ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 27/02/2013


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

26-02-2013

الطفيلي: الشيعة في سوريا ليسوا بحاجة لمن يدافع عنهم

النهار

26-2-2013

شدد الأمين العام السابق لـ"حزب الله" الشيخ صبحي الطفيلي على "أننا لن نبقى ساكتين وسنتحرك حسب قناعاتنا بما نرى فيه مصلحة لكل اللبنانيين بعدما أظهر السياسيون أنهم لا يتمتعون بالأخلاق وبات كل شيء مستباحاً".

وقال الطفيلي، في حديث لـ "أم تي في": "يخيّل لأغلب الناس، نتيجة خبث المسؤولين، أنهم وضعوا بين خيارات ونحن نريد أن نفتح خيار الدولة العادلة والمواطنية الصحيحة"، وأضاف: "نحن بحاجة الى قوة أمنية حقيقية لحماية المواطن وعلى كل لبناني أن يحرص على كل دركي وعسكري وضابط، لكن المشكلة انه منذ العام 1992، بات الجميع يريد كسب ودّ الإستخبارات السورية". ودعا إلى "منع الإستثمار السياسي في المؤسسة العسكرية"، ولاحظ أن "هناك ضباطاً في أرفع المستويات في الجيش لا أخلاق لديهم ويستعملون هذه المؤسسة لأهدافهم الخاصة والقذرة".

وأكد ان "الشيعة في سوريا ليسوا بحاجة لمن يدافع عنهم ونحن من سبب لهم المشاكل، فالسيدة زينب ليست بحاجة لمن يحميها لأنها ايضا محبوبة من الطائفة السنية، لكن كل ما يحصل هناك هو الدفاع عن النظام وعن الإجرام".

وإذ حمّل الطفيلي "حزب الله" مسؤولية كل قتيل شيعي في سوريا، ذكّر بأن "المستفيد الأكبر من النزاع هو العدو الإسرائيلي لأنه يريد هزيمة الفريقين"، مستغرباً "إرسال خيرة شبابنا في الحزب إلى سوريا ومقتلهم هناك عوض المقاومة ضد إسرائيل؟".

وقال: "سأقف مع المظلومين والأطفال السوريين في الوقت المناسب وسأفعل ما في وسعي لمنع الفتنة السنية – الشيعية، ومن يقتل الأطفال ويروّع الأهالي ويدمر المنازل في سوريا وهو من "حزب الله" لا يمكن أن يكون شهيدا وهو ذاهب إلى جهنم".

وتابع: "كنا نخشى أن تأتي الفتنة إلى لبنان واذا بنا نذهب نحن إليها، و(رئيس الحكومة نجيب) ميقاتي ينأى بنفسه إعلاميا فقط عن الحوادث في سوريا فيما وزراء حكومته في مكان آخر كليا"، معتبراً أن "ارسال طائرة أيوب تغطية على ما يحصل في سوريا".

وعن المتهمين بقضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، قال: "اذا كان المتهمون أبرياء فليذهبوا الى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ويسلموا أنفسهم ويتصرفوا كأبرياء".

وبشأن قانون الإنتخابات، رأى أن "المشروع الأرثوذكسي يؤسس الى تحويل لبنان إلى إمارات صغيرة، وعلينا التفكير كيف نبني شعبا واحدا حيث يرى كل طرف في الطرف الآخر ضمانة لوجوده". ورأى ان "عدم الحرص على الوقت ونصب الشباك في الأرثوذكسي وطرح هذا العدد من المشاريع يؤكد ان الهدف تأجيل الإنتخابات وليت هذا التأجيل يكون لشهور فقط".

 

===================

ياسين بقوش.. فنان أم ثوري؟

مشاري الذايدي

الشرق الاوسط

26-2-2013

نعى المناصرون للثورة السورية، الفنان السوري الشهير ياسين بقوش باعتباره من شهداء الثورة.

حسبما أكد مجلس الثورة السورية، فإن الممثل السوري ياسين بقوش قضى بعد استهداف عناصر نظامية له وهو في سيارته في حي العسالي بقذيفة «آر بي جي»، وقال ناشطون سوريون إن مصدر القذيفة هو النظام السوري، واعتبروا الفنان «شهيداً للثورة السورية» مؤكدين أنه كان مناهضاً للنظام.

بداية، الرحمة للفنان ياسين، وهو لمن كان يشاهد التلفزيون في منتصف وطيلة عقد الثمانينات، يعتبر صورة جميلة وبريئة من صور الطفولة والصبا، بشخصيته الطيبة «الدرويشة»، وبلقبه المحبب «ياسينو»، وهو عاجز الحيلة مع مقالب غوار الطوشة، وقسوة أبي عنتر، وزين الشباب، وقبضاي الحارة، في مسلسلات «صح النوم» و«حمام الهنا»، وغيرهما.

كان كما قال ناعوه، طيبا حتى في حياته الحقيقية، وهو علامة من علامات القوة السورية الناعمة، المتجسدة في الفن والثقافة والشعر، فمن منا ينسى نزار قباني ومحمد الماغوط ودريد لحام، ورفيق سبيعي، وطلحت حمدي، ومنى واصف، وفهد بلان، ومن منا يجحد فضل وعلم وأدب، محمد كرد علي، ورضا كحالة، وعلي الطنطاوي، وسليم الجندي.. وغيرهم.

لأن للرموز، سواء في مجال الفن أو الرياضة، وبدرجة ما أيضا في مجال الأدب والعلم، قوة معنوية وتأثيرية على الجماهير، بحكم المحبة والشهرة وكثرة المعجبين، للدرجة التي تصل إلى حالات «هوسية» ومرضية مع البعض، لأجل هذا كله، نجد صاحب الموهبة، أو حتى مجرد صاحب الشهرة، حتى ولو كان فقير الموهبة، له حظوة ودلال عند من يريد الاستفادة من شهرته لصالح تمرير فكرة ما، أو حتى لصالح ترويج علامة تجارية ما، وحاليا نشاهد كيف تتسابق شركات كبرى في المنطقة العربية للظفر بعقود إعلانية مع المشاهير من فنانين ولاعبي كرة، بل وحتى مع خطباء ووعاظ من فئة «النجوم»، وقبل أيام وقعت شركة اتصالات كبيرة في السعودية عقدا كبيرا مع أحد ألمع نجوم الوعظ والخطابة الدينية في السعودية، بحفل بهيج، وعقد أبهج.

كل هذا يأتي في سياق تعظيم القوة الدعائية لهذا الطرف أو ذاك، حكومة كان أو حزبا سياسيا، أوتيارا ثقافيا، أو حتى شركة تجارية، أو شخصية اجتماعية تريد تسويق نفسها في المجتمع، فيتم مراعاة محبوبي هذا المجتمع، ومن هنا نلاحظ حرص بعض التجار أو ذوي النفوذ على إيجاد تشكيلة من المشاهير حوله، أو مرتبطة به، ولا بأس أن يكون ضمن هذه التشكيلة نجوم من الفن والثقافة والصحافة، ومعهم نجوم من عالم الوعظ والخطابة والتأثير الدعوي. فكلهم في النهاية «علامات» جماهيرية.

الفنانون في طليعة من يتم استهدافهم من قبل هذه القوى المتناقضة، وأهل الفن يكونون في نعيم وعيش رغيد، وشهرة ممتعة، إذا كان الجو العام جو سلام وهدوء، فهنا هم أحباب الجميع، ويحاولون البعد عن مواطن الخلاف والتوتر، بل تجد بعض الفنانين يغير اسم عائلته إلى اسم فني، ويكون هذا –أحيانا - لخلق صورة جديدة في ذهن المتلقي.

هذا في وقت السلم، لكن في أوقات التوتر والمواجهات، يضيق هامش المناورة، ويصعب اللعب في المنطقة الرمادية، ويصبح الفنان، خصوصا إذا كان يقدم نفسه باعتباره صاحب رأي سياسي، ملزما بإبداء رأيه، كما كان يفعل وقت السلم، وقد يعذر الفنان الذي كان في السلم بعيدا عن «الحكي السياسي». من هنا كان موقف فنان سوري «مسيس» مثل دريد لحام، أو غوار الطوشة، كما هي شهرته الفنية، صعبا ولا مهرب منه، فهو قد قال كلاما فهم منه مساندة نظام بشار الأسد، وتبني روايته حول الأحداث الملحمية في سوريا، وهو ما كان سببا في غضب الناس منه، وتعرض للنقد والغضب، وآخر ذلك الموقف المهين الذي حدث له في لبنان أثناء قيامه بتصوير مشاهد من مسلسل.

في سوريا ومنذ بدء الثورة الرهيبة ضد هذا النظام الموغل التعقيد والبالغ القسوة، والفرز قائم على أشده، وهذا مفهوم، نظرا لحجم الانقسام الخطير والعميق في المجتمع السوري، وبقيت الصفوف مفروزة بحدة ووضوح، بين من هو مع بشار، ومن هو ضده. ونقطة آخر السطر.

وهذه الحدة، أحرجت حتى كبار الكتاب العرب الذين كانوا «يلوكون» هذرة تحاكي هذرة الخطاب الإعلامي الأسدي، وضاق أمام هذا الصنف من الكتاب هامش المناورة، مع الوقت، فأجبروا بعد حين من الدهر على البعد عن بشار وزمرته.

هذا التكالب والضغط على مشاهير أهل الفن، ليس حكرا على السلطات والحكومات، بل هو سلوك ينتظم كل ساع إلى تثمين وتكثير القيم المعنوية والرصيد الجماهيري له، من أحزاب وتيارات وشخصيات معينة، ولذلك تجد كل تيار، يمين أو يسار، ديني أو علماني، يصنع عبر آلته الدعائية، صورة مبالغا فيها.. مدحا، لمن هم معه أو قريبين منه، وبالعكس، قدحا، لمن هم ضده. وكم من فنان مبدع خسر الناس فنه وإبداعه، بسبب هذه الصراعات.

يذكر هنا على سبيل المثال، الصورة الدعائية الثورية التي رسمت للفنانة المصرية الراحلة تحية كاريوكا، باعتبارها فنانة اليسار الثوري المصري، وهي الصورة التي وصل معها الحال إلى أن يدلي ناقد أدبي شهير على مستوى العالم، وهو الفلسطيني الأميركي دكتور إدوارد سعيد، بدلوه الشهير حول تحية كاريوكا، وكل ذلك - طبعا - فيه هوى سياسي وثقافي.

سعيد كتب كتابة جميلة ومؤثرة حول تحية كاريوكا، لكنها كتابة في المجمل لا تخلو من الهوى السياسي منه للكلام الموضوعي، وكان سعيد، صاحب النزعة اليسارية، كما جاء في كتابه (تأملات حول المنفى: إدوارد سعيد، ترجمة ثائر ديب)، يعتبر أن كاريوكا تقف في قلب النهضة المصرية إلى جانب نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وطه حسين وأم كثوم وعبد الوهاب والريحاني.

من هنا فإنه شعر بـ«خيبة أمل» من قيامها ببطولة مسرحية «يحيا الوفد» الهزلية جداً والمبتذلة، علاوة على أنها موالية للسادات الذي قاد سياسة تحاول إرضاء هنري كيسنجر، ردا على سياسة عبد الناصر التقدمية والعربية و«العالمثالثية» كما يصفها سعيد لا سيما أنها، إضافة إلى ما تم ذكره، كانت على علاقة وثيقة بالحزب الشيوعي في الأربعينات والخمسينات، وأنها مع مجموعة من الفنانين والمثقفين المصريين، عزموا عام 1988 في أثينا، على ركوب سفينة العودة الفلسطينية في رحلة إياب رمزية إلى الأراضي المقدسة، إلى آخر هذه الممارسات النضالية).

وكما في هذا الكتاب أيضا، فقد: «اعترفت في لقاء مع سعيد أن آخر أزواجها فايز حلاوة هو الذي ورطها في تلك المسرحية الدنيئة التي قام بتأليفها وكانت تفاخر أمام سعيد أنها كانت، على الدوام، منتمية إلى اليسار الوطني، فقد سجنها، في الخمسينات، عبد الناصر لانتسابها إلى عصبة السلام الموالية لموسكو».

وما جرى في مثال كاريوكا وإدوارد سعيد، قارنه بأمثلة أخرى من «تسييس» الفنان والمبدع في عالمنا العربي، بل في العالم أجمع، فهي قصة مكررة.

لست أنفي عن المرحوم ياسين بقوش، الفنان السوري المغتال، أن يكون مع الثورة السورية أو لا، فربما غدا نرى بيانا من السلطة السورية ينعى فيه الفنان ياسين، ويتهم «إرهابيين» بقتله، وهذا بيان متوقع، لكن المهم هو أن نضع موقع الفنان والمشهور في حومة الحروب والوغى، في موقعه الطبيعي، وحتى لو كنا نختلف مع مواقفه السياسية، فيجب أن لا يحرمنا هذا من الاستمتاع بفنه، فكلنا، أو جلنا، يطرب لفيروز وأم كلثوم وعبد الحليم، ولكن لم يتوقف أحد منا كثيرا عند ميولهم السياسية والثقافية.

الفن الجيد يبقى بعد تطاير قشور السياسة والتاريخ.

=====================

الآن.. الأسد يستجدي الحوار!

طارق الحميد

الشرق الاوسط

26-2-2013

تساءلنا من قبل هل أحمد معاذ الخطيب، رئيس الائتلاف الوطني السوري، داهية أم مغامر، والأحداث اليوم تقول: إنه كان داهية حيث أوقع نظام الأسد في فخ الحوار الذي رفضه، وعاد اليوم النظام الأسدي، وعلى لسان وليد المعلم، يستجدي الحوار حتى مع المعارضة المسلحة، ومن موسكو.

فما الذي تغير ليهرول الأسد الآن مستجديا الحوار مع المعارضة؟ الواضح أن أمورا كثيرة قد طرأت، وأهمها تقدم الجيش الحر على الأرض، وبالطبع ثباته، كما أن المؤشرات الأخيرة الثابتة عن التدخل الإيراني الصارخ في سوريا، ومعها حزب الله، وكذلك تخوف المجتمع الدولي من انتشار الإرهابيين في سوريا بسبب جرائم الأسد، والتدخل الإيراني، دفعت إلى حراك دولي ملحوظ على أمل فعل شيء ما، ويبدو أن أهم خطوة تمت، أو تتم، في هذا المجال هو السماح بتدفق الأسلحة النوعية للثوار السوريين، وهو ما كشفته صحيفة الـ«واشنطن بوست»، علما بأنه لم يعلن عن الذي يقف خلف ذلك السلاح، وإن كان هذا الأمر لا يتطلب كثيرا من الذكاء، لكن الأهم هنا هو أن التسليح بات حقيقة واقعة، كما أعلن، وهذا ما ستكشفه الأحداث في الأيام القادمة.

كل ذلك شكل ما نصفه دائما باللغة التي يفهمها الأسد، وهي لغة القوة، والأفعال، وليس الأقوال، وهو ما سيتكرس أكثر في مؤتمر روما، خصوصا إذا كانت واشنطن جادة، وكما قال وزير خارجيتها جون كيري بأنه لا بد من أفعال وقرارات في روما حول سوريا وليس تصريحات. كل ذلك هو ما دفع الأسد الآن لاستجداء الحوار مع المعارضة، وحتى الشق المسلح منها، أي الجيش الحر بعد أن كان النظام يصفهم بالإرهابيين، بل إننا سمعنا لافروف يقول أمام المعلم في موسكو إن في المعارضة السورية عقلاء، بينما بالأمس كانت الثورة ككل توصف على أنها حركة إرهابية سواء من قبل موسكو أو الأسد!

هذه التحولات ليست نتيجة إحساس بالذنب، بالنسبة للأسد، أو إحساس بالمسؤولية بالنسبة للروس، بل هي نتيجة ما يحدث على الأرض، وكذلك الحراك الدولي تجاه سوريا، فالروس يعون أن إدارة أوباما الجديدة في حالة اكتمال الآن، وهناك استحقاقات بين واشنطن وموسكو لا يمكن أن يضحي بها الروس من أجل الأسد، خصوصا أن نظامه يتداعى، هذا عدا عن الإحراج الذي تعرضت له موسكو بعد دعوة الخطيب للحوار مع الأسد الذي تلاعب بالدعوة كالعادة، وجاء الآن ليستجدي الحوار، بعد فوات الأوان.

ولذا، فإن المهم والأهم في سوريا اليوم هو الاستمرار بتسليح الجيش الحر، والشروع في وضع ملامح سوريا ما بعد الأسد، وهي مهمة المعارضة السورية نفسها وليس فقط المجتمع الدولي الذي يجب أيضا أن لا يضيع مزيدا من الوقت والجهود في الحوار المزعوم إلا إذا كان ذلك مقرونا بإعلان رحيل بشار الأسد. أما عدا عن ذلك، فإنه مضيعة وقت، ومحاولة لإعطاء الأسد فرصة لا يستحقها، إذ يكفي معاناة عامين من إرهاب النظام الأسدي في سوريا التي تتعرض ككل للانهيار اليوم.

=====================

د. أحمد يوسف أحمد

تأملات في المنتدى العربي- الروسي

تاريخ النشر: الثلاثاء 26 فبراير 2013

الاتحاد

شُغِفَ العرب طويلاً بالأطر الجماعية لعلاقاتهم الدولية، ونذكر في هذا الصدد الحوار العربي- الأوروبي الذي بدأ في أعقاب حرب أكتوبر عام 1973 بعد صدمة القرارات العربية إبان الحرب بحظر تصدير النفط إلى الدول المساندة لإسرائيل، وسرعان ما امتد الأمر إلى جوار العرب المباشر في أفريقيا، وعقدت في هذا الإطار أول قمة عربية- أفريقية في القاهرة في مارس عام 1977، وتفرعت عنها أطر عديدة لترتيب العلاقات العربية- الأفريقية التي بدا أن طرفيها يريدان لها أن تصبح بداية لتكامل عربي- أفريقي حقيقي، ثم أصبح تقليد الحوارات العربية الجماعية مع هذا الطرف أو ذاك تقليداً شبه شامل في علاقات العرب الإقليمية والعالمية، فنشأت أطر خاصة بالحوار والتعاون مع أميركا اللاتينية، والصين، وتركيا، وربما كان الاستثناء الوحيد في هذا الصدد هو إيران التي نذكر أن الأمين العام السابق للجامعة العربية ضمنها مقترحه لإنشاء رابطة للجوار العربي، ومع أنه كان حريصاً على أن يقرر أن إيران لن تدخل هذه الرابطة إلا بعد حوار يجري معها بشأن القضايا الخلافية بينها وبين العرب عامة ودول الخليج خاصة، إلا أن النفور كان واضحاً -وبالذات على الجانب الخليجي- من فكرة إنشاء رابطة تضم الدول العربية وإيران معاً.

وفي كل حالة من الحالات السابقة كان العرب يكتشفون بعد حين أن الطرف الآخر في الحوار لم يكن يهتم إلا بمصلحته، وهو أمر طبيعي ومتوقع، ولكن الجوانب السلبية في هذه الحوارات هي أن طرفها الآخر لم يكن في حالات كثيرة يأبه للمصالح العربية، فأوروبا مثلاً كانت تريد بصفة أساسية ضمان الإمدادات النفطية بأسعار مناسبة، أما مصالح العرب في الصراع العربي- الإسرائيلي فكان مستحيلاً أن تخرج أوروبا بشأنها عن سياستها التقليدية المتوازنة شكلاً المنحازة موضوعاً لإسرائيل. والدول الأفريقية تريد أن تضمن ما تعتبره نصيباً عادلاً من فائض الأموال النفطية العربية، مع أن المواقف الأفريقية من إسرائيل لم تتطور بما يكفي، ولم تكن نابعة من أن إسرائيل كيان استعماري يجب تصفيته، وإنما من اعتبار الصراع العربي- الإسرائيلي نزاعاً بين دول يمكن إنهاؤه بحلول وسط حتى ولو جاءت على حساب الشعب الفلسطيني الذي يعاني على نحو غير مسبوق من الاستعمار الذي تعرضت له الدول الأفريقية. والصين تبحث عن مصالحها الاقتصادية الحيوية في المنطقة العربية بما يساعدها في السباق المحموم نحو صدارة النظام العالمي، علماً بأن سياستها تجاه إسرائيل لم تعد تراعي المصالح العربية، وأقصى ما يمكن توقعه من هذه السياسة بعض العبارات "الخشبية" . وعلى هذا الأساس يلاحظ أن هذه الأطر إما تبعثرت -كما في الحالة الأفريقية- أو أنها كانت بلا فاعلية من وجهة نظر المصالح العربية، كما في معظم الحالات الأخرى، غير أننا لا ينبغي أن نحمل الآخرين وحدهم المسؤولية عما آلت إليه هذه الحوارات الجماعية، وذلك لأن العرب لم يكونوا يوماً على قلب رجل واحد تجاه الأطراف الأخرى المشاركة في الحوار.

وفي هذا الإطار نشأ المنتدى العربي- الروسي الذي تم تدشينه في عام 2009 بمبادرة من الجامعة العربية بهدف تطوير العلاقات بين الدول العربية وروسيا، وإجراء مشاورات منتظمة حول القضايا الإقليمية والعالمية التي تهم الجانبين. غير أن انعقاده تعذر في ظل تطورات ما عرف بـ«الربيع العربي» وحالة عدم الاستقرار التي نشأت بعده سواءً بالنسبة لدول الربيع ذاتها أو محيطها المباشر، وزادت أهمية هذا العامل في تعثر المنتدى بالموقف الروسي المؤيد للنظام السوري ضد المعارضة التي تطورت لاحقاً إلى معارضة مسلحة، وذلك على عكس موقف أغلبية الدول العربية. ويلفت النظر في هذا الصدد عدم حماس أغلب الدول العربية لحضور المنتدى، إذ لم يشارك فيه بالإضافة للأمين العام للجامعة العربية سوى وزراء خارجية مصر والعراق والكويت ولبنان، فيما امتنعت عن حضوره دول لاشك في أهمية مواقفها من مجريات الأمور في سوريا كالمملكة العربية السعودية وقطر. وأهمية هذا العامل أن المنتدى لو كان قد توصل إلى نتيجة محددة فيما يتعلق بتسوية الأزمة السورية لما ألزمت هذه النتيجة سوى قلة من الدول العربية، بينما قد تكون الدول التي لم تحضر المنتدى ومن ثم لم تلتزم بما توصل إليه قادرة على تعويق أية تسويات أو حلول تمخض عنها.

ويعني ما سبق أنه يمكن الافتراض بقدر كبير من الثقة أن توقيت انعقاد المنتدى يوم الأربعاء الماضي لم يكن موفقاً، إذ أن مثل هذه الاجتماعات ينبغي أن تأتي في سياق زمني إيجابي يحمل الجديد، كأن تبادر الدول العربية بمقترحات محددة لعبور الجسر بين الموقفين العربي والروسي، والأمر نفسه ينطبق على الجانب الروسي، غير إن البيان المشترك الذي صدر عن اجتماعات المنتدى لا يعكس شيئاً من هذا القبيل، وإنما أكد فيه الوزراء "ضرورة التوصل إلى حل سياسي لتلك الأزمة وفق الترتيبات التي أقرها بيان جنيف في 30 يونيو عام 2012، وذلك من خلال عملية سياسية تؤدي إلى تشكيل حكومة ذات صلاحيات تنفيذية كاملة لتسيير المرحلة الانتقالية ونقل السلطة في إطار زمني متفق عليه"، وهي رؤية تقليدية لا تتضمن أي جديد، لأن المطلوب ليس الاتفاق على مثل تلك الحكومة، وإنما كيفية التوصل إليها بعد أنهار الدماء التي سالت على التراب السوري. وأيضاً في ضوء مواقف القوى الإقليمية والعالمية التي تحاول توجيه الأوضاع في سوريا بما يحقق مصالحها، وكان العرب على سبيل المثال يستطيعون أن يلفتوا الجانب الروسي إلى أنه إذا كان يتصور أن مصالحه الاستراتيجية في المنطقة ستتحقق بحماية النظام الحليف له في سوريا، فإن هذه النظرة قاصرة، وأن الأفضل لروسيا ومصالحها أن تعيد بناء الجسور مع العرب في قضاياهم الاستراتيجية بصفة عامة، على النحو الذي يذكرنا بخبرة خمسينيات القرن الماضي، وقد يقول البعض إنه إذا كان الوضع في سوريا يمثل معضلة حقيقية مستعصية على الحل، فإن المنتدى كان يمثل فرصة سانحة لانطلاقة قوية تجاه تعديل الموقف الروسي المائع من الصراع العربي- الإسرائيلي، والذي يصب من حيث نتائجه العملية لمصلحة إسرائيل. ولكن هذا أيضاً لم يحدث، بل إن ظني أن الدول العربية لم تكن تريد حدوثه لاعتبارات عربية وإقليمية وعالمية متعددة، وهكذا لم يخرج البيان المشترك الصادر عن المنتدى عن اللغة الوسطية غير الفاعلة، كما يظهر من نصه على "أهمية إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكافة الأراضي العربية"، كما أدان المجتمعون "بشدة" ما تقوم به إسرائيل من أنشطة استيطانية، ودار حوار مطول بين الوزراء حول دور اللجنة الرباعية في دفع العملية السلمية وتنفيذ قرارات مجلس الأمن الخاصة بفلسطين، وكلها مواقف تكررت عبر العقود في ملتقيات عالمية وإقليمية وعربية دون أن تعني أي شيء أو يكون لها أي تأثير بالنظر إلى الخلل الفادح في ميزان القوى العربي- الإسرائيلي عامة والفلسطيني- الإسرائيلي خاصة، الأمر الذي يجعل إسرائيل في مأمن من أي احتمال لتحرك فعلي نحو تنفيذ هذه المواقف.

فهل جاء انعقاد المنتدى في غير موعده؟ وهل كان التريث أفضل لعل طرفيه يستطيعان أن يبلورا صيغاً حقيقية لموقف عربي- روسي متناغم تجاه ما يجري في المنطقة؟

=====================

تشهد أكبر أزمة للنازحين في العالم

سوريا: تضارب الأرقام حول الأزمة الإنسانية

تاريخ النشر: الإثنين 25 فبراير 2013

روي جوتمان

إسطنبول

الاتحاد

تشير أول دراسة مسحية لرصد الأزمة الإنسانية في شمال سوريا أن الأمم المتحدة أخطأت في التقدير بتقليلها من عدد المدنيين السوريين الذين هم في حاجة ماسة إلى المساعدة، وهو الوضع الذي يقول الخبراء إنه لا يصب في مصلحة التقييم الصحيح لحجم الكارثة الإنسانية المستفحلة في سوريا، هذا الأمر تؤكده «كلير سبوريل» من مركز رصد النازحين قائلة: «تعتبر سوريا أكبر أزمة للنازحين في العالم، وكلما قللنا من حجم المأساة ابتعدنا أكثر عن سبل حلها والتعامل الفعال معها».

وكان مكتب المفوضية الأممية العليا للاجئين، قد نشر أرقاماً جديدة يوم الإثنين الماضي تظهر أنه ما لا يقل عن 2.08 مليون شخص في المحافظات الست الشمالية لسوريا يحتاجون إلى مساعدات عاجلة، وهو رقم أقل بكثير من الدراسة البحثية التي قامت بها المحافظات نفسها، والتي أجرتها المعارضة السورية في شهر يناير الماضي على مدى أربعة أسابيع ومعها عشر منظمات دولية متخصصة في تقديم المساعدة للنازحين.

هذه الدراسة التي أشرف عليها فريق من الباحثين الذين التقوا بلجان الإغاثة المحلية وبالقادة الدينيين والشرطة وباقي المتدخلين قدرت عدد الأشخاص المحتاجين إلى مساعدات بحوالي 3.2 مليون على الأقل في محافظات إدلب وريف حلب واللاذقية والرقة والحسكة ودير الزور، وهي مساحة تمثل فقط ثلاثة أرباع من إجمالي سكان يصل إلى 4.3 مليون نسمة يقطنون تلك المحافظات.

ومن بين هؤلاء الذي يحتاجون إلى دعم إنساني عاجل، أشارت الدراسة إلى أن 1.1 مليون هم من الأشخاص الذين اضطروا لمغادرة بيوتهم، ما جعلهم معتمدين على غيرهم في الحصول على الغذاء والمأوى والرعاية الصحية والماء الصالح للشرب.

ويبدو أن الوضع أسوأ من ذلك، لأن الباحثين الذين قاموا بالدراسة لم ينتهوا سوى من 40 في المئة من مساحة المحافظات المعنية، مستثنين من ذلك مدينة حلب، كبرى المدن السورية، التي شهدت أعنف المعارك منذ شهر يوليو الماضي.

وبالطبع ما أن تُستكمل الدراسة وتمتد لتشمل باقي المناطق التي تمثل 60 في المئة من الشمال السوري حتى يتصاعد عدد الأشخاص المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية العاجلة.

وفي هذا السياق يقول «غسان حيتو»، مدير لجنة الإغاثة في الائتلاف الوطني السوري أن «حجم الأزمة كبير، بل أكبر مما يتوقعه العديد من المراقبين»، وأضاف حيتو أن رقم 3.2 مليون مدني الذين يحتاجون إلى الدعم الإنساني، 40 في المئة منهم موجودون فقط في المحافظات الست التي شملتها الدراسة «ما يعني أن الأرقام الأخرى التي تتداولها الهيئات الأممية غير دقيقة ولا تمثل حقيقة الكارثة الإنسانية في سوريا».

ويذكر أن الدراسة التي كشفت الأرقام الحقيقية تم تضمينها في تقرير بعنوان «تقييم سريع ومشترك لشمال سوريا»، صدر في 27 يناير الماضي، لكن المتحدثة باسم المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، «ستيفاني بانكر» قالت إن الأرقام التي جاءت بها الدراسة لم تتضمن في تقريرها الصادر يوم الإثنين الماضي، قائلة إن أرقام المفوضية تأتي من التقديرات الصادرة عن الهلال الأحمر السوري المرتبطة قيادته بالحكومة السورية.

أما «مارك بارتوليني»، المدير السابق للمكتب الأميركي لتقديم المساعدات الخارجية الذي تقاعد في السنة الماضية، فإنه يرى بأن الأمم المتحدة «قللت بشكل كبير من حجم الأرقام الحقيقية للسوريين المحتاجين إلى مساعدات». وإنْ كان قد حذر أيضاً من أن الدراسة التي مولتها المعارضة السورية قد تضخم من الوضع، قائلا «لن تكون التقديرات مثالية في جميع الأحوال، لكن في هذه الحالة تبقى أقل بكثير من الحقيقة على الأرض».

ومن ناحيتها، قالت الولايات المتحدة إنها تعتمد على الأرقام التي تقدمها الأمم المتحدة، ولم تجرِ دراسات خاصة بها لتقييم حجم المأساة الإنسانية للأزمة السياسية المستشرية في سوريا منذ أكثر من عامين.

واعتماداً على التقديرات الحالية للاحتياجات الإنسانية في سوريا، منحت واشنطن 355 مليون دولار من المساعدات. ومع أنه من غير المعروف السبب الذي يدفع الأمم المتحدة للتقليل من حجم المعاناة الإنسانية في سوريا، إلا أن الأمر لا يتعلق فقط بالمفوضية العليا للاجئين التابعة لها، بل يمتد أيضاً لهيئة أخرى مثل مكتب نائب الأمين العام للشؤون الإنسانية والإغاثة الذي جاء في موقعه الإلكتروني أن من يحتاج إلى مساعدة إنسانية عاجلة في سوريا هم 4 ملايين شخص لا أكثر وأن عدد النازحين لا يتجاوز مليوني سوري في جميع أنحاء البلاد.

وفي حين اعتمدت «فاليري آموس»، المسؤولة الأممية عن الشؤون الإنسانية، على الأرقام التي وفرتها الدراسة في عرضها خلال مؤتمر الدول المانحة الذي عقد في 30 يناير الماضي بالكويت، حيث سعت إلى جمع 1.5 مليار دولار من المساعدات للشعب السوري، إلا أنه وحتى في عرضها لم تشر إلى أن عدد 3.2 مليون نسمة الذين رصدتهم الدراسة كانوا فقط في أقل من 50 في المئة من المحافظات الست المشمولة بالدراسة، وهو ما عبر عنه خبير في الشؤون الإنسانية من أوروبا الغربية رفض الإفصاح عن هويته لحساسية الموضوع، قائلاً: «كان أرقامها خارج السياق تماماً». وفي جميع الأحوال يصعب تحديد الرقم الدقيق لعدد السوريين الذين يحتاجون لمساعدات عاجلة، لكن بإجراء حساب رياضي يتبين أنه إذا كان 3.2 مليون شخص في المناطق الخاضعة للدراسة يحتاجون لمساعدات فورية، فإن البلاد عموماً قد تضم 15 مليون شخص من الجوعى الذين ينتظرون الغذاء وباقي المساعدات بصفة عاجلة.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة

«إم. سي. تي. إنترناشونال»

=====================

رأي الراية... جولة كيري في المنطقة

الراية

تشكل زيارة وزير الخارجية الأمريكية جون كيري التي ستأخذه إلى تسع دول في أوروبا والمنطقة العربية من بينها دولة قطر التي سيختم جولته فيها فرصة أمام الدبلوماسية الأمريكية لإعادة النظر في خياراتها وأدائها خاصة في القضايا التي تهم المنطقة العربية وفي المقدمة منها القضية الفلسطينية التي فشلت إدارة أوباما في ولايته الأولى في تحقيق إنجاز فيها والوفاء بوعد حل الدولتين الذي تتبناه إدارة أوباما دون أن تتبعه بأية ضغوط حقيقية على حليفتها "إسرائيل" تمنعها من تعطيل المفاوضات مع الفلسطينيين لإصرارها على مواصلة الاستيطان وتهويد الأراضي الفلسطينية المحتلة.

تطورات القضية السورية ستحتل حيزاً كبيراً في جولة كيري وخاصة في الجزء العربي منها فمواقف الإدارة الأمريكية لم ترتق إلى ما تردده واشنطن عن حقوق الشعوب في التغيير والديمقراطية، فإدارة أوباما اكتفت بإدانة عمليات القتل التي يتعرض لها الشعب السوري على يد نظامه ودعوة رئيس النظام للرحيل عن السلطة وتقديم مساعدات إنسانية غير قتالية رافضة تسليح المعارضة التي تدافع عن الشعب السوري في وجه نظام يحظى بغطاء سياسي روسي - صيني في مجلس الأمن الدولي رغم أنه يمارس إبادة جماعية بحق شعبه.

جولة كيري في المنطقة واللقاء مع زعمائها لن يكون لقاءً تعارفيا، فالوزير كيري ليس غريبا عن المنطقة وقضاياها فهو خدم 28 سنة في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي وقام بمهمات عديدة في أفغانستان وباكستان والسودان، وهو أكثر خبرة في مجال السياسة الخارجية من معظم الذين سبقوه وبالتالي فإن الفرصة سانحة أمامه بعد لقائه مع نظرائه في المنطقة لإعادة النظر في مجمل مواقف الإدارة الأمريكية التي لا تلقى بالتأكيد الرضا والقبول لدى شعوب المنطقة التي تتطلع لمواقف أكثر إنصافا في العديد من القضايا العادلة.

زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى دولة قطر ولقائه بالمسؤولين فيها من المتوقع أن تبحث العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وتطورات الأزمة السورية والوضع في أفغانستان على ضوء المفاوضات التي تلعب الحكومة القطرية دورا مهما فيها مع حركة طالبان لإيجاد مخرج للأزمة الأفغانية وهي تعد فرصة ثمينة ليسمع كيري من القيادة القطرية تقييمها لمجمل التطورات في المنطقة والدور المتوقع لإدارة أوباما في ولايته الثانية فيما يختص بالقضايا العربية.

=====================

الثورة السورية في لعبة السماسرة

2013-02-25

القدس العربي

الثورة السورية في بدايتها كانت سلمية، ومطالبها واضحة متعلقة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، لكنها انحرفت عن طريقها، وتحولت إلى فوضى وحرب أهلية دمرت وما زالت تدمر سورية وشعبها، وسبب هذا الانحراف يعود إلى تشابك المصالح الخارجية، وطبيعة النظام السوري الذي يميل نحو النزعة الطائفية العشائرية، إضافة إلى أجهزته الأمنية والعسكرية الردعية التي تقوم على عقيدة الولاء لآل الأسد ونظامهم.

المطالب الاجتماعية الوطنية للسوريين ركب عليها تيار يميل نحو كتلة 'الإسلام الأطلسي'، ويستعمل نمط 'الإسلام السني' كحصان طروادة للوصول إلى السلطة وخدمة أجندة تخدم مصالح الولايات المتحدة ومشتقاتها، في لعبة خيوط متشابكة تمتزج فيها المصالح السياسية بالاقتصادية والجيوستراتيجية.. فهذا التيار الذي يمثل 'الإخوان' نواته الرئيسية، والمدفوع من الولايات المتحدة الأمريكية والرجعية العربية والتركية، ركب بطريقة ممنهجة على مطالب الثورة السورية.

هذه اللعبة الإستراتيجية تتمحور آفاقها حول الردع الإستراتيجي للمارديِِِْن الشرقيّيْن الزاحفيْن بقوة، والمتمثلين في روسيا والصين ومعهما المارد الإيراني العنيد والممانع، وذلك بخلق كتلة سنية في سورية تقوم على أُسس ادمقرطة الإسلام'، وتوظيف الوجدان الشعبي السائد بتوجيهه بما يخدم مصالح أمريكا وحلفائها، ويضمن أمن إسرائيل.. فهذه الكتلة السنية التي سيكون محورها التيار الإخواني ومشتقاته، من المنتظر أن تكون سدا منيعا أمام المد الشيعي الممانع والمعادي للمصالح الأمريكية / الصهيونية / الصهيو امبريالية، كما ستكون الدرع الواقي من الزحف الروسي الصيني المتنامي.. وبالرغم من بعض التحفظات حول هذه الأجندة نظرا للتقارب النوعي بين النظام الإيراني االإسلاميب والتيار الإخواني في فترات تاريخية معينة وبدرجة أقل اليوم، هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن مرشد الثورة الإيرانية آية الله الخميني رسم خطا اثورياب يميل نحو التقارب بين الشعوب الإسلامية ونصرة الشعوب المستضعفة في كفاحها ضد الهيمنة الاستعمارية/ الإمبريالية / الغربية بغض النظر عن الطابع المذهبي أو الديني لتلك الشعوب، إلا أن التنافر المذهبي العميق، والتحول الجذري في أجندة التيار الإخواني من خلال علاقته الوطيدة بالولايات المتحدة في المنطقة، أفرز تحولا جذريا عميقا بحيث أصبح من المستبعد، مستقبلا، أن يحصل تناسق وتقارب استراتيجي حقيقي بين إيران والإخوان، بل أن التنافر سيكون سائدا، وستكون العلاقات فاترة في أفضل الأحوال باعتبار أن الأنظمة السياسية تميل دائما نحو مسايرة الفعاليات الإيديولوجية العامة السائدة لدى الشعوب خاصة في ظل الدمقرطة القائمة على صناديق الاقتراع وبالأخص في البلدان المتجذّرة وجدانيا في الإسلام وفي المذهبية، هذا إذا أضفنا التدخل الحتمي المنتظر والكاسح للولايات الأمريكية ومن ورائها إسرائيل لعرقلة أي تقارب استراتيجي حقيقي بين إيران والإخوان، وذلك باستعمال شتى وسائل الضغط الاقتصادية والمالية والاستخباراتية.

لا يخفى على أحد أن المقاومة الشعبية السورية مركّبة من فاعليّتين تبدوان متوافقتين في هذه المرحلة التاريخية، الفاعلية الأولي تتمثل في ردة الفعل الشعبية العفوية النابعة من الداخل السوري، والفاعلية الثانية تتمثل في التدخل الخارجي ( النفطي /التركي /الأمريكي...) من خلال تقديم الدعم المالي والعسكري والسياسي. وتلعب الكتل 'الإسلامية الجهادية' المُستقطبة من عديد البلدان 'العربية و الإسلامية' دورا محوريا في هذه اللعبة، إذ وقع دفعها من طرف وكلاء مرتبطين بالرجعية العربية ومشتقاتها نحو 'الجهاد' ضد نظام بشار 'الرافضي الكافر'، فكان اللعب على الوازع العقائدي المذهبي للتحفيز والشحن المُمنهجين، فالرسول حثّ على النصرة، كما أوصى بأرض الشام 'معقل الإسلام' وأعطاها مكانة مميّزة.. فمن خلال هذا المشهد امتزجت الفاعلية العقائدية / المذهبية بالفاعلية السياسية / الإستراتيجية، إلا أن انفصال الفاعلية العقائدية عن الفاعلية السياسية لدى الجماعات 'الجهادية' يبقى أمرا متوقعا نظرا لزئبقية ردود أفعال هذه الجماعات وسرعة انشقاقها وتفريخها لحركات جديدة مستقلة، فهذه الجماعات تتميز بالراديكالية والحساسية تجاه كل تطبيع مع 'الغرب الكافر'، كما تتميز برفضها للغة الحوار والمساومة والديمقراطية، فهي تتشبث بكل شبر من الأراضي التي تسيطر عليها لتقيم فيها إمارات إسلامية تُطبق فيها 'الشريعة' في انتظار السيطرة على مناطق أخرى، وقد ظهر التناقض جليا بين 'الجهاديين' وزملائهم الثوار الآخرين من 'الجيش الحر'، فبادرت الولايات المتحدة بتصنيف جبهة النصرة في قائمة المنظمات الإرهابية، للتنصل من المسؤولية التاريخية لما قد تقترفه الجماعات 'الإسلامية الجهادية'، فالولايات المتحدة اكتوت بنار 'الجهاديين' بعد أن دعمتهم وساندتهم في التصدي للمد الروسي في أفغانستان، كما أنها أضحت منذ سنوات تراهن على الإسلام المعتدل أو الإسلام الديمقراطي القادر على النفاذ إلى العمق الاجتماعي للشعوب العربية بحيث يسهل تمرير أنماط اقتصادية وأجندات إستراتيجية بسهولة من خلاله.. فبعد صمود نظام بشار الأسد وبعد تغوّل الجماعات 'الجهادية' وبعد إصرار الدب الروسي على عدم التنازل عن كعكته الشرق أوسطيّة، غيرت الولايات المتحدة من استراتيجيتها لأن 'الكعكة' السورية ستكون مرة أكثر من اللازم بالنسبة لها ولأمن إسرائيل.

الخروج بالقضية السورية إلى بر الأمان مرتبط بالابتعاد عن الهويات المتطرفة، مع الفصل بين الأسباب المذهبية /العقائدية /الإيديولوجية / الإقليمية /الإستراتيجية للثورة السورية من جهة والأسباب الوطنية /التحررية/ الإنسانية/ التوافقية من جهة ثانية، لأن الوضع لا يحتمل الشعارات الضيقة بل يتطلب برنامجا وطنيا بعيدا عن الشحن العقائدي /المذهبي / القومي / الإيديولوجي.

يوسف بلحاج رحومة

=====================

سورية تتحول الى دولة فاشلة مع تراجع فرص انتقال السلطة سلميا

ابراهيم درويش

2013-02-25

القدس العربي

لندن ـ 'القدس العربي': هذا الاسبوع سيتركز الانتباه على جولة وزير الخارجية الامريكية جون كيري في المنطقة، فقد وصل امس لندن في بداية رحلة تشمل 9 دول اوروبية وشرق اوسطية. لكن تهديدات المعارضة السورية بعدم حضور مؤتمر روما القت بظلالها على الرحلة. ومن هنا فقد ارسلت الادارة سفيرها في سورية والمبعوث الخاص لدى المعارضة، روبرت فورد للقاهرة لانقاذ لقاء روما الذي كان مقررا ان يلتقي فيه كيري مع زعماء المعارضة السورية، ومعاذ الخطيب، زعيم الائتلاف الوطني السوري.

ونقل عن مسؤول امريكي يرافق كيري في رحلته قوله ان 'المعارضة السورية تتعرض لضغوط شديدة من اعضائها ومن الشعب السوري كي تحصل على دعم اكبر من المجتمع الدولي'، وفي هذا السياق فهناك نقاش داخل اطراف المعارضة حول 'قيمة الذهاب الى المؤتمرات الدولية' اضاف المسؤول.

وقالت صحيفة 'نيويورك تايمز' ان اعلان المعارضة شوش على الرحلة التي خطط لها بعناية وقصد منها تقديم جون كيري الذي سيعمل على دفع العملية الدبلوماسية وكسر جمود الازمة السورية، حيث سيزور في احد عشر يوماـ بريطانيا والمانيا وفرنسا وايطاليا وتركيا ومصر والسعودية والامارات العربية المتحدة وقطر.

وسيلتقي كيري يوم الاربعاء في برلين مع سيرغي لافروف، حيث يعتقد ان كيري يحمل خطة لسورية، جزء منها هو الحصول على دعم روسيا التي لا تزال الحليف الاكبر للنظام السوري.

ولهذا فغضب المعارضة مرتبط بما تراه وقوف العالم متفرجا على الممارسات الشرسة التي يقوم بها النظام واستخدامه صواريخ 'سكود' ضد اهداف في حلب وريفها. ومع ان وزارة الخارجية الامريكية شجبت الهجمات الصاروخية بشدة، وفي بيانها الذي اصدرته يوم السبت اكدت على اهمية لقاء كيري مع المعارضة للعمل من اجل التوصل لعملية انتقال في السلطة يطالب بها السوريون ويستحقونها.

 

هل سيتغير اوباما؟

 

ولا يعرف ان كان كيري يحمل معه تغيرا في الموقف الامريكي لدعم المعارضة بالسلاح وهو الذي تطالب به المعارضة ام لا، خاصة ان ادارة اوباما رفضت الاستماع الى نصائح قادة كبار العام الماضي تقضي بتسليح جماعات في المعارضة. ولكن مراقبين يتوقعون ان تؤشر جولة كيري الى تغير في الموقف الامريكي. وفي هذا السياق اشارت صحيفة 'التايمز' البريطانية الى ان فرص تغيير للسلطة في سورية يمكن التحكم به تتراجع كل يوم، فيما تتزايد فيه معاناة الشعب السوري كل يوم ومعها التهديدات بولادة دولة فاشلة ستمثل خطرا على المنطقة باكملها. وقالت 'التايمز' في افتتاحيتها ان ما يشجع هي امساك كيري بزمام المبادرة لحل المشكلة السورية، خاصة ان رئيسه اوباما فشل في قيادة المجتمع الدولي لانهائها. والصحيفة هنا لا تعول كثيرا على الزيارة، مشيرة الى جوهر السياسة الامريكية من الازمة لن يتغير. فاوباما الذي سيقوم باول رحلة خارج امريكا منذ انتخابه لاسرائيل قد تعبر عن اهتمام مبكر في مشاكل المنطقة، ومن الواضح ان الرئيس الامريكي راغب في تجنيب بلاده التورط في حرب دموية وذات طبيعة طائفية معقدة. ولهذا فقد ظل يرفض مطالب المعارضة بدعمها عسكريا. وعليه ترى الصحيفة ان مهمة كيري لن تركز على قضايا تسليح المعارضة بل على اقناع طرفي النزاع باهمية التحاور والتفاوض، اي اقناع الاسد بانه معركته خاسرة ولن ينتصر واقناع المعارضة بالحل السياسي.

 

مخاوف روسيا

 

واهم لقاء في الجولة سيعقده كيري هو مع لافروف في برلين يوم الاربعاء. وتشير الصحيفة الى مخاوف موسكو من الوضع في سورية، فمع انها عرقلت كل الجهود الدولية وواصلت تزويد النظام السوري بالسلاح الا ان روسيا ارسلت عددا من الاشارات عن انها لن تواصل دعم الاسد للابد، كما والتقى لافروف مع معاذ الخطيب، زعيم الائتلاف الوطني السوري ووجه اليه دعوة رسمية لزيارة موسكو. واهم ما تخشاه روسيا هي العناصر الجهادية المؤثرة في الانتفاضة السورية. فهي تخشى والحالة هذه من استبدال دولة مستقرة بدولة تشبه الشيشان قبل ان يسحقها فلاديمير بوتين. وفي حالة تخلي روسيا عن الاسد، فقد ينهار النظام سريعا على الرغم من التكهن المستمر بقرب نهايته منذ العام الماضي. ومع ذلك فلن يقتنع الاسد بالتخلي عن السلطة حالة ابتعاد روسيا عنه.

 

ثمن التفرج

 

وترى الصحيفة ان السيناريو قاتم فسورية بالاسد وبدونه مهددة بالتفكك. وتختم الصحيفة بالقول ان هناك سببا واحدا جعل هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية السابقة تدعم تسليح المعارضة، ليس لانها هذا سيعجل من رحيل النظام، ولكن لانه يمنح واشنطن السلطة والتأثير على الجماعات التي ستقود سورية في المرحلة القادمة. وتضيف ان اوباما يخشى من وقوع الاسلحة الامريكية في يد الجماعات المتطرفة والتي يمكن ان تستخدمها لاحقا لضرب المصالح الامريكية. وبنفس السياق رفض الاتحاد الاوروبي المقترح البريطاني لرفع حظر تصدير السلاح للجماعات غير الاسلامية. وتواصل الصحيفة بالقول ان الاسلحة مع ذلك تتدفق ، فروسيا وايران تدعمان النظام، وقطر والسعودية تدعمان المقاتلين. وعليه فلن ينسى المقاتلون الدول التي تخلت عنهم ولم تسارع الى مساعدتهم، وفي هذه الحالة الغرب. وتختم بالقول ان تدهور الاوضاع في سورية يجعل من النقاش الداعي لتسليح المعارضة قويا، مشيرة الى تصريحات مسؤولين امريكيين الاسبوع الماضي حول امكانية مراجعة الموقف الامريكي، واعادة فتح الملف الذي يحتوي على خطة كلينتون بترايوس. ولان قرارا امريكيا لتسليح المعارضة سيغضب بالتأكيد روسيا، فمن الحكمة الانتظار ومحاولة اقناعها بممارسة تأثير على الاسد. وفي النهاية فالثمن الذي ستدفعه امريكا واوروبا بعدم التدخل والمساعدة سيكون باهظا وكذا الثمن الذي يدفعه الشعب السوري لاستمرار الحرب. وفي الوقت الحالي لا ينتظر الكثير من جولة كيري، فهو وان حمل مشروعا لحل الازمة السورية واعادة 'تسخين' محادثات السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين الا ان الامر متعلق في النهاية باوباما الذي يعتبر من اكثر الرؤساء امساكا بزمام السياسة الخارجية منذ ريتشارد نيكسون.

 

موت غامض ومعارك مثيرة

 

وهي احداث لا يمكن المرور عليها سريعا، الاول منها، مقتل مسؤول بارز في الحرس الثوري الايراني على الطريق السريع دمشق- بيروت في بداية هذا الشهر، الثاني مقتل 3 مقاتلين من حزب الله وجرح 14 اخرين في معركة داخل الجبهة السورية، والثالث هو قيام الجيش اللبناني بمحاصرة بلدة سنية يسكن فيها 40 الفا ومعروفة بدعمهما للمعارضة السورية، اما الاخير فهي الاتهامات التي وجهها زعيم المعارضة سعد الحريري لحزب الله وانه اصل المشاكل في البلاد. في قصة 'المهندس' الايراني حسام خوش نويس الذي يحمل هوية اخرى وهي حسن شاطري، هناك الكثير من الشائعات والروايات، فهو رسميا كان يعمل في لبنان مديرا لـ'الهيئة الايرانية لاعادة اعمار لبنان'، بعد الحرب الاسرائيلية عام 2006 ويعمل مكتبه من السفارة الايرانية في بيروت، وعلى ما يبدو انه قتل في داخل سورية وهو في طريقه من دمشق لبيروت، والسؤال هو ما الذي يجعل مسؤولا مهمته اعمار بيوت اللبنانيين في الجنوب ان يذهب لسورية التي تعيش حربا اهلية كما يقول فيسك. وهناك من يقول ان حسن الشاطري او القائد كما يطلق عليه الحرس الثوري كان في طريقه من مطار دمشق الدولي الى الحدود اللبنانية حيث قتل في الطريق، ورواية اخرى تقول انه كان في زيارة لمسؤولين امنيين ايرانيين في دمشق، ويقول البعض انه قتل على الطريق السريع بين دمشق وحلب. وبالنسبة للحرس الثوري الايراني فقد قتل الشاطري على 'يد الصهاينة والمرتزقة الذين يدعمون الكيان الصهيوني'، اما السفير الايراني في بيروت الذي فتح كتاب تعازي فقد قال ان المسؤول الايراني قتل للدور الذي لعبه في اعمار لبنان بعد الحرب. ويطرح روبرت فيسك في مقاله اسئلة حول مجمل الروايات ويتساءل لماذا تلاحق اسرائيل شخصا كان يعمل في جنوب لبنان وتقتله في سورية؟ وعن المعركة التي خاضها مقاتلو حزب الله في داخل سورية وقتل فيها ثلاثة وجرح 14 اخرون. يقول فيسك ان مقتل 12 سوريا في نفس المعركة يؤكد ان مقاتلي حزب الله كانوا من بين من 'يدافعون' عن القرى اللبنانية الحدودية ولكن 'من داخل سورية'، ويتساءل مرة اخرى عن معنى وجود المقاتلين في داخل سورية وماذا كانوا يفعلون ام انهم كانوا يحاولون منع تهريب اسلحة عبر الحدود اللبنانية لداخل سورية؟

 

عرسال

 

تهريب الاسلحة لا يثير الاستغراب لان البلدة الحدودية عرسال والتي تقع على الحدود مع سورية محاطة وسكانها الـ 40 الفا بالجيش اللبناني، حيث انتشر الجيش هناك بعد مقتل جنديين قبل اسبوعين. ولا بد من الاشارة الى ان عرسال ظلت نقطة تهريب وهي مؤيدة وبشكل كبير للمعارضة السورية. ويقول الجيش اللبناني انه لا يحاصر اهل البلدة ولكنه يقيم نقاط تفتيش للسيارات عندما يخرجون من بيوتهم ويعودون اليها. وفي المقابل فاهل صيدا السنة يتظاهرون احتجاجا على شاحنات الوقود التي تذهب الى سورية، وهنا يتساءل فيسك ان كان 'البنزين' في طريقه للجيش السوري النظامي؟ ويربط فيسك هذه الاحداث بالانتخابات اللبنانية القادمة في حزيران (يونيو) حيث تضيف الى اجواء النقاش داخل البيت اللبناني والتي يضاف اليها حالات من السطو على الاسلحة والاغتيالات ومطالب الحريري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط من حزب الله دعم المقاومة السورية ان كان فعلا وكما يزعم حركة مقاومة.

 

=====================

ومهمة لافروف المستحيلة؟!

 راجح الخوري

2013-02-26

النهار

كل المؤشرات تدل على ان موسكو تنخرط الآن في البحث عن حل للازمة السورية بعدما ألقت واشنطن تلك الكرة النارية في احضان فلاديمير بوتين ورفاقه الحالمين باستعادة دور روسيا في اطار الاستقطاب الثنائي البائد، لكن كما كانت مهمة مستحيلة مع الاخضر الابرهيمي وكوفي انان فقد يثبت انها ايضاً مهمة مستحيلة مع سيرغي لافروف!

وهكذا بعدما حاول دميتري ميدفيديف ان يفتح كوة في الجدار الروسي المقفل، عبر الايحاء بان موسكو بدأت تنظر ضمناً الى سوريا ما بعد الاسد، جاء الجواب سريعاً من دمشق تصعيداً في السياسة وتصعيدا في قصف المدن والاحياء، لكن كان من المثير ان يبشرنا ميدفيديف بأن موسكو ترى ان مستقبل الاسد امر ثانوي امام "الاولوية الروسية المتمثلة بايصال القوى السياسية الى نوع من التوافق للخروج من الازمة وان الحرب الاهلية لن تتوقف حتى لو رحل الاسد"، بما يعني ضمناً ان هناك محاولات روسية لهندسة خريطة سياسية لسوريا خالية من الاسد.

لكن الكلام المهين الذي صدر في دمشق قبل يومين رداً على دعوة الابرهيمي الى ممارسة الضغط على النظام للانخراط في الحل السياسي، بدا وكأنه رد ممهور بالتوقيع الايراني على كلام ميدفيديف "ان شكل النظام وطبيعة الحكومة والانتخابات شأن سوري والرئيس الاسد لا يناقش هذه المسائل الداخلية مع اي احد غير سوري، وان الابرهيمي غير قادر على فهم المنطق السوري..."!

واذا كانت الاوساط الديبلوماسية الغربية قد وضعت تصريحات ميدفيديف في خانة بدء تفكير روسي فعلي بسوريا خالية من الاسد، وأنه لا بد من حل يوقف الحرب الاهلية، فمن الضروري ان نتذكر ان الذي اوصل سوريا الى "الحرب الاهلية" ليس سوى الموقف الروسي الذي عطّل مجلس الامن وحال دون قيام معالجة دولية لهذه الازمة الدامية التي يندى لها شرف الشرعية الدولية. فكما يقول الامير سعود الفيصل ان العالم لم يتخلّف عن تقديم المساعدة الى الشعب السوري فحسب، بل منع هذا الشعب من الحق الانساني والقانوني في الحصول على السلاح الذي يساعده في الدفاع عن نفسه في مواجهة القصف الجوي ومدافع الميدان.

لست ادري في الواقع كيف ستتحرك الديبلوماسية الروسية بحثاً عن حل يمكن ان يقبل به ايضاً الشركاء المضاربون في طهران، الذين يعرفون ان خسارتهم النظام السوري ستعني بالتأكيد بداية خسارتهم تلك العمارة السياسية التي اقاموها، سواء في العراق عبر صفقتهم المشبوهة مع الاميركيين، او على تخوم القضية الفلسطينية وهي محور الوجدان القومي العربي عبر "حزب الله" وحركة "حماس"، كما انها تعني خسارة ثلاثة عقود من الاستثمار السياسي والمادي ستؤدي الى سقوط كل احلام طهران بدور محوري في الاقليم.

 

=====================

رئيس بالانتخاب أو طبيب في عيادة بدمشق!! * ياسر الزعاترة

الدستور

26-2-2013

بين أسبوع وآخر، تسرِّب لنا الدوائر العاملة في الإطار الإيراني ومن شايعها من بعض القوميين واليساريين أخبارا “سارة” عن وضع الرئيس السوري بشار الأسد النفسي والمعنوي (إحدى زائريه كانت طبيبة نفسية أكدت لنا أنه غير منفصل عن الواقع!!)؛ بدءا بحمل السيدة الأولى وانتظارها المولود الجديد، وليس انتهاء بمتابعته الحثيثة للوضع وثقته بالانتصار (أحيانا الحسم السريع، بحسب حماسة المصدر وجهة النقل)، وما بين ذلك حديثه عن الانتخابات والصناديق التي سيبقى من خلالها رئيسا لسوريا، أو فتحه لعيادة في دمشق يعالج من خلالها المرضى (هل لا زال يتذكر طب العيون بعد كل ما أطفأ من عيون وقتل من بشر؟!).

كان بودنا أن تقول لنا الطبيبة إياها، والزائرون الآخرون كيف يكون مرتبطا بالواقع من يتحدث مثل هذا الكلام؟! كيف لمخلوق قتل كل هذه الجحافل من البشر، وترك مثلهم من المعوقين أن يعتقد أن بوسعه أن يعيش آمنا مطمئنا، بل ويفتح عيادة في وسط دمشق يستقبل من خلالها المرضى من كل الفئات؟!

يهرب الإنسان من بلد إلى آخر، وأقله من مدينة إلى أخرى بسبب ثأر مع عائلة واحدة قتل ابنها، فكيف يبقى في ذات البلد من قتل 70 ألفا من أبنائه (حتى الآن بالطبع)؟! هل هو إنسان مرتبط بالواقع حقا، أم هي “البروباغندا” السخيفة التي يتفنن فيها القوم كي يُظهر النظام تماسكه وثقته بالانتصار من أجل ترتيب حل سياسي يؤمن المصالح الإيرانية في البلد، وربما الروسية أيضا؟!

والحال أن قادة إيران لا يبدون أقل انفصالا عن الواقع من بشار الأسد نفسه حين يعتقدون أنه بعد كل هذه الدماء التي جرت يمكن لصاحبهم أن يبقى رئيسا لسوريا (بل ويفوز في انتخابات حرة ونزيهة!!). وهم أكثر انفصالا عن الواقع حين يعتقدون بأن من يسمع دوي الصواريخ قرب قصره الجمهوري (إن كان فيه حقا)، يمكنه أن يسيطر على ما تبقى من البلاد التي أضحى الجزء الأكبر منها خارج سيطرته العملية، بينما يتذكرون جيدا أننا نتحدث عن سوريا التي كانت أشبه بسجن كبير تحصي أجهزته الأمنية أنفاس الناس (أكانوا مواطنين أم وافدين).

نعم، كلاهما منفصل عن الواقع، أكان بشار أم داعموه في إيران. دعك هنا من روسيا التي لن تلطم الخدود وتشق الجيوب على سقوطه أو رحيله، حتى لو شعرت ببعض الإهانة تبعا لعجزها عن ترتيب حل سياسي يحفظ مصالحها، لاسيما أنها معتادة على هذا النمط من الصفعات، وقد لا تجد في اللحظات الأخيرة حرجا في بيعه في المزاد السياسي، هي التي تدرك أن بقاءه مستحيلا، وليس أقرب إلى المستحيل حتى لو خرج لافروف يوميا يتحدث عن الحل السياسي، ويزهو بما يراه تراجعا من المعارضة عن شرط رحيل بشار مقابل الجلوس إلى طاولة المفاوضات، من دون أن يكلف نفسه عناء التفريق بين شرط التفاوض، وبين شروط الحل، إذ أنه لا معاذ الخطيب ولا أي أحد آخر يمكنه أن ينهي المعركة في ظل بقاء بشار رئيسا. وقد كان رائعا أن يوجه له الائتلاف صفعة حامية بإلغائه لزيارة موسكو.

وكما أن بشار يبدو منفصلا عن الواقع إذ يعتقد أن سيركّع شعبه ويظل رئيسا عليه، فإن إيران أيضا تصاب بالجنون حين تعتقد أن غالبية البلد من السنّة (سيقولون هذا كلام طائفي، نعرف ذلك)، يمكن أن يعودوا إلى البقاء تحت رحمة طائفة لا تشكل سوى 10 في المئة من السكان من جديد، الأمر الذي لا يحدث في أي مكان في العالم هذه الأيام.

دعك هنا من القوى الداعمة للثورة، وفي مقدمتها تركيا التي لن تقبل بحال بأن تنتهي المعركة بخسارتها أمام إيران وأمام النظام في آن، وكذلك حال بعض العرب الداعمين للنظام، كل لاعتباراته الخاصة، حتى لو لم يبد بعضهم كثيرا من الود حيال الربيع العربي برمته.

الذين يسربون الأخبار عن تماسك النظام وثقته بالانتصار لا يأتون البتة على ذكر التطورات العسكرية على الأرض، لا في حلب ومطاراتها، ولا في المحافظات الأخرى، فضلا عن دمشق التي يحاصرها الثوار، بينما لا يجد النظام غير تحويلها إلى ثكنة عسكرية تزدحم بالحواجز وتحيل حياة سكانها إلى جحيم لا يطاق.

من حقهم أن يعلنوا ثقتهم بالانتصار على أمل إيجاد حل سياسي يوهمون أنفسهم بإمكانية أن يشمل بقاء بشار، لكن داعمي الثورة لا يبيعون الوهم إذ يثقون بالنصر، فهم يرون المشهد بكل تفاصيله، وهم حين يتحدثون عن حل، فإنما يفعلون ذلك من أجل تجنب المزيد من الدمار والموت والمعاناة، وليس خوفا من الفشل، والفرق كبير بين الحالتين.

=====================

الولايات المتحدة والإصغاء لتركيا ـ إيجامان بيزجي وجيفري ليفين ـ ترجمة ــ سناء عبد الله

February 25, 2013

الزمان

وسط فوضى تضرب اطنابها في سوريا، واحتجاجات في مصر، ومفاوضات متعثرة بين إسرائيل والفلسطينيين، يواجه وزير الخارجية الأمريكي الجديد، جون كيري، جدول أعمال طويل ذا صلة بمنطقة الشرق الأوسط. وبوسع الوزير كيري هذه الاسبوع إضافة فقرة أخرى إلى جدول أعماله إصلاح علاقات أمريكا التي تشهد توترا متزايدا مع تركيا. فبعد أيام معدودة من التفجير الانتحاري الذي استهدف مبنى السفارة الأمريكية في أنقرة، ألقى السفير الأمريكي في تركيا، فرانسيس ريتشارديوني كلمة سلط فيها الضوء على العديد من أوجه القصور في النظام القضائي التركي، ولا سيما ما يتعلق منها باستخدامات مصطلح الارهاب .

وقال السفير لديكم أعضاء في البرلمان يقبعون وراء قضبان السجون لمدة طويلة، بدون توجيه أية تهمة إليهم، في بعض الأحيان. ولديكم قادة عسكريون… خلف القضبان وكأنهم إرهابيون.. وأساتذة جامعات.. بل حتى الرئيس السابق لمجلس التعليم الأعلى . أضاف السفير لديكم طلبة وراء القضبان قاموا باحتجاجات ذات طابع سلمي ضد زيادة أجور الدراسة. عندما يقدم النظام القضائي مثل هذه النتائج ويخلط بين مثل هؤلاء الناس ويعتبرهم إرهابيين، فإن ذلك يجعل من الصعوبة بمكان على المحاكم الأمريكية والأوربية أن تتكيف مع هذا النظام القضائي .

لقد أحدثت هذه التصريحات دويا كبيرا في تركيا بين الأوساط الإعلامية والحكومية التي تهتم كثيرا بمسألة صورة تركيا. وقد رد الناطق الرسمي باسم الحكومة التركية، حسين شيليك، بطريقة قاسية على كلمة السفير ريتشارديوني خلال مؤتمر صحفي، واستدعي على إثرها السفير الأمريكي إلى وزارة الخارجية التركية حيث طولب بتقديم تفسير لكلامه.

وفي تطور فاجأ المسؤولين الأتراك، أعربت الناطقة بلسان وزارة الخارجية الأمريكية عن دعمها للسفير ريتشارديوني في وجه الانتقادات التركية. ومع الهجوم الانتحاري الأخير، فإن هذين التطورين يشيران إلى أن الرئيس باراك أوباما ووزير الخارجية جون كيري يواجهان الآن علاقة مع تركيا أكثر تعقيدا من أي وقت مضى. ويتعين على الوزير كيري أن يتذكر أنه لدى التعامل مع تركيا، هناك مسألتان على درجة كبيرة من الأهمية، تتعلق الأولى بالجانب الجيوسياسي، أما الثانية فتخص السياسات الداخلية.

في البداية، يتعين على كيري أن يفهم أن غياب الاستقرار في المنطقة يعني بأن تركيا ترغب بأن تطمئن على ضمان دعم سياساتها في منطقة الشرق الأوسط. إن هذا النوع من الطمأنة لا يمكن أن يأتي إلاّ من قوة عالمية عظمى، وإذا ما لم تقدم واشنطن مثل هذا الدعم، فقد يتطلع رجب طيب أردوغان إلى وجهة أخرى، وإلى الصين تحديدا.

ويزداد صناع السياسة الأتراك قلقا، يوما بعد آخر، بشأن الاضطرابات لدى جارتهم الجنوبية، سوريا. فمنذ بدء الاحتجاجات الأهلية في سوريا سنة 2011، قدمت تركيا دعما كبيرا لقوى المعارضة التي يتزعمها جيش سوريا الحر، ومنحت اللجوء لنحو 250 ألف لاجئ سوري. كما واجهت تركيا، هي الأخرى، أحداث عنف حيث سقطت على أراضيها قنابل هاون طائشة، وتم تفجير سيارات مفخخة تسببت بخسارة أرواح أكثر من عشرة مواطنين أتراك، وكانت كلاهما ناتجة عن تداعيات غير مقصودة للازمة في سوريا.

وتمثل هذه التطورات، من جهة أخرى، عبئا دبلوماسيا على كاهل أنقرة، حيث يساهم رد الفعل الحكومي حيال الأزمة في سوريا في تعكير علاقاتها مع القوى الاقليمية الأخرى، كإيران وروسيا.

وتجدر الاشارة أيضا بأن المسألة الكردية المستمرة والتي ما برحت تبحث عن حل تجعل أنقرة تبدو في موقف ضعيف حيال تغيرات سريعة تشهدها بيئة الأمن في منطقة الشرق الأوسط. وتساهم هذه التطورات في خلق أجواء شك متزايدة، وعليه فإن انقرة ترغب في الحصول على مزيد من الدعم من الدول الكبرى كالولايات المتحدة.

وفي سياق سعيها لطمأنة الحلفاء الغربيين، وافقت أنقرة على مقترح يقضي ببناء قاعدة لدرع صاروخي تابعة لحلف شمال الاطلسي ناتو في مالاطية، الواقعة في الاقليم الجنوبي الشرقي من تركيا. بيدّ أن، الخلاف المتواصل بين إسرائيل وتركيا، وتزايد عزلة أنقرة في المنطقة، وغياب الدعم الكافي من جانب واشنطن لسياسة انقرة في منطقة الشرق الأوسط، دفع بتركيا إلى البحث عن شركاء لتحقيق مساعيها في ميدان السياسة الخارجية.

وقد أثار أردوغان إمكانية الاتجاه بسياسته الخارجية صوب الشرق، أي باتجاه عضوية محتملة في منظمة شنغهاي للتعاون. إن جميع حالات الاحباط هذه قد تكون وراء سعي تركيا للعثور على وجهة جديدة، أو على الأقل قد تجعلها تعيد النظر في تحالفات البلاد التقليدية.

على صعيد متصل، يأتي مصدر القلق الآخر الذي يشعر به الوزير كيري بشأن تركيا من داخل تركيا نفسها. لقد تسببت التطورات الأخيرة بارتفاع في حدة المشاعر المعادية للولايات المتحدة. ولم يعد سرا بأن الرأي العام في تركيا يميل إلى النظر نحو التطورات الدولية من خلال زاوية نظريات المؤامرة. وهو الأمر الذي يعد أحد تركات الحرب الباردة، والذي يمثل في الوقت نفسه عادة سيئة، لكنه مشكلة قائمة، إذ يصب الكثير من الأتراك اليوم اللوم على الولايات المتحدة لتسببها بحدوث مشاكل في المنطقة حتى في الحالات التي لا علاقة لها بالنفوذ الأمريكي.

انطلاقا من هذا الواقع، ترى أوساط تركية عديدة بأن الاضطرابات في سوريا ناتجة عن السياسات الأمريكية في المنطقة. وهكذا، كان على حزب العدالة والتنمية ورئيس الوزراء اردوغان شخصيا أن يتكيفا مع المشاعر المعادية لأمريكا من خلال سلسلة من الانتخابات المحلية والرئاسية والبرلمانية بدءا من سنة 2014. وفي هذه الأثناء، فمن غير المرجح أن تبدر إشارات موالية للغرب من جانب أنقرة، على الصعيد الخطابي على أقل تقدير.

أخيرا، تردد خلال الدورة الرئاسية الأولى للرئيس أوباما أن العلاقات التركية ــ الأمريكية كانت في صدد الدخول في عهدها الذهبي. ومع كل هذه الأوضاع غير المستقرة في المنطقة، فان التقريع الذي وجهه السفير ريتشارديوني كان آخر ما يتمنى الأتراك سماعه من دولة تعد نفسها حليفة. في هذا السياق، تهدد السياسات الداخلية والدولية في تقويض شراكة أمنية لدى كلا البلدين. وفي ضوء البيئة السياسية الداخلية التي تعيشها تركيا فان ادامة هذه العلاقات لن يكون أمرا هينا. استنادا إلى ما تقدم، وعوضا عن النأي بنفسيهما جانبا، ينبغي على الوزير كيري والرئيس اوباما شخصيا أن يبذلا جهودا أكبر لضمان الحفاظ على سلامة هذه العلاقات التاريخية الهامة.

صحيفة آسيا تايمس

إيجامان بيزجي، استاذ العلاقات الدولية في جامعة ساكاريا التركية، وجيفري ليفين استاذ العلوم السياسية في جامعة جون هوبكنز الامريكية

=====================

«الرؤوس» أم «الكراسي»؟

حازم صاغيّة

الثلاثاء ٢٦ فبراير ٢٠١٣

الحياة

هناك في البيئة الثقافيّة السوريّة صوتان متعارضان يمثّل كلّ منهما وجهة نظر بالمعنى العريض للكلمة: صوت يقول إنّ التغيير تغيير في «الكراسي» أوّلاً، قاصداً أنّ الثورة هي إطاحة النظام القائم، رموزاً ومؤسّسات وأجهزة، وصوت آخر يقول إنّ التغيير تغيير في «الرؤوس» أوّلاً (وربّما أخيراً)، قاصداً أنّ الثورة الفعليّة هي إطاحة الاجتماع والثقافة السائدين، وفي الصدارة منهما أفكار الإسلام السياسيّ وقيمه وممارساته.

الرأي الأوّل يضع الثقافة بين مزدوجين ويحوّل «الثقافيّ» إلى شتيمة، والرأي الثاني يفعل الشيء نفسه بـ «السياسيّ».

وهذا الانتصاف في فهم «الثورة» هو جزئيّاً وليد أفكار واجتهادات، غير أنّه جزئيّاً أيضاً وليد مواقع في التكوين الاجتماعيّ والأهليّ لم يعد من الصعب الاستدلال عليها. إلاّ أنّه، في حالاته جميعاً، يضعف العمل الثوريّ بقدر ما يدلّ إلى ضعف تكوينيّ ينطوي عليه.

وبالفعل فإنّ الثورات لا تتمّ ولا يكتمل معناها كثورات إن لم تخلخل، في آخر المطاف، الاجتماع والثقافة القائمين. لكنْ كيف، في حالة سوريّة، يمكن الوصول إلى هدف كهذا من دون تغيير النظام الذي لا ينهض إلاّ على العنف، فيسدّ أبسط أبواب الحرّيّة، ويجعل أدنى شكٍّ جريمة «توهن الأمّة»، فيما يحول دون شعور الفرد، وهو من يُفترض به أن يبادر إلى الشكّ والتغيير، بكرامته الفرديّة؟

وإذا جاز الاستشهاد بمصر وتونس بعد ثورتيهما على «الكراسي»، أمكن القول إنّ الانتقال إلى تغيير «الرؤوس» مرّ حكماً بتغيير تلك «الكراسي». وهذا علماً أنّ عنف النظامين السابقين في مصر وتونس نقطة في بحر العنف الذي غرف النظام الأسديّ ويغرف منه.

والحال أنّه في تلك المعمعة السياسيّة وحدها، ومن خلال الصراع على السلطة تحديداً، بل في مناخ يمكن فيه إطلاق الصراع حول السلطة، يصار إلى «توطين نقد الإسلام السياسيّ وتسييسه» (بحسب عبارة سامر فرنجيّة في «الحياة»، ملحق «تيّارات»، يوم الأحد الماضي).

في هذا المعنى يُخشى أن تؤدّي المبالغة في نظريّة تغيير «الرؤوس»، وتقديمها في جدول الأولويّات، إلى التهاون في أمر تغيير «الكراسي»، إن لم يكن غضّ النظر عن هذه «الكراسي» وعن شاغليها. والحقّ أنّ تلك المبالغة مسؤولة جزئيّاً، من خلال مسايرتها المديدة لـ «الكراسي»، عن تصدّر الإسلام السياسيّ وقواه مواقع المظلوميّة أوّلاً، ثمّ مواقع التغيير تالياً.

لكنّ تغيير «الكراسي»، في المقابل، معنيّ بالإيحاء بأنّ تغيير «الرؤوس» موضوع على جدول الأعمال. وضعف مثل هذا الإيحاء لا يطمئن كثيراً. فهو ما يقود أصحابه بعيداً في ردّة فعل عصبيّة حيال منظّري «الرؤوس أوّلاً». ومن أشكال ردّة الفعل تلك المبالغة في التنصّل من الثقافة والمثقّفين، والاستعداد المتعاظم للتسامح مع سلوكيّات شعبويّة، بل الميل إلى الاحتفال بها وتمجيدها أحياناً، ناهيك عن غضّ النظر عن أعمال متعصّبة لا يجوز بحال من الأحوال غضّ النظر عنها. وأحياناً تندفع ردّة الفعل إيّاها إلى إدانة ما هو غربيّ وما هو متقدّم لأنّ «الشعب» ليس كذلك.

نعم، لا ريب في أنّ تغيير «الكراسي» يأتي أوّلاً، غير أنّه من دون المباشرة بتغيير «الرؤوس» قد نجدنا، عاجلاً أو آجلاً، أمام «كراسٍ» أثقل على الصدور والعقول.

=====================

مسؤولية الغرب عن دماء السوريين

الياس حرفوش

الثلاثاء ٢٦ فبراير ٢٠١٣

الحياة

عن حق أعلنت المعارضة السورية خيبة أملها من المواقف الغربية التي تتفرج على مأساة الشعب السوري ولا تفعل سوى توجيه النصائح: مرة بضرورة فك الارتباط مع المتطرفين والإرهابيين، ومرة أخرى بضرورة الحفاظ على وحدة الدولة والشعب السوري، أو بضرورة إعلان الالتزام بالأسس والقواعد الديموقراطية للحكم بعد سقوط نظام بشار الأسد.

والحقيقة أن هذه الذرائع الغربية، التي أصبحت نتيجتها العملية هي التلكؤ عن المساعدة العسكرية لمقاتلي المعارضة، باتت ورقة في يد النظام، يستفيد منها ليستمر في عملية القتل، وهو مطمئن إلى أن اكثر ما سيصدر عن عواصم الغرب لن يتجاوز بيان إدانة، ولن يصل حتى إلى مستوى قرار في مجلس الأمن، في ظل الغطاء الروسي - الصيني المتوافر لنظام دمشق هناك.

يجب أن تدرك العواصم الغربية أن موقفها المتفرج على ما يصيب الشعب السوري هو الذي سيدفع فئات واسعة من هذا الشعب إلى الاستنجاد بـ «الإرهاب» كشيطان لا بد منه، في سبيل حماية أطفال سورية ونسائها من الهجوم المروع الذي يشنه نظامهم على مدنهم وقراهم وبيوتهم. وهذا فعلاً ما حصل، وما أدى إلى تقدم «جبهة النصرة» على جبهات القتال، وما يمكن أن يتبعها من «جبهات نصرة» أخرى، أشد خطراً وأكثر تطرفاً، ما سوف يهدد وحدة المجتمع السوري ويقضي على الحد الأدنى من قبول الطوائف لبعضها بعضاً، الذي كان معروفاً عن هذا المجتمع. كما انه بالذات ما سيهدد إمكان الالتزام بالقيم الديموقراطية في سورية، التي يدعو إليها الغرب بعد سقوط الأسد.

اكثر من ذلك. فالصورة التي يريد الغرب أن يقدمها عن نفسه، من خلال مواقفه المناهضة لأنظمة الحكم التوتاليتارية والدكتاتورية، ومن خلال استعداده للتخلي عن حماية الأنظمة الحليفة التي سقطت بفعل انتفاضات العامين الماضيين، هذه الصورة لا تستقيم مع التردد والتأرجح الذي نشهده اليوم حيال اتخاذ موقف واضح من ضرورة سقوط النظام السوري رحمة بشعبه. إذ لم نشهد هذا التردد، لا حيال نظام حسني مبارك ولا زين العابدين بن علي. ولم يتردد الغرب عسكرياً في دعم الليبيين، عندما واجهوا آلة قمع القذافي الذي وصفهم بـ «الجرذان». فلماذا التردد اليوم بعد مضي سنتين على انتفاضة السوريين على بشار الأسد، التي أدت إلى الآن إلى قتل 70 ألف شخص على الأقل من خيرة أبنائهم؟

لا شك في أن صورة الغرب سيئة في عالمنا العربي وبين المسلمين حول العالم بما فيه الكفاية. فهذا الغرب الذي يتغاضى عن الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين، منذ عقود، يحتاج إلى اكثر من براءة ذمة لإثبات صدقه حيال دعم قضايا العدالة وحق الشعوب في الحرية. ويزيد من بشاعة صورة الغرب هذه ما يقال من أن التردد حيال دعم إسقاط النظام السوري يعود، من بين أسباب أخرى، إلى تخوف إسرائيل من البديل الذي يمكن أن يقوم في دمشق لنظام لم يقلق حدودها الشمالية الشرقية طوال أربعين سنة.

لقد عانى اللبنانيون طويلاً من سكوت الغرب المزمن عما ارتكبه النظام السوري في بلدهم، من قتل وتهجير وتفكيك لبنية المجتمع اللبناني الطائفية والاقتصادية، وتدخل مباشر في أدق تفاصيل حياته السياسية. وعانوا طويلاً كذلك من اعتبار بلدهم «ورقة» في صفقة المقايضة المعيبة بين دمشق وعواصم الغرب على حسابهم. فهل جاء الآن دور السوريين ليدفعوا ثمن هذه الصفقة أيضاً؟

=====================

الضباب الذي يلفّ المشهد السوري

د. نور الله السيّد

2013-02-25

القدس العربي

إزاء فشل النظام السوري في فرض نفسه نظاماً أبدياً لسورية على مرّ العامين الماضيين، وعدم تمكن المعارضة المسلحة من حسم الأمر بسرعة معقولة، تدخل الأزمة السورية طوراً جديداً أكثر ضبابية من أية مرحلة أخرى نتيجة لعدم الحسم هذا ولتعدد المؤثرين دون أن يكون لأي منهم، على المدى القصير على الأقل، إمكانية قاطعة في فرض إرادته ومن ثم فرض الحل الذي يريده.

وأول المؤثرين هو النظام السوري الذي لم يترك لنفسه مكاناً في سورية المستقبل، مهما كان هذا المستقبل. ففعله ينحصر اليوم في متابعة القتل والتدمير ونشر الخراب. أما دعواته المتكررة للحوار فهي ليست أكثر من مجرد تذاكٍ لا صدى له في الشارع السوري، وهو حوار محكوم عليه بأن يكون حواراً بين النظام والنظام نفسه كما يظهر ذلك على قنواته التلفزيونية. أما الحوار التفاوضي مع المعارضة الممثلة بالإئتلاف الوطني السوري فهذا أمر غير ممكن بالنسبة للنظام لأنه يعني ببساطة سقوطه، حتى لو لم يكن شرط التفاوض المسبق هو رحيل الأسد. إذ لا يمكن لأغلبية السوريين الساحقة تصور بقاء النظام أو بعض من رجالاته في السلطة بعد كل ما دفعوه من أثمان باهظة. ومن ثم فإن أي تفاوض لا يفضي إلى رحيل النظام لا يمكن أن يكون مقبولاً ولا يعني سوى استمرار الصراع المسلح.

ولكن لماذا سيقبل النظام بالرحيل وهو يشعر بأنه لا تزال لديه أسباب البقاء التي تمده بها إيران! إيران التي قدمت مساعدات اقتصادية وعسكرية كبيرة للنظام السوري واستثمرت فيه ردحاً من الزمن لا يمكنها أن تقبل بزواله الذي يعني زوال حجر أساس في مشاريعها الدينية-السياسية في المنطقة. فسورية على مدى العقد الماضي أصبحت جزءاً من المجال الحيوي الإيراني، وليس تصريح مهدي طائب عن أن سورية هي المحافظة الإيرانية الخامسة والثلاثين وأنها أهم من الأهواز على ما تحويه من بترول مجرد زلة لسان. وإيران ستستعمل كل الوسائل للإبقاء على النظام السوري أو استنساخه، فهي تتحدث اليوم عن خلق جيش من الميليشيات قادر على استمرار القتال ودعم جيش النظام. كما تدفع باتجاه زج حزب الله اللبناني علانية في القتال الدائر في سورية مع كل ما في ذلك من تعقيدات ومخاطر من الأفضل للبنان أن يبقى بمنأى عنها. ولكن حزب الله، كما أظهر العقد الماضي بكل وضوح، يستمد بقاءه من بقاء النظام السوري. لن تتخلى إيران عن النظام السوري وستدافع عنه حتى النهاية، فسقوطه قد يفتح الطريق إلى سقوطها، خاصة إذا أُخذ ما يجري في العراق بتوازٍ مع ما يجري في سورية.

أما روسيا التي تزعمت مناهضة مناهضي النظام السوري فتجد نفسها فريسة مراهناتها وتخوفاتها التي بنت عليها مواقفها من الأزمة السورية. فالنظام السوري وإيران أكدا لها قدرتهما على قمع الثورة السورية وإخمادها. وهي تكتشف اليوم أن هذه التأكيدات كانت مجرد أوهام بعد أن كانت صرحت في مطلع العام الماضي أنه لا يمكن للمعارضة المسلحة هزيمة النظام السوري حتى لو حصلت على أفضل الأسلحة. وكان النظام السوري قد وعد بالسير في الإصلاحات طريقاً موازياً للعنف يكون مخرجاً في حال تعذر الأول، ولكنها تكتشف أيضاً مدى فشله في إصلاحاته كما جاء على لسان مدفيديف في دافوس في الشهر الماضي. وروسيا تستشعر الخسائر التي يُمنى بها النظام السوري يومياً عن طريق خبرائها المقيمين في سورية وتعرف أن لا أمل له بالانتصار. لذا فهي تدعوه اليوم لحوار جدي مع الإئتلاف لأنه المخرج الوحيد المتبقي كما تقول، دون أن تقدم مشروع حل وإنما تعلن عن تأييدها لخطة الأسد التي أعلنها في خطاب الأوبرا باعتبارها مدخلاً للحوار. إذن هي تدعو لحوار المراوحة بالمكان.

ومع أن الغرب أناط ضمنياً حل المسألة السورية بروسيا ولكنه نسي كيف لروسيا أن تجترح حلاً وهي جزء من المشكلة! فمثلاً منعت روسيا حتى قرار إدانة النظام السوري لاستخدامه العنف ضد المتظاهرين وهي اليوم تعيب على الولايات المتحدة عدم موافقتها على إدانة تفجير المزرعة في دمشق يوم الواحد والعشرين من شباط/فبراير، في حين أنها لا تمانع في استخدام الجيش السوري الطائرات الحربية والصواريخ البعيدة المدى التي تصيب المدنيين كما أظهر المشهد القيامي لجبل بدرو في حلب، أو قصف المصلين في بلدتي الحراك ودركوش يوم الجمعة الماضي.

الموقف الروسي لا يزال يتأرجح بين ارتباطه بالنظام السوري الذي يريد الإبقاء عليه وبين دعوات مستحيلة للحوار. لذا تراقب روسيا الأحداث بانتظار ما يكسر الرتابة بالرغم من كل الضجيج الذي يثار عن اتفاقات وشيكة مع أمريكا على صيغة حل للأزمة السورية. وهو ضجيج كان قد أُثير في أواخر العام الماضي ولكن محادثات الإبراهيمي برهنت أن ذلك لم يكن سوى بعض من الضباب الذي يلفّ موسكو.

الغرب ممثلاً بأمريكا ينتظر التغير في معطيات الأرض، وهو لا يرى أية ضرورة للتدخل على أي مستوى. يتابع تواصله مع الأزمة السورية بتقديم معونات إنسانية هزيلة مقارنة بالحاجة الحقيقية. كيري يقول بأنه متفائل في جعل الأسد يغير حساباته، ولكن كيف وهو الذي قال عن الأسد بعد إحدى لقاءاته معه بأنه ليس متأكداً من الأسد يدرك تماماً العالم الذي يتحرك فيه. والمشكلة في الواقع ليست في تغيير حسابات الأسد وإنما في تغيير حسابات إيران التي تعرض طرح قضية سورية والبحرين في اجتماع كازاخستان مع مجموعة 5+1 الذي سيناقش الملف النووي الإيراني. الموقف الغربي في مجمله لا يزال ضبابياً كما كشف ذلك موقف الاتحاد الأوربي بتأجيل رفع الحظر عن بيع الأسلحة لسورية لمدة ثلاثة أشهر أخرى. وهذه الضبابية الأوربية ليست سوى صدىً للضبابية الأمريكية عندما تقول النيويورك تايمز إن أوباما 'قد' يعيد النظر في مسألة تسليح المعارضة السورية.

يُضاف إلى كل ذلك موقف الائتلاف السوري الذي يبقى ضبابياً في بعض جوانبه بالرغم من أن رئيسه كسر الصمت وفضح كل ما كان يُقال عن التحضير لحل للأزمة السورية وكشف بأن لا شيء على الطاولة سوى الدم والدمار الذي يدفعه السوريون. فالائتلاف يَعِدُ بمقترح لحل الأزمة منذ أكثر من شهر، ويجتمع الاجتماع تلو الاجتماع لبلورة المقترح ليصل إلى محددات للحل، وهو ربما من وجهة سياسية أفضل من طرح حلا قد لا توافق عليه الأطراف الفاعلة في الأزمة السورية. ولكنه ضبابي في أنه لم يُقدم حتى الآن خطاباً مطمئناً لجميع السوريين يلتفون حوله ويوضح تصوراته عن سورية المستقبل وخطته في تحقيق ذلك وكيف سيتصدى للمشاكل الكبيرة التي ستنجم عن سقوط النظام.

المواقف التي لا ضبابية فيها تتمثل في إصرار النظام على متابعة التدمير والقتل المجانيين بالرغم من معرفته بأن لا أمل له في الانتصار، حاله كحال كل الأنظمة الفاشية التي سبقته على مر التاريخ التي لم يخرج أي منها منتصراً في نهاية المطاف. وموقف الثوار أيضاً لا ضبابية فيه، فهم لن يتراجعوا عن ثورتهم بعد كل ما بذلوه، وهم يكسبون في كل يوم معارك ضد النظام. معارك قد تطول كثيراً سيزداد فيها أعداد الشهداء وسيزداد الخراب وهو أمر لا ضبابية فيه أيضاً.

=====================

المعارضة تتراجع والنظام ايضا

عبد الباري عطوان

2013-02-25

القدس العربي

تشهد الساحة السورية وامتداداتها الاقليمية حراكين لافتين هذه الايام، الاول سياسي عنوانه الأبرز الزيارة التي يقوم بها جون كيري وزير الخارجية الامريكي للمنطقة، والثاني عسكري يتبلور على شكل إمداد بعض الفصائل العسكرية السورية 'غير الاسلامية' بأسلحة نوعية حديثة.

الامريكيون يسرّبون انباء تفيد بأن الرئيس باراك اوباما بدأ يبلور استراتيجية جديدة تقضي بالتخلي عن مواقفه السابقة في البقاء بعيدا عن الأزمة السورية، وسياسة الحذر التي اتبعها طوال العام الماضي، ورفع الحظر عن تزويد المعارضة المسلحة بالأسلحة.

وليم هيغ وزير الخارجية البريطاني الذي تعتبر بلاده الاقرب للقلب الامريكي يمثل زعيم الصقور في المعسكر الاوروبي تجاه سورية، وبات يتحدث عن زيادة مساعدات بلاده للمعارضة السورية، دون ان يحدد نوعية هذه المساعدة، وما اذا كانت انسانية او عسكرية، ولكن مطالبته لدول الاتحاد الاوروبي في اجتماعها الاخير في بروكسل بعدم تجديد الحظر المفروض على ارسال الاسلحة الى سورية الذي ينتهي بنهاية هذا الشهر تكشف عن استعداد للمزيد من الدعم العسكري.

الاسرائيليون يتحدثون ايضا عن موافقتهم على تسليح المعارضة السورية المسلحة بأسلحة غــــير نوعــــية ممكن ان تكون فاعلة ضد النظام، ولكنها ليست كذلك في حال استخدامها ضدهم، وذكرت صحف اسرائيلية ان بنيامين نتنياهو على اتصال مع واشنطن للتنسيق في هذا الخصوص.

الإدارة الامريكيـــة لم تمانع مطلقا تزويد المعارضة بأسلحة متطورة، ولكنها كانت تخشى ان تصل الى الجماعات الاسلامية الجهادية، وجبهة النصرة على وجه الخصوص، التي وضعتها قبل شهرين على قائمة الارهاب.

' ' '

هذا التغيير الخجول في الموقف الامريكي تجاه الثورة السورية وتسليحها ادى الى تطورين اساسيين يجب التوقف عندهما وتحليل ابعادهما:

*الاول تراجع الائتلاف الوطني السوري عن 'حرده' الذي اراد من خلاله توجيه رسالة قوية الى واشنطن تعبر عن يأسه واحباطه، اعلن فيها رفضه المشاركة في اجتماع اصدقاء سورية في روما اواخر الشهر الحالي، وكذلك تلبية دعوة امريكية واخرى روسية لزيارة كل من واشنطن وموسكو، وبات في حكم المؤكد، وبعد اتصالات من روبرت فورد سفير امريكا لدى المعارضة السورية، ان يشارك وفد من الائتلاف برئاسة الشيخ معاذ الخطيب في مؤتمر روما، والذهاب الى واشنطن لاحقا، ولكن زيارة موسكو ما زالت موضع شك.

*الثاني: حدوث ليونة او مرونة في الموقف السوري الرسمي تجاه الحوار مع المعارضة عبّر عنها السيد وليد المعلم وزير الخارجية عندما قال يوم امس 'ان حكومته جاهزة للحوار مع كل من يرغب بالحوار بمن في ذلك من حمل السلاح'، وتأكيده 'ان الاصلاح لن يأتي من خلال سفك الدماء بل من خلال الحوار'.

السيد المعلم قال قبل اشهر معدودة ان الحوار سيتم بعد القضاء على الجماعات الارهابية وتطهير البلاد منها، مما يعكس الفارق الكبير بين اللهجتين.

المنطق يقول ان هناك قناعة تتبلور لدى النظام السوري واركانه بأن الانتصار وحسم الامور بالوسائل العسكرية لم يعد ممكنا، ولذلك بدأ يعطي اشارات بجنوحه للحلول السياسية عبر بوابة المفاوضات.

المعارضة السورية بدأت بدورها تطور قناعة موازية بأن حلفاءها في واشنطن واوروبا والمنطقة العربية خذلوها وتركوها في وسط الطريق تواجه مصيرها بنفسها، دون سلاح نوعي ودون تدخل خارجي، وهذا ما يدفعها الى 'الحرد' اولا، والتقدم بمبادرات حوار مع النظام على غرار ما فعل الشيخ الخطيب. واذا كانت تريد سلاحا نوعيا فمن اجل تحسين شروطها التفاوضية.

لقاء كيري مع نظيره السوفييتي سيرجي لافروف غدا الاربعاء في برلين قد يجيب عن الكثير من الاسئلة المطروحة، سواء حول وجود خطة حلّ سياسي للأزمة السورية او اللجوء الى التصعيد العسكري، وربما المواجهة من خلال حلفاء كل طرف، اي مواجهة بالنيابة.

يصعب علينا ان نتفاءل ونراهن على حلول سلمية تحقن الدماء وتوقف مسلسل الخراب، فمن الواضح بالنسبة الينا على الأقل، ان حديث الطرفين عن هذه الحلول مخادع، فكل طرف يطرح شروطا تعجيزية من اجل ان يرفضها الطرف الآخر.

النظام السوري عميد 'اكاديمية' المراوغة والمناورة الايرانية، ولن يقبل بحلّ يؤدي الى تنحي الرئيس بشار من الحكم، خاصة انه صمد طوال العامين الماضيين، والمعارضة لن تقبل، وهذا امر مفهوم، بأي حل سياسي يقود الى حكومة انتقالية تحت مظلة رأس النظام السوري.

الانهيار السوري مرشح للاستمرار لأشهر، وربما لسنوات قادمة، لان النظام وحلفاءه ليسوا في مزاج يوحي بالرغبة بالاستسلام ورفع الراية البيضاء، وكذلك حال المعارضة، خاصة بعد استشهاد تسعين الف سوري وملايين الجرحى والمشردين.

' ' '

سورية تتفكك، وتتحول بتدرج سريع الى دولة فاشلة ستمثل خطرا على المنطقة بأسرها، وسيستمر هذا الخطر بوجود النظام او زواله، ولا نبالغ اذا قلنا ان الخطر الاكبر سيكون بعد سقوط النظام، هذا اذا سقط.

في شهر كانون الاول (ديسمبر) الماضي التقيت العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني في العاصمة عمان، وسألته عن اكثر شيء يقلق الغرب فيما يتعلق بالملف السوري، اجاب الاسلحة الكيماوية ومرحلة ما بعد الاسد. طلبت منه ان يشرح اكثر حول النقطة الثانية فقال ان الغرب يتوقع ان يتم انهاء خطر الجماعات الجهادية وجبهة النصرة على وجه الخصوص في خلال عامين.

هنا قلت للعاهل الاردني ان هذا التقدير يكشف مدى قصور فهم هذا الغرب، وتكراره الاخطاء نفسها بإصرار او عناد منقطع النظير، فالاحتلال الامريكي للعراق الذي استمر عشر سنوات لم يقض على الجماعات الجهادية المرتبطة بتنظيم 'القاعدة'، والاحتلال الامريكي لأفغانستان المستمر منذ 12 عاما يترنح وسيهزم امام هذه الجماعات وحركة طالبان الحاضنة لها.

الجماعات الجهادية هي العنوان المستقبلي ليس للأزمة السورية وربما للمنطقة بأسرها، فهزّ العاهل الاردني رأسه ولم يعلق.

سورية تحتضر كدولة في غــــرفة انعـــاش بائسة الاجهزة والمعدات، ولا نعلم كم ستطول مدة الاحتضار هذه، وهل ستتحقق معجزة الشفاء في زمن وفــــي منطقة تنعدم بل تستحيل فيها المعجزات.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ