ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 25/02/2013


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

24-02-2013

هل سيقوم الأردن بوساطة مع السوريين؟! * ماهر ابو طير

الدستور

24-2-2013

وفقا لتصريحات انمار الحمود الناطق الاعلامي بشأن مخيمات اللاجئين السوريين في الاردن، فان احد عشر الف سوري دخلوا الاردن خلال اسبوع هرباً من المواجهات الدائرة، وان النية تتجه لافتتاح مخيم رابع قرب الزرقاء.

هذا يعني انه سيصبح لدينا اربعة مخيمات للاجئين السوريين، الزعتري، المريجيب، مخيم العسكريين المنشقين، ومخيم الزرقاء، واعداد اللاجئين السوريين وصلت الى ثلاثمائة وخمسين الف سوري وفقا لتصريحات الحمود يتوزعون على مختلف المناطق.

تداعيات الازمة السورية تزداد بشدة على الاردن، من الناحية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والامنية، والتوقعات تتحدث عن رقم يصل الى مليون سوري سيصلون الاردن، واذا بقي العدد بهذه الوتيرة فقد نصل الى المليون بحلول الصيف.

السوريون بات وجودهم ملموسا في كل مكان، من احلال العمالة السورية مكان العمالة المصرية والاردنية، مرورا بتأثيرهم على مستويات الحياة، كما يجري مثلا في مدينة المفرق التي شهدت انقلابا اجتماعيا بمعنى الكلمة حين اصبح اللاجئون السوريون اكثر من عدد سكان المدينة الاصلية.

في المقابل، فان سياسات الدمج تلقى قبولا في حالات وتلقى رفضا في حالات، لان الدمج الاجتماعي يؤدي الى نتائج كثيرة، ايجابية وسلبية، وابرز الايجابيات ان يعيش السوريون بكرامة مع الناس بدلا من العزل، فيما ابرز السلبيات حدوث اختلالات اجتماعية جراء اشتباك مجتمع جديد مع المجتمع الاساسي.

المعلومات تقول ان الاردن يتخوف من موجات كبيرة من اللاجئين، خلال الفترة المقبلة، وهذه الموجات تم الالماح اليها دوليا من جانب دول كبرى قالت للاردن ان عليه ان يستعد للجوء سوري طويل الامد ايضا، سواء بقي نظام الاسد، ام سقط، في ظل التقييمات التي تقول ان كل الوضع في سورية غير مؤهل للاستقرار سريعا.

لا احد يضغط على عصب الجريح والهارب بدمه وعرضه، فهذه ليست مرجلة، غير ان السؤال يتعلق بالذي سيفعله الاردن لمواجهة تداعيات الازمة السورية على مستويات مختلفة.

كل هذا يفسر رغبة الاردن المستجدة والجارفة بايجاد حل للازمة السورية، لان الاردن من زوايا اللجوء، وسيطرة الحركات المتطرفة، وغير ذلك بات يرى ان الحل السياسي جزء من امنه الوطني.

المؤكد هنا ان الاردن بات يبذل جهدا كبيرا غير معلن خلال الفترة الماضية لايجاد حل للازمة السورية، وليس غريبا ان نسمع عن تصور اردني تفصيلي او مبادرة، او حتى عن استعداد اردني لاي دور من اجل حل سياسي للازمة السورية.

الذي استجد على موقف الاردن يتعلق بكونه بات يشعر بمخاطر الازمة السورية بشكل اكثر عمقا من الفترة الماضية، والاردن يمتلك الحد الادنى من العلاقات مع النظام السوري والمعارضة ايضا، لوضع حجر الاساس، لحل سياسي، والاردن ايضا لم يتورط ضد النظام، ولم يتبنَّ لوجستيا اي فصيل معارض، وهذه يمنحه افضلية جمع الاطراف.

ارتفاع اعداد اللاجئين السوريين الى الاردن، لم يعد قضية انسانية فقط، بل تتم قراءة المشهد سياسيا، لان اعداد القادمين باتت تقنع الاردن اكثر مما مضى، ان البركان السوري بات يقذف حممه بشكل حارق على دول الجوار.

لن يكون غريبا ابدا ان نرى مسؤولا سورياً في عمان، او ان نسمع عن مسؤول اردني في زيارة مباغتة لدمشق، وكل ما يحتاجه الاردن تغطية اقليمية ودولية لاي خطوة في هذا الاتجاه.

الاردن معني جدا باطفاء البركان السوري.

=====================

حول الموقف الرسمي الأردني من المعركة السورية * ياسر الزعاترة

الدستور

 24-2-2013

خلال الأيام الماضية، تكاثرت التحليلات التي تتحدث عن تغير في الموقف الأردني من الأزمة السورية، مستشهدة على سبيل المثال بزيارة الملك إلى موسكو، وتزويد النظام السوري بالمحروقات، وبعض التفاصيل الأخرى المشابهة، فيما كان التركيز منصبا قبل ذلك على العلاقة المتنامية مع الحكومة العراقية، والتي لا يمكن النظر إليها بعيدا عن تفاصيل الملف السوري .

وإذا شئنا الحديث عن تغير في الموقف، فإن ما ينبغي قوله هو أن الموقف الرسمي الأردني لم يكن مع النظام، ولم يكن مع الثورة، بل يراوح بين الموقفين، ربما لأنه غير متأكد من نتيجة المعركة، في ذات الوقت الذي يتعرض فيه لضغوط وإغراءات من المعسكرين (قطر والسعودية وتركيا من جهة، وإيران والعراق وروسيا من جهة أخرى)، مع حياد أمريكي غربي يشمل رفضا لتمرير سلاح نوعي للثوار من خلال الأردن.

لم يقطع الموقف الرسمي لا مع الثوار، ولا مع النظام، فيما يبدو الأخير مرتاحا للموقف، ليس لقبوله بكل تفاصيله، بل لأنه يدرك أن انحياز الأردن الكامل للثورة سيعني فتح أبواب جهنم عليه (على النظام السوري)، ويكفي أن يتكرر المشهد التركي من جهة الشمال هنا في جبهة درعا وصولا إلى دمشق كي يتغير ميزان القوى.

والخلاصة أن النظام السوري يقبل بهذا المستوى من التعامل، فيما لا تجد المعارضة فرصة للرفض أيضا، هي التي يجلس عدد من رموزها في عمان، بينما تعتبر الأردن شريانا مهما سيؤثر سلبا على الثورة فيما لو قطع تماما.

من المؤكد أن المخاوف من جبهة النصرة، وربما الإخوان تبدو حاضرة في سياق تقدير الموقف الأردني، لكن ذلك ليس كبيرا إلى الحد الذي يجري تصويره، وعموما لا أحد يتحدث عن سوريا تحكمها فئة بعينها بعد سقوط بشار، فهذه ثورة حرية وتعددية (في بلد متعدد الأعراق والأديان) وليست انقلابا عسكريا أو تمردا مسلحا بالمعنى التقليدي.

ربما قيل في هذا السياق إن بوسع الموقف الرسمي الأردني أن ينحاز للحل السياسي كما هو حال عدد من الأنظمة العربية، لكن المشكلة هنا أن الأردن يشبه تركيا وليس الآخرين من حيث قدرته على التأثير في مصير الثورة، وهو بموقف حاسم لصالحها سيسرِّع الحسم ويقلل حجم المعاناة والتدمير.

الجانب الآخر أن الحل السياسي لا يمكن أن يمر إذا تضمن بقاء بشار في السلطة، لاسيما أننا إزاء نظام طائفي تسيطر أقليته على الجيش والمؤسسة الأمنية، وإذا لم يُخلع بشار فسيبقى كل شيء على حاله مهما أجري من تغييرات في الحكومة.

يقول البعض إن التعويل على سقوط النظام ليس واقعيا، وبالتالي فإن الأفضل للأردن أن يتخذ موقفا وسطا أو أكثر قربا للنظام بحيث يكسب حلفاءه (حلفاء النظام) وما يقدمونه من مكاسب، لكن ذلك لا يبدو صحيحا، إذ أن الحديث عن عدم توفر فرصة سريعة للحسم شيء، والحديث عن إمكانية بقاء النظام بعد كل هذه الدماء والتطورات شيء آخر.

لا أفق لبقاء النظام مهما طال أمد الأزمة، وكل هذه “البروباغندا” التي يوزعها أنصار النظام هنا وهناك ليست مقنعة، فهو الآن يقاتل دفاعا عن العاصمة ولا يتمكن من فك الحصار حولها رغم محاولاته المستميتة، بينما يترنح في مناطق أخرى كثيرة، من بينها المدينة الثانية (حلب). الأهم من ذلك أن طول أمد الثورة ليس جيدا أيضا، إذ يرتب على الأردن مشاكل أمنية وإنسانية، وأخرى ذات علاقة بالبنية التحتية بسبب استمرار تدفق اللاجئين، حتى لو تم تمويل وجودهم بهذا القدر أو ذاك من الخارج.

في ضوء ذلك كله، يمكن القول إن من مصلحة الأردن أن يقف إلى جانب الثورة، لأنه يراهن بذلك على الحصان الرابح، وهو حين يفعل ذلك ويسرِّع الحسم ويقلل المعاناة ستكون له يد عليا عند الشعب والوضع السوري الجديد، فضلا عما يعنيه ذلك فيما يتصل بعلاقاته مع داعمي الثورة أيضا، أما المكاسب التي تترتب على الموقف الآخر، فتبدو آنية يرتبط أكثرها بمدة ببقاء النظام، وهي مدة لن تكون (مهما طالت) ذات قيمة كبيرة وفق معايير السياسة الإستراتيجية للدول.

=====================

هل تنتقل المعارك من سوريا إلى لبنان؟! * عريب الرنتاوي

الدستور

 24-2-2013

تعددت الآراء والتقديرات التي تناولت موجة التصعيد الأخير بين الجيش السوري الحر وحزب الله اللبناني، والتي بلغت ذروة غير مسبوقة بعد الإعلان عن مقتل عناصر من الحزب على الأرض السورية، وتهديد الجيش والحر وجبهة النصرة بنقل المعارك إلى معاقل الحزب في منطقتي بعلبك والهرمل.

حزب الله يتحدث عن 23 قرية سورية، يقطنها لبنانيون، غالبيتهم من الشيعة، تتوزع على تخوم الحدود بين سوريا ولبنان، في منطقة حمص وريفها بشكل خاص..تعرضت كما يقول الحزب، لعمليات اعتداء وقتل وتهجير منظمة، وأن ما يجري في هذه المنطقة، هو دفاع ذاتي عن النفس، وأن نسبة منتسبي الحزب فيها لا تتعدى في أحسن حالاتها عن العشرة بالمائة، وأن بقية المسلحين، حملوا السلاح دفاعاً عن النفس.

المعارضة السورية بشقيها العسكري (الجيش الحر والنصرة) والسياسي (الائتلاف والمجلس)، تحدثت عن “عدوان على الشعب السوري” يمارسه حزب الله بدعم من إيران، لنصرة نظام الأسد، ولاعتبارات طائفية من جهة وإقليمية ذات صلة بحسابات الدور الإيراني في المنطقة، من جهة أخرى.

بصرف النظر عن وجاهة الأسباب التي يوردها كلا الجانبين في تفسير و”تبرير” موقفه، فإن الصراع الذي انتقل من “تراشق الاتهامات” إلى الرشق بالقذائف والصواريخ، ينذر بجر لبنان للانخراط في أتون الأزمة السورية وأوحالها، وبما يطيح نهائياً، بما تبقى من سياسة “النأي بالنفس” التي أعلنتها الحكومة اللبنانية، في الوقت الذي تظهر فيه مختلف الأطراف، في الحكومة والمعارضة، تورطاً متعدد الأشكال والمستويات في الأزمة السورية، حيث يدعم كل فريق لبناني “نظيره” السوري، ولا يبخل عليه بالمال والإعلام والسياسة والسلاح والرجال إن اقتضى الأمر.

من منظور 14 آذار، فإن تورط حزب الله في “الحرب على الشعب السوري”، إدراكاً منه بأن “ساعة الحقيقة والاستحقاق” قد أزفت، وأن النظام مُدبر لا مُقبل، ما استوجب تدخله المباشر، وعلى نطاق واسع، إنفاذاً لقول “المرشد الأعلى” للثورة الإسلامية الإيرانية، بأن “نظام الأسد .. خط أحمر”

فيما الأغلبية الحكومية (8 آذار)، ترى أن تحرش بعض المعارضة السورية بالحزب، هو مسعى لتصدير أزمتها وعجزها عن التقدم على خط إسقاط النظام من جهة، ومحاولة للتعمية على تدخل فريق 14 آذار بالمال والسلاح لصالح المعارضة السورية (قضية عرسال وبواخر السلاح ووصول المجاهدين الأفغان والشيشان الى سوريا،على سبيل المثل المثل لا الحصر) من جهة ثانية، ورغبة في تفجير الموقف الداخلي بعد إقرار اللجان النيابية المشاركة لمشروع قانون انتخابات (القانون الأرثوذكسي) الذي يعارضه بشدة تيار المستقبل من جهة ثالثة.

مرة أخرى، أياً تكن صوابية أو “دعائية” هذه المبررات والحجج، وسواء أكانت أسباب التصعيد نابعة من مجريات الأزمة السورية، أم تعبيراً عن الاحتقان اللبناني الداخلي، فإن النتيجة تظل مع ذلك، هي ذاتها، وهي تكتسب خطورة إضافية في ظل انتشار السلاح وفوضى المسلحين في مختلف المناطق اللبنانية، وخصوصاً بعد تواتر الأنباء عن سعي “النصرة” لفتح “فرع لبناني” لها في لبنان، وظيفته التصدي لـ”الروافض” الذين هم “أشد خطراً من اليهود والنصارى”.

في ظل هذه الأجواء، التي تسهم بعض الدول العربية والإقليمية في تصعيدها وتوتيرها، يأتي التدخل الدولي بوصفه “شبكة الأمان” الوحيدة المتبقية للبنان واللبنانيين..وفي المعلومات أن نصائح “إقرأ ضغوط” قد صدرت عن واشنطن وبروكسيل للمعارضة السورية بمختلف أجنحتها (بالذات للجيش الحر) بتفادي الصدام، حتى لو ثبت تورط الحزب المباشر في الأزمة السورية، كما صدرت نصائح “اقرأ تعليمات” لحلفاء الغرب في لبنان بتفادي الوقوع في هذا المنزلق.

“شبكة الأمان الدولية” هي التي منعت لبنان خلال عامين من أن يصبح “محافظة” من المحافظات السورية المشتعلة، والقرار الدولي بتحييد لبنان – ما أمكن – عن تداعيات الأزمة السورية، ما زال قائماً، بل ويعتبر سبباً محفّزاً لتكثيف السعي لحل سياسي للأزمة السورية..بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: إلى متى سيستطيع المجتمع الدولي أن ينجح في مسعاه، في ظل ازدياد حدة التوتر والاحتقان والاستقطاب في الداخل اللبناني، ومع تنامي أدوار قوى ولاعبين محليين، لم يعرف عنهم “إجادة الحساب والرياضيات” الإقليمية والدولية، وتحركهم غرائز طائفية، لا يمكن لها سوى أن تنتج وتعيد إنتاج “داحس والغبراء”؟.

=====================

سوريا: حسم أو خطر اسرائيل ثانية...

  علي حماده

 2013-02-24

النهار

نقل عن المبعوث الدولي - العربي الى سوريا الاخضر الابرهيمي في اتصال له مع احد اصدقائه القدامى اخيراً  قوله: "ان الوضع في سوريا مقبل على ايام اكثر صعوبة، واكثر دموية، وقد يطول الامر فيما البلاد تشهد تدميرا منهجيا بفعل القتال". ونقل عنه ايضا "ان لب المشكلة التي تعترض عمله كوسيط لحل الازمة هو أن كلا الطرفين النظام والمعارضة يعتقدان انهما قادران على حسم المعركة، فيما الواقع يشير الى استحالة حسمها اقله في المدى المنظور"، ووفقا للمعطيات المتوافرة عن قدرات الطرفين الحقيقية التي لا تشير بحسب الابرهيمي الى امكانية للحسم.

طبعا يمتلك الابرهيمي معلومات ميدانية ربما لا تتوافر لغيره، فهو محق في التخوف من ان تشهد سوريا شلالات من الدم اكبر من تلك التي شهدتها في الفترة السابقة. كما انه محق في جزئية ان النظام يعتقد انه قادر على حسم المعركة ضد الثورة على الارض. اما اعتقاد الثورة بقدرتها على حسم المعركة فليس بالوهم، بل بالعكس. فهي لم تتوقف عن التقدم في كل مكان، وان كانت في مراحل عانت من مراوحة ميدانية فرضها ضعف قدراتها النارية، وافتقادها اسلحة متطورة قادرة على تحييد سلاح الطيران الذي لجأ اليه النظام في محاولة لتعويض قصوره الميداني، وعجزه عن الزج بقوات اضافية. والأكيد انه كلما استحوذ الثوار على اسلحة متطورة ضد الطائرات والدبابات حققوا مزيدا من التقدم على الارض.  هذه حقيقة، وما لجوء النظام في الشهر الاخير الى تكثيف اطلاقه  صواريخ باليستية من طراز "سكود" على مدينة حلب والشمال السوري سوى دليل على ان سلاح الطيران الذي اسقط نصفه على الاقل حتى الان ما عاد يكفي لمنع تقدم الثوار واستكمال سيطرتهم على كامل الشمال السوري. ولكن صواريخ "سكود" على قوتها التدميرية لا يمكنها ان تقلب موازين القوى البشرية على الارض، وفعاليتها الراهنة (برؤوس تقليدية) نفسية ومادية اكثر مما هي عسكرية.

لقد أخذ على الابرهيمي انه سارع الى ادانة تفجيرات دمشق الاخيرة، في حين انه لم يقل كلمة واحدة في واقعة قيام نظام حكم بإمطار شعبه ومدنه بصواريخ باليستية لم تستخدم في المنطقة منذ حرب الخليج الاولى سنة ١٩٩٠. ومع ذلك رب قائل ان بيانا صادراً عن الابرهيمي لن يقدم ولن يؤخر في شيء في الوقت الذي يعتبر بشار الاسد انه يمارس "حقه" وفق نظرية نقلت في بداية الثورة عن أخيه ماهر الذي صرح ان حافظ الاسد تسلم حكم البلاد سنة ١٩٧٠  وعدد سكانها ثمانية ملايين، واليوم وصل عدد السكان الى ثلاثة وعشرين مليونا، وهو واخيه بشار لن يتورعا عن اعادة البلاد الى عدد سكانها في ١٩٧٠.

  ومن هنا استحالة الحل السياسي، واستحالة التعايش وفق صيغة وسط معه. وحده ايمان الثوار بالحسم هو الحل، ووحده السعي الميداني لاسقاط النظام هو الحل. وإلا فإن سوريا ذاهبة الى حرب المئة عام مشفوعة بولادة اسرائيل ثانية وثالثة ورابعة.

=====================

 عن بعض المحظورات التي بناها النظام الأسدي

اسطنبول ـ عمر كوش

المستقبل

24-2-2013

أماطت الثورة السورية اللثام عن كثير من القضايا والأفكار والمسائل المسكوت عنها، أو المغيبة والمهمشة، وكانت تعتبر من الخطوط الحمراء، التي تضع من يتناولها في خانة الخارج عن القانون، وتستوجب ملاحقته وإسكاته. وما كان ممكنا تناول تنوع المجتمع السوري، ولا الحديث عن مكوناته الاثنية والدينية والمذهبية والعشائرية، ولا الخوض في نقاش عام، يتناول مسائل المواطنة والدستور والحريات وسواها، لأن السلطة الحاكمة كانت تحتكر جميع ممكنات ووسائل النقاش العام، وتمنع مختلف تعينات الاختلاف في التوجهات والآراء والأفكار في سوريا، وتعتبر أي حديث خارج توجهاتها، ولا يخدم قبضتها على المجتمع، حديثاً محرماً، ويدخل في عداد المس بالمحظورات، مع أن المشكلة في سوريا النظام الأسدي لا تختصر في إشكاليات سياسية او اجتماعية أو دستورية، مهما كانت أهميتها، بل في إشكالية نظام فاشي بأكلمه، نهض على حالات مركبة من الاستثناء والاستبعاد والانكار، يدعمها نهج تسلطي، يستند إلى الاستعباد والقمع والهيمنة، وعلى مركبات توظيف مختلف الانتماءات ما قبل المدنية، خدمة لتأبيد حكمها وسطوتها وسيطرتها على الدولة والمجتمع.

وفي ظل سيادة حالات الاستثناء والاستبعاد، التي ضربت حياة قطاعات واسعة من السوريين، ابتعدت الدولة السورية عن الدولة الجامعة، الساعية إلى بناء وطنية سورية، بل، فقدت الدولة صورتها المدنية، حيث لم يعرف السوريون فيها سوى سلطة، تتسلط عليهم من خلال سطوة قوانين الطوارئ والمحاكم العرفية، وتعطيل العمل بالدستور، والقفز فوق القانون من طرف الأجهزة الأمنية والمتنفذين والمسؤولين وأولادهم، مع سعي قوى السلطة الدائم إلى الهيمنة على الفضاء العام للمجتمع وحراكه، فانتفى الرأي العام، وغابت تعددية أصوات قوى المجتمع الحيّة المتنوعة، مع اختفاء المؤسسات والمنظمات والهيئات، التي يمكنها الدفاع عن الصالح العام، وانتفاء مختلف أشكال الجسور والتوسطات ما بين الدولة وبين المجتمع.

وعمل النظام الأسدي طوال عقود عديدة على استغلال مختلف تكوينات المجتمع، وتجييرها قواها واختلافاتها لأهدافه السياسية، سواء من جهة ضرب القوى الحية، أم بالاستناد إلى فئة أو لنقل أقلية بعينها، وجعلها رهينة بين يديه، أو من جهة تخويف المكونات من بعضها البعض، وبخاصة عند استغلاله المكونات الأقلية لضرب المكون الأكثري وتهميش وحرمان غالبية ناسه من حقوقها الإنسانية المشروعة.

كل ذلك كان يجري لصالح نزع صفة المواطنة عن جملة الأفراد السوريين، وتحويلهم إلى رعايا، ينتظرون عطاء الحاكم، وتحويلهم إلى أبناء أقليات، وإلى أقلويين، والنظر إلى سوريا بوصفها تجمع أقليات تابعة أو خاضعة، وأقليات يجب ترويضها وإخضاعها، بغية إدامة نظام سلطوي مافيوي، يعتمد الزبونية والاستزلام، اختلفت تعيناته، ولم تختلف مركباته ودعائمه بين نظام الأسد الأب والأسد الابن.

وحين بدأت الثورة السورية حراكاً احتجاجياً سلمياً في الخامس عشر من شهر آذار/مارس 2011، لجأ النظام الحاكم منذ البداية إلى شن حرب شاملة على المحتجين وعلى البيئة الحاضنة له، الأمر الذي أعلن عن تغيرات في مسار الثورة، وتغاير مركبات ومكوناتها، بوصفها حدثاً تاريخياً، لم يشهد تاريخ سوريا مثيلاً له، ولن يتوقف عند حدود التغيير السياسي فقط، بل ستكون له تأثرات وامتدادات، تطاول إعادة بناء الدولة، وولادة شعب جديد وهوية وطنية سورية جديدة.

ونشأت أزمة وطنية عامة، عمقتها طريقة تعاطي النظام وممارساته مع الثورة وناسها، وهي أزمة تضرب جذورها في ممارسات عقود عديدة خلت، أفضت إلى تآكل قيم العيش المشترك والتعاقد الاجتماعي، وبدأت منذ وصول حزب البعث إلى السلطة، بانقلاب عسكري في الثامن آذار / مارس عام 1963، الذي أعلن عن اعتلاء فئات، عسكرية ومدنية من الطبقة الوسطى والدنيا الريفية، سدة الحكم، وإزاحة الفئات البرجوازية المدينية التقليدية، بعد أن تمكن الحزب من قطف ثمار الحراك السياسي في سوريا، إبان فترة خمسينيات القرن العشرين المنصرم.

وترجع جذور الأزمة المركبة، إلى النظام السياسي، الذي بنته النخبة العسكرية الانقلابية، التي حكمت سوريا منذ سبعينيات القرن العشرين المنصرم، وصادر وقمع جميع أشكال الحراك السياسي والمدني والاجتماعي المخالفة له، أو تلك التي لا تصب في مصلحة خدمة نظامه.

وقد عملت سلطة النظام الأسدي على تدمير القوى السياسية للنخب المدينية الغنية في دمشق وحلب وحمص وسواها، مقابل تنمية وتقوية نخب ريفية جديدة. وأسهم حزب البعث في بقاء سلطة النظام واستمرارها، من خلال توسيع قاعدتها اجتماعياً، حيث سعى إلى إدخال جموع كبيرة من الشغيلة والفلاحين في مؤسساته ومنظماته، لكنه اُستخدم في الوقت نفسه كأداة لقتل السياسة في المجتمع، واكتفى قادته بالتمتع بامتيازاتهم السلطوية، فسكنوا أبنية فخمة ومقرات شبيهة بالقلاع، في مراكز المدن والبلدات وحواشيها، بعد أن لجأت سلطة النظام إلى تقديم غنائم مادية لمحازبيه وأزلامه، وخصوصاً في مجال خدمات الدولة والعلاوات وتسهيل الرشوة والعمولات، أو على الأقل غض الطرف عنها، فضلاً عن الامتيازات السياسية.

وأنتجت السياسة السلطوية، منذ ثمانينيات القرن الماضي، نمطاً من الإذعان، مورس على مختلف التكوينات الاجتماعية. نهض على قوة من الضبط والمراقبة، الرمزية والمادية، طاولت حتى حزب البعث نفسه، فلم يعد حزب البعث فاعلاً أو مؤثراً في قرارات السلطة الحاكمة وتوجهاتها، بل أن القيادة القطرية للحزب، فقدت دورها القيادي، ولم تعد تقوم، بدءاً من التسعينيات، بدور الهيئة أو المطبخ السياسي، الذي يصنع القرارات، بل مجرد مركز من مراكز السلطة.

وقد رفع منظّرو حزب البعث السوري رايات العروبة والقومية وفق رؤى وتوظيفات شعبوية، جعلتها أقرب إلى إيديولوجيا منها إلى هوية ثقافية ومواطنية وعيش مشترك، وبالتقابل والتضاد مع ما كانت تطرحه الأحزاب والحركات الشيوعية ومن لفّ في فلكها من شعارات وإيديولوجيات أممية وبروليتارية فجة. وراحت السلطة التي حكمت باسمه، تمارس الاجحاف والتفتيت والتخريب بحق مختلف تكوينات ومركبات المجتمع السوري، وبحق الوطنية السورية، نظراً لأن هذا الحزب فهم القومية العربية فهماً قسرياً، إلحاقياً، يعتمد اللغة كأساس جوهري لانتماء الجماعة القومية، تحولت وفقه الأمة إلى كائن أنثوي، حددها زكي الأرسوزي في مفهوم "الأمة الرحمانية"، الذي لم يكن الأرسوزي ذاته مدركاً لمعانيه ومركباته، نظراً إلى أن مؤسسي البعث "الأشاوس"، كانوا مشدودين إلى ميتافيزيقا اللغة، وكارهين للتاريخ، ولم يدركوا من معاني اللغة ومبانيها سوى ظاهرها، وراحوا يسحبون الرابط الأبوي بشكل خيالي ومصطنع حين يتعلق الأمر بالشخصنة، والرابط الأمومي حين يتعلق الأمر بالجماعة، التي باتت متخيلة في مخيلتهم، وبعيدة عن التربة والواقع. ووصل تأثيرهم إلى شاعر مثل أدونيس، القومي غير البعثي، الذي كان يستحضر صورة المرأة الجارية، كي يصور عبودية الأمة العربية، ومازال يستهجن أي حراك ثوري فيها لا يوافق انتماءاته الضيقة، وبخاصة حراك السوريين، الذي وقف ضده، منحازاً إلى طرف النظام الأسدي.

وأفضت العروبة، التي طرحتها السلطة الحاكمة باسم البعث، إلى إيديولوجيا استبعادية؛ وزّع ممثلوها تهم الخيانة والعمالة على كل مختلف بالرأي والتوجه، واستبعدوا كل ما هو غير عربي، سواء أكان كردياً أم آشورياً أم سريانياً أم غير ذلك. ثم فعلت المقايسة الميتافيزيقية فعلها الإيديولوجي الإقصائي ليتم استبعاد جميع من هم في حكم "غير العروبيين" من العرب أنفسهم، والمحصلة لمثل هذه الممارسات، كانت عروبة متعالية، معزولة منغلقة على نفسها، تبرر الاستبداد والقمع، وتقصي جميع المختلفين مع دعاتها بالرأي أو التفكير، فاقتصرت على ثلة من الشعبويين المعزولين عن الناس، وعن المجال المجتمعي السوري، وبالتالي، ابتعدت العروبة عن وصفها دالة انتماء وحاضنة هوية، بعد أن تحولت إلى إيديولوجيا طاردة للمواطنة والإجماع والتعايش، لذلك بقيت مختلف تكوينات الشعب السوري تنتظر المناخ الديموقراطي الذي يصحح ما جرى من ممارسات، ويوصل إلى حلّ سليم لتشييد وطنية سورية جديدة، تتسع للجميع ضمن فضاء العيش المشترك واحترام الخصوصيات اللغوية والدينية والثقافية.

والمفارق في الأمر هو أن معظم السوريين، وخصوصاً من جيل الشباب، عاشوا ازدواجية مقيمة، أو لنقل وضعوا ضمن ازدواجية عميقة ومزمنة، ما بين ما يسمعونه ويلقنون به من شعارات إيديولوجية ومقولات وأهداف قومية وعروبية، عابرة للوطنية السورية، ومتعالية عليها، وبين ما يرونه على أرض الواقع السوري، ويعيشونه في مختلف تفاصيل حياتهم اليومية، من انتماءات وعلاقات وممارسات مذهبية وطائفية واثنية ما دون وطنية، بل طاردة لأية إمكانية لتشكيل هوية وطنية سورية جامعة، وأفضت إلى انتفاء بناء دولة سورية لمجموع مواطنيها، لصالح تورم "قطر" سوري للمناضلين الأشاوس، الساعين إلى دولة عربية واحدة، وأمة عربية واحدة، يقصون في طريقهم إليها العرب من غير البعثيين، ويقصون الكرد على وجه الخصوص، ويقصون معهم السريان والآشوريين والتركمان والشراكسة وسواهم.

وتطرح، اليوم، مهام كثيرة على قوى التغيير الديموقراطي، من أجل بناء دولة وطنية سورية، تنهض على عقد اجتماعي جديد، يجسد قيم ومبادئ المواطنة والتعددية والديموقراطية، ويفتح صيرورة لاندماج اجتماعي، ولصيرورة خلق شعب سوري، يحمل هوية وطنية سورية جامعة. ويا لها من مهمة عظيمة.

=====================

 أسئلةٌ مُعَلّقة: الوحدة الوطنية في سوريا

دمشق ـ طلال المَيْهَني()

المستقبل

24-2-2013

يتم طرح مفهوم "الوحدة الوطنية" عبر خِطَابٍ روّجتْ له، على مدى عقودٍ من التاريخ السوري الحديث، حكوماتُ ما بعد الاستقلال، بما فيها النظام الاستبدادي الحالي. إلا أن هذا الطرْح لم يتعدَ أسلوب التسويق العاطفي، ولم يترافق مع تطبيقٍ لمفهوم المواطنة، أو مع اهتمامٍ حقيقي ببناء هويةٍ وطنية، أو تأسيس انتماءٍ وطني سوري.

ويبدو أن التركيزُ المُفْرِط على التكرار الخطابي لـ"الوحدة الوطنية" كان محاولةً لنُكْرَان عدم نضجها، ودليلاً ضِمْنِياً ولا واعياً على ذلك. وتتقاطع هذه الحالة غير الناضجة "للوحدة الوطنية" على المستوى العملي، مع حال الإبهام وعدم الوضوح على المستوى النظري المفاهيمي، كنتيجةٍ لعجزٍ مُزْمِنٍ في "النظرية السياسية" في منطقتنا. ويؤدي ما سبق إلى انعكاساتٍ جِدِّيَة على مفهوم "الدولة/ الوطن"، الذي يبقى مَلاذاً رومانسياً للمخيال الأدبي والنضالي، مع عدم قابلية الترجمة في ممارساتٍ سياسيةٍ/ اجتماعيةٍ واعيةٍ وناضجة.

ولكن مع التسليم بأن "الوحدة الوطنية"، التي يتم تلميعها شعاراتياً وخطابياً، لا تعكس بالضرورة حالاً من الممارسة الفعلية والواعية والمتجذّرة على امتداد الوطن السوري، إلا أن هذا لا يعني، في الوقت نفسه، بأن المُكوّنات السكانية في سوريا كانت تَنْهَشُ بعضها البعض. وللدقة يمكن توصيف "الوحدة الوطنية" التي شاعتْ في السياق السوري بأنها حالةٌ مهذبةٌ من "التعايش الأهلي" المُعْتَمِد أساساً على حُسْنِ النيات وحسن الجوار، وعلى إرْثٍ من القِيَم الأهليّة التقليدية. كما أن التداخلات الديموغرافية والمساحة الجغرافية لسوريا ساعدتْ على عدم تحول المكونات السكانية إلى كينوناتٍ متصارعةٍ ذات انتماءاتٍ متضاربة، ولم تظهر بالتالي أي زعاماتٍ تتحدث "أهلياً" بالنيابة عن هذه الكينونات. ومع أن مثل هذا "التعايش الأهلي" يحملُ بُذُورَ الارتقاء، في حال تَوَفَّرَت الشروط الملائمة، إلا أنه لم يتحوَّل بعد إلى "تعايشٍ مَدَني" حتى على مستوى التجمُّعات المَدينية التي ضَعُفَتْ فيها "القيم الأهلية". هذا التحول من "الأهلي" إلى "المدني" ضروريٌ للتأقلم مع المتطلبات المتغيرة باضطراد، حيث لا يُمْكِنُ "للتعايش الأهلي"، الذي لَعِبَ دوراً ملحوظاً على مستوى التجمعات السكانية الصغيرة في الماضي، أن يستمر لوَحْدِهِ كَضَامِنٍ للهوية والانتماء والسلم المجتمعي في إطار "الدولة الحديثة" في عصر الحداثة وما بعد الحداثة.

لَعَلَّه من البَدَهِي القول بأن هذه الحال غير المثالية "للوحدة الوطنية"، المُتَجَمِّدة في حدودها الأهلية واللامدنية، هي منتجٌ استبداديٌ بامتياز. ولكن من المهم هنا الإشارة إلى الدور المتناقض (والمُدَمِّر) الذي يلعبه الاستبداد؛ عبر المحافظة، مبدئياً وظاهرياً، على "وحدةٍ وطنيةٍ" مجوّفةٍ وشعاراتية. لكن هذه المُقاربة الاستبدادية هَشّةٌ، ولا يمكن لها أن تَصْمُدَ أمام التحليل النظري الجاد، كما لا يمكن لها أن تَتَّصِفَ بالدّيْمُومَة على المستوى العملي، بل تحمل في باطنها بذور التنكُّس والانفجار والتَفَتُّت. فهي لا تعتمد على تعاقُدٍ حُرٍّ وواعٍ وسَلِيمٍ سواء بين السلطة والمكونات السكانية، أو بين مختلف أطراف المكونات السكانية، مما يُرَسِّخُ التَهَتُّك في النسيج الاجتماعي على المدى البعيد. حيث تسعى الأنظمة المستبدة، في أوقات الاستقرار "الكاذب"، إلى اللعب على التناقضات السكانية، بالإكراه والطغيان والعَسَف، وتحويل "التنوع والاختلاف" من حاضنٍ للخُصوبة والإبداع، إلى مصدرٍ للخلاف وإلى تَوَتُّرٍ سَلْبِيٍ يُؤَسِّسُ لبُغْضٍ غير مُعْلَنٍ تحت الرماد، ما يؤدي إلى إبادة "الثقة" وترسيخ "اللا ثقة" على مستوى المكونات السكانية، أو على مستوى الأفراد. ويستغل المستبد ما سبق كورقة تهديدٍ في لحظات التحوُّل التاريخية الكبرى، آخذاً السكان والأوطان رهينةً لاستبداده.

ويزداد الأمر تعقيداً في الحال السورية، حيث حاول النظام فرض صِيغَةٍ شُمولِيّةٍ سطحيةٍ على مجتمعٍ غنيٍ ومتنوع، وذلك عَبْرَ طرْحِه لفكرة "الوحدة الوطنية" من زاويةٍ مُتَخَشِّبَةٍ تُصِرُّ على اعتبار الاختلاف (بأبعاده الثقافية والقومية والفكرية إلخ) جُرْماً معيباً يتناقض مع الروح الوطنية. ويضفي ما سبق نكهةً إيديولوجيةً مُنَفِّرةً على مصطلح "الوحدة الوطنية"، الذي غدا عنصراً أساسياً في اللغة الخشبية التي يستخدمها النظام البعثي، ومكافئاً للتجانس الشمولي المُصْمَتْ الذي يَأْنَفُ من التعدد والتنوع.

ومنذ آذار 2011 بَرَزَ مفهوم "الوحدة الوطنية" بِحُلَّةٍ جديدةٍ وغير رسميةٍ في سياق الحراك الشعبي على شكل شعاراتٍ وهتافاتٍ كثيرة، ليعكس إرادة شريحةٍ واسعةٍ من السوريين الطامحين إلى تغييرٍ جذريٍ وحداثيٍ يضمن الحرية والكرامة والعدالة. لكنه مع ذلك بقي محصوراً في إطار خطابٍ مبهمٍ، ومعتمداً على اللحظة العاطفية. ومع شُحِّ وانكفاءِ "النخب" وعدم تفاعلها المناسب مع الحدث، ومع تصعيد النظام المَهْوُوس بالسلطة من خِياراتِه الأمنية والعسكرية، وانتشار الصراع العنفي في أرجاء البلاد، لم يأخذ هذا الخطاب الواعد جداً حَظَّه من الإغناء والارتقاء، حيث بقي مُفْتَقِراً إلى العُمْق النظري (وهذه مُعْضِلَةٌ مُلازِمةٌ للظواهر الاجتماعية والسياسية في منطقتنا)، كما لم يجد طريقه إلى الترجمة العملية على كامل الأرض السورية.

وكان متوقعاً أن تنكشف، في سياق الصراع العنفي الذي تشهده سوريا، الهشاشةُ التي وَسَمَتْ مفهوم "الوحدة الوطنية" طيلة عقود، وأن تطفو على السطح أمراض "المجتمع السوري" التي خلّفها المستبد بعد أن تَكَوَّرَتْ بعض المُكَوِّنات السكانية، في ظلِّ العنف السائد، على مُحَدِّداتها اللاحداثية، مُحاوِلةً التمايُز بنفسها "وُجُودياً" عن المكونات السكانية الأخرى. فبدأتِ الأخبار المُريعة تَصِلُ تِبَاعاً، وتزداد تواتراً، عن ممارساتٍ رهيبة، على مستوى الجماعات الرسمية وغير الرسمية والأهلية من كل الأطراف، لسوريين بحقّ سوريين آخرين، وانتشر خطابٌ طائفيٌ تحريضيٌ بَغِيض، ودعواتٌ إلى التصفية والاستئصال والتَشَفّي، لا يمكن تفسيرها أو تبريرها في سياق الاختلاف السياسي فقط. ما دفع بعض الأطراف السورية الداخلية (الرسمية وغير الرسمية)، بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، إلى الاستقواء بالخارج على حساب أطرافٍ سوريةٍ داخليةٍ أخرى، مما يعطي دليلاً إضافياً على عدم نضج "الوحدة الوطنية".

في رأيي، فإنكار ما نراه ونسمع عنه، أو وصفه بأنه ليس سوى "ممارساتٍ فردية"، أو مُحاولةُ سَوْقِ الحُجَجِ لتبريره، أو رَمْي كلِّ هذه البَلايا في خانة النظام (أو بعض الكتائب) وكأن زوال النظام (أو بعض الكتائب) سيُشْفينا من كل تلك العِلَل في ضَغْطَةِ زر... في رأيي، فإن كلَّ ذلك إمعانٌ في دسِّ الرأس في التراب، وابتعادٌ عن مجابهة المشهد السوري في تجلّياته المُرّة. كما لا يُمْكِنُ أن نَحْتَجَّ في هذا السياق بمنطق "الضحية والجلاد"، لأننا حتى لو أخذنا بهذا المنطق، في صيغته الجامدة والمُفْرِطة في التبسيط، فإننا سنعود إلى جوهر الأسئلة التي تَطْرَحُها هذه المقالة حول "الوحدة الوطنية": كيف استطاع "السوري الجلاد" أن يفعل ما يفعله "بالسوري الضحية"؟ كيف استطاعتِ الانتماءات السياسية أو الطائفية أو القومية أو الطبقية أو غيرها، أن تفرض نفسها كعُنْصرٍ حاسِمٍ يُحَدِّدُ مصير الإنسان السوري في القرن الحادي والعشرين؟ ألا يَدُلُّ ذلك على خَلَلٍ عَميقٍ يحْكُمُ العلاقة بين بعض السوريين؟ ألا يُشِيرُ ذلك على أن بعض السوريين ينظر إلى بعضهم الآخر نظرةً ملؤها الاختلاف الذي يبيح القتل والاستئصال؟ ألا يُظْهِر ما سبق أن للحَدَثِ الأليم جذوراً عميقةً وتراكماتٍ تتجاوز سَطْحِيّة الخطاب السائد؟ أين اخْتَفَتِ هذه الوحدة في حال افترضنا وجودها؟ ألا يؤكد هذا مسؤولية السلطات السورية وفشلها الذريع، على مدى عقودٍ، في بناء هويةٍ وانتماءٍ وطنيٍ جامِع؟

وينقلنا هذا كُلُّهُ إلى واقعٍ أليمٍ يُفترَضُ أن نواجهه بشجاعة: فالمآسي التي يَحْفل بها المشهد السوري ليستْ سوى أعراضٍ ظاهِرِيّةٍ لِعِلَلٍ مُزْمِنةٍ، ولإرثٍ تراكمي. لقد بدأتْ هذه الأعراض منذ لحظة تأسيس "الدولة السورية" ككيانٍ سياسي وليدٍ دون إرادةٍ واعيةٍ وذاتيةٍ وجَمْعِيةٍ، ودون مُسَاهَمَةٍ مباشرةٍ من أبنائه. ثم دخلتْ مرحلة الاستفحال المُسْتَتِر والتدريجي عبر عقودٍ من الاستبداد وما خلّفه من فسادٍ، وظلمٍ اجتماعيٍ، وقمعٍ للحريات.

وقبالة هذا الواقع الأليم، تقف الأصوات السورية العاقِلةُ شبه عاجزة: أزمةٌ ثقافيةٌ/ اجتماعيةٌ تتجاوز كونها مُجَرَّد أزمةٍ سياسية، أزمةٌ لا يَصِحُّ في خِضَمِّها التباكي على "وحدةٍ وطنيةٍ" مُبْهَمَةٍ وغير ناضجةٍ بالأساس.

وعليه، فالانتفاضة السورية لم تقتل أو تقتلع "الوحدة الوطنية" كما يتم الترويج له في بعض الأوساط، بل أظهرتْ هشاشتها، وعَرّتْها من الوَهْم المُعاش الذي يعيق رؤية الحقيقة على قساوتها. وعلى العكس، تُشَكِّلُ الانتفاضة السورية نقطة التحول الكبرى والأهم على مستوى "الذات السورية" منذ الاستقلال، مع ما يعنيه ذلك من انتقالٍ مُحْتَمَلٍ لهذه "الذات السورية" بتناقضاتها وأَزَمَاتِها، على المستوى الفردي على الأقل، إلى حيّز الوعي بالأزمة. فهذه الانتفاضة هي الهَزّة الأولى؛ هَزّةُ المكاشفة الصريحة والمؤلمة، وللأسف، "المتأخرة" التي حَرّكَتِ الركود المستنقعي المزمن في الأفكار، وعَرَضَتِ المُكَوِّنات السكانية في سوريا بإيجابياتها وسلبياتها الكثيرة، وقامتْ بتَعْرِية الهياكل الهشّة للدولة السورية، ككينونةٍ سياسيةٍ، من نفاق الأقنعة والأنظمة المستبدة والكذب على الذات، والأهم أنها جعلتْ قطاعاً لا بأس به من النخب الشابة تُدْرِكُ ذلك.

هذا الإدراك بحدِّ ذاته خطوةٌ أولى وأساسية، قد تُمَهِّدُ للمسير في دربٍ طويلٍ يمكن البناء عليه، عبر إعادة تعريفٍ "للوحدة الوطنية" نظرياً وعملياً، وإعادة التفكير فيما يتّصلُ بها من مفاهيم كالهوية والانتماء والوطن والأمة إلخ. فمقاربة أسئلة "الوحدة الوطنية"، وتجاوزُ هذا النوع من الأزمات المُعَقَّدَة، يتطلب انخراطاً كاملاً في عملية تفكيكٍ مُمَنْهَجٍ لمُسَبِّبات وآليات الحدوث، المباشرة واللامباشرة، الواعية واللاواعية. ومن النَّافِلِ الإشارةُ إلى أن هذه المقاربة التفكيكية تستلزِمُ زمناً أطول بكثير من وتيرة الأحداث الآنية والأليمة والمتسارعة كل يوم، وإلى جهدٍ أكبر من مُجَرّد النّوايا الصّادِقة والمُخْلِصَة. كما أن هذه المقاربة مشروطةٌ، كي تَضْمَنَ تَحَقُّقَ النتائج، بمستوىً من الاستقرار، ومساحةٍ من الحرية، وحَدٍّ أدنى من العناصر والنخب التنويرية الفاعِلَة والقادِرَة على لعبِ دورٍ إيجابيٍ في التغيير.

قد لا تتوفر في هذه المرحلة العَصِيبَةِ كل هذه الشروطُ المُثْلى، فالساحة السورية غارقةٌ بمشاهد العنف والدماء. إلا أن هذا لا يعني الاستِكانَة والاستسلام: فالتغيير، والسعي نحو التغيير، لا يحتمل التأجيل والتسويف والانتظار المُنْفَعِلُ للظروف كي تتحسن. هذا ما أدركه قطاعٌ لا بأس به من الشباب المدني في الداخل السوري؛ ففي خِضَم هذا الألم الذي يكتسح الوطن، تُمْكِنُ الإشارة إلى إيجابياتٍ محتملةٍ قد تنجم عن تعارف والتقاء (أو بدء تعارف والتقاء) المكوّنات السكانية السورية مع بعضها بشكل صريحٍ وواعٍ، مما قد يزرع في مرحلةٍ لاحقةٍ بذور "الثقة" على أسسٍ أكثر صلابة. فالصورة ليست قاتمةً بالمُطْلَق، وهناك يقظةٌ فِكْرِيةٌ ومَدَنِيَةٌ تشقّ طريقها بصعوبةٍ وخجلٍ في هذا الزمان الرديء، يسعى بها بعض العقلاء الذين يغلب عليهم العنصر الشبابي التوّاق إلى تغييرٍ جذريٍ وكامل. لكن العنف يجعل الجهود محصورةً، في الوقت الحالي، في أعمال الإغاثة عوضاً عن الترميم الوطني والبناء الفكري. كما أن جعجعة السلاح، وهمجية النظام، وتدخلات اللاعبين الخارجيين، والغرائز ومشاعر الثأر التي تعصفُ بالبلاد، تمنع هذه اليقظة من أخذ حقّها في الظهور والتسويق وتَصَدُّرِ المشهد.

=====================

 الإحساس بالسوريين "يا الله ما إلنا غيرك يا الله"

نيويورك ـ ماجد كيالي

المستقبل

24-2-2013

يحتاج السوريون اليوم، إلى من يدعمهم، ويساندهم، ويتعاطف معهم، بأي شكل من الأشكال، وبأي صورة من الصور، ولكنهم يحتاجون أكثر من كل ذلك إلى من يحسّ بهم، بآلامهم، ومعاناتهم، وعذاباتهم، فغياب مثل هذا الإحساس، هو ما يثقل على السوريين، أكثر من أي شيء أخر، وهو الذي يفاقم من شعورهم بالوحدة، وبأنهم تركوا في مواجهة مصيرهم، وهذا هو مصدر صيحاتهم في المظاهرات والحارات والبيوت: "يا الله يا الله ما إلنا غيرك يا الله".

لا شكّ أن ثورة السوريين تتضمّن ثغرات ومشكلات ونواقص، وهي كأي ثورة غير منزّهة من الأخطاء والانحرافات، فهذه وتلك من طبيعة البشر ومن طبائع الصراعات السياسية، لاسيما في المراحل الانتقالية، حيث يسود نوع من عدم الاستقرار، وحيث تظهر على السطح كل المعادن، الأصيلة والرديئة، النفيسة والرخيصة، ولاسيما أننا نتحدث عن ثورة عفوية بكل معنى الكلمة، كانت انطلقت من نقطة الصفر تقريبا في علاقة السوريين بالسياسة.

لكن هذا كله لا يغطّي ولا يبرّر للبعض عدم التعاطف ولو الإنساني مع جراحات السوريين وعذاباتهم والظلم الواقع عليهم، منذ أزيد أربعة عقود، ولا اعتقاد البعض بأن هذه الثورة جلبت الفوضى، لكأن البلد كانت تعيش حالة نظام، ولم تكن من الأصل تعيش حالة فوضى وتهميش للدولة والمجتمع والأفراد، وللماضي والحاضر والمستقبل، منذ 42 عاما، أي منذ باتت تقبع في أسر عائلة اعتقدت ان البلد دانت لها إلى الأبد.

والحال فإن سوريا هذه كانت أصلا في حالة عطالة، وشلل، في ظل حكم القائد الواحد، والقائد الخالد، فقد تم تغييب أو تهميش السوريين، فالقائد لاشيء قبله ولا بعده، فهو صانع سوريا، وباني مجدها، فهو وحده التاريخ، والسوريون من دونه لاشيء.

والأنكى من كل ماتقدم أن ثمة من يحمّل السوريين، أي الضحايا، مسؤولية قتلهم بالطائرات والدبابات والمدفعية، وضمن ذلك تدمير ممتلكاتهم وبيوتهم، ومعه تدمير عمران سوريا، وتخريب نسيجها المجتمعي، مع أنه واضح تماما من يقوم بكل ذلك، وواضح تماما من يمتلك هذه الأسلحة.

إزاء كل ذلك، ما المطلوب؟ هل المطلوب من السوريين الخنوع والقبول بالذل والهوان والعيش خارج التاريخ؟ أليس هذا هو معنى العيش في ظل نظام "سوريا الأسد إلى الأبد"؟ ثم ماهي السياسة أو ماهي الأخلاق السياسية التي تبيح للبعض اتخاذ قرار بشأن بقاء شعباً بأكمله أسيراً لعائلة تتوارث البلد، وضمنه أن يبقى هذا الشعب يعيش في خوف ورعب مقيمين، تحت رحمة نظام أمني، يتحكم بكل شاردة وواردة، وفي ظل نظام صادر الزمان والمكان، والبشر والحجر.

حقاً هذا شيء لا إنساني، وقاسي، وصعب، وغير مسبوق، وليس له علاقة بمجرد قصور أو انحراف في الوعي السياسي فقط، وإنما هو فوق ذلك ينمّ عن قصور مريع في الإحساس السياسي والأخلاقي أيضاً، فهذا هو معنى إنكار مظلومية المظلوم، والأنكى مطالبته باعتبار الظلم، والحرمان من الحرية، وامتهان الكرامة الانسانية، منّة، ونعمة، ينبغي أن يسبح بحمدها!

نعم ينبغي الإحساس بالسوريين، ليس من أجلهم فقط، بل من أجلنا أيضا، من أجل انسانيتنا، وحقنا في الحرية والكرامة، من أجل أولادنا، ومن أجل مستقبل افضل لنا.

نعم ينبغي الإحساس بالسوريين العاديين، أهل البلد من أبناء الضيع والأرياف، وسكان الضواحي والعشوائيات، والقاطنين في الأحياء الشعبية وحارات المدن العميقة، الذين يمنحون سوريا اسمها، ولونها، ونكهتها، الشوام والحلبية والحماصنة والحوارنة والديرية والرقاوية وأهل الساحل والجبل، على تعدد لهجاتهم، وتباين أمزجتهم، وتنوع عاداتهم وشكل لباسهم، واختلاف نمط دبكاتهم وأهازيجهم.

المعنى من ذلك أن ثورة السوريين لا تستمد أهميتها، فقط، من كونها ثورة سياسية، أو باعتبارها ثورة ضد الاستبداد، فثمة كثير من الثورات من هذا الطراز، وإنما تستمد أهميتها من تميزها بشيء أكبر وأغلى وأهم من كل ماتقدم، وهو يتمثل في أنها هي بالذات التي مكّنت السوريين، وبعد عقود من التهميش والضياع والمحو، من اكتشاف ذواتهم، والتعّرف على حقيقتهم، كبشر عاديين، يحق لهم أن يحبوا أو أن يكرهوا، وأن يتفقوا أو أن يختلفوا، وأن يفرحوا أو أن يحزنوا، لاعتباراتهم هم، وبسبب حاجتهم هم إلى ذلك، وليس لاعتبار أخر، يخصّ "الأب القائد" أو "الرئيس الخالد".

المهم الآن أن الثورة السورية التي كانت تعتبر من سابع المستحيلات قبل عامين، باتت تعرف اليوم بأنها الثورة الأكثر ادهاشاً، والأكثر صعوبة وتعقيداً، والأبهظ ثمناً، بين ثورات الربيع العربي، بل إنها باتت تعرف أيضاً بأنها الثورة اليتيمة، أي التي تعتمد فقط على تضحيات السوريين وشجاعتهم وتصميمهم، وعلى التوق للحرية لديهم، أكثر من أحد أخر في هذا العالم.

هكذا ثمة ثمن باهظ تم دفعه في الثورة السورية، من أعمار السوريين وعمرانهم ومعاناتهم، لكن هذا لا يقلل من اعتبار هذه الثورة الأكثر مشروعية، بين الثورات الشعبية العربية، على رغم كل المشكلات، إذ يكفي انها اقتلعت أسطورة "الأسد إلى الأبد"، ويكفي أنها أنهت الخوف من قلوب السوريين، مع صيحة "الشعب السوري ما بينذل"، ويكفي أنها وضعتهم على مسرح التاريخ، كفاعلين أحرار يقرّرون مصيرهم، وإن بطريقة فجّة أو صادمة.

قصارى القول فقد يمكن للبعض أن لا يتعاطف سياسيا مع السوريين، وحتى ولا مع أهداف ثورتهم، لكن عدم التعاطف، وعدم ابداء أي حساسية، ولو حتى أخلاقية، لما يحصل لهم، لاسيما مع 70 ألف شهيد واضعافهم من المعتقلين والجرحى، ومع أربعة ملايين نازح ومتشرد، وكل هذا الخراب في البيوت والعمران، فإن عدم التعاطف الأخلاقي إنما ينمّ عن وجود شيء مرضي، ولا إنساني، وغير أخلاقي، في أحوال مجتمعاتنا ونخبها السياسية والثقافية.

=====================

 النكبة السورية الكبرى

دلال البزري

المستقبل

24-2-2013

من مخيم اليرموك، وفي طريقها الى القاهرة، مكثت أم ابراهيم ثلاثة أيام في بيروت. كانت هاربة، هي وبناتها وحفيداتها، من المخيم حيث اشتعلت نيران الصراع وباتت تهدّد أخضره ويابسه. بالكثير من الحنين تروي أم ابراهم قصة هروبها الأول، من قريتها الفلسطينية... ترتسم الابتسامة على وجهها التعِب، تقول: "رزق الله على تلك الأيام.... قريتنا، القريبة من حدود بلادكم، هاجمتها عصابة صهيونية وقتلت ثمانية عشر رجلاً منها. لم يتحمل الناجون البقاء لحظة واحدة فيها. حملنا مفاتيحنا وصررنا والقليل من ذهبنا وسافرنا الى لبنان... استقبلنا أقاربنا البعيدون، أولاد أولاد عمة أمي. كانوا مرحّبين وكرماء... يسكنون في الشمال، بالقرب من طرابلس. كان لبنان جميلاً. نظيفا، مرتباً، أخضر... عشتُ هناك ثمانية أشهر. وبعد ذلك انتقلنا الى مخيم كان استحدث في البقاع لإيوائنا. ولم تمضِ اسابيع حتى تعرّفت الى شاب له أقارب في سوريا. كان من نصيبي... تزوجنا هناك وانتقلنا الى دمشق حيث عشت في مخيم اليرموك حتى هذه اللحظة...".

تقول كل هذا بالكثير من الحنين، كأن النكبة الأولى كانت نزهة، ذكرى جميلة، تقيسها بما شاهدته، ما عاشته، ما سمعت عنه، هي وحدها، مع بناتها وحفيداتها. ذلك ان أم ابراهيم يمكن اعتبارها، ولو نسبياً، من اللاجئين الممتازين مقارنةً بما يقاسيه السواد الأعظم من السوريين، وأكثر منهم الفلسطينيين، من النكبة الجديدة التي لم تَعُد تحتاج حتى أن ترتسم في الأفق.

ليس القصد هنا مجرّد مقارنة بين الوحشيتين، الصهيونية والبعثية؛ إنما الاعتماد على النكبة التي تسبّبت بها الأولى، لتقدير الحجم غير المتخَّيل حتى الآن، للنكبة الثانية التي أحدثتها الوحشية البعثية.

الأوجه الواضحة لهذه النكبة الجديدة، حتى هذه اللحظة، من دمار للحياة والروح، للحياة العامة والعائلية والشخصية، للإقتصاد والبيئة والعمران والبنى التحتية. دمار للأرواح بازهاقها أو جرحها أو إماتتها وهي حية، بعمق ندوبها، بانتشار مآسيها، بانتقال عدواها إلى ما بعد حدودها، بانخراط من هم خلف هذه الحدود في حربها، خصوصا العراق ولبنان. بتهديدها لديموغرافيات هذه البلدان، بانتشار عنفها المنظَّم ضد النساء، بالزيجات الرهيبة مع نازحات قاصرات وغير قاصرات، بالاغتصابات، بالابتزازات، بالتداخلات، بانهيار منظومات بعينها، القيم، العمل، الصحة.

واذا لم يفضِ كل هذا الى حرب عالمية ثالثة، كما يتوقع البعض، يمكننا استحضار مصائب سفر برلك، قبل نكبة فلسطين... لنتصور كيف تكون الحروب في أفضل أحوالها... اذا لم ينتهِ الأتون، أو يعود بزخم أقوى.... اذا سقط بشار الأسد، وتحقق المطلب المحوري لكل المعارضات السورية، فان العقل يملي علينا بعدم توقع إلا المزيد من الصراع، وإن مختلفاً: على جبهة الانقاذ الانساني، سوف يتلوّع السوريون من الممولين الذين وعدوهم بالمبالغ. هذا اذا لم يكن الفساد قد أهدر معظم الأموال "الواصلة"، أو اختفت أخرى...

السوريون صاروا الآن أقسى، لما قاسوه. وهذه جبهة نفسية جماعية، لن تعالجها إنجازات سريعة، يراها كل طرف مختلفة عن الأخرى. فالانقسام بين الذين سوف يتولون الأمر بعد بشار واضح من الآن، ومتعدد المشارب والتوجهات: بين مسلحين إسلاميين وآخرين غير إسلاميين، بين مسلحين إسلاميين أنفسهم، بينهم كلهم وبين "القيادة السياسية" الموزعة، على الأقل على أربعة أطراف رئيسية؛ لا نعرف الكثير عن الأطراف "الفرعية"، ربما تكون مضاعفة... عن الصراع بين الطوائف، الذي لن يكون متكافئاً، عن الثارات، عن "التسويات"، عن تصفية الحسابات. وما يؤججها، من أسلمة. لا يدخل التأسلم مكاناً إلا وصعدت معه العصبيات الطائفية-المذهبية.

صراعات مركّبة، عشوائية، شغوفة، مقنّعة، مرمّزة بالهوية والتاريخ، بخيوط عريضة أو دقيقة. تجري في نهر الحرية المتوحشة، تديرها الفوضى الجديدة، التي لم تكن قد ألغت القديمة منها. فوضى مضاعفة، لها قوة القفز عن حدودها وتجيير مصير جيرانها لصالحها. فوضى غامضة، توقظ، بالخوف الذي تبثّه، طاقات العنف النائمة.

لا يقصد كل هذا القول تثبيط همم الثوار السوريين، أو المتعاطفين معهم. إذ ما زالت الثورة السورية ثورة، انطلقت كثورة. أي كفعل إرادي حرّ. وما زال هناك ثوار سوريون. لكن حظوظ تاريخية وأقدار استثنائية مكّنت بشار من تحويلها الى نكبة. من دون نفي مسؤوليات الانزلاقات، هنا شيء يشبه الحتمية في هذا التحول. شيء يستدعي التاريخ، والجغرافيا، ويستنفر قدرتنا على الفهم.

أولى النقاط التي تثيرها كل هذه الملاحظات تعيد النكبة الأولى الى الأذهان. عندما كانت أم ابراهيم تتذكر الثمانية أشهر الممتعة التي قضتها في لبنان إثر تهجيرها من فلسطين... كانت تصف، أيضاً، عصراً ومناخاً مختلفين عن عصرنا. كانت البيوت أوسع، والقرابات أرحب؛ وشيء من النظافة كانت تتنشّقه أم ابراهيم في الهواء. وعندما عادت الى لبنان ثانية، منذ بضعة أشهر، كان لبنان مجرد محطة محطمة، ومنها الى القاهرة، التي لا تقلّ خراباً. فهي حتى الآن لم تنل، لا هي، ولا بناتها ولا حفيداتها، أوراق الإقامة في مصر؛ عوملت هناك كفلسطينية... تحمل على اكتافها الهرمة ندوب النكبة الاولى.

أما النكبة الجديدة، فتغنيها تماما عن الكلام. لا تعرف ماذا تقول، ماذا تعّدد، ماذا تشكو، عن أبناء توزعوا في انحاء المعمورة كلها... عن بيتها في اليرموك... عن قتلى المخيم، عن جيرانها. وهي بعد كل ذلك محظوظة. فوق رأسها سقف، وعلى جوانبها حيطان، ولا ينقصها الحرامات أو السكر أو الطحين أو دواء السكّري... لم تفقد أبناءها أو أهلها أو عقلها أو حتى قدرتها على الابتسام... عندما تتذكر لبنان عام 1948، عام النكبة.

النكبة لم تعد حكراً على الفلسطينيين. بات لزاما علينا، عندما ننطقها، ان نضيف اليها الصفة؛ القديمة أم الجديدة، الفلسطينية أم السورية. والنكبة السورية، فضلاً عن عصرها، أقل رحمة، أقل بساطة، أقل تموْضعاً... من النكبة الفلسطينية.

رحيل بشار، أو "تسوية" سوف تغلق مرحلة من الصراع، أو نوع من الصراع. من بعده، صراعات شتى. معطوفة على مصائب ليست معروفة حتى الآن دقة هولها. ولا مدى توطن بعضها خارج سوريا. لا يهمّ أن نبدي تفاؤلاً أو تشاؤماً بهذا الخصوص. انه تفاؤل باندلاع صراعات كان يجب ان تُخاض منذ عقود. ولم يكن ممكناً للدولة الأسدية ان تظل ممسكة بأقفالها. انه تشاؤم بالتكلفة الزمنية والبشرية والانسانية التي سنتكبّدها، نتيجة تلك الصراعات. والتي لم يعد من الممكن تفاديها أو التغاضي عنها.

=====================

الائتلاف السوري.. جولة إقناع أم تعليق المشاركة؟

2013-02-24 12:00 AM

الوطن السعودية

جاء تعليق الائتلاف السوري مشاركته في مؤتمر "أصدقاء سورية" المقبل في روما للتعبير عن احتجاجه على الصمت الدولي على الجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري، ومثله قرار الائتلاف برفض تلبية دعوة لزيارة واشنطن وموسكو.

النقطتان السابقتان ـ بحسب بيان الائتلاف الذي صدر أمس ـ كانتا أهم ما تمخض عنه اجتماع القاهرة، غير أن واقع الأمر يقول إن المسألة ما زالت قابلة للحوار، فقد يكون مبرراً قرار رفض زيارة واشنطن وموسكو، فالأولى ما زالت غير فاعلة في الشأن السوري رغم قدرتها على ذلك، والثانية تسهم من حيث تدري بمزيد من بطش النظام بشعبه فهي تصر على حماية النظام بالفيتو وغير الفيتو وتزوده بالأسلحة، وتريد حلاً تفصله بطريقتها على مقاس رأس النظام.

أما ما هو قابل للنقاش فهو تعليق المشاركة في مؤتمر أصدقاء سورية، لأنه باعتبار الائتلاف المعارض جهة تمثل الشعب معترفا بها من كثير من الدول، فغياب الائتلاف عن المؤتمر يعني عدم وجود من يمثل الشعب ويطرح الحقائق على المشاركين، والقول بأن المجتمع الدولي صامت تجاه الجرائم فيه مبالغة، فدول مجلس التعاون الخليجي على سبيل المثال قطعت علاقاتها مع النظام واعترفت بالائتلاف السوري كممثل للشعب، وهناك دول أخرى عملت الشيء ذاته، ومنها دول طردت سفراء النظام السوري لديها وعينت سفراء من الائتلاف المعارض. مما يعني أن المجتمع الدولي ليس صامتاً برمته بل إن الظروف والقوانين الدولية لم تتح له التدخل لإنهاء الأزمة، وأهمها إصرار روسيا ومن بعدها الصين على حماية النظام واستخدام الفيتو وتعطيلهما كل مشروع قرار يلوح باستخدام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة في مجلس الأمن.

أمام هذا الوضع ليس بوسع المجتمع الدولي أن يفعل شيئاً من جهة إجراء عسكري، أما الإجراءات الدبلوماسية والاقتصادية فقد اتخذت وطبقت كما في قرارات لجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي.

إذاً، على الائتلاف السوري المعارض أن يحزم أمره ويزيل الخلافات الداخلية بين تياراته وأعضائه بخصوص مبادرات الحوار وغيرها، ويبدأ بتحركات دبلوماسية واسعة على مستوى العالم ليثبت للجميع ويقنعهم بأنه قادر على إدارة الدولة بعد سقوط النظام، ويمتلك رؤية مستقبلية لما يجب أن يكون عليه الوضع في مختلف المجالات والمستويات.

=====================

الثورة السورية بين الأمل والواقعية

الواقعية تُعيدنا إلى المعنى الحقيقي الذي تحدثنا عنه للثورة السورية:نهراً يجرف المستنقعات ويكشف العفن الراكد ويعريه تحت الشمس

د. وائل مرزا

الأحد 24/02/2013

المدينة

الثورة السورية بين الأمل والواقعية

كي لانجلد أنفسنا ليل نهار.

كي لانقع فريسة الأحلام الوردية والتوقعات الكبيرة قصيرة الأجل.

كي لانعيش على وقع ردود الأفعال النفسية والعاطفية الناجمة عن طول عملية التغيير وصعوبتها.

كي لانقع في قبضة اليأس والإحباط من حجم التحديات الراهنة والقادمة.

كي لانتقلب كل يوم، مع اختلاف الوقائع، بين طرفي نقيض، فلانقذف أنفسنا من أقصى مشاعر الأمل إلى أعلى درجات اليأس، مابين تحرير مطارٍ هنا وانسحابٍ تكتيكي للجيش الحر هناك، وبين سقوط حاجزٍ في منطقة وأخبار مذبحةٍ جديدة يقوم بها النظام في منطقةٍ أخرى.

كي لايصبح توقّعُ الإنجازات الكبيرة دافعاً للاستعجال في العمل والقرارات، ولايكون ظهور التحديات على حقيقتها سبباً للانسحاب والسلبية.

كي نعيش لثورتنا بواقعية وفعالية وإيجابية. وأهم من هذا كله، كي نُعطي تضحيات شعبنا القيمة الحضارية الكبرى التي تستحقها. لامفر من أن نفهم الحقيقة الكبرى الكامنة وراء هذه الملحمة البشرية التي بدأت في سوريا منذ عامين.

ربما ينطبق على الثورة السورية أكثر من غيرها التحليل الذي ذكره المثقف العربي خالد الحروب حين قال: «الوصف الذي أستخدمه وأراه جامعاً لإجمال حالة الثورات العربية وما ثارت عليه وما قد يترتب عنها هو (النهر ضد المستنقع)..الأنظمة الحاكمة أضاعت على شعوبنا عقوداً طويلة وثمينة من ناحية تاريخية من دون أن تعمل على إدراج تلك المجتمعات في شكل الدولة الدستورية والقانونية المعاصرة، بل نامت على ما هو قائم من بنيات ما قبل الدولة الحديثة. والأسوأ من ذلك أن تلك الأنظمة كانت مستبدة وتعزز استبدادها مع الزمن ما فاقم من العفن الموجود في قاع المستنقع. الثورات العربية هي النهر الذي يجرف هذه المستنقعات ويكشف العفن الراكد ويعريه تحت الشمس، وهو البداية الحقيقية وربما الوحيدة لمعالجته، ومن ذلك العفن الطائفية والقبلية والجهوية. النهر يجلب الماء الجاري الصحي، لكنه يجرف العفن المتراكم دفعة واحدة وهو ما نراه الآن من مشكلات وأمراض وتخوفات. كما قد يجرنا هذا النهر في بداية الأمر إلى اتجاهات ومسارات فيها مخاطر كبيرة، وهي مخاطر لا بد منها إن كنا نريد الاندراج في المستقبل والتاريخ وننقطع عن التكلس. الآن بدأنا المرحلة الثانية من الاستقلال حيث تتصارع القوى الاجتماعية والسياسية والدينية داخل كل مجتمع للوصول إلى معادلة التعايش في ما بينها على قاعدة المواطنة والديمقراطية بعيداً عن أوهام استقرار المستنقع. في المرحلة الراهنة، سوف تختلف الجماعات والتيارات السياسية بشكل جذري وربما دموي، وسوف نرى كل أنواع الشعارات القصوى بما فيها الانشقاق والتجزئة أو الاقصاء. لكن في نهاية المطاف سوف تصل كل المجموعات المتصارعة إلى خلاصة لا مناص عنها وهي أنه لا بد من التعايش السلمي في ما بينها، وأفضل وسيلة للتعايش هي بناء أنظمة سياسية ومجتمعات قائمة على قاعدة المواطنة التي تساوي بين الجميع بغض النظر عن الطائفة والدين والقبيلة والمدينة. بكلمة أخرى بدأنا المسيرة الطويلة للبحث عن صيغة الاستقرار القائم على الحرية بديلا من الاستقرار القائم على الاستبداد، استقرار مع حرية الناس وليس على حسابها».فحين كسر الشعب السوري حاجز الخوف وخرج إلى الشوارع كان يعلم أنه خرج يطالب بالحرية والكرامة، وكان يعلم جيداً أنه يواجه نظاماً همجياً، وأنه سيقدم الكثير من التضحيات.

لم يكن ثوار سوريا واهمين حين أطلقوا شرارة الثورة. كانوا يدركون أنهم يعيشون في ظل نظامٍ لايمكن مقارنته من جهة الوحشية والقمع بنظامي بن علي ومبارك. كانوا يعرفون أن قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي هي لونٌ من ألوان (الترف) بالنسبة للنظام، وأن استخدامها في نظره هو مجرد مضيعةٍ للوقت لاأكثر ولاأقلّ. ورغم كل هذا، حملوا أرواحهم على أكفّهم، وخرجوا بحثاً عن كرامة لم يعد هناك طعمٌ للحياة بعيداً عنها.

لكنهم لم يكونوا يعلمون، في حقيقة الأمر،أن مايواجهونه أكبرُ كثيراً من النظام، وأنهم يبدؤون عملية تغييرٍ كبرى ستكون لها أبعادها الحضارية، وليس فقط السياسية.وأن النظر إلى نتائجها سيكون بمقياس أعمار الأمم والشعوب وليس بمقياس أعمار الأفراد. من هنا، يغدو معيباً أن نشعر بمثالية مفرطة، إذا قلنا أن ثمة احتمالاً بأن مايزرعه جيلُ الثورة السورية اليوم سيجني ثماره الحقيقية أبناؤهم..

قد يدّعي البعض أنهم كانوا يعرفون هذه الحقيقة منذ البداية، وقد يبرر آخرون رفضهم للثورة أو عدم تأييدها بهذا المبرر، لكن مثل هذه التحولات التاريخية لاتأتي محسوبةً بمعادلات رياضية ودراسات هندسية تقوم بها الشعوب. والاعترافُ بعفوية ماجرى لدى الغالبية العظمى من الشعب السوري الثائر ليس مدعاةً للندم أو الاعتذار أو التراجع.

بل إن هناك دلائل بأن هذا الشعب كان يشعر في أعماقه بأنه يُقدم على أمرٍ يتجاوز حسابات جيلٍ واحد. لاغرابةً إذاً حين يقول أحد الشباب من ثوار دمشق: «لقد ورثتُ هذا الواقع عن آبائي ولن أدعه ترِكةً لأبنائي بأي حالٍ من الأحوال». ولاغرابة أن تسمع من جيل الآباء والأجداد السوريين قولهم: «لو فعلنا ماعلينا وقمنا بواجبنا في شبابنا، لما وصلنا إلى هذا اليوم».. هكذا تتكامل أفكار الأجيال بأن سوريا العقود الماضية لم تكن سوريا التي تليقُ بحضارتها وثقافتها وخبرتها عبر القرون.

لكن البعض قد يشعر بالحرج لمجرد التفكير بهذه الطريقة. يخجل هؤلاء، وهم يرون الكمّ الهائل من تضحيات مواطنيهم، من الحديث عن إمكانية التأخير في كل مايتعلق بأهداف الثورة: من سقوط النظام إلى تحقيق الديمقراطية، مروراً بتأمين الاستقرار والأمان والوحدة الوطنية، وانتهاءً بإعادة الإعمار وانطلاق عمليات التنمية الحقيقية.

مامن شكٍ أن هذا الحرج مشروعٌ في أبعاده الإنسانية المباشرة. لكن الواقعية تُعيدنا إلى المعنى الحقيقي الذي تحدثنا عنه للثورة السورية:نهراً يجرف المستنقعات ويكشف العفن الراكد ويعريه تحت الشمس، وهو ما نراه الآن من مشكلات وأمراض وتخوفات،لكنها البداية الحقيقية وربما الوحيدة للعلاج والولادة الجديدة. نهراً قد يجرنا في بداية الأمر إلى اتجاهات ومسارات فيها مخاطر كبيرة، لكنهامخاطر لا بد منها إذا أراد السوريون إعادة تعريف أنفسهم وتعريف وطنهم، والعودة إلى دخول التاريخ من أوسع أبوابه.

=====================

المقاطعة لن تفيد المعارضة السورية

طارق الحميد

الشرق الاوسط

24-2-2013

أعلن الائتلاف السوري المعارض تعليق زياراته المقررة لكل من واشنطن وموسكو، وكذلك المشاركة في مؤتمر روما لدعم المعارضة، وذلك «احتجاجا على الصمت الدولي» تجاه «الجرائم المرتكبة» بحق السوريين، وذلك بعد قصف النظام الأسدي لحلب بالصواريخ بعيدة المدى، والمقاطعة بالطبع تصرف خاطئ.

المقاطعة ليست الحل بالنسبة للمعارضة السورية، وأيا كانت المبررات، فالأصل بالسياسة هو التواصل، ولو عبر القنوات الخلفية. والمعارضة السورية في أمس الحاجة للتواصل بنفسها مع المجتمع الدولي، سواء روسيا أو الغرب، وليس عبر وسطاء يتحدثون نيابة عنهم، سواء عرب أو غربيون.

صحيح أن الموقف الدولي محبط ومتخاذل، لكن ما البديل، خصوصا أن إيران، مثلا، تقدم دعما مهولا ومستمرا للأسد؟ ولذا فإن المقاطعة والانفعال أمر غير مجدٍ، فالمفروض على المعارضة أن تقوم بالزيارات المقررة لها لموسكو وواشنطن، وتشرح موقفها، وتحاول حشد المواقف الدولية لمصلحتها دون كلل أو ملل، وإلا فإن المستفيد هو الأسد الذي ما مل يحاول، ومنذ اندلاع الثورة، على ضرب مصداقية المعارضة، والسعي لتفتيتها، وقد فعل الأسد كل ما بوسعه لتحقيق ذلك، فلماذا تمنحه المعارضة الآن ما لا يستحق، خصوصا أن الحديث عن الأوضاع في سوريا وضرورة التدخل فيها أمر مطروح للنقاش، وبجدية.

أميركيا، تواجه الإدارة الأميركية الآن مزيدا من الانتقاد الداخلي حيال موقفها من الثورة السورية، حتى إن بعضا من الصحافيين الأميركيين المعروفين بالدفاع عن إدارة أوباما باتوا يتحدثون بلغة نقدية، أو قل موضوعية، تجاه سوريا، والحديث منصب على مراجعة المواقف، خصوصا مع اكتمال تشكيل الإدارة الأميركية، مما يجعل المقاطعة أمرا غير مجدٍ، خصوصا عندما نقرأ مقالا بدورية لندن «ريفيو أوف بوكس» الذي نقلته «رويترز»، حيث يقول مسؤول بالبيت الأبيض إن الإدارة الأميركية تحاول التعلم من دروس الماضي، خاصة في العراق، وإن لأميركا «تاريخا طويلا من اختيار الفائزين والخاسرين؛ اعتمادا على الشخص الذي يتحدث الإنجليزية بطلاقة. إنها تحاول فقط تعلم الدرس والتواضع»! وهذا يعني أن التواصل مطلوب من أجل الإقناع، ومحاولة انتزاع المواقف، حتى وإن بدا الأمر محبطا.

وبالنسبة للتواصل مع الروس فإن التلاعب والتناقض الروسي بالتصريحات يتطلب مزيدا من المواجهة في موسكو نفسها، وليس بالضرورة لإقناعهم، بل لإحراجهم دوليا، فيجب ألا تترك موسكو بلا تحدٍ سياسي، وتفنيد للحجج، صحيح أن الجرائم المرتكبة بسوريا تغني عن كل قول، لكن ذلك حال السياسة وهو خذ وطالب، ومجرد التواصل مع الروس، بالنسبة للمعارضة السورية، فإنه إحراج للروس سياسيا، وإحراج للأسد نفسه، وكشف لحيله المنصبة على ضرب المعارضة وإفشال تواصلها مع المجتمع الدولي، فمجرد تقوقع المعارضة على نفسها يعني انفراجة للأسد، ولو أمام دائرته الضيقة، وهذا ما يجب أن تتجنبه المعارضة السورية التي بات قدرها أن تشرح الواضح، والعرب تقول إنه من المعضلات شرح الواضحات، لكن هذا قدر الثورة السورية للأسف، ولا مناص منه.

=====================

حتى لا يذهب السوريون واللبنانيون إلى صدام

فايز سارة

الشرق الاوسط

24-2-2013

ثمة تطورات تتوالى في العلاقات السورية – اللبنانية، تؤشر إلى الأخطار المستقبلية التي يمكن أن تحيط بهذه العلاقات. وتتوزع هذه التطورات على مستويين رسمي وشعبي، وهذا هو الأشد خطرا على علاقات البلدين والشعبين.. فمن الجانب السوري قامت وحدات من الجيش السوري بخرق الحدود اللبنانية مرات، وأطلقت النار على لبنانيين، فقتلت وأصابت بعضهم بحجة أنها تلاحق جنودا من الجيش السوري الحر، وتم تكليف وزير لبناني سابق بحمل متفجرات إلى لبنان لاستخدامها في تفجيرات، كان يفترض أن تقتل وتجرح رجال دين وسياسيين لبنانيين. وعلى المستوى الشعبي، قام سوريون باحتجاز لبنانيين قبل أشهر في حلب بشبهة أنهم محسوبون على فريق لبناني، يقف إلى جانب النظام، ويؤيد سياسته الأمنية العسكرية، التي تقتل وتجرح وتعتقل السوريين وتدمر ممتلكاتهم ومصادر عيشهم.

ومثل الممارسات السورية، هناك مقابل لبناني لها.. فالدولة في لبنان رغم شعارها النأي بالنفس عن الانخراط في الأزمة السورية والوقوف إلى جانب واحد من طرفي الأزمة في سوريا، فقد قامت بخطوات كسرت هذه القاعدة وعبرت عن انحيازها العميق، كان من بينها توفير محروقات ومواد بترولية يستخدمها النظام لتحريك آلياته من دبابات وعربات مدرعة وسيارات وطائرات تواصل الحرب المجنونة على المدن والقرى السورية، وتقتل وتجرح مزيدا من السوريين، وتلحق الدمار بما تبقى لهم من ممتلكات ووسائل عيش قليلة، كما يقع في سياق تلك الخطوات توفير فرص للتغلب على العقوبات الدولية والعربية المفروضة على النظام ببعض مؤسساته وأشخاصه، ومنها تسهيلات تقدمها المصارف اللبنانية لتجاوز نظام دمشق التقييدات المالية لحركته بهدف الضغط على النظام من أجل تبديل سياساته في التعامل مع مطالب الثورة السورية العادلة من أجل الحرية والعدالة والمساواة. كما أن بين الخطوات الرسمية اللبنانية جعل لبنان ممرا لعناصر خارجية لها تأثير مباشر في الوضع السوري على نحو ما ظهر في قضية جنرال الحرس الثوري الإيراني الذي قتل في سوريا، وقد كان يقيم في لبنان رسميا باسم آخر، ويتولى ملف إعادة إعمار لبنان، وهي مهمة لا تصل لحدود مهمات له باسم آخر في الأراضي السورية حيث قتل.

وبخلاف تلك الخطوات والسياسات الرسمية اللبنانية، فثمة ما هو لافت للنظر في ممارسات بعض الجماعات اللبنانية، ومن ذلك قيام حزب الله اللبناني بالدخول على خط الأزمة في سوريا وإعلان انحيازه إلى جانب النظام، وهو أمر كان يمكن فهمه في إطار اختلاف السياسات لولا أن الحزب أتبع انحيازه بتقديم مساعدات وخبرات متعددة للنظام، كان الأهم فيها إرسال مقاتلين إلى سوريا، وقد تبنى الحزب ذلك بحجة دفاعه عن لبنانيين يقيمون في قرى سورية على تماس مع الحدود اللبنانية. وذهبت جماعة لبنانية متحالفة مع حزب الله هي التيار الوطني الحر إلى شن حملة على اللاجئين السوريين في لبنان بحجة أنهم سوف يؤثرون بصورة سلبية على تركيبة لبنان السكانية - الطائفية، وعلى فرص اللبنانيين بالعمل والعيش على نحو ما للوجود الفلسطيني في لبنان من تأثير سلبي حسب قناعات ذلك الطرف اللبناني، والطريف في الأمر أن الحواضن الاجتماعية لحزب الله وللتيار العوني وجدت كل دعم ومساندة من السوريين أثناء الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، واضطرار أعداد كبيرة منها إلى اللجوء إلى سوريا، ولا سيما أثناء العدوان الإسرائيلي في عام 2006.

ورغم أن في الجانبين السوري واللبناني مواقف وممارسات أخرى غير التي أشرنا إليها، وكثير منها استمرار للطابع الإيجابي لعلاقات البلدين والشعبين، فإن في السياسات والخطوات المشار إليها ما يحمل معنى الخطر على واقع ومستقبل العلاقات السورية - اللبنانية.. إذ هي توسع إطار العنف في سوريا وتنقله من طابعه المحلي إلى امتداد خارجي، وتدخل في أتونه قوى وجماعات لا علاقة لها به، بل تعطي ذلك الدخول طابعا عسكريا طائفيا ودينيا، يمثل خطرا على لبنان وعلى سوريا وامتدادهما الإقليمي، وهذا خطر إضافي يمكن أن تستثمره قوى إقليمية ودولية في التأثير على البلدين والشعبين الشقيقين.

إن الخطر المستقبلي لما يحدث في العلاقات السورية - اللبنانية الحالية، سيؤثر على البلدين، وقد يؤدي إلى انفجارهما وإعادة تركيبهما بصور مختلفة مجددا، وفي حال لم يحصل ذلك في سياق وتداعيات الأزمة السورية، واستطاع البلدان الحفاظ على وجودهما المستقبلي بعد نهاية الأزمة، فإن ما يحصل اليوم سيعيد علاقات لبنان بسوريا إلى دائرة القلق والتوتر، وعلاقات سوريا مع لبنان إلى دائرة التوجس والمخاوف وربما التصادم، وسيمنع السوريون تواصل دور لبنان المشرقي عبر سوريا، بل إن علاقات لبنان بسوريا سوف تتقلص، وسيفقد قوة العمل الكثيفة والرخيصة التي يوفرها الشقيق الأكبر، بينما سيجد السوريون كل الذرائع لإحكام الإغلاق على الأخ اللبناني، ويمنعونه من المشاركة بخبراته ورأس ماله بدور في إعادة بناء وإنماء سوريا بعد نهاية الصراع، ولن يخسر اللبنانيون تلك الفرصة فقط، بل إنهم لن يدخلوا السوق السورية التي تساوي أكثر عشرات المرات من مساحة لبنان وأكثر أربع مرات من عدد سكانه.

لقد عانى اللبنانيون من سنوات حرب أهلية طويلة، ثم عانوا من عداوات واجتياحات إسرائيلية كثيرة، وعاني السوريون من حرب نظامهم عليهم ومن حروب إسرائيل ضدهم، وبين السوريين واللبنانيين كثير من المشتركات التاريخية والسكانية والثقافية والاجتماعية، وبينهما ما هو مستقبلي على صعيد السياسة والاقتصاد، ولكل هذا ينبغي للبلدين وللشعبين ولفعالياتهما الذهاب في اتجاه يختلف عما تسير إليه سياسات وتطورات اليوم بين البلدين والشعبين، التي لن تذهب إلا نحو الأسوأ، بينما المطلوب هو الذهاب إلى الأحسن.

=====================

سوريا وحديث السياسة والعنف!

اكرم البني

الشرق الاوسط

24-2-2013

لا يزال تصريح رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية حول استعداده للتفاوض مع مسؤولين في السلطة تتفاعل وتثير حوارات متنوعة وتساؤلات حول أسباب منح هذا المقترح تلك الأهمية مع أنه يتشابه مع مقترحات عديدة طرحت في ما مضى ومرت مرور الكرام.. هل يتعلق الأمر بخصوصية هذا الرجل وما يحوزه من صدقية في أوساط الحراك الثوري؟ أم بموقعه كرئيس لأكبر تكتل معارض؟ أم بالاشتراطات البسيطة التي طرحها وغازلت بعض معاناة الناس وما يكابدونه؟ أم يعود للتوقيت ووضوح حالة من الاستعصاء وعجز طرفي الصراع عن تحقيق تقدم عسكري نوعي وحاسم؟ أم لجديد المتغيرات الدولية التي تؤثر في مسار الثورة، وبدت اليوم كأنها تربة خصبة لاستقبال هذا النوع من الاجتهادات السياسية عساها تخترق جدار عنف مزمن صارت سوريا تُعرف به؟!

نعترف بأن النظام بممارساته الموغلة في العنف والاستفزازات الطائفية تمكن من عسكرة الثورة وتشويه وجهها الشعبي والسياسي واستجرار ردود أفعال من الطبيعة ذاتها، ومن تظهير صورة طالما روج لها عن عصابات مسلحة وقوى سلفية تسعى لأسلمة المجتمع وفرض أجندتها عليه، لكنه فشل في إحراز نتائج ذات معنى في الميدان العسكري الذي يعتبر ميدانه بامتياز، أو حتى في تعديل توازنات قوى ما فتئت تميل لصالح المعارضة، وفشل أيضا في استمالة الدول الغربية وردم أزمة الثقة التي نشأت بينه وبينها، عبر مغازلة مخاوفها من انبعاث الحالة الجهادية في سوريا، وإن كانت هذه المخاوف نجحت في تشجيعها على وقف إمداد المعارضة بالسلاح كي لا تصل إلى أيادي المتطرفين لكن من دون تراجع عن موقفها من إزاحة النظام القائم ودعم قوى التغيير والديمقراطية.

صحيح أن النظام على استعداد للمساومة على كل أمر، عدا احتكاره للسلطة، ولن يتوانى عن فعل أي شيء بما في ذلك جر البلاد كلها إلى العنف والاحتراب للاستمرار في الحكم، لكن صحيح أيضا أن طريق العنف مسدود، وأن الجميع بات يدرك أنه لا جدوى من التصعيد المتواتر للفتك والتدمير إلا توسيع مشهد الخراب والضحايا، وأنه مجرد وهم تصور إمكانية استعادة زمام المبادرة وكسر موازين القوى بعد ما يقارب العامين من تجريب أعتى أنواع الأسلحة وأكثرها فتكا، وبعد التحولات التي جرت على الأرض وسيطرة المعارضة المسلحة على مناطق واسعة من البلاد، والأهم أن النظام ربما أدرك اليوم أنه استنفد كل المهل التي منحت لخياره الحربي، واستنزف حلفاءه إلى أبعد مدى، وأنه بات يقف وجها لوجه أمام مصالح لا تتعلق به بقدر ما تتعلق بحلفائه وأصبح هو مكرها على تخديمها في ظل ازدياد ضعفه العسكري والاقتصادي وشدة حاجته لهم، فلم تعد مصلحة روسيا وإيران الاستمرار في رحلة استنزاف طال أمدها أو الغرق في أتون حرب أهلية واسعة قد تحرق الأخضر واليابس، كما أن خيار الحفاظ على بعض النفوذ في جزء من البلاد عبر مشروع الدويلات أو الكانتونات هو خيار مكلف وغير قابل للحياة سياسيا وعمليا.

في المقابل حققت المعارضة حضورا متميزا في البلاد، وباتت رقما صعبا يصعب تجاوزه، لكنها خسرت رهانها على تحقيق انتصار سريع يقرب المسار السوري مما حصل في ليبيا أو اليمن، ولم يثمر التعويل على التدخل العربي والدولي إلا الخيبة، لا حظر جوي ولا منطقة عازلة، ولا خطة طريق أممية تعالج تفاقم الوضع السوري وتضعه على سكة الحل السياسي، ولا مد للمعارضة بسلاح متطور يمكنه تحقيق تحول نوعي في مسار المعارك الدائرة.

لقد انتظرت قوى الثورة تنفيذ وعود أصدقائها لتتمكن بأقل الآلام من تحقيق أهدافها في التغيير، وصرفت وقتا وهي تبرر لواشنطن ترددها لانشغالها بالانتخابات الرئاسية، وعولت على استمرار أوباما وأن ذلك سيحرره من تبعات كثيرة ويشجعه على وضع دعوته لمعالجة الحالة السورية على نار حامية، لكن الرياح الأميركية جرت بغير ما تشتهي سفن المعارضة، وبات واضحا للجميع أن واشنطن، ومن ورائها سياسات الحلفاء والأصدقاء، تسير على المنوال ذاته في عدم التورط والاكتفاء بممارسة الضغط المرن وإدارة الأمور عن بعد، وأنها - بعيدا عن التصريحات عن أيام معدودة للنظام وتكرار المطالبة برحيله - أكثر من يسعى نحو تسوية سياسية، ولا تخرج عن هذا السياق تصريحات أوباما في خطابه الأخير عن أحوال الاتحاد بأنه مستمر في دعم المعارضة السورية ومطلبها في التغيير الديمقراطي.

كل ما سبق هو تمهيد لفترة جديدة سيتلون خلالها الصراع الدامي بكثير من المقترحات والمبادرات السياسية، يرجح أن تتوسل رعاية أممية لإخماد هذه البؤرة، ربما مع وصول طرفي الصراع إلى حالة من الضعف والإنهاك ترغمهما على قبول ما يعرض عليهما، وإلى قناعة بأن استمرار حربهما صار أمرا عبثيا.

والجديد أن السوريين بدأوا يلمسون أن المعارضة، بمقترحاتها واجتهاداتها السياسية، وأيا تكن التحفظات والاعتراضات عليها، هي صاحبة المسؤولية الوطنية والحريصة على المجتمع ككل، بينما يدل المشهد المتمم على أنانية سلطوية مفرطة وعلى استرخاء دولي مخز يسترخص دماء السوريين وتضحياتهم، ولا يغير هذه الحقيقة الإدانات الصاخبة للعنف المفرط، أو زيادة حجم المعونات المخصصة للاجئين السوريين، لأنها أشبه برفع عتب يخفي العجز الأممي المشين عن أداء واجبه الإنساني.

إن تأكيد الحرص والمسؤولية الوطنية يتطلب بداهة تجاوز الاجتهادات الفردية، وأن تضع المعارضة على اختلاف أطيافها تصورا سياسيا جامعا يرسم دورها في إدارة الثورة حتى تحقيق أهدافها القصوى، يبدأ بعدم الاقتصار على طلب السلاح وتشجيع الحسم العسكري، مرورا بنشر ثقافة تنبذ العنف والإكراه، وبذل جهود جادة لمنع التعديات، ولجم بعض الجماعات المسلحة لتكف عن استعراض القوة والتباهي بمنطق الغلبة والانتقام والتحشيد الطائفي، وانتهاء بإطلاق المبادرات لإعادة الوجه السياسي والمدني للثورة، ولتنظيم حياة الناس وتقاسم شح الإمكانيات المعيشية، واضعة في حسبانها فكرة بسيطة بأن الثورة هي من سيرث هذه الأرض.

=====================

الحوار بـ «السكود»

عبدالله إسكندر

الأحد ٢٤ فبراير ٢٠١٣

الحياة

الحل السلمي أو التفاوضي في سورية يبدو حالياً أبعد من أي وقت مضى من عمر الأزمة، على رغم ما يعلنه أطرافها والمهتمون بها والوسطاء. كما يبدو أن الكلام عن مثل هذا الحل مجرد تعبئة للوقت أو لأغراض تبرير استمرار القتل والتدمير.

يظهر على نحو لا لبس فيه أن النظام غير عابئ بكل كلام سياسي لا يمكن له توظيفه في معركة الحسم العسكري. ويظهر أن المعارضة، خصوصاً «الائتلاف»، لا تزال تتلمس الطريق السياسي، وتتعثر بالهفوات والارتجال والانفعال.

النظام يعرف بدقة نقاط الضعف في المعارضة، المدنية والمسلحة، ويسعى إلى استثمار أي منها، في استراتيجيته القائمة على الإنهاك الميداني للخصم ولبيئته، من أجل الحفاظ على الأمر الواقع السياسي.

لقد عكست اجتماعات القاهرة لـ «الائتلاف»، وبيانها، أن هذه المعارضة لم تصل بعد إلى مرحلة الاتفاق على تنظيم نفسها ووضع خطة طريق واضحة وشاملة وذات صدقية، تكون صورة لما يمكن أن يكون عليه المستقبل السوري بعد سقوط النظام.

لقد وافق المجتمعون على بيان عام يكرر تصاريح سابقة لكل منهم. في حين اعتبر بعضهم أن الإنجاز الكبير هو في التوافق على رفض الحوار مع النظام وأركانه! أما وسائل إدارة الصراع، سياسياً وعسكرياً وإنسانياً، فلن توفرها تلك الوعود بتشكيل حكومة في الأراضي المحررة. وقد لا يكون أحد من المجتمعين مصدقاً لمثل هذا التشكيل قريباً، بدليل رد الفعل الطفولي على القصف الصاروخي على حلب، وإعلان مقاطعة «مؤتمر أصدقاء سورية» وعدم تلبية دعوات لزيارة عواصم مؤثرة في النزاع. فإذا كانت هذه طبيعة التعامل مع «الأصدقاء» والمناسبات التي يمكن الترويج فيها لخريطة عمل المعارضة، فكيف سيكون التعامل مع المعطيات الداخلية الكثيرة والمتشعبة، من النواحي العسكرية والمعيشية والإغاثية الخ...؟ ناهيك عن الصورة التي يمكن أن تعطيها المعارضة عن نفسها، أمام جمهورها، كبديل عن النظام الذي تحاربه؟

في المقابل، يرفع النظام سقف القتل لإخضاع هذا الجمهور، مستفيداً من الثغرات في عمل المعارضة. إذ إن اللجوء إلى الصواريخ البعيدة المدى، كما يفعل حالياً، لا يستجيب لأي ضرورة عسكرية، في مواجهة «عصابات مسلحة»، كما يقول النظام. فهذه الصواريخ التي تم تصنيعها في إطار النظرية العسكرية السوفياتية بهدف إحداث أكبر قدر من الدمار في جبهة قتال عسكرية، تتميز بأنها عمياء وغير دقيقة التصويب لكنها تحمل شحنات تدميرية هائلة. واستخدامها قد يكون مفيداً في مواجهة بين جيشين ولإرباك الخطوط الخلفية للعدو. لكن إطلاقها على هذا النحو على المدن والمناطق السكنية، يعني الاستفادة القصوى من عشوائيتها وقدرتها التدميرية فحسب. فهي تقتل أعداداً كبيرة من المدنيين وتجعل الناجين تحت رحمة التهديد بتلقيهم المزيد منها في أي لحظة، وتالياً دب الرعب في نفوسهم وإجبارهم على قبول الأمر الواقع.

هكذا يفاوض النظام بصواريخ «سكود»، وليس بالسياسة. صحيح أن هذا النهج التفاوضي دشنه النظام بقنص المتظاهرين أولاً واعتقال من تصل إليه يداه منهم، ومن ثم بقصف الدبابات والمدفعية الثقيلة ومن ثم بالبراميل الحارقة والغارات الجوية. لكن اللجوء إلى الصواريخ البعيدة المدى وإنزال الخسائر الكبيرة بين المدنيين يعني أن النظام لم يعد يخفي أن «انتصاره» الذي يبشر به رئيسه يقتضي قتل أكبر عدد من الناس وتدمير أوسع مساحة عمرانية...

=====================

التدخّل الإسرائيلي في الأزمة السورية

سيريل تاونسند *

الأحد ٢٤ فبراير ٢٠١٣

الحياة

في 30 كانون الثاني (يناير) الماضي، شنّت الطائرات الإسرائيلية هجوماً داخل الأراضي السورية، ما أدى إلى مقتل سوريين اثنين. وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك أنّ هذا الهجوم «هو دليل على أننا عندما نقول شيئاً فنحن نعنيه...». في المقابل، تعهّدت سورية بالثأر.

وهناك روايتان مختلفتان للهدف الذي استهدفه الهجوم. إذ أعلنت سورية التي تعرف جيداً حقيقة ما جرى أنّه تمّ استهداف مركز للأبحاث العسكرية في مدينة جمرايا بالقرب من دمشق. إلا أنّ واشنطن التي تملك روابط وثيقة جداً مع إسرائيل إلى حدّ أنها تعرف أيضاً حقيقة ما جرى، ادّعت أنّ الهجوم شُنّ ضد قافلة شاحنات كانت تنقل صواريخ أرض جو إلى «حزب الله» في لبنان.

وأميل إلى الاعتقاد بأنّ استهداف هذه القافلة من الشاحنات هي الرواية الصحــــيحة. فقد هـــدّدت إسرائيل مراراً وتكراراً بالقيام بتحرّك عسكري لمنــع وصول المزيد من الأسلحة إلى مستــــودعات الأسلحة التابعة لـ «حزب الله» المدجّج أصلاً بالسلاح. وأعـــلنت إيران من جهتها أنّ إسرائيل ستندم على «اعتدائها الأخير».

خرقت إسرائيل المجال الجوي السوري على مرّ عقد على الأقل. ففي شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2003، شنّ الإسرائيليون هجوماً على معسكر تدريب للمقاتلين الفلسطينيين بالقرب من دمشق. وفي أيلول (سبتمبر) 2007، قصفت إسرائيل موقع منشأة نووية قيل إنّ عمّالاً من شمال كوريا يعملون على إنشائها.

وبما أنّ سورية تشهد أحداثاً مروّعة مع قيام كل طرف من طرفي النزاع بارتكاب المجزرة تلو الأخرى، يشعر المجتمع الدولي بقلق كبير جرّاء انتشار هذا النزاع خارج البلد وتدخّل قوى محلية مباشرة فيه مثل إيران وإسرائيل. ويبدو واضحاً يوماً بعد يوم أنّ حكم الرئيس بشار الأسد لن يبقى لوقت طويــل وأنّ الدول المجاورة لسورية تفكّر في الخريطة الإقليــــمية التي ستقوم بعد أشهر قليلة وفي تغيّر موازين القوة الذي سينتج منها.

كما برزت إشارات عدة على إمكان اندلاع حرب بين «حزب الله» وحركة «حماس» وربما إيران التي تعاني سياستها الداخلية من فوضى عارمة وبين إسرائيل. إذ يبدو التوتر كبيراً جداً في المنطقة. وأطلقت طهران حملات دعائية معادية لإسرائيل وتحدّثت عن إمكان شنّ «هجوم نهائي على الدولة الصهيونية». وكانت إسرائيل ومعها الولايات المتحدّة على ما يبدو، تشنان هجمات على شبكة الإنترنت ضد منشآت إيران النووية وتؤخران برامجها.

ومن الناحية النظرية، لا تزال سورية وإسرائيل في حالة حرب فيما ترفض إسرائيل تطبيق قرارات مجلس الأمن ولا تزال تحتل أراضي عربية. واللافت هو الصمت الذي تمّ التزامه على مدى أكثر من 40 سنة حيال هضبة الجولان. ويعود ذلك إلى سببين. فمنذ بضع سنوات، كان يمكن أن تكون تركيا قادرة على ترتيب عملية استعادة سورية لهضبة الجولان التي تعدّ حالياً ذات قيمة تكتيكية محدودة، مقابل اتفاق سلام بين إسرائيل وسورية. ثانياً، تعدّ القوة الدفاعية في إسرائيل رابع أقوى قوة عالمياً فيما تعتمد القوة الدفاعية السورية على معدات بالية.

وفي هذا العام، تشعر إسرائيل بالذعر لأن «حزب الله» يمكن أن يكون قادراً على الحصول من الحكومة التي تشرف على الانهيار في دمشق، والتي كان يدعمها علناً مع محاربيه، على احتياطي الأسلحة الكيماوية التي يمكن استخدامها في صواريخ «سكود» العديدة التي يملكها «حزب الله». وكانت روسيا تزوّد نظام الأسد بصواريخ جديدة مضادة للطائرات وبصواريخ أرض بحر من شأنها فرض مشكلة جدية على القوة البحرية الإسرائيلية.

وحتى لو كان جهاز الاستخبارات الإسرائيلي متطوّراً، فلن يكون ممكناً حرمان «حزب الله» من الأسلحة الروسية والتكنولوجيا العسكرية الروسية الذي يسعى إلى الحصول عليها.

وتتعرّض قوات الرئيس الأسد لضغوط من المعارضة السورية المسلحة ومن عنصرها الإسلامي القوي والفاعل وقد أُجبرت على الخروج من بعض القواعد العسكرية.

وسيقوم الجيش السوري بتمرير معدات عسكرية مهمة إلى «حزب الله» علماً أنّ الحدود مع لبنان قريبة لتحقيق ذلك. فقد بات الجيش السوري ضعيفاً فيما يكسب «حزب الله» النفوذ والقوة. وسيستفيد «حزب الله» من الموقع الموجود فيه الآن ولا شكّ أنه يعتقد أنّه سيدخل في حرب مع إسرائيل قريباً.

في الأيام القليلة الماضية، دخل عنصر جديد إلى المعادلة السورية وسيكون على إسرائيل أن تبحث في طريقة التصرف إزاء هذا الواقع. ولاحظت روسيا هذا الاتجاه الذي تسير عليه الأمور فأجرت محادثات مع المعارضة السورية وبدأت تجلي بعض مواطنيها من سورية.

من الواضح أنّ روسيا تملك دوراً أساسياً تلعبه وأنّ موسكو أخطأت في عدد من الحسابات. فقد بدا مجلس الأمن في الأمم المتحدّة عاجزاً عن التوصّل إلى قرارات أساسية حيال سورية بسبب معارضة روسيا والصين إلى حدّ أقل.

وساهم فشل مجلس الأمن في تمهيد الطريق أمام المحادثات الدولية واتخاذ قرار سلمي، في شلّ فاعلية منظمات مثل الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية. ونتيجة لذلك، تفشت الفوضى والمأساة الإنسانية على نطاق واسع في الأراضي السورية.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ