ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 13/02/2013


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

12-02-2013

ما لزيارة الراعي وما عليها

الياس حرفوش

الثلاثاء ١٢ فبراير ٢٠١٣

الحياة

عند نقاش ابعاد زيارة البطريرك الماروني بشارة الراعي الى دمشق، ونتائجها السياسية على علاقات الطوائف في سورية ولبنان، وتبعاً لذلك في منطقة المشرق ككل، لا بد من الفصل بين مسألتين، كي يستقيم هذا النقاش ويأخذ سبيله السويّ.

والمسألتان هما: الجانب الرعوي لهذه الزيارة، وتوقيتها المرتبط بمناسبتين دينيتين، الى جانب وجود عدد لا بأس به من رعايا الكنيسة المارونية في سورية، سواء من السوريين او ممن يقيمون فيها.

والمسألة الثانية هي حقيقة ان الراعي لا يقوم بزيارته الى بلد «عادي» وفي وضع «طبيعي». انه يقوم بزيارة الى بلد تعصف فيه حرب بين نظام هذا البلد ومعظم ابناء شعبه منذ ما يقارب العامين، ويختلط العنصر الطائفي والمذهبي في هذه الحرب اختلاطاً كبيراً بالعوامل السياسية، حتى يكاد يطغى عليها.

واذ لا نناقش هنا سوى هذا الجانب السياسي، فلأننا لا نسمح لنفسنا بمناقشة الجانب الديني والرعوي، انطلاقاً من القناعة اننا لسنا اهل اختصاص لمناقشة موضوع كهذا، فضلاً عن ان هذا المكان ليس مكان هذا النقاش.

في الموضوع السياسي اذاً، انقسمت الآراء في لبنان وفي المنطقة بين مؤيد لزيارة الراعي الى سورية ومنتقد لها. وجاء هذا الانقسام تبعاً للمواقف التي اتخذها البطريرك الماروني من النزاع في هذا البلد، والذي كانت بداياته مع تولي الراعي قيادة الكنيسة المارونية. ومع ان البطريرك حاول في اكثر من مناسبة «تصحيح» هذه المواقف، التي فُهم منها دعمه لموقف النظام السوري في مواجهة معارضيه، الا ان الانطباع السائد ظل على حاله، وعززته طبيعة العلاقات التي اقامتها بكركي (مقر البطريرك) مع الاطراف اللبنانيين، بحسب قربهم من النظام السوري او خصومتهم له.

واذ اتت زيارة دمشق في هذا الجو، بات صعباً نزع الطابع السياسي عنها، وخصوصاً ان اسلاف الراعي امتنعوا عن زيارة سورية منذ انفصال البلدين، بسبب تحفظاتهم الدائمة على تدخلات سورية في شؤون جارها الصغير.

وما كان للتصريحات التي اطلقها الراعي في سورية ان تخفف من هذا الانطباع، الذي عكسته تغطية الزيارة في الاعلام المحلي اللبناني الموالي لسورية او في الاعلام الرسمي السوري. فقد اعتبرت الجهتان ان الزيارة تمثل اعترافاً بالنظام وبحقه في الدفاع عن نفسه في وجه «الارهابيين القتلة». كما وجد الطرفان فيها اعترافاً بأن هذا النظام هو الوحيد الذي يمكن ائتمانه على حماية الاقليات في سورية.

وبالتأكيد كان بامكان البطريرك، لو اراد، ان يتجنب هذه التفسيرات، وان يكون اكثر وضوحاً في حديثه عن المسؤول عن القتل الجاري في سورية وعن تهجير المواطنين الآمنين الابرياء، كما سمّاهم. أما ان يبقي هذه المسؤولية في علم المجهول، كما فعل، داعياً الى وقف الحرب والعنف «من اية جهة اتى»، في الوقت الذي كان موقعه يسمح له ان يشهد للحق، وان يقول كلاماً اكثر صراحة ووضوحاً ومن دون خوف، فلا يفهم منه سوى أنه محاولة لتبرئة النظام من المسؤولية، او للمساواة في المسؤولية بين الطرفين.

اما في حديثه عن الحل السياسي والاصلاح، فقد بدا الراعي متبنياً لوجهة نظر النظام بالكامل، عندما قال ان الاصلاحات لا تفرض فرضاً من الخارج، بل تنبع من الداخل حسب حاجات كل بلد، وتتم بالحوار والتعاون والتفاهم.

ومن البديهي ان كلاماً كهذا يغفل الطبيعة القمعية للنظام السوري، ولجوءه الى القوة لحماية هويته المذهبية، وهو ما فعله عندما واجه المتظاهرين الذين دعوا الى الاصلاح «من الداخل»، منذ اليوم الاول لانفجار الازمة. وهنا ايضاً كان بامكان الراعي ان يفيد النظام والشعب السوري اكثر مما فعل، لو انه كان صريحاً في وصف الداء والعلاج اللازم لسورية.

يقول البطريرك الراعي ان همّه من زيارة دمشق كان العمل على وقف سقوط الدماء البريئة، والمحافظة على الوجود المسيحي في سورية كما في سواها من دول المنطقة. وسيبقى للتاريخ ان يحكم اذا كان قيامه بهذه الزيارة، تحت راية النظام السوري وبرعايته، سيخفف من سفك الدماء، او اذا كان الانطباع الذي تركته زيارته عن دعمه للنظام، هو السبيل الافضل لحماية مسيحيي سورية فيما هم يواجهون التطرف والتعصب من كل صوب.

=======================

في الموقف الروسي من الانتفاضة السورية

رفيق الأحمد *

الثلاثاء ١٢ فبراير ٢٠١٣

الحياة

تحمل القراءة المتأنية لتصريحات وزير خارجية روسيا (الاتحادية) سيرغي لافروف الأخيرة، والمتضمنة استحالة تنفيذ مسألة تنحي الرئيس بشار الأسد، كشرط مسبق للحوار المقترح، على القول إن هذا الشرط سيجعل الثمن مزيداً من الضحايا، مؤكداً على عدم ورود مسألة التنحي في بيان جنيف.

وقد أتت هذه التصريحات في أعقاب الاجتماع الثلاثي الذي ضمّ نائبي وزيري الخارجية الروسي والأميركي والمبعوث الأممي، الأخضر الإبراهيمي، وبسبب الإشارات الإيجابية التي صدرت في أعقاب الاجتماع ولمحت إلى تقارب وجهات النظر في شأن تطبيق بيان جنيف وتشكيل الحكومة الانتقالية ذات الصلاحيات الكاملة، أُعطي أمل في إمكانية التوافق على إصدار قرار من مجلس الأمن.

المتابع للتصريحات السياسية الروسية يلاحظ الكثير من التباين بين تصريحات وزير الخارجية ونائبه أو بعض السفراء الروس، لا سيما سفير روسيا بباريس، إضافة إلى تصريحات الرئيس فلاديمير بوتين، لا سيما تصريحه الذي أوضح فيه أن روسيا تتفهم مطالب التغيير لدى السوريين، وأنها غير متمسكة بالرئيس الأسد تاركة أمره للشعب السوري .

وهذا إضافة إلى اجتماع لافروف وأحمد معاذ الخطيب، رئيس هيئة الائتلاف الوطني السوري، في ميونيخ ودعوة الخطيب لزيارة موسكو لمتابعة المحادثات في شأن الوضع السوري، بخاصة بعد تصريحات الخطيب الأخيرة التي أعلن فيها استعداده للتفاوض مع من لم تتلوث يداه بجرائم النظام، مع شروط أخرى لوضع طرق رحيل النظام بشكل انتقالي.

يحار الكثير من المحللين في أسباب هذه التصريحات الروسية وتباينها في المواقف وتباعدها أحياناً كثيرة، ويبدو أن أكثر التحليلات صوابيّة أو قرباً من الواقع الروسي أن القيادة الروسية تريد إثبات حضورها وعدم السماح للدول الغربية (الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي) بالانفراد بحل الأزمة السورية لاعتبارات روسية بحتة مؤداها مواجهة مخططات الغرب لحصارها وإلحاقها واستتباع قرارها. فهي تريد:

أولاً: مواجهة جدار الأطلسي في أوروبا الشرقية.

ثانياً: إبقاء حصة قوية لها في المغانم الدولية، وفق رؤيتها للعمل الدولي، على ضوء التجربة الليبية.

ثالثاً: مساومة المعارضة السورية ممثلة بتشكيلها السياسي الأخير في شأن بقاء قاعدتها البحرية بطرطوس بحكم كونها القاعدة الوحيدة لها في البحر المتوسط، مع إمكانية توسيعها مستقبلاً.

وهي رابعاً: تريد ابتزاز ما تبقى من إمكانات مالية لدى النظام السوري وأركانه ولدى النظام الإيراني المتحالف معه، بشراء الأسلحة الروسية وقطع الغيار والذخيرة بحكم حاجته الماسة إليها في عملياته القتالية التي يخوضها بعنف في جميع المناطق السورية، وبحكم الحصار المفروض على إيران.

وإذا ما أخذنا بهذه التحليلات فإن المشكل السياسي المستعصي يتطلب معالجة دولية أكثر منها انتظار نتائج المعارك. فالمعارك القائمة حالياً هي بين كتائب عسكرية أهّلها النظام منذ مدة طويلة وسلّحها بأعتدة روسية متطورة ودرّبها مع خبرة كورية شمالية وإيرانية، مستفيداً من الفرص التي كانت تتاح له بين الفينة والأخرى، بأسباب مختلفة، واضعاً في حساباته مواجهة انتفاضات شعبية على غرار انتفاضة الثمانينات في حماة وحلب وبعض المدن السورية الأخرى، مع تجييش طائفي متعصب وامتيازات كبيرة لأنصاره. وهذا في ظل حرمان مخطّط له يعيشه المجتمع السوري، جعل من معادلة موازين القوى الداخلية عملية صعبة وغير متوازنة، بخاصة أن قوى المعارضة من جيش حر ومقاتلين لا تلقى الدعم الدولي المتوازن بحيث تعتمد على الشجاعة والإيمان الكبير بعدالة مقاومتها والثقة اللامحدودة بنفسها وحقّها.

إن ادعاءات النظام بانتماء المعارضة إلى القاعدة وسيطرة جبهة النصرة على توجهاتها تلقى التأييد والتصديق من قبل الغرب لأسباب معروفة، كما تلقى الترويج من قبل إسرائيل التي ترى في استمرار التدمير الذي يمارسه النظام مربحاً مريحاً لها من دون خسائر إسرائيلية (علماً أن هذه الجبهة لقيت الدعم الكبير من النظام السوري ومدّها بالمساعدات والتسهيلات لعملها في العراق، وكذا في لبنان لمواجهة حكومة تيار المستقبل، ولم تتوقف هذه المساعدة والدعم إلا بعد إنذارات كولن باول وتوقيع اتفاق التعاون الاستراتيجي بين إيران وسورية بقصد مواجهة الإنذارات وتوزيع التدخل في الشأنين اللبناني والعراقي بينهما). لكن تجاهل طبيعة الشعب السوري المعتدل أساساً والمنتفض حالياً ضد الظلم وطلباً للحرية لإنهاء الهيمنة العائلية للأسرة الحاكمة منذ أكثر من أربعين سنة، بالمواصفات التي بيّناها، بغطاء المقاومة المزعومة، والمبادئ البعثيّة، كلها تجعل من الأهمية بمكان إعادة موقف المجتمع الدولي، نصير الحرية، من إجراءاته المقنّنة في مساعدة الثورة السورية، للعمل على دعمه للتحول نحو الحياة الحرة الكريمة التي يعشقها تكويناً وانتماء حضارياً، مع الإنقاذ من حالة التدمير الممنهج الذي يمارس ضد الشعب والتي تفتح أجواء لا يمكن السيطرة عليها وعلى نتائجها. فهذا إذا ما تُرك قد يمهّد الطريق أمام الصوملة السورية، ذات التأثير الخطير ليس على سورية فحسب بل على المنطقة كلّها، بدءاً بالجوار السوري وامتداداً لدول منطقة الشرق الأوسط. فهل يعمل العرب أولاً والجوار الصديق معهم، على توحيد الجهود واتخاذ إجراء إنقاذي موحّد يحمل مشروعاً أمام الجهات الدولية النافذة، لإنقاذ سورية والمنطقة، محققاً تطلعات الشعب السوري بحياة حرة كريمة وديموقراطية تتماشى والحياة الجديدة ومتطلباتها.

=======================

زوبعة المعارضة في فنجان النظام السوري

سهيل حداد

2013-02-11

القدس العربي

أطلق رئيس الائتلاف السوري المعارض معاذ الخطيب قنبلة من العيار الثقيل، لم تصعق أقرب المقربين إليه فحسب، وإنما تطايرت شظاياها لتصيب أروقة النظام السوري الذي تفاجأ بالمبادرة السياسية ـ الإنسانية التي ترد على مبادرته السياسية ـ الأمنية بكثير من النشوة والارتياح.

لقد شكلت تغريدات الخطيب في فصل الشتاء القارس حدثاً ساخناً، أغضب معظم الحلفاء والأصدقاء وأدخل البهجة إلى قلوب الخصوم والأعداء، قلب الطاولة رأساً على عقب، كردة فعل وجدانية وإنسانية غير محسوبة النتائج من الناحية السياسية .. ردة فعل انفعالية ضد مواقف الدول التي أدارت ظهرها إلى الثورة السورية متنكرة لما قطعته إليها من وعود في الدعم والمساندة بكافة الوسائل اللازمة حتى تحقيق أهدافها، استنكار غاضب وحملة على المجتمع الدولي ضد محاولات إذلال الشعب السوري والنيل من كرامته باختزال الثورة السورية وتصويرها ثورة للجياع والمحرومين وصندوق للتبرعات 'نازحين ولاجئين' يعالج النتائج دون النظر في الأسباب.

إن موافقة الشيخ الخطيب للتفاوض مع موفدين ذوي صلاحية من قبل النظام السوري ممن لم تتلطخ أيديهم بالدماء، شريطة أن يطلق النظام سراح مئة وستين ألف معتقل ومنح جوازات سفر جديدة للسوريين في الخارج أو تمديدها لمدة عامين على الأقل، قلل من سقف التوقعات والمطالب السياسية، وكسر حاجز إمكانية التفاوض مع النظام من حيث المبدأ دون أي مقابل أو ثمن سياسي يخدم الثورة السورية، الأمر الذي أحدث ردود أفعال وانقسامات في الآراء بين مؤيد ومعارض لها، لما تحمل تلك التصريحات من تأويلات مختلفة وأوجه متعددة قادرة على المناورة والتلون بجميع ألوان فصول السنة، ولقناعة البعض أن الحوار والتفاوض مع النظام السوري لن يجدي نفعاً، الأمر الذي دفع البعض للوقوف إلى جانب تلك التصريحات لاعتبارات وحسابات مختلفة 'مغامرة لعبة الكراسي'، وصمت البعض تحت وقع قبة الصدمة، وتحفظ البعض مكرهاً لاعتبارات خارجة عن إرادتهم بانتظار الأجواء المناسبة للخروج عن صمتهم، مما يدق ناقوس الخطر في تفاعل هذه الإشكالية وينذر بإعادة صراع الديوك من جديد.

إن النظام السوري الطرف الآخر في المعادلة السياسية يعيش نشوة الاختراق ويراقب ويتربص إفرازات ذلك الحراك على الضفة الأخرى دون أن ينتظر ما ستؤول إليه الأحداث في صفوف المعارضة السورية التي راهن على خلافاتها وانقساماتها وصراعاتها خلال الفترة السابقة، ولم يدخر جهداً بكافة الوسائل المشروعة والغير مشروعة في اختراقها و تعميق تلك الخلافات والتناقضات منعاً لتماسكها ووحدتها. فهو ماض في الطريق الأمني دون هوادة، حيث يستمر في قصف المدن والبنى التحتية والمنشآت الحيوية والأحياء الأهلة في السكان ليهجر أهلها إلى المخيمات خارج الديار وليشرد الأطفال والنساء والشيوخ في العراء ويدمر المستشفيات والمخابز ويقصف الجامعات والمدارس دون أي رادع أخلاقي أو إنساني أو قانوني وتحت مرأى جميع دول العالم والمنظمات الإنسانية والحقوقية.

لقد نجح النظام السوري في جر الثورة الشعبية السورية السلمية في بدايتها وفق أجندته التي يتقنها وتمرس عليها خلال تجاربه السابقة داخليا وخارجيا، وتمكن من تحويل الشعارات السلمية للثورة السورية إلى حمل الألوية والرايات المسلحة حيث يمتلك الخبرة والتجربة في استخدام العنف وكم الأفواه وقتل المعارضين واعتقال من يقررون أن يحلموا بغد أفضل، وتهديد المغتربين ورجال الأعمال وحتى حلفائه الذين يخالفونه في الرأي بمصادرة أموالهم والتعدي على أعراضهم واعتقال أقربائهم والانتقام منهم بكافة الوسائل القذرة.

ها هو النظام ينجح مجدداً في جر المعارضة السورية التي فرض عليها طريق الكفاح المسلح وأخرجها من عباءتها السلمية البيضاء، يدفعها مرة أخرى نحو أجندته 'دوامة التفاوض والحوار ومن ثم المصالحة والمسامحة'.. محاولاً تقسيمها إلى مجموعات متناحرة غير قادرة وغير مؤهلة على وضع البديل السياسي والعسكري لمستقبل سورية الجديدة، مما ينزع عنها دولياً وداخلياً إمكانية الاعتماد عليها ويعزز مواقعه من جديد.

إن طبيعة النظام السوري لا يمكنه أن يتعايش مع شريك له في الحكم والسلطة، لذلك فهو غير قادر على أن يحاور إلا نفسه ولن يقبل بولادة كـــيان سياسي جديد يفقده السلطة لاعتبارات اجتماعية وطبقية وطائفية، وأي حوار مرتقب مع المعارضة السورية لن ينجب إلا مســـخاً قديماً بلباس جديد تحت مسمى أخر..وخاصة أنه يعيش انفراجاً كبيراً بإخفاق الســــياسة الدولـــــية في إسقاط حكمه بعد مرور ما يقارب العامين على انطلاقة الثورة.

كما أن طبيعة النظام السوري لا يمكن أن تتغير في بنيته وركائز وجوده القائم على الدولة الأمنية التي تحتكرها طبقة ربطت جميع مصالحها وعوامل بقائها بالشبكات المخابراتية الدولية الفاعلة على الساحة العالمية خلال عشرات السنين، هذه القوة الصلبة تتصارع اليوم في الساحة السورية لتحديد نوعية وطبيعة وتوجهات النظام في المرحلة القادمة ومدى المكاسب والمصالح التي يمكن أن تحصل عليها، صراع بين نظام مخابراتي قديم يتمثل في الدول الحليفة للنظام السوري ونظام مخابراتي وافد جديد يصارع بقوة لتغيير قواعد اللعبة، وما الحلول السياسية المنتظرة إلا مخارج لنهاية هذا الصراع المخابراتي الدولي على سورية ، وطالما أن هذا الصراع المخابراتي ما يزال قائما وحادا في المواقف ولم يصل إلى نقاط اتفاق حول شكل النظام السياسي والأمني المخابراتي القادم في سورية وتحديد علاقاته وصلاته وارتباطاته إقليميا ودولياً، فلن تكون هناك حلولاً سياسية في المنظور القريب.

إن النظام الأمني المخابراتي الحليف للنظام السوري في فترة الحرب الباردة ساهم في بناء منظومة أمنية قوية في سورية مكنت السلطة من أن تحكم الوطن والشعب بقبضة من حديد، الأمر الذي دفع النظام الحاكم إلى تسخير كافة مقدرات الدولة السورية على مدى أربعين عاماً لتقوية الحكم في السلطة على حساب إضعاف مؤسسات الدولة وانتشار الفساد والمحسوبيات وتفكيك مكونات المجتمع المدني، وفق هيكلية أمنية وعسكرية مخابراتية لها ارتباطات دولية تحدد هويتها وتحافظ على عوامل وجودها والسهر على حمايتها وتأمين كافة المتطلبات الاقصائية اللازمة لضمان بقائها في السلطة، الأمر الذي أسس وحدد معالم الطريق والضوابط لأي نظام حكم قادم على المدى البعيد مهما بلغ درجة الحكمة والإصلاح في أن يتمكن أو يتجاوز الركائز الأساسية التي يستند عليها أركان النظام السوري. 'مات حافظ الأسد جسداً ..لكن نظامه ما زال يحكم من القبر'.

ولعلنا نذكر جميعا ما صرح به وزير الخارجية والمغتربين وليد المعلم على المبادرة العربية آنذاك 'أن من يريد الغوص في التفاصيل عليه أن يتعلم السباحة أولاً' كما أن تصريح وزير المصالحة في حكومة النظام السوري علي حيدر رداً على مبادرة معاذ الخطيب مؤخراً 'بأن إطلاق سراح مئة وستين ألف معتقل هو كلام إعلامي ومبالغ فيه وعلى الائتلاف ورئيسه تقديم جدول بكافة أسماء هؤلاء المعتقلين للبحث فيه' وهنا يؤكد الوزير حيدر 'أن فرخ البط عوام' حيث أن ملف المفقودين والمعتقلين اللبنانيين في السجون السورية ما زال يشكل جرحاً دامياً في ضمير الإنسانية منذ أواسط السبعينيات وحتى وقتنا الحالي.

نحن نقدر دوافع رئيس الائتلاف أحمد معاذ الخطيب الإنسانية وخيبة أمله في المجتــــمع الدولي تجاه دعم الثورة السورية وضرورة البحث عن حلول مجــدية تساهم في تحريك الملف السوري عربياً ودوليا، ونقدر الصراحة والشفافية التي تميز بها في التمرد عن السبل المألوفة في أروقة السياسة بشكل أيضاً غير مألوف ولكن اجتهاد البوصلة السياسية التي وجهته نحو الهدف لم تكن للأسف دقيقة في هذه المرحلة الحرجة من عمر الثورة السورية.

إن سياسة النظام السوري قذرة ولا تعترف بالنزاهة والأخلاق النبيلة، لا تعرف معنى الشفقة والرحمة الإنسانية، ولا تؤمن بالعدالة وحرية الشعوب، تحكمها القوة والمصالح الغير أخلاقية والغير مشروعة في أغلب الأحيان ولعل تاريخ النظام السوري مليء بالصور والأمثلة الكثيرة على ذلك. وأي مبادرة سياسية لا تراعي طبيعة النظام لن تنجح أو ترى النور مهما كانت الدوافع ومدى حجم التنازلات.

من رحم هذا النظام الذي هيأ كل المتطلبات اللازمة للقمع والقتل منذ عشرات السنين تحسباً لهذه الظروف.. ولدت الثورة السورية المباركة بعملية قيصرية لم تأخذ البعد الكافي للترتيب والتنظيم واكتساب الخبرة وحسن الإدارة .. من رحم هذا النظام كسر الشعب حاجز الخوف والصمت وقرر السير نحو الشهادة أو النصر مهما كانت التضحيات.. لذا لا بد للمعارضة أن ترتقي إلى مستوى التضحيات الجسام التي يقدمها الشعب السوري في نضاله ضد نظام الحاكم في سورية، وأن يرتفع بمسؤولية أكبر إلى روح العمل الجماعي بعيدا عن اتخاذ القرارات الفردية الغير محسوبة بشكل دقيق من جهة، وإلى لغة العمالة والتخوين من جهة ثانية، حتى لا تنعكس سلباً على أداء المعارضة ووحدتها وتخريب كل الانجازات التي تم تحقيقها داخلياً وخارجياً وتقديم الهدايا والعطايا المجانية للنظام والعودة مجدداً إلى معاناة نقطة الصفر.

 

' كاتب وباحث سوري في جمهورية ألمانيا الاتحادية

=======================

كل الطرق تؤدي الى الجحيم في سورية

2013-02-11

القدس العربي

يبدو ان سراج مجلس الامن في تلميع القضية السورية لاعادة بريقها، بات من المستحيلات السبع بحسب رؤية هذه الاخيرة الخاصة للقضية التي لم تزد سوى من وتيرة النزاعات وفسح المجال لحكومة الاسد الابن لترويض اللعبة السيايسة واخراجه من الباب الضيق، بدليل الوجهة السياسية المنتهجة 'الكيل بمكيالين' التي تقوم عليها اساسا في حرب مالي التي لم يصل بها تأزم الوضع بقدر ما تأزم في سورية، لتتجه مباشرة دون سابق انذار لتدخل العسكري في الاجواء المالية بقيادة فرنسية مدعومة بدعم لوجستي، عكس القضية السورية فانها اكتفت برسل مشؤومين، الاول فهم الدرس وانسحب مطأطأ الرأس تاركا تساؤلات من ورائه لم تجد لها اجابة، والثاني بقي يصر على التخياط بين الحل الامني او الجحيم بخيطين لا ثالث لهما.

اولهما: وقف حمام الدماء بوقف اطلاق النار، وبدأ بالحوار مع حكومة بشار الاسد لاحتواء الازمة وهو الجحيم بام عينه، فالاسد اخذ ما يكفيه من الوقت لتعزيز موقفه، كما انه لا يعترف بشرعية هذه الثورة، وان من قام بها هم ارهابيون لا مجال لوقف القتال والهدنة معهم، فهي مجرد اضاعة لوقت الثورة السورية التي يزداد حمام دمائها يوما بعد يوم.

وثانيهما، محاولة اخراج الاسد الابن من عنق الزجاجة مقابل تسليم زمام السلطة لطرف المعارضة السورية، فهل سيتنحى هذا الاخر من منصبه؟ بالطبع يبدو هذا مستبعدا فالمرض الذي ورثه عن الاب واستأصل عروقه سيجعله اكثر احتفاظا بالكرسي، فهو الان ممسك بدمشق العاصمة ما يدل على رغبته بقمع الثورة واستئصالها من جذورها! لكن هل ينسى الطرف الثوري كل تلك الدماء للشهداء السوريين الذين سقطوا ويدعونه يمر مرور الكرام؟ بل سيكون مطلبا للمحاكمة الدولية والوطنية والتي لا تأتي الا بنزيف حمام دماء اخر سيجرها الى الجحيم.

اذن مهما كانت النتائج، فالخياط لا يحسن مهنة التخياط وكل طرقه تؤدي الى الجحيم مهما طالت او قصرت، فلا لحل سياسي يبعدها عن الجحيم هي اصلا عاشت ذلك الجحيم وانتهى الامر، وليس لها شيء تخسره في استمرارها للقضاء على هذا النظام والتحضير لمرحلة ما بعد الاسد، فما هو سوى خياط وقع بين مصيدة ابرة امريكية وخيط روسي يسعى للمحافظة على مصالحه منها، برغم ودون نسيان طبعا مساعي والاجتهادات المحترمة للخياط لترقيع ثوب القضية السورية التي ربما قد تذهب سدى لا سامح الله.

بلال حداد

=======================

الأسد وحبل النجاة الإسرائيلي

    منار الرشواني

الغد الاردنية

12-2-2013

بحسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية، يوم السبت الماضي، فإن الغارة الإسرائيلية، قبل نحو أسبوعين، على مركز عسكري للبحوث في بلدة جرمايا قرب دمشق (بحسب الرواية السورية الرسمية)، أو على قافلة أسلحة متجهة إلى لبنان (بحسب الرواية الإعلامية الإسرائيلية)، قد لا تكون إلا الغارة الأولى فقط ضمن حملة واسعة في المستقبل، لمنع وصول أسلحة من سورية إلى حزب الله تخل بشكل جوهري بالميزان العسكري بين الحزب وإسرائيل.

ومع اندلاع الثورة السورية، برزت خشية المتظاهرين ثم الثائرين السوريين، ومؤيديهم في العالم العربي، من تدخل إسرائيل التي كانت وحدها قادرة على إنقاذ نظام بشار الأسد؛ وذلك عبر افتعال أزمة مع هذا النظام أو حليفه حزب الله، تؤدي إلى اتهام الثوار بالعمالة كما ردد النظام كثيراً رفضاً لأي إصلاح وتبريراً للحل الأمني والمذابح بحق المدنيين السوريين، أو تؤدي هكذا أزمة إلى تعبئة الشعب السوري مجدداً ضد العدو الخارجي الصهيوني على حساب مطالب التغيير والإصلاح في الداخل. وهو ما حاول النظام فعله تماماً عقب غارة جرمايا.

لكن بعد قرابة سنتين من الثورة السورية، في ظل صمت العالم إزاء تضحياتها أو تواطئه ضدها، فإن التدخل الإسرائيلي الأخير لم يعد يمكن أن ينتج آثاره المأمولة للأسد على النحو المتوقع في فترة بدايات الثورة. على العكس من ذلك تماماً؛ فإن الدخول الإسرائيلي على مسار الأزمة السورية الآن ينطوي فقط على دلالات سلبية بشأن وضع الأسد حالياً، كما مصيره مستقبلاً.

فقبل أيام من الغارة، كانت إسرائيل تعلن صراحة أن المؤتمن الوحيد لديها على الأسلحة السورية، الاستراتيجية منها وغير التقليدية، هو نظام الأسد وحده. وبالتالي، سيكون خطاً أحمر يؤدي تجاوزه إلى تدخل إسرائيلي عسكري، فقدان هذا النظام "المؤتمن" السيطرة على تلك الأسلحة؛ طوعاً بنقلها إلى حزب الله، أو كرهاً باغتنامها من قبل الثوار.

وبناء على ذلك، فإن دخول إسرائيل على خط الثورة/ الأزمة السورية فعلياً، وتهديدها بحملة عسكرية قادمة، يمكن فهمه باعتباره دليلاً على تزايد انهيار نظام الأسد وبلوغه نقطة اللاعودة، بحيث يوشك الثوار على امتلاك قدرات تسليحية تهدد إسرائيل، أو أن الأسد اليائس يريد الانتقام، ولو مستقبلاً، من الإسرائيليين الذين خذلوه مع حلفائهم الغربيين، بنقل السلاح إلى حزب الله.

من ناحية أخرى، فإن عجز نظام الأسد أو يأسه بما يستحث إسرائيل على التدخل، بكل تداعياته الإقليمية، قد يؤدي إلى تحول حليف النظام الأقوى، روسيا، إلى عنصر ضغط عليه. إذ كما يؤكد، في ذات تقرير "واشنطن بوست"، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، أموس يادلين، فإن تزويد موسكو لنظام الأسد بالأسلحة يقوم على تفاهم مع إسرائيل بعدم نقل هذه الأسلحة إلى حزب الله، وربما يكون منطقياً افتراض أن موسكو لا تريد تحمل المسؤولية عن تفجير المنطقة لأجل بشار الأسد.

لكن برغم كل ذلك، فإن نظاماً أثبت، في عهد الأب والابن على السواء، أن المهم هو بقاء الأسرة الحاكمة على حساب كل الوطن، قد لا يبالي مع تلاشي هذا الهدف بتحدي الحلفاء وإحراق الجميع بنيرانه.

manar.rachwani@alghad.jo 

=======================

غاندي السوري أم حصان طروادة؟

راجح الخوري

2013-02-12

النهار

قدم الاخضر الابرهيمي الى احمد معاذ الخطيب نصيحة من كلمتين: "تمسّك بمبادرتك"، وهذا يعني انه دعاه الى "التعلق بحبال الهواء" وإن كان سيهوي سريعاً الى قاع الاوهام المحطمة، لكن ما الفرق بين مبادرة الخطيب التي تنم عن مراهقة سياسية وتحرك الابرهيمي المغرق في الوهم منذ ستة اشهر ونيف، وهو ايضاً نوع من التعلق بحبال الاكاذيب الاميركية - الروسية التي تركته في قاع مهمة مستحيلة ومحطمة؟

لست ادري على ماذا راهن الخطيب عندما قدم مبادرته التي زادت التشظي في صفوف المعارضة، ولا على ماذا يراهن الآن عندما يصل به الوهم الى دعوة النظام الى التفاوض في "الاراضي المحررة في شمال سوريا"، إلا اذا كان يحسب نفسه غاندي الثورة السورية الذي لا يملك في مواجهة العنف المفرط غير النيات السلمية، ولكن اذا كان غاندي قد اضرب عن الطعام فلماذا لا يضرب الخطيب عن الكلام!

كان مثيراً ان نقرأ كلام الخطيب عن ان عدم تجاوب النظام مع مبادرته يمثل "رسالة سلبية"، هكذا بالحرف ولكأن حمامات الدم اليومية في سوريا تسمح ولو نظرياً بالحديث عن سلبيات وايجابيات وخصوصاً انه منذ اطلق مبادرته سقط مئات من القتلى، ولكأنه لم يرصد عدد الضحايا كما رصد "سلبية الرد" ليسجّل نقطة ضد النظام في الداخل والخارج!

ولكن التسجيل ضد النظام بعد عامين من المأساة وسقوط اكثر من ستين الف قتيل، لا يقاس بنقاط السياسة بل بنقاط الدم، فهل يظن "غاندي السوري" فعلاً ان النظام الذي يقصف شعبه ومدنه بالمدافع والقنابل البرميلية يمكن ان تهمه النقاط المسجلة ضده في الخارج، وهل يتصور ان هذا "الخارج" الاميركي والروسي تحديداً اقام للنظام حساباً بالنقاط؟

اذا كان رئيس "الائتلاف السوري" يظن ذلك فعلاً فهذا يعني انه إما واهم يجب ازاحته وخصوصاً بعد دعوته النظام أول من أمس الى التفاوض في المناطق المحررة وإما انه بمثابة حصان طروادة يسعى الاخضر الابرهيمي المتعلق بحبال "الحوار المستحيل" الى انزاله داخل صفوف المعارضة المنقسمة اصلاً، والدليل انه يدعوه الى التمسك بمبادرته، وقت تستعد الهيئة الاستشارية لـ"الائتلاف السوري" المعارض للاجتماع في القاهرة لوضع بنود مبادرة سياسية جديدة يراد منها ان تشكل "حركة تصحيحية" لمبادرة الخطيب!

ما يدور في القاهرة اشبه بحراك مفلسين، فالابرهيمي يبكي على كتفي نبيل العربي الذي يحتاج اصلاً الى مهدئات، وكلاهما غارق في حوار الحائرين مع الخطيب ورياض سيف، والنار تتأجج في تلك الحرب التي سميتها منذ البداية "حرب يا قاتل يا مقتول" التي لن تنتهي غداً. نعم هذا حراك مفلسين. فالروس ينسحبون الى الظل وباراك اوباما يستعيد تصريحه قبل سنة ونصف سنة ليبشر السوريين بأن "الاسد سيرحل عاجلاً أم آجلاً"... فانتظروا!

 

=======================

ما الذي تريد السعودية قوله للعالم؟

د. زهير فهد الحارثي

الرياض

12-2-2013

    لسنا في حاجة الى التذكير بأن الأوضاع المأسوية والإنسانية التي يعيشها أبناء الشعب السوري هي من دفع السعودية لتعلق الجرس وبلغة مباشرة وصارمة واضعة مجلس الامن امام مسؤولياته وتحمل تبعات ما يحدث كونه تقاعس عن القيام بدوره المناط به

من تابع الخطاب الرسمي السعودي في الآونة الاخيرة يلمس أن الدبلوماسية السعودية لديها تحفظ على تعاطي المؤسسة الأممية مع النزاعات الملتهبة، التي يشهدها العالم، ما جعلها تقود حملة ضد اداء مجلس الأمن، بطريقة اقرب إلى الممنهجة منها إلى الارتجالية، وهي محقة في ذلك لاسيما اذا ما علمنا ان الانتقادات التي ساقتها تجاه المجلس تستند الى أدلة وبراهين، وليست مجرد اتهامات وانطباعات شخصية .

على أننا لسنا في حاجة الى التذكير بأن الأوضاع المأسوية والإنسانية التي يعيشها أبناء الشعب السوري هي من دفع السعودية لتعلق الجرس وبلغة مباشرة وصارمة واضعة مجلس الامن امام مسؤولياته وتحمل تبعات ما يحدث كونه تقاعس عن القيام بدوره المناط به.

كانت الكلمة التي ألقاها ولي العهد الامير سلمان بن عبدالعزيز نيابة عن خادم الحرمين في القمة الاسلامية بالقاهرة معبرة بشكل لا لبس فيه ولامست الجرح وأشارت الى تفاقم الوضع هناك بحيث "بلغت تلك الجرائم مستويات لايمكن أن يبرر الصمت عنها"، وتضمنت مطالبة المجتمع الدولي وخاصة مجلس الأمن "بأن يتخذ الإجراءات والقرارات اللازمة لردع هذه الجرائم والعنف عن الشعب السوري".

ولعل اللافت في تلك اللغة الحازمة للأمير عندما قال " ان مجلس الأمن هو الكيان الدولي المعني بتحقيق الأمن والسلم الدوليين، وإذا فشلنا في جعله يهب لنصرة الأمن والسلم الدوليين..، فعلينا أن ندير ظهورنا له وأن نعمل على بناء قدراتنا لحل مشاكلنا بأنفسنا".

الحقيقة ان هذه لم تكن المرة الاولى التي تعلن فيها السعودية موقفها الغاضب ازاء فاعلية دور مجلس الامن فقد سبق لخادم الحرمين الشريفين قبل عام من الان ان طالب بإصلاح الأمم المتحدة، التي تجاوز عمرها الستة عقود، معلنا قلقه، والذي يشاطره معه الكثير من زعماء العالم، حول مستقبل المنظمة العتيقة واهتزاز الثقة بها،لافتا إلى ان العالم لا يحكمه عدة دول بل يُحكم بالعقلانية والإنصاف والأخلاق.

كان من الطبيعي ان تحظى تلك الدعوة بزخم كبير كونها تطالب بإصلاح جذري يعالج الجوهر لا الشكل، ولذلك لم تعد مستغربة حالة الاستياء التي تشعر بها غالبية دول العالم بسبب آلية العمل الإجرائية في المنظومة الأممية، ولعل ابرز مثال على ذلك نظام الفيتو الذي بات يُستخدم كأداة صراع وهو ما يتعارض مع نص صريح في ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص صراحة على "مبدأ المساواة بين الأعضاء"، فضلا عن إشكالية التطبيق وتداخل المصالح وتعطيل القرارات.

على ان السعودية في تقديري لم تعلن رأيها الصريح هذا إلا وأن لديها رؤية لمعالجة الخلل وهذا الفارق بين من ينتقد علنا لمجرد الانتقاد والبحث عن فلاشات وكسب مواقف، وبين من يعلن رأيه بشفافية ومصداقية ولديه حل ناجع للمشكلة.

هنا في تقديري تكمن اهمية المبادرة السعودية التي سعت الى توضيح الاسباب وكيفية المعالجة من خلال خطة قدمتها قبل ايام أمام المؤتمر الوزاري الدولي الثالث في روما فكانت بمثابة خريطة طريق لإصلاحات مجلس الأمن.

زير الدولة للشؤون الخارجية الدكتور نزار مدني في كلمته أمام المؤتمر أوضح رؤية بلاده التي ترتكز على ستة أسس لا تحتاج منا الى مزيد من التفسير كونها جامعة شاملة. اولها "أن أي تغيير في هيكلية مجلس الأمن يجب أن يكون الهدف الأساس منه هو تعزيز دور المجلس في المحافظة على الأمن والسلم الدوليين".

وثانياً "التأكيد على أن أي تغيير في هيكلية مجلس الأمن يجب أن يعكس الواقع الحالي والتطورات والمستجدات.. ويراعى التمثيل الجغرافي العادل والمتوازي للدول الأعضاء" بمعنى ان يشمل كما أعتقد تمثيلا للمجموعات العربية والأفريقية واللاتينية.

كما "إن الأساس الثالث هو أن عملية الإصلاح يجب أن تأخذ في الحسبان ترابط القضايا الأساسية الخمس وهى: فئات العضوية، حق النقض، التمثيل الإقليمي، وحجم المجلس الموسع، وأساليب عمل المجلس". فضلا عن "العلاقة بين مجلس الأمن والجمعية العامة بهدف أن يكون المجلس أكثر تفاعلا مع إرادة الجمعية العامة".

أما الأساس الرابع "فهو التأكيد على أن مهمة مجلس الأمن الأساسية يجب أن تكون منع حدوث نزاعات وصراعات دولية والعمل على تفادي حدوثها، وليس فقط التعامل معها بعد حدوثها"

وبين أن الأساس الخامس هو "تجنب اتخاذ قرارات أحادية الجانب من قبل الدول الأعضاء في المجلس في التعامل مع النزاعات الدولية.. والبعد عن أسلوب الكيل بمكيالين، والمعايير المزدوجة، حفاظا على هيبة الأمم المتحدة، وضمان استمرارية مصداقيتها وفاعليتها".

ثم أشار الى حق النقض "الفيتو" فإذا "كان التوجه هو معالجة الهيكلية فقط دون التعرض للقضايا الموضوعية ومن بينها على سبيل المثال المطالبة بإلغاء حق النقض، فإن الأهم من ذلك كمرحلة أولية هو التأكد من أن حق النقض لا يستعمل بالنسبة لقرارات لاحقة لقرارات سبق أن اتخذها المجلس".

إن الرؤية السعودية هذه تأتي في ظرف سياسي دقيق ومرحلة مأزومة تعيشها المنطقة، ولذلك فهي رسالة سياسية للمجتمع الدولي وبامتياز ولها دلالات بالغة الأهمية على ضرورة التغيير، وأن الزمن قد تغير، حرصا منها على تعافي المنظمة الدولية.

صفوة القول إن انتقاد السعودية لآلية عمل مجلس الامن موقف تؤيده غالبية دول العالم لاسيما وانه جاء مشفوعا بخارطة طريق تدفع المجلس باتجاه أداء واجباته بفاعلية في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين..

=======================

«سوق السُنَّة» وسوريا المُستباحة

تاريخ النشر: الثلاثاء 12 فبراير 2013

د. طيب تيزيني

الاتحاد

من الظواهر التي برزت في سوريا وتشغل الآن حضوراً كثيفاً ومتعاظماً تلك الظاهرة الطريفة الإجرامية، التي أصبحت تعرف بـ «سوق السنَّة». أما هذه الأخيرة فقد راحت في الفترات الأخيرة تُمثّل حالة "اقتصادية" قد تتحول إلى "سوق" تنافس أسواق سوريا المقترنة تاريخياً بنشأة المدن والبلدات، مثل ما يسمى «سوق الحراميّة» في دمشق وقريباً من «ساحة المرجة»، مع فارق أن هذه السوق تعرض للبيع ملبوسات مستعملة رثّة، في حين أن السوق الأخرى (سوق السُنة) تعرض للبيع ما يسرقه وينهبه "الشَّبيحة" من منازل المواطنين.

ويقوم المشهد الذي يجسده أولئك الشبيحة على عدة خطوات، وذلك في أثناء اقتحام منازل ومواقع المواطنين أما هذه الخطوات فهي التالية: اقتحام المكان المعْني، وقتل الرجال إنّ وُجدوا، واغتصاب النساء بعد تخدير أطفالهن الموجودين بصحبتهن، ونهب وسلب كل ما خفّ وغلا. وتأتي الخطوة الأخيرة، التي تتمثل في إحراق المنزل بمنْ فيه.

ذلك المسار الدرامي، الذي يجسّد رؤية إلى الحضارة وموقفاً منها، يُنقل إلى مسرح آخر يمكث في عالم الأسواق، حيث نشاهد المسروقات التي سطا عليها أولئك "الشبيحة" ونقلوها إلى مدينة أو منطقة أخرى تصلح لأن تكون مكاناً لعرضها وبيعها. أما ذلك المسرح الآخر، فهو هذا الذي يلتقي فيه أصحاب تلك المسروقات، على سبيل المصادفة أو نتيجة بحثهم عنها. في هذه الحال، يصمم أولئك المسْروقون على استرجاع ما سُلب منهم، ولكنْ عبْر العلم بضرورة ألاّ يُعرِّف "الزبون" بنفسه بأنه المالك الأصلي لتلك المسروقات، وكذلك بضرورة عدم ذكر كمية المبالغ التي دفعها ثمناً لممتلكاته المنهوبة.

في ذلك الوضع، يلاحظ المرء مواقف طريفة إجرامية. ومثل ذلك أن المالك الأصلي يدفع ثمناً لشيء من المسروقات التي "كانت له" من قبل، قد لا يصل إلى خمس بالمائة من ثمنه الحقيقي، ويكتشف هذا المالك القديم أن "المالك الجديد" لا يمتلك معرفة في هذا المجال. فينزل ثمن حاجة يصل سعرها الأصلي إلى نصف أو ربع مليون ليرة مثلاً، إلى عشرة آلاف من الليرات، مما تشي بصحة الفكرة الشهيرة، وهي أن حاجة سلعية ما تفقد جلّ سعرها الأصلي، إذا عرضها للبيع بائع ينتمي إلى حقل اقتصادي حضاري لا ينتمي إلى حاضنها الاقتصادي الحضاري المنتج لها، إضافة إلى أن سارق الحاجة من ذلك النمط، يفرّط بها بسهولة لأنه لم يعش تجربة إنتاجها وتطويرها إلخ.

إن أحداث سوريا منذ قريب العامين تفضي الآن إلى ما يقترب من تفكيك بنياتها الاقتصادية والمجتمعية، إضافة إلى تهشيم منظومة القيم المتحدرة خصوصاً منذ المرحلة الأولى لما بعد استقلال سوريا عن الاستعمار الفرنسي عام 1946.

وإذا أعلن بعض الباحثين الاقتصاديين مؤخراً أن إعادة إعمار سوريا تكلف مبلغاً يصل إلى 350 ملياراً من الدولارات الأميركية، فإنهم لم يضعوا أيديهم على التكلفة الهائلة المطلوبة لذلك الإعمار فحسب، وإنما هم نبهونا إلى فكرة في غاية الحكمة والمأساوية، تلك هي: إن من يعمل على تدمير البنيات الأساسية في سوريا، لا يحق له أن يرى سوريا وطناً حبيباً له.

=======================

حوار الأديان.. يتحول في سوريا إلى حوار طرشان

أياد ابو شقرا

الشرق الاوسط

12-2-2013

تابعت صباح أول من أمس باهتمام الكلمات التي ألقيت خلال حفل تنصيب البطريرك يوحنا العاشر اليازجي، البطريرك الجديد لأنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، وخرجت من المتابعة السمعية، وأيضا مشاهدة بعض أبرز الحاضرين في الصفوف الأمامية، بكثير من التشاؤم حيال مستقبل المشرق العربي أولا، وحوار الأديان ثانيا.

بالنسبة للكلمات التي ألقيت، لا بد لي من الإقرار بأنها في معظمها جاءت إيجابية وتتفهم المناخ العام المحيط بسوريا والمنطقة، غير أن كلمتين اثنتين لفتتا انتباهي؛ الأولى بسبب ما أغفلته، والثانية بسبب ما تضمنته.

كلمة الفاتيكان التي شدّدت على وحدة المسيحيين وعلى تأكيد البابا بنديكتوس السادس عشر - قبل يوم من استقالته - في رسالته لليازجي على «معنى وأهمية الوجود المسيحي في الشرق وأهمية العمل على عودة المسيحية في الشرق».. لم تتطرق إلى أمر تعايشهم مع المسلمين. وهذا في منطقة من العالم يشكل المسلمون فيها نسبة تزيد على 90% من سكانها، وتعيش راهنا ما يسمى «صحوة» إسلامية. وكان من أبرز المؤشرات على ذلك وجود سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية لدى سوريا في الصف الأول من الحضور على بعد أمتار قليلة من السفير البابوي.

أما كلمة البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي فكانت، كعادة قائلها، صريحة ومباشرة في توجّهها السياسي؛ إذ قال الراعي: «كل ما يُقال ويطلب من أجل ما يسمى إصلاحات وحقوق إنسان وديمقراطيات.. هذه كلها لا تساوي دم إنسان واحد بريء يراق». ومع أن أحدا لا يجادل في هذا، فإن الإشكالية تكمن في تحميل البطريرك المسؤولية في إراقة الدم للمنادين بالإصلاحات وحقوق الإنسان والديمقراطية.. وليس للمتشبثين بكرسي الحكم بعد أربعة عقود من الزمن، وحتما ليس للدولة البوليسية التي بنوها وأهلهم من قبلهم، والتي في كنفها ترعرع اليأس وتحت أنظارها وأسماعها - وربما بجهودها أيضا - نما التطرف الطائفي.

في أي وضع آخر كان بإمكان المراقب الطامح إلى تعايش إنساني حقيقي بين الأديان والطوائف والمذاهب والأعراق، يظلله التسامح ويقوم على احترام الاختلاف، السكوت عما سبقت الإشارة إليه. كان مقبولا تفهم المناسبة، فهي كنسية دينية أولا وأخيرا.. ولا حاجة، بالتالي، لتحويلها إلى منبر للطرح السياسي، لكن وضع سوريا اليوم بعيد عن أن يكون طبيعيا، ومثله حال المنطقة.

نحن اليوم بصدد «إسلام سياسي» تتنازعه مشاعر المرارة والغضب.. إلى جانب مظاهر العنفوان والطمع. في تونس وكذلك في مصر ينبغي الإقرار بأن الصورة التي تعرضها بعض الفصائل الإسلامية بعدما بلغت السلطة صورة مقلقة ليس للأقليات فحسب؛ بل هي مقلقة أيضا لمستقبل التنمية والاستثمار في جيل الشباب والانفتاح على العالم.

إن الانكفاء والتراجع كارثة على المسلمين قبل غيرهم، وللخائفين من التشدّد الإسلامي - السني تحديدا - في ظل سعي البعض إلى الاستئثار بالسلطة وإقصاء الآخرين.. أقول ليست الأقليات الدينية والطائفية وحدها تخاف هذا التشدد؛ بل إن الخوف يشعر به ملايين المسلمين مثلهم مثل غيرهم. ولا أدل على ذلك من المظاهرات التي شهدتها وتشهدها شوارع المدن المصرية والتونسية.

وبناءً عليه، أعتقد أن على الحكماء في الدول حيث تشكل الأقليات الدينية والطائفية والعرقية نسبا لا بأس بها من سكانها، كحال مصر وسوريا ولبنان والأردن والعراق، السعي إلى تشجيع تيار الاعتدال والانفتاح داخل الأغلبية المسلمة - السنية بالذات - بدلا من بناء تحالفات ضدها. من مصلحة الأقليات إيجاد القواسم المشتركة مع الأغلبيات السنية، لا التآمر... والاستقواء على شركاء الوطن بقوى الخارج.

ما هو مؤلم اليوم أن الخطر المُحدق بالتعايش بين المكونات الدينية والطائفية في دول مثل لبنان وسوريا والعراق، غدا أكبر من مجرد جموح ضابط متقاعد يحلم بالرئاسة وهو على أعتاب الثمانين، أو رجل إكليروس يمضي جل وقته في ممارسة السياسة، أو مافيا طائفية دموية تحاضر صباحَ مساء بالتقدمية والعلمانية والممانعة والثورية، أو نظام مذهبي حتى النخاع نصبه احتلال أجنبي غربي وتبقيه في السلطة تبعية أجنبية شرقية. بل ما هو مؤلم أكثر وجود أكذوبة كبرى.. أكذوبة «حماية» المنطقة من نوع واحد من أنواع التطرف الديني، مع الاستغلال الفعلي لظاهرة التطرف على الرغم من العلم المسبق بأن التطرف يولد دائما تطرفا مضادا.

ثمة مقولة بريطانية شهيرة هي: «الأفعال أعلى صوتا من الكلمات»، وهي تصدق تماما على إعلان إسرائيل أخيرا عن تحضيرها لبناء جدار وإنشاء منطقة عازلة في هضبة الجولان السورية المحتلة «تحسبا لسقوط النظام في دمشق».

لنتأمل أولا السبب الذي جعل إسرائيل تتخوف من جبهة الجولان لأول مرة منذ 1973.. أي 40 سنة. فطوال 40 سنة كان الاحتلال الإسرائيلي مطمئنا إلى أمن مستوطناته في الجولان، ولكن فجأة عندما هددت الانتفاضة الشعبية بقاء نظام «الممانعة والصمود والتصدي» انشغل بال بنيامين نتنياهو ومن لفَّ لفَّه.

تصوروا ذلك الأمر العجيب.. نحن إزاء خشية إسرائيلية معلنة وذات مفاعيل عملية من انتفاضة شعبية يريد النظام السوري إقناعنا بأنها تخريبية وإرهابية «تنفذ أجندات العدو» بأموال موالية للغرب «الداعم طبعا لإسرائيل»... بهدف «إسقاط أعداء إسرائيل»!

وهنا نصل إلى مَن يظهران لنا عدوين لدودين يسحب كل منهما منطقة الشرق الأوسط باتجاهه، والقصد هنا إسرائيل وإيران.

موسميا، هناك ابتزاز إسرائيلي حتى لواشنطن بشن ضربة استباقية منفردة للمرافق النووية الإيرانية، ثم على مستوى آخر، يقصف الطيران الإسرائيلي قرب الحدود السورية - الإسرائيلية ما قيل إنها قوافل تحمل شحنات أسلحة لـ«حزب الله». وفي المقابل، لا دليل على تخفيف طهران لهجتها تجاه تل أبيب؛ لا عمليا على صعيد التسلح وتحرير فلسطين، ولا لفظيا على صعيد إنكار «المحرقة النازية».. بل العكس صحيح.

مع كل هذا، لا تبدو تل أبيب متحمسة لتغيير نظام تقول إنه جزء من استراتيجية طهران في المنطقة، بل هي قلقة من سقوطه. ومن تل أبيب امتدت عدوى «القلق» إلى البيت الأبيض؛ حيث رفض الرئيس الأميركي باراك أوباما طلبات بعض كبار معاونيه بتزويد المعارضة السورية بالسلاح بحجة أن «تسليح المعارضة السورية يشكل خطرا على إسرائيل»!

حقيقة أخرى، ولو على مستوى أدنى بكثير، تؤشر لتلاقي المصالح بين طهران من جانب؛ وتل أبيب ومعها بعض القوى والمرجعيات الغربية من جانب ثانٍ، وتتمثل في تحالف تيار ميشال عون و«حزب الله» في لبنان.

«حزب الله» تنظيم ديني يتبع علنا الولي الفقيه، والتيار العوني تيار مسيحي جدا دأبه تخويف الشارع المسيحي من التطرف الإسلامي. ألا يرى الجنرال عون يا ترى أن «حزب الله» حزب إسلامي؟ أو أن قيادات الحزب متدينة؟ أو أن الشيعة مسلمون؟

ثم ألا يشعر «حزب الله» بنبرة التحريض «العونية» على المسلمين السنة؟ ألا يجد أن التحريض على السنة أوجد قيادات سنية أكثر تطرفا من أخصام عون و«الحزب» في الشارع السني.. أم إن هذا هو القصد بالذات، أولا لشق صفوف السنة، وثانيا لتسهيل مهمة رمي السنة بتهمة التطرف؟

ما يحدث اليوم في جبهات سوريا؛ في مدنها وقراها، وما يحدث في مناطق عدة من لبنان بينها بلدة عرسال المحاصَرة، ومواقف بعض القيادات المسيحية في المنطقة العربية وخارجها من علاقة المسيحيين بالإسلام والمسلمين، يدعو للتشاؤم، وأيضا يدعو للتفكير بعمق أكبر حول ما إذا كان ثمة عداء حقيقي أم تقاطع مصالح بين مؤسستي السلطة في إيران وإسرائيل.

=======================

الميليشيا الإيرانية في سوريا!

طارق الحميد

الشرق الاوسط

12-2-2013

حسنا، القصة هنا ليست للاستعراض، وإنما للتأكيد أن واشنطن تضيع الوقت والفرص في الملف السوري، والنتيجة هي مزيد من القتلى السوريين، وتمكين طهران من تعزيز وجودها في سوريا استعدادا لمرحلة ما بعد الأسد، لكن لماذا نقول إن القصة ليست استعراضا؟

في 17 سبتمبر (أيلول) 2012 كتبت بعنوان «والآن.. إيران ما بعد الأسد» ما كان مستهله: «سبق أن كتبت في أغسطس (آب) الماضي هنا (فكروا في إيران ما بعد الأسد)، وأعود اليوم لأكتب عن إيران ما بعد الأسد مرة أخرى، لأن الأوضاع على الأرض في سوريا باتت تتحرك بسرعة مذهلة، ونظرا لتأكيدات سمعتها من ثلاثة مصادر عربية وأوروبية عن تخطيط إيران لما بعد الأسد..). وكان ملخص المقال أن الاستراتيجية الإيرانية التي يخدمها حزب الله تقوم على ثلاثة عناصر؛ الدفاع عن الأسد، وفي حال الفشل سيكون السعي لتكوين دويلة علوية ملتصقة بالحدود مع حزب الله، وفي حال فشل هذا الخيار أيضا، فإن إيران وحلفاءها سيسعون لضمان عدم قيام نظام قوي في سوريا، وذلك من خلال زرع الفوضى. كان هذا ملخص المقال.

وأمس فقط نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية قصة أوردت المعلومات نفسها، ونسبتها لمصادر رسمية بالمنطقة، وتأكيدات من رسميين أميركيين. وتقول القصة إن طهران تعمل على تكوين ميليشيا إيرانية في سوريا عدد مقاتليها قرابة خمسين ألفا؛ ومن ضمنهم عناصر من حزب الله، يقاتلون دفاعا عن الأسد، وهدفهم الرئيسي أن يكون لإيران موطئ قدم في سوريا ما بعد الأسد! والأمر لا يقف عند هذا الحد، فالصحيفة تقول إن إيران أشرفت أيضا على إعادة تكوين الشبيحة تحت تنظيم وصفته الصحيفة بحسب مصادرها على أنه أشبه بـ«الباسيج» الإيراني، وهو ما أفردنا له مقالا كاملا بتاريخ 20 يناير (كانون الثاني) الماضي، وبعنوان «الباسيج الأسدي»!

وعليه، فإن ملخص القول هو أن ما أوردته «واشنطن بوست» ليس بالجديد، فقد سبق أن كتبناه، ولم يكن ذلك رجما بالغيب، بل بناء على معلومات من مصادر تحدثت مع الإدارة الأميركية وزودتها بما هو أكثر، مما يعني أن حيرة واشنطن غير مبررة، بل إن السؤال هو: لماذا تمنح واشنطن طهران الفرصة تلو الأخرى لتصعب ليس فقط سقوط الطاغية؛ بل مرحلة ما بعد الأسد، خصوصا أن الصحيفة تقول إن إيران قادرة على الاستفادة من الفوضى، وهو ما فعلته في أفغانستان، والعراق، ولبنان، والآن طبعا في سوريا؟

فمحير أن واشنطن تمتنع عن تسليح الثوار، أو التحرك الدبلوماسي الجاد، بينما تقوم إيران بإرسال الرجال والسلاح استعدادا لمرحلة ما بعد الأسد! فهل واشنطن مستوعبة أن ما ستفعله إيران في سوريا سيكون على غرار ما فعلته في لبنان عندما زرعت حزب الله، وستحصل إيران على الشرعية بالطبع من خلال فتح جبهة الجولان، ولعب لعبة المقاومة والممانعة الكذابة، مما يعني جر المنطقة كلها إلى حروب مهلكة سيكون فيها أيضا البعد الطائفي، فهل تستوعب واشنطن معنى ذلك، وما سيترتب عليه؟

========================

الحل السياسي أزمة معارضة أم موقف دولي?

غسان المفلح*

السياسة 11/2/2013

لا نحتاج لجهد كبير بعد مضي عامين على انطلاق الثورة السورية, لكي نكتشف حجم القوى التي ساهمت وتساهم في ترحيل قضية الشعب السوري, من حقل الثورة إلى حقل الأزمة, والفارق واضح بالطبع, بين الثورة من قبل شعب على نظام شكل على مدار اربعة عقود من الحكم المافيوزي الطائفي, عقبة في وجه حرية الشعب السوري وكرامته وعيشه كباقي شعوب الارض في ظل دولة ديمقراطية, وبين الازمة التي تعني فيما تعنيه أنها نتيجة نهائية لتراكم مجموعة من التأثيرات أو حدث مفاجئ يؤثر على المقومات الرئيسية لنظام ما او بلد ما, ويشكل تهديدا صريحا واضحا لبقاء هذا النظام أو البلد, وبالتالي ما يحدث يشبه كارثة بيئية او حربا خارجية وترفع المسؤولية القانونية والسياسية والاخلاقية عن نظام العصابة الأسدية, وتتساوى فيها الرؤوس, حيث مسؤولية الشعب تصبح كمسؤولية العصابة الأسدية. ترافق هذا الجهد مع جهد آخر وبنفس المقلب, وهو اخراج مقتضيات ما يحدث بكونه ثورة شعب, ليصبح الحديث عن مقتضيات حرب أهلية, وما تعنيه من بقاء العصابة الأسدية كجزء من امكانية أي حل سياسي, هذا الجهد لعبت عليه روسيا وإسرائيل منذ لحظة انطلاق الثورة: من يراجع الاعلام الاسرائيلي وتصريحات مسؤولي الحكومة الاسرائيلية, يجد أن الجهد منصب على بقاء العصابة الأسدية جزء من الحل والمستقبل السوري, آخر تصريحات ميديفيدف رئيس وزراء روسيا يحرض العالم ضد الثورة بقوله" على العالم أن يمنع وصول السنة إلى الحكم" والتصريحات المتعاقبة لحكومة إسرائيل حول قضية الارهاب وخطره وقضية السلاح الكيماوي بأنها يجب أن تبقى محصورة بيد العصابة الأسدية, بالنسبة لإسرائيل العصابة الأسدية جزء من نظام اقليمي شاركت إسرائيل بتأسيسه منذ نهاية حرب اكتوبر 1974 وما سمي حينها باتفاقيات الفصل, وهذا النظام الاقليمي يتيح للدولة العبرية أن تكون اللاعب الرئيسي القادر على التهرب من مسؤولية السلام, ومتطلبات حل القضية الفلسطينية حلا عادلا وشاملا..لا يوجد في تصريحات أي مسؤول إسرائيلي عن الثورة السورية يعترف فيها بحق الشعب السوري بقيام نظام ديمقراطي في سورية. مرة أخرى نؤكد أن إسرائيل ليست فقط تلك الدولة الموجودة في الشرق الاوسط, إسرائيل جملة معقدة من المصالح, تخترق دول ما يسمى العالم الحر وعلى رأسها أميركا, ليس على طريقة المؤامرة بل بشكل واضح وعلني ومعروف, حيث نجد أن أي مركز قوة ليس بالضرورة أن يكون يهوديا لكي يدافع عن الوضعية الاسرائيلية في الشرق الاوسط, بالتالي عندما نقول إسرائيل فإننا نقصد تلك الكتلة من المصالح الدولية والمحلية في كل بلد غربي. هذه الكتلة كانت منذ بدء الثورة ضد التدخل الدولي لحماية المدنيين وضد دعم الثورة السورية دعما يشير إلى كونها ثورة شعب ضد نظام فاش, وعندما فاجأتهم الثورة السورية كما فاجأت المعارضة السورية, راحوا يتبعون ستراتيجية مفتوحة على خيارات الأسوأ, خيار الصوملة, وتدمير البلد, افراغ المعارضة من حضورها السيادي كبديل عن العصابة الأسدية, تفخيخ الثورة بتنظيمات مصنوعة استخباراتيا, تفخيخ الاعلام الغربي بالحديث عن حرب اهلية..الخ والمعزوفات مثل الارهاب والبديل غير الموجود, والمعارضة المتشرذمة, وحقوق الاقليات, علما أن العالم الغربي الذي لا يريد دعم الثورة بالسلاح, لأن فيها تنظيمات اسلامية, لم يقم بدعم ملموس للتيارات العلمانية والليبرالية في الثورة. ولهذا حاولوا اغلاق الدائرة على حركية الثورة, من أجل تحويلها لأزمة..وهذا ما ساعدت فيه المعارضة وشلة من محازبيها وشخصياتها التي لم تعرف أن تدير مصالح الثورة خدمة لها ولاهدافها, وابتلعت طعم الحل السياسي بالتدريج, وفي الغرف المظلمة, ومنها المفتوحة في فنادق الدعم. عندما أعطت غطاء ما كانت الدول الغربية وروسيا وإسرائيل تحلم به, بحذفها من أجندة عملها الاصرار على تدخل الامم المتحدة والمجتمع الدولي من أجل حماية المدنيين, بل راحت تلك الشخصيات والمعارضة تستلهم اللعبة ومقتضايات تحولها لأزمة سياسية, تحتاج لحل سياسي, وكأننا أمام ازمة تشبه الازمات التي يتعرض لها بشكل شبه دوري المستوى السياسي الاسرائيلي حيث نادرا ما تكمل حكومة منتخبة مدة انتخابها اربع سنوات, وتحل بالانتخابات عبر مساومات في الكنيست الاسرائيلي, بهذا استطاع الموقف الدولي ان يوصلنا بفضل تلك المعارضة, لاستمراء الحديث عن حل سياسي, العصابة الأسدية جزء منه..كان على المعارضة أن تعمل من أجل توريط القوى الدولية بما تعتبره تلك الدول ازمة وليست ثورة, عبر الرفض الايجابي للحديث عن حلول سياسية, والرفض الايجابي يقتضي أن تطرح قوى المعارضة برنامجا للحل في رأس اولوياته الاصرار على طلب التدخل الدولي, طالما أن تلك الدول تريد كما تدعي حلا سياسيا, لماذا لا تفرضه! عبر قرار من مجلس الامن? تمييع الثورة وتدمير البلد وتفريغ اهداف الثورة, عبر تشتيت المستوى السيادي التمثيلي للثورة سياسيا وقانونيا. الثورة قامت ضد عائلة الأسد تحديدا لكونها مافيا طائفية حكمت البلد ودمرته ولم تقم ضد نظام لأن الشعب السوري كله يعرف أن من يحكم البلد ليس نظاما, بغض النظر عمن تلطخت ايديهم أم لم تتلطخ بدماء شعبنا. لم تسأل المعارضة نفسها سؤالا بسيطا وهو" لماذا تصر روسيا وإسرائيل بكل ثقلها على استمرار تلك العائلة, ومن دون حتى المساعدة باستبدالها من رجالات النظام نفسه لكي تساعد في حل الازمة? طالما أنهم يقولون أنه نظام, والحل السياسي إذا مطروح لإفراغ الثورة من مخزونها التغييري للوحة النظام الاقليمي من جهة ولسورية من جهة أخرى, المعارضة ساعدتهم في ذلك, ما يسمى المجتمع الدولي لم يرفع الغطاء القانوني عن العصابة الأسدية والسبب لأن إسرائيل تريد استمرار هذا الغطاء القانوني لهذه العصابة لتدمير البلد من دون محاسبة, في حال فشلت الثورة!

هنالك فارق بين أن تؤيد الحل السياسي- وأظن أن لا أحد ضد الحل السياسي- وبين أنه لا يوجد حل سياسي إلا بالتفاوض مع العصابة الأسدية- يعني استمرارها كجزء من المستقبل السوري- أليس هذا ايضا حلا عسكريا, وليس سياسيا لأن من فرضه فقط الحل العسكري المجرم الذي اتخذته العصابة منذ اول يوم للثورة?

* كاتب سوري

ghassanmussa@gmail.com

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ