل من منظمات الإغاثة الدولية، ومنها منظمة أطباء بلا حدود، التي تساعد المدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة. ومنذ عام 2011، توفر المنظمة الإمدادات الطبية والأدوية لمجموعات الأطباء السوريين الذين يقدمون العلاج إلى الجرحى في السر. وقد تضافرت جهود المنظمة خلال الأشهر الستة الأخيرة، فافتتحت ثلاثة مستشفيات في شمال غرب البلاد، حيث أجرت أكثر من 900 عملية جراحية حتى الآن. غير أن هذه المساعدات تبقى غير كافية بالنظر إلى الاحتياجات الطبية الهائلة للشعب السوري.

========================

في التعامل مع “النصرة” وأخواتها

لاترضى الشريحة الكبرى من أهل الإسلام الأصيل المعتدل في سوريا، ولانرضى معهم، نموذجاً لتحقيق ما يتوهّم القائمون عليه بأنه (مقاصد الشريعة) من خلال الإكراه والملاحقة والتجسس والتطبيق المتعسّف للحدود الشرعية

د. وائل مرزا

الأحد 03/02/2013

المدينة

قد يكون من المفارقات الكبرى في الثورة السورية أن تتزايد الأطراف التي تتحدث عن مشكلة الغلوّ والتطرف في سوريا، وأن تتسع مع ذلك، وبنفس النسبة، دوائر المشكلة ومساحاتها.

وهذه ظاهرةٌ، على غرابتها، قابلةٌ للتفسير إذا علمنا أن الغالبية العظمى من تلك الأطراف تساهم، بممارساتها العملية وتصريحاتها النظرية، في توسيع ماتشكو هي من اتساعه. وبغض النظر عن كون الأمر مقصوداً لدى البعض وعفوياً لدى البعض الآخر، فإن مايجمع بينهم أنهم يصبحون باضطراد جزءاً من المشكلة وهم يحسبون أنفسهم جزءاً من الحلّ.

ينطبق هذا الوصف على الأطراف الخارجية كما ينطبق على شرائح مختلفة من السوريين، المناهضين للنظام، ساسةً وعسكريين ومثقفين.

فـ «أصدقاء سوريا»، خاصةً في أوروبا وأمريكا، لايخفون شكواهم من الأمر سراً وعلانية. بل إن هاجس «التطرف» في سوريا أصبح عند كثيرٍ منهم عنصراً رئيساً، ليس فقط في حسابات التعامل مع الثورة، وإنما أيضاً في قراءتهم لماهيتها وطبيعتها.

ينسى هؤلاء، وربما يتناسون، أنهم يجلسون عملياً في مقاعد المتفرجين منذ بداية الثورة. وأنهم يرسلون، بهذا القرار، رسائل لم يكن السوريون بحاجة لوقتٍ طويلٍ كي يفهموها.

وكما ذكرنا سابقاً، كان ثمة إجماعٌ في التركيز بين ثوار سوريا لقرابة عام على قواسم مشتركة بعيدة عن شعارات التدين ومظاهره، وإن كانت قريبةً من جوهره وقيمه الأساسية، بدءاً بإسقاط نظام الظلم والطغيان وانتهاءً بعناوين عامة لسوريا القادمة تتمحور حول الحرية والتعددية والمشاركة وسيادة القانون ومبدأ المواطَنة.

كانت القيم المذكورة تُعبّر، في نظر الثوار، عن نموذجٍ معاصرٍ للدولة يحترم إنسانية الإنسان وكرامته، ويُحقق أشواقه وتطلعاته. وكان المفترض أن هذا النموذج موجودٌ عملياً في العالم المعاصر، وأن الدول التي تمثّله تلتزم حقاً بمقتضيات تلك القيم، ولو في حدّها الأدنى.

لكن مجريات الأحداث خلقت مشهداً غرائبياً يصعب تصديق حصوله في هذه المرحلة من تاريخ البشرية، خاصةً فيما يتعلق بممارسات النظام تجاه الشعب. وحين تكتفي الدول التي تحمل شعارات الليبرالية بالنظر إلى هذا المشهد والتعامل معه بدرجةٍ مُبتذلةٍ في نفاقها، فإنها تُصبح جزءاً منه. ويصبح سهلاً الشكُّ بكل شعاراتها ومايكمن خلفها من قيمٍ نظرية.

لم يكتف (الأصدقاء) بخذلان الثورة، وإنما وصلنا إلى مرحلةٍ صارت فيها مساعداتهم (الرمزية) انتقائيةً، ومُخصصةً علناً أو سراً لمجموعاتٍ وتوجهات يُشترط فيها ألا تكون قريبةً من أي هويةٍ إسلامية. كيف يمكن لمثل هذه التصرفات ألا تخلق فرزاً عميقاً في المجتمع السوري؟ وماذا نتوقع أن يكون ردُّ الفعل على مثل هذه الممارسات الخرقاء؟

أكثر من هذا، دخل بعض المعارضين السوريين ولايزالون في حرب اصطفافات أيديولوجية خفية، وشرسةٍ أحيانا، لتجفيف المنابع عن كل مايمت لأصحاب التوجه الإسلامي بصلةٍ. حصل هذا ويحصل في مجال الإغاثة والإمداد العسكري وصولاً إلى التلاعب بالهياكل السياسية مثل المجالس المحلية التي تحاول أطرافٌ داخلية ودولية المستحيل كي لاتكون لها صفةٌ إسلامية.

في مقابل مثل هذه الممارسات يُصبح طبيعياً أن يتقوقع البعض في إطار رؤيةٍ للهوية والانتماء تبتعد عن الوسطية الإسلامية، وعن مرتكزات الاعتدال الذي كان، ولايزال، إلى حدٍ كبير السمة الغالبة على السوريين.

لاترضى الشريحة الكبرى من أهل الإسلام الأصيل المعتدل في سوريا، ولانرضى معهم، نموذجاً لتحقيق ما يتوهّم القائمون عليه بأنه (مقاصد الشريعة) من خلال الإكراه والملاحقة والتجسس والتطبيق المتعسّف للحدود الشرعية. لأننا نعلم جميعاً أن هذا لايمثل حقيقة الإسلام ابتداءً، كما أنه يمثل خدمةً كبرى لجهاتٍ لاتريد خيراً بالثورة وأهلها.

ويقول الواقع أن هذا الفقه المتشدد والمتنطع للدين ولأهدافه ومقاصده في حياة البشرية، وأن هذه الطريقة في تنزيله على الواقع، يمثلان مأساةً ستكون سلبياتُها أكثر من إيجابيتها على الجميع.

إن التعامل مع المواطنين بمنطلق الوصاية والإملاء، ومن مدخل أن سوء الظن بهم هو الأصل، كما حدث يوماً في أفغانستان، ويحدث اليوم في بعض المناطق السورية، يمثل طعنةً غادرةً لكل المعاني الجميلة في الإسلام، ويمثل خروجاً فاضحاً على المقصد الشرعي الأصيل والمتمثل في أن يكون ارتباط الناس بخالقهم، والتزامهم بتعاليمه، متأتياً من خلال محبتهم له وإجلالهم لعظمته وشكرهم لكرمه وآلائه، وقبل هذا كلّه من خلال قناعتهم الأكيدة بالخير العميم الذي يترتب على التزامهم بتلك التعاليم.

وإن مهمة أي جهةٍ تتصدى للمسؤولية إنما تتمثل قبل أي شيء آخر في استفراغ الوسع تخطيطاً وعملاً لإظهار ذلك الخير على أرض الواقع. ولصيانة قيم الحق والعدل والحرية والكرامة والعزّة والجمال، بشكلٍ يؤكد في قلوب وعقول تلك الجماهير كيف يكون الإسلام مصدراً لكل ذلك الخير، ويكون مدعاةً – بالتالي – لمزيدٍ من الارتباط الحقيقي بخالقهم، ولمزيدٍ من الالتزام الحقيقي بتعاليمه.

أما التركيز على صيانة الإسلام من خلال بعض مظاهره وجزئياته، وتقديم هذا على أنه (فقهٌ للدين)، والتركيز على أساليب الملاحقة والتجسس والتفتيش والإكراه، وتقديم هذا على أنه (تنزيلٌ للدين على الواقع).. فلن ينتج عنه غير وجود نسخةٍ أخرى مشوهة وشمطاء من الدولة البوليسية، لا يمكن لها مهما تطاولت دعاويها أن تحقق شيئاً من مقاصد الإسلام الكبرى في الحياة، بل لا يمكن لها ابتداءً (أن تمكث في الأرض) لأنها أصلاً لا(تنفع الناس)..

هذا هو خطاب الوسطية الإسلامية وفهمُها الغالب، حتى الآن، في أوساط الثورة السورية. وأهل هذا الخطاب هم أولى الناس بالتعامل مع الظواهر الشاذة، لأنهم أقدر على تفنيد حجج أهل هذه الظواهر بعلمٍ شامل يستخدم مفرداتهم ولغتهم ويضعهم أمام مسؤولياتهم الدينية والأخلاقية والوطنية.

.أما محاصرةُ الشعب السوري بين ثلاثيةٍ تتمثل في إفساح المجال أمام الأسد لإكمال مهمته من جانب، ومحاصرة وإقصاء كل توجهٍ إسلامي إغاثياً وسياسياً وعسكرياً من جانبٍ آخر، ووضع أهل الرؤية الإسلامية في خانةٍ واحدة بكل مافيها من تعميمٍ يخالف الواقع والمنطق من جانبٍ ثالث، فإنها وصفةٌ مثالية لتأكيد الغلوّ والتطرف وتوسيع دوائره في كل المجالات.

وهي وصفةٌ لتأكيد المشكلة عملياً وترسيخ معطياتها بغض النظر عن استنكارها النظري الذي لايُحقق حلولاً عملية، وسيبقى في إطار الشكوى والتذمر، بينما تنمو الظاهرة حتى تصبح عصيةً على الاحتواء.

========================

هل تغير الموقف الروسي من الثورة السورية؟

بينة الملحم

الرياض

3-2-2013

    تشكل تطورات الأحداث في سوريا معضلةً أمام العالم، وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل رأى أن الذي يجري في سوريا عار على جبين الأمة، الحالة الآن أشبه بالحرب الأهلية، ولا ننسى أن الثورة بدأت سلمية من دون أي استخدام للسلاح غير أن بطش النظام وتجاوزاته وإجرامه البشع حض الثوار على الدفاع عن النفس، والذي يجري في سوريا من الثوار هو دفاع عن النفس ضد آلة القتل السورية. رمز النظام الديكتاتوري بشار الأسد قالها بصراحة انه سيدمر دمشق ويدكها حتى ينتصر، يظن أنه يستطيع محاربة العالم أو مقارعة الحق بالظلم. هناك الجيش الحر المدعوم عربياً ودولياً ولا يستطيع أحد أن يقلل من إمكانيات الجيش الحر الذي يكبد النظام يومياً خسائر فادحة.

المواقف الروسية الأخيرة والتي تعاتب نظام الأسد وتعتبره تأخر في إمكانية الحل وابتعد عن الممكن إلى المستحيل لا تشكل تحولاً جذرياً للموقف الروسي من الأزمة السورية، بل هي تصريحات لذر الرماد بالعيون ومن أجل الإيحاء بأن المواقف الروسية مستقلة ولا تتبع لأحد.

لنقرأ قليلاً بعض التحليلات من الصحف الغربية، إذ رأت «الجارديان» أنه بعد 20 شهراً من الصراع في سوريا بدأت دلالات التحول في الموقف الروسي المساند لنظام الأسد تلوح في الأفق ، فبصرف النظر عما بدا عليه الدعم العسكري الروسي لدمشق من فشل ، فإن روسيا تخشى من عوامل ثلاثة أضعفهم شديد القسوة أولها الآثار البغيضة التي ستنتج عن الدعم التقليدي لسوريا وثانيا نتاج المخاوف المحلية من نشوب ثورات شعبية في روسيا وتغيير النظام واندلاع ثورة إسلامية في شمال القوقاز.

أما العامل الأخير، وفقاً للصحيفة البريطانية، فيتعلق بقراءة موسكو الخاطئة كلياً لطبيعة ثورات الربيع العربي، فالعديد من محللي السياسات الخارجية في موسكو أقنعوا أنفسهم خلال العامين الماضيين بأن تلك الثورات ليس نتاج حراك شعبي، لكنها بدأت أساساً بين أروقة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي ايه)!

أما صحيفة «الواشنطن بوست» إنه بعد عامين على المعارك في سوريا يظهر أن تصدعاً جدياً وخطيراً أصاب جيش النظام السوري بعد سيطرة الجيش الحر على قواعد عسكرية وجوية للنظام وتحكمه بالخطوط الخلفية الدفاعية للنظام في المدن الرئيسية، وأضافت الصحيفة نقلاً عن مصادر رسمية غربية ومحللين عسكريين بأنه مع تدفق أسلحة من الداعمين الأجانب للثوار استطاعوا أن يحرزوا سلسلة نجاحات تكتيكية في ضواحي دمشق، ويتقدموا بثبات صوب مطار المدينة، وأضافت المصادر بأن قوة الدفع متواصلة لدى الثوار منذ الصيف الماضي.

كل هذه التحليلات تصب في خانةٍ واحدة مفادها أن الثورة السورية أصبحت تشكل عاراً على جبين العالم وعلى جبين الروس تحديداً الذين حرسوا الأسد وحموه وقاموا بكل الخدمات لإبقاء النظام. المواقف من الدول القيادية الكبرى في العالم لا تزال هشّة، حتى هولاند الذي قال حين كان مرشحاً إن النظام في سوريا بأنه «نظام حقير» داعياً إلى ممارسة ضغوط على هذا البلد وكذلك «تهديد بشار الأسد بإحالته» أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي! حتى هولاند غابت مواقفه القوية التي يمكن أن تتفق مع تصريحاته.

الحالة السورية مؤسفة ومزعجة وتحتاج إلى وقفات كثيرة وكبيرة مع الشعب السوري العتيد الذي يحارب من أجل الحرية ويناضل من أجل الحرية. تبقى المواقف الدولية المتخبطة مثار امتعاض للذين يدركون قبح النظام وممارساته. ولكن لا يمكن لأحد أن يغفل موقف السعودية مع الثورة السورية منذ بدئها وخطاب الملك الشهير كان إبراءً للذمة من أفعال نظام بشع مارس ما لم يمارسه حتى أعتى الطغاة من قبل.

========================

هل يصمد "الخطيب" من أجل سورية ؟

 جهاد المحيسن

الغد الاردنية

3-2-2013

من يعتقد أن الدفاع عن سورية الوطن والدولة هو دفاع عن النظام السياسي فيها واهم، ويتعمد عن قصد تدمير سورية الدولة، فالمشهد الدموي، واستمرار القتال، وحجم الدمار الكبير على الساحة السورية، يؤكد للجميع، بمن فيهم المعارضة الوطنية السورية المسؤولة، أن ما يحدث  في سورية ليس شأنا داخليا.

فالأحداث الدامية والتدمير المنهجي لبنية الدولة ومؤسساتها الاقتصادية وتفكيكها وبيعها للمشترين الأتراك وغيرهم، يؤكد أن سورية باتت  ساحة لحروب إقليمية لعدد من الدول التي تسعى إلى الخروج من أزماتها الداخلية من خلال تأجيج الصراع داخل سورية، ودعم المجاميع المسلحة التي تتواجد في الأراضي السورية، لإدامة الصراع وجعل المشهد أكثر دموية، في حين أن معارضة الخارج تتنعم بالهبات والمساعدات الدولية، وكل ذلك يتم على حساب الشعب السوري الذي يذبح بدم بارد.

موقف معاذ الخطيب رئيس الائتلاف السوري المعارض، موقف يعبر عن رؤية للخروج من حالة الخراب والدمار والقتل التي يعيشها السوريون، وهي تعبير وطني لمعارض حريص على وطنه ودولته ودماء شعبه.

 ولعل ما كتبه الزميل عريب الرنتاوي قبل أيام يؤكد طبيعة شخصية معاذ الخطيب وغيره من المعارضين أمثال هيثم مناع؛ فالدافع الوطني هو الذي يحرك هذه القيادات، لقبول الحوار ضمن شروط، فالخطيب بحسب ما كتب عريب " ليس معجباً بالأسد، ولا هو من "الفلول" أو "الشبيحة".. الخطيب توقف ملياً أمام مظاهر الخراب والتدمير المنهجي الشامل الذي تتعرض له سورية، دولة وشعباً ووطناً وكياناً، وهو إذ يقدم على إطلاق هذه المبادرة الجريئة، فإنه يفعل ذلك من موقع المسؤولية الوطنية، بعيداً عن الحسابات الشخصية الصغيرة والأنانية، أو حسابات المانحين والممولين في الخليج وبعض العواصم الغربية.

موقف الخطيب لم يعجب تيارا عريضا من المعارضة، التي اعتادت البكاء على الدم السوري، والتذلل في العواصم العربية والغربية لطلب المساعدات، حيث ساهمت المعارضة في الخارج في إجهاض الاحتجاجات السلمية والديمقراطية التي خرج بها الشعب السوري ضد النظام، وتحويلها إلى مواجهات بين ميليشيات قدمت إلى سورية من مختلف أصقاع المعمورة لتدمير سورية ونهبها.

من يخاف على وطنه لا يقدمه لقمة سائغة لأعدائه، وضمن هذا السياق يفهم الموقف الوطني، فالقصة لم تعد حريات وديمقراطية فقط، بل هنالك تفكيك منهجي للدولة السورية. وقد دخل على خط الصراع الداخلي في سورية العدو الإسرائيلي منذ فترة مبكرة، وعندما شعر بتضعضع الجماعات المسلحة التي تقتل السوريين بدم بارد وتنهبهم وتستبيح الوطن السوري، لجأ العدو الإسرائيلي إلى الدخول بشكل مباشر على خط الصراع، فقصف مركزا للأبحاث بالقرب من دمشق.

موقف الخطيب وغيره من رموز المعارضة يستدعي منا أن نؤازره وندفع باتجاه تحقيق الهدف الذي تنشده هذه الرموز الوطنية، لتحقيق الديمقراطية، والحفاظ على الدولة السورية، لكن هل يصمد موقف الخطيب أمام الضغوطات التي تتعرض لها المعارضة؟

========================

رأي الدستور انقاذ اللاجئين السوريين

الدستور

3-2-2013

يوما بعد يوم، تتفاقم مأساة اللاجئين السوريين، في ظل استمرار تدفقهم عبر الحدود والاسلاك الشائكة الى دول الجوار “الاردن - تركيا - لبنان” بسبب اشتداد المعارك بين المعارضة والنظام.

لقد اثبتت الوقائع والاحداث وعلى مدى الشهور الماضية تخاذل الامم المتحدة، ومؤسساتها المتخصصة بالاغاثة في تقديم المساعدات العاجلة لدول الجوار، لتوفير المستلزمات الضرورية للاجئين، التي تضمن لهم استمرار الحياة وتقيهم برد الشتاء، ما ادى الى تفاقم معاناتهم واطفالهم، وموت البعض، ونقل الكثيرين الى المستشفيات لتلقي العلاج.

لقد طالب الاردن وعلى لسان جلالة الملك عبدالله الثاني المجتمع الدولي اكثر من مرة، وخلال مشاركته في حوارية نظمتها “CNN” ان يسارع بتقديم المعونات النقدية للدول التي تستضيف اللاجئين ومنها الاردن، لتتمكن من توفير المستلزمات الضرورية للاشقاء، خاصة وان عددهم قد تجاوز 320 الفا، كلفوا الخزينة المرهقة اكثر من 600 مليون دولار.

في ذات السياق لم يعد من المعقول ولا المقبول ان تستمر الدول الشقيقة والصديقة في سرد المقولات الانشائية، مشيدة بمواقف الاردن والمساعدات التي يقدمها للاجئين، بدون ان تعمل على تحويل هذا الكلام الجميل الى اجراءات عملية، ومساعدات مادية تسهم في تمكينه من الاستمرار في تلبية احتياجات الاشقاء والسهر على راحتهم، والتخفيف من معاناتهم في ظل هذه الظروف الجوية القاسية التي تشهدها المنطقة.

ان الاردن العربي الهاشمي، ومن منطلقاته الانسانية ومسؤولياته الدينية والتاريخية ورابطة العقيدة والدم والمصير لن يغلق حدوده، وسيبقى صدره مفتوحا لاستقبالهم، رغم ظروفه المالية والاقتصادية الصعبة جدا.والتي تشهد عليها ارقام العجز في موازنته وارتفاع مديونيته، وقيام الحكومة مؤخرا برفع اسعار النفط للحد من العجز الذي بلغ مرحلة خطيرة.

ان معاناة اللاجئين السوريين في دول الجوار تؤشر الى معاناة الشعب السوري الشقيق، في ظل استمرار الازمة الى ما يقارب العامين وعدم جدية المجتمع الدولي في حلها ما ادى الى هجرة ثلاثة ملايين، من بينهم مليون الى الخارج ومليونان الى الداخل، ومعاناة هؤلاء وحاجتهم الماسة الى المساعدات العاجلة، وهذا ما اكدته تقارير منظمات الامم المتحدة المتخصصة، وهي تطلق نداء استغاثة للمجتمع الدولي لانقاذ الشعب الشقيق، والتبرع لمساعدته على اجتياز المحنة الخطيرة التي يمر بها.

مجمل القول: ان استمرار الحرب الاهلية في سوريا الشقيقة، وعدم جدية المجتمع الدولي في اجتراح حل سلمي يقوم على وقف العنف والدخول في مرحلة انتقالية تفضي الى انتخابات برلمانية ورئاسية تضع حدا لهذه المأساة، وتؤدي الى دولة مدنية حديثة، سيؤدي الى تفاقم مأساة الاشقاء وخاصة استمرار تدفق اللاجئين الى دول الجوار، ما يفرض انشاء صندوق دولي فورا لاغاثتهم، وتقديم المساعدات لهم وعدم تركهم اسرى البرد والريح والامراض والجوع. نأمل ذلك قبل فوات الاوان.

التاريخ : 03-02-2013

========================

بين الغارة و «النصرة»

عبدالله إسكندر

الأحد ٣ فبراير ٢٠١٣

الحياة

التبريرات التي تُساق لتفسير الغارة الجوية الإسرائيلية الأخيرة على الأراضي السورية لا تخفي طابعها العدواني والمدان والذي يدخل تعقيدات إقليمية على الأزمة في سورية، ويزيد تعقيداً لاحتمالات التوصل إلى حل في شأنها. كما أن التبريرات التي تُساق لتبرير وجود «جبهة النصرة» وممارساتها في سورية لا تخفي أن أنصارها يعتمدون أساليب عنفية، سواء في مواجهة النظام أو في تعاملهم مع السكان، حيث يمارسون نفوذهم، وهي ممارسات إرهابية ومدانة، وتزيد صعوبة في العلاقات بين مكونات المجتمع السوري وفي مستقبل الحل.

لكن الغارة الإسرائيلية وممارسات «النصرة» لا تلغيان طبيعة الأزمة في سورية وواقع المواجهة بين النظام وبين الشعب السوري، ولا يغطيان العنف الأقصى الذي تواجه به قوات النظام مطالب هذا الشعب.

لقد عمد النظام منذ بدء المواجهات قبل زهاء عامين إلى الترويج لعلاقة بين مؤامرة إسرائيلية توظف الإرهابيين داخل سورية للنيل من مقاومة النظام وممانعته. وذلك من أجل تبرير الرفض المطلق للحل السياسي والترويج للحل الأمني الذي ما زال مستمراً.

وجاءت الغارة قبل أيام لتنطلق معها حملة كبيرة من النظام وحلفائه تقول إن ما عجزت عنه «جبهة النصرة» من احتلال موقع للبحث العسكري تولته إسرائيل مباشرة عبر الغارة الجوية. ليستنتج المتلقي أن تنسيقاً ميدانياً يحصل بين مقاتلي المعارضة السورية على الأرض وإسرائيل، فتكتمل رواية النظام عن طبيعة الأزمة، بالنسبة إلى حلفائه ومؤيديه في المنطقة.

لكنّ لهذه الرواية وجهاً آخر حاول النظام أن يروجه على المستوى الدولي، تجلى في الشكوى إلى الأمم المتحدة. فالنظام لم يتوجه إلى مجلس الأمن، وإنما توجه إلى قوات الفصل الدولية في الجولان. وذلك ليضع الغارة في إطار خرق اتفاق فك الاشتباك في المرتفعات المحتلة، وهو الاتفاق الذي يحظى بالرعاية والدعم من الأمم المتحدة. لكن هذه «الحيلة» لم تنجح في تحقيق أغراضها، لان القوات الدولية في الجولان أكدت، في ردها على دمشق، أنها لم تسجل أي خرق إسرائيلي لاتفاق فك الاشتباك في الجولان، وتاليا تخرج الغارة من إطار المواجهة الإسرائيلية - السورية المتعلقة بالنزاع في الشرق الأوسط، ولتصبح الغارة قضية إسرائيلية - سورية متعلقة بمضاعفات النزاع داخل سورية وبتراجع قدرة النظام وانحسار قبضته، واحتمالات سقوط أسلحة متطورة في أيدي أطراف حزبية أخرى، سواء مؤيدة للنظام السوري أو مناوئة له.

في موازاة ذلك، كشفت الغارة انعدام الحماية المفترضة التي على النظام أن يوفرها لمنشآته وقوافل أسلحته في مواجهة إسرائيل. خصوصاً أن كل مبررات حربه على المطالب الشعبية يلخصها بمواجهة إسرائيل. وهذا ما يظهر أن قوات النظام باتت عاجزة عن أي تصد فعلي للاعتداءات الإسرائيلية، أو هي غير راغبة بذلك. رغم ذلك، يشكل أي عدوان إسرائيلي على سورية، بالنسبة إلى النظام، تبريراً لشعاره الأساسي في شأن المقاومة والممانعة.

في الجانب الداخلي، يسعى النظام إلى اختصار الأزمة بالمواجهة مع التكفيريين والإرهابيين، وهو يجد في «جبهة النصرة» وممارساتها تبريراً لهذا الاختصار. ما يلقى صداه لدى حلفائه، خصوصاً روسيا التي تبرر تأييدها النظام بخشية سقوط سورية في أيدي الإرهابيين. وفي هذا المعنى يجد النظام في «جبهة النصرة» تبريراً لنهجه الأمني ورفضه الحل السياسي، وخصوصا لجوئه إلى العنف المفرط الذي ينهي احتمالات مثل هذا الحل.

 

========================

 شيء عفن يحدث في سوريا

عبد الله بن بجاد العتيبي

الشرق الاوسط

3-2-2013

عنوان المقال مأخوذ من عبارة شهيرة لـ«هاملت» أحد أشهر شخصيات «شكسبير»، غير أن الحديث هنا عن واقع هو أغرب من خيالات الروائيين والمسرحيين والأدباء، حيث يقوم نظام في القرن الحادي والعشرين بقتل شعبه بكافة الأسلحة أمام عالم لا يكاد أحد يحرك ساكنا.

خلال عامين ظل دخان المأساة في سوريا يتكاثف ويكبر، وتنمو تحته طحالب الضغائن والأحقاد التي تتحول أشجارا، وإحن الطائفية ودماؤها تسيل وتفيض أنهارا وبحارا، وقد ضمن بشار الأسد عبر سياسيات واعية اتخذها من أول يوم أن يخلق في سوريا فتنة طائفية يصعب كثيرا على من يأتي بعده - أيا كان - أن يخمدها.

سياسيا، لم يكن لهذه المأساة الإنسانية أن تستمر في سوريا إلا لأنها أصبحت بحكم التطورات الدولية والإقليمية مركزا للصراع الدولي والإقليمي في لحظة مضطربة من التاريخ أقدمت فيها دول الغرب بقيادة الولايات المتحدة على خيارات، ظهر لاحقا أنها لم تكن محسوبة بالدقة المفترضة حسب تصريحات مسؤوليها تجاه ما كان يعرف بالربيع العربي، وأصرت فيها بما يشبه العناد، الصين، وروسيا الاتحادية الجديدة التي تخلت عن كل أثقال الاتحاد السوفياتي وأعبائه وهي تنعم باقتصاد متنام، على عدم ترك آخر معاقلها في المنطقة دون ضمان مصالحها.

وإقليميا، كان للسعودية ودول الخليج موقف سياسي متقدم تجاه الأوضاع في سوريا، ولم يزل ذلك الموقف يتصاعد ويحشد الدعم والتأييد الدولي في كل المؤتمرات الدولية التي عقدت لدراسة الشأن السوري، وكانت رأس حربة في مؤتمرات أصدقاء سوريا وفي غيرها من المحافل الدولية والإقليمية والعربية.

وفي خضم التدافع الدولي الذي لم يصل لمرفأ بعد قامت على الأرض مآس إنسانية يشيب لها الولدان، وعذابات بشرية تدمي العقول قبل القلوب، فأكملت دول الخليج مشروعها السياسي تجاه سوريا بمشروع إنساني.

انعقد في دولة الكويت يوم الأربعاء 30 يناير (كانون الثاني) تحت رعاية الأمم المتحدة، مؤتمر دولي للدول المانحة لسوريا، وكانت دول الخليج هي الدول الأقوى حضورا والأكبر دعما للشعب السوري، فقدمت الكويت الدولة المضيفة والسعودية والإمارات، ما يقارب المليار دولار بواقع ثلاثمائة مليون دولار لكل دولة، وهو دعم يغطي الأشهر الخمسة المقبلة، كما صرح بذلك وزير الخارجية الكويتي.

إنه دون شك عمل إنساني مهم يأتي مكملا للدور السياسي وداعما له، وها هي وسائل الإعلام تنقل أخبارا قد تحمل شيئا من التحول في المواقف الدولية، فتصريحات رئيس الوزراء الروسي ميدفيديف، ومن بعده وزير الخارجية لافروف، خلال الأسبوع الماضي، تمنح إيحاء بتغير ما يحدث في الموقف الروسي المتعنت سابقا، وبخاصة طبيعة اللوم الذي قد يصل حد التقريع من قبل ميدفيديف للأسد.

والرئيس الأميركي المنتخب لولاية جديدة باراك أوباما، قال بأنه سيدرس «جدوى» التحرك تجاه سوريا، ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون صرحت قبل تركها لحقيبتها، بحديث مماثل، وإسرائيل بحذرها الأمني المزمن بدأت تضرب عسكريا أي تنقلات للأسلحة النوعية لنظام الأسد قد يكون لها تأثير عليها مستقبلا.

وقفت إيران ونظام الأسد وحزب الله مكتوفي الأيدي تجاه تلك الضربة العسكرية الإسرائيلية؛ فمعركتهم ليست مع إسرائيل بل مع الشعب السوري، فالنظام الإيراني كان يقود معركته مع إسرائيل بالشعارات دائما، ونظام الأسد كان أفضل حام لإسرائيل لما يزيد على أربعين عاما، أما حزب الله فقد تعلم الدرس جيدا في مغامراته السابقة.

وفي الداخل السوري فقد أصبح واجبا ملحا على الطائفة العلوية بسوريا أن تجد لنفسها ملتجأ يبتعد بها عن بشار الأسد ورهاناته السياسية الخاسرة التي تدفع بها لمزيد من المعاناة في قابل الأيام.

ليس شيء أكثر مقتا من الحديث عن الطائفية، وليس شيء أكثر تأثيرا لدى السياسي من توظيفها، ولكنها معطى واقعي لم تزل هذه المنطقة من العالم تكتنزه وتمتلئ به، فالطائفية تمثل غريزة مكبوتة يفيض بها التاريخ، وتنضح بها المجتمعات، وتختصم على تمثيلها أو استغلالها التيارات والأحزاب والجماعات والتنظيمات.

ليس بدعا من التاريخ، ولكن جناية على الواقع اختارت الجمهورية الإسلامية في إيران استغلال الطائفية كورقة سياسية بالغة التأثير، وقوية المفعول في كثير من صراعاتها منذ نشأتها، وزادت في السنوات الأخيرة، وقد كان العلويون النصيريون في سوريا في قلب تلك السياسية الإيرانية.

العلويون أو النصيريون في سوريا لحقهم ظلم تاريخي ومجافاة دينية تصل إلى حد الاضطهاد، أعقبها استغلال سياسي أضر بهم كثيرا، أما الظلم التاريخي فيكمن في اللعب برواية تاريخهم الذي ظل غامضا على الدوام، ومستعصيا على الباحثين المستقلين من مستشرقين وعرب، وقد دفع به كل بالاتجاه الذي يناسبه، وأما المجافاة الدينية فقد كانت من الشيعة والسنة على السواء؛ فقد نبذهم الشيعة الذين ينتمون وإياهم لذات المرجعية الدينية، وقد مارس بعض السنة تجاههم مجافاة أخرى تتعلق بطبيعة توصيفهم والعلاقة معهم، أما الاستغلال السياسي، فقد حاول الصفويون استخدامهم ضد العثمانيين، وسعى الفرنسيون لجعلهم شوكة في استقرار الشام، ثم جاء الاستغلال الأقسى من قبل حافظ الأسد في الدولة السورية الحديثة، ومن ثم من الجمهورية الإسلامية في إيران، وأخيرا الأسد الابن.

معلوم أن العلويين قد تعرضوا لاضطهاد تاريخي كغيرهم من الأقليات، ولكن أيا من تلك الأقليات لم تتخذ مواقف انتقامية ضد الأكثرية، ولم تحملها أعباء التاريخ بقوة السلطة والنظام، هذا مع التأكيد على أن استحضار بعض حقائق التاريخ بما تشمله من عقائد وطوائف، مفيدة لقراءة المشهد المعاصر.

أيا ما كانت المصائر التي تدفع لها أحداث اليوم فإن الطائفة العلوية يجب ألا تدفع ثمن جرائم الأسدين، فأخذ الناس جملة بسبب انتماءاتهم الطائفية أو القبلية أمر مناقض للعقل والحضارة والعدل.

قدم كثير من المستشرقين الكثير من الدراسات والأبحاث المهمة في رصد وقراءة وتحليل بعض المعطيات المهمة في الواقع العربي والشرقي بعموم، كالطائفية والقبلية والعرقية ونحوها، وبغض النظر عن أهدافهم أو إمكانية توظيفهم لأهداف سياسية ما، فإن إنتاجهم يظل ثريا ومفيدا في تلك الجوانب تجدر مراجعته والاستشهاد به في أي محاولة جادة لقراءة جوانب هامة من تاريخنا الحديث أو المعاصر، في وقت استنكف فيه كثير من الباحثين العرب رصد تلك المعطيات وتحليلها وقراءة تأثيراتها تحت شعارات كانت تبدو أكثر بريقا وتأثيرا، كالقومية العربية أو الشيوعية أو البعثية.

سيظل «هاملت» الواقع السوري يتنقل كثيرا بين إحن التاريخ وتناقضات الواقع وآمال المستقبل، وكل الأمل أن يجد طريقه للخلاص.

========================

الكلام عن السوريين وأزمتهم

فايز سارة

الشرق الاوسط

3-2-2013

بعد انطلاق الثورة السورية قبل عامين، تغيرت صيغة الكلام عن السوريين نظاما وشعبا. فقبل ذلك التاريخ كان الكلام عن السوريين يتعلق غالبا بسياسات النظام وعلاقاته العربية والدولية ومواقفه من القضايا العربية والإقليمية، وغالبا ما كانت لغة الخطاب هادئة ورزينة، وحتى في الحالات، التي يكون فيها ثمة اختلاف مع مضمون الخطاب الرسمي السوري، فإن لغة الخطاب التي تتناوله كانت ملتبسة، ولم تكن تتعدى أشارت الامتعاض في أشد الأحوال، أو التلميح دون التصريح في أغلب الأحيان، والسبب في ذلك أن كثيرين من أصحاب القول في الشأن السوري وحوله، لم يكونوا يرغبون في الدخول في مواجهات كلامية مع الخطاب الرسمي السوري تجنبا لما يمكن أن يقوله أو يفعله أو للاثنين معا، حيث الأول فيهما لم يكن يخلو من شتائم وتهديدات، فيما كانت الأفعال تحمل مخاطر وتحديات لا رغبة لأحد في تحملها أو احتمالها.

والكلام عن السوريين كشعب، لم يكن بعيدا عما سبق. فالسوريون في عيون الآخرين، كان يتم النظر إليهم في أغلب الأحيان باعتبارهم أبناء النظام وأدواته وجوقته، وهي تصورات غير واقعية، وإن استند بعضها إلى وقائع ومعطيات ضعيفة ومهلهلة، وهو ما جعل الكلام عن السوريين شعبا، يقترب من الكلام عن السوريين نظاما، لكن مع هامش أكبر في لوم الشعب السوري لاقتناع أصحاب خطاب اللوم بعدم قدرة الشعب السوري على الرد والتعقيب على الكلام الذي يقال عنه وحوله لأسباب كثيرة.

وواقع الحال السابق، إنما يساعد في تقديم تفسير للسلوك العربي والدولي الحذر والانتظاري في الكلام حول الوضع السوري ومجرياته طوال الأشهر الأولى من ثورة السوريين، قبل أن يذهب الكلام إلى تحديد مواقف مما يجري في سوريا، وبلورة انقسام إقليمي ودولي حولها بغض النظر عن محتوى وجدية الفريقين والمنتمين لهما من الوضع السوري وتطوراته، وصار بالإمكان سماع كلام مختلف في لجهته ومحتواه في الشأن السوري، كلام يميز في التعاطي ما بين النظام والشعب، ويحمل في محتواه مضامين لم يكن يستعملها في السابق في تعاطيه مع النظام أو مع السوريين.

وإذا كان كلام الفريق الدولي والإقليمي المؤيد للسلطات السورية واضحا في دعمه وتأييده للسياسات السورية في تعاملها مع ثورة السوريين، ومتقارب في إدانة الحراك الشعبي بمجالاته السياسية والعسكرية على السواء، فإن كلام الفريق الثاني وإن كان في اتجاهه العام مناهضا لسياسات النظام وخياره الأمني - العسكري، ومتعاطفا مع ثورة السوريين وبخاصة مع ضحايا النظام وسياساته، وضد ما يصيب الشعب السوري من خسائر ودمار، وآلام. فإن كلام هذا الفريق، غلب عليه الارتباك وكثرة الادعاءات، وارتكاب الأخطاء الكبرى، إن لم نقل إن بعض تلك الأخطاء كان مقصودا، وله أهداف سياسية لعل الأهم والأبرز فيها إخلاء مسؤولية أصحابها عن عدم اتخاذهم مواقف جدية وقوية حيال ثورة السوريين وتطوراتها والأطراف المنخرطة فيها.

إن الأمثلة في الكلام المقال عن الحال السوري كثيرة، والأيام الأخيرة حافلة وشاملة لكل المواضيع ومنها تحليلات تحمل النظام المسؤولية في الأزمة السورية، ومنها كلام المبعوث الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي في مجلس الأمن الدولي الذي أكد أن «سوريا تنهار أمام أعين الجميع»، الأمر الذي استجر كلاما من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لتوجيه نداء «باسم الإنسانية لوقف القتل في سوريا»، فيما ذهب «المؤتمر الدولي لإعلان التعهدات الإنسانية من أجل سوريا» في الكويت نحو كلام عن مساعدات مالية للسوريين، تتجاوز مليارا ونصف مليار دولار في إطار كلام عربي ودولي تكرر على مدى العامين الماضيين حول مساعدات ستدفع لمساعدة السوريين في مواجهة المحنة التي يتعرضون لها، وثمة كلام عن جهود ومبادرات في المستويات الإقليمية والدولية لمعالجة الأزمة، وقد انضمت أطراف من المعارضة السورية حسب مؤتمر جنيف الأخير وتصريحات رئيس الائتلاف الوطني عن تفاوض مشروط مع النظام، وقد انضم الأخير إلى فريق المتكلمين عن حل سياسي للازمة في سورية، فيما كلامه مستمر عن «مؤامرة» و«عصابات إرهابية».

وإن كان هناك ملاحظات جوهرية حول الكلام المقال عن السوريين وأزمتهم، فإن الأهم في تلك الملاحظات، أن كثيرا من الكلام، لا يركز بصورة جدية وفعالة على معالجة الأزمة السورية بما يعنيه ذلك من إيجاد حل لها، وهو يتناول بعض نتائج استمرار الأزمة وتطوراتها مثل الحديث عن اللاجئين والمساعدات الإنسانية، كما أن بين الملاحظات، أن أغلب الكلام لا يجد طريقه للتطبيق والتنفيذ كما في موضوع السعي الجدي لعلاج الأزمة، بل إن بعض أصحاب ذلك الكلام سرعان ما يتجاهلون أقوالهم، وقد يتخذون ودولهم مواقف وإجراءات تتناقض مع مضمون كلامهم كما في موضوع المساعدات الدولية ومعالجة أوضاع السوريين في الدول المضيفة.

لقد صار الكلام مكرورا في توصيف أزمة السوريين، والتباكي على ما صارت إليه حالهم وحال بلدهم، والتحذير مما يجر إليه الحال السوري من كوارث تتجاوز محيط سوريا إلى جوارها والأبعد منها إقليميا ودوليا. وكذلك الكلام عن التكاتف الدولي لمساعدة شعب لم يقصر في التزاماته الإنسانية والأخلاقية نحو المجتمع الدولي ومساعدة الآخرين في محنهم، وعن الجهود المختلفة لمعالجة الأزمة في سوريا. لقد أصبح الكلام مجرد لغو لا معنى له ولا تجسيدات عملية لما يفرضه من مواقف وإجراءات. حيث إن الأزمة في سوريا مستمرة ومتصاعدة، وخسائرها البشرية والمادية إلى تزايد مخيف، وأحوال السوريين في الداخل وبلدان اللجوء إلى تدهور، وحالة الكيان السوري إلى تغيير من الصعب تحديد محتواه، وكلها تؤكد عدم جدوى وجدية أكثر الكلام الذي يقال عن السوريين.

========================

عمل شاق بانتظار جون كيري في الملف السوري

ديفيد اغناتيوس

الشرق الاوسط

3-2-2013

* نعم

* ستكون أولى مهام جون كيري كوزير للخارجية الأميركية بلورة سياسة واضحة ومتناغمة إزاء سوريا، حيث تبدو العقوبات الأميركية المفروضة على نظام دمشق ذات مردود مناقض للغاية منها، وسط المراوحة الميدانية الطاغية على مواجهات دمشق وريفها، وانهيار الاقتصاد وانحدار البلاد نحو هاوية الانقسام الطائفي.

هذا التشخيص المأساوي للوضع السوري يستند إلى أحدث التقارير الحاصلة عليها وزارة الخارجية الأميركية من قوى المعارضة العاملة بالتفاهم مع «الجيش السوري الحر».

إن الوضع الميداني في دمشق هو حقا في حالة مراوحة بلا حسم، فالنظام يسيطر على وسط المدينة وضواحيها الشمالية، بينما يتمتع ثوار «الجيش السوري الحر» بحضور قوي في الضواحي الشرقية والجنوبية والغربية، لكن الفساد يضرب أطنابه في الضواحي الجنوبية المحررة. واليوم، تبعا لتلخيص التقرير، حيث يمر السوريون عبر نقاط التفتيش التابعة للنظام أو تلك التابعة للجيش الحر، فإنه «يصعب أحيانا التمييز بينهما، وتضطر للتساؤل عما يريد الجيش الحر تحقيقه».

واستطرادا، وسط تداخل خطوط الفصل وغموضها تنساب المواجهات خلسة على امتداد مناطق المدينة. وهنا تتولى القوات الموالية للرئيس بشار الأسد حراسة الحواجز ونقاط التفتيش في الشوارع الرئيسية. لكن، حسب التقرير مجددا «تظل هناك على الدوام بدائل أمام المعارضة (الثوار) لبلوغ أي نقطة داخل دمشق تقريبا». وأنا شخصيا اكتشفت يسرا وسهولة في التحرك مشابهين لذلك الحال في شمال سوريا حيث تنقلّت مع الجيش السوري الحر في أكتوبر (تشرين الأول).

وبينما تسعى كتائب الجيش الحر للحصول على مزيد من المجندين، يقول موجز التقرير إن «الشراء بالمال» هو ما تفعله جبهة النصرة «لزيادة أعداد مناصريها وأتباعها. لقد بات الناس سوقا مفتوحة، حيث تدفع وتبيع آيديولوجيتك.. والناس ينضوون بسرعة في صفوف ما كانوا يتجرأون على الالتحاق بها من قبل».

ويتابع التقرير ليقول إن الأطباء العاملين في المستشفيات الميدانية يشيرون إلى أن غالبية الإصابات تحدث في صفوف قوات النظام، مما يفيد بأن النظام ما زال يبقي خيرة قوات النخبة في الحرس الجمهوري كقوة احتياطية يلجأ إليها كخيار أخير.

في هذه الأثناء يبدو أن العقوبات الاقتصادية التي دفعت الولايات المتحدة لفرضها كانت لها نتيجة معاكسة، فمثلما حصل مع العراق في عقد التسعينات، آذت العقوبات الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، بينما تركت أنصار النظام والمستفيدين منه أكثر ثراء. وهنا يصف التقرير ما حصل ويحصل بأنه «مثال ناطق للفشل»، ويشرح أنه بمقدور النظام تجاوز معظم العقوبات عبر استعمال منتجات غير أميركية وغير أوروبية.. وكبار شخصيات النظام يمتلكون وسائل وشبكات متطورة للغاية لتحريك حساباتهم ونقلها»، وبالتالي، فإن السوريين العاديين يعانون لأنهم لا يتمتعون بهذه الميزة. ويتابع التقرير «هذا الوضع أدى لنقل ثروات ضخمة من الناس العاديين إلى أنصار الحكم وأتباعه. وفي خضم الشح الاقتصادي والتمويني وارتفاع الأسعار لا يستطيع الصمود والنجاح من رجال الأعمال إلا أولئك الذين تسنادهم قوة عسكرية لحماية قوافلهم.. الطبقة الوسطى وغالبية الأثرياء خسروا سيولتهم المالية».

في السياق نفسه، فإن نظام الأسد يفرض تقنين الكهرباء والوقود لكي يكافئ المحسوبين عليه ويعاقب خصومه. وحسب التقرير «فإن عدد ساعات الكهرباء المتوافرة لكل حي أو منطقة يتناسب مباشرة مع مستوى ولاء سكان ذلك الحي وتلك المنطقة للنظام.. المحظوظون يحصلون على التيار الكهربائي لمدة 18 ساعة يوميا، والأقل حظا يحصلون على الكهرباء لمدة ثلاث ساعات، أما أولئك الذين يجابهون النظام فليس لديهم لا تيار كهربائي ولا تغطية لهواتفهم الجوالة».

أيضا على صعيد الوقود، فإن الحظر الأميركي على استيراد المازوت (وقود الديزل) بحسب وصف التقرير «قليل الفعالية»، ذلك أنه «لدى جيش النظام الحصة الأكبر بينما يرفع إقبال المدنيين الأسعار المدفوعة لما يتبقى منه»، وبسبب شح المازوت يضطر المواطنون الفقراء لإحراق البلاستيك وأوراق الشجر والحطب للتدفئة وحاجاتهم الأخرى.

إن السياسة الأميركية للتعامل مع الكارثة السورية تختصر باللافعل لشهور، بينما انشغلت الإدارة بحملة الانتخابات الرئاسية، ولاحقا تعيين وزيري الخارجية والدفاع الجديدين والمدير الجديد لـ«سي آي إيه». إلا أنه ينظر إلى جون كيري على أنه الرجل الأكثر أهلية لصياغة سياسة أميركية أكثر وضوحا وأكثر حزما وصرامة، بيد أنه يقال إن الرئيس أوباما متشكك، وها هو يقول في حواره مع الـ«نيو ريبابليك» متسائلا «هل باستطاعتنا أن نغير شيئا؟».

في رأي الثوار السوريين فإن أفعل خطوة يمكن أن تأخذها واشنطن هي تدريب مئات من عناصر الكوماندوز، الذين يصار في ما بعد إلى تسليحهم تسليحا جيدا، وبناء بنية الإمرة والتحكم التي ما زال الجيش الحر يفتقر إليها. إن من شأن قوات نخبة من هذا النوع الذي سبق لـ«سي آي إيه» إعداده وتدريبه في العراق ولبنان وأفغانستان تغيير ميزان القوى على الأرض، ليس فقط بعيدا عن قوات الأسد بل أيضا بعيدا عن جبهة النصرة.

ولقد أبلغني أحد مصادري السوريين مؤخرا بأن «كثرة من السوريين فقدت الأمل في كل شيء، كثيرون يكرهون الأسد، لكنهم يكرهون الجيش الحر أيضا. وكل ما يرجون هو الخروج من هذا الوضع».

* خدمة «واشنطن بوست»

========================

لا تغير في الموقف الأميركي من سوريا بمعزل عن البعدين الروسي والإسرائيلي

اياد ابو شقرا

الشرق الاوسط

3-2-2013

* لا

* عندما تفجرت الانتفاضة المصرية، وعلى الرغم من الارتباك الأولي، اختارت واشنطن إفهام نظام الرئيس حسني مبارك ومن خلفه المؤسسة العسكرية بأنه آن الأوان للتغيير، لا سيما أنه ظل في مصر شيء يمكن اعتباره مؤسسات سلطة مركزية.

صحيح ضعفت مشاعر المواطنة، وضاع معنى «الدولة المدنية»، وتاه مفهوم «المواطنة»، لكن ظل هناك شيء اسمه مصر، وظل الشعب المصري، بمختلف مشاربه وفئاته، ينظر إلى نفسه على أنه مصري.

وبالنتيجة بعد نحو أسبوعين انتهت رئاسة حسني مبارك، وبدأ عهد جديد تختلف في تقييمه الآراء بينما يختلف صانعوه على شكله وهويته.

لم تشفع لنظام مبارك التزاماته الدولية والإقليمية، وعلى رأسها التزامه باتفاقيات السلام المصرية - الإسرائيلية، مع أنه من الواجب القول إن قرار الإبقاء على النظام أو إزاحته. ومع هذا تعاملت تل أبيب مع التغيير المصري - ظاهريا على الأقل - على أنه شأن داخلي.

الوضع مع ثورة سوريا جاء مختلفا، أميركيا وإسرائيليا..

إدارة باراك أوباما التي رحبت بـ«الربيع العربي» وأيدت دوران عجلة التغيير تعاملت مع الحالة السورية بلغتين ولسانين.

اللغة الأولى هي اللغة المثالية التي تشدد على حق الشعوب وعلى انتصار الديمقراطية من دون دفع أو دعم حقيقي ملموس لتغيير جاء من الداخل وبتضحيات جسام على امتداد قرابة السنتين.

واللغة الثانية كانت لغة البراغماتية القائمة على طرح الشيء ونقيضه، ومعها بررت إدارة أوباما وقوفها مكتوفة الأيدي وسط انتشار المجازر وازدياد القمع وسقوط المحظورات واحدا تلو الآخر.

مفهوم تماما أن نسيج المجتمع السوري مختلف عن نسيج المجتمع المصري أو المجتمع التونسي أو غيرهما من المجتمعات العربية التي عاشت ثورات التغيير.. ومفهوم أيضا عمق العلاقة الاستراتيجية بين نظام دمشق ونظام طهران، وارتياح إسرائيل للدور الذي يؤديه النظام السوري إقليميا على عدة أصعدة، أبرزها إبقاء جبهة الجولان صامتة، واعتماد سياسات تساعد في تنمية الاستقطاب الطائفي والمذهبي في المنطقة، وزرع إسفين في الوحدة الفلسطينية يكفل لليمين الإسرائيلي تجاوز أي استحقاق يتعلق بحلم الدولة الفلسطينية. لكن في المقابل، دأبت واشنطن عبر الإدارات المتعقبة خلال العقود الأخيرة على تصنيف سوريا في خانة «الدول الداعمة للإرهاب»، وكانت ترى - ظاهريا على الأقل - في صلاتها الإيرانية، وانعكاس هذه الصلات على الوضع الداخلي اللبناني، مما يدعو للقلق.

سكوت واشنطن عن وصول «الحالة السورية» إلى ما وصلت إليه يمكن أن يبرر بذرائع كثيرة، من بينها الوضع الاقتصادي والمالي في الولايات المتحدة والذي يدفع أي سياسي حصيف إلى إيلاء الشأن الداخلي رأس أولوياته، لكن ثمة خللا في نظرة باراك أوباما نفسه إلى الأزمة السورية ينم عن اختلالات أكبر. وبالتالي، يستحيل توقع تحسن حقيقي أو نقلة نوعية في مقاربة أوباما في فترته الرئاسية الثانية إزاء سوريا من دون الأخذ في الاعتبار عوامل مهمة أكبر من تغيير وزيري الخارجية والدفاع ومدير الـ«سي آي إيه».

في طليعة هذه العوامل ما إذا كان أوباما على استعداد للتفاوض مع موسكو على مصالحها الخاصة والاستراتيجية في سوريا أم لا. وكل تصرفات أوباما في الماضي والحاضر تشير إلى أنه ليس في وارد اعتماد سياسة شفير الهاوية مع موسكو في ما يخص دمشق، وهذا ما أسفر عن استخدام موسكو ثلاثة «فيتوهات» في أروقة مجلس الأمن الدولي حماية لنظام بشار الأسد.

عامل آخر لا يقل أهمية هو أن أوباما لم يثبت خلال السنوات الأربع الماضية أنه قادر على التحلل من ربقة الابتزاز الإسرائيلي، بدليل نكوصه عن وعد «الدولة الفلسطينية» في مطلع عهده، وعجزه عن وقف آفة الاستيطان. ومعنى هذا أنه ما دامت إسرائيل ترى في أي تغيير في سوريا تهديدا لوجودها، سيكون توقع أي خطوة عملية يعتمدها البيت الأبيض لإنهاء نظام الأسد، ومعه معاناة الشعب السوري، أمرا صعب الحدوث.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ