ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 24/02/2013


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

23-02-2013

نعم سورية انهارت ومن له رأي آخر فليطرحه

عبد الباري عطوان

2013-02-22

القدس العربي

اعتبر السيد الاخضر الابراهيمي المبعوث الدولي والعربي التفجيرات التي هزت العاصمة السورية يوم امس الاول، وادت الى سقوط مئة شهيد ومئات الجرحى 'جريمة حرب'، وطالب بتحقيق دولي مستقل، ونسي السيد الابراهيمي، الذي ينحت مسميات بين الحين والآخر لإضفاء جاذبية صحافية على تصريحاته، ان مجلس الامن الدولي الذي مدد مهمته الفاشلة لستة اشهر اخرى عجز عن اصدار بيان يدين هذه التفجيرات بسبب موقف امريكي معارض لهذه الإدانة.

التفجيرات جريمة حرب ايا كانت الجهة التي تقف خلفها، لان الضحايا ابرياء لا ذنب لهم، يكدحون من اجل توفير لقمة العيش لاطفالهم، ويتوقعون الموت في اي لحظة، سواء بقذائف النظام، او بالسيارات المفخخة التي تستهدف مقراته السياسية او الامنية.

لنكن صرحاء ونقولها بكل الم: لا توجد بارقة امل للخروج من هذا المأزق الدموي، فبعد استشهاد تسعين الف شخص ادركت الاطراف المتورطة ان الحسم العسكري بات مستحيلا، وبدأت 'تدعي' البحث عن حل سياسي من خلال حوار برعاية الاطراف الدولية.

لا نعرف كم الف شهيد سيسقط حتى تسلم الاطراف نفسها بأن الحل السياسي نفسه بات مستحيلا ايضا، وان كل حديث عنه هو للاستهلاك الاعلامي، بينما تستمر آلة القتل والدمار بدوران اسرع في هذا البلد المنكوب. فكلا الطرفين السلطة والمعارضة يخدع نفسه والآخرين، من خلال فرض شروط تعجيزية لا يمكن ان يقبل بها الطرف الآخر.

' ' '

الرئيس بشار الاسد قال لوفد اردني زاره انه باق في السلطة ولن يتنحى، وسيخوض الانتخابات الرئاسية القادمة في العام المقبل، وفي المقابل قال بيان صادر عن الائتلاف السوري المعارض ان اي حوار مع النظام يجب ان يكون مشروطا برحيل الاسد والمجموعة المحيطة به. فعن اي حل سياسي يتحدثون؟

تفجيرات امس الاول هي العنوان الابرز للمرحلة المقبلة، فإذا كانت هذه التفجيرات ومثيلاتها استمرت في العراق عشر سنوات، فكم ستستمر في سورية خاصة ان مكونات الأزمة متشابهة، ان لم تكن متطابقة في البلدين.

مجلة 'الايكونوميست' البريطانية العريقة جاءت تنبؤاتها بموت سورية كدولة متأخرة جدا، فعملية التدمير المادي والبشري بدأت قبل اشهر، وهي مستمرة، وعلى ايدي ابناء البلد نفسه (مسؤولية النظام اكبر بكثير)، وبتشجيع من قوى خارجية وعربية تريد تفتيت المنطقة بأسرها.

الادارة الامريكية التي قادت الحملة الدبلوماسية لإسقاط النظام تنحّت جانبا، وتراجعت عن كل وعودها وجهودها، لانها لا تريد التضحية بجندي امريكي واحد، او التورط في حرب لا تعرف كيف تخرج منها، او ضمان الانتصار فيها، لكن ضغوطا مكثفة تمارس عليها حاليا لتغيير هذا الموقف، وتقديم اسلحة حديثة ونوعية لفصائل المعارضة المسلحة.

الرئيس اوباما يقاوم هذه الضغوط لسببين: الاول انه انتخب لولاية ثانية من اجل اصلاح البيت الداخلي الامريكي، ولهذا اختار وزيري خارجية ودفاع معارضين للحرب، والثاني لانه يدرك جيدا ان النظام السوري قد لا ينتصر في هذه الحرب ولكنه لن يسقط قريبا او ايامه معدودة مثلما كان يردد في ولايته الاولى.

العدو الأبرز لامريكا ليس نظام الاسد، وانما الجماعات الاسلامية الجهادية، وجبهة النصرة على وجه الخصوص، وهي جماعات تشكل اربعة اخماس المعارضة المسلحة، حسب تقديرات امريكية، هذه الجماعات تريد اطاحة النظام واقامة دولة اسلامية على انقاضه. اوباما لا يريد تكرار سيناريو ليبيا وافرازاته في مالي في الساحل الافريقي، لانه يخشى على اسرائيل اكثر من خشيته على الشعب السوري. وهذا ما يفسر قلقه الدائم على الاسلحة الكيماوية السورية وخشيته من وقوعها في ايدي الجماعات الاسلامية او حزب الله في لبنان.

السيناريو الأخطر ليس تحوّل سورية الى دولة فاشلة مثل ليبيا، سواء ببقاء النظام او زواله، وانما امتداد لهيب الحرب الحالية الى دول الجوار،لبنان والاردن والعراق على وجه الخصوص، وهناك دلائل تؤكد هذا الامتداد الى لبنان باعتباره الحلقة الأضعف.

الجيش السوري الحر هاجم قواعد لحزب الله في القرى اللبنانية المختلطة المحاذية للحدود، كردّ على مساندة الحزب ومناصريه لقوات الرئيس السوري في حربه ضد المعارضة، وهذا التطور، اذا ما توسع، سيشعل فتيل حرب اهلية في لبنان اولا، ثم المنطقة بأسرها.

الحرب الاهلية الطائفية اذا ما امتدت ستحرق المنطقة بأسرها، بما في ذلك تركيا وايران ودول الخليج نفسها التي وضعت كل بيضها في سلة الثورة السورية، واعتقدت ان انتصارها سيتم في غضون اسابيع او اشهر، وهو ما لم يحدث بعد سنتين من اندلاعها.

الصورة مأساوية من اي زاوية نظر اليها المراقب، فالولايات المتحدة تريد من المعارضة السورية المسلحة ان تشكل قوات صحوات على غرار العراق، لمحاربة الجماعات الجهادية قبل محاربة النظام او الاثنين معا، كشرط لتسليحها، وهذا يعني اشعال اكثر من حرب على الارض السورية اولا، ثم حرب اقليمية طائفية ثانيا.

' ' '

المنطقة العربية، وجوارها الاسلامي، مقبلان على مرحلة من الفوضى والحروب الدموية، بسبب التحريض الطائفي وكراهية الآخر، والدعوات الى الثأر والانتقام، في ظل نسيان كامل ومتعمد للتنمية والازدهار الاقتصادي، والمساواة والعدالة والقضاء المستقل التي انطلقت من اجلها ثورات التغيير الديمقراطي في المنطقة.

اسرائيل.. لا احد يتحدث عن اسرائيل هذه الايام، هذا تخريف وجهل وعودة الى الماضي، وجاهلية الستينات، المعيار الطائفي هو الذي يحدد العدو من الصديق.

نحن لا نتحدث هنا عن المسؤول، ولا نتبادل اللوم، قلناها مئة مرة ان النظام يتحمل المسؤولية، ولكننا نتحدث الآن عن مستقبل بلد، عن مستقبل منطقة، عن مصير امة.

مستقبل الدمار والدم هو الوحيد الماثل امامنا، وكلنا مسؤولون عن استمراره، ونتحدى ان يقدم لنا اي احد سيناريو آخر اقل تشاؤما، ولا نقول اكثر تفاؤلا.

=====================

ملحمة انتظار المجهول في الثورة السورية

عبد عرابي

2013-02-22

القدس العربي

صحيح أنّ الانتظار صعب ومؤلم ولكن ما يخفف من وطأته أنّ أجمل الأشيـاء هي تلك التي يطول انتظارها.

انتظار الشيء يعني المكث والتربص ترقباً لحضوره أو وقوعه، سواء كان خيراً أو شراً، وعليه فإن حالة الإنسان النفسية تختلف في حالة الانتظار بحسب نوع الأمر الذي ينتظره، فإذا كان ما ينتظره خيراً تمنى أن تختزل الساعات والأيام لتصير دقائق وثواني، وإن كان ما ينتظره شراً تمنى أن يتوقف الزمن وتنتهي الأيام، وأشدّ حالات الانتظار قسوة عندما يكون المنتظَر مجهولاً.

لاشكّ أنّ الشعب السوري حين قام بثورته لم يكن يتوقع أن يسقط نظام الطغيان والاستبداد في وقت قصير، لمعرفته التامّة والجازمة بمدى تجذّره وتمدده في كافّة مؤسسات الدولة وخصوصاً مؤسستي الجيش والأمن وما يتبعهما، وما يتعّلق بهما من مؤسسات اقتصادية واجتماعية وسياسية و....

توقّع السوريون أن يكون مخاض ثورتهم أطول وأكثر إيلاماً عندما كانوا يتابعون انتصار أكثر ثورات الربيع العربي الأخرى في وقت قصير، وبتكاليف قليلة بالنسبة لثورة على أنظمة مكثت عشرات السنين، فمنّوا أنفسهم بنجاح ثورتهم سيراً على درب باقي الثورات وتيمناً بها، ولكن الله أراد أمراً آخر، فجرت الرياح بما لا تشتهي سفن الثورة السورية - بغض النظر عن أسباب ذلك محلياً وإقليمياً ودولياً - و طال انتظار تحقق هذه الأمنية الجميلة، وفاقت تكلفتها كلّ التوقعات من دماء السوريين وأعراضهم وبيوتهم و...

بدأت ملحمة انتظار المجهول في الثورة السورية، وتفوقت في جزئياتها على عبثية ردّة فــــعل النظــام الهمجية في تعامله مع أحداث الثورة، ليدفع أهلها إلى اليأس والقنوط و وقطع الأمل في احتمال انتصار ثورتهم ونجاحها، أراد النظام بهذه الوحشية المرعبة أن يقول للسوريين: لا تنتظروا سقوطي، فلن يحصل ذلك إلا في أحلامكم، حتى قال أحد مؤيديه (من المحللين السياسيين): لن يسقط النظام ولو أشرقت الشمس من المغرب. ومع ذلك لم يكفر السوريون بثورتهم، ولم يكفّوا عن انتظار انتصارها و نجاحها القريب كما يأملون.

يعيش السوريون ملحمة الانتظار في جميع جزئيات حياتهم كنتيجة طبيعية لأحداث الثورة وانعكاساتها، فهم ينتظرون ساعات طويلة للحصول على قليل من الخبز، وينتظرون مثل تلك الساعات للحصول على عبوة غاز، وينتظرون مثلها للحصول على قليل من الوقود اللازم للتدفئة، وينتظرون مثل تلك الساعات عودة المياه الصالحة للشرب ليبدأ سباق مع الزمن لملء أكبر قدر ممكن من الأواني والبراميل، وينتظرون مثلها عودة التيار الكهربائي الذي يمر عليهم مرور مسافر يتعجّل الوصول إلى مقصده، وينتظرون أكثر منها في تنقّلهم عند حواجز التفتيش وما أكثرها فيما تبقى من مدن بيد النظام.

الأمّ تنتظر ولدها والزوجة تنتظر زوجها وهما في حالة قلق و اضطراب إذا خرجا من البيت ولو لفترة وجيزة، فهما تتوقعان ألا يعود من يخرج من بيته، و قصص اختفاء النّاس حديث كلّ يوم، فقد يخطف المرء طلباً للفدية، ولو لم يملكها أهله، وقد انتشرت العصابات المتخصصة في ذلك من المجرمين الذين أطلق سراحهم و فتحت لهم أبواب السجون عند بدء الثورة، أو ربّما يعتقل المرء ولا يعرف في أي فرع يحتجز، لتبدأ رحلة انتظار جديدة للبحث والابتزاز الذي لا ينتهي.

ينتظر الناشطون والإعلاميون والسياسيون المعارضون الاعتقال في أي لحظة، وخصوصاً عند اعتقال شخص ما كان يعمل معهم، فهم يعرفون أنّ لا أحد يستطيع أن يصمد - إلا نادراً جداً - أمام الأساليب الوحشية التي تستخدمها فروع الأمن في انتزاع المعلومات والأسماء، ومن ثمّ ينتظر أهل المعتقل في كثير من الحالات من يأتي ليخبرهم أنّ جثة قريبهم الذي اعتقل منذ فترة موجودة في المشفى العسكري أو قرب الحاجز الفلاني أو مرمية في المكان الفلاني...

ينتظر السوريون الآمنون في المناطق التي يسيطر عليه الثوار في أي لحظة قذيفة دبابة أو راجمة صواريخ أو طائرة أو صاروخ بعيد المدى ليجعل بيوتهم أثراً بعد عين، ويدفنهم مع أولادهم ومتاعهم وأموالهم تحت الأنقاض، أو يفاجؤون بصاروخ يحول العشرات إلى أشلاء تختلط بالخبز الذي كانوا ينتظرون الساعات الطويلة للحصول عليه، أو وهم ينتظرون استلام معونة غذائية أو دوائية- على ندرتها.

ينتظر السوريون الذين يحاصرهم جيش النظام والمليشيا الطائفية المؤيدة له في حمص من يفك الحصار عنهم من المؤسسات والهيئات الإنسانية الدولية والإقليمية منذ أشهر طويلة وقد أطلقوا مئات وآلاف النداءات اليومية وهم يستنجدون ويستغيثون وقد وصولوا إلى حال مزري من جميع الجوانب الإنسانية.

ينتظر الثوار السوريون الأسلحة النوعية التي وعدهم بها بعض أصدقاء سوريا من عدة أشهر من، ويألون جهداً في تفنيد الحجج التي يتذرّع بها هؤلاء الممتنعون ومع ذلك مازالوا ينتظرون.

ينتظر السوريون يقظة الضمير العربي والعالمي الذي ما زال يغط في نوم عميق مع أنّ الأعين تتابع يومياً على شاشات المحطات الفضائية ما يشيب لهوله الأطفال، مئات القتلى والجرحى ومجازر ومذابح يندى لها جبين الإنسانية، خراب ودمار وتشرد وتهجير وانعدام لأبسط مقومات الحياة الإنسانية، ومازالوا ينتظرون.

طال انتظار السوريين لتحرك إقليمي و دولي جاد ينهي معاناتهم المستمرة، منذ سنتين تقريباً وهم ينتظرون موقفاً دولياً حازماً تتخذه المؤسسات والهيئات الدولية للقيام بواجباتها التي وجدت من أجلها.

ينتظر السوريون انهيار النظام وسقوطه على أحرّ من الجمر وشعارهم وإنّ غداً لناظره قريب، ويقينهم أنّه إن تخلى عنهم البشر فإنّ ربّ البشر لن يتخلى عنهم، لأنهم مظلومون، وهم ينتظرون مفاجأة كبرى يأتي بها القدر تحقق لهم أملهم المنتظر.

=====================

أدلة وشهود على مجازر ارتكبت

سوريا... تحقيقات أممية في جرائم حرب

تاريخ النشر: السبت 23 فبراير 2013

ستيفاني نيبهاي

الاتحاد

أكد محققو الأمم المتحدة في الأسبوع الماضي ضرورة عرض القادة السوريين الذين يشتبه في ارتكابهم جرائم الحرب أمام محكمة الجنايات الدولية، فقد حث المحققون مجلس الأمن الدولي على «التحرك الفوري لضمان مساءلة « هؤلاء القادة على الانتهاكات التي ارتكبوا ربما فيها القتل والتعذيب، سواء تعلق الأمر بالمسؤولين الحكوميين، أو بالثوار، في الصراع الدائر بينهم منذ أكثر من عامين والذي خلف حتى الآن أكثر من 70 ألف قتيل، وعن هذا الموضوع قالت كارلا ديل بونتي، المدعية العامة السابقة لدى محكمة الجنايات الدولية والمشاركة حالياً في فريق المحققين الأمميين»لقد حان الوقت لعرض هؤلاء المشتبه فيهم على محكمة الجنايات بعدما أصبحت المحكمة مستعدة لتولي القضية».

ويذكر أن التحقيق الذي أجرته الأمم المتحدة بقيادة البرازيلي، باولو بنيرو، يسعى إلى تعقب سلسلة القيادة لرصد المسؤولية وبناء قضية متكاملة لإقامة الادعاء، وهو ما تشرحه المدعية العامة السابقة، بونتي قائلة: «بعد التحقيق تمكنا من التعرف إلى مرتكبي الجرائم في المستويات الرفيعة من القيادة»، مضيفة أن هؤلاء «كانوا مشرفين على القيادة إما من حيث اتخاذ القرار، أو التنظيم، أو التخطيط والمساعدة في ارتكاب الجرائم».

وقالت إنه من واجب المحكمة الآن تبني قضية المسؤولين الكبار في القيادة السورية دون أن تحدد على وجه الدقة من يكونون تماشياً مع سرية التحقيق وقواعده، مشيرة إلى وجود جرائم ارتكبت في حق الأطفال، وأخرى مرتبطة بجرائم الاغتصاب والاعتداء الجنسي، وهو أمر، تقول المدعية العامة السابقة، يحتم على المحكمة سرعة التحرك وتقديم لائحة الاتهام، وأضافت «ديل بونتي» التي كانت وراء مثول الرئيس اليوغسلافي الراحل، سلوبودان ميلوسوفتش، أمام محكمة الجنايات الدولية بلاهاي بتهم ارتكاب جرائم حرب، أنه يتعين على المدعي العام الحالي تعميق البحث حول سوريا قبل توجيه الاتهام.

ومن ناحيته قال رئيس فريق المحققين الأممي، بينيرو، إنه فقط مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة مخول بإحالة الملف السوري إلى محكمة الجنايات الدولية، قائلا: «نحن في حوار وثيق مع الأعضاء الخمسة الدائمين لمجلس الأمن ومع باقي الأعضاء أيضاً، لكننا لا نتوافر على المفتاح الذي سيفتح الباب أمام التعاون داخل المجلس».

وأكدت «كارين أبوزيد»، العضو الأميركي في فريق المحققين الأممي، لوكالة الأنباء «رويترز» أن لديها معلومات تسمي «الأشخاص الذين أعطوا تعليمات لارتكاب الجرائم والمسؤولين عن السياسة الحكومية، وهم أشخاص في قيادة الجيش»، ومع ذلك تظل اللائحة الثالثة من المتهمين التي صاغها فريق المحققين والمعتمدة على لوائح أخرى تم وضعها في السنة الماضية سرية، بحيث سترفع إلى المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، «نافي بيلاي»، بعد أن تنقضي مهمة التحقيق في شهر مارس المقبل، هذه الأخيرة التي كانت قاضية في محكمة الجنايات الدولية، أشارت في الأسبوع الماضي إلى أنه على نظام الأسد الخضوع لتحقيق في جرائم الحرب، مطالبة بتحرك خارجي لمعالجة الملف السوري بما في ذلك احتمال العمل العسكري، ونفى «بينيرو» إمكانية الحديث علناً عن الأشخاص والقيادات السورية الواردة أسمائهم في لوائح الاتهام، مضيفاً أنه من المهم مساءلة هؤلاء على الجرائم المقترفة «للتصدي لشعور الإفلات من العقاب المتفشي في سوريا».

ويعتمد التحقيق الأخير الذي قامت به الأمم المتحدة ويغطي ستة أشهر حتى يناير الماضي على مقابلات أجريت مع أكثر من 445 ضحية في الخارج، بالإضافة إلى شهود عيان وذلك بسبب عدم السماح للمحققين بدخول سوريا. وفي هذا السياق قالت «ديل بونتي»: رصدنا سبع مجازر خلال تلك الفترة وأن خمساً منها ارتكبتها القوات الحكومية والميليشيات التابعة لها، واثنتين ارتكبتا على يد المسلحين، لكن علينا دخول المواقع لتأكيد بعض الحقائق التي نتوافر عليها».

ويؤكد تقرير الأمم المتحدة أن محكمة الجنايات الدولية هي المؤسسة المناسبة لمحاربة الإفلات من العقاب في سوريا باعتبارها «مؤسسة قائمة وتحظى بدعم دولي واسع، ويمكنها مباشرة تحقيقات على نحو فوري للتحقق من الجرائم الخطيرة التي ارتبكت في سوريا خلال الفترة السابقة».

وأضاف التقرير أن القوات الحكومية نفذت عمليات قصف مكثفة بالمدفعية والطائرات على مختلف المناطق السورية وشملت العديد من المدن منها حلب ودمشق ودرعا وحمص وإدلب، مشيراً إلى أن ذلك تؤكده صور الأقمار الصناعية، ويتابع التقرير أنه «في بعض الحالات مثل الهجوم على «حراك» أعقب القصف العشوائي عمليات برية ارتكبت خلالها مجازر على يد القوات الحكومية»، وفي جزء آخر من التقرير الأممي تم الإشارة إلى أن «القوات الحكومية والميليشيات التابعة لها قامت بإعدامات خارج نطاق القانون، منتهكة بذلك القانون الدولي، وهو سلوك يندرج أيضاً في إطار جرائم الحرب، وفي حالة ارتكاب تلك الجريمة كجزء من هجوم واسع ومنظم يستهدف المدنيين مع معرفة به فإنها تتحول إلى جريمة ضد الإنسانية»، وهو ما يبدو أنه حصل بالفعل بعد استهداف طوابير المدنيين أمام المخابز والجنازات بهدف إرهاب المدنيين ونشر الرعب في صفوفهم، لكن التقرير لا يقتصر في توثيقه للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان على الجانب الحكومي، بل يشير أيضاً إلى الانتهاكات الأخرى على جانب الثوار، حيث جاء في التقرير أن الثوار الذين يقاتلون الأسد ارتكبوا بدورهم جرائم حرب بما فيها القتل والتعذيب واحتجاز الرهائن واستخدام الأطفال أقل من 15 سنة في الصراع.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»

=====================

الغرب والحرب السورية

تاريخ النشر: السبت 23 فبراير 2013

غازي العريضي

الاتحاد

عندما أعلن أن أوباما حسم أمره بعدم الموافقة على تسليح المعارضة السورية قيل إنه أخذ بعين الاعتبار مصالح إسرائيل! وقيل سابقاً: "إن أميركا ترفض التسليح خوفاً من وقوع السلاح بيد المتطرفين. وخوفاً من اتساع دائرة العنف وانزلاق البلاد نحو الحرب الأهلية". وكل هذا حصل، أي البلاد هي في حالة حرب حقيقية تشمل غالبية المحافظات والمدن والبلدات وصولاً إلى قلب دمشق. ودائرة العنف باتت أكبر. والسلاح أصبح في أيدي الجميع وثمة قوى متطرفة تملكه. والمصادر هي: مخازن جيش النظام التي استولى عليها المسلحون. والسوق المفتوحة. والحدود المفتوحة. والمال الذي يقدم، كذلك فإن مصالح إسرائيل مؤمنة. سوريا تدمّر. تحترق. يتقاتل أبناؤها. يجوع شعبها. يفتقر إلى الحد الأدنى من إمكانيات العيش الكريم. الملايين مهجّرون في الداخل والخارج ويعانون. والحرب مفتوحة وطويلة. وعندما شعرت إسرائيل أن ثمة ضرورة لعمل ما يحمي "أمنها" ومصالحها وسياساتها ضربت قافلة تنقل معدات عسكرية على الأراضي السورية! وكان ذلك بعلم الإدارة الأميركية المُسبق! أعلن رسمياً أن إسرائيل أبلغت الإدارة أنها ستقوم بهذا العمل وتبقي خياراتها مفتوحة لاحتمالات أعمال جديدة في الاتجاه ذاته.

ومنذ أيام أعلن وزير خارجية أوباما الجديد "جون كيري" أنه "يؤيد الحل الدبلوماسي". ويسعى إلى "بلورة أفكار أو مبادرات تقنع الرئيس الأسد بالتنحي" لتجنيب البلاد مشاكل إضافية". "وأنه لا يوافق على التسليح"، ورغم ذلك انتظر أياماً ليوافق نظيره الروسي سيرغي لافروف على الردّ على مكالمته الهاتفية التي انتهت باتفاق على لقاء!

هكذا أصبح الرهان الأميركي على "حكمة" و"وطنية" و"عقلانية" الرئيس الأسد المنتظر منه أن يتنحى، وهو الذي أبلغ الجميع أنه لن يترك السلطة، ولا يوافق على الحوار مع "المعارضة المأجورة". وهو الذي يشعر أنه استعاد المبادرة. والجيش النظامي استعاد بلدات ومدناً ومواقع. ويحظى بدعم روسي بالغ. وبعمل ميداني مباشر إيراني لتثبيت حكمه مهما كلّف الأمر. فإيران قالت: لا نسمح بسقوط الأسد! وسقوط سوريا يعني سقوط إيران. وخرج أحدهم ليقول: "أسهل علينا أن نخسر الأهواز العربية من أن نخسر سوريا. فإذا خسرنا الأهواز يمكننا استعادتها. ولكن إذا خسرنا سوريا يعني خسرنا طهران"! ويشعر الأسد بالتراجع الغربي والأوروبي والتركي والخلافات العربية - العربية، وهي عوامل أدّت إلى تراجع المجلس الوطني، ودفعت برئيس الائتلاف المعارض معاذ الخطيب إلى الإعلان عن خيبته ورغبته في الحوار ولو المشروط مع النظام.

وأعلن قدري جميل نائب رئيس الوزراء السوري أيضاً أن سوريا ستحاسب الذين يحاصرونها ويفرضون العقوبات عليها، وهي أدت إلى مقتل عدد من أبناء الشعب السوري!

إذن، لن يتراجع الأسد. لن يتنحى وأحلام "كيري" أو رهاناته وحساباته أوهام!

في هذا الوقت، يندفع وزير خارجية بريطانيا في اتجاه الموافقة على تسليح المعارضة.

لكنه في الوقت ذاته يقول: "إن القوى الجهادية في سوريا هي الأخطر على الغرب"، وهذا يفيد النظام في سوريا عن غير قصد. النظام الذي من الأساس كان يؤكد أن "القوى الإرهابية" المتطرفة هي الخطر الأكبر وهو يواجهها!

المستشارة الألمانية، ترفض تقديم السلاح للمعارضة، ووزير خارجيتها قال:"إن رفع حظر السلاح يعني مزيداً من العنف، وسيفتح الباب أمام سباق للتسلح"!

ويأتي هذا الكلام والعنف يزداد والسباق على التسلّح قائم. ووردت معلومات تقول إن ألمانيا لا تريد اهتزاز علاقاتها مع طهران، وهي تستفيد منها في أكثر من اتجاه، وهذا سبب رئيسي في عدم إقدامها على الموافقة على تسليح المعارضة السورية. بل قيل إن ألمانيا بوسائل مختلفة تخترق قرارات العقوبات على إيران، وهذا يفيد الدولة الفارسية كثيراً.

أما وزير خارجية لوكسمبورج "جان أسيلبورن"، فقد قال:"لا أظن أن هناك أزمة في السلاح. فهناك ما يكفي من أسلحة وسوريا تحتاج إلى أشياء أخرى خلافاً لما يدعو إليه البعض من حلول ذات طابع عسكري ويجب التركيز على الحل الدبلوماسي".

وهذا يؤكد ما ذكرناه عن أن السلاح موجود ويأتي بقوة إلى سوريا... لكنه ليس سلاحاً نوعياً يوازي ما يمتلكه الجيش النظامي، ومع ذلك توسعت دائرة سيطرة المعارضة.

وزير خارجية بلجيكا، قال: "لا بد من الحصول على ضمانات بشأن كيفية وماهية الأطراف التي ستستفيد من وصول أسلحة إلى سوريا..." وإلى أن تأتي هذه الضمانات، ولا ندري ممن ومن أين ستأتي، يكون الخراب والدمار والعنف قد ازداد والشعب السوري قد عانى أكثر ووصل إلى مراحل صعبة وتكون سوريا تدمّر أكثر فأكثر.

بدأت المواقف الأميركية والغربية والأوروبية والعربية والتركية منذ اندلاع المواجهات في سوريا بالحديث عن انتهاء شرعية الأسد، وعن سقوطه الحتمي خلال أشهر، عسكرياً، أمنياً، مالياً من خلال العقوبات والحصار. انتهت المواقف إلى حديث عن تخفيف العنف، والاهتمام بالنواحي الإنسانية والحلول الدبلوماسية، وليس ثمة شيء جدّي في الأفق.

وهذا يعني أن الحرب ستبقى مستمرة. وهي جولات. فإذا كان النظام يشعر أنه ارتاح الآن، فهذا لا يعني أنه ذاهب وقادر في اتجاه الحسم.

والمعارضة إذا تراجعت فهذا، لا يعني أنها خسرت. هي جولات من الحروب والتسابق تسير على إيقاع الحركة الدبلوماسية السياسية الجارية، والتي أسميتها في مقالة سابقة البازار الدولي المفتوح حول سوريا، ولم تأتِ لحظة الاتفاق.

وإلى أن تأتي ستبقى سوريا في دائرة العنف والخطر والدم والخراب والقتل. وهذا يفيد إسرائيل ولا يقلق أميركا... وواهم من يعتقد أنه سيكون بمنأى عن نتائج هذه الحرب. ستتوقف الحرب يوماً ما في سوريا، لكنها ستنتقل إلى مكان آخر!

=====================

 تشرذم الجماعات السياسية وتشتتها في سوريا

فايز سارة

المستقبل

23-2-2013

لعله من الصعب ان يضم بلد في العالم كله هذا العدد المتنوع من الاحزاب والجماعات السياسية، التي تماثل الجماعات في سوريا. ذلك انه وفي غاية السهولة، يمكن ان يعدد العارف البسيط بالحالة السورية اسماء عشرات من الاحزاب والجماعات السياسية، ويمكن للاكثر معرفة بالواقع السوري الراهن، ان يضيف ضعف العدد السابق او اكثر في بلد صغير، لايتجاوز عدد سكانه ثلاثة وعشرين مليون نسمة، ويعود الامر في ذلك الى السهولة التي ينظر فيها السوريون الى تشكيل واعلان الاحزاب والجماعات اليوم بعد ان انكسرت شمولية وسيطرة النظام الشمولي - الامني على البلد والناس، وبعد ان شعر كثير من السوريين بضرورة تشكيل جماعات سياسية، يمكن ان تساعدهم في ادارة شؤونهم الوطنية، وان تعبر عن همومهم وطموحاتهم في الراهن والمستقبل.

وسط تلك الحالة من تضخم اعداد الاحزاب والجماعات السياسية وتنوعها، تبدو الحاجة ملحة للوقوف عند ملامح تلك الاحزاب والجماعات في محاولة لرسم اهم معالم الخريطة السياسية السورية اليوم وملامح تطورها المستقبلي، ولعل الاهم في تلك الملامح توزع الجماعات السياسية في نشوئها السوري الى مراحل زمنية، تعود اقدمها الى عشرات السنوات. ففي سوريا اليوم احزاب قائمة، يعود تأسيسها الى فترة الانتداب الفرنسي(1920-1945) وبين هذه الاحزاب الحزب الشيوعي السوري وقد ظهرت لبناته الاولى في العام 1924، والحزب السوري القومي الاجتماعي الذي تأسس بداية الثلاثينات، وجماعة الاخوان المسلمين، التي ظهرت في العام 1945، بل ان حزب البعث العربي وقرينه الحزب العربي الاشتراكي اللذين شكلا عبر اندماجهما حزب البعث العربي الاشتراكي في بداية الخمسينات، يعودان في لبناتهما الاولى الى نهاية ثلاثينات وبداية اربعينات القرن الماضي.

في تلك الفترة من التاريخ السياسي لسوريا، تأسست احزاب اساسية، هي اشبه ماتكون ب "الاحزاب الام"، وهي الاحزاب التي عبرت عن اهم التوجهات الفكرية للسوريين بعموميتهم. فكانت احزاب قومية ودينية وشيوعية، جعلت الداخل السوري كله ميدانا لنشاطها، وسعت في آن معاً للتعبير عن توجهات السوريين نحو صيغة "وطنية سورية" رغم تطلع تلك الجماعات من زاوية انتمائها الفكرية الى محيط ابعد على نحو ماتؤشر الانتماءات الى حزب قومي، او جماعة اسلامية، او حزب شيوعي، وكلها انتماءات تتجاوز حدود الكيانية للجغرافيا السورية.

واضافة الى استمرار ذلك النمط من الجماعات السياسية السورية في فترة مابعد الاستقلال. فان احزاباً وجماعات أخرى، اخذت تظهر بعد حصول البلاد على استقلالها. وكان بين تلك الاحزاب، مايمكن تسميته ب "احزاب الادارة"، التي عمل على تشكيلها قائمون على السلطة، او مقربون وانصار لهم، وهي احزاب سرعان ماكانت تختفي وتموت بمجرد سقوط حكوماتها او غياب عناصرها المؤسسة لان هذا النمط لم يكن بمقدوره البقاء والاستمرار، ولعل الابرز في امثلة هذه الاحزاب حزب حركة التحرير العربي، الذي اسسسه اديب الشيشكلي ليكون واجهة سياسية لعهده من الحكم العسكري بين 1952 و1954، والاتحاد القومي الذي شكلته سلطة الوحدة في سوريا عام 1959 ليكون واجهة سياسية للنظام الحاكم في سوريا. والسمة الثانية في احزاب وجماعات تلك المرحلة، هو نهوض احزاب السوريين من خلفيات غير عربية، ولهذه الفترة يسجل ظهور ابرز جماعتين غير عربيتين في سوريا اولهما الحزب الديمقراطي الكردي (البارتي) المؤسس في العام 1957، والمنظمة الآثورية الديمقراطية التي تأسست في العام ذاته، اضافة الى التعبيرات السياسية التي ظهرت في اوساط السوريين الارمن وحزبيهما الهاشناق والطاشناق والذين سجلت الفترة التالية غيابهما شبه الكلي عن مسرح الحياة السياسية في سوريا.

ان الميزة الاساسية في احزاب هذه الفترة، تمثلث في الصعود الظاهر للاحزاب الام، وفي تمدد الظاهرة الحزبية وسط السوريين من اصول غير عربية، والاخيرة ستظل محدودة التأثير والانتشار لاسباب تتعلق بها وبظروفها، بخلاف "الاحزاب الام" الاولى، والتي انخرطت في الحياة السورية، واخذت تحقق تقدماً في طريق الوصول الى السلطة عبر النظام الديمقراطي البرلماني الذي اختارته سوريا بعد الاستقلال، حيث دخل ممثلون عن البعث والاخوان والشيوعيين الى البرلمان، فيما كان القوميون السوريون يسعون الى ذلك، ورغم ان الانقلابات العسكرية سعت الى تحجيم واضعاف او اعدام الجماعات السياسية السورية، فان ذلك بدا مستحيلاً في الفترة الاولى بين الاستقلال وقيام الوحدة السورية المصرية (1958-1961)، والتي تم في خلالها توجيه ضربات قاصمة للحياة السياسية وللاحزاب والجماعات السياسية وهو الدور الذي اداه بامتياز عهد الوحدة السورية المصرية باعلان حل الاحزاب والجماعات السياسية، ثم الذهاب نحو تشكيل بديل هو حزب للادارة يمثله "الاتحاد القومي" وسط نتائج متواضعة.

لقد سعت الاحزاب والجماعات السياسية للعودة الى الحياة واستعادة وجودها ونشاطها في فترة الانفصال (1961-1963)، غير ان الفترة كانت قصيرة لاستعادة ما غاب من جماعات، ولم تكن كافية لترميم ماتم تدميره من شروط الحياة السياسية، وخرابات في اوساط النخبة السياسية المنهكة والضعيفة، فانقضت الفترة بسرعة، وجاء انقلاب آذار 1963، مكملاً ما بدأه عهد الوحدة من خطوات تدميرية للاحزاب والجماعات السياسية، لم تستبعد من الاجراءات احزاب وقوى قيل انها كانت في اطار القوى الداعمة للانقلاب وبينها حزب البعث العربي الاشتراكي الذي اخذ يتحول شيئاً فشيئاً الى "حزب ادارة" خاضع للسلطة وملتزماً تحولاتها وسياساتها.

ان سياسة خمسين عاماً من عهد البعث في الموقف من الاحزاب والجماعات السياسية في سوريا، يمكن اختصارها في قول انها كانت تتمثل في حل ومحاربة كل الجماعات والاحزاب السياسية في سوريا ودفعها الى السرية والتشظي، وهي الفترة التي ميزت سياسة السلطة من 1963 الى العام 1972، حيث بدأت مرحلة اخضاع وتدجين تلك الجماعات سعياً لوضعها تحت هيمنة حزب البعث العربي الاشتراكي الذي صار حزباً للادارة في سوريا، وكان تأسيس الجبهة الوطنية التقدمية الباب المفتوح لدخول احزاب المعارضة بالنظام وحزبه، وهكذا انخرطت معظم احزاب تلك المرحلة من الاحزاب القومية والحزب الشيوعي، فدخل في الجبهة الاتحاد الاشتراكي العربي وحركة الاشتراكيين العرب والوحدويون الاشتراكيون والحزب الشيوعي السوري الذين قبلوا الانخراط بالجبهة والالتزام بميثاقها الذي منع الاحزاب من العمل في اوساط الجيش والطلاب، ووضع تلك الاحزاب تحت قيادة حزب البعث ، "القائد للدولة والمجتمع" حسب نص الدستور السوري الصادر آنذاك.

وقد طور النظام سياسته ازاء تلك الاحزاب في ان دفعها للانشقاق والتشظي، واغلب تلك الجماعات انشقت، وبعضها انخرطت انشقاقاته في الجبهة، بل ان تشجيع الانشقاقات في الاحزاب طالت احزاباً خارج الجبهة وكانت صديقة للنظام مثل الحزب السوري القومي الاجتماعي، كما شجعت الاتجاهات الانقسامية في الحزب الديمقراطي الكردي (البارتي) الام والاحزاب الكردية، التي ولدت من خاصرته.

غير ان سياسة الاخضاع والربط ضد الاحزاب والعمل على تقسيمها وتفتيتها بما هي سياسات غير عنيفة، لم تكن وحيدة في سياسة النظام ازاء الاحزاب، ففي الخط الثاني من تلك السياسة، كانت سياسة القبضة الحديدية، وهي سياسة بدأت في العام 1963، ومازالت مستمرة حتى الان، ورغم انها ركزت على الاحزاب والجماعات الاسلامية من الاخوان المسلمين وحزب التحرير وصولاً الى الجماعات السلفية والمسلحة منها، فانها طالت كل جماعات المعارضة في تنوع اتجاهاتها بذات القدر من العنف الذي شمل احزاباً قومية مثل الاتحاد الاشتراكي وتفرعات البعث العراقي والديمقراطي والشيوعيين من تفرعات الحزب الشيوعي الى حزب العمل الشيوعي، كما شمل التنظيمات الكبيرة والصغيرة على السواء في سياسة لايمكن القول الا انها سياسة دموية.

وطور النظام شقاً جديداً من سياسته ازاء الاحزاب السياسية في العقد الماضي. حيث انه وازاء المطالب المتصاعدة للاصلاح، وقيام بعض السوريين بتأسيس احزاب وجماعات جديدة خارج الاعتراف الرسمي، طرح النظام فكرة تأسيس احزب سياسية وفقا لقانون احزاب، وقد تأخرت الخطوات الاجرائية في هذا السياق حتى اندلاع الثورة السورية في آذار 2011، وقد جاء الاجراء لاستيعاب مطالب المتظاهرين، وولدت مجموعة من الاحزاب، التي كان اغلبها من الناحيتين الفكرية والسياسية اقرب الى توجهات وسياسات النظام، وبهذا المعنى كانت الاحزاب الجديدة المرخصة توسيعاً للاطر السياسية القريبة للنظام وعلى ضفاف مواقفه.

ولم يكن اثر ثورة السوريين وحيداً في اجبار النظام على اصدار قانون للاحزاب السياسية في اواخر العام 2011، والترخيص لبعض الاحزاب. بل ان اثر الثورة كان ابعد من ذلك بكثير. اذ فتحت انطلاقتها الباب امام السوريين لتأسيس احزاب وجماعات سياسية كثيرة ومتنوعة، وهو امر لم يحصل خارج سوريا فقط، وانما في داخلها ايضاً، مما ولد عشرات الاحزاب والجماعات اليسارية والقومية والاسلامية والليبرالية المتفاوتة الحضور والفعالية والتأثير في المجتمع وفي اجمالي الحركة السياسية.

ورغم ان من الحق القول، ان ما شهدته سوريا من نمو لظاهرة الاحزاب والجماعات السياسية يمثل تطوراً ايجابياً سينعكس ايجابياً على الحياة السياسية السورية في المرحلة المقبلة. فان مما يضعف تلك الايجابية هو التشتت والتشرذم الذي يطبع أكثر الجماعات الجديدة، وضعف التجربة والخبرة والضعف الفكري والسياسي لكثير من الكادرات المؤسسة، غير الوقت ونضوج التجربة، يمكن ان يوفر فرصة للتغلب على تلك السلبيات، والانتقال الى اوضاع افضل.

=====================

 أي آفاق للثورة السورية؟

د. عبدالله تركماني ()

المستقبل

23-2-2013

يتفق الكثيرون على أنّ سوريا تمر اليوم بمرحلة حساسة ومصيرية من تاريخها، وإذا كان من الصعوبة أن نجري حساباً لوقائع وتطورات الثورة السورية التي انطلقت في آذار 2011، لأنّ فيها الكثير من التعرجات والتعقيدات، فإنّ الثابت أنّ حراكاً إنسانياً رائعاً جرى بحجم كبير وتضحيات كبيرة، يتجه نحو مواطن سوري جديد، ووعي سوري جديد، بما ينطوي عليه ذلك من تألق للوطنية السورية الجامعة ذات العمق العربي والإنساني.

ولا شك في أنّ تفرّد الحالة السورية، وخصوصيتها، من جهة طول أمد الثورة وتداخلاتها الإقليمية والدولية، جعلها موضع نقاش وسجال واختلاف حول دقة التوصيف لما يجري منذ سنتين، لكنّ ذلك لا يحجب حقيقة أنّ الثورة بدأت في صورة حراك سلمي، تركّز حول مطالب الحرية والكرامة، إلا أنّ الخيار الأمني لسلطة آل الأسد جعل الحراك الثوري يمرّ بأطوار عديدة، خصوصاً بعد الانشقاقات والتسلح.

لكنّ الطيف الشبابي الواسع أعاد السياسة إلى الفضاء السوري العام، بعد أن غاب لعقود، والحرية تعني له آفاقاً مفتوحة أرحب تحيل إلى سوريا كمجال عمل، وإلى خبرات اجتماعية وسياسية واقتصادية مشتركة، أساسها قيم إنسانية عامة كالمساواة والاحترام. لقد أعلنها واضحة جلية أنّ الوحدة الوطنية هي قدس الأقداس، وأنه لا جدوى من أي شحن طائفي، أو غرس الرعب في أفئدة الناس عبر إيحاءات تمتد خيوطها إلى مكاتب المسؤولين في أجهزة المخابرات. فالوحدة الوطنية السورية المبنية على قاعدة احترام الخصوصيات، وتأمين الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية لجميع المواطنين من دون أي استثناء، مثل هذه الوحدة الوطنية هي التي تُعد الحاضنة الكبرى القادرة على جمع كل السوريين، بعيداً عن روحية الأحقاد، وعقلية الانتقام والإقصاء، وسياسة اعتماد الولاءات ما قبل الوطنية، المتناغمة مع النزعات الاستبدادية.

ولا عجب أنّ ثورة الشعب السوري كشفت المشكلات العميقة والقاتلة، التي رعاها وغذّاها نظام الاستبداد واستعان بها في صراعه مع شعبه، كما كان من المحال أن لا يكشفها هذا الجهد الإنساني الجبار الذي يبذله مجتمع يريد الخروج من الاستبداد إلى الحرية. لذلك يخطئ كثيراً من يعتقد أنّ الثورة السورية مسؤولة عن المشكلات التي برزت إلى العلن، خلال السنتين الماضيتين، وبخاصة منها مشكلة الطائفية المدمرة. ومن التسرع الحكم على الثورة السورية الراهنة انطلاقاً من الدور الذي تلعبه هذه المشكلة في الصراع، ومن الضروري رؤية المعضلة على حقيقتها كمنتج للنظام الاستبدادي، ومعالجتها بصفتها هذه، وإزالتها معه باعتبارها واحدة من أقوى ركائزه وأكثرها خطورة، يستحيل أن تتعايش الحرية معها، لما بينهما من تناقض وجودي.

وهكذا، في ظل احتكام سلطة الاستبداد إلى الخيار الأمني، كما وجدناه منذ انطلاق الثورة السورية في 15 آذار 2011، وغياب أي أفق حقيقي لإجراء إصلاحات عميقة، وصل الشعب السوري إلى قناعة مفادها أنّ انتهاء ثورته من دون الحصول على نتائج سياسية حقيقية، تنطوي على تفكيك النظام الأمني والتوجه نحو نظام سياسي معاصر قوامه عقد اجتماعي وسياسي جديد يقوم على تعددية سياسية حقيقية ومؤسسات تؤمّن الكرامة والحرية للمواطن السوري، سيؤدي إلى الانتقال لمرحلة أسوأ مما كانت عليه الأمور قبل بداية الثورة، خصوصاً إذا ما نجحت المساعي الإيرانية كي يكون بشار الأسد وحاشيته من القتلة في المرحلة الانتقالية من الاستبداد إلى الديموقراطية.

المهم أنّ رأس السلطة سيلحق بأقرانه التونسي والمصري والليبي واليمني، وكلما تضافرت الجهود وتعاظمت العوامل المنهكة له، كان اللحاق هذا أسرع وبكلفة بشرية واقتصادية أقل وطأة. مما يفرض على الكتلة التاريخية للثورة السورية أن تبلور توازنات جديدة، تصون الحرية المكتسبة في المناطق المحررة بعد كفاح شاق، وتضمن استقراراً مواتياً للتراكم الوطني، وتؤسس لنشوء تقاليد سياسية واجتماعية جديدة.

ومن المؤكد أنّ سوريا لن تكون مزرعة لأحد، كما كانت لعقود طويلة، وإنما وطن الحرية والكرامة لجميع أبنائها. لن تكون بلد التمييز والظلم والإقصاء، بل وطناً واحداً لشعب سوري موحد، لا حديث فيه عن أكثرية وأقلية بل مواطنية ومساواة، لا يراعي في معاملته مع أبنائه أي اعتبار قومي أو مذهبي أو طائفي أو مناطقي، ولا اعتبار فيه إلا للكفاءة والإخلاص، والمقدرة على البذل والتضحية في سبيل بناء سوريا الجديدة. سيحمي الدستور حقوق كل مكوّنات المجتمع السوري، حيث سينال فيها الأكراد والآشوريون والتركمان ما حُرموا منه من حقوق وما عانوه من تمييز. ستُفصل في سوريا الجديدة السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية، وستحاسَب فيها الحكومة المقصّرة وستكون السلطة بيد الشعب يقرر من يحكمه عبر صناديق الاقتراع. ستكون سوريا المستقبل دولة الحق والقانون، يتساوى فيها الجميع أمام القضاء المستقل، ويكون للجميع الحق ذاته في تشكيل المنظمات والأحزاب والجمعيات، والمشاركة في صنع القرار، مما يفتح في المجال لتألق الوطنية السورية الجامعة.

والأسئلة التي تطرح نفسها هنا هي: هل سيستطيع الشعب السوري وحده إيقاف جرائم سلطة استبداد آل الأسد وشبيحتهم، أم أنه سيحتاج إلى الدعم العربي والدولي، وما هو دور هذا الدعم وحدوده؟ وهل يتوجب على السوريين، الذين يحتاجون لمؤازرة الأسرة الدولية للانعتاق من قهر سلطتهم الفاسدة أن يدفعوا ثمن تلك المساندة وفق تسعيرة تفرضها شروط المصالح الدولية والإقليمية؟

() كاتب وباحث في الشؤون الاستراتيجية

=====================

مستلزمات الحل السياسي.. قـبـل سـقـوط الـنـظـام

ميشيل كيلو

السفير

23-2-2013

الحاجة إلى توحيد الصـف الديموقراطي والحـد من خلافاتـه السياسيـة ضروري وملحّ، كي لا تتكـرر في سوريـا تجربـة المنظمـات الديموقراطيـة في تونـس ومصـر، التي لعـب انقسامهـا وتبعثرهـا دوراً خطيراً في وضع الثـورة بين أيدي الإسلاميين

ليس من الضروري أن يقتصر الحل السياسي المطلوب على العلاقة مع النظام السوري القائم، بل انه قد لا تكون هنا كأية ضرورة له مع النظام الحالي بالذات، الذي أغرق بلادنا بدماء شعبها، وأغرق أيضاً جيشه في دمائه وجعله يقاتل منذ نيف وعامين لتبديل موازين قوى تتغير لغير مصلحته، بينما شرعت قوته تتراجع وأخذ يخسر مواقعه واحداً بعد آخر في ارجاء مختلفة من سوريا، من دون أن يغير تراجعه من إصرار قيادته على مواصلة حل عسكري/ أمني يدمر البلاد والجيش، اخرج القضية السورية من ايدي جميع اطراف الداخل ووضعها بين ايدي الخارج، لأن التسوية الداخلية تعني حتمية التغيير، في حين لا تتطلب صفقة تعقدها القيادة مع الخارج تغييراً داخلياً كهذا.

لبلوغ حل ديموقراطي، هناك ضرورة لعمل سياسي ينجز بين أطراف المعارضة السورية، التي بدأت تسير في اتجاهين تزداد تناقضاتهما هما الاتجاه الديموقراطي بضعفه المتعاظم، والاتجاه الإسلامي بتشعباته المتنوعة وفوارقه الخطيرة. فإن استمر تباعدهما الى ما بعد سقوط النظام، المحتمل في أي وقت، خرجت سوريا من أزمة «البعث» المديدة إلى ازمة جديدة معقدة ومركبة، سيكون لها نتائج كارثية، من غير المستبعد أن تقضي على ما ابقاه عنف السلطة الحالية من زرع وضرع، حضر ومدر، فنكون كمن خرج من تحت الدلف إلى تحت المزراب، وتذهب تضحياتنا الى وجهة مغايرة لتلك التي قدمت من أجلها.

إلى هذا، سيكون من الصعب جداً بلوغ حل ديموقراطي من دون عمل سياسي يتم بين مكونات الطرفين الاسلامي والديموقراطي، التي تتخبط في عشوائية سياسية وعسكرية ضاربة؛ حل يقوم على الإقرار الصريح بحتمية التفاعل والتكامل بين الجانبين السياسي والمقاوم في الثورة، يعرف الجمهور السوري تفاصيله ومراحله وأهدافه وممكناته ونتائجه المرتقبة من دون لف ودوران، ليس فقط من أجل الخروج من غوغائية نافية للسياسة تقتصر اليوم على شعارين أو ثلاثة يكررها ببغاوات «المجلس الوطني» ومن لفّ لفّهم، بل كذلك لإحباط أي مسعى غير عقلاني وواقعي يحول دون إخراج العمل المعارض من الاحتجاز الذي وضعته المعارضة فيه.

ليس الحل السياسي مع النظام حتمياً، وإن كان من الضروري ان تمتلك المعارضة تصورا واضحا حوله. أولا، لأن توازنات القوى العسكرية تميل شيئا فشيئا لمصلحة المقاومة على الأرض، جاعلة من فرصة الحل حلقة أخيرة في جهد وطني يرمي الى التخلص من النظام القائم، بما أن تفوق المقاومة الميداني المحتمل يمكن أن يفرز فئة من الضباط والسياسيين الرسميين ترى في الحل السياسي خشبة خلاص تمكنها من النجاة والتفاوض على إنهاء القتال والتخلي عن السلطة، مقابل دور تلعبه في سوريا المستقبل. وثانياً، لأن القوى الدولية قد تقتنع بحل تفاوضي وتمارس ضغوطاً جدية على أطراف الصراع السوري كي تقبله، فيكون تصور الحل لدى المعارضة أساس موقفها التفاوضي، وإلا وجدت نفسها مجبرة على الاستسلام لما يعرض عليها من الخارج، وعلى رؤية مصالحها بدلالة المصالح الدولية، التي لن تتطابق بالتأكيد مع اهدافها ومصالحها. في الحالة الأولى، يعتبر امتلاك تصور واضح ومعلن للحل مفتاحياً بالنسبة لانتصار الثورة، وفي الثانية يحفظ تصور كهذا ما يجب الحفاظ عليه من مصالح الوطن العليا. بالافتقار إلى هذا التصور، كما هي الحال الآن، لا مفر من ان تتخبط سياسات المعارضة وتخضع لتناقضات المواقف والأهواء، كما هي حالها الآن أيضاً، ولا بد أن تجد نفسها ملزمة في نهاية الأمر برؤية الحل بأعين النظام أو الخارج، وبدلالة مصالحهما، وبقبول تسويات لا تعبر عن طموحات الشعب وإنما تتعارض مع أهداف ثورته المفعمة بالتضحيات والغالية التكلفة.

- أما العمل السياسي الضروري للتوافق بين تياري المعارضة الرئيسين على مستقبل الوضع، وبغض النظر عن القوة التي ستخرج منتصرة من الصراع الراهن، فهو حيوي جداً بالنسبة إلى طرفي المعارضة: الإسلامي والديموقراطي، والى وضع حد لمأساة بلادنا التي ستحتاج إلى فترة تهدئة طويلة، كي تستطيع إعادة بناء ما هدمه النظام في طول بلادنا وعرضها. من الحتمي أن يقوم العمل المطلوب على توافق عام يمنع أي طرف من استخدام العنف لحل أية مشكلة، او بلوغ اي هدف خاص، ويلزم الجميع باعتماد الوسائل السلمية سبيلاً إلى تحقيق مراميهم،على أن يسلموا بأحقية من يكسب الانتخابات الحرة في إدارة شؤون البلاد بمفرده أو بالتعاون مع غيره ـ والتعاون أفضل بكثير وأكثر أمناً من الانفراد، اقله في المراحل التالية لسقوط النظام ـ.

لإنجاز هذا العمل، تمس الحاجة إلى مؤتمر وطني يتم التوافق خلاله على اسس التعايش الملزمة للقوتين السياسيتين اللتين ستتنافسان على ارض السياسة السورية بعد التغيير، شرط أن ينطلقا من مبادئ محددة تركز على موضوعين: تصفية ركائز الاستبداد وحوامله المجتمعية والسياسية ومقوماته الايديولوجية من جهة، والشروع ببناء بديل يقرّ بالتنوع وما يترتب عليه من تنافس سلمي، وبحق الآخر في أن يتحرك بحرية في جميع الظروف والاتجاهات، ان كان لا ينتهك القانون او يلجأ إلى العنف بالقول أو الفعل، من جهة أخرى. هل يمكن تحقيق شيء من هذا من دون اعتراف كل طرف بشرعية الآخر وبحقه في ممارسة السياسات التي يقررها بملء اختياره، ما دامت تلتزم بوحدة الجماعة الوطنية السورية وسيادة الدولة، وتحترم حق الأفراد والجماعات في العيش بكرامة ومساواة وعدالة. هذا الاتفاق يجب أن يكون مسجلاً في ميثاق وطني تنهض عليه الدولة ويحفظ وحدة المجتمع.

- وهناك أخيراً حاجة إلى عمل سياسي بين المكوّنات والقوى التي تنضوي ضمن الإطارين الديموقراطي والإسلامي، وتزداد علاقاتها تنافراً مع تطور الثورة وتزايد انجازاتها ومشكلاتها بدل أن تتقارب وتتحد في ظل تعاظم الحراك ونشوء مناطق محررة في ارجاء مختلفة من سوريا، تشرف على إدارتها وحفظ أمنها وتتولى شؤونها. في هذا المجال، لا يسود فقط انقسام عمودي يشطر القوى السياسية والمجتمعية إلى كتلتين كبيرتين: إسلامية وديموقراطية، تتركز في يد الاولى منهما كميات متزايدة من السلاح، بينما تتحول تنظيماتها إلى جماعات مسلحة متنوعة السياسات والولاءات، وتنأى الثانية بنفسها اكثر فأكثر عن السلاح والمقاومة المسلحة، وتتراجع مواقعها بين شعب شرده النظام وشتته في اصقاع الأرض الأربعة، ودمر بيوته ومدنه وقراه وقتل حيواناته وخرب ممتلكاته، واختطف أرواح وحيوات مئات الآلاف من بناته وابنائه، وطارده إلى المنافي، فلا عجب أنه يميل منذ بعض الوقت ميلا متزايدا إلى الطرف المسلح الإسلامي، وأن نزوعه إلى الانتقام يتعاظم ويتجذر ويضعه وراء خيارات مذهبية تختلف عن خيار الحرية التي قام بالثورة لتحقيقها.

بسبب هذا الانقسام، تمس الحاجة إلى توحيد الصف الديموقراطي، بالحد من خلافاته السياسية عبر حل سياسي تشارك هذه القوى مجتمعة فيه، انطلاقاً من رغبتها في التوحد قبل سقوط النظام، كي لا تتكرر في سوريا تجربة الجهات والمنظمات الديموقراطية في مصر وتونس، التي لعب انقسامها وتبعثرها دوراً خطيراً في وضع الثورة بين أيدي الطرف الإسلامي، رغم أنه لم يكن هو الذي صنعها ولم يساندها إلا في فترة متأخرة نسبياً. وبما أن وضع الاسلام السياسي السوري يختلف جدياً عن وضع مثيله المصري، الذي يضم كتلتين كبيرتين هما جماعة «الاخوان المسلمون» وحزبها، والكتلة السلفية وحزبها، بينما تنضوي معظم القوى الإسلامية السورية في تشكيلات جهادية وسلفية متقاربة الهياكل والتطلعات رغم تنوع اسمائها، تتزايد شعبيتها ومكانتها باضطراد في حين تتقلص شعبية ومكانة «الاخوان المسلمين» ويتراجع دورهم على الارض، فإن من الضرورة بمكان توحيد الطيف الديموقراطي وتجميع صفوفه في اسرع وقت، واختيار قيادات تنسق أنشطته وتوفق بين مكوناته، على ان تقوم ببناء أداة تنظيمية ضاربة وفاعلة وبرنامج نضالي واقعي وخطاب سياسي قادر على الوصول إلى وعي قطاعات شعبية واسعة وعواطفها، مؤيدة للخيار الديموقراطي، لكنها تقبع اليوم في بيوتها، لأنها لا تؤمن بالسلاح وتنتظر فرصة تتيح لها التعبير عن رأيها، فإن لم تجد قوى ديموقراطية موحدة تبعثرت بدورها، وأفاد الطرف الآخر من تشتتها وغيابها عن الحياة العامة، خاصة إنْ خوَّفها بسلاحه. هل سيقوم الديموقراطيون بما عليهم القيام به فيوحّدون صفوفهم ويبنون حاملاً اجتماعياً لنهجهم هو ضمانة التحول الديمقراطي السوري، الذي ستؤسس انطلاقاً منه لأول مرة في تاريخ سوريا أحزاب مجتمعية الهوية والطابع، لا تنثبق عن نخب تمارس السياسة كلعبة سلطة لا علاقة للمجتمع وللمواطن بها، يعاد من خلال أبنيتها وهياكلها إنتاج الاستبداد، وإن في صورة جديدة.

بتلازم هذه الانماط الثلاثة من العمل السياسي، ستضع بلادنا أقدامها على طريق الخروج من محنتها الراهنة، وسيقطع الطريق على خطر داهم يتمثل في انتقالها من أزمتها الراهنة إلى ازمة جديدة لا تقل عنها شدة وخطورة. ومع أنه ليس من الضروري أن يبدأ الحل بالعمل الأول، فإن وجود نمطي العمل الثاني والثالث حيوي لبقاء دولتنا ومجتمعنا، ما دام النظام يمكن أن يسقط بقوة المقاومة، التي لن تستطيع اخراجنا من معضلة الانقسام والتناقض الإسلامي/ الديموقراطي، وضمن مكونات كل طرف من الطرفين المذكورين.

يقتصر اهتمام المعارضة اليوم على المجال الأول، كما يعبر عن نفسه في ما يسمى التفاوض مع النظام، بينما يتم اهمال المجالين الآخرين ويتركان لصراعات تنافسية تمعن في تمزيق أطرافهما وشحن علاقاتهما بالتناقض والعداء، فلا بد من التصدي لما فيهما من مشكلات ليكون ممكناً حل معضلات المجال الأول، الخاص بالعلاقات بين المعارضة والسلطة. هل يتبدل الوضع الراهن وتتدارك المعارضة السورية نواقص علاقاتها فتتوفر لها القدرة على التخلص من مشكلاتها، الضروري لإسقاط النظام؟

 

=====================

مـــن الــثــــــــورة إلـــــى الــحـــــــــرب

السفير

23-2-2013   

لم يقترب نظام الاستبداد في سورية من نهايته كما يقترب اليوم. ولم يظهر كسلطة عنف مطلق وعارٍ كما هو الآن، ولم يفقد كل شرعيته كما فقدها خلال السنتين الماضيتين من عمر الثورة. وفي الحسابات العسكرية يخسر النظام كل صباح مناطق إضافية كانت حتى اليوم السابق تحت سيطرته العسكرية والأمنية والإداريّة؛ وكل يوم يبسط «الجيش السوري الحر» سيطرته على أماكن جديدة. وكل يوم تستعيد قوات النظام مساحة في منطقة، وتخسر مثلها في منطقة أخرى. ثمن ذلك خراب واسع يحدثه قصف الطائرات والصواريخ، وقتل همجي، وتهجير لمئات الآلاف، واعتقال عشرات الآلاف ومثلهم من المفقودين! وكذلك انفلات للأمن في عديد من المدن والأرياف التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة، وأعمال قتل ونهب وخطف ونأي عن أهداف الثورة المحقة في الحرية والكرامة والعدالة والمساواة والديموقراطية، مما يجبرنا على طرح السؤال: هل ما زالت الثورة ثورة؟ أم انها تحولت الى حرب أقليمية على الأرض السورية؟

وقود الثورة

لقد تبين أن فقراء الارياف ومهمشيه، وبالدرجة الثانية فقراء المدن الصغرى الذين عانوا من الإفقار الأشد فتكاً، كانوا مطلقي الثورة ووقودها، وتأخرت المدينتان الكبريان في سوريا (دمشق وحلب) عن الالتحاق بمسار الثورة بسبب التفاوت البيّن في مستويات الدخل والمعيشة لصالح المدينتين. ولو عاينّا وضع مدينة حلب، على سبيل المثال، وقد سيطرت على الكثير من أحيائها المعارضة المسلحة، لتبينّا أمرين واضحَي الدلالة: الاول أن «الجيش السوري الحر» الذي بدأ بالسيطرة على أحياء المدينة كان قادماً في أغلبه من الأرياف القريبة، والثاني أن الاحياء التي تمت السيطرة عليها في البداية هي الأحياء الأكثر فقراً، والمُشَكّلة نسبة عالية من قاطنيها من أبناء الريف نفسه، والتي تعد بيئة حاضنة للاحتجاج والثورة.

لقد كان قمع النظام عامّاً على مدى السنوات الطويلة الماضية، وطال مختلف الفئات والطبقات، غير أن منسوب الفقر والإذلال المعيشي الذي عانى منه أبناء الأرياف والمدن الصغرى والمتوسطة كان أشد مما عاناه أبناء المدينتين.

وليس دون دلالة أن الأحياء الأكثر غنى هي ـ حتى اللحظة ـ الأحياء الأقل التحاقاً بالثورة في مختلف المدن صغيرها وكبيرها. إنها ثورة سياسية، ثورة على الإذلال السياسي المديد، ولكنها أيضاً ثورة فقراء يبحثون عن حقوقهم كبشر وكمواطنين انتهكت كرامتهم وعيشهم على مدى عقود.

ومن جهة أخرى، ليس خافياً على أحد أن الأشهر الأولى من الثورة تختلف كثيراً عن مسارها في الأشهر اللاحقة، حيث دخل العامل الاقليمي على خطها، وحيث تم تدريجياً تسليحها وتمويلها، مما لاقى صداه لدى المتظاهرين في ظل استمرار أعمال القتل والفتك بالمواطنين العزّل، وبذلك انتقلت الثورة من طورها الأول السلمي، الى طورها الثاني المسلح الذي نعيش فصوله وتبعاته الآن، في ظل وصول العنف الى عتبات غير مسبوقة.

استمرار التقدم

يمكن بمراقبة الخارطة الجغرافية لتقدم «الجيش السوري الحر» منذ سنة، وانحسار المناطق التي يسيطر عليها الجيش النظامي، القول بأن الأول يسير باتجاه الانتصار، إذا بقيت المعطيات الحالية على ما هي عليه، عسكرياً وسياسياً، بالإضافة إلى حزمة تحالفات. فاليوم هناك مناطق ريفية واسعة خرجت من تحت سيطرة الجيش النظامي: في الشمال، في المناطق المتاخمة للحدود التركية، في دير الزور والبوكمال، وفي الوسط، في ارياف حمص وحماه، وفي الجنوب، درعا وريفها، وكل سوار دمشق من البلدات والقرى وباتجاه الزبداني. يبقى تحت سيطرته العاصمة والمنطقة الساحلية، وأحياء في المدن الكبيرة. واصبح واضحاً أن المعركة الفاصلة هي معركة دمشق؛ فمن دون السيطرة عليها سيبقى العنف مشتعلاً في كل المناطق، ومن دون أن تظهر نهاية له. ودون ريب ستكون معركة وحشية الدمار، والقتل فيها يفوق كل ما سبقها. معركة دمشق هي معركة بقاء أو هزيمة النظام برمته.

في هذا السياق، لا يجب اغفال مصادر قوة النظام، فهو لا يزال يحتفظ بخزان قوة كبير، فجيشه متماسك حتى اللحظة، رغم الانشقاقات الكبيرة، ورغم عدم التحاق الآلاف من المجندين بالخدمة عندما يتم استدعاؤهم، وقواه الأمنية ملتفّة حوله في التحام عضوي، فمصيره مصيرها، ومصيرها مصيره، ومخازنه من شتى أنواع الاسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة مليئة، وتُزوّد باستمرار من حليفيه ايران وروسيا، وقوته الاجتماعية ـ رغم تآكلها الشديد السنة الفائتة ـ ما زالت خارطتها الأولى قائمة: التفاف من الأقليات أو أكثر أفرادها، وشبه اجماع في المناطق الساحلية، رغم انقسام العديد من المدن هناك بحكم خارطتها الطائفية.

أخطار أمام الثورة

تحقق ـ كما هو معروف ـ المعارضة المسلحة تقدماً متواصلاً على الأرض. وواضح أن المعركة تجري بين طرف فائق القوة، ولكنه قابل للاستنزاف، وطرف ضعيف القوة، ولكنه غير قابل للاستنزاف. لهذا السبب يمكن التصوّر أن القول الفصل في نهاية المطاف سيكون «للجيش السوري الحر»... إلا إذا حدثت مفاجآت على المستوى العسكري أو مستوى التحالفات الاقليمية والدولية، تقلب هذه السيرورة، ولا يجب في أي حال استبعاد احتمال كهذا.

تحت هذا المستوى العريض من المسار العسكري يجب معاينة بعض ملامح هذا «الجيش السوري الحر»، والأوضاع في المناطق التي يسيطر عليها: أول الملامح أنه جيش مشرذم، بُنيته قائمة على عدد كبير من المجموعات المسلّحة، وذات العصبيات السياسية أو الدينية أو الجغرافية المختلفة، ويبدو أن توحيده (رغم تقدم ظاهرة المجالس العسكرية) صعباً إن لم يكن مستحيلاً، خاصة في ظل وجود زعامات مناطقيّة تستهويها الزعامة أكثر مما تستعجل الانتصار؛ وهكذا فما توافق عليه مجموعة، تختلف معه كتيبة، ويعارضه لواء! ثاني الملامح الواضحة يرتبط بالنقطة السابقة، وهو سيادة نوع من الفوضى الأمنية، وعمليات سرقة ونهب وخطف وطلب فدية (أشخاص ـ بيوت ـ معامل ـ صوامع حبوب ـ مخازن... إلخ) في العديد من المناطق، تقوم بذلك مجموعات محترفة لاعمال النهب، أو مجموعات من «الجيش الحر» للإنفاق على التسلح والإطعام... إلخ، ويُلحظ ذلك أكثر ما يُلحظ في مناطق الشمال والوسط، وإن كانت لا تخلو منه منطقة. ويبدو أن السلطات التركية تشجّع على ذلك، لأن المستفيد منه في النهاية هو التجار الأتراك. ورغم أن هناك العديد من المجموعات والكتائب (خاصة من المنشقين عن الجيش) تضبط الوضع في أماكن سيطرتها، غير أن ذلك ليس قائماً في كل مكان، والذي كثيراً ما يتم تحت مسميات دينية أو طائفية مخادعة. والحقيقة أن ما يحدث هو عمليات سلب ونهب وانتهاك، وليس له مسمى آخر. كل ذلك يُسيء الى المعارضة المسلحة، ويضرب مصداقيتها أمام عموم السوريين، ويضع ممارستها في نفس مصاف انتهاكات أجهزة النظام وشبيحته المعروفة.

ثالث الملامح، يتعلق بتصاعد النزعة الطائفية في المناطق التي خرجت من تحت سيطرة الجيش النظامي. ومما لا شك فيه أن النظام يتحمل المسؤولية الأولى في ذلك، فوحشيته، وعمليات القتل والتدمير والنهب تترك أوسع المجال أمام تصاعد النزعات الانتقامية الطائفية. ومما لا شك فيه أيضاً، أن وجود المجموعات السلفية والجهادية يلعب دوراً فاعلاً في تصعيد هذه النزعة المدمّرة للنسيج الاجتماعي السوري. وواضح أيضاً أن شعور الغبن المزمن يلعب دوره في هكذا ميل. كل ذلك ـ في نهاية الأمر ـ يصب في طاحونة النظام، أو في طاحونة ادعاءاته التي عمل عليها خلال عقود، وهدفها تخويف الاقليات من أي نظام بديل منه، خاصة إذا كان ذا سمة دينية.

رابع الملامح، هو ارتباط أغلب مجموعات المعارضة المسلحة تمويلاً وتسليحاً بقوى اقليمية ذات مرجعيات دينية (السعودية ـ قطر ـ تركيا)، والتي تأتمر بدورها براعيها الأكبر: الولايات المتحدة الأميركية، مما يشكل خطراً كبيراً على مستقبل سوريا ووحدة ترابها وشعبها. ففي حين يريد الشعب السوري من ثورته أن توصله الى دولة مدنية حديثة، دولة حرية، وكرامة، وتعددية سياسية، وعدالة ومساواة، وحقوق إنسان؛ دولة ديموقراطية، فإن الولايات المتحدة الأميركية تستهدف تفكيك حلف ايران ـ سورية ـ «حزب الله»، مما يمهد ـ وفق تصوراتها ـ الى رسم خارطة «الشرق الأوسط الجديد» أو الشرق الأوسط المفتت. بينما تستهدف دول الخليج ـ بعماء ما بعده عماء ـ ضرب ما يسمى بـ «القوس الشيعي» والانتصار «لجماعة السنة»، مهما كلف الأمر، ومهما ترتب عليه من تبعات، غافلة عن أن تفكك سورية سيجر الى تفكك دول الجوار، ولن تكون دول الخليج نفسها في مأمن منه.

لنلاحظ في هذا السياق، كيف أن شعارات الثورة في الحرية والكرامة تتراجع منذ سنة لصالح شعارات ورايات دينية، تمليها الدول الممولة في الخليج، والمجموعات السلفية المرتبطة بها.

لقد تم خلال ما يقارب من السنتين تحول يومي وتدريجي في مسار الثورة. فلقد انطلقت عفوية وسلمية، معبرة عن طموحات السوريين، لتصبح مسلحة ومدعومة من قوى خارجية، بالمال والسلاح والإعلام، ولتجد نفسها في كل يوم تبتعد خطوة عن أهدافها الحقيقية الأولى، ولتندرج في آليات عنف... ولتصبح في النهاية أسيرة لتلك الآليات، ولإرادة الدول الممولة، واضعة نصب عينيها شعار اسقاط النظام، غافلة عن أهدافها الأولى... في الحرية والكرامة والعدالة والديموقراطية. إننا نبتعد عن الثورة وأهدافها يوماً إثر يوم وننخرط في حرب اقليمية ـ دولية ذات طابع طائفي على الأرض السورية، وبدماء السوريين!

إن توحد الجيش السوري الحر، والحد من نفوذ دول الأقليم على قراراته وخياراته السياسية، ورفض الطائفية، ومقاومة نفوذ المجموعات السلفية الجهادية، وضبط الانفلات الأمني، هي تحديات كبيرة يتوقف عليها مستقبل سورية وملامح دولتها، ونمط عيش وتعايش أبنائها.

المعارضة

لا تنفك المعارضة الخارجية عن اعطائنا الدلائل تلو الدلائل على ضيق افقها، وارتهانها للخارج؛ فمن «المجلس الوطني»، الى «الائتلاف الوطني»، تبدو الصورة بائسة، فالجميع يستعجل «النصر»، والجميع يستهين بالدم السوري، والجميع يستهين باهتراء المجتمع والدولة، والجميع عينه على الغنائم التي ترد من دول الخليج، والجميع «يتقاسم جلد الأسد قبل صيده»!

إن التضحيات البطولية للشعب السوري، واصراره على استمرار ثورته على الرغم من كل عمليات القتل والتدمير والتهجير والاعتقال يستحقان معارضة خارجية من صنف مختلف؛ صنف يضع المصالح الوطنية العليا فوق كل شيء، وفوق أي أهواء ومغانم، وفوق كل اتجار بالثورة ودم أبنائها، وفوق كل ارتهان، وفوق كل طائفية، تُفكِك البلد وربما تقسّمه. كل ما سبق يبدو بعيداً عن تصورات وطموحات وعمل أغلب المعارضين في الخارج، ولا نقول كلهم.

تلفت النظر في الآونة الأخيرة التصريحات التي أطلقها رئيس الائتلاف والتي جرّت عليه هجوماً كبيراً من أعضاء في الائتلاف نفسه، والتي ما زالت تفاعلاتها قائمة. أهمية هذه التصريحات أنها كسرت محرمات مفتعلة لدى المعارضة الخارجية، واطلقت نقاشات حول حمّام الدم السوري، والانسداد العسكري الراهن، وضرورة الخروج منه. هذا؛ في حين يتبين منه أن المعارضة الداخلية في وضع لا تُحسد عليه؛ ضعيفة الفاعلية، وفقيرة المواد، فمن جهة عيون السلطة، وضغوطاتها عليها مستمرة، ومن جهة ثانية آلة الإعلام الخارجي الجبارة تحاربها، وهي تستطيع دوماً أن تقلب صورة الأشياء، فتحيل اللبن أسود، وسواد البترول قشطة شهية، وذلك بغية تطويعها كما طوعت ـ بل صنعت ـ «المجلس» و«الائتلاف». من جهة ثالثة وأهم، فعلاقتها بالحراك الثوري مخلخلة، ومقطوعة في كثير من الأحيان، مما يجر عليها انتقادات محقّة، خاصة عندما تعوّل على دور فاعل للدول الحليفة للنظام، بهدف الوصول الى المرحلة الانتقالية، بأقل قدر من كلفة الدم، مما تبدو السبل أمامه مقطوعة، سواء من قبل النظام أم من قبل المعارضة المسلحة، فكلاهما حتى اللحظة يراهنان على حسم عسكري... طال انتظاره، وعلت كلفته على المجتمع السوري.

 

نحو هزيمة النظام

 

يبدو النظام كمن يراهن دفعةً واحدةً على كل شيء في سبيل بقائه، فمن استخدام العنف الوحشي، الى قصف الأحياء والقرى، الى الاعتقالات والقتل والتعذيب، الى تقطيعه أوصال المدن، الى تهجيره لمئات آلاف السوريين الى داخل بلدنا والى دول الجوار، الى استباحة المناطق المقصوفة، وصولا الى استقالته من شمال شرق سورية مفسحاً المجال لسيطرة الأحزاب الكردية عليها أمنياً وادارياً! ورغم كل ذلك فإن «الجيش السوري الحر» ينتزع منه المناطق، الواحدة تلو الأخرى، بينما هو يكثف جهده العسكري والأمني في دمشق ومحيطها. وعلى المدى المتوسط ـ وفي حال استمرار العمل العسكري بايقاعه الحالي ـ فإن دمشق ـ طال الوقت أم قصر ـ ستصبح موطن التفجيرات الأعنف، وحقل العمليات العسكرية الأشد. إن استمرار العنف يأخذنا الى اهتراء الدولة والمجتمع، وربما يؤدي الى تقسيم بلدنا في النهاية الى ثلاث مناطق: الساحل، والمناطق ذات الاغلبية الكردية، وبقية الوطن السوري!

هذا السيناريو البشع، الذي لا يتمناه أي مواطن سوري، لا يتحمل مسؤوليته إلا النظام بقمعه الفاشي المديد، وبعدم اتاحته لأي شكل من أشكال تعبير المجتمع عن نفسه على مدى أربعة عقود، وبإغلاقه لأي نافذة لايجاد حل سياسي منذ الاسابيع الأولى للثورة. ومن ثم تتحمل مسؤوليته دول الخليج وتركيا والولايات المتحدة الأميركية، التي لا تتردد في تفتيت وطننا والتضحية بأبنائه، وجعلهم حطباً في أتون حساباتهم الجيوسياسية.

 

افتتاحية مجلة «الآن» الناطقة بلسان «حزب العمل الشيوعي» في سوريا.

=====================

في خراب الاقتصاد السوري

فايز سارة

السفير

23-2-2013

يبدو الاقتصاد السوري شبه مدمر بعد عامين من الازمة، وخراب الوضع الاقتصادي لا يحتاج الى جهد كبير لالتقاط مؤشراته. اذ هي واضحة في الاسواق وظاهرة في حياة السوريين اليومية، حيث البطالة ظاهرة عامة، ومثلها نقص السلع المستوردة والمحلية، وارتفاع اسعار المواد المختلفة بما فيها المواد الضرورية والاساسية بالتوازي مع انخفاض شديد بسعر العملة السورية مقارنة بالعملات الاجنبية، حيث فقدت الليرة أكثر من نصف قيمتها مقابل الدولار الاميركي في الاشهر الاخيرة، وهناك نقص كبير في امدادات الطاقة الكهربائية وفي المحروقات ووقود السيارات، وثمة تدهور في مستوى الخدمات العامة بما فيها خدمات الصحة والتعليم والمواصلات والاتصالات وغيرها.

غير ان مؤشرات الحياة اليومية، لا تبين كل الخراب في واقع الاقتصاد السوري، حيث هناك مؤشرات ووقائع أعمق في دلالاتها، ولعل الأبرز في تلك المؤشرات يمثله التوقف الكلي، او اغلب انشطة قطاعات الاقتصاد. ومنذ انطلاق التظاهرات في منتصف آذار 2011، توقف القطاع السياحي في أغلب فعالياته، وكل مشروعاته، التي كانت في طور البداية أو في طور التخطيط، واخذ التباطؤ يتسلل الى القطاعات الاخرى. فاصيب قطاع الاسكان والانشاءات بالانكماش، وتبعه القطاع الصناعي، الذي بدأ بعد ان تجاوزت الثورة اشهرها الاولى يتراجع، نتيجة الترديات الأمنية من جهة، وبفعل العقوبات الدولية التي جرى فرضها، والتي أثرت على استجرار الآلات والمعدات الصناعية والمواد الاولية، وبعض تلك الظروف ادى الى تراجع القطاع التجاري للاسباب السابقة ونتيجة انخفاض القدرة الشرائية للمستهلكين، والتركيز على استهلاك الضروريات. ولم يسلم القطاع الزراعي من اثر تدهور الاوضاع الامنية، والتي ترافقت في بعض المناطق مثل أرياف درعا، دمشق وإدلب باستهداف المناطق الزراعية وتدمير محاصيلها واشجارها من جانب القوى الامنية والعسكرية لاسباب انتقامية في بعض الاحيان.

ان الارقام يمكن ان تشكل دلالات مختصرة في بعض جوانب خراب الوضع الاقتصادي السوري، ومن هذه الارقام، انه تم استهلاك اغلب احتياطات النقد الاجنبي الذي كان يبلغ في ربيع 2011 حوالي 18 مليار دولار، وتراجعت الايرادات العامة للدولة في كل القطاعات، وتقلصت التحويلات المالية ومنها تحويلات السوريين العاملين في الخارج، وتوقف تنفيذ اتفاقات التمويل الاجنبية للمشاريع المختلفة، وتم هروب ما قدر بنحو 22 مليار دولار من رؤوس الأموال للخارج، وسجل الاقتصاد السوري مستوى انكماش نسبته 30 و40 بالمئة في العام الماضي، وغادر ما يزيد عن ستين بالمئة من رجال المال والاعمال السوريين للخارج، وتوقفت آلاف المعامل بصورة كلية منها اكثر من الف معمل قيل إنها نقلت الى تركيا.

ان خراب الاقتصاد السوري، كان ثمرة ثلاثة من العوامل الاساسية، العامل الاول فيها والاهم يكمن في طبيعة الحل الامني العسكري الذي اختاره النظام في مواجهة الثورة الشعبية، التي انفجرت احداثها في آذار 2011، حيث بدأ استخدام القوة ضد التظاهرات الشعبية، ثم شملت عمليات القتل والجرح والاعتقال، وسرعان ما تطورت الامور الى حصار المدن والقرى واجتياحها، واغلاق الطرق العامة، ما شل الحركة العامة وعطل عمل كثير من المؤسسات الاقتصادية الانتاجية والخدمية، واوقف الخطط والمشاريع التي كانت في طريق التنفيذ، ثم اضيفت الى ذلك اعمال القصف المدفعي والجوي ثم الصاروخي، التي طالت مدناَ وقرى، تم بفعلها تهجير ملايين السكان ودمار جزئي للبنية التحتية اضافة لما تم تدميره من مؤسسات ومعامل في محيط المدن، وخاصة في ريفي دمشق وحلب، حيث تتمركز آلاف المؤسسات الصناعية والحرفية ومشاريع الانتاج الزراعي والحيواني، لقد دمر الحل الامني ـ العسكري في احد فصوله المجنونة شبكة الاسواق التجارية في حلب القديمة.

والعامل الثاني الذي انتج الخراب الاقتصادي، تمثله سياسات الحكومة السورية، التي بدا ان سياساتها ملحقة بالحل الامني العسكري، وليس الاخير سوى جزء من تلك السياسة. وفي سياق تلك السياسة وضعت كل امكانيات الحكومة تحت تصرف الآلة العسكرية ـ الامنية، سعياً الى توفير كل الامكانيات المالية للاحتياجات العسكرية، بل ان الامر تطور لاحقاَ الى اقرار موازنة سورية، هي «موازنة حرب» يصرف الجزء الرئيسي منها على الجيش والامن والشبيحة ورواتب الموظفين وبعض النفقات الضرورية الأخرى لتسيير ماكينة الدولة حتى تظل حاضرة ومسيطرة، وللدلالة «أن الدولة ما زالت قائمة»، وتم تخصيص القسم الرئيس من الاستهلاك النفطي لمصلحة الآلة العسكرية، وكذلك القسم الاهم من الموارد المالية، وبهذا توقفت او كادت المشاريع والانشطة الخاصة بمؤسسات الدولة بما فيها المؤسسات الانتاجية ومنها محطات انتاج الطاقة الكهربائية نتيجة نقص الوقود وتوقف المواصلات وخراب البنى التحتية التي لا تتوفر موارد لاعادة اصلاحها وتأهيلها.

اما العامل الثالث للخراب الاقتصادي، فكان في نظام العقوبات التي تم اتخاذها ضد سوريا، والتي رغم انها كانت موجهة الى مؤسسات محددة وشخصيات معينة داخل النظام، فإن انعكاساتها على الدولة والمجتمع كانت عامة، ذلك ان في نتائجها، تم التدهور في القدرة السورية على تمويل عمليات الاستيراد بما في ذلك استيراد مواد اساسية تشمل معدات ومواد صناعية أولية ومتممة، كما ادت العقوبات الى منع وصول تحويلات المغتربين السوريين والمقدرة بقرابة مليار دولار سنوياً الى الداخل السوري.

إن الخراب الذي أصاب الاقتصاد السوري مستمر في تدهوره، وسط معالجات لفظية ديماغوجية، وحلول ترقيعية، تثبت كل يوم عدم مقدرة السلطات السورية على معالجته بصورة جدية، لأن المدخل الاساسي في اي علاج للوضع الاقتصادي يكمن في وقف العمليات العسكرية وأخذ البلاد الى حل سياسي، يوقف الدمار ويبدأ في توفير اساسيات الحياة للسوريين، ومعالجة ما جرى تخريبه وتدميره في العامين الماضيين.

=====================

هَمُّ الحدود... وَهمُّ موسكو!

الياس الديري

2013-02-23

النهار

نادراً ما استطاعت قضية، أو أزمة، أو حرب اهلية، جمع "شمل" اميركا وروسيا في موقف واحد، على رأي واحد، في اتجاه واحد. لذا يبدو لقاء "الضدّين" في نطاق الحرب السورية المدمّرة كأنه استثناء، بل حدثٌ جديرٌ بلفتة خاصة...

فهل التفجيرات الدمشقيّة الأخيرة، والمناوشات الصاروخيّة المفاجئة بين "حزب الله" و"الجيش السوري الحر"، وعبر الحدود والقرى اللبنانية – السورية، هي الدلالات الميدانيّة التي تسبق عادة مواعيد الدخول في صلب الحلول والحوارات والمخارج السلميّة المحتملة؟

الكلام الصادر عن اجتماعات القاهرة في هذا الخصوص، والكلام الآخر المنسوب الى رئيس الحكومة الروسيّة دمتري ميدفيديف،  يُبرزان إشارات ومواقف واستعدادات روسيّة جديدة على جانب من الأهمية، وجديرة بالتأمّل، ومحاولة اكتشاف ما خلف أكمتها.

فإلى جانب الموافقة على "ألا يكون الرئيس بشار الأسد طرفاً في أيّة تسوية مرتقبة أو محتملة"، أكّد ميدفيديف في تصريح جديد له "أنّ الهم الأوّل والأساسي بالنسبة إلى روسيا يتمثّل في الدرجة الأولى بإحلال السلام في سوريا، وليس مصير بشّار الأسد".

إلا أنّ هذه التطوّرات التي لا تزال تعبّر عن تمنيات، أو توجّهات في أفضل الحالات، قد تشكّل منطلقاً وأساساً لبدايات لا بد من ولوجها... تمهيداً لبلوغ الأهداف المرجوّة: أيّ، التسوية السلمية التي تضع حداً لأخطر حرب عرفتها سوريا في تاريخها الحديث كما القديم.

إلى ذلك، وفي السياق ذاته إنما من الزاوية اللبنانية، أو مما تشهده الحدود اللبنانية – السورية من تطوّرات ميدانيّة "مصوْرَخَة"، لم يعد السؤال السياسي الأبرز، لبنانياً، محصوراً في نطاق قانون الانتخاب... وما إذا كان الاستحقاق النيابي سيُرجأ أو يُستبدل بالتمديد، بل تقدمه وبأشواط بعيدة، إقليمياً ودولياً، الشق الأمني وخفاياه ونيّات مَن هم خلفه، وأبعاده الداخلية المفتوحة على كل الاحتمالات... واعتبار مسؤولين كبار أن ما يجري على الحدود أمر في منتهى الخطورة، يجب استدراكه عاجلاً وسريعاً.

وخصوصاً بعدما أُدخل "حزب الله" وسلاحه و"جنوده"، ولسبب لا يزال ملتبساً، في صميم الأزمة العسكرية – السياسيّة – الإقليميّة – الكبرى التي تجتاح حربها المدمّرة كل المناطق والمدن والحدود السورية، وبشراسة غير مسبوقة.

لا شكّ في أن هذا التطور، الذي اختلفت الآراء فيه والتفسيرات له، قد أدخل الوضع اللبناني في مأزق جديد لا يزال في بداياته، ولا يزال من السابق لأوانه التورّط في أية تقديرات أو تحليلات، في انتظار نتائج الاتصالات والمساعي التي تُبذل على مختلف الصعد، لبنانياً، وإقليمياً ودولياً.

ومما ضاعف معيار القلق لدى اللبنانيين إعلان الناطق باسم "الجيش السوري الحر" أن "حزب الله أصبح عدواً وجزءاً من المعركة".

=====================

الثورة السورية أعمق تأثيراً على لبنان من نكبة فلسطين

جهاد الزين

2013-02-23

النهار

أية حدودٍ سيصلها الزلزالُ السوريُّ في تأثيره على لبنان وهو لا يزال في "بدايته"؟ وأية انعكاساتٍ بنيويّةٍ عليه؟

 

كل اللبنانيين يعرفون سوريا بصورة أو بأخرى. هنا التعميم لا يحمل أي مبالغة. لكن اندلاع الثورة السورية عام 2011 أخذ يعرّفهم على المزيد من هذه السوريا بمن فيهم أمثالي الكُثر الذين كانوا يعتقدون أنهم يعرفونها جيدا. نتلمّس هذا التنوع الآن كمن ينتبه إلى خسارة جمّة. وأرجو أن لا تكون كمن يتحسّس "جثة" بلد.

كان النظام العسكري الذي حكم سوريا منذ 1958 يحبس تنوّعَ سوريا. الأدق القول يحبس إمكانيات هذا التنوع عن التعبير السلمي السياسي عن نفسه. جزء مهمٌ من حدة انفجار البركان عام 2011 هو طول مدة الكبت والاحتقان. هذا النظام العسكري ولاسيما منذ العام 1966 حافظ على السلم الأهلي بل السلم الاجتماعي لا بل من مفارقات الاستبداد أنه حافظ على نوع من الازدهار الاجتماعي. إنما مقابل كبتٍ غير طبيعي لشخصية سوريا العميقة.

أيا تكن العوامل الخارجية للوضع السوري فإن المدى العنيف لانفجاره، العمودي والأفقي، هو حصيلة أكيدة لشراسة الكبت السابق الذي دخلت عليه "لعبة الأمم" الخبيثة دافعةً حِمَمَهُ بلا رحمة إلى أقصى ما في هذا المدى من مدى.

نحن – أي لبنان - في القلب. ما يميِّز وضعنا أننا لسنا جغرافياً و سياسيا وديموغرافيا مثل تركيا والأردن والعراق على أطراف سوريا. نحن في قلبها. الأردن كان ولا يزال في قلب نكبة 1948 لكنه رغم أعبائه السورية الكبيرة طرفيٌّ فيها. مثلما كان لبنان، رغم أعبائه الكبيرة المستمرة، طرفيّاً في الشأن الفلسطيني.

لا نزال في بداية التأزم السوري  الذي ينبغي لأي عاقل أن يتوقّع امتداده لسنوات طويلة قبل التسوية وبعدها.

دولة ومجتمع من 23 مليون نسمة هما الآن في تأجّجٍ وتماوجٍ وفيضان عنفي بشري هائل يقذف يوميا على محيطه الشمالي والجنوبي والشرقي وعلى الجزيرة الموجودة غربا في قلب بحره، الجزيرة التي هي لبنان، يقذف يومياً موجاتٍ عارمةً من البشر وفلول الطبقات الاجتماعية. إنهم معدمون وفقراء وميسورون وأغنياء ومعهم فاقَتُهُمْ البائسة وخيراتُهم الوفيرة واقتصادهم الشرعي واقتصادهم غيرالشرعي وأفكارهم وخيباتهم ومآسيهم ومشاريعهم وطموحاتهم الجديدة... العاصمة بيروت  تستأثر حاليا بجزء مهم من ديناميكية البورجوازية السورية القادمة في حال طوارئ إما مؤقتاً في طريقها إلى بلاد جديدة أو ما سيبقى منها بشكلٍ دائم. كما أخذت بيروت تستقطب بشكل صامت مع ارتفاع تدريجي في صوت هذا الاستقطاب كفاءاتٍ ثقافية وعلمية وفنية بدأت بعضُ الجامعات والمؤسسات باستخدامها وتوظيفها. أما الفقراء فيتوزّعون عشوائيا في جميع المدن والمناطق: المسيحيون في جبل لبنان أساسا وبشكل أقل ضجيجا تستوعبهم الطاقة التنظيمية الضخمة للمؤسسات الدينية المسيحية والمدنية، وفي الشمال والبقاع والجنوب المسلم تُحتضن أعدادٌ من النازحين لا يمكن إحصاؤها بدقة في الظرف الحالي وتستوعبها المؤسسات السياسية والدينية والمدنية، المختلفة، بفوضى هنا، بانهماك ضاغط هناك وهنالك... مع مشاركة لبعض المؤسسات الدولية والعربية.

23 مليوناً في حالة حراك مأسوي فَرَضَتْها المواجهةُ الجارية في سبع مدنٍ سورية ومحيطها الواسع دفعة واحدة. بُعْدٌ عنفيٌّ غير مسبوق حتى في حربنا الأهلية (اللبنانية) العالية القذارة وهو عنف مختلف أيضاً حتى قياسا بعنف الاحتلال الإسرائيلي الاستئصالي في الضفة الغربية.

لا سابق في العصور الحديثة وربما في كل الحقبة العثمانية لما تشهده هذه المناطق الشاسعة من بلاد الشام. لا سابق لهذا "التحاطم" الذي تنبعث من فضائه مناخات الكارثة الدهرية. فحسب ذاكرةِ وعيِنا التاريخي الرسمي ربما تكون بلاد الشام قد شهدت مثل هذه الشمولية في العنف آخر مرة خلال الغزو المملوكي قبل سبعماية عام؟

23 مليوناً: حجم حراكي تراقبه الطائفيّات اللبنانية المهجوسة بالعدد وتعرف أنها لم تتعامل مع حجمه سابقا حتى في عام 1948.

في النتائج السياسية على لبنان -وهي نتائج بادئة- انخراط الحزب السني الحريري انخراطا عميقا في دعم الثورة بما فيه الدعم التسليحي، وشراكة "حزب الله" الشيعي شراكة لا تردّد فيها (ولا خيار فيها) في الصراع من موقع التحالف الاستراتيجي الإيراني إلى جانب النظام، أكثر أشكالها هامشية وأقلها فاعلية هي المشاركة القتالية المباشرة على بعض الأطراف قياسا بأشكال الارتباط الفعالة تحت "الطاولة". انقلاب حقيقي في استراتيجية الكنيسة المارونية بتوجيه فاتيكاني لا مثيل له منذ تأسيس الكيان اللبناني... إعادة تكيّف دقيقة ومتفاوتة حتى اللحظة بين المكوّنات الدرزية الرئيسية الثلاث في المنطقة: جبل لبنان وجبل السويداء (ومعه الجولان) و دروز الجليل الأعلى...

باختصار: ثمة "قواعد ألعاب" طائفية في لبنان آخذة بالتغيّر وتتأملها "الطوائف" اللبنانية كجماعات سياسية....

 نحن في البركان وهذه سوريا. هل تسمع جيدا ؟ هذه سوريا ... ويا لَهول ما يتغيّر عندنا...

=====================

حوار النظام السوري والمعارضة في روسيا

تلزيم أميركي لموسكو أم امتحان لتأثيرها؟

 روزانا بومنصف

    2013-02-23

النهار

طالب ائتلاف المعارضة السورية الذي اجتمع في القاهرة ان يكون اتفاق السلام في سوريا برعاية مشتركة اميركية - روسية، في ظل سعي روسيا الى رعاية حوار بين النظام والمعارضة من خلال زيارة مرتقبة لوزير الخارجية وليد المعلم لموسكو الاسبوع المقبل، ثم زيارة رئيس الائتلاف معاذ الخطيب لاحقا. ولعل الائتلاف اتعظ لهذا الموقف من التجربة اللبنانية خلال الحرب، علما ان الكثير مما يجري في سوريا يظهر عدم اتعاظ النظام واركانه من حرب ادارتها سوريا بجدارة لدى الجار الاصغر طيلة ثلاثة عقود، حين لزمت الولايات المتحدة لبنان الى سوريا مكتفية ببيانات تؤكد المحافظة على استقلاله وسيادته في حين كان يرزح تحت الوصاية السورية ويخشى امرا مماثلا. والواقع ان ترك الولايات المتحدة الامر لروسيا من اجل ان تعمل على تغيير حسابات الرئيس بشار الاسد، كما اعلن وزير الخارجية الاميركي الجديد جون كيري الذي يستهل غدا جولة في اوروبا والشرق الاوسط ليستمع خلالها وفق ما اعلن الى افكار قادة اوروبا والمنطقة حول الازمة السورية، يخشى ان يكون شبيها بتلزيم الولايات المتحدة الوضع في لبنان لسوريا سابقا في ضوء الانسحاب الاميركي من اي موقف فاعل او مؤثر في الشأن السوري منذ الانتخابات الرئاسية الاميركية.وقد عمدت سوريا في اثناء الحرب الى قولبة الحل في لبنان وفق مصالحها وبما يضمن سيطرتها الابدية عليه وتحكّمها في مصير ابنائه قبل ان يفجر النظام بنفسه الوضع اللبناني في وجهه من خلال الاصرار على فرض التمديد للرئيس اميل لحود، ثم اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما استتبعه تاليا من انعكاسات لبنانية ودولية. وفيما تبرز الخارجية الاميركية زيارة كيري للمنطقة دليلا على ان الولايات المتحدة لم تنسحب من منطقة الشرق الاوسط على ما يسري بقوة في الاوساط السياسية والاعلامية، فان المصادر المعنية تعتقد ان على الولايات المتحدة ان تظهر ذلك عملانيا بدل ان تدافع عن نفسها قولا فيما يعاكسها اداؤها خصوصا مع انحسار اي موقف مهم وجديد حول المنطقة وسوريا تحديدا للرئيس الاميركي في خطابه عن حال الاتحاد قبل اسبوعين.

ويختلف التقويم في تسليم الولايات المتحدة بهذا الدور لروسيا بين مؤيد ومنتقد، وكذلك الامر بالنسبة الى اضطلاع روسيا بهذا الدور. اذ هناك من يقول ان روسيا ليست فريقا مستقلا وهي لا تتصرف كحكم في الصراع الجاري في سوريا، بل هي احد ابرز الاطراف الداعمين للنظام ومن يؤمن ضمان استمراريته في السلطة في ظل متابعة امداده بالاسلحة ورفض اشتراط رحيله قبل التفاوض على المرحلة الانتقالية، وهي تاليا لا توحي الثقة بان رعايتها للحوار ستكون حيادية ومستقلة، شأنها شأن ايران في هذا الاطار. في حين ان هناك من يعتقد ان روسيا ستكون على المحك في اظهار قدرتها على التأثير على النظام وممارسة ضغوط عليه من اجل التنازل على طاولة الحوار. وتقول المصادر ان الدول العربية لا تعترض على ترك المجال امام روسيا لتستأثر بادارة الحوار بين النظام والمعارضة على رغم عدم وجود اوهام بان الامر يمكن ان يؤدي الى اي نتيجة.بل سيظهر ذلك، اذا كان لروسيا فاعلية في التأثير على النظام ام لا، وخصوصا في ظل التراجع الاميركي الواضح عن المطالبة برحيل بشار الاسد والضغط على المعارضة للتخلي عن رحيله كمطلب مسبق لبدء التفاوض. وكانت زيارة الوفد من الجامعة العربية لروسيا في الايام القليلة الماضية للمشاركة في المنتدى الروسي العربي حول سوريا اكدت استمرار الخلافات بين الجامعة العربية وموسكو في شأن الوضع في سوريا، على نحو انعكس في الآراء داخل المعارضة السورية نفسها المتحفظة ككل عن مبادرة رئيس الائتلاف للحوار مع النظام او من يمثله، على نحو يترجم كما تقول المصادر المعنية تأثر المعارضة بالاتجاهات السائدة بين قيادات الدول العربية الداعمة لها على هذا الصعيد. كما ان مصر عادت تتحدث عن تعويم مبادرة رئيسها ومحاولة دمجها مع اقتراحات رئيس الائتلاف، في موازاة تولي موسكو مسؤولية الدعوة الى ادارة حوار بين النظام والمعارضة. وتقول المصادر المعنية ان التدخل الايراني المباشر او عبر "حزب الله"، الى جانب النظام على النحو الذي كشف علنا في الاسبوعين الاخيرين، يخشى منه، ليس فقط استدراجا او توريطا قسريا للبنان وتاليا احتمال امتداد القتال الى خارج سوريا بما قد يغير قواعد اللعبة المحصورة حتى الان في سوريا ويمكن ان يهز الاستقرار في المنطقة، بل قد يشعل وضعا اسوأ من ذلك الذي ساد العراق بين السنة والشيعة، ولعل السيارات المتفجرة في دمشق من ابرز المشاهد التي تعيد العراق الى الواجهة في هذا الاطار. كما ان الدول العربية لن تترك لايران ان ترسي الواقع الذي تريده من خلال اطالة عمر الرئيس السوري في السلطة. وتقول المصادر ان الولايات المتحدة تتذرع بزيادة نسبة الجهاديين في سوريا، علما ان ترك الامور على حالها ساهم في جعل سوريا ساحة المواجهة البديلة لكثير من الافرقاء، وتحت عناوين مختلفة، كما تذرعت بالمحافظة على المؤسسات السورية وعدم تفككها من اجل تبرير عدم التدخل، في حين ان ما حصل حتى الان يهدد بتفكك هيكلية الدولة ككل. ومعلوم ان عدم استدراك الامور مع التدخل الايراني وتدخل "حزب الله" قد يشعل حربا شيعية سنية تلهب المنطقة وترميها في المجهول.

=====================

دمشق: النار تقترب من بشار

 علي حماده

2013-02-23

النهار

تتسارع وتيرة القتال على الارض في سوريا، ويتبين مع الوقت ان النظام يكاد يفقد المبادرة في العاصمة دمشق، بالرغم من تمتعه بتفوق عسكري ولا سيما لجهة القوة النارية والتسليح، في مواجهة آلاف الثوار الذين يتدفقون الى محيط العاصمة تمهيدا لخوض المعركة الكبرى في دمشق. والحال ان العاصمة ما عادت حصنا امينا للنظام ولقادته الكبار الذين تتردد معلومات من الحلقة الضيقة لبشار الاسد انهم انتقلوا الى الضواحي، ولا سيما في الغرب والشمال حيث العلويون والاكراد الموالون يغلبون على التركيبة السكانية. وايا تكن الجهة التي قامت بسلسلة التفجيرات الدموية قبل يومين، والتي ذهب ضحيتها مدنيون كثر، فإن الامر يشير في مطلق الاحوال الى ان قلب العاصمة ما عاد خارج نطاق الصراع الدموي، وهذا من شأنه ان يزيد من الشعور بانعدام الامان لدى اقطاب النظام وضباطه الكبار الموجودين في العاصمة للدفاع عن القصر الجمهوري.

في الميدان، اشارات عدة تكشف عن تصدعات كبيرة في قوة النظام وعدم قدرته على الاستمرار طويلا في القتال. فاللجوء الى استخدام الطيران العسكري بكثافة هائلة في المواجهات يؤكد انخفاضا كبيرا في القدرات القتالية البرية. والبدء باستخدام مكثف لسلاح الصواريخ الباليستية ( سكود) التي تطلق من قواعد في ريف دمشق نحو اهداف في حلب والشمال السوري انعكاس لانقطاع خطير في خطوط الامداد، والخوف من استخدام الطيران مع ارتفاع معدلات اسقاط الطائرات يوما بعد يوم.

في المقلب الآخر، ثمة انباء تؤكد سحب الفرقة الخامسة المتمركزة في الجولان كقوة دفاع رئيسية في مواجهة اسرائيل، وترك الحدود مشرعة بالكامل هناك بعد اعادة نشر قوات الفرقة المذكورة في محيط دمشق، وهو امر في غاية الخطورة ويرمز الى استدعاء الدفاعات الاخيرة من الاحتياط الاستراتيجي للدفاع عن دمشق والطريق الدولية بين دمشق ولبنان. اما العنصر اللافت حقا فهو دخول "حزب الله" علنا ومباشرة في المعركة على اكثر من جبهة، بدءا من الزبداني والسيدة زينب وصولا الى طريق مطار دمشق الدولي. ومن ناحية ثانية انتشار قوات "حزب الله" على طول حزام داخل الاراضي السورية يمتد من طريق دمشق - بيروت الدولية صعودا نحو بلدة القصير وجنوب حمص. والانتشار يتخذ شكل احتلال قرى سورية بذريعة انها مسكونة من سوريين حاملي هويات لبنانية، وهم شيعة. وصارت الانباء عن حدوث اشتباكات بين الثوار و"حزب الله" في تلك المناطق السورية، وحصول اعمال قصف صاروخي داخل الاراضي اللبنانية، مشهدا يتكرر يوميا. ولا يستبعد الكثيرون ان تكون حادثة عرسال قبل اسبوعين اتت في اطار خطة لتحييد هذه البلدة عن الداخل السوري، وبالتحديد على مستوى الدعم للثوار.

=====================

خطران يهدّدان أمن لبنان بعد الأسد:

سلاح "حزب الله" وضربة عسكرية لإيران

  اميل خوري

2013-02-23

النهار

هل تكون مرحلة ما بعد الأزمة السورية وسقوط نظام الرئيس بشار الأسد أشد خطراً على لبنان من مرحلة استمرارها؟

أوساط رسمية وسياسية وشعبية توقفت عند قول الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في "مجمع سيد الشهداء" في الرويس: "ان كل من يراهن على ان سوريا اصبحت خارج معادلة اي معركة يمكن ان تحصل مع العدو الاسرائيلي وان حزب الله هو الآن في لحظة ضعف وارتباك مخطئ. فالمقاومة هي في كامل عدّتها ولا تحتاج الى ان تنقل سلاحا لا من سوريا ولا من ايران، وكل ما تحتاجه للمعركة إن وقعت موجود عندنا في لبنان".

هذا معناه ان سقوط النظام في سوريا اذا ما حصل لن يغير شيئا في قوة "حزب الله" ويخطئ من يراهن على ضعفه واضطراره الى تقديم تنازلات.

وهذا معناه أيضا ان "حزب الله" قد لا يحرك ساكنا ما دامت الازمة السورية على ما هي، لأن لا مصلحة له في تعكير الامن في لبنان لئلا يؤثر ذلك على مصير حكومة هي حكومته، وهي تغطي كل سياساته الداخلية والخارجية، وله مصلحة في أن تبقى أطول مدة ممكنة، وإلا لكان في استطاعته أن يجعل من الحوادث الأمنية التي تقع هنا وهناك تتسع دائرتها ويهتز الامن والاستقرار المبرر  الوحيد الذي يشفع ببقاء الحكومة، بدليل ان نصر الله طالب في كلمته "بإبعاد لبنان عن الصراع في سوريا وعن كل ما يؤدي الى انتقال الصراع الى داخل الساحة اللبنانية، اذ ليس هذا من مصلحة لبنان على الاطلاق". إذاً، لا خوف على الامن والاستقرار في لبنان ولا على السلم الاهلي ما دام "حزب الله" لا يرى مصلحة له في تعكيرها وما دامت الازمة السورية لم تحسم، وكل طرف يراهن على ان تحسم لمصلحته. لكن الخطر على الامن والاستقرار قد يصبح داهما إذا ما سقط النظام السوري وبات على "حزب الله" ان يكون له موقف ممن سيحاولون التضييق عليه والضغط لجعله يتخلى عن سلاحه من دون اي مقابل او لكسب سياسي. فالخطر على امن لبنان واستقراره ليس خلال مرحلة الازمة السورية وانما ما بعدها اذا انتهت بسقوط نظام الرئيس الاسد. والخطر على الامن في لبنان يأتي إما من الداخل عندما يرفض "حزب الله" التخلي عن سلاحه الا بشروط قد لا يقبل بها الطرف الآخر، ومن هذه الشروط اعادة النظر في دستور الطائف، على اساس اجراء توزيع جديد لصلاحيات السلطات الثلاث، بحيث تصبح أكثر عدلا وانصافا وتوازنا، والاتفاق على اسس قيام الدولة القوية التي تستطيع حماية الجميع خصوصا من خطر اسرائيل.

اما الخطر الخارجي فقد يأتي من احتمال عدم التوصل الى تفاهم مع ايران حول برنامجها النووي، ويخشى عندئذ ان تتعرض ايران لضربة عسكرية لن ينجو لبنان ولا المنطقة من تداعياتها.

لذلك يمكن القول أن لا خوف على الامن والاستقرار في لبنان ولا على السلم الاهلي ما دامت الازمة السورية لم تحسم لمصلحة هذا الطرف أو ذاك كي يبنى على الشيء مقتضاه، وكل ما يخشى ان يعانيه لبنان من استمرار هذه الازمة هو من وضعه الاقتصادي والمالي الذي يزداد جمودا وركودا وشللا تولّد مشكلات معيشية واجتماعية يصعب على اي حكومة التصدي لها بعلاجات شافية. لكن الخوف على أمن لبنان واستقراره هو ما بعد انتهاء الازمة وكيف ستنتهي وسلاح "حزب الله" باق في يده وقادر على ان يقلب الطاولة اذا لم يحصل على ما يريد. واللافت قول السيد نصرالله في كلمته الاخيرة: "لو ان هدف سلاح الحزب الوصول الى السلطة لما كان قدم تنازلات لأننا نؤمن بقيام الدولة وباتفاق الطائف وبتطوير النظام والمناصفة والشراكة الوطنية الحقيقية، وليس مشروعنا ان نحكم لبنان ولا السلطة بلبنان". قال الرئيس امين الجميل في حديث صحافي ادلى به في تموز 2012: "لا اعتبر ان رجلا عاقلا يمكن ان يراهن على عودة الرئيس الاسد ليحكم البلد وكأن شيئا لم يكن، وان تداعيات الازمة السورية على لبنان تخيفني، لذا طلبت من البداية تحييد لبنان عن التطورات في سوريا". ويسمع الجميل من يراهن على سقوط النظام السوري للانقضاض على "حزب الله" فيصف ذلك بالكلام الساذج وغير المسؤول، فـ"حزب الله لن يسقط مع الاسد ولن يلغيه، لكن اذا أحسنا توظيف الاحداث في سوريا فتكون أول فرصة جدية لتوحيد البلد واجراء مصالحة حقيقية لن تتم الا مع الاطراف الاساسيين بمن فيهم حزب الله".

الى ذلك، ترى اوساط سياسية مراقبة ان الخطر على الامن والاستقرار في لبنان ليس خلال مرحلة الازمة السورية إنما خلال مرحلة حسمها لأنها المرحلة الاخطر على لبنان إذا لم يواجهها اللبنانيون بوحدة موقف ومصالحة وطنية شاملة. والخطر الآخر هو خارجي ويتأتى من اسرائيل اذا قررت توجيه ضربة عسكرية لايران بسبب البرنامج النووي، فوضع "الستاتيكو" في لبنان مستمر ما استمرت الازمة السورية، والخطر الداهم من الداخل او من الخارج هو ما بعد انتهاء الازمة.

=====================

 قلادة شرف سُورية لقناة الجزيرة؟!

ياسر محجوب الحسين

23فبراير2013

الشرق القطرية

آخر قصص النظام السوري الآيل إلى السقوط، إصدار وزارة المالية السورية قراراً يقضي بالحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة لمواطنها "فيصل القاسم" معد ومقدم برنامج الاتجاه المعاكس بقناة الجزيرة الفضائية، وهذا ليس خبراً مدسوساً أو صادرا من المعارضة بل جاء ذلك وفقاً لما نقلته صحيفة الثورة السورية المحسوبة على النظام.. النظام السوري اتهم "القاسم" بالتآمر على الدولة وإثارة الحرب الأهلية؟! على كل حال تعتبر تلك الإجراءات التعسفية في حق "القاسم" صك براءة وقلادة شرف وطنية على صدره.. ليس جديداً أن يستهدف الطغاة الإعلام والإعلاميين، والطغاة عبر العالم هم طغاة سواء كانوا عرباً أو أمريكيين أو أوروبيين.. في يوم 13 نوفمبر 2001، وأثناء الغزو الأمريكي لأفغانستان دمرت ضربة صاروخية أمريكية مكتب قناة الجزيرة في كابل، بيد أنه قبل 11 سبتمبر 2001، أشادت حكومة الولايات المتحدة بالجزيرة لدورها كوسيط إعلامي مستقل في الشرق الأوسط؟! المدهش أن الجزيرة اكتسبت اهتماماً عالمياً في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001 لأنها كانت القناة الوحيدة التي تغطي الحرب على أفغانستان على الهواء مباشرة من مكتبها هناك وبمهنية عالية.. لقد كان جزاء مدير مكتب القناة في كابل تيسير علوني الاعتقال في إسبانيا التي يحمل جنسيتها، في 5 سبتمبر 2003، بتهمة تقديم دعم لأعضاء في تنظيم القاعدة!! رغم ثبوت عدم إدانته في كل التهم الموجهة إليه، إلا أن القاضي الإسباني حكم عليه في 26 سبتمبر 2005 بالسجن لمدة سبع سنوات.

فيما بعد كانت معالجة الجزيرة للحرب على العراق محل غضب أمريكي – بريطاني، وكان للرئيس الأمريكي السابق موقف مشهود ومخذ من القناة وصل حد الحقد الدفين؛ فقد نشرت صحيفة الديلي ميرور البريطانية في 22 نوفمبر من العام 2005م موضوعاً حصرياً على غلافها تقول فيه إن الرئيس "بوش الابن" خطط لتفجير مبنى قناة الجزيرة في بلد عربي صديق حسبما كشفت عنه مذكرة سرية جداً top secret صادرة عن 10 داوننغ ستريت.. الديلي ميرور أوردت تقول: (كشف بوش عن فكرته في ضرب المدنيين في الجزيرة أثناء قمة عُقدت وجهاً لوجه في البيت الأبيض مع توني بلير في يوم 16 أبريل من العام 2004م).. وسبق ذلك في 8 أبريل 2003م وبعد أسابيع من غزو العراق أن قصفت الولايات المتحدة مكتب الجزيرة في بغداد وقتلت المراسل طارق أيوب رغم أن الجزيرة تحسبت لذلك وأبلغت الولايات المتحدة لتحديد بإحداثيات مكتبها قبل الحادث الأليم، وذلك لتجنب التعرض لنيران القوات الأمريكية، ومازالت ديما طهبوب، أرملة طارق أيوب، تواصل السعي من أجل تحقيق العدالة لمقتل زوجها، فكتبت لصحيفة الجارديان، وشاركت في فيلم وثائقي بثته قناة الجزيرة الإنجليزية.. عندما ذهب طاقم الجزيرة لإعداد تقرير يتضمن لقطات بيانية من داخل العراق، شجب مسؤولون أمريكيون القناة واعتبروها معادية للولايات المتحدة، وتحرض على العنف.. نعم لقد أغضبت الجزيرة حكومتي لندن وواشنطن حيث (قلاع الحرية الصحفية) المفترى عليها بتغطيتها لأحداث الغزو الأمريكي الأوروبي للعراق.. صحيفة الديلي ميرور قالت أيضاً (تثير مذكرة داوننغ ستريت اليوم شكوكاً جديدة حول مزاعم الولايات المتحدة أن الاعتداءات السابقة على مكاتب الجزيرة كانت مجرد أخطاء عسكرية).. الجزيرة بدورها استنكرت هذه الأنباء وأصدرت بياناً طالبت فيه بريطانيا والولايات المتحدة بتوضيح موقفيهما من هذه الأنباء وجاء في البيان أنه: (إذا ما تبين أن التقرير صحيح فإن ذلك سيكون صدمة قاسية ليس للجزيرة فقط بل ولجميع المؤسسات الإعلامية في العالم بأسره، وسيلقي بشكوك جدية على تبريرات الإدارة الأمريكية لحوادث سابقة استهدفت صحفيي الجزيرة ومكاتبها).. ذلك الخبر الفضيحة أثار موجة من التعليقات الاستنكارية في أجهزة الإعلام العالمية المختلفة، ونشرت صحف الإندبندت والتايمز والجارديان البريطانية رسوماً كاريكاتورية تنتقد وتسخر من تلكم الخطة المعطوبة بسوء الغرض. كذلك تغطية الجزيرة للثورة الليبية في 2011 لم تعجب زعيم ليبيا السابق معمر القذافي، فتعرض علي حسن الجابر رئيس قسم التصوير بقناة الجزيرة للاغتيال في كمين تعرض له فريق القناة بمنطقة الهواري جنوب غرب مدينة بنغازي.. الجابر رجل كان واثقا من نفسه كالنسيم على قناعة تامة بأهمية دوره.

 

=====================

تفجير دمشق المثالي!

منار الرشواني

الغد الاردنية

23-2-2013

قريباً من مقر حزب البعث الحاكم، وعلى بعد مائتي متر فقط من سفارة روسيا الداعمة لنظام بشار الأسد بدون قيد أو شرط، وقع انفجار حي المزرعة في دمشق أول من أمس. لكن الضحايا، وبخلاف ما قد تنبئ به المعطيات السابقة، كانوا في معظمهم مدنيين. والسبب أن التفجير الذي حصد أرواح 61 شخصاً، وقع أيضاً أمام مستشفى، وقرب مدارس؛ فكانت غالبية الضحايا من الطلبة الأطفال والمواطنين. بل ويمكن القول أيضا إنه حتى عناصر الأمن الذين قضوا في التفجير، أو أغلبيتهم، لم يكونوا إلا أفراد جيش أو شرطة أبرياء، كونهم يتولون حراسة مواقع رسمية بشكل روتيني، كما في كل دول العالم.

لكن هذا التناقض الذي يفتح المجال مبدئياً لتعدد المتهمين، إنما هو في الواقع تجسيد مثالي للدليل "المطلوب" على تعاظم دور تنظيم "القاعدة" في الثورة السورية، كما حذر نظام الأسد، وإن تأخر تحقق نبوءته قرابة سنتين! فالقاعدة هي التي لا تبالي بقتل الأبرياء من المدنيين للوصول إلى أهدافها الرئيسة. ويلفت النظر هنا تزامن تفجيرات دمشق الأخيرة مع الإعلان عن وصول من يسمى "أمير منطقة القوقاز"، عمر القوقازي، للقتال في سورية. مع ذلك، تظل النتيجة النهائية هي العودة إلى المربع الأول في تحديد المسؤولية عن تفجيرات دمشق؛ إذ قد تتحملها "القاعدة" التي طالما قتلت مدنيين بذرائع واهية، خدمت أعداءها فقط؛ كما قد يتحمل تدبير تلك التفجيرات نظام الأسد الذي يبدو المستفيد الأوحد منها للوهلة الأولى.

أياً يكن، فإن السؤال هنا: هل ما يزال يفيد النظام فعلاً القول بتزايد حضور "القاعدة" في الثورة السورية؛ سواء أكان هذا الحضور متعاظماً فعلاً، أو مختلقاً ومبالغاً فيه؟ بعد قرابة عامين من اندلاع الثورة، يبدو الجواب الأقرب إلى الصحة هو النفي.

إذ كان متوقعاً بداهة، أن التخلي الإقليمي والدولي عن الثوار السوريين من غير "القاعدة"، وهم الأغلبية العظمى، سيفضي حتماً إلى الدفع بأعداد من هؤلاء إلى التنظيمات الجهادية المتشددة؛ الأكثر كفاءة وجرأة وتمويلاً، لمواجهة قوات الأسد وشبيحته، لاسيما أن النظام كان قد حسم أمره بعدم تقديم بدائل للتعامل مع الثورة سوى الموت والتعذيب لكل مشتبه به، ويكفي هنا أن يصدف أنه من أصول تعود إلى منطقة أو عائلة ثائرة، ولو لم يشارك في تظاهرة، ناهيك عن معركة ضد هذا النظام. بعبارة أخرى، فإن تعاظم دور "القاعدة" في سورية، بافتراض صدقه، هو نتيجة لسياسات الأسد وجرائمه، وليس العكس أبداً. وبناء على ذلك، فإن مذبحة دمشق الأخيرة ربما تكون مثالية للثوار وليس للأسد.

ذلك أن مواجهة "القاعدة" التي يحاول الأسد استثمار الخوف الغربي منها، لا تعني دعم النظام، بشكل مباشر أو غير مباشر، لسحق الثورة، بل العكس هو الأكثر احتمالاً؛ أي دعم فصائل الثورة السورية غير السلفية، لسحب البساط من تحت أقدام تنظيمات "القاعدة" في سورية؛ عسكرياً وشعبياً. وبذلك يغدو نظام الأسد هو الأكثر خسراناً، مع "القاعدة" طبعاً، من جرائم قتل المدنيين.

رغم كل هذا الغموض، فإن تفجيرات دمشق تؤكد شيئاً واحداً لا خلاف حوله، وهو أن الركن الوحيد المتبقي لشرعية الأسد هي الإرهاب والترهيب للمواطنين السوريين، على يد قواته وشبيحته أو على يد "القاعدة" وسواها من القوى الخارجية.

ان الاّراء المذكورة

=====================

 في دمشق كما في بغداد ما يزال التتار في شوارعها!

طارق مصاروة

الراي الاردنية

23-2-2013

تفجعنا انفجارات دمشق، ففي يوم واحد نفقد 270 قتيلاً وجريحاً، غير الوجبات العادية اليومية التي تتجاوز الرقم الموجع. وكأننا في بغداد حيث يتساقط القتلى منذ أول يوم من أيام الاحتلال الأميركي، وكأن مدائن الأمويين والعباسيين الكبرى تشهد الهجمة التترية ذاتها.. جنكيز خان وتيمورلنك، وكأن الأمة التي كانت خير أمة أخرجت للناس تعود إلى حكم وصيف وبغى، والسلاجقة وكل فرسان العبودية الذين قطعوا روح العرب عن دولتهم، ومزقوها شذرا مذرا!!.

حين يفشل النظام في تأمين سلامة الناس التي تمشي في الطريق، فان عليه ان يرحل!!. وتمسّك بشار الأسد بعد ان فشلت دولته الأمنية بالرئاسة، فإنه لا يستطيع اقناع سوري واحد بأنه كفؤ لإدارة المقاومة والممانعة:

- فإذا صدقنا ان الثورة ليست الا مجموعات من الإرهابيين قدرها أمنيو النظام بعشرين ألفا تجمعوا من العراق وليبيا وتونس واليمن..

فإن السؤال يبقى: وماذا كانت تصنع عشرات الأجهزة الأمنية – ومنها مخابرات الطيران وكأن للطيران مخابرات - ؟! أليس فشلها هو فشل للنظام الذي يقوم على المخابرات والجيش والحزب القائد؟؟.

- وإذا صدقنا أن دمار الشارع السوري بالمفخخات والمجرمين الانتحاريين، فإن علينا أن نسأل: لماذا كان هؤلاء المفخخون الانتحاريون يدخلون ويخرجون من دمشق إلى بغداد، ومن دمشق إلى لبنان.. وأين ذهبت جماعة فتح الإسلام التي اشعلت طرابلس واختفت عبر حدودها الشرقية؟؟.

- وإذا صدقنا قصة المقاومة والممانعة، فلماذا كانت وما زالت هضبة الجولان منطقة آمنة لم يطلق منها رصاصة طيلة سبعة وثلاثين عاماً.. وصار جنوب لبنان آمناً، وأصبح الجيش السوري موكلا بقصف دمشق وحماة وحمص وحلب وادلب ودير الزور؟ وصار حزب الله موكلاً بوسط سوريا لفتح طريق الدبابات من دمشق إلى اللاذقية؟؟.

- نحن نعرف أن هناك من يحذر من التيار الإسلامي والسلفي والقاعدي, فيصفق لطاغية دمشق. لكن هذا التحذير لا يصنع من نظام فشل في حماية مواطنيه من الإرهاب, نظاماً يقف في وجه أي تيار إسلاموي أو قاعدي أو سلفي.

- فشل نظام الأسد. وعلى سوريا أن تمسك بفرصة ضماد جروحها الفائرة.. فاذا استمرت المذابح كما هي, فإن الفوضى التي تتبع ستكون أسوأ من أي مرحلة مرت بها سوريا. فالعراق ما زال يعاني منذ عشر سنين من الفوضى.. وما يزال الدم يصبغ شوارعه, وما يزال ورثة الاحتلال الاميركي والاذعان الإيراني ينهبون ويتفرجون. فهل يصدق أحد أن بلد دجلة والفرات تعطش, وان بلد الغاز والنفط لا كهرباء فيها؟!

=====================

شروط رحيل الأسد؟

عماد الدين اديب

الشرق الاوسط

23-2-2013

البعض يعتقد خطأ أن الانفجارات التي حدثت في دمشق أول من أمس الخميس هي مؤشرات على قرب رحيل النظام الحاكم في البلاد. وفي يقيني أن هناك فارقا جوهريا بين نوعية العمليات المؤثرة من جانب هذا الفريق أو ذاك، وبين بقاء أو سقوط نظام أو انتصار أو هزيمة فريق عسكري سياسي.

من هنا يأتي السؤال العظيم الذي أتعجب أن أحدا لم يطرحه بشكل صريح وواضح حتى الآن وهو: تحت أي ظروف أو وفق أي شروط يسقط النظام في سوريا؟

الإجابة ليست سهلة، خصوصا في هذه الأيام التي تسود فيها البلاد (في سوريا) حالة من عدم «التيقن السياسي» وحالة من السيولة الشديدة لمواقف كل الأطراف.

ولكن حاولت قدر اجتهادي الذي يحتمل الصواب أو الخطأ أن أتصور أن شروط سقوط النظام في سوريا تعتمد على العناصر التالية:

أولا: انفراط التأييد القوي للطائفة العلوية الموجودة بقوة في مراكز صناعة القرار الأمني والعسكري في سوريا لنظام الرئيس بشار، من منطلق أن الرئيس أصبح عبئا ثقيلا على حاضر الطائفة ومستقبلها.

ثانيا: حدوث انقسامات كبرى في قادة ألوية وفرق الحرس الجمهوري والاستخبارات العسكرية والقوات الخاصة الداعمة للنظام.

ثالثا: قيام كل من إيران وروسيا والصين بإبلاغ الرئيس السوري بأنه قد حان الوقت للرحيل، لأن استمراره أصبح يضر بمصالحهم.

رابعا: انتهاج حزب الله سياسة النأي بالنفس عن النظام السوري، بعد ما أدى تورط الحزب في القتال للنظام بفقدانه المصداقية لحزب مقاوم أصبح الآن متورطا في دعم نظام يقتل شعبه.

خامسا: فشل النظام في توفير الخدمات الرئيسية للمواطنين وبالذات في الخبز والطحين والمياه والكهرباء والسولار والبنزين والرعاية الصحية. كل ذلك مجتمعا إذا تم سوف يؤدي إلى سقوط هيبة ومكانة الدولة ويؤدي تلقائيا إلى انهيار النظام.

السؤال الوحيد الذي لا يعرف أحد الإجابة عنه: هل يمكن أن يترك الرئيس السوري الحكم طواعية أم لا بد أن يكون كاتم الصوت في رأسه؟

لا أحد يعرف الإجابة.

=====================

والآن الرقص على إيقاع الأسد

طارق الحميد

الشرق الاوسط

23-2-2013

تطورات الأحداث الأخيرة في سوريا تقول: إن الجميع بات الآن يرقص على إيقاع الأسد، فحزب الله بدوره دشن المعركة السنية الشيعية، والتفجيرات تعصف بدمشق التي سبق للأسد أن قال بأنه لا يكترث بدمارها إذا كان ذلك يضمن له الانتصار.

والحديث عن «الجهاد» يتزايد الآن مع الإعلان عن وصول «أمير القوقاز» إلى سوريا بصحبة مقاتلين من الشيشان وأفغانستان، وهو أمر مثير للريبة، خصوصا إذا تذكرنا أن للنظام الأسدي باعا طويلا بتسهيل تنقلات الجماعات الإرهابية بالتعاون مع إيران طبعا، وحدث ذلك بالعراق ولبنان. وتزايد الحديث عن الجماعات الإرهابية من شأنه أن يصب في مصلحة الأسد، الذي لا شك أن نظامه هو من يقف خلفها، فهذه لعبة النظام الأسدي طوال السنوات العشر الماضية، حيث يقتل ويتحدث عن الحوار.

يحدث كل ذلك، أي الرقص على إيقاع الأسد، وسط تلكؤ دولي وعربي لفرض سياقات جديدة على نظام الأسد المتداعي، وكذلك على عملية التلاعب الروسية «التجارية»، وهنا من المهم أن نقتبس ما كتبه الصحافي الأميركي ديفيد إغناتيوس بمعرض تحليله للعلاقات الأميركية - الروسية في مقاله بصحيفة الـ«واشنطن بوست»، ونشرته هذه الصحيفة أمس، حيث يقول إغناتيوس إن «أحد عوامل الإحباط في التعامل مع بوتين هو أن كل شيء بالنسبة له يبدو عملية تجارية. فهناك ثمن لتحقيق السلام في سوريا أو الدعم لتحجيم البرنامج النووي الإيراني، لكن ما هو؟ قد يتمكن أوباما من التوصل إلى اتفاق إذا ما علم ماهية السعر»!

والعملية التجارية هذه تنبهت لها دول الخليج، وتحديدا السعودية، منذ البداية ورفضت الانسياق خلفها، فمن الصعب دفع ثمن قاتل لمتاجر بالدم، لكن هل هذا يكفي؟ بالطبع لا! فمنذ اندلاع الثورة السورية كان هناك تحذير دائم من خطورة الملف الطائفي، وانهيار الدولة، وبالتالي اشتعال حريق كبير بالمنطقة، وهذا ما يحدث الآن للأسف، بعد عامين من الثورة، على يد الأسد نفسه الذي كان يلوح بورقة الإرهاب، والطائفية، منذ البداية، أي في وقت لم يكن هناك أي مؤشرات على ذلك، بل لم تكن الثورة أساسا مسلحة.

ولذا، فإن أبرز سبب للرقص على إيقاع الأسد هو عجز العرب والمجتمع الدولي على اجترار حلول حقيقية وفق رؤية سياسية جادة، وإرادة، وليس ترددا كما تفعل واشنطن التي سبق أن قلنا إن «الأسد مربوط بأوباما»، والدليل على ذلك أنه ما أن تسرب أن أوباما ربما يعيد النظر بعملية تسليح الثوار إلا وأعلن النظام الأسدي قبوله للحوار مع المعارضة!

ولذا، فإن المطلوب الآن، وهو ما قيل مرارا، دعم الثوار بالسلاح للتعجيل بسقوط الأسد، ومن خلال تشكيل تحالف للراغبين عربيا وغربيا، وإعطاء السلاح لجماعات معروفة، ومضمونة، وحينها فإن الأسد نفسه سيرقص على إيقاع المجتمع الدولي، وليس العكس، وهذا ما سيحدث طال الزمان أو قصر، لكن السؤال هو: لماذا لا يكون التحرك الآن حقنا للدماء، ومنعا للحريق الكبير؟

=====================

أوباما بحاجة إلى خطة بديلة خاصة بسوريا

فانس سيرشوك

الشرق الاوسط

23-2-2013

سوف ينطلق جون كيري قريبا في أول رحلة خارجية له بعد توليه منصب وزير الخارجية. وسيكون هدف الرحلة الأساسي هو الصراع الذي تشهده سوريا كما أوضح، حيث لا توجد أزمة جديرة باهتمام الدبلوماسية الأميركية أكثر من الأزمة السورية ويستحق كيري الثناء لإلقائه بنفسه فورا في هذا الأتون.

ومع ذلك، قبيل الرحلة أشار كيري إلى أن مفتاح وقف حمام الدم في سوريا هو تغيير حسابات بشار الأسد، التي أعلن عنها بشكل متكرر خلال الأسابيع القليلة الماضية، وأن الطريق لتحقيق هذا قد يمر عبر موسكو. ويكرس هذا شبح تكرار الإدارة الأميركية لأخطاء الماضي عوضا عن وضع سياسة جديدة تجاه سوريا. أول خطوة في هذا الاتجاه هو عقد آمال غير واقعية على الروس. إذا كنا تعلمنا درسا خلال العامين الماضيين فهو أن الكرملين لا يعتزم مساعدة الولايات المتحدة في تنظيم جهود خروج الأسد من السلطة. وليس سبب هذا الأسلحة التي تبيعها روسيا لسوريا أو المنشآت البحرية بها أو ضعف العلاقة الأميركية - الروسية، بل لأن الكرملين يعتقد أن لديه مصلحة أكبر في إجهاض تغيير نظام آخر بتخطيط أميركي، حيث يرى أن التدخلات التي تمتد من صربيا إلى ليبيا تهديد للاستقرار العالمي وكمقدمة تسبق اليوم الذي يستخدم فيه هذا ضد روسيا.

الأهم من ذلك هو أن ثقة الروس في قدرتهم على التأثير على دمشق أقل من ثقة واشنطن في ذلك، فحتى إذا أرادت موسكو الضغط على الأسد، لن يكون من المؤكد إقناعه بالتفكير في التخلي عن المنصب في الوقت الذي لم تنجح العراقيل الدبلوماسية والعسكرية التي لا تحصى في ذلك، بما في ذلك خسارة الحلفاء الأتراك وسيطرة الثوار على ثلث البلاد.

ويقودنا هذا إلى مشكلة ثانية أكثر عمقا في صيغة كيري. طالما راهنت الولايات المتحدة باستراتيجيتها على الأمل في إقناع الأسد وأسوأ مساعديه بأن التخلي عن مناصبهم سيمهد الطريق إلى تسوية بين أطياف المعارضة السورية وفلول النظام تجنبا لانهيار يشبه الذي حدث في العراق. ومع ذلك تزداد الشكوك في فعالية فكرة «الانتقال السياسي السلمي» يوما بعد يوم. بدلا من أن يتغير النظام دون انهيار الدولة، سيحدث العكس في سوريا، حيث تتجه الدولة للتحول إلى دولة فاشلة يستمر فيها النظام المتقلص المتماسك، حتى إن كان هذا يعني التخلي عن دمشق وتأسيس دولة على ساحل البحر الأبيض المتوسط أكثر طائفية وتحالفا مع إيران وحزب الله، بحماية الأسلحة الكيماوية والجماعات المسلحة المدعومة من الحرس الثوري الإيراني. من غير المرجح أن يكون لدى النظام نية للتفاوض على نهايته أو قدرة على ذلك سواء كان الأسد هو الرئيس أم لم يكن.

على الجانب الآخر من الصراع يستمر تزايد نفوذ المتطرفين الذين لديهم علاقة بتنظيم القاعدة من خلال تقديم المساعدة التي يرفض الغرب تقديمها مما يقلل من فرص حدوث مفاوضات تؤدي إلى سلام. بطبيعة الحال يمكن لواشنطن أن تستمر في عقد الأمل على تغير الموقف الروسي ورحيل الأسد والتوصل إلى اتفاق ينقذ الدولة السورية، لكننا لا نستطيع التعويل على ذلك. وكما أن لدى الأسد والإيرانيين خطة بديلة، يجب أن يكون لدينا نحن أيضا خطة بديلة.

ينبغي أن يكون أول عنصر من عناصر الاستراتيجية هو الاعتراف بأنه إذا كان هناك أي احتمال في تغيير حسابات الأسد وعصابته لن يحدث هذا سوى بقيادة أميركية لا روسية جريئة خاصة فيما يتعلق باستخدام قوة عسكرية مثل الضربات الجوية للتصدي إلى السلاح الجوي الذي يستخدمه الأسد وحماية المدنيين في المناطق المحررة والتأكيد على أن القائد السوري حالة ميئوس منها. ومثلما كانت التسوية الدبلوماسية مستحيلة في البوسنة إلى أن اضطرت الضربات الجوية، التي شنها حلف شمال الأطلسي، سلوبودان ميلوسيفيتش، إلى الجلوس على طاولة المفاوضات، يصدق هذا على سوريا.

ثانيا، نحن بحاجة إلى تقبل احتمال عدم إنجاز تفاوض يفضي إلى تسوية وبدء العمل من أجل تخفيف أسوأ عواقب انهيار الدولة. ويقودنا هذا إلى مسألة الدعم الأميركي للمعارضة السورية. ويرى مؤيدو تسليح الثوار، ومنهم على حد علمنا وزيرة الخارجية الأميركية السابقة ووزير الدفاع السابق ومدير الاستخبارات المركزية الأميركية ورئيس هيئة الأركان المشتركة، أن القيام بذلك يمكن أن يساعد في تغيير الكفة بحيث ترجع كفة معارضي الأسد، ويمكن المعتدلين، ويؤسس علاقة جيدة مع المعارضة.

لا يزال لهذه الاقتراحات وجاهتها، لكن هناك سببا آخر أكثر إلحاحا الآن، وهو المساعدات العسكرية التي تعد آخر وأفضل وسيلة للمساعدة في الاختيار بين ملء الفراغ الذي يخلفه الأسد بمعارضة مسلحة موحدة تستطيع الحفاظ على ما يشبه النظام أو بجماعات مسلحة عرقية وطائفية لا يمكن السيطرة عليها. أي أمل في حدوث الأمر الأول يقوم ليس فقط على تزويد الجماعات المقاتلة بالأسلحة سرا، بل أيضا القيام بمحاولة كبيرة شفافة برعاية أميركية لتدريب وتسليح جيش سوري جديد والإشراف عليه. سيسير هذا التحول في الاستراتيجية الأميركية ضد توجه إدارة أوباما، التي تتفادى التدخل العسكري أو التدخل في بناء الدولة وتفضل أن تترك هذه المهمة للآخرين.

وإذا كان جون كيري يأمل في إنقاذ سوريا، لا ينبغي أن يكون القائد الذي سيحتاج أن يغير حساباته هو فلاديمير بوتين ولا بشار الأسد، بل الرئيس الأميركي.

* مستشار شؤون خارجية سابق لجوزيف ليبرمان وزميل مجلس شؤون العلاقات الخارجية ومقره طوكيو

* خدمة «واشنطن بوست»

=====================

لماذا الحوار مع النظام السوري

جمال قارصلي

الشرق الاوسط

23-2-2013

في بداية نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2011 كتبت مقالا بعنوان: «لنكف عن القتل ونبدأ الحوار من أجل سوريا»، وذلك بعد أن استطاعت السلطة الحاكمة أن تجر الثورة السلمية في سوريا إلى المواجهة المسلحة وبدأت رقعة هذه المواجهة تزداد يوما بعد يوم. في ذلك التاريخ كانت إمكانات نجاح الحوار والوصول إلى المصالحة الوطنية أكبر بكثير من يومنا هذا، لأن درجة العنف والإجرام من قبل رجالات الطاغية لم تكن قد وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم.. مئات من المجازر وكم هائل من الخراب والدمار وعشرات الآلاف من الشهداء والمعتقلين والملايين من المهجرين.

مبادرة رئيس الائتلاف الوطني في صفحته الخاصة على «فيس بوك»، الأستاذ أحمد معاذ الخطيب، وما أكده في مؤتمر ميونيخ الدولي للأمن حول إمكانية إجراء الحوار مع السلطة الحاكمة، يأتي في السياق نفسه الذي تطرقت إليه سابقا. معاذ الخطيب وضع شروطا واضحة من أجل بداية هذا الحوار؛ وهي إطلاق سراح 160 ألف معتقل من سجون السلطة، وتمديد جوازات سفر السوريين في الخارج. هو لم يتطرق في مبادرته هذه إلى المواجهة المسلحة التي يقودها الثوار في الداخل ضد الطاغية ورجالاته؛ بل اعتبر هذا عملا سياسيا موازيا للعمل الميداني الذي يقوم به الثوار. للوهلة الأولى، كانت المبادرة فيها شيء من المفاجأة وكانت ردة فعلي الشخصية سلبية تجاهها، ولكنني كلما تعمقت في التفكير حولها، زادت قناعتي بأنها تتضمن كثيرا من النقاط الإيجابية؛ وأهمها هو أنها تشير إلى مرونة المعارضة وإلى النضوج السياسي التي وصلت إليه، وتؤكد أنها قد اكتسبت خبرة في التكتيك والمناورة السياسية.

بهذه الخطوة وضعت المعارضة الكرة في ملعب السلطة وأحرجتها وأنهت بذلك تشدقها بأن المعارضة لا تريد الحوار. مبادرة معاذ الخطيب لم تكن جديدة على الساحة السياسية، بل هي الفكرة نفسها التي تم تداولها بعد أشهر قليلة من بداية الثورة، وكان على فاروق الشرع أن يقودها ولكن قررت السلطة آنذاك أن تأخذ منحا آخرا فعملت كل ما بوسعها لتعسكر الثورة وتجلبها إلى المربع الأمني يقينا منها بأنها ستخرج منه رابحة، وها نحن نرى الآن في أية ورطة هي وقعت. في الحقيقة، السلطة لا تريد الحوار وتخاف من الحوار كما يخاف الشيطان من المعوذات، وهي تعلم بأن الحوار سيعريها وسيكشف وجهها الديكتاتوري والإجرامي، وأن أية خطوة إصلاحية تقوم بها سيبدأ معها العد التنازلي لانهيارها لأنها مبنية على هيكل مليء بالظلم والعنف والديكتاتورية والمهازل الدستورية والقانونية.

الأستاذ معاذ الخطيب كان واضحا وصريحا عندما قال إنه ليس سياسيا، بل هو ثائر، وإنه تصرف حسب ما يمليه عليه ضميره ووجدانه. من الواضح أنه لم يرجع إلى الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني ويأخذ رأيها في ما صرح به، ولكن قراره هذا لم يأت من عبث ولم يكن ارتجاليا كما يوحي لنا في الوهلة الأولى، بل جاء بناء على ما عايشه ولمسه بنفسه من ضغوط هائلة وتقلبات سياسية كثيرة تمارسها الأنظمة العالمية على الثورة السورية. هذه الضغوط لها وجوه كثيرة؛ منها الغدر والمكر والخدعة من أطراف يدعون أنهم أصدقاء للثورة السورية وحتى منها ما وصل إلى حدود التخاذل والخيانة. هذه الضغوط كان يواجهها هو بشكل مباشر بصفته رئيسا للائتلاف الوطني السوري وبسبب قربه من المطبخ السياسي العربي والإقليمي والعالمي واطلاعه على بعض ما يدور خلف الكواليس.

إحدى الحجج التي كانت تسوقها القوى العالمية لتبرير عدم دعمها للثورة السورية هي أن المعارضة غير موحدة، على الرغم من أنها تعلم بصعوبة تحقيق ذلك.. فعندما تم تأسيس الائتلاف الوطني في اجتماع الدوحة الأخير الذي انضم إليه نحو 90% من المعارضة السورية، رحب به كثير من المعارضين السوريين المستقلين ووجدوا أن الوقت قد حان للانخراط في هذا المكون السياسي الجديد لدعم ثورة الحرية والكرامة التي يخوضها الشعب السوري. كل الذين انضموا إلى الائتلاف الوطني كان عليهم أن يعلموا منذ البداية بأن هذه الخطوة تتطلب انضباطا صارما والتزاما بالقرارات التي يصدرها الائتلاف والاستعداد لتحمل تبعاتها.

فمن البديهي وأضعف الإيمان أن يكون لكل مكونات الائتلاف صوت واحد يخاطب العالم الخارجي. هذا لا يعني أن النقاش الداخلي والتجاذب داخل الائتلاف يجب إخماده، بل عكس ذلك هو المطلوب، وهذا ما يتناسب مع روح الديمقراطية، ولكن ما يرشح إلى خارج الائتلاف يشكل رأي الأغلبية، وعلى الأقلية أن تلتزم به. على سبيل المثال، عندما كنت في الكتلة البرلمانية في حزب الخضر كانت كتلتنا منقسمة في الداخل إلى ثلاث مجموعات وكانت تتنافس فيما بينها بقوة أكثر من تنافسها مع الأحزاب الأخرى، ولكن كان رأيها المعلن للخارج هو رأي الأغلبية في داخل الكتلة.

الثورة السورية تتعرض الآن لمؤامرة كبيرة، وللأسف أعداؤها صاروا أكثر من أصدقائها، وهنالك فقط دول قليلة تتمنى النجاح لهذه الثورة، ودول إقليمية وعربية تخاف من انتصارها، والمجتمع الدولي أصبح شريكا في مأساة الشعب السوري، وكثير من الدول أصبحت تغير مواقفها، ودول أخرى تمنع وصول المساعدات المالية والعسكرية إلى الثوار. أما السلطة الحاكمة في سوريا، فهي تحصل على السلاح المتطور وعلى المليارات من دول صديقة لها.

المعارضة السورية تعيش حالة إذلال من قبل الدول التي وعدت بدعمها، وكثير من الدول الأخرى التزمت بالصمت المريب وأخذت دور المتفرج على ما يقوم به سفاح سوريا وزبانيته ضد شعب أعزل، فإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن هذه الدول ترى من مصلحتها أن تبقى السلطة الطاغية مستعبدة للشعب السوري ولو كلف ذلك موت أكثر من نصف هذا الشعب. مؤتمر باريس كان مليئا بالكآبة والإحباط، وكذلك مؤتمر الكويت كان ولا يزال غامضا وغير معروف لماذا تم عقد هذا المؤتمر؛ هل هو من أجل جمع التبرعات وتسليمها لمنظمات الإغاثة التابعة للسلطة الحاكمة في سوريا، أم من أجل دعم ثورة الشعب السوري؟

مبادرة أحمد معاذ الخطيب حركت كثيرا من المياه الراكدة ودفعت القضية السورية إلى واجهة الأحداث العالمية على الرغم من التعتيم الإعلامي المفروض عليها. ما حصل في مؤتمر ميونيخ العالمي للأمن كان واضحا فيه أن الأستاذ الخطيب كان محط أنظار الإعلام العالمي ومركز اهتمام فعاليات هذا المؤتمر. معروف أن الشخصية السياسية يتم تقييمها بناء على جرأتها وحسن مبادرتها وعلى المواقف التي تتخذها. ما قام به معاذ الخطيب فيه روح المبادرة والجرأة والمسؤولية وهو يستمد قوته من الدعم الجماهيري له، وكما يقول المثل العامي «الطير يطير بريشه». إذن على كل من يقف في صف الثورة السورية أن يدعم مثل هذه المبادرات الجريئة، وأن يبتعد عن تخوين الآخرين وعن الحلول المتطرفة والمقترحات المتزمتة.

إقصاء الآخرين لا يؤدي إلى النتيجة الصحيحة ويعوق فرص نجاح الثورة السورية. السياسة هي فن الممكن، والصراع السياسي مثل الصراع الذي يتم بين ملاكمين اثنين على حلبة المصارعة؛ ففيها كذلك يمكن تحقيق الفوز على الآخر بواسطة فارق النقاط وليس فقط بالضربة القاضية.

====================

من أجل شرق أوسط أفضل يجب إسقاط الأسد

جمال خاشقجي *

السبت ٢٣ فبراير ٢٠١٣

الحياة

«أنتم العرب مثل ذلك الذي يهدد ويتوعد، ولكنه يرحب بمن يمسك به ويهدئه ويمنعه من ضرب خصمه»، سمعت ذلك من سفير أميركي متقاعد خدم في المنطقة أعواماً طويلة، على مائدة عشاء في القاهرة الأسبوع الماضي، بعدما سمع مني ومن غيري عتاباً على السياسة الأميركية التي تبدو غير متحمسة لفعل شيء في سورية لوقف نزيف الدم هناك، بل إنها تمنع حلفاءها في المنطقة من تقديم سلاح ومساعدات نوعية للثوار.

كان ذلك قبل يومين من نشر خبر في الصحافة الأميركية الثلثاء الماضي أن الرئيس أوباما، وبعد أشهر من التردد «يفكر في تسليح الثوار السوريين المعتدلين». إنه خبر جيد للثورة السورية، بغض النظر عمّن هو «الثائر المعتدل»، فثمة عناوين كثيرة في سورية تدخل في هذه الخانة، بل إنهم معظم افراد «الجيش الحر» الذي يمتلك الأميركيون والأتراك والعرب قوائم «تقريبية» تقدر حجمهم وأماكن وجودهم، أما الإسلاميون الذين يخشى أوباما وصول أسلحته وخرائطه إليهم فثمة من هو مهتم بهم ويموِّلهم. المهم الآن أن تنتهي هذه المأساة السورية.

إعلان الرئيس الأميركي الأخير قد يفتح الباب أمام العرب والأتراك الذين يهددون ويتوعدون فتنهال مساعداتهم وأسلحتهم النوعية، خصوصاً الصواريخ الحرارية، على «الجيش الحر» لتحييد طيران النظام الذي يقصف به شعبه. ستكون معركة قاسية، وسيقاوم النظام بشراسة وقبح، ولكنه يفعل ذلك الآن، كما يجب عدم المراهنة على نجاح مبادرة رئيس الائتلاف الوطني السوري الشيخ معاذ الخطيب بالتفاوض مع النظام وإقناع بشار بالتنازل وتشكيل حكومة انتقالية. معاذ الخطيب يعلم أن النظام لا يحتمل غير انتصار كامل أو هزيمة تفنيه، ولكنه كمن يريد أن يقول للعالم: «لقد طرقنا كل باب، ولم يبقَ غير تدخل حاسم من المجتمع الدولي».

الذي يخشى منه الخبراء أن «التدخل المحدود سيجرّ تدخلاً أكبر» وهو ما يعني أن لا أحد يعرف ما الذي سيعقب تسليح الثوار بأسلحة نوعية، ثم خرائط ومعلومات استخباراتية، فوحدات «عمليات خاصة» حتى تصل إلى قصف أهداف عسكرية مثل قواعد الصواريخ البالستية التي لم يتردد النظام في استخدامها ضد شعبه. سيجري كل ذلك من دون موافقة الروس، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى أزمة عالمية، ولكن ثمن «اللافعل» هو ما نراه الآن في سورية، القوى الإسلامية «المتطرفة» التي لا يريدها أحد تتمدد، وتعيد تشكيل المجتمع السوري المتسامح بعدما أثبتت نفسها على الأرض عسكرياً وأمنياً، فبات المواطن السوري يرحب بها، لأنها توفر له خبزاً وأمناً افتقدهما بعد حرب مضى عليها عامان، مع ارتفاع في فرص تفتيت سورية بين القوى المقاتلة، كل بقدر قوته ومهارته، بين منطقة كردية ودولة علوية وإمارة إسلامية، وحلب ودمشق، وحمص منقسمة بين علوية وسنّية. بالطبع لن تنجح هذه الكيانات، ولكن مهمة إعادة توحيد سورية حينها ستقع على عاتق دول المنطقة والمجتمع الدولي. من يريد مهمة صعبة كهذه؟

أضف إلى ذلك مزيداً من الدمار يضاف إلى دمار حقيقي وقع على معظم البلاد. إن جمع المساعدات صعب هذه الأيام في ظل الظرف الاقتصادي العالمي الضعيف، فالأمم المتحدة التي دعت في قمة الكويت قبل أسابيع إلى جمع 1.2 بليون دولار لمساعدة اللاجئين السوريين في الداخل والخارج، لم تتسلّم فعلياً إلا 20 في المئة من المبلغ المستهدف، فمن الذي سيدفع بضعة بلايين أخرى لإعادة إعمار سورية؟

حتى لو انتصر بشار في قمع ثورة شعبه، لن تستطيع دول وزعماء المنطقة أن يعيدوا تأهيله وقبوله بينهم من جديد، كما لن يحتملوا كلفة بقائه معلقاً هكذا من دون نصر أو هزيمة. إذنْ حان الوقت أن ينظروا في عوائد سقوط بشار ومجيء نظام ديموقراطي شعبي صديق، فكل دول المنطقة ستستفيد من ذلك باستثناء إيران، وإن كان في خسارتها لسورية خير لها على المدى البعيد، إذ ستقتنع أخيراً بالتخلي عن حلمها غير الواقعي بتغيير مسيرة التاريخ الإسلامي بعد 1400 عام وتعود دولة إقليمية تدرك حجمها وواقعها فتلتفت إلى مصالح شعبها.

سيرتاح الأردن من مؤامرات جاره الشمالي والتكاليف الأمنية والاستخباراتية المترتبة على ذلك، ويستبدله بجار يتكامل معه اقتصادياً وزراعياً، مشكلين معاً ومع لبنان إقليم الشام الاقتصادي الكبير من دون تعديل في حدود أو أنظمة. السعودية سترتاح هي الأخرى من الضغوط الأمنية المزعجة التي كان يشكلها النظام البعثي تارة على لبنان وتارة بعلاقته المشبوهة مع إيران، بينما لا تستطيع أن تعزله أو تنعزل عنه، فهو امتداد طبيعي لمحيطها الاستراتيجي والاقتصادي ومعبرها الى تركيا وأوروبا، بالتأكيد ستكون سورية الحرة الديموقراطية ذات اقتصاد السوق خبراً جيداً للمملكة.

باستثناء «حزب الله»، فإن أي نظام آخر في سورية هو خبر جيد في لبنان ورجال الأعمال فيه، ستتشكل سوق كبيرة للتجارة والخدمات ممتدة على كل سورية والأردن وبعض العراق. القياس نفسه يسري على تركيا الباحثة دوماً عن أسواق جديدة، وليس أفضل من جار جنوبي يتطلع أهله إلى حياة أفضل بعد حرمان وعزلة امتدت نصف قرن.

ايران من جهتها تتدخل بشكل صريح لدعم النظام في دمشق، وما مقتل جنرال إيراني هناك الأسبوع الماضي إلا إشارة إلى وجود تدخل كبير يجري. هذا في الوقت الذي يتردد العرب والأتراك، بينما الفرص في سورية والعوائد التي يمكن أن ينالوها من وراء إسقاط النظام تفوق المخاطرة، ولو تقدموا وصعدوا من دعمهم للسوريين، لتشجع أوباما أن يحزم أمره ويحسم المعركة لمصلحة الثورة والشعب حتى من دون مجلس الأمن، وما أكثر «العمليات الخاصة» التي جرت خلف مجلس الأمن.

====================

شيء من «المشاعية البدائية»

مصطفى زين

السبت ٢٣ فبراير ٢٠١٣

الحياة

نقلت وكالة «الأناضول» عن المعارض السوري ميشال كيلو أنه التقى في أنطاكيا «قوى مسيحية حضرت من الداخل والخارج» لتشكيل هيئة أطلق عليها اسم «سوريون مسيحيون من أجل العدالة والحرية». مهمة الهيئة «هدم الهوة بين المسيحيين الذين ما زالوا يؤيدون النظام والثورة». وأكد أن الفصيل الجديد «مع رهانات الثورة الحقيقية، كما أنه ضد الفوضى والخيار الإسلامي». أي أنه تشكيل مسيحي في مواجهة تشكيلات إسلامية. واعتبر المسيحيين الذين يؤيدون النظام «إما شبيحة أو ضللتهم الكنيسة».

واضح من تصريح كيلو أنه التحق بـ «الثورة» باسم طائفة سورية عرفت بعلمانيتها واعتدالها. وكي يكون له قيمة ومركز في القيادة كان لا بد من أن يلحق به قبيلة أو مذهباً كي يدخل «الرهانات» زعيماً. يؤكد هذا الالتحاق طبيعة «الثورة» ممثلة بـ «الائتلاف الوطني». ائتلاف مكون من طوائف ومذاهب وإثنيات، لكل منها برنامج ورؤية إلى هوية سورية «الجديدة». فيه «الإخوان المسلمون»، والسلفيون، والعشائر، والأكراد، ومسيحي (جورج صبرا) لا يعتبره كيلو ممثلاً لهذه الطائفة وإلا لما نافسه على الزعامة، وفيه أيضاً «مستقلون» مثل برهان غليون وبسمة قضماني وغيرهما ممن أسسوا «المجلس الوطني» وفرضهم الخارج الذي يمثلون أكثر مما يمثلون الداخل.

في معنى آخر التحق كيلو بـ «الرهان» ليحجز له باسم المسيحيين مكاناً في النظام المنشود، قبل فوات الأوان، أي قبل أن تتقاسم مكونات «الائتلاف» الحصص ويبقى هو خارج اللعبة ففي «النظام» الجديد لا وجود للمواطن الفرد المنتمي إلى الدولة بهذه الصفة فالحقوق موزعة على الطائفة والمذهب والعشيرة.

هل هذه هوية سورية المنتظرة؟ هل ستشبه العراق؟ هل ستكون مثل لبنان؟

علمتنا التجربة العراقية أن «ائتلاف» المعارضة قبل سقوط النظام كان يشبه الائتلاف السوري في تنويعاته ومكوناته. وبعد الاحتلال أسقطت الهوية العربية من الدستور. أما لبنان فخيضت فيه حروب أهلية كثيرة، بدءاً من عام 1958 حتى توافقت «مكوناته» بالإكراه على أنه «ذو وجه عربي»، وما زالت هذه «المكونات» تتناحر منذ الاستقلال إلى اليوم.

ليس من قبيل المصادفة أن لا تتحدث المعارضة السورية عن هذه القضية المهمة في أي من أدبياتها، أو في أي من برامجها وتصورها للمستقبل، علماً أن من أولويات الثورة، أي ثورة في العالم، تحديد الأهداف بناء على هوية الدولة التي تسعى إلى إنشائها كي تحدد تصورها للصراع في المنطقة وعليها، إذ لا يمكن لسورية، وهي في قلب هذا الصراع، أن تكون محايدة أو محيدة، وهذا ما تسعى إليه دول كثيرة بعد التدمير المنهجي لكل البنى التحتية وللمجتمع، وبعد انحياز «مكونات» المعارضة إلى هذا الطرف أو ذاك.

فضلاً عن ذلك، لا يكفي القول أن «الثورة» تسعى إلى إطاحة الديكتاتورية وإقامة الديموقراطية، فالمفهومان عامان سبق للثورتين التونسية والمصرية تبنيهما، وما أن وصل «الإسلاميون» إلى السلطة حتى بدأوا «أخونة» كل المؤسسات وإبعاد كل من يخالفهم الرأي ممن كانوا معهم ليؤسسوا ديكتاتورية جديدة مقدسة يفتى بقتل من ينتقدها، وبالانتقام من كتب وتماثيل أي مفكر ميت يشكل خطراً على توجهاتها (تحطيم تمثال طه حسين).

لم يكن متوقعاً من ميشال كيلو أن يلتحق بـ «الرهان على الثورة» باسم المسيحيين، فقد عرف عنه أنه مناضل ليبيرالي علماني. هل استطاعت «الثورة» تغييره مثلما غيرت ماركسيين ويساريين وقوميين عادوا تائبين إلى «المشاعية البدائية» قبائل وعشائر تقتتل على «مصادر الرزق».

====================

الرحيل مصير نظام لا يحمي شعبه

2013-02-23 12:00 AM

الوطن السعودية

النظام السوري يتهم مجموعات إرهابية بتفجيرات دمشق الأخيرة، والائتلاف الوطني وعدد من قوى المعارضة السورية تتهم النظام بتدبيرها، في محاولة يائسة لاستعطاف العالم.. أما الجيش السوري الحر فإنه بحسب الأنباء الواردة يقصف مبنى الإذاعة والتلفزيون بعد يوم على قصفه لقصر تشرين الرئاسي في حي المهاجرين، ثم يقصف مواقع لحزب الله في سورية ولبنان، ردا على الاصطفاف العسكري لحزب الله مع النظام، وحزب الله يرسل مزيدا من جنوده إلى الأراضي السورية عبر بلدة مضايا اللبنانية والقصير السورية... أما النظام فلم يتوقف عن ضرب المدن السورية بالقذائف والصواريخ، فيما قواته تقتحم الأحياء وتعتقل المواطنين عشوائيا.

كل ذلك وما سبقه من أحداث على مدى عامين - بغض النظر عن الفاعل في تفجيرات دمشق – يؤكد أن النظام السوري مخنوق، وعاجز عن حماية شعبه، بل إن بقاءه يساهم في تصاعد معاناة الشعب أكثر؛ لأن إدخال قوات خارجية يؤدي لإشعال الحرب أكثر، مما يعني قتلى أكثر ومهجرين أكثر، ويعني أيضا أن النظام يدرك أنه لوحده لا يستطيع مواجهة الثوار، فاستعان بقوى خارجية بدأت تتسرب إلى الداخل بمعرفته وموافقته وربما بطلبه.

باختصار، نظام ليس قادرا على حماية شعبه، عليه أن يرحل. هكذا هي المعادلة المنطقية التي يفترض بالنظام السوري أن يفهمها، لكنه يصر على عدم الفهم، بل ويزيد بأفعاله من حالة الفوضى والاضطراب، التي امتدت اليوم إلى مختلف أرجاء الدولة، ولم يعد أي مكان آمنا، بما في ذلك المدن التي كانت هادئة إلى حد ما، لكنها حاليا لم تعد كذلك بعد أن وصلت إليها قوات الأطراف المتنازعة، وبات الشعب هو من يدفع ضريبة النزاع، أو بمعنى أدق يدفع ضريبة استمرار النظام في الحكم، فكل المؤشرات تقول: إنه لا حل إلا برحيل النظام ورجاله، فهل الهيئة العامة للائتلاف الوطني التي اجتمعت خلال اليومين الماضيين في القاهرة، قادرةٌ على الخروج برؤية توافقية تقنع العالم بالضغط لإنهاء الأزمة، أم أن روسيا قد تلين قليلا، وتتخلى عن حماية رأس النظام، خاصة وأنها طالبته منذ أيام بترجمة أقواله عن عملية التفاوض إلى أفعال. وعلى ذلك ربما تكون المدة المقبلة حافلة بالتطورات، ولعلها تحمل بوادر لانفراج الأزمة.

=================

يتحدثون عن سنّة إيران.. دون علم!

عبدالله المدني

الاحد 17 شباط (فبراير) 2013

المصدر : شفاف

على هامش زيارة الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد مؤخرا للقاهرة خرج علينا نفر من الكتاب ومحللي الفضائيات ومعهم أيضا رجال دين من الازهريين والسلفيين ليعترضوا على ما يلاقيه "السنّة في الأحواز" من مظالم وإنتهاكات لأبسط حقوقهم. ولو أن هؤلاء تناولوا مظالم سنة ايران بصفة عامة دون تحديد مكانهم لما كان هناك داعٍ لكتابة هذا المقال. ذلك أن تشديدهم على سنّة الأحواز تحديدا كطرف يتعرض للظلم يكشف عن قصور فاضح لديهم في فهم الأوضاع والسياسات والتقسيمات الديموغرافية في ايران. وهذا، بطبيعة الحال، ناجم عن خلو جامعاتنا وكلياتنا من مراكز بحثية متخصصة بالشأن الايراني، مقابل العديد من المراكز الفارسية المتبحرة في كل ما له علاقة بالأوضاع والشئون الخليجية والعربية السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية.

فالأحواز (جمع حوز وهي مصدر للفعل "حاز" وتستخدم للدلالة على الأرض التي يبيــّن المرء حدودها ويتملكها) والتي أطلق العرب عليها هذا الاسم عند الفتح الإسلامي لها، ونطقه الفرس "الأهواز" بسبب خلو أبجديتهم من حرف الحاء، قبل أن يسميها الصفويون بـ"عربستان" أي الأراضي العربية، وقبل أن يختار لها رضا شاه الكبير إسم "خوزستان" أي بلاد القلاع والحصون بــعد إحتلاله لها في عشرينات القرن الماضي، وتصفية حكامها العرب من "بني كعب"، هي محافظة لئن كانت أكثرية سكانها من العرب، فإن غالبيتهم من الشيعة وليس السنة، وهم يتكلمون اللهجة الأحوازية الشبيهة باللهجة العراقية، وبالتالي فإن سنّة الأحواز لا يشكلون سوى أقلية، شأنهم في ذلك شأن الأقلية السنية في كرمانشاه، ولارستان، والمدن المركزية الكبرى.

ومن هنا كان الأجدر بمن أراد إيصال رسالة إحتجاج إلى نجاد أن يتحدث عن إضطهاد السنة وانتهاك حقوقهم الأساسية في مناطق ومحافظات أخرى كمحافظات "سيستان وبلوتشستان"، و "هرمزكان"، و "غيلان"، و"خراسان"، وكردستان.

 

ففي الأولى يشكل "البلوش" الأكثرية وهم من السنّة الحنفية، وفي الثانية التي تشمل "لنجة" وإمتداداتها من مدن وبلدات في بر فارس العربي وسواحله المواجهة لسواحل دول الخليج العربية يشكل السنة أيضا الأكثرية وهم من الشوافع. وفي الثالثة معظم السكان هم من التركمان السنة من أتباع المذهب الحنفي، وفي الرابعة يكثر السنّة من متبعي الطريقة الحنفية النقشبندية، خصوصا في شرقها المحاذي لحدود إيران الشمالية مع تركمانستان وحدودها الشرقية مع أفغانستان. أما في كردستان، التي تمتد من مدينة قصر شيرين شمال الأحواز إلى حدود أرمينيا على طول حدود تركيا، فإن أكثرية السكان تتبع المذهب السني الشافعي.

وطبقا للبيانات الرسمية الايرانية، فإن سكان إيران ينتمون إلى 30 قومية متنوعة ويبلغ تعدادهــم اليوم نحو 73 مليون نسمة، يشكل منهم الفـــــرس 51 % والآذاريون الأتــراك 24 % ، والأكراد نحو 9 %، والجيلاك والمازندرانيون نحو8 %، والعرب 3%، والبلوش 2%، والبقية من أعراق مختلفة. غير أن هناك من يدحض هذه البيانات ويؤكد أن نسبة العرب ضمن مكونات الشعوب الإيرانية تبلغ نحو 8%، خصوصا إذا ما أخذنا في الإعتبار أنهم يشكلون 95% من سكان الأحواز أو 3.5 مليون نسمة. هذه النسبة التي كانت أكبر في الماضي، لكنها تراجعت بسبب سياسات نظام طهران الحالي الهادفة إلى إحداث تغييرات ديموغرافية في هذا الإقليم النفطي والاستراتيجي الهام (اكتشف النفط فيه في عام 1908 ، وتنتج حقوله اليوم ما بين 3.5 – 4 ملايين برميل من النفط يوميا، و9500 مليون متر مكعب من الغاز، محققة للنظام الإيراني دخـــلا يفوق 17 مليار دولار). هذا ناهيك عن أن العرب يشكلون 50% من سكان محافظة هرمزكان أو 1.5 مليون نسمة، إضافة إلى نصف مليون نسمة يقطنون في أقاليم إيرانية متفرقة.

أما لجهة التقسيمات المذهبية والدينية فإن المعروف تاريخيا أن اهل السنة من الشوافع والأحناف كانوا يشكلون أكثرية سكان إيران، فيما كان الشيعة أقلية محصورة في مدن مثل قم، وقاشان، ونيسابور، وطوس (مشهد). لكن الصورة تغيرت في سنة 907 للهجرة بوقوع السلطة في يد الشاه إسماعيل الصفوي الذي أجبر أهل السنة على التشيع وسب الخلفاء الراشدين الثلاثة، وسفك من أجل تحقيق هدفه دماء غزيرة بوحشية. ومذاك توزع من تمسك بمذهبه السني ونجا من مجازر الشاه الصفوي على أطراف إيران، تاركا المركز لهيمنة الشيعة.

وتختلف الأرقام الإحصائية حول نسبة أهل السنّة في إيران إلى العدد الاجمالي للسكان من مصدر إلى آخر. فمصادر النظام الحالي تقول أنهم لا يتجاوزون 10%، علما بأن المصادر الرسمية زمن النظام السابق كانت تقدرهم بـ 30%. أما المصادر المستقلة فتقول أن نسبتهم تتجاوز الـعشرين بالمائة.

ومن الاهمية بمكان في هذا السياق أن نتحدث عن الديانات الموجودة في المجتمع الإيراني الفسيفسائي، خلاف الدين الإسلامي. فهناك مثلا البهائية (يقدر عدد أتباعها بنحو 300 ألف نسمة)، والزرادشتية (يزيد عدد أتباعها عن 22 ألف نسمة)، واليهودية أو من يطلق الفرس على معتنقها الفرد إسم "كليمي" بمعنى انه من اتباع كليم الله النبي موسى (كان عددهم قبل الثورة الخمينية يقدر بمئات الآلاف، لكنهم اليوم لا يتجاوزون 25 ألفا)، والمسيحية (وجل أتباعها من الإيرانيين الأرمن الذين وصل عددهم في ظل النظام الشاهنشاهي الى نصف مليون، لكنهم اليوم لا يزيدون عن 75 ألف نسمة).

وعلى الرغم من هذا التنوع العرقي والديني في المجتمع الإيراني، فإن الدستور الذي وضعه النظام الفقهي الحالي بــُعيد وصوله إلى السلطة في 1979 تحت شعارات تحقيق الديمقراطية والعدالة والمساواة والحقوق نص في مادته 12 على أن "الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الإثنى عشري، وهذه المادة تبقى إلى الأبد وغير قابلة للتغيير"، ونص في مادته 13 على أن "الإيرانيين الزرادشت واليهود والمسيحيين هم وحدهم الأقليات المعترف بها"، ونص في مادته 15 على أن " اللغة والكتابة الرسمية المشتركة لشعب إيران هي الفارسية، ويجب أن تكون الوثائق والمراسلات والنصوص والكتب المدرسية بهذه اللغة".

وهكذا نستنتج من المواد الدستورية السابقة أن كل المناصب الكبرى في إيران هي حكر على الشيعة، وبالتالي فإن أتباع المذاهب والديانات الأخرى لا تنطبق عليهم صفة المواطنة ومايشتمل عليها من حقوق. ونستنج أيضا أنه لا يجوز إصدار تشريعات تخالف المذهب الجعفري الاثنى عشري!

*باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين

elmadani@batelco.com.bh

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ