ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 06/02/2013


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

05-02-2013

إيران وإسرائيل.. وبينهما سوريا!!

يوسف الكويليت

الرياض

5-2-2013

    سياسة إيران تجاه المنطقة العربية، ليست مذهبية بغلاف قومي شوفيني، بل تتجه إلى خلق فوضى في المنطقة كلها، ولأن ذراعها السورية انكسرت بفعلٍ داخلي لم تتوقعه عندما خططت لبناء حائط سميك يمتد منها إلى لبنان، ومن اليمن إلى دول الخليج، تصرفت بعقلية الوهم الامبراطوري في زمن تخلت أمريكا والاتحاد السوفياتي عن عقلية الامبراطوريات، وفي زمن غرقت الدولتان في مستنقع أفغانستان، وفيتنام ثم العراق، وإيران أدركت أن شعارات الممانعة والمقاومة ومجابهة العدو الإسرائيلي، لم يعد أحد يراها منطق العقل، لأن إيران تخشى ضربة إسرائيلية، أكثر من خوفها من أمريكا وأوروبا، ولم يعد العرب يقبلون تسويق تجارة صنعوها ورفضوها..

إسرائيل نفذت الأسبوع الماضي غارة عسكرية استهدفت مركزاً عسكرياً للبحوث قرب دمشق، وكذلك قافلة أسلحة متجهة من سوريا لحزب الله، وانتظر العالم رد فعل الحليف الإيراني على هذا الاعتداء والذي كان يصرح أن أي اعتداء على سوريا يجبر إيران على الرد المباشر بمثل ما جرى من اعتداء، والنتيجة زيارة لجليلي أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني لدمشق للتطمين، وتصريحه «أن إسرائيل ستندم على عدوانها» لكن ما هي الوسيلة والرد، والتوقيت ظلت أموراً عائمة، لأن المنطق الموضوعي والصريح والذي تجنبه جليلي أن بلده أذكى من أن تدخل في حرب خاسرة، أو حتى مناوشات مع دولة أقوى منها، وتعمل على تدمير مفاعلاتها النووية، لأن مثل هذه المغامرة ستدخل أمريكا وأوروبا طرفاً في حرب لا تقوى عليها، بل وتكون عذراً أمام العالم بتنفيذ المهمة التي تتوعد بها إسرائيل إيران..

إسرائيل صرحت أيضاً أن سلاحها الجوي قصف ليلة أمس الأول هدفاً لحزب الله يعتقد أنه جهاز إلكتروني، بمعنى أن الدائرة التي تريد إسرائيل استخدام ذراعها العسكرية تتوسع كل يوم، وهذه المرة لم تعلق إيران على الحدث لا بالاستنكار، ولا التهديد بالرد المناسب، كما تحاول أن تعلل أقوالها، ولا تربطها بأفعالها، إلاّ إذا كانت ترى أن الأمر يخص الحكومة اللبنانية، وهي المسؤولة عن محاسبة إسرائيل على اعتداءاتها كنوع من الهروب من واقع لا تقوى على مواجهته..

في أحد موانئ اليمن على البحر الأحمر احتُجز قارب يحمل أسلحة وصواريخ اتجهت النية إلى رسوّه وتفريغ حمولته للحوثيين، وهي ورطة سياسية وعسكرية حاولت إنكارها إيران، وقبل ذلك قبض على أسلحة وأجهزة إرسال ووثائق تريد أن تزعزع الوضع اليمني، والسيطرة على مناطق تكون بداية للتوسع على الأرض اليمنية، وخلق دولة شيعية تدين بالولاء لها، لتكون القنطرة لضرب الأمن الخليجي العربي، ومثل هذه السياسة لا تخفى دوافعها، لكن هل إيران تستطيع الاستمرار بما تسميه تعميم ثورتها إلى الخارج، وهي التي تعرف أن الاتحاد السوفياتي وهو القوة العظمى، والاقتصاد الهائل، تكسرت مراكبه داخل تضاريس أفغانستان لينفجر من الداخل بتفتت الدولة الكبرى بأسوأ سيناريو؟

إيران، من الداخل لا تستطيع إخفاء عجزها الاقتصادي وتدهور عملتها وتحرك القوى القومية، وحتى الفارسية، أمام فوضى الدولة وأحلامها، حتى إن هناك تقارير أمريكية ترشحها هذا العام لربيع يطيح بالدولة والثورة وكل مخلفاتهما وهي صورة ترعب القيادات التي تحاول كل يوم المناورة بإظهار قوتها على الأرض والفضاء لتغرير الشعب الإيراني الجائع..

========================

مع الثورة السورية رغم كل شيء

الياس خوري

2013-02-04

القدس العربي 

رغم الاحباط، ورغم الارتباك السياسي الذي تعيشه المعارضة، ورغم غياب التنسيق بين وحدات الجيش الحر، ورغم وجود جبهة النصرة، ورغم الأخطاء والمطبات والمواقف الملتبسة، ورغم رفض العالم دعم الشعب السوري، ورغم تأخر الحسم العسكري والبلبلة السياسية، ورغم الانزعاج من التصريحات التلفزيونية، ورغم كل شيء، فأنا مع الثورة السورية.

كنت اتمنى ان يسقط نظام الاستبداد الأسدي في درعا، امام قدسية تضحية حمزة الخطيب.

كنت اتمنى ان تنتصر ازهار غياث مطر وقناني الماء التي وزعها على الجنود، ويسقط النظام بلا خسائر.

كنت اتمنى ان تكفي صرخة حمص واغاني القاشوش وعشرات الألوف الذين احتلوا الشوارع بحناجرهم وايديهم المرفوعة بالتحدي السلمي.

كنت اتمنى ان لا يرتفع السلاح في وجه السلاح، وان تنجح الإرادة الشعبية في ايقاظ ضمائر الذين لا ضمير لهم، وتشلّ ايديهم قبل ان تقوم بإطلاق النار.

كنت اتمنى، ولا ازال اتمنى، لكن النظام الوحشي المافيوي الأخطبوطي الذي بناه الأسد الآب واورثه لابنه، قرر ان يواجه الشعب حتى النهاية.

الأسد او لا أحد، الأسد او نحرق البلد، الأسد الى الأبد. هذه هي شعارات النظام الاستبدادي، الذي اعتاد على التصرف وكأن سورية مملكة طوّبت بإسمه.

الطائرات في كلّ مكان، والقتل في كل مكان. لا هدف للنظام سوى البقاء، وشرط بقائه هو اذلال الشعب.

ليس صحيحا ان هدف القمع الذي يمارسه النظام، منذ اندلاع الثورة، هو توحيش الشعب السوري وتمزيق نسيجه الاجتماعي. التوحيش بدأ من زمان حين صارت السلطة وحشا اجوف، انفصل بأجهزته القمعية كلها عن المجتمع، وتصرف كقوة احتلال غاشمة لا رادع لها. وما نشهده اليوم هو تعميم هذا التوحيش، وتحويله الى الوسيلة الوحيدة للتعامل مع المجتمع، عبر اغراق الشعب في الدم، وتحويل العمران الى دمار.

الكلام عن حلّ سياسي للوضع السوري هباء واضاعة للوقت. فهذا النظام لا يفهم السياسة الا بوصفها لعبة على حافة هاوية الموت. يصفي خصومه السياسيين، يقتل رموز المجتمع، ثم يترك لمن بقي حيا ان يستخلص الدرس، اي يتعوّد على الانحناء والصمت والخنوع.

لكنه في المقابل يعمل بشكل محترف في حقل السياسة الخارجية، اقليميا ودوليا. ينحني، يساوم، يبيع ويشتري من اجل المحافظة على بقائه. يُسقط طائرة تركية، لكنه ينحني امام الطائرة الاسرائيلية. يدعم حزب الله، لكنه لا يخلّ بتفاهمات الحدود السورية- الاسرائيلية الآمنة، يتنعّج ويتنمّر بحسب موازين القوى. لكن قدرته على المناورة الاقليمية والدولية مرهونة بنجاحه المطلق في اخراج المجتمع السوري من المعادلة السياسية بشكل كامل.

عندما كسر السوريون جدار الخوف وخرجوا من قمقم القمع، انكشف النظام بوصفه مافيا لا تتكلم سوى لغة الجريمة. لذا فإن اي كلام عن حلّ سياسي مع النظام مجرد وهم ودعوة الى الوهن والتراخي. فهو لا يفهم السياسة الداخلية الا بوصفها لا سياسة، اي اخراج الناس من السياسة وارجاعهم الى سلاسل عبوديتهم.

الوضع في سورية مأسوي، وحجم الألم السوري صار اكبر من ان يُحتمل، لكن شرط توقف المأساة هو سقوط النظام. كل كلام آخر مجرد وهم وشراء للسراب. طالما بقيت الأسرة الأسدية في السلطة فإنها ستتابع استئسادها على الشعب. شرط سلطتها ابادة ارادة الناس، وهي لن ترضى بتقاسم السلطة مع أحد.

المافيا قد تصل الى تسوية تتقاسم فيها النفوذ مع مافيا أخرى، لكنها لا تستطيع ان تقيم تسوية مع القانون والحق.

شرط توقف المأساة وتخفيف المعاناة هو سقوط النظام، لكن هذا لا يعني على الاطلاق ان لا تعمل الثورة في السياسة، اي لا تناور وتراكم الانتصارات، وتتكلم بلغة منطقية تُحرج نظام القتلة.

ليست هذه دعوة للتفاوض مع الأسد، المكان الوحيد للحوار مع السفّاح هو في المحكمة، حيث على ابن النظام وسيده ان يعترف بجرائمه. ولكنها دعوة لبناء استراتيجية عمل سياسي تُحرج حلفاء النظام، وخصوصا حليفه الروسي، الذي امعن في تغطية الجريمة بحيث صار شريكا فيها.

وهذا يقتضي من المعارضة ان تبرأ من ثلاثة امراض:

الأول، هو مرض الشك في الجميع، وهو مرض آتٍ من الحقبة الاستبدادية حيث نجح النظام في تشكيك الأخ بأخيه. هذا المرض قاتل، وهو يحمل الى المعارضة احتمال ان تصير الوجه الآخر لنظام الاستبداد.

الثاني هو مرض التسلط. التسلط وليس السلطة، لأن الصراع هو على الوهم. اوقفوا الصراع على التسلط، كي تستطيعوا الانتصار في الصراع على السلطة مع النظام.

الثالث هو تصحيح مفهوم القيادة، فالقيادة لا تكمن فقط في الاقامة في سورية ومشاركة الشعب همومه، بل ايضا القدرة على اتخاذ المواقف، وادانة الأخطاء، وتصويب البندقية حين تتحول اداة تشبيح او ترهيب.

رغم كل شيء يجب ان يتوحد جميع السوريين والمؤمنين بحق الشعب السوري في الحرية حول الثورة. لا تنتظروا حلا من الخارج، لا نفط الخليج ولا وعود امريكا، فالثورة السورية اكبر من ان يجري النظر اليها وكأنها تتسول الانتصار، ممن لم يؤمن يوما بحق العرب في الحياة الكريمة.

الشعب السوري سينتصر لأنه استحق ذلك بتضحياته الهائلة. وحين ستعود سورية الى السوريات والسوريين سوف تبدأ مسيرة المشرق العربي نحو استعادة صوته وحضوره.

========================

حماة: من لعنة الشعب إلى لعنة النظام

    منار الرشواني

الغد الاردنية

5-2-2013

رغم مضي أكثر من ثلاثة عقود على ارتكابها، فإن مذبحة حماة العام 1982، والتي مرت يوم السبت الماضي ذكراها الحادية والثلاثون، تكاد تقدم أحد أهم العوامل التي يجب أخذها بعين الاعتبار في محاولة فهم وتفسير ما يحدث في سورية اليوم؛ منذ اندلاع الثورة في آذار (مارس) 2011، وحتى الآن.

فبالنسبة لنظام حافظ الأسد الذي نُفذت المجزرة في عهده وبأوامره، من قبل سرايا الدفاع بقيادة شقيقه رفعت الأسد، دشنت هذه المجزرة بداية استقرار ربما بدا غير ممكن ولا حتى متوقع طوال عقد سبقها. وهو استقرار كان طبيعياً جداً أن يمتد ثلاثين سنة بعد أن "اتعظ" الشعب السوري من درس حماة. فمن ذا الذي يجرؤ على تحدي نظام لم يُظهر أدنى تردد في محاصرة وقصف مدينة كاملة، وسط صمت دولي، ومحو أحياء فيها (بعضها أثري) من الوجود، وضمن ذلك قتل وإخفاء عشرات الآلاف من سكانها، كما سكان مدن أخرى؛ رجالاً ونساء وأطفالاً وشيوخاً، بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين؛ ناهيك عن تشريد عشرات آلاف آخرين، باتوا يعدون بمئات الآلاف اليوم؟ ومن هو الخارق حد الأسطورة في شجاعته ليتحدى النظام وهو يعلم أن معنى ذلك لا التضحية بنفسه فقط، بل التضحية بكامل عائلته، قتلاً واعتقالاً وإخفاء وتشريداً، إلى درجة قرابة لا يحددها إلا النظام ذاته؟

بفضل هذا الاتعاظ، الذي وصل حد خوف السوريين حتى من دخول سفارات بلدهم في الخارج (كما أقر بشار الأسد نفسه بذلك علناً وصراحة في أحد خطاباته عقب اندلاع الثورة!)، كان بإمكان النظام أن يعيث في سورية فساداً واستبداداً، بدون الخشية من أي عواقب؛ فالشعب لم ولن ينسى مصير حماة الذي ينتظره، والذي لم يعرف حكام البلد سواه!

لكنّ لعظة "المذبحة الجماعية" في العام 1982 جانبا آخر، وهو أن الخطأ من وجهة نظر نظام الأسد يدفع ثمنه الجميع؛ أسرة وأصدقاء وحياً ومدينة. كما أنه نظام يواصل انتقامه مدى حياته، بدليل أن السوريين الذين ولدوا في الخارج لأبوين غادرا سورية قسراً نهايات السبعينيات ومطلع الثمانينيات، وإن لم يكونا معارضين للنظام، قد بقوا محرومين حتى اللحظة من العودة إلى وطنهم ولو جثامين للدفن (وهذا حدث فعلاً)، كما بقوا عقوداً محرومين من جوازات السفر وغيرها من وثائق ليس إلا تدميرا لحياتهم!

ومن ثم، وإضافة إلى تاريخ إذلال وإفقار، يمكن فهم كيف لم يملك السوريون منذ اندلاع الثورة إلا حماية أنفسهم من نظام يضعهم جميعاً في خانة أعداء النظام "الخونة" الذين يستحقون التقتيل والتنكيل والتشريد، فكانوا أن أصبحوا مشاركين في الثورة تلقائياً. وهكذا، فإن لعنة حماة التي طالت الشعب السوري عقوداً وأجبرته على حياة مهينة تحت حكم الأسدين، قد تحولت مع اندلاع الثورة في درعا إلى لعنة تلاحق النظام ذاته بعد أن بات الشعب عدوه في كل مدينة وحي هتف ضده، ولو لم يحمل السلاح.

ولذلك، فليس مبالغة أبداً القول إن أصعب من اندلاع الثورة السورية والمشاركة فيها، هو إقناع الناس بإيقاف ثورتهم والعودة إلى منازلهم في ظل النظام ذاته الذي سيعود إلى اعتقالهم وقتلهم، لكن بعد ممارسة أبشع أنواع التعذيب بحقهم وحق أسرهم! فهل يبدو مثل التراجع إلى هكذا مأساة خياراً معقولاً لبشر، والذين لا يشملون حتماً أنصار النظام؟!

ان الاّراء المذكورة

========================

سوريا وهزيمة المنتصـر * عريب الرنتاوي

الدستور

5-2-2013

تعامل النظام السوري مع دعوات بعض أوساط المعارضة (الخطيب، مناع) للحوار، بوصفها تعبيراً عن “انتصاره المؤزّر” في حربه المفتوحة مع “المؤامرة”..وأخذ الناطقون باسمه يتحدثون بلغة “عودة الابن الضال”، فيما ذهب أكثرهم إسفافاً إلى إطلاق أقذع الأوصاف، بحق أكثر رموز المعارضة السورية اعتدالاً: الداعون للحوار.

ولقد حدث أسوأ ما في كوابيسنا، عندما قلنا في معرض تقييم مبادرة الشيخ الخطيب، بأن أخطر ما يتهددها إنما يكمن في موقف النظام منها، وليس فقط في انقسام المعارضة حولها..وثمة ما يشي بأن النظام يعمل على “جعل حياة المعتدلين من المعارضة” جحيماً لا يطاق، فكأنه لا يكفيهم ما يواجهونه من ضغوط من دول “المحور إياه” ومن ابتزاز من رفاق الدرب، حتى يطلع عليهم النظام بحملات لا هدف لها سوى تدمير صدقيتهم وقطع الطريق على محاولتهم.

من بين ما يقوله أركان النظام، وفيما يشبه الشروط المسبقة لقبول الحوار مع معارضيه، أن الدعوة للحوار يجب أن تعبر عن قناعة عميقة لدى هؤلاء، وليس رجع صدى للتغييرات في المشهد الدولي”..لا أدري كيف يمكن التمييز بين هذه وتلك، وهل سيُخضع النظام معارضيه ومحاوريه، لفحص “دي أن إيه” قبل الجلوس على مائدة الحوار لسبر أغوار نواياهم، وليس أقوالهم وافعالهم فحسب؟

كان يتعين على النظام أن يتلقف مبادرة الحوار التي أطلقها الخطيب ومنّاع، ويبعث بوفد رئاسي إلى القاهرة وجنيف للالتقاء بهم، ومن دون شروط مسبقة، وبنوايا حسنة، إن هو أراد فعلاً الخروج بسوريا من المأزق الذي يعتصرها..لكنه بدل ذلك، بدأ يتلكأ وعاد لممارسة هوايته القديمة في “شيطنة” خصومه ومعارضيه، ونزع صفة المواطنة والوطنية عنهم.

حتى بالمعنى التكتيكي، كان يتعين على النظام التقاط مبادرة الحوار، إن لم يكن من أجل الحوار والحل، فأقله من أجل شق المعارضة على نفسها، وتأجيج خلافاتها الداخلية، وإلقاء الكرة في ملعبها..لكن كره النظام للمعارضة، وإنكاره التاريخي لوجودها، تجعله يلحق أفدح الضرر حتى بأضيق مصالحه الأنانية.

إن أخطر ما تواجهه محاولات التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، هو اقتناع النظام بأنه “نجا بجلده”، وأن الأزمة في ربع ساعتها الأخير...وأن العالم سينحني عند أقدام الأسد معتذراً عما بدر منه..والنظام كما تشي “التحليلات العبقرية” لرموزه والناطقين باسمه، يتصرف بوصفه “المنتصر” وخصومه “الخاسرون” في الصراع الدائر في سوريا وعليها.

هذه المقاربة، تعيد إنتاج مأساة الحاكم العربي، الذي أحال الهزيمة في حزيران 67 إلى نصر، لمجرد أن الحاكم بقي على مقعده، في حين هدفت “المؤامرة” إلى إزاحته عنه..الأسد يظن أن مطلب إسقاطه قد تراجع، وأن فرص بقائه على عرشه في تعاظم، لذا بدأ الناطقون باسمه بإطلاق صحيات النصر..مع أن لا منتصر في سوريا، النظام مهزوم والمعارضة مهزومة وسوريا التي لن تقوم لها قائمة خلال ربع القرن القادم، مهزومة...لا منتصر أبداً في سوريا...الجميع مهزومون.

نعم، هناك مؤشرات قوية دالّة على حدوث تحوّل في المواقف الإقليمية والدولية..وهناك مؤشرات أوضح على جنوح متعاظم لصالح خيار الحل السياسي..لكن من قال أن هذا يعني تلقائياً بقاء الأسد..من قال أن رغبة المجتمع الدولي في حفظ النظام السوري، تعني قبوله ببقاء رئيسه...ومن قال أن الأسد بفرض بقائه في موقعه، سيبقى محتفظاً بسلطاته وصلاحياته..من قال أن العملية السياسية التي سيطلقها أي مشروع حل سياسي، ستنتهي ببقاء الأسد ومرتكزات نظامه..ومن قال أن “التسوية الدولية” المنتظرة ستقوم على عودة القديم على قدمه..من قال أن سوريا ستعود لما كانت عليه من قبل، وفقاً لأي سيناريو من السيناريوهات.

========================

بشار يكابر ويستجدي الحل.. وإيران أيضا * ياسر الزعاترة

الدستور

5-2-2013

عندما تسرب الأخبار اللبنانية أخبارا خاصة (جدا) تتعلق بالشأن السوري، فليس ذلك من العبث بحال، ولا هي متعة السبق الصحفي، بقدر ما هي لعبة السياسة التي تتورط فيها دوائر إعلامية تابعة لحزب الله وإيران بكل ما أوتيت من قوة، هي التي تعيش كابوس الوضع السوري بشكل يومي مهما حاولت إظهار الثقة بانتصار النظام، وأقله فشل الثورة.

آخر التسريبات ما نسبته الأخبار لعدد من الشخصيات التي التقت بشار مؤخرا كما قالت، والتي نقلت عنه ارتياحه الواضح للوضع الداخلي وقدرة الجيش على التصدي للثورة، ومن ثم شعوره بالاطمئنان، بدليل حمل السيدة الأولى وانتظارها إنجاب مولود جديد!!

في ثنايا التسريب محاولة محمومة لإظهار تماسك النظام وثقته بنفسه، تحديدا بشار الأسد الذي تتعلق به شخصيا أصل المشكلة، لأن تنحيه سيفتح المجال أمام حل سياسي، بينما لا يعني بقاؤه في السلطة غير هزيمة الثورة التي لا يمكن أن تسلم مصير سوريا من جديد لمجرم أمعن في قتل شعبه، فضلا عن أن تثق بأي من وعوده بإصلاح سياسي أو انتخابات حتى لو أضيفت إليها حكاية الإشراف الدولي.

هنا يبدو الموقف التراجعي لما يعرف بهيئة التنسيق (تسمى من باب التضليل معارضة الداخل، لكأن عشرات الآلاف من الثوار الذي يخوضون معارك مع النظام هم ثوار الخارج)، والتي عقدت مؤتمرا لها في جنيف استعادت خلاله صيغة الإبراهيمي لحكومة كاملة الصلاحيات من دون الإشارة لمصير بشار (بقاؤه يُفهم ضمنا)، فيما يبدو أن المقترح قد حظي بدعم من طهران وموسكو (روسيا تستعجل الحل أيضا بسبب تشاؤمها من تطور الوضع كما عكست ذلك تصريحات مديفيدف).

وفي حين قد يرى البعض أن مبادرة رئيس الائتلاف الوطني (الشيخ معاذ الخطيب) تبدو أكثر تراجعا من مبادرة الهيئة، الأمر الذي لا يبدو صحيحا، فإن موقف الشيخ لم يكن موفقا لجهة عدم التشاور مع زملائه في الائتلاف، لكن عذره كما يبدو أنه لم يعرض تفاصيل حل، وإنما تحقيق شرطين أحدهما كبير جدا (الإفراج عن 160 ألف معتقل)، فقط مقابل الجلوس مع ممثلين عن النظام في الخارج؛ الأمر الذي سيعني لو وافق عليه نوعا من الاعتراف بالهزيمة، وعموما فقد أوضح الرجل موقفه بجلاء لاحقا عندما قال: إن التفاوض هو على رحيل النظام، مستعيدا إجماع الائتلاف. أما لقاءات ميونيخ، فقد عكست بدورها سعي روسيا وإيران لإيجاد حل، وإن عولتا على أن يكون بوجود بشار، وليس برحيله.

ما يؤكد آمال النظام في حل سياسي ما نقله تسريب الأخبار عن بشار ممثلا في قوله إن “الأمريكان غير جاهزين للحل”، لكأنه يستجدي موقفا منهم يساعده في البقاء مقابل تحقيق شروط ما؛ هو يعرف أن أكثرها يتعلق بالعلاقة مع الكيان الصهيوني، فيما لا يدرك أن أمريكا لم تعد تنفرد بالوضع الدولي، وأنها لن تكون قادرة على فرض حل على الثورة لا يقبله رموزها، فضلا عن أن تقبله تركيا التي ترى أن بقاء الأسد يعني هزيمة مدوية لها أمام إيران.

وفيما يمكن القول: إن قناعة النظام بعجزه عن حسم الموقف عسكريا هو الذي يدفعه نحو استجداء الحل، فضلا عن وضعه الاقتصادي المتردي، فإن الجانب الآخر، والذي لا يقل أهمية يتمثل في رغبة طهران العارمة في التوصل إلى حل، أكان بصفقة مع واشنطن تشمل الملف النووي والعقوبات، أم بشكل منفرد، والسبب أنها تعيش اجواء انتخابات ستجري في حزيران القادم، ويمكن للوضع السوري أن يسهم في تصعيد الموقف الشعبي داخليا إلى جانب ثقل العقوبات على المواطن الإيراني، فضلا عن خلافات النظام الداخلية التي برزت على مشارف الانتخابات كما يعكسها عجز المحافظين عن التوافق على شخص الرئيس المقبل.

هنا ينبغي القول: إن رد المعارضة ينبغي أن يتمثل أولا في الإعراض عن إطلاق أية مبادرات سياسية، تاركين ذلك للنظام وداعميه، والأهم هو تركيز العمل العسكري في معركة دمشق (الحاسمة) دون إغفال المناطق الأخرى لتشتيت جهد النظام، ومن ثم تشتيته أكثر عبر تفعيل العمل الجماهيري في المدن بشتى أشكال النضال السلمي المتاحة.

وما ينبغي أن تعول عليه المعارضة هو تفكك منظومة الحصار التي برزت مؤخرا فيما يتعلق بالتسليح النوعي في ظل ملامح تغير في مواقف تركيا وقطر والسعودية، وربما الأردن أيضا لجهة السماح بمرور السلاح، وبالطبع في ظل قناعة هذه الأطراف بأن النظام سيسقط في النهاية، وأن إطالة أمد المعركة لا يعني غير مزيد من الأعباء السياسية والأمنية، إلى جانب الإنسانية فيما خصَّ قضية اللاجئين.

كل ذلك ينبغي أن يتزامن مع جهود لتوحيد العمل السياسي للمعارضة وصولا إلى توافق على شكل الوضع التالي للنظام بعيدا عن المناكفات والاقتتال على المواقع ما دامت الصناديق هي من سيحكم بعد وقت لن يطول. والخلاصة أن بقاء بشار وعودة الزمن إلى الوراء سيكون مستحيلا أيا كان الثمن ومهما طالت المعركة.

التاريخ : 05-02-2013

========================

تحديات المعضلة السورية

تاريخ النشر: الثلاثاء 05 فبراير 2013

د. أحمد يوسف أحمد

الاتحاد

ظلت سوريا عبر التاريخ رقماً مهمّاً في سياسيات المنطقة، ويكفي أن نتذكر الدولة الأموية ودورها في التاريخ الإسلامي، وفي التاريخ المعاصر يعتبر كتاب «الصراع على سوريا» للكاتب الشهير باتريك سيل علامة على الدور المحوري الذي لعبته سوريا في المنطقة في النصف الثاني من القرن العشرين. ولقد تسبب عدم الاستقرار المتزايد في سوريا وصراع القوى الإقليمية والكبرى في إنجاز الوحدة المصرية- السورية في عام 1958 حين رأت القوى القومية السورية أن المخرج الآمن من هذا الصراع يتمثل في الارتباط بمصر التي كان دورها الإقليمي القيادي في المنطقة قد بلغ ذروة غير مسبوقة في أعقاب العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956 والانتصار السياسي الذي حققته ضد هذا العدوان، فضلاً عن بزوغ نجم قائدها عبدالناصر الذي صار الرقم الأول في سياسات المنطقة بعد هذا العدوان وقبله معركته الناجحة ضد الأحلاف الغربية وكسر احتكار الدول الغربية الكبرى لتوريد السلاح للمنطقة، وتأميم شركة قناة السويس رداً على محاولات الولايات المتحدة كسر الإرادة الوطنية لسحب عرضها تمويل مشروع السد العالي الذي كان يجسد آمال مصر الثورة في التنمية. ثم كان الانفصال السوري بعد انقلاب عسكري في عام 1961 دليلاً على تأثير الوحدة في الساحتين الإقليمية والعالمية، ولعبت السياسات المتطرفة لفريق حزب البعث الحاكم في سوريا في مجال الصراع العربي- الإسرائيلي في منتصف الستينيات دوراً أساسياً في التفاعلات التي أفضت إلى العدوان الإسرائيلي على مصر وسوريا والأردن في عام 1967، خاصة بعد التحالف العسكري المصري- السوري في عام 1966، وارتباط السياسة المصرية بالسياسات البعثية المتطرفة.

واعتباراً من عام 1970 وتولي حافظ الأسد السلطة في سوريا نجح في أن يجعل منها بؤرة لتفاعلات المنطقة عامة وفيما يتعلق بالصراع العربي- الإسرائيلي خاصة، ومثل تحالفه مع مصر في حرب أكتوبر عام عام 1973 دليلاً على الدور السوري الجديد في عهده، واعتباراً من ذلك التاريخ بدأ هذا الدور القائم على ما عرف لاحقاً بسياسات الممانعة يمارس تأثيره في المنطقة، وهو دور ظل فاعلاً حتى تردت سوريا في تداعيات حركة المعارضة المسلحة في إطار ما عرف بـ«الربيع العربي»، وعلى رغم أن النظام السوري قد امتنع عن استخدام الأداة العسكرية في سياساته فإنه امتلك من أدوات التأثير الفاعلة ما جعله صاحب دور في سياسيات المنطقة، وجاء على رأس هذه الأدوات تحالفه مع «حزب الله» الذي استطاع بدوره أن يكون رقماً في تفاعلات الصراع العربي- الإسرائيلي خاصة بعد نجاحه في إجبار القوات الإسرائيلية على الهروب عام 2000 مما سمي بالشريط الحدودي الآمن الذي ظلت إسرائيل تحتله منذ عام 1978. وكذلك كان تبني النظام السوري فصائل المقاومة الفلسطينية المتطرفة أداة مهمة للتأثير الإقليمي في يد النظام السوري، وكانت السياسة الجديدة للرئيس المصري حينها أنور السادات فيما يتعلق بالتسوية السياسية مع إسرائيل مناسبة لتعزيز هذا الدور السوري الفاعل، ومثلت السياسة السورية ضد سياسة السادات الجديدة منذ ذلك التاريخ حجر عثرة حقيقية ضد امتداد سياسات التسوية إلى المنطقة. ولم تتراجع فاعلية هذه السياسة إلا بسبب المتغيرات الإقليمية والعالمية الكبرى في ثمانينيات القرن الماضي، فمن ناحية مثل الانتصار التكتيكي للعراق في الحرب مع إيران في عام 1988 سقوطاً للرهان السوري على بروز الدور الإقليمي لإيران حليفة سوريا، كما مثل وصول جورباتشوف إلى سدة الحكم في الاتحاد السوفييتي والسياسات التصالحية التي اتبعها على الساحة العالمية، وتداعيات هذه السياسة على حلفائه الإقليميين وعلى رأسهم سوريا -مثل ضربة قوية للسياسة السورية التي كانت تعتمد على الدعم السوفييتي القوي لسياستها الإقليمية خاصة تجاه إسرائيل. وترتب على هذه التطورات اضطرار النظام السوري للتصالح مع مصر وقبول سياسات التسوية السلمية، وتراجع تأثير هذا النظام إلى حين. ومع تدهور الدور المصري الإقليمي على نحو غير مسبوق في عهد مبارك، وفقدان هذا الدور أي تأثير بعد أن أصبحت السياسة المصرية تابعة تماماً للسياستين الأميركية والإسرائيلية بدأ النظام السوري يستعيد تأثيره، ويعود من جديد رقماً مهماً في سياسيات المنطقة عامة، والسياسة العربية-الإسرائيلية خاصة.

وهكذا بدا المشهد السوري عشية امتداد ما عرف بـ«الربيع العربي» إلى سوريا، وعلى رغم إخفاق النظام السوري في وأد المعارضة المسلحة له -وإن صمد في وجه محاولات إسقاطه حتى الآن- إلا أن صمود حركة المعارضة في وجهه وتعرضه لتدخل إقليمي وعالمي كثيف متعدد الأطراف قد قوض إمكانية استمرار الدور السوري الإقليمي الفاعل، وثمة أبعاد محلية وإقليمية تؤكد هذه الحقيقة، فعلى الصعيد المحلي أصبحت قوى سياسية محلية معارضة تقبل إزاء وحشية النظام في مواجهة المعارضة بالتدخل الخارجي لنصرتها، وعلى الصعيد العربي تمثل السياسات القطرية والسعودية دليلاً على التدخل العربي الكثيف في سوريا. وعلى الصعيد الإقليمي يبرز الدور الإيراني باعتباره مصدر تأييد لاشك فيه للنظام السوري، غير أن هذا التأييد من ناحية أخرى أدخل سوريا في بؤرة التفاعلات الخاصة بالرفض الإسرائيلي والأميركي للسياسة الإيرانية خاصة فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني و«حزب الله» الذي يمثل معضلة لإسرائيل في المنطقة نتيجة تأييد كل من سوريا وإيران له.

وتظهر إسرائيل والولايات المتحدة قلقاً بالغاً من بعض الاحتمالات على رأسها تحول سوريا إلى مركز للتطرف والقلاقل بعد سقوط نظام الأسد، وكذلك عبّر وزير الدفاع الإسرائيلي عن اقتناعه بأن نظام الأسد سيخسر الحرب الأهلية الدائرة في بلاده ولكن النظام الذي سيأتي بعده يمثل علامة استفهام كبيرة نظراً لوجود الكثير من المجموعات المتطرفة التي لا تتحلى بأي مسؤولية، وحذر من أن إسرائيل تراقب بدقة مخزون الأسلحة الكيمياوية لدى سوريا ولن تسمح بتسليح «حزب الله» اللبناني رافضاً التعقيب على الهجوم الإسرائيلي الأخير على ما يتردد أنها قافلة تحمل أسلحة سورية لـ«حزب الله»، وكانت الطائرات الحربية الإسرائيلية قد هاجمت عدة أهداف داخل سوريا ليلة الثلاثاء الماضي وأعلن المسؤولون الإسرائيليون لمجلة «تايم» الأميركية أن من بين أهداف هذه الغارة مركز للأبحاث الخاصة بالأسلحة البيولوجية تمت تسويته بالأرض خشية احتمال سقوطه في أيدي المتشددين ممن يقاتلون لإسقاط نظام الأسد. وأضاف مسؤولو الاستخبارات أن إسرائيل تلقت الضوء الأخضر من الولايات المتحدة لشن المزيد من هذه الهجمات. وعلى الصعيد العالمي وعلى رغم عدم تفضيل القوى الكبرى التدخل العسكري في الصراع السوري فإن هذا التدخل أصبح مطلباً لقوى المعارضة، وقد أكد رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض معاذ الخطيب أن المعارضة السورية قد تلجأ إلى الطلب من أطراف خارجية قصف قيادات سورية إذا فشلت محاولات تقويض النظام.

وهكذا لعبت سوريا في قوتها وضعفها دوراً محورياً سواءً على نحو إيجابي بالتأثير الفاعل في السياستين الإقليمية والعالمية أو على نحو سلبي تصبح فيه سوريا في حد ذاتها موضوعاً للتأثير. ومن هنا فإن تطور الأزمة في سوريا دون جهد حقيقي وجاد للحيلولة دون انفجارها يصبح أولوية أولى لابد من الاستجابة لتحدياتها من أجل تحقيق الاستقرار في المنطقة والحفاظ عليها.

========================

من فرعن الأسد؟

الوطن السعودية

5-2-2013

لماذا سكت العالم على المذبحة التي نفذها الرئيس السوري السابق أبو بشار حافظ الأسد مع شقيقه رفعت قبل 32عاما؟

استرجع السوريون يوم السبت الماضي ذكرى مذبحة حماة التي ذهب ضحيتها أكثر من 30 ألف شهيد عام 1982. حاصرتهم الدبابات بحممها في نفس الوقت الذي دكت فيه الطائرات منازلهم والمدينة بأكملها وأخذوا الآلاف من رجالها وأعدموهم جماعياً وأحرقوا جثثهم. كان الغرب شاهداً على المذبحة السابقة والحالية، فما الفرق بين مذبحة الأب ومذبحة الابن؟ وما الفرق بين الموقف الغربي في كلتا المذبحتين؟ إنهم ينددون بالأسد ولكنهم لا يفعلون شيئاً.

مرت هذه الذكرى على السوريين وهم يرونها مازالت متمثلة في مصيبتين: الأولى؛ استمرار مذابح وجرائم النظام الذي أجمع العالم على وصفه بأنه يقتل شعبه. والمصيبة الثانية؛ استمرار دول غربية في السكوت على هذه الجرائم الدولية! إنها بسكوتها تقدم دعماً لنظام بشار الأسد، وهو أمر لافت ولابد أنه يخفي سراً! فقراءة سريعة لموقف أميركا وفرنسا وبريطانيا في بداية ثورة الشعب السوري قبل عامين وموقفها الحالي تلقي ظلالاً من الشك على وجود علاقة بين النظام الديكتاتوري وبين هذه الدول.

لعل أول ما يجب أن نضعه في الحسبان هو أن النظام السوري لم يُعرف أنه حارب إسرائيل.. بل هناك اتفاق على وجود مناطق حدودية عازلة بينهما يحظر تواجد الجيشين فيها، علاوة على ذلك لم نسمع أن صد الجيش السوري هجمات إسرائيلية، ومن أشهرها هجوم الطيران الإسرائيلي على موقع تجارب السلاح النووي، والهجوم الإسرائيلي الأسبوع الماضي على معمل للسلاح الكيماوي،

إذا بدا الأمر واضحاً الآن عن سبب امتناع الغرب عن تزويد جيش الشعب السوري بالسلاح، فهذا لا يعفي الجامعة العربية من المسؤولية.

========================

إسرائيل مع مَن في سوريّة؟

حازم صاغيّة

الثلاثاء ٥ فبراير ٢٠١٣

الحياة

جاءت الغارة الإسرائيليّة الأخيرة، التي لا يزال هدفها مشوباً بشيء من الغموض، تجدّد «السجال» بين بيئتي السلطة والمعارضة السوريّتين. فالأولى رأت أنّ تلك الغارة دليل لا يُدحض على أنّ إسرائيل تقف ضدّ نظام بشّار الأسد، وتعمل ما يسعها لتكميل ما بدأته المعارضة المسلّحة وحلفها الممتدّ من الدوحة إلى واشنطن.

أمّا بيئة الثورة فنوّهت بعدم الردّ السوريّ الرسميّ، وهو ما يرقى إلى برهان آخر على استمرار التواطؤ بين النظام الأسديّ الذي أسكت جبهة الجولان منذ 1974 وبين الدولة العبريّة.

وواضح هنا أنّ كلاً من الحجّتين تبني على جزئيّة صحيحة، لتستخلص منها رواية قابلة للطعن والتشكيك. لكنْ يبقى أنّ البناء على موقف إسرائيل المفترض من أجل البرهنة على صحّة الموقف في كلّ من الطرفين هو من بقايا ثقافة سياسيّة قديمة تجمع بين الأطراف العربيّة حين تتنازع وتتصارع. وقد تكرّست الثقافة هذه وتصلّب عودها عقداً بعد عقد، بحيث بات من الصعب علينا تعقّل العالم من دون أن نحدّد مسبقاً أين تقف إسرائيل. فإذا تراءى لوهلة أنّ طرفاً من الأطراف يتقاطع مع حركة أبدتها الدولة العبريّة، أو يستفيد من خطوة خطتها، بادر الطرف المذكور إلى التنصّل وإعادة تأويل الموقف بما يضمن له النصاعة والنقاء.

وفيما تنساق المعارضة وراء ذهنيّة التحريم هذه بولاء ساذج للسلف الفكريّ الصالح، فإنّ السلطة تعتمد الذهنيّة إيّاها بسينيكيّة بعيدة لا حاجة إلى كشف ما فيها من كذب وخداع ولا مبالاة بالعقل كما بالواقع ووقائعه. وهذا فضلاً عن الدور النفعيّ الكبير الذي لعبه النظام السوريّ في تأسيس تلك الطريقة في النظر والمحاكمة.

إلاّ أنّ ما يزيد بؤس «السجال» هذا بؤساً أنّ إسرائيل ليست هنا وليست هناك. إنّها مع مصلحتها الأمنيّة في أكثر المعاني ضيقاً، أي في أن لا تهتزّ جبهتها الهادئة مع سوريّة، وألاّ يتسرّب من سوريّة سلاح كيماويّ أو نظام سلاحيّ متقدّم، وألاّ يصل إلى «حزب الله»، فضلاً عن القلق الذي يسمّيه البعض وجود «القاعدة» وأخواتها على حدودها.

وتلك «الهواجس» الإسرائيليّة تحمل أصحابها على تفضيل إضعاف النظام مع بقائه، أو إبقائه أضعف ممّا كان. ذاك أنّ بقاءه هو ما اعتادت عليه وجنت فوائده على الجبهة المشتركة في الجولان، ناهيك عن تولّي هذا النظام ضبط أيّة راديكاليّة إسلاميّة تقول إسرائيل إنّها تقلقها، فيما إضعاف النظام يتكفّل بتقليص دعمه لحلفائه في «الساحة اللبنانيّة». أمّا أن تكون لدى الدولة العبريّة استراتيجيّة تتعدّى مصالحها الأمنيّة هذه وتتّصل بمستقبل سوريّة، فهذا كرم أخلاق لا تسمح التجارب بافتراضه في الإسرائيليّين حيال السوريّين، أو حيال أيّ عرب آخرين، تماماً كما لا يمكن افتراض مثله عند أيّ طرف عربيّ حيال الإسرائيليّين.

وهذا ما يفسّر الدفاع المتّصل لتلّ أبيب والمقرّبين منها في واشنطن عن «ضرورة بقاء النظام السوريّ»، مثلما يفسّر توجيهها، بين الفينة والأخرى، ضربة مذلّة وموجعة له.

وأسوأ ممّا عداه، بالمعنى النفعيّ للكلمة، أنّ هذا «السجال» السوريّ – السوريّ يتجاهل أنّ الهمّ الإسرائيليّ في الموضوع السوريّ (الحدود، السلاح الكيماويّ، «القاعدة»...) يكاد يغدو نقطة التقاطع العالميّة حيال سوريّة. وفي المعنى هذا، يغدو «السجال» الذي يستغرقنا دليلاً آخر على جهد يُبذَل في المكان الخطأ.

========================

عن الاستخدامات المتناقضة لشعاري الحوار والتفاوض في سورية

بشير هلال *

الثلاثاء ٥ فبراير ٢٠١٣

الحياة

في حديثه إلى «الحياة» قبل أيام قدَّم روبير فورد السفير الأميركي في دمشق توصيفاً لافتاً للحالة النفسية والسياسية لرأس النظام بقوله: «الرئيس الأسد سيعتقد أنه يربح إلى أن يصل الجيش الحر إلى بوابة قصره». ويضيف في مكان آخر من المقابلة: «إن عناد بشار الأسد ومجموعته الصغيرة يُعطّل اتفاق جنيف»، وأن «التعطيل يأتي من إصراره على أنه الحكومة». وكانت جريدة «الوطن» الموالية للنظام التي شنَّت حملة ضد المبعوث الأممي العربي الأخضر الإبراهيمي بذريعة «انحيازه السافر»، ذكرت أن الأسد أنهى اجتماعه الأخير معه بعدما «تجرأ ليسأل عن مسألة الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة»، وهو «السؤال الأهم بالنسبة للإبراهيمي وللدول التي تقف خلفه»، بعدما كان قد ردَّ على حديثه بأنه لن يستطيع الانتصار على المعارضة بالقول: «أستطيع أن أربح الحرب حتى إذا دُمِّرَت دمشق». قصارى القول إن القابلية الذاتية للنظام وقيادته على التفاوض والحوار إذا ما عُزِلَت عن احتمالات نكوص الرُعاة والحلفاء عن تأييده بالغة الهامشية ولا تتجاوز، في أحسن الأحوال، حدود التكتيك البحت والشكلانية الإعلامية المعاد توظيفها في محاولة استعادة المساحات السياسية والعسكرية المفقودة بعد ما يقارب من سنتين من الثورة. وذلك ليس بغريب في نظام عائلي سلطاني يقوم على دولة باطنة عمادها المركّب الأمني العسكري والمالي.

والحال فإن أي تفاوض أو حوار يقتضي ضمناً القبول المبدئي بالتنازل عن احتكار السلطة بكافة وجوهها ونهاية الدولة الباطنة وصولاً إلى ديموقراطية تعددية أو إلى النموذج المُسمى اصطلاحاً «ديموقراطية توافقية» بمعناها الواسع. وهذا ما لا يستطيعه النظام برأسه ونواته القيادية الصلبة لأنه يشكل نفياً مصلحياً ووجودياً للتراتبية والامتيازات وآليات التحكم والضبط التي أقامها والقيم والصور التي حرص على تعميمها. كما أنه يستثير معارضة متفاوتة الدرجات من سائر المنتفعين بالنظام لأن تغييراً بهذا الطابع سيعني استئناف السياسة وفتح الفضاء العام للتنافس بما يؤدي إلى حرمانهم من وسائل عملهم ونفوذهم الحقيقية والرمزية.

وبالتالي فالحوارات الوحيدة التي يمكن أن يقبلها قبل هزيمة معلنة في مركزه، وفق وصف السفير فورد، أو نتيجة لتزاوج هزيمة وشيكة مع ارتخاء دعم وعدوانية حلفائه أو تدخل خارجي، هي تلك التي تسمح له بالحفاظ على جوهر سيطرته الإجمالية أو احتياز قسم من سورية عبر صيغة تقسيمية على أسس طائفية وجغرافية. وهذا ما جعل كل الحوارات ومشاريع الحوارات السابقة أياً كان المنظمون والمشاركون فيها والقرارات العربية والأممية، تتحول على يد النظام إلى أدوات لتغطية ولشرعنة جولات عنف متتالية أرّخت للانتقال من الخيار الأمني إلى الحرب الشاملة ضد الثورة وأكثرية السوريين المؤيدين لها.

المفارقة هي أن النظام وحلفاءه، وليس المعارضة، هما أكثر من استخدم شعار الحوار كإحدى أدواته السياسية الرئيسية بما يستكمل حربه الشاملة. ففي أول حزيران (يونيو) 2011، ولم يكن مضى سوى أشهر قليلة على الثورة، أنشأ الأسد هيئة مهمتها «وضع الأسس لحوار وطني وتحديد آلية عمله وبرنامجه الزمني»، وطلب من أعضائها الذين اجتمع بهم «صياغة الأسس العامة للحوار المزمع البدء به بما يحقق توفير مناخ ملائم لكل الاتجاهات الوطنية للتعبير عن أفكارها وتقديم آرائها ومقترحاتها في شأن مستقبل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في سورية، لتحقيق تحولات واسعة تسهم في توسيع المشاركة»، وترأس الهيئة نائبه فاروق الشرع. وتكرر ذلك لاحقاً في مناسبات متعددة وبأشكالٍ وشروط «متغيرة» آخرها في خطاب الحرب الكلية الذي ألقاه في بداية هذا العام وأرفقه، على رغم جذريته الاستئصالية، بدعوة إلى عقد «مؤتمرٍ للحوار الوطني» يضم جميع قوى المعارضة» و «يعتمد على معطيات احترام السيادة الوطنية ورفض التدخل الأجنبي بكل أشكاله ورفض أعمال الهيمنة والوصاية على القرار الوطني». كما ألحقه باجتماعٍ وزاري «لوضع آليات تنفيذه».

وفي شكلٍ موازٍ روَّج حلفاء النظام وفي مقدمهم إيران وحزب الله وروسيا باستمرار لشعار الحوار كسلاح سياسي ضد المعارضة الشعبية وهيئاتها السياسية والعسكرية. كما أن النظام وحلفاءه على حدٍ سواء استثمروا الشعار في صياغة جزء من الانقسامات المناسبة لهما والإنتاج «النظري» للمقولات المُصاحِبَة. وعلى سبيل المثال فالحوار «الوطني» الأول كان الغطاء لتسويغ تقسيم متعسف بين معارضتين داخلية وخارجية، وثانٍ أكثر تعسفاً لاتهام الحراك الشعبي بالعسكرة والتطييف وطلب التدخل العسكري الأجنبي. وقامت إيران الخمينية باستضافة وتنظيم أكثر من مؤتمرٍ «حواري» مثل ذلك الذي عقد في طهران في خريف العام المنصرم، ما جعلها «تستحق» شكر الأسد لحرصها «على مساعدة الشعب السوري ودعمها للحوار السياسي من خلال الجهود التي تقوم بها في هذا الإطار».

ولعَّل أكثر الاستخدامات خبثاً من النمط الغوبلزي هو ذلك الذي يجمع بين تنفيذ النظام لأشد المجازر هولاً ودعوته إلى الحوار بالتقاطع مع ادعاء «محاربة الإرهاب الذي يسعى لزعزعة أمن واستقرار سورية والمنطقة بأسرها». وبمعنى آخر، استخدام الشعار كقرينة بدئية «على تعنت الخصم» وإرهابيته فيما تتكفَّل مجموعات جهادية ساهم النظام وتعميم وشدة القمع الوحشي ومصالح بعض القوى الإقليمية في تقويتها بتقديم قرائن أخرى للشرائح المحلية المترددة ولتصليب الحلفاء وثني «أصدقاء» الثورة المترددين بدورهم، سواء لتغييرٍ في استراتيجياتهم العامة نحو «القيادة عن بعد» كالولايات المتحدة، أو لمحدودية الإمكانيات كالأوروبيين، أو لتهديدات المحور الروسي الإيراني. وهذا ما جعل مقولة الحوار الرديف الموازي والتخريج العملي للعجز الدولي.

وبكلامٍ آخر فإن النظام المعادي جوهرياً لكل حوار حقيقي هو الذي استخدمه ويستخدمه كشعارٍ حتى الثمالة في خلق «مبادرات» لصالح سياساته الاستئصالية وإقصاء عموم السوريين عن الشأن العام. وبهذا المعنى فإن إعلان الشيخ معاذ الخطيب استعداده للحوار مع النظام بشروط، وبصرف النظر عن صحته الإجرائية والميثاقية، هو إقرارٌ ضمني بأن الثورة لا تستطيع أن تستمر بالامتناع في المرحلة الفاصلة عن إسقاط النظام عن المبادرة السياسية عبر استخدام مُجدِّد لمقولتي الحوار والتفاوض كأداة لتعجيل سقوطه.

========================

بين «جبهة النصرة» و«حزب الله» التركي!

هوشنك أوسي *

الثلاثاء ٥ فبراير ٢٠١٣

الحياة

في مطلع التسعينات، خرج تنظيم إسلامي متطرف من أروقة الاستخبارات التركية، سمي بـ «حزب الله» التركي، ليدخل في صراع دموي رهيب مع حزب العمال الكردستاني، باعتبار الأخير «شرذمة من الشيوعيين والأرمن والكفرة...»، بحسب البروباغندا التركية الرسمية والخفية آنذاك!. «حزب الله» هذا كان ما يزيد على 95 في المئة من عناصره وقياداته من الأكراد. وبالتالي، كان الصراع الدموي بينه والعمال الكردستاني، في أحد أوجهه، صراعاً كردياً - كردياً، كجزء أصيل من الصراع الدائر بين الكردستاني وتركيا. وبما أن الضحايا من كلا الجانبين (الكردستاني وحزب الله) من الأكراد، فهذا ما كانت تصبو وتهدف إليه دوائر ومراكز إدارة الحرب في أنقرة.

بالنتيجة، سقط الآلاف في عمليات الاختطاف والاغتيال المتبادلة بين الكردستاني وحزب الله التركي!، على مدى ما يقارب العقد من الزمن. انتهى هذا الصراع، بعد اختطاف واعتقال زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان، من العاصمة الكينية نيروبي في 15/02/1999. ثم بدأت السلطات التركية تستهدف حزب الله، عبر عمليات اعتقال وتصفية واسعة النطاق، وصلت للذروة عام 2000 – 2001. وعلى خلفية هذه الحملة، تعرض حزب الله لانشقاقات واقتتال داخلي، وانضم جناح منه إلى حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا.

بعض المراقبين اعتبروا توجه الاستخبارات التركية إلى تصفية أحد أذرعه الميليشاوية الإسلامية، بأنه ناجم عن سببين:

الأول: تعاظم شعبية هذا الحزب، وتغلغله في المدن التركية الكبرى، كإسطنبول وقونية. ما أثار الخشية من أن يخرج عن السيطرة، بخاصة أن تسريبات أمنية، من داخل الحزب، أفادت بأن أجنحة داخله تنوي نقل البندقية إلى الكتف الآخر، وتوجيهها نحو الدولة التركية!.

الثاني: انتهاء الوظيفة الموكلة لهذا الحزب، عبر إلهاء الكردستاني بصراع دموي داخلي، كردي – كردي، يخفف الضغط عن الدولة والجيش والسلطات الأمنية التركية.

خلال فترة حكمها، أجرت حكومة حزب العدالة والتنمية الإسلامي إصلاحات دستورية، تم بموجبها الإفراج عن الآلاف من عناصر حزب الله التركي. بعض المراقبين فسروا ذلك بأنه نوع من «التكريم» لحزب الله على جهوده ومشاركته في الصراع ضد الكردستاني. وآخرون فسروه بأنه محاولة لإعادة تفعيل هذا الحزب ضد الكردستاني، ولكن، بطريقة سلمية وقانونية!. وبات هذا الحزب الإسلامي المتطرف يمارس النشاط شبه العلني في تركيا، ولديه الآن مقار وصحف ومجلات ونواد وجمعيات، في المناطق الكردية جنوب شرقي تركيا، وفي المدن التركية أيضاً!.

أياً يكن من أمر، استخدمت الاستخبارات التركية حزب الله التركي، كأداة في حربها على الكردستاني. ولكن، فشل الحل العسكري في تصفية الكردستاني، وأنقرة تتفاوض الآن مع أوجلان.

سورياً، الحضور الجماهيري الكبير للعمال الكردستاني سبق الحضور السياسي والاقتصادي لتركيا في سورية، قبل وبعد اندلاع الثورة السورية، منتصف آذار (مارس) 2011!. ومن يقبل بالحضور والتغلغل والتأثير التركي الكبير على المعارضة السورية، السياسية والعسكرية، عليه القبول بحقيقة حضور وتأثير الكردستاني على المناطق الكردية السورية. فالأول يستجلب الثاني إذا لم يتم حل القضية الكردية في تركيا.

الكثير من التقارير الإعلامية تشير إلى التواجد الكثيف لعناصر جبهة النصرة على الأراضي التركية. وأن تسربها إلى الأراضي السورية يتم عبر دعم وتغطية أمنية تركية. وما يجري الآن من صراع وقتال بين جبهة النصرة وكتائب إسلامية متطرفة في مدينة سريه كانيه (رأس العين) الكردية، شمال شرقي سورية، من جهة، ومقاتلين أكراد، محسوبين أو موالين للعمال الكردستاني، من جهة أخرى، هو في أحد أبرز أوجهه تتمة للصراع بين الكردستاني وتركيا، ولكن ليس على الأراضي التركية. ودور جبهة النصرة، وبعض الكتائب الإسلامية، في هذه الفترة بالذات، لا ولن يختلف كثيراً عن الدور الذي لعبه حزب الله التركي في حقبة التسعينات، وكيف أنه كان أداة تركية محضة، بانتهاء وظيفتها، تمت تصفيتها!. وجه الاختلاف هنا، أن الضحايا هم سوريون!.

ثمة رأي آخر مفاده: أن تركيا وبالتفاهم مع الغرب وأميركا، تتعامل مع الثورة السورية، كمحرقة للمتطرفين الإسلاميين، بحيث تزج بهم في الجبهة الأمامية في الصراع مع الأسد من جهة، ومع الكردستاني من جهة أخرى، لتكون أنقرة المستفيد الوحيد، كونها تتخلص من ثلاثة خصوم دفعة واحدة: نظام الأسد، والكردستاني، والمتطرفين الإسلاميين. تماماً كما فعل الأميركيون حين زجوا ودعموا الجماعات الجهادية المتطرفة في أفغانستان ضد الحكم الشيوعي – السوفياتي السابق. وإذا صح هذا الافتراض، تكون أنقرة، لعبت لعبة جد خطيرة، في حال أفلت عقال جبهة النصرة وأخواتها من أيدي الأتراك، وباتوا حكام سورية الجدد!. ذلك أن أفغنة بلد جار لتركيا، يشترك معها بـ800 كيلومتر من الحدود، ليس بالأمر المطمئن والمريح لأنقرة. وفي حال سقط نظام الأسد، وهو بالتأكيد ساقط لا محالة، وهزيمة القوى العلمانية، الكردية والعربية في سورية، فإن الطريق الذي يؤدي بجبهة النصرة وأخواتها للسلطة وحكم سورية، تكون قد عبدته تركيا والغرب وأميركا.

فإذا كانت تركيا تريد استخدام جبهة النصرة وأخواتها للتخلص من نفوذ الكردستاني في سورية، فإنها ربما تفتح على نفسها «باب جهنم» أو تطلق على نفسها النار. وهذا يندرج في إطار الافتراض والتحوط لكل الاحتمالات، مع الأخذ في الحسبان أن تركيا، وبكل جبروتها وأدواتها ومؤسساتها وهيبتها وتراثها الإمبراطوري، ودعم الأطلسي والدول الإقليمية لها، فشلت في الحسم العسكري لمصلحتها في صراعها مع الكردستاني، فكيف لجبهة النصرة وأخواتها إن تحقق ذلك!؟.

========================

خطيب سوريا داهية أم مغامر؟

طارق الحميد

الشرق الاوسط

5-2-2013

يقول رئيس الائتلاف السوري معاذ الخطيب، أو الشيخ، كما يلقبه محبوه، إن المجتمع الدولي ليس لديه تصور واضح لحل الأزمة السورية، ولذلك فهو يشدد على ضرورة التحاور مع النظام، وهو ما قوبل بالتشكيك ليس من أطراف المعارضة فحسب؛ بل ومن وزير الخارجية التركي.. فهل الخطيب داهية أم إنه مغامر؟

وزيرة الخارجية الأميركية المنتهية فترتها تقول إن الخطيب ليس شجاعا فحسب؛ بل هو ذكي، وبعض الأطراف العربية تقول إن الخطيب يريد إحراج النظام الأسدي أمام مريديه بالداخل، وحلفائه بالخارج، وذلك من خلال موافقته على الحوار، بل إن الخطيب ذهب أبعد من ذلك حين حدد للأسد المسؤول الذي يريد أن يفاوضه وهو فاروق الشرع، نائب الأسد المبعد عن الأضواء منذ اندلاع الثورة، وفي هذه الخطوة إحراج شديد للأسد، ومحاولة واضحة لضرب إسفين بين أركان النظام. ومجرد اختيار الخطيب لشخص الشرع، وبعد مقابلته لكل من نائب الرئيس الأميركي، ووزير الخارجية الروسي، وكذلك وزير الخارجية الإيراني، فإن ذلك يقول لنا إن الخطيب نجح في أن يكون مختلفا، ولكن ذلك لا يقول لنا إذا ما كان ذكيا، أم شجاعا، أم حتى مغامرا.

وبالطبع لا توجد إجابة واضحة عن السؤال الوارد بعنوان المقال، لكن علينا تذكر أنه سبق للخطيب أن قال بأن الدعم السياسي الدولي يعد أمرا غير كاف، وهذا صحيح، فالنظام الأسدي لا يعتمد إلا لغة القتل، والثوار بلا دعم مسلح حقيقي، والرئيس الأميركي لا يزال مترددا، وإن كان قد أوفد بايدن للقاء الخطيب، وكلنا يذكر أن بايدن قد خسر الجولة أمام قاسم سليماني بالعراق وقت جدلية الانتخابات بين علاوي الفائز بفارق صوت على المالكي الذي استمر في رئاسة الوزراء بضغط إيراني، وتقاعس أميركي. وفوق هذا وذاك، فإن الروس يريدون ضمان مصالحهم في سوريا، ويصرون على الحوار مع النظام، وسط ابتعاد عربي ملحوظ، وتقوقع تركي ملموس.. كل ذلك قد يكون هو ما دفع بالخطيب للمغامرة بالموافقة على محاورة النظام، وتحديدا من لم تلطخ أيديهم بالدماء، وحدد لذلك الشرع.

الخطيب يبدو أنه مدرك لعبة الأسد الشهيرة بالموافقة على كل مبادرة ثم تفريغها من محتواها، إما بشروط واهية، أو بالاستفسارات، والهدف من ذلك هو قتل الوقت مع مواصلة القتل على الأرض، وبدعم إيراني.. ولذا، فإن الخطيب يحاول الآن إحراج النظام الأسدي أمام حلفائه والمجتمع الدولي، لكن الإشكالية تكمن في نقص الأدوات التي تدعم موقف الخطيب أمام نظام لا يتردد في القتل، والتحايل.. وصحيح أن الثوار ما زالوا يتقدمون على الأرض، لكن إشكالية نقص الدعم المسلح حقيقية، كما أن تشكك شريحة عريضة من المعارضة في خطوة الخطيب تظل أمرا لا يمكن التقليل منه، ولا بد أن يقنع الخطيب المعارضة برجاحة موقفه.

ولذا، فالحقيقة هي أن لا إجابة واضحة عما إذا كان الخطيب داهية، أم مغامرا، لكن الواضح والأكيد هو أن زعيم الائتلاف السوري وبموافقته على محاورة الأسد، يكون قد ركب موجة عالية جدا، وخطرة.

========================

التدخل الإسرائيلي يخدم نظام بشار

غسان الامام

الشرق الاوسط

5-2-2013

في ثرثرته الطويلة مع جلسائه وزواره، المقربين، كان الرئيس حافظ الأسد يعتذر عن إبقاء الجولان جبهة صامتة، بالحديث عن «استراتيجية التوازن». فهو لن يخوض حربا مع إسرائيل، إلا عندما يتوفر التوازن العسكري معها، من حيث التسليح والتدريب.

يضيف الأسد بأن الجولان تبادلتها الأيدي أكثر من مرة خلال حرب أكتوبر (1973). وكان بإمكان السوريين استعادتها بشن هجوم معاكس آخر. لكن قبلوا بوقف إطلاق النار باكرا، لإنقاذ القوات المصرية من الحصار.

تطورت القوات السورية تسليحا وتدريبا منذ تلك الحرب. لكن التوازن الاستراتيجي لم يتحقق. وربما اختل لصالح إسرائيل، أكثر وأكثر بعد انهيار الاتحاد السوفييتي (1989 / 1991). في المقابل، انهارت نظرية الأمن الإسرائيلي. باتت إسرائيل تحسب بدقة حساب الحرب مع العرب. وحلت نظرية «الردع» محل نظرية «الأمن»، وذلك بالاكتفاء بوخز الإبر: عمليات تخريبية خاطفة خلف الخطوط، لا تستدعي بالضرورة حربا، أو ردا من الجانب العربي، حسب التصور الإسرائيلي.

كانت نظرية التوازن من ابتكار الفكر «الاعتذاري» عند الأسد. وقد اعتدت إسرائيل مرارا على سوريا في عهد الأب والابن. وكان الرد بأن الاستفزاز (المهين) لن يجرهما إلى الاشتباك. وأنهما هما اللذان يحددان التوقيت. ولم يأت هذا التوقيت أبدا. وقد فضحت الثورة السورية التطوير والتسليح. فتبين أنهما كانا لضرب ملايين السوريين بالمدافع. والدبابات. والطيران. والصواريخ. وليس أبدا إسرائيل.

في الأربعاء الماضي، هاجمت إسرائيل سوريا بشار. وهي المرة الرابعة التي تهاجم فيها إسرائيل سوريا، في عهد بشار. وتطوع بشار بالرد التقليدي إياه. في الحساب السياسي، كان النظام العلوي هو المستفيد من العدوان الإسرائيلي. فقد خرجت مزيكا فرقة الدعاية (حزب الله. إيران. روسيا. أنصار الممانعة) لتقول إن إسرائيل اعتدت، فيما كان النظام في ذروة الاشتباك مع الإرهابيين.

بل ربما كان مجيء سعيد جليلي إلى دمشق وبيروت، قاطعا حضوره لمؤتمر الأمن في ميونيخ، لمفاتحة بشار بفكرة الرد هذه المرة. لأنها فرصة لشد عزيمة النظام، وإنقاذه أمام المسلمين والعرب من الانهيار التام. جليلي مدير مكتب الأمن الإيراني لدى خامنه ئي وحده يعرف ما إذا كانت إيران جادة في الرد. وقد فاجأت الغرب بالإعلان عن تجنيد مزيد من أجهزة الطرد المركزي، في إثراء مزيد من اليورانيوم.

هل يتجاوب بشار؟ هل يغامر؟ إلى الآن، كان «حزب الله» هو الذي يغامر بالرد بأمر من إيران. في المغامرة الأخيرة (2006)، قتل 1200 شيعي لبناني. هذه المرة جاء الدور على بشار، حسب الترتيب الإيراني لفرقة مزيكا الممانعة، وهو على هذه الحالة من الضعف والاهتراء.

بعد الحرب الإسرائيلية في لبنان (1982)، اعتمد نظام الأسد الصاروخ والكيماوي في التطوير الدفاعي للقوات السورية. وكدس في مستودعاته عشرات ألوف الصواريخ، من كل الأحجام والأنواع. وقبل الغارة الإسرائيلية الأخيرة، بدأ حشو صواريخ إس - 17 أرض / جو بالكيماوي. وقالت إسرائيل إنها كانت متوجهة إلى حزب الله في لبنان.

هل كان بشار يعتزم تسليم حزامه الكيماوي إلى الحزب الإيراني، قبل أن ينهار نظامه؟ أم هو يريد استخدام الحزب مرة أخرى في ملهاة الممانعة؟ أم هو يعتزم مع الحزب إلهاب وتفجير المنطقة كلها، كما هدد ووعد، بعد انفجار الثورة؟

في ضرب الأخماس والأسداس، في متاهة الحرب واللاحرب الجارية حاليا، أترك أصحاب القنابل النووية والصواريخ الكيماوية، وأزور مُعاذ الخطيب شيخ شباب حارة «الائتلاف» السوري المعارض، لأسأل فضيلته، عما إذا كان جادا هو الآخر، في عرضه التفاوض مع نظام بشار؟

إذا كان جادا، فهل تجوز في شرع فضيلته توبة بشار؟ هل يغفر له بعد سقوط أكثر من 60 ألف شهيد بينهم أطفال؟ هل يمكن التوصل إلى اتفاق ينزع قبضة العائلة. والطائفة، عن الجيش. والحزب. وأجهزة الأمن. والإدارة الحكومية؟ هل يمكن بناء دولة ديمقراطية مسالمة. شريفة. ونزيهة، مع بقاء هذا النظام طرفا في اتفاق جاد؟

هناك اعتراض عاصف في تنظيمات الثورة السياسية والمسلحة، في الداخل والخارج، على مبدأ التفاوض. هل الثورة في انحسار. في جمود، بعد الهجوم المضاد الأخير للقوات النظامية؟ أمر غريب والثورة تستكمل في مارس (آذار) المقبل عامها الثاني، من دون أن يصدر ميثاق ثوري، إن لم يجمع التنظيمات الثورية، فهو على الأقل، يحدد نظريا الأهداف. والأدوات. ويحسم المواقف!

هل فضيلة الشيخ الخطيب متفائل. متشائم. متشائل، على طريقة الفلسطيني الراحل إميل حبيبي؟ بعد لقاءات الشيخ الأخيرة مع الأصدقاء والوسطاء البيض. والخضر. والسمر، ماذا كانت النصيحة؟ وماذا كانت النتيجة؟ لماذا رحب الفرنسي فابيوس. والتركي داود أوغلو. والروسي لافروف. والأردني ناصر جودة، بحكاية التفاوض؟

إذا سمح لي فضيلته، فسأتمهل قليلا عند الوزير ناصر جودة. أعرف أنه رجل الثقة. وقد خبرت اهتمامه. وشكرت اتصاله. وجوابه عن شكوى قديمة لي. أريد أن أسأله:

- لماذا نصب مخيم الزعتري في ذلك المكان الموحش القريب من الحدود؟! فهو حريق في الصيف. غريق في الشتاء. ربما كان أسهل إقامة. وأرخص كلفة. وأرحب ضيافة، لو أنه حل في ظاهر المدن الأردنية. واستفاد من خدماتها.

هناك اليوم أكثر من 300 ألف لاجئ سوري في الأردن. اللاجئون الحوارنة ليسوا بغرباء. فهم يمتّون بقرابة العشيرة للأردنيين. وأحفاد العوائل التجارية الدمشقية التي شاركت، منذ مائة عام، في تأسيس الدولة الأردنية، يملأون أسواق عمان والمدن الأردنية، كجزء لا يتجزأ من المجتمع الأردني، وكمواطنين أردنيين أصلاء.

أعرف، يا سيادة الوزير، أن الأردن بلد فقير. لكنه سمح. مضياف. فهو عربي أصيل. شارك في تحمل نكبات العرب. ولا أدري لماذا هذا الخلل في سوء الخدمات المقدمة لهؤلاء اللاجئين، مع أن معظم المساعدات آت من دول شقيقة في الخليج. هؤلاء البؤساء في الزعتري لم يأتوا من الصحراء. أتوا من مدن مزدهرة. وبيوت عامرة هدتها أيدٍ آثمة. وما زال ألوف من شبابها يقاتلون في شوارعها.

لم تلحقني، بعد، موجة التعصب. الأردن في قلبي. كما الشام. والخليج. والعراق. ولبنان... لا ألوم، يا سيدي، ولا أسألك في السياسة. ولا لماذا يرحب الأردن أو يرفض تفاوض الشيخ الخطيب مع بشار. إنما أسألك عن أهلك. عن 300 ألف إنسان هم في محنة. ولا أقول في مذلة. وأنشد جوابا منك، ليس بدبلوماسية وزير للخارجية، إنما بصراحة ناصر جودة عندما كان وزيرا للإعلام.

========================

حلب: شو السر «عجب»؟

حسين شبكشي

الشرق الاوسط

5-2-2013

أتابع بأسى شديد وألم عميق مصحوب بشعور كبير بالعزة والافتخار ما يحدث في قلب مدينة حلب الشهباء الشامخة إزاء الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد المجرم، فهذه المدينة العريقة تدفع ثمنا باهظا مليئا بالحقد والانتقام والتشفي، لأنها «انضمت» وبقوة للثورة بعد انتظار، حيث كان يعتقد النظام وبيقين أن حلب «مضمونة»، وأن ولاءها «مؤكد» للرئيس وجماعته، وكان هذا التفكير وهذا الفهم استنتاجا خاطئا وقاصرا لوضع جد دقيق يخص حلب.

حلب كانت الشرارة الأولى التي انطلقت منها شرارة مذبحة حماه في الثمانينات الميلادية، ففيها حصلت معركة مهمة بين المعارضة السورية وبين جنود نظام الأسد الأب في إحدى الكليات العسكرية وسقط على أثرها العشرات من العسكر والضباط وجن جنون النظام، وكان الانتقام الأولي من نصيب حلب التي حرمت تماما من كل أوجه التطوير والتنمية ولم يصرف عليها أي شيء وبقي مطارها على حاله ومستشفياتها بحاجة لحلول عاجلة وجامعتها تئن.

كل ذلك يحدث لمدينة عريقة بعراقة الزمن والتاريخ ولشعب كريم وأبيّ عرف التعايش بين الأعراق والطوائف والأديان والمذاهب قبل أن تكون شعارات وأهدافا وتوجهات، حلب التي كانت قلب طريق الحرير وأنجبت للعالم فكرا وثقافة وتجارة وذوقا لا يزال مضربا للأمثال حتى اليوم. ولذلك يشعر الإنسان بحسرة بالغة وأسى شديد أن يكون عنوان الأخبار بخصوص حلب مرتبطا بـ«جماعات إرهابية» وقصف ممنهج بالطائرات والصواريخ لنظام فقد آدميته وأخلاقه وشرعيته وصوابه.

حلب سحرت زوارها بعبق تاريخها وقلعتها الشامخة وسوقها بـ«المدينة» القديمة وبطرقها وأزقتها وحاراتها ومطبخها، وما أدراك ما مطبخها الذي يتنوع بين أنواع من المشاوي والكباب لا عد ولا حصر لها ولا ينافسها سوى أصناف الحلويات الطيبة، وطربها وبنائها وحجرها وصابونها وأهلها.

كل شيء بتلك المدينة الآسرة كان يترك في زائرها بصمة استثنائية، فهي التي أنجبت مفكرين قرأوا مبكرا وحذروا من الاستبداد والطغيان، ولعل أبرزهم كان عبد الرحمن الكواكبي الذي قدم دراسات وقراءات عن الطغيان والاستبداد سابقة للعصر والأوان، وهو العالم الديني الجليل الذي كان نموذجا للعالم الوسطي الذي كانت حلب قادرة على إنجابه من أبنائها، ومنهم عبد الله سراج الدين وعبد القادر عيسى وغيرهما، ولم تكتف حلب بإنجاب هذه النوعية من الأفذاذ ولكنها قدمت لسوريا نماذج من أهم رجال سياستها مثل سعد الله الجابري ورشدي كيخيا وناظم القدسي وغيرهم بطبيعة الحال من وزراء ومسؤولين ونماذج في غاية الأهمية من تجار ورجال أعمال وأطباء ومهندسين وأدباء ومثقفين ومحامين ومحاسبين ومعلمين.

النظام ينتقم من مدينة تفضح تخلف النظام، مدينة أهلها لم تغرهم «منح» و«عطايا» بشار الأسد بتجميلات مؤقتة ومنافع لفئة محددة على أساس أن يعوض بها «جفاف» عهد أبيه على المدينة المهمة، وظهرت حلب مجددا تؤكد أهميتها فباتت مركز ثقل الصناعة السورية، وتألقت في صناعة الغذاء والدواء وباتت بوابة التصدير لتركيا ومنها لأوروبا، ولكن «الشرار» كان موجودا تحت الرماد، فحلب مدينة «حرة» وأهلها «أحرار» لم يرضوا بذل الفرنسيين يوما ولم يقبلوا استعباد الأسد أياما، ولكن الانفجار الحلبي على النظام كان مرا وقاسيا وهو الذي أصيب بالصدمة التي قصمت مصداقيته وترويجه لشائعات الولاء والوفاء الحلبي للنظام ولبشار الأسد وجماعته.. فقد سقطت الكذبة وسقطت الأقنعة، وهذا يفسر سر الوحشية والهمجية التي يتعامل بها النظام للقضاء على كل ما هو حضاري ومدني وتاريخي ومهم في حلب.. فاستهدف الرموز والأيقونات، لم يرحم ولم يترك أثرا إلا استهدفه.. جامعة ومستشفى ومخبزا وقلعة ومسجدا وسوقا ومنزلا ومدرسة، كل ذلك كان هدفا «مشروعا» للقضاء على فكرة الحضارة والمدنية التي تفضح وتكشف وحشيته وهمجيته ودمويته.

حلب هي المعركة الفاصلة للنظام، وتحرير الأحياء والمواقع الحساسة على حساب وجود الشرعية ووجود السلطة ووجود السيادة للأسد وجماعته سيكون إيذانا نهائيا برحيل نظام غير مأسوف عليه، ولكن كان من الضروري معرفة سر الكراهية الحادة من بشار الأسد وجماعته لحلب وأهلها.

حلب وسوريا وشعبها العظيم باقون، أما بشار الأسد فراحل غير مأسوف عليه.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ