ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 02/03/2013


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

01-03-2013

النظام السوري و'الممانع المعاصر': لا افتضاح لمفتضَح!

صبحي حديدي

2013-02-28

القدس العربي

'الممانع المعاصر' هو، في تعريف مبسّط، ذاك الذي يساند النظام السوري لأنّ الأخير 'ممانع' بدوره، حتى إذا كان أودى بحياة أكثر من 70 ألف مواطن سوري، بين طفل وشيخ وامرأة ورجل؛ وحتى إذا استخدم كلّ صنوف أسلحة 'الجيش الممانع'، ليس ضدّ العدو الإسرائيلي، بل ضدّ الشعب السوري، وحده وحصرياً؛ وحتى إذا ألحق الخراب باقتصاد سورية وزراعتها وصناعتها وتجارتها، ودمّر معمار البلد، وبنيته التحتية، والكثير من معالمه التاريخية. ورغم كل ما تكشّف، ويتكشف، عن حقائق الموقف الأمريكي، الذي يسكت عن خيارات الأسد العنفية الوحشية، وينتهي عملياً إلى تشجيعه في المضيّ إلى خيارات أشدّ إيغالاً في العنف؛ فإنّ إيمان 'الممانع المعاصر' بأنّ ما يتعرّض له النظام السوري هو مؤامرة أمريكية ـ صهيونية ـ وهابية ـ قطرية... راسخ لا يتزحزح!

ولأنه عربي غالباً، وأكثر حضوراً على الساحة من نظرائه السوريين أتباع النظام ومواليه، فإنّ هذا 'الممانع المعاصر' يساند أيضاً انخراط 'حزب الله' اللبناني في القتال مع النظام السوري؛ ليس 'دفاعاً عن المواطنين اللبنانيين داخل القرى الحدودية المحاذية'، وهو التعبير الملطّف الذي ينوب عن المسمّى الفعلي: كوادر الحزب في هذه القرى، فحسب؛ بل في العمق السوري الذي يتجاوز مناطق القصير وتخوم حمص المحاذية لقرى طرطوس، ليبلغ ريف دمشق، وقلب العاصمة السورية ذاتها.

وإذْ يجد بعض الحرج في الموافقة على 'لمّ شمل ممانع' يمكن أن يضمّ نوري المالكي، صنيعة الاحتلال الأمريكي، والوجه الطائفي البغيض لولادات، ومآلات ذلك الاحتلال؛ فإنّ صاحبنا، 'الممانع المعاصر' نفسه، يلهج بالدعاء لما يُسمّى 'محور الممانعة' الممتد من طهران الوالي الفقيه، إلى بغداد النوري، ودمشق الأسد، وصولاً إلى ضاحية حسن نصر الله، ليس دون إلقاء التحية على أحمد جبريل!

ثمة، إلى هذا، تطورات دراماتيكة شهدتها مؤخراً هضبة الجولان السورية المحتلة، لا ينفع معها سكوت صاحبنا، إلا بمعنى تسليمه الصامت بأنّ 'الممانعة' يمكن أن تكتسب صفة الخيانة الوطنية، وتبقى مع ذلك ممانِعة مقاوِمة مناهضة للإمبريالية والصهيونية والرجعية... على سبيل المثال، يقول تطوّر أوّل إنّ الأسد سحب معظم وحدات الفرقة الخامسة المدرعة، وخاصة سرايا المدفعية الثقيلة، من مناطق انتشارها في الجولان، ليُعاد نشرها على خطوط المواجهة مع كتائب 'الجيش السوري الحرّ' في ريف دمشق، وفي حمص، وطرطوس. تطوّر آخر يقول إنّ سبعة جنود سوريين جُرحوا في الجولان، وانسحبت وحداتهم من أرض المعركة مع مقاتلي الجيش الحرّ، دون أن توفّر لهم الإسعاف الطبي، فتدخلت قوات الاحتلال الإسرائيلية ونقلتهم إلى مشفى في صفد.

صحيح أنّ مثل هذه التطورات فاضحة، وفاقعة، ويتوجب أن تفقأ الأعين قبل أن تلجم الألسنة؛ إلا أنّ لصاحبنا 'الممانع المعاصر' سوابق كثيرة في تمرير الفاقع والفاضح، هذا عدا عن التغنّي بكلّ ما هو غوغائي ديماغوجي، صدر ويصدر عن الأسد نفسه، رأس هذا النظام 'الممانِع'، وعلى مراحل متتالية متعاقبة، لعلها بدأت منذ الأشهر الأولى لتوريثه، بعد وفاة أبيه، في حزيران (يونيو) سنة 2000. وهكذا، تعيدنا سابقة أولى إلى قمّة عمّان، ربيع 2001، ولم يكن آنذاك قد أكمل سنته الأولى في وراثة السلطة، حين استفاض الأسد في تقريع أخوته أصحاب السيادة والجلالة والسموّ، لأنهم يسيرون بالأمّة العربية من ضعف إلى ضعف. ولقد حثّهم، وكان أصغرهم سنّاً وأحدثهم عهداً بالحكم، على 'زيادة الإيجابيات على حساب السلبيات، وتعزيز نقاط القوّة مقابل تقليص نقاط الضعف التي ما تزال كثيرة، وعلى رأسها سوء التقدير وعدم قراءة الأحداث بشكلها الصحيح'.

ما الذي كان بديل الأسد؟ هذا الاقتراح، بالحرف: 'نحن ثلاثمائة مليون عربي، وعندما نتخذ القرار الجريء والواضح فالثلاثمائة مليون سيدعموننا مادياً ومعنوياً، وعدا ذلك لن يقف معنا لا عربي ولا غير عربي، وسننتقل من ضعف إلى ضعف. فإذاً يجب أن نكون واعين لعدم الوقوع فى فخّ ربط مواقفنا وسياساتنا تجاه قضايانا بالأشخاص فى إسرائيل، بل يجب ربط هذه المواقف والسياسات بالشارع الإسرائيلي الذي يظهر يوماً بعد يوم أنه ضدّ السلام. نربط هذه المواقف بالشارع الإسرائيلي وهذا يعنى أن كلّ إسرائيلي مسؤول عن كلّ شبر من الأرض العربية. كلّ إسرائيلي مسؤول عن روح كل مواطن عربي أو عن روح كلّ مواطن عربي يمكن أن تزهق أو تزهق الآن. بالتالي فان الربط، ربط هذه المواقف بالأشخاص، هو ربط مؤقت، وهذا يعنى أنه كلما أتى شخص نختلف على تقييمه وبالتالي علينا أن نلتقي أو نفترق حسب تبدل الحكومات والأشخاص، وهذا لا يجوز'.

لم يكن يجوز، بالفعل، مع فارق أنه كان ينطبق على القائل قبل السامعين، سيّما وأنّ أشهر معدودات كانت قد سبقت رهان النظام السوري على حكومة إيهود باراك، في البيت الأبيض كما في جنيف؛ قبل أن ينزل بالأخير عقاب الشارع الإسرائيلي، فيأتي بجنرال مجزرة صبرا وشاتيلا، بيروت 1982؛ على حساب جنرال مجزرة فردان، بيروت 1973. ولم تكن الملايين العربية الثلاثمئة، وهي الآن تقارب نصف المليار بحمد الله، تنتظر أمراً قدر انتظارها ذلك 'القرار الجرىء' من نظام أحلّ السلام في بطاح الجولان المحتلّ وهضابه، حتى قبل، ودون، توقيع اتفاقية سلام نهائية!

بيد أنّ خطبة الأسد كانت أقرب إلى كلمة حقّ يُراد منها ذرّ الرماد في العيون، كما برهنت الأشهر القليلة الاحقة، حين ذهبت المفردات أدراج الرياح، أسرع ممّا انتظر أصحاب السيادة والجلالة والسموّ، الذين أنصتوا إلى الوريث الشابّ يتلو عليهم مزامير سمعوها من قبل، وملّوا من اختراع أمثالها أو اجترارها. لقد بدأ بمزيد من إضعاف الداخل السوري، أو ما تسمّيه عقيدة حزب البعث 'الجبهة الداخلية'، فبطش بـ'ربيع دمشق' وزجّ العشرات في المعتقلات، قبل إحالتهم إلى محاكم/مهازل قضائية؛ وأعاد طرائق القمع إلى أطوار بلغ بعضها في السوء درجات أشدّ ممّا كانت عليه أثناء حكم أبيه؛ وأطلق الذئاب الكاسرة، وليس القطط السمان وحدها، كي تعيث في البلد فساداً ونهباً. أمّا على صعيد 'الجبهة الخارجية'، إذا جاز الاشتقاق من المصطلح البعثي، فإنّ مسلسل المفاوضات السرّية والعلنية، المباشرة أو غير المباشرة أو عن طريق الوسطاء، كان أكثر وضوحاً من أن يحتجب أو يُحجب.

بعد ثماني سنوات، وفي قمّة الدوحة التي خُصّصت للعدوان الإسرائيلي على غزّة، ورغم عشرات 'الأقوال المأثورة' التي ابتدعها والده حافظ الأسد حول الصراع العربي ـ الإسرائيلي ومسائل الحرب والسلام، شاء الأسد الابن الذهاب إلى ميراث الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، واختار العبارة الأشهر والأكثر جرياً على الألسن: 'ما أُخذ بالقوّة لا يُسترد بغير القوّة'! وقبل عبد الناصر، كان قد لجأ إلى الحديث النبوي ('المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف')، ثمّ إلى سفر 'الخروج' في العهد القديم ('العين بالعين والسنّ بالسنّ')، مشدّداً على أنّ البادىء أظلم... فبأيّ قوّة، يسأل المرء أوّلاً، كان يمكن للنظام السوري أن يستردّ الجولان المحتلّ، ويتخذ صفة 'المؤمن القوي'، ويقتلع من العدوّ سنّاً بعد عين؟

لم تكن القوّة العسكرية، بالتأكيد، إلا إذا كان الأسد يستغفل ملايين السوريين بادىء ذي بدء، ثمّ مئات ملايين العرب من المحيط إلى الخليج، وهذه تعرف البئر وغطاءه حول ما حلّ بالجيوش العربية عموماً، والجيش السوري خاصة، على أيدي أنظمة الاستبداد والوراثة والفساد.

وفي كلّ حال، لقد خضعت 'قوّة' النظام العسكرية إلى امتحانات عديدة بعدئذ: قصف القافلة العسكرية المتوجهة إلى ترسانة 'حزب الله' مؤخراً، وقبلها الإنزال الأمريكي داخل العمق السوري في منطقة البوكمال، وقصف موقع 'الكبر' العسكري، تحليق القاذفات الإسرائيلية فوق الاستراحة الرئاسية في اللاذقية، قصف معسكر 'عين الصاحب' غرب دمشق، لكي لا يعود المرء بالذاكرة أبعد...

أم كانت 'قوّة' سياسية، عمادها أوراق النظام 'الممانِعة' تحديداً، خاصة العلاقة مع إيران و'حزب الله'، فضلاً عن الورقة الأهمّ المتمثلة في حرص إسرائيل، والولايات المتحدة أساساً، على عدم المساس بما كانوا يسمّونه 'الاستقرار المجتمعي' في سورية، تفادياً لفتح ساحة صراع جديدة؟ ثمّ أليست هذه الأوراق، جميعها، للنظام مرّة، مثلما هي عليه مرّة أخرى، طبقاً لما يستجدّ أو يتبدّل من موازين قوى ومعادلات جيو ـ سياسية؛ خاصة وأن السياسة في الشرق الأوسط، وفي إطارات إقليمية أوسع نطاقاً، لم تعد تقبل الكثير من الإصطفافات القصوى، البيضاء أو السوداء فقط؟

كذلك بدا ثابتاً، في المنطق الحسابي البسيط قبل ذاك السياسي الذرائعي، أنّ ما تجنيه إيران أو 'حزب الله' من مغانم تكتيكية أو ستراتيجية جرّاء هذه أو تلك من آثار الاحتقان أو المقاومة أو الوفاق في المنطقة، لن يصبّ إلا جزئياً في رصيد النظام السوري؛ أو، بالأحرى، لن تكون حصّة النظام منه إلا ثانوية، لاحقة وجانبية بالقياس إلى الحصص الأصلية التي تصنعها الأطراف بنفسها، لنفسها. وتلك حصة لا تقيم أود النظام إلا مؤقتاً، واقعة بواقعة، واصطفافاً باصطفاف، وما هو مطلوب لم يكن يقلّ البتة عن ضمان أمن النظام في المدى البعيد، وعلى نحو راسخ لا توفّره جهة إقليمية أفضل من إسرائيل، ولا قوّة كونية سوى الولايات المتحدة (ومن هنا إصرار الأسدَين، الأب والابن، على أن تكون أمريكا هي راعية المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية).

ولا بدّ أنّ يكون المرء على درجة استثنائية في السذاجة لكي يصدّق أنّ الأسد، المؤمن بمبدأ 'ما أخذ بالقوّة لا يُستردّ إلا بالقوّة' في قمّة الدوحة تلك؛ هو نفسه الأسد، الذي سوف يقول، بعد أيام قليلة فقط، إنّه يبني مع الإسرائيليين 'عمارة سلام'. ففي مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الكرواتي، قال الأسد بالحرف: 'من الطبيعي أن ننتقل، في مرحلة لاحقة، إلى المفاوضات المباشرة. فنحن ليس بوسعنا تحقيق السلام عبر المفاوضات غير المباشرة فقط.' وشبّه عملية السلام بمشروع إشادة مبنى، قائلاً إن إسرائيل وسورية 'تضعان الآن الأساس للسلام من خلال المحادثات غير المباشرة عبر الوسيط التركي'! أو هو الأسد نفسه، الذي يدكّ، اليوم، قرى وبلدات ومدن ومخابز ومساجد وكنائس السوريين؛ ويسحب جيشه الموالي من الجولان المحتل، تاركاَ إسرائيل تعربد هناك، معربداً من جانبه في دمشق وحلب وحمص وحماة ودير الزور.

فإذا لم يكن المرء ساذجاً هكذا، فإنه أغلب الظن من فئة صاحبنا 'الممانع المعاصر': أصمّ وأبكم وأعمى، لا سبيل في ضميره لافتضاح المفتضَح!

=====================

المعادلة التي يصعب على واشنطن تحقيقها في سورية!

الطاهر إبراهيم

2013-02-28

القدس العربي

يعتقد الكثير من الإستراتيجيين أن إدارة الرئيس 'باراك أوباما' أصبحت محشورة في الزاوية السورية بعد أن رفض الرئيس 'أوباما' الصيف الماضي، اقتراحا من 'هيلاري كلينتون' و'ديفيد بيترايوس' مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية آنذاك، بدعم من وزير الدفاع الأمريكي 'ليون بانيتا' أن تقوم واشنطن بتعديل سياستها وترسل أسلحة يحتاجها مقاتلو المعارضة السورية الذين يقاتلون جيش بشار أسد. ترافق ذلك مع فشل 'سيرغي لافروف' وزير الخارجية الروسي - أو هو لا يريد ذلك - بدفع 'بشار أسد' للعدول عن سياسته التدميرية والجلوس مع المعارضة للوصول إلى قواسم مشتركة. كان متوقعا من موسكو وقد أفسحت لها واشنطن في المجال، حين تخلت عن تسليح المعارضة السورية، أن تنجح في إنهاء الاقتتال بما تتمتع من نفوذ على 'بشار أسد' الذي تدعمه دعما كاملا في مجلس الأمن، وبتقديم السلاح الذي يقتل به السوريين. بل إن 'لافروف' ما يزال يتمسك بأسطوانته القديمة التي يتهم فيها المتشددين في سورية بأنهم سيطروا على الفصائل المقاتلة في الجيش الحر، ويرفضون الحوار.

أما وقد فشلت موسكو بما كانت تأمله منها واشنطن، فقد ارتفعت أصوات في أمريكا، وخارجيا من حلفائها في أوروبا، منادية بتسليح المعارضة السورية. 'ويليام هيغ' وزير خارجية بريطانيا الحليف الأوثق لواشنطن، قرع ناقوس الخطر، ودعا صراحة إلى رفع حظر توريد السلاح إلى السوريين، ليتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم في وجه آلة بشار أسد المدمرة.

'فريدريك هوف' مسؤول الملف السوري في إدارة 'بل كلينتون' (بقي يعمل في وزارة الخارجية الأمريكية حتى عام 2012) دعا إدارة 'أوباما': إلى (البحث عن فصيل في المعارضة السورية يكون الأكثر اعتدالا، والأكثر احتياجا للسلاح، والعمل على توصيله له بسرعة).

ولكن هل هناك حقا في الجيش الحر فصائل متطرفة وأخرى معتدلة؟ هنا علينا أن نفرق بين ما تطلبه إسرائيل من 'أوباما' في مقاربته للتعامل مع المقاتلين السوريين في صراعهم مع بشار أسد وبين واقع مكونات هذه الفصائل.

نستعجل هنا لنقول: إن المقاتلين السوريين قبل أن ينخرطوا في الجيش الحر، سوا أكانوا جنودا منشقين، أو شبابا التحقوا مع قيادات مدنية، لم ينتموا إلى أي جماعة إسلامية. فقد جفف القانون 49 (أصدره حافظ أسد عا م1980 ويحكم بإعدام كل منتمٍ للإخوان المسلمين) أيَ إمكانية لنشوء تنظيمات إسلامية. هؤلاء المقاتلين كان همهم تخليص سورية من الحكم الأسدي العائلي، وبناء دولة سورية حرة تكون لكل مواطنيها، بعد أن كان الجميع مهمشين. نؤكد أن كثيرا من هؤلاء، خاصة المنشقين عن الجيش، كانوا لا يؤدون الصلوات الخمس، وإن كانوا يصومون رمضان.

لكن ممارسات الجيش الأسدي أثناء حربه لهم، أقنعت المقاتلين أن الاستهداف الإجرامي موجه للمواطنين السوريين من السنة حصرا، وأن القتل كان 'على الهوية'، لا فرق بين طفل أوامرأة أورجل. على أن مواجهة هؤلاء للجيش الأسدي لم تكن نزهة. كانت آلة القمع الأسدية تستخدم الدبابات والطائرات التي تلقي القنابل البرميلية على المخابز والتجمعات المدنية. هنا تحرك في نفوس المقاتلين الوازع الإيماني، وهم يرون إخوانهم يقتلون رافعين أصابعهم بالشهادتين. فكنت ترى المقاتل يتوضأ ويصلي ركعتين قبل ذهابه للقتال وكأنه يتهيأ للشهادة. بل كثيرا ما كنا نرى في مقاطع 'اليوتيوب' كيف يلقن المقاتلون زميلهم الشهيد 'الشهادتين' وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة. هذه هي السلوكيات التي تريد واشنطن أن تمسحها من ذهنية المقاتلين السوريين، فأنى لها ذلك؟

في المقلب الآخر، نؤكد أنه مضت سنتان على بدء ثورة الحرية والكرامة، وأكثر من 18 شهرا على بدء القتال بين الجيش الحر والجيش الأسدي، لم يصل من واشنطن للجيش الحر إلا أقوال ونصائح لم تكن في واقع الأمر إلا لاستبعاد من تعتبره واشنطن متطرفا إسلاميا.

حدثني أحد القادة الميدانيين في جبل الزاوية، أنهم في بدء معاركهم استعملوا بنادق الصيد مثل 'جفت الكسر'، ثم بدأوا يكبرون شيئا فشيئا، حتى أصبحوا يملكون راجمات صواريخ ودبابات ومدفعية ميدان، مما كانوا قد كسبوه من الجيش الأسدي، الذي كان أفراده يقاتلون وعيونهم إلى الخلف، يتحينون الفرصة للهرب من معركة، لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

جبهة النصرة التي أعلنت واشنطن الحرب عليها، لا يختلف أفرادها في قليل أو كثير عن أفراد باقي الفصائل ومعظمهم سوريون، بخلاف ما يشيعه إعلام النظام من أن فيهم من السعودية ومن باكستان ومن لبنان. صحيح أن التمويل في جبهة النصرة، على ضآلته، كان مستمرا ما مكنها من شراء الأسلحة، وهو تمويل من متطوعين أغنياء من داخل سورية ومن خارجها، ويصل الدعم منهم بدون انقطاع، لكن الصحيح أيضا أن أداء جبهة النصرة كان أكثر فعالية بسبب ما يملكون من أسلحة ليست متوفرة لباقي الفصائل. باقي فصائل الجيش الحر كان أداؤها يتعثر. وكثيرا ما استعصت عليهم مواقع بسبب نقص الذخيرة كما هو حاصل في 'وادي الضيف'.

في المختصر المفيد، فما تسعى إليه واشنطن لن يجد آذانا صاغية من فصائل الجيش الحر، بعد أن حرمت واشنطن هذه الفصائل من السلاح النوعي الذي يتصدى لآلة القتل الأسدية الجهنمية، التي أهلكت البشر ودمرت كل ما هو حضاري في سورية. ما نشرته 'واشنطن بوست' مؤخرا من أن إدارة 'أوباما' أعادت النظر في موقفها وستوفر للجيش الحر واقيات للصدور ومناظير. حتى لو كان هذا صحيحا، فلن يستفيد منه أفراد الجيش الحر، لأنه لا يؤمن الحماية من قذائف القصف الجوي، وقد حرمتهم واشنطن من مضادات الطائرات. كما أن ال 'باتريوت' الذي سلح به 'الناتو' حدود تركيا مع سورية ليس من مهامه إسقاط صواريخ 'سكود' التي يقصف بها حلب ودير الزور، مع أن المدى للباتريوت يطال صواريخ سكود هذه.

أحد النتائج الجيدة على المقاتلين السوريين أنهم رجعوا إلى إسلامهم بعد أن كان قسم كبير منهم شاردا. وكما كان المتظاهرون يهتفون في تظاهراتهم 'ما لنا غيرك يا ألله' بعد أن كانوا من رواد المقاهي، فإن المقاتلين كانوا كلما قصفوا دبابة أو أسقطوا طائرة كانوا يقولون: 'الله أكبر'. فات الوقت لكي تستدرك واشنطن أمرها، وتقنع السوريين بأن يحاربوا جبهة النصرة، أو حتى يتخلون عنها. هذه المعادلة يصعب على واشنطن تحقيقها.

 

' كاتب سوري

=====================

ماذا ينتظر العالم من الأسد؟

2013-02-28

القدس العربي

مضى على الثورة السورية قرابة عامين سطر خلالها الشعب أروع ملاحم البطولة والفداء، وتلقى خلالها وبصدور عارية رصاصات الغدر والعار من نظام كان المفترض به أن يوجهها إلى صدر من احتل الجولان، فصمد الشعب وناضل أشد النضال، واستعمل السفاح شتى أنواع التعذيب والاعتقال فاعتقل الرجال والنساء والصغار والكبار.

فلما رأى أن هذا لا يجدي نفعا مع شعب ثائر من الأعماق وفي كل مكان، أوغل السفاح في القتل والدمار فاستعمل السكاكين لذبح الأطفال والنساء ليرعب الثائرين ويردعهم لعلهم يعودوا أو يكفوا عن المطالبة بإصلاح النظام.

ولكن الثائرين أبوا إلا أن يستمروا وقرروا المراجعة عن المطالبة بإصلاح النظام وأعلنوها ثورة خالدة حتى إسقاط النظام، فوصل صداها أسماع النظام فأصابته هستريا قاتلة وأيقن انه راحل لا محالة وأن الشعب قد حسم أمره واتخذ قراره، وإن لم يبق في الشام إلا صغاره، فغادر السفاح قصره وداره واختبأ، واستعمل الدبابات والمدفعية الثقيلة وأعقبها بالطائرات المروحية والحربية واردفها بالقنابل وأتمها بغازات كيماوية تقتل من شمها وتعرض لها بعد ساعات وأيام تدريجيا، ثم أشار عليه الايرانيون والروس باستعمال الصواريخ الباليستية التي لا تستعمل إلا في ضرب الأهداف الحيوية النوعية التي تبعد مئات الكيلومترات عن أماكن القادة الترفيهية، فأرسلها تترا تسقط هنا وهناك لتقتل الأحياء والبنى التحتية من غير فرق كونها بشرية أم حيوانية، نباتية أم جمادية، مجهرية أم مرئية، وأمام كل هذا الإجرام والدمار يقف العالم ساكنا صامتا لا يقدم سوى الشجب والاستنكار، فماذا ينتظر العالم كي يتحرك ويوقف هذه الإبادة الجماعية الكلية للكائنات الحية وغير الحية، فهل سينتظر حتى يستعمل القنابل النووية والأسلحة الجرثومية ليتحرك. ويقول انقذوا سورية وأهلها من موت محقق ودمار مطبق، فعندها سنقول للعالم كله هذه وصمت عار بجبينكم فقفوا واصمتوا واعلموا أن سورية محرمة على داخليها ألف سنة بسبب الفيتو الروسي الصيني، وتآمركم السري العلني فكله يساوي الإجماع والاتفاق على ضرب سورية بالنووي.

عقيل حامد

====================

الصراع في سوريا إلى أين؟

أنور بن ماجد عشفي

عكاظ

1-3-2013

يدخل الصراع السوري مرحلة حرجة، إذ أن الأزمة أخذت في الانتشار ، والقتلى تجاوز عددهم 70 ألفا، واللاجئين يقتربون من المليون نسمة، والمعركة قائمة بين الثورة والسلطة في دمشق للسيطرة عليها.

إن العملية تكاد تصل إلى طريق مسدود، فالمحاولة لكلا الطرفين أخذت تعمل على احتلال منزل أو مبنى، وكل هجوم من المعارضة والجيش الحر يقابل بزخم من الرصاص أو بقناصة الشبيحة، أو بالمدافع الرشاشة، أو حتى بقذائف الهاون والصورايخ، ما يذكرنا بالحرب التي طال أمدها مثل لبنان وستالينجراد.

فالرئيس السوري يتشبث بالسلطة، وإيران وحزب الله يمدونه بالمال والعتاد والرجال، أما روسيا فتقدم السلاح إلى الحكومة وتجهزها كما تقدم الدعم الدبلوماسي للحكومة السورية، وتتمنى مزيدا من إراقة الدماء حتى يبعد شبح الخوف آسيا الوسطى عن الربيع العربي، أما الولايات المتحدة فلقد ترددت فأخذت تفقد ثقة الشعب السوري فيها وتسربت رياح البغض لأمريكا إلى قلوب المعارضة، وإذا سألت المعارضة عن أمريكا أجابوا بأن «الأمريكيين لا نعرف ما يريدون، فقد علقوا الإمداد بالسلاح لما بعد اتحاد المعارضة». السؤال هنا: لماذا تتردد أمريكا وبشكل خاص أوباما في إرسال السلاح ؟ مع أن مستشاريه الكبار في الأمن القومي أيدوا ذلك، أما المخابرات الأمريكية فلا تحبذ الإمداد، إذ ترى أن الإمداد بالسلاح يفتح الأبواب أمام الحرب الباردة، ويطيل أمد الحرب فتصبح فيتناما جديدة، أما المسؤولون في الإدارة الأمريكية فيقول بعضهم: إن الأسلحة المضادة للطائرات المدنية قد تسقط في أيدي الثوار إذا زودناهم بها، فيعمدون إلى إسقاط الطائرات الإسرائيلية، إن الأخطر من كل ذلك هو ما قاله الرئيس الأمريكي من أن إرسال أسلحة كثيرة إلى المعارضة سوف يجعل كفة المعارضة راجحة، فهل يرغب أوباما في توازن القوى أثناء الحرب بين الأطراف السورية .

=====================

أصدقاء سوريا .. ذات الأخطاء

السعودية اليوم

1-3-2013

يكرر اجتماع أصدقاء سوريا نفس الأخطاء السابقة، ففي اجتماعه في روما أمس، ركز المؤتمر، بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، على المساعدات، وحكومة توافقية، بينما نظام الاسد ورعاته يركزون على محو مدن سورية من وجه الأرض، ولا يؤمنون إلا بوجود طرف واحد تتحكم في قراراته طهران.

وعلى الرغم من أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري اعترف أمس بأن مسلحين من إيران ومن حزب الله اللبناني يقاتلون إلى جانب قوات الأسد أو يوجهونها، لذبح السوريين العزل، إلا أن ذلك لم يكلف الوزير حتى إدانة من واشنطن. وكان على الوزير الأمريكي أن يفضح إيران وتدخلاتها وسلوكيات ميلشياتها في سوريا ولبنان. وأن يطلب من إيران سحب مليشياتها وجنودها من سوريا، لأنهم يهندسون المذابح للأبرياء الذين يتباكى عليهم كيري. وبوسع واشنطن أن تمنع هذه المذابح، ولكنها لا ترى قضية السوريين إلا قضية لاجئين وجوعى، بينما يبدو لا تعنيها الدماء التي تسيل وجثث الأطفال والنساء وقصف المنازل بصواريخ سكود وبالطائرات الحربية.

أما حكاية التوافق على حكومة انتقالية فهي لعبة إيرانية محكمة لشراء الوقت لنظام الأسد، وترسيخ الاحتلال الإيراني لسوريا. وهذه فرصة لطهران وموسكو كي تمارسا الكثير من المراوغات، وتبديد الوقت لإعادة القضية إلى المربع الأول.

وواضح أنه ما دام أن نظام الأسد يحكم دمشق، وما دام أن لطهران الكلمة الأولى في سوريا فلن يتحقق أي توافق، ولن تشكل أية حكومة انتقالية. لهذا كان يتعين على واشنطن واصدقاء سوريا ألا يضيعوا الوقت مع نظام الأسد ورعاته وأن يباشروا بانقاذ الشعب السوري، لأن القوة التي يخشون استخدامها الآن، سوف يضطرون لاستخدامها لكن بعد أن يكون نظام الأسد ورعاته قد صفوا عشرات الآلاف من الشعب السوري. وقد قتل النظام ورعاته، في سنتين، سبعين ألف سوري عدا المغيبين والمفقودين والجرحى والمعتقلين والمهجرين. ومحاولة تشكيل حكومة انتقالية في ظل بقاء نظام الأسد ربما سوف يكلف سوريا نفس القدر من الضحايا، لأن النظام ورعاته قد صعدوا من وحشيتهم بشكل انتقامي، وكأنهم يستعجلون خطة تطهير للمدن السورية وتصفية للسوريين بما في ذلك تدمير المدن وحتى استهداف المواقع الأثرية والتاريخية. وقد بدأ حزب الله يدخل علناً في المعارك، بعد أن كان يرسل رجاله خفية، وتعهد إيرانيون بالدفاع عن نظام الأسد علناً، بعد أن كانوا يرسلون ميلشياتهم إلى سوريا، وقد أحبطت قبائل الأنبار العراقية خطة إيرانية لنقل مقاتلين لمساندة نظام الأسد الذي يجد دعماً ومساعدة من العراق الذي تسيطر عليه حكومة موالية لطهران. وروسيا مستمرة في مد النظام والميليشيات الإيرانية بالاسلحة، تحت عنوان صفقات قديمة.

كل هذا يعني أن النظام ورعاته بدأوا تصعيد وحشيتهم وجرائمهم، وتدمير سوريا، فيما يبدو بعد أن شعروا بقرب هزيمة النظام، حسب نظرية حربية تقضي بأن كل ما لا يمكن الاحتفاظ به يجب تدميره. وهم الآن يدمرون سوريا والعالم يتفرج ويقدم أعذاراً واهية، ويضلل عيون السوريين بالمساعدات.

=====================

نعم.. صدق نوري المالكي

مشاري الذايدي

الشرق الاوسط

1-3-2013

أظن أنه لا حاجة للحديث، مجددا، عن نقد أداء رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، وكثرة الفرص النادرة التي أضاعها الرجل لقيادة العراق إلى بر الأمان.

هذا حديث معروف، ولكن الموضوعية تقتضي أيضا عدم تحميل الرجل كل خطايا وأخطاء العراق الحالي، فهناك علل عميقة تخترم شباب العراق، بعضها متصل بعهد الحماية البريطاني، وبعضها بطبيعة الاستقلال عن هذه الحماية، ونشأة الدولة «الوطنية»، وبعضها متصل بالانقلاب على العهد الملكي، وبعضها متصل بحقبة البعث القاسية، مع العهد العارفي ثم مع العهد الصدامي، وصولا إلى غزو الكويت ثم حصار العراق، ثم غزوه، وإسقاط صدام ثم قتله، مع قيام حياة سياسية مركبة بشكل طائفي، بسبب حماقة الأميركيين ودهاء طهران، وتشتت الجوار العربي.

من هنا فنوري المالكي ابن طبيعي لهذه المرحلة بكل عللها، ومعها أوشاب التاريخ، الحديث منه والموغل في القدم، على بطاح الطف الكوفة وضفاف صفين.. ولحظات التكوين الأولى.

مع هذا كله، فإن المنصف يجب أن يسجل للرجل أنه صلب العزيمة، واضح الرأي، ومؤخرا يقدم آراء غاية في المباشرة والوضوح، عكس الكثير من ساسة المنطقة، ومن هذا تفسيره لموقفه من الحرب في سوريا، إن كان حديثه مع الزميل رئيس التحرير هنا في «الشرق الأوسط» الذي حذر فيه من شجاعة اليأس العلوي خلف الأسد، أو حديثه الأخير لوكالة «أسوشييتد برس» الذي حذر فيه من أن انتصار معارضي الرئيس السوري بشار الأسد سيفجر حروبا طائفية في بلاده ولبنان ومن شأنه أن يخلق ملاذا جديدا لتنظيم القاعدة سيزعزع استقرار المنطقة.

وأضاف المالكي للوكالة: «إذا خرجت المعارضة منتصرة ستكون هناك حرب أهلية في لبنان وانقسامات في الأردن وحرب أهلية في العراق».

نعم، كلام المالكي مباشر وخشن، وربما مغضب لكثير من المنحازين للثورة السورية ضد نظام بشار. وأنا منهم. ولكن يجب تجنيب المشاعر قليلا، فهو في بعض ما قاله محق ومصيب، أو ربما قريب من الصواب، وبوادر هذه الحرب الأهلية نشهدها في العراق ولبنان، بسبب الصدام الحاد بين نظام موغل في الحل الأمني ومثير للنزعة الطائفية، ومعارضة مصرة على المواجهة إلى آخر الطريق، باذلة النفس والنفيس رغم خذلان العالم لها.

لكن هذا الصواب لا ينفي صوابا أكبر منه وأشمل، هو أن قراءة الأميركيين والأوروبيين «الجبانة» للمشهد السوري من البداية، وعدم دعمهم الحقيقي للثوار السوريين في بداية الأزمة، هو الذي أجبر السوريين على الاستعانة «بالشيطان» من أجل حماية أنفسهم من هذا السفاح بشار الأسد، والخلاص من عصابته الحاكمة.

أما انعكاس ذلك على الجوار العراقي واللبناني، فشيء طبيعي، ومشاهد، فخطاب ورهانات المالكي والتحالف الشيعي في العراق واضحة في ترويج رواية إيران عن الحالة السورية، وتبنيها، ويكفي أن تقرأ وتشاهد «أدبيات» التيارات الشيعية العراقية حول الأزمة السورية، أما في لبنان فالأمر أوضح من أن يوضح، فحزب الله بمقاتليه وخطبه وقناة مناره، ومحلليه، وحسنه ابن نصر الله، كلهم مع بشار، عيانا بيانا، ثم بعد ذلك لا تنتظر يا سيد نوري المالكي ردا من نفس الطراز والنوع؟! خاصة ونحن في منطقة مريضة ومقيمة في علل التاريخ وصراعاته، وسهلة الاستثارة به؟!

صدق المالكي في رؤيته لآثار الأزمة، ولكنه لم يكمل قراءة المشهد ليرى كيف يراه الآخرون أيضا، وما هو دوره هو أيضا في هذا المشهد الحزين.

=====================

هل فهم العراقيون المحنة السورية؟

وفيق السامرائي

الشرق الاوسط

1-3-2013

مع أن الحراك الشعبي العراقي قد انتشر نتيجة احتقان، فالوقائع تشير إلى وجود أياد خفية كانت تسرب معلومات، وتقدم إيحاءات عن مؤامرات تحاك، ووجود قوات تتشكل تحت اسم «الجيش العراقي الحر»، وضرورة القيام بعمليات وقائية واستباقية. وفي المقابل توجد ملاحظات وعناصر انتباه وترقب كثيرة وحساسة، وربما لعبت أجهزة وأطراف دولية على وقع الأحداث. فمخابرات محلية وإقليمية وشرقية كانت لها أدوار مختلفة. ولا يعني هذا توجيه اتهام تآمري لطرفي الأزمة، بل إن الطرفين وقعا ضمن نطاق تسريبات من أطراف ثالثة، وغالبا ما يكون التسريب من جهة ذات صفة خاصة، نفسية أو مخابرات أو صاحبة مصالح.

الشيء الإيجابي في الوضع العراقي، هو وجود حرص لدى طرفي «الأزمة» على تجنب التصعيد، يعكس تطورا إيجابيا يدل على مستوى معقول من الفهم. ويدل على أخذ العبرة من المحنة السورية الكبرى، التي تسببت في تدمير هائل للبنى التحتية، قد لا تستطيع سوريا بمواردها المحدودة معالجته خلال جيل كامل على الأقل. وكان على النظام الركون إلى العقل وتسليم الحكم بضمانات عربية ودولية وتسجيل سابقة إيجابية تحسب له لا عليه. أما الشعب، فله الحق في عدم توقع انحدار النظام إلى المستوى الذي حدث تمسكا بمعادلات خاطئة في الحكم.

كثيرة هي النقاط التي ينبغي التركيز عليها في التوعية والنصيحة، فالمجتمع الدولي أصبح عاجزا عن اتخاذ قرارات موحدة تسمح باستخدام القوة بسلطة مجلس الأمن. فدولة المخابرات الروسية لم تعد قابلة للترويض، وقد لا تقبل بأي ثمن لا يتوازن مع طموحات استراتيجية لا يمكن القبول بها. والسياسة الأميركية ضعيفة ومرتبكة، والسياسة الإيرانية خارج السيطرة، والمواقف العربية ممزقة، والمتفاعلون من العرب يواجهون ضغوطا ومعوقات كثيرة، وحدود النار والدم بات تحجيمها أكثر صعوبة، وكبح نزعات العنف فقد قدرة المناورة والتأثير على المستويات الميدانية المنظمة والفردية، والخسائر البشرية والمادية فاقت كل التصورات، وأطراف الأزمة داخليا وخارجيا مندفعة باتجاهات تزداد تباعدا.

الوضع العراقي إذا ما انزلق، سيكون أكثر خطورة من الوضع السوري، بحكم اختلاف المعادلات. فالنسب السكانية في العراق غيرها في سوريا، وحدود العراق مفتوحة، مقارنة بحدود سوريا شبه المغلقة «نسبيا»، والعرب منشغلون في وضع سوري دخلت عليه تعقيدات مؤثرة، أطالت المدة المتوقعة للحسم المنتظر للثورة، ولجار العراق الشرقي سلطة التأثير القوي حتى خارج نطاق التعاون مع الحكومة، فالسلاح المعني لا يزال منتشرا خارج سيطرة الحكومة، والولاءات تزداد امتدادا خارج أفق مؤسسات الدولة، وما حدث في لبنان من إضعاف لمنظمة أمل لمصلحة حزب الله في النصف الأول من ثمانينات القرن الماضي، أقل تأثيرا مما يجري على الساحة العراقية. فالحزب المهيمن على السلطة ليس هو الخيط الأقوى للمصالح الإيرانية في العراق، فهناك ظهور لتنظيمات حزبية مسلحة تصعب السيطرة عليها، حتى من قبل أجهزة الدولة وقواتها.

وإذا كانت المعطيات وعناصر التأثير هذه قد أعطت عبرة لقوى الحراك في الحرص على سلمية التوجه حتى الآن، فإن الطرف الآخر - والمقصود به الدولة - لا بد أنه أدرك الفهم الاستراتيجي الإقليمي، وتأثيره المباشر على سير الصراع، حتى لو كان خارج نطاق الجوار المباشر الغربي والجنوبي. فعناصر التأثير ليست في حاجة ملحة إلى جوار مباشر لتحقيق برامجها، ورغم أن الجوار مفيد في حسابات التواصل اللوجستي، فهناك من هو مستعد لتقديم قدر كبير من التسهيلات، فشبكة المصالح اتسعت بعد 2003. وهامش الديمقراطية أتاح فرصا للتواصل، ضمنها الدستور أم لم يضمنها، التزمت بها الأطراف أم تخطتها، فلا فرق على الوضع العملي.

الرغبة الراجحة في تفادي العنف، وجنوح الناس إلى الخيارات الهادئة، وبقاء الأشياء تحت السيطرة حتى الآن، والعقلانية والوحدوية في الطروحات، لا يمكن ضمان استمراريتها، خصوصا إذا ما فهمت وفق منطق القوة والضعف، طبقا لرؤى وحسابات الطرفين. فالالتباس في فهم الحالة يقود إلى صعوبات قابلة لتطور سلبي خطير. والوضع السوري لا يمكن أن يمتد إلى ما لا نهاية، فتآكل النظام مستمر بشدة، والقتال في دمشق، والمفاجآت لغير مصلحة النظام قائمة. لذلك، لا بد أن يلتقي العراقيون على تفاهم معقول ومنصف، ويفترض بأجهزة المخابرات عدم التدخل، على الأقل، طالما بقيت الحالة معقولة وهادئة عراقيا، ومحسوبة ومراقبة دوليا.

=====================

روما من فوق غير سورية من تحت

وليد شقير

الجمعة ١ مارس ٢٠١٣

الحياة

لا يمكن توقع العجائب من مؤتمر أصدقاء سورية في روما. فأي توجه نحو حسم الأزمة في سورية (وفي غضون أشهر قد تمتد سنة ثالثة حتى لا تبدو فرضية الحسم كثيرة التفاؤل) يتطلب واحداً من اثنين:

1 – أن ينتهي الى تفسير موحد لقرار مجموعة العمل من أجل سورية الصادر عن اجتماع أصدقاء سورية في جنيف في 30 حزيران (يونيو) 2012 في ما يخص تشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحية، بحيث لا تعود موسكو تمارس المناورات الديبلوماسية حول ما إذا كان هذا يعني بقاء الرئيس بشار الأسد في منصبه أم لا، وأن يقود أي اتفاق الى أن تتخلى موسكو، ومعها بيجين، عن استخدام الفيتو في وجه أي قرار دولي يتطلب خطوات ضاغطة على النظام السوري ما يؤشر الى رفع الدعم الروسي عنه، من أجل تطبيق خطة حل سياسي يكون مؤتمر روما توصل الى رسم خطواتها التنفيذية.

2 – أن تغادر واشنطن ترددها، وسياسة الخبث تجاه الوضع السوري وتحسم أمرها، على الأقل بالإجازة للدول الراغبة في مد المعارضة السورية بالأسلحة النوعية، لمواجهة الأسلحة النوعية الروسية الصنع وغير الروسية التي تستخدم في الحروب الكبرى، بين الدول، والتي يرمي بها النظام السوري أحياء وأزقة وحارات في حمص وحلب ودمشق وريفها... ومنها صواريخ سكود، وهي أسلحة إذا حصلت عليها المعارضة أعانتها على تثبيت أقدامها في المناطق التي تسيطر عليها.

أما عدا ذلك، فسيحوّل مؤتمر روما الى مجرد محطة سيتبعها اجتماع آخر بعد أشهر، في سياق عملية إطالة الأزمة السورية التي باتت واحدة من ميادين الصراع الدولي والإقليمي. وسيحوّل أصدقاء سورية «دولاً مانحة» مهمتها التعاطي مع الوضع الإنساني الناجم عن استمرار القتال أكثر عنفاً ودموية، تجتمع في إطار مؤسسات حقوق الإنسان واللاجئين لإطلاق وعود بإعانة أكثر من مليون نازح تحول دون الوفاء بها الأزمات الاقتصادية التي تمر بها هذه الدول، فيما مجازر شبيحة النظام تتوالى كل يوم في حق السوريين.

كانت حجة موسكو رفضها صدور قرار عن مجلس الأمن، ضرورة وقف تسريب السلاح للمعارضة كوسيلة ضاغطة عليها لتُقبِلَ على الحوار مع النظام من أجل الحل السياسي. وحين تجاوبت واشنطن وألزمت دولاً أخرى بالامتناع عن هذا التسليح الموعود منذ الصيف الماضي، لم تحصل السياسة الأميركية، ومعها دول الغرب على أي مقابل من موسكو، سوى موقف لفظي بأن روسيا لا يهمها شخص الأسد أو بقاؤه في السلطة، بل أن ما يهمها مصير سورية. وهو حرص لم تترجمه عملياً، بل هي هربت منه الى التلاقي مع واشنطن على التحذير من تنامي نفوذ التنظيمات الإسلامية المتطرفة القريبة من «القاعدة»، ومنها جبهة «النصرة». تلاقت الدولتان المتنافستان على هذه الحجة كل لهدف: موسكو لتبرير مواصلتها دعم النظام الذي تلقى ضربات على يد هؤلاء الإسلاميين زادت في قوتهم ومن اعتماده على سكود والمجازر، وواشنطن لتغطية سياسة الانكفاء في الشرق الأوسط واستنزاف سورية وإيران ولجذب المتطرفين الى الميدان السوري كي يقتلوا ويستنزفوا فيه، فإذا بهم يزدادون قوة وانتشاراً وينافسون المعتدلين ويقلقون الحليف الإسرائيلي. وقد يكون الإعلان الأميركي عن رفع المساعدة الإنسانية وبالمواد غير القتالية، والمال (60 مليون دولار)، للمعارضة محاولة لاستدراك الدعم للائتلاف الوطني السوري. لكنه دعم لا يرقى الى المساعدة في حسم الأمور على الأرض لإجبار الأسد على التنحي، وأكثر ما يفعله هو تحسين موقع المعارضة في الكرّ والفرّ، في انتظار نضوج الحل.

فيما تسود في مؤتمر روما (وقبله) لغة الحل السياسي، التي سيناور نظام الأسد لإجهاضها لأن هذه طبيعته، بينما تتصاعد رائحة الدم والأشلاء والمجازر ومظاهر الدمار، لا يجيب التفاهم الغربي – الروسي على إعطائه الأولوية عن السؤال حول موقف إيران منه. فهي اقترحت أن تشمل المفاوضات حول ملفها النووي مع مجموعة 5+1 التي عقدت في كازاخستان قبل يومين، الوضع في كل من سورية والبحرين، الأمر الذي رفضته الدول الغربية.

لطهران مقاتلون على الأرض في سورية بالتعاون مع «حزب الله»، تحاول عبرهم مساعدة النظام على الاستمرار والتفوق، فهل يمكن هذا الحل السياسي أن ينجح من دونها؟ وهل الحل السياسي الذي تقبل به هو ما يسعى إليه أصدقاء سورية؟

روما من فوق غير سورية من تحت.

=====================

أوباما متمسك بلاءاته الثلاث في الأزمة السورية

راغدة درغام

الجمعة ١ مارس ٢٠١٣

الحياة

أزال وزير الخارجية الأميركي جون كيري، بعضَ الغموض عن سياسة إدارة أوباما الثانية نحو سورية أثناء جولته الأوروبية هذا الأسبوع واجتماعاته الثنائية بنظرائه الأوروبيين وبوزير خارجية روسيا سيرغي لافروف. بموازاة ذلك، وفي عاصمة كازاخستان آلما آتا، أوضحت إدارة أوباما أمرها أيضاً في شأن ايران أثناء جولة المحادثات المعنية بالملف النووي الإيراني بين ايران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن زائد ألمانيا. حصيلة الأمر باختصار شديد، أن أوباما وطّد في إدارته الثانية سياسةَ الحوار تحت أي ظرف كان، أسفر عن نتيجة مرجوّة أو لم يسفر، وأنه اتخذ قرار إيلاء مهامّ قيادة الملف السوري إلى كل من موسكو وطهران، كل على طريقته. توقيت وضوح توجهات الإدارة الثانية أتى قبيل وصول جون كيري إلى تركيا ومصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية وقطر. في تلك المحطات، لن يسمع كيري الإطراء على السياسة الأميركية المتدحرجة إلى الوراء، والتي يراها البعض شهادة أخرى على «سمعة الخيانة» التي رافقت مراراً علاقة مختلف الإدارات الأميركية بـ «الأصدقاء». سيستمع إلى التأفف والامتعاض، والتحذير من عواقب وخيمة لما يترتب على مصادقة إدارة أوباما على دور إيراني في مصير سورية بالذات، بعدما أسمعه رئيس حكومة العراق نوري المالكي من بعيد أن تسليح المعارضة السورية وتمكينها سيتحوّل إلى «حرب أهلية في لبنان، وانقسام في الأردن، وحرب طائفية في العراق»، فأجواء منطقة الشرق الأوسط مفعمة بضجيج دق طبول الحرب المدمرة بين السنّة والشيعة، وهي حروب بالنيابة عن ايران ودول في مجلس التعاون الخليجي ساحاتها شرق أوسطية بامتياز، انطلاقاً من سورية. وما في أذهان قيادات المنطقة وشعوبها سؤال أساسي يطارد الإدارة الأوبامية الثانية مهما حاولت الظهور بمظهر المهرول بعيداً من المنطقة، والسؤال هو: ما هي الاستراتيجية الأميركية البعيدة المدى نحو الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟ وهل الإدارة الحالية حقاً بريئة من صنع الحروب المذهبية بين السنّة والشيعة، أم أنها في واقع الأمر ضليعة في صنع هذه الحروب؟

هذه الأسئلة لن تطارد فقط إدارة أوباما عبر الوزير الجديد جون كيري، وإنما أيضاً قيادات مجلس التعاون الخليجي -ومصر وتركيا بنسبة أقل-، إذ عليها الآن مراجعة نفسها بجدية بعد أن أوضحت إدارة أوباما نفسها وأزالت الغموض، فلا داعي للاختباء وراء الإصبع أو دفن الرؤوس في الرمال، سيما أن المرحلة الآتية يمكن أن تتحول إلى جحيم للجميع إذا لم توضع سياسات جديدة تأخذ في الحسبان ما أوضحته إدارة أوباما الثانية في مطلع عهدها.

وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي، لخّص ما أسفرت عنه محادثات كازاخستان، عندما قال إن «الأمور وصلت إلى منعطف، وأعتقد أن اجتماع آلما آتا سيكون علامة فارقة» في العلاقات بين طهران والدول الست. صالحي كان في الواقع يتحدث عن العلاقة مع الولايات المتحدة، فهي الأهم والركيزة في الاستراتيجية الإيرانية النووية والإقليمية والثنائية على السواء.

صالحي قال إن المرونة التي أبدتها الدول الست -والكلام ضمناً عن الولايات المتحدة- «تدل على توجه لتغيير استراتيجيتها إزاء ايران، ما قد يشكل منعطفاً مهماً في مسار التفاوض».

ظاهرياً، تعلَّق ما انصبت عليه محادثات آلما آتا بالملف النووي الإيراني، أما واقعياً، فشكّلت تلك الجولة من المحادثات انطلاقة العلاقة الثنائية بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية في الإدارة الأوبامية الثانية.

نووياً، تراجعت الدول الست عما كانت طالبت به طهران، وقدمت إليها المزيد من الترغيب بقدر أقل من التهديد، عبر عرض الاكتفاء بـ «تقليص» مخزون اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة و «تخفيض» العقوبات المفروضة على ايران، مقابل «تجميد» تخصيب إيران اليورانيوم بنسبة 20 في المئة. صالحي وصف تلك المقترحات بأنها «الأكثر واقعية ومنطقية»، مؤكداً على «حق» ايران بتخصيب اليورانيوم بأي نسبة كانت، 5 في المئة أو عشرين في المئة، ووصف المحادثات بأنها كانت «إيجابية، وأتاحت السير على الطريق الصحيح»، وقال إن «العملية بدأت» و «أنا متفائل جداً في شأن النتيجة، التي ستكون في مصلحة الجانبين».

ما فعلته السياسة الإيرانية الحذقة، هو أنها أقدمت على «احتواء مضاد» في مطلع عهد إدارة أوباما الثانية، عبر لغة التفاؤل والتجاوب مع المرونة، التي عبر عنها وزير الخارجية الإيراني في أول لقاء مع الدول الست في عهد الإدارة الثانية، فطهران تعرف تماماً ماذا تريد من واشنطن، وتدرك تماماً ما لا تريده واشنطن من ايران في زمن أوباما، فلقد حصلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية على هدايا قيّمة جداً من الرئيس السابق جورج دبليو بوش، عبر حربيه في أفغانستان والعراق، اللتين كانتا خدمة مجانية لإيران، وهي لا تزال عازمة على الاستفادة من رفض الرئيس باراك أوباما الانسياق الى مواجهة مع إيران، إما مباشرة في عقر دارها، أو حينما تشن حربها في سورية بصورة مباشرة وتنتهك قرارات مجلس الأمن من دون أن يجرؤ أحد على محاسبتها أو معاقبتها.

منذ البداية أوضحت طهران لإدارة أوباما الأولى، أن ما تريده يرتكز إلى ثلاث أولويات: أولاً، علاقة ثنائية مباشرة مع الولايات المتحدة قوامها الاعتراف بشرعية الثورة الإيرانية والجمهورية الإسلامية وعدم التدخل في شؤونها بأي شكل من أشكال المساعدة للمعارضة الإيرانية أو حركات الإصلاح. ثانياً، أن تدرك واشنطن أن إيران لن تتخلى عن «حق» تخصيب اليورانيوم بالنسبة التي تلائمها، لأن إيران -قيادة وشعباً- لن تتراجع عن جهودها وطموحاتها النووية، التي تصفها بأنها سلمية، بينما يراها الغرب طموحات عسكرية نووية. ثالثاً، إقرار واشنطن بدور الجمهورية الإسلامية الإيرانية الإقليمي، إنْ في العراق أو في سورية ولبنان، فطهران لن تقلص هذا الدور، وما أرادته من واشنطن هو أخذها هذا الدور في الحسبان والإقرار والاعتراف به عندما ترسم سياساتها الاستراتيجية نحو المنطقة.

جون كيري قدَّم دفعة أولى إلى طهران على صعيد العلاقة الثنائية، عندما قال الأربعاء الماضي إنّ في إيران حكومة «مُنتخَبة»، وهذا ما كان قاله وزير الدفاع الجديد تشاك هاغل، المعروف بمواقفه المعارضة للضغوط على طهران أثناء جلسات استجوابه قبل تصديق مجلس الشيوخ على ترشيحه. هاغل قال حينذاك، آخر الشهر الماضي، إن في إيران «حكومة مُنتخبة وشرعية، وافقنا معها أو لم نوافق». كيري قال بعد شهر تماماً وهو في فرنسا بجانب نظيره لوران فابيوس، إن «إيران بلد لديه حكومة مُنتخبة، وهو عضو في الأمم المتحدة»، وأضاف: «ومن المهم لنا أن نتعاطى مع الدول بطريقة تخدم مصالحنا في العالم».

هذه الشهادات الصادرة من كيري وهاغل، هي تماماً ما سعت طهران لاستصداره عن الإدارة الثانية، فهي مواقف جذرية، وتلغي عملياً ما كان صدر عن واشنطن في الإدارة الأولى أو قبلها، من تشكيك بنزاهة الانتخابات في ايران عام 2009، ومن تهم الى الحكومة الحالية بتزييف نتيجة الانتخابات.

إذاً، تبدو واشنطن هذه الأيام وكأنها في صدد تلبية مطلب أول لطهران ويهم القيادة الإيرانية على أعلى مستوياتها، وتبدو أيضاً في صدد تلبية مطلب آخر يخص الملف النووي، كما بيّنت المحادثات في كازاخستان، وتبدو كذلك في صدد تلبية مطلب ثالث، في سورية بالذات وعبر العراق.

ففي العراق، بات واضحاً أن إدارة أوباما لا تمانع نفوذاً إيرانياً واسعاً وعميقاً، وذلك بعد انسحاب الولايات المتحدة منه محمّلة بأثقال الكلفة الباهظة لحرب حققت لإيران الإنجازات الإقليمية وليس للولايات المتحدة. إدارة أوباما تفضل غض النظر عن المخاطر التي تحدق اليوم بالعراق، والتي وصفها نوري المالكي بأنها قد تتحول «حرباً طائفية» بين السنّة والشيعة، وهذه الحرب -كما هدد- هي رهن بما ستنقلب إليه المعادلات العسكرية على الساحة السورية، في الحرب الضروس الدائرة بين القوات النظامية المدعومة مباشرة من ايران وحلفائها وبين قوات المعارضة السورية، ومنها من تُصنَّف بأنها من «القاعدة» ومن «جبهة النصرة» وغيرها. بكلام آخر، تهدد الحروب الطائفية والأهلية والتقسيمية بتغليف أي منطقة يكون لإيران نفوذ فيها، انطلاقاً من أن القيادة الإيرانية تعتبر نفسها القائمة على حقوق الشيعة أينما كان، وهي الحروب ذاتها التي يخوضها الجهاديون السُنَّة أينما خُصِّبت لهم التربة لشن حروبهم الطائفية بأي ثمن كان.

إدارة أوباما الثانية تبدو وكأنها إما ترى في الحروب الطائفية بين المسلمين إنهاكاً متبادلاً للآخر لا علاقة للمصالح الأميركية الكبرى به، أو أنها تهرب إلى الأمام، خشية تحميلها مسؤولية ما ستسفر عنه سياساتها في سورية بالذات. وفي هذه المرحلة، ما زال أوباما متمسكاً بلاءاته الثلاث: لا للتدخل العسكري الأميركي مباشرة أو بشكل غير مباشر، ولا للدعم العسكري للمعارضة السورية مباشرة أو بشكل غير مباشر، ولا للحل والحسم العسكري في سورية. اللا الرابعة، أي لا لبقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة، تتأرجح على أوتار العلاقة مع روسيا، فلقد قررت إدارة أوباما الثانية أن تصبح مهمتها تقديم الدعم للدور الروسي القائد في سورية، من خلال الضغط على المعارضة السورية للتحاور والتفاوض مع استمرارية الأسد في العملية السياسية الانتقالية ومن خلال رفض السماح بتسليحها، فلقد حجَّم جون كيري نوعية المساعدة للمعارضة وقلّصها الى طبية وغذائية مقابل خضوعها لإصراره على حضور مؤتمر روما لـ «أصدقاء سورية».

روسيا تعهدت بالضغط على الحكومة السورية مقابل الضغوط الأميركية على المعارضة، ولكنها قالت سابقاً إنها حاولت مراراً الضغط على الأسد ولم يكن في وسعها التأثير عليه، ولمحت في الماضي تكراراً إلى أن الفاعل الحقيقي لدى النظام في دمشق هو الجمهورية الإسلامية الإيرانية وليست هي، بالرغم من إمداداتها العسكرية للنظام وحمايتها له ديبلوماسياً وسياسياً.

مَن الصادق؟ وأين الضمانات؟ فلقد تفاءل العالم بنقلة نوعية في التفاهم الأميركي-الروسي في جنيف قبل 9 أشهر تماماً، عندما تم الاتفاق على عملية انتقالية من الحكم الحالي إلى حكم جديد في دمشق. اليوم، يُقال إنه بعد تحييد «عقدة الأسد»، وذلك عبر الكف الأميركي عن مطالبته بالتنحي والرحيل، وبعد إبعاد الحل العسكري، عبر حجب المساعدات العسكرية للمعارضة، بدأ السباق بين بطء الوتيرة الديبلوماسية وبين وعود التسريع في تفعيل وعود جنيف بعد تغيير شروط العملية السياسية الانتقالية... كل هذا فيما الكارثة الإنسانية تتفاقم، والتطرف ينمو، والحروب الطائفية تنذر بيوم أسود رهيب.

=====================

الصراع السوري المركّب وحتمية الدفع نحو الأقصى

عبدالحميد سليمان *

الجمعة ١ مارس ٢٠١٣

الحياة

تبدو الثورة السورية اليوم ثورةً قصيّة، بمعنى أنّها وضعت أو ستضع الكيان ومعه الجميع، وإن لم يكن دفعةً واحدة، في أوضاع قصيّة لا مكان فيها للوسطية ولا تجدي معها نفعاً المقاربات التوفيقية أو الحلول بالتراضي.

هنا، لا مكان لإعادة التموضع المرحلي ولا لفلسفة الشرق حيث لا غالب ولا مغلوب، أحدهم عليه أن ينتصر في النهاية وآخر عليه أن يهزم، وسواءً كان النصر أو كانت الهزيمة فإن على كليهما أن يكون قطعياً ومطلقاً.

عدا هذا، يؤسس ما ندعوه اليوم بالسوريين لثورتهم المقبلة، ومعها بؤس مهول قد يمضي بعيداً خلف هذا الذي نراه اليوم أقصى في التفتت والتوحش، إلى ذاك الآتي الأكثر هولاً وتفتتاً وبطبيعة الحال... توحشاً.

ولكن، لماذا هذا الأقصى الذي يحدث؟ بالفعل، تبدو الإجابة عصيّةً على التبسيط، أقلّه لأنّ الوضع ليس بسيطاً. ثمّة في النهاية صراع مركّب وإن استبطن طبيعةً واحدةً بسيطة، وهي الإسقاط المتدرّج لقواعد الاشتباك المجتمعية. قد يحاجج البعض هذا الإسقاط من خلال القول إنّ المسؤول عن الدفع بالأمور لتأخذ هذه الطبيعة الكيانية الوجودية هو الطغمة الحاكمة التي لم تتوانَ عن التحطيم الممنهج لقواعد الاشتباك المجتمعية مع ما يتبع هذا من خلق أحقاد وصدوع لا سبيل إلى رأبها.

ما سبق صحيح، ولكن الصحيح أيضاً أنّ التحطيم الممنهج لحرمات الصراع قد ترافق مع صمت مسّ حدّ التواطؤ من قبل شرائح واسعة مجتمعية لم تلاق حرجاً في تغطية القتل والتنكيل، وحتى الاغتصاب طالما أنّه يخدم استقرارها - الموقت على أي حال - وطالما أنّه لا ينالها. إنّها على أي حال طبيعة مؤسفة ومتأصلة في هذا المركّب الذي يحدث، وهي تدفعه وفي شكل تدريجي ولكن نحو أوضاع قصوى لا حدود لها، أللّهم إلا استنزاف الصراع لذاته حتى الرمق الأخير.

ولكن، ماذا دفع الصراع ليغدو مركّباً؟ في النهاية، الثورة السورية انبثقت بأصالة من رحم المعاناة السورية، وهي أقلّه في انبلاجها الأول ثورة بسيطة، أطروحاتها بسيطة، ومنطوقها بسيط، تماماً كما هي معاناة السوريين بسيطة: خرج سوريون عاديون... مهمشون، طبقة وسطى، وحتى بعض الموسرين، خرجوا كما خرج من قبلهم عاديون في بقاع أخرى من هذا العالم، خرجوا وقد أعياهم فيض القمع والغياب المهول للحرية وطالبوا بأشياء بسيطة: الحرية، الكرامة... وهم أرادوا حينها الحرية الفردية، الكرامة الفردية، تكافؤ الفرص... هذه مطالب بسيطة وتمس حياتهم البسيطة وحياة أطفالهم... تعليم أفضل، صحة أفضل، ومستقبل «فردي» أفضل... كلّ شيء حينها كان مطلق الفردية، حداثياً مناقضاً للجمعية، لا عقائدياً، وبسيطاً.

من ناحيته أيضاً، تبدو حقيقة النظام السوري بسيطة، أقلّه بمنظور حداثي، تختصر مقاصده الوجودية بالبقاء في السلطة، وحتى لجوؤه إلى العنـف يبـدو طبيـعيـاً في هـذا السيـاق، وكـذلك نـزوعه إلى تحطيب قواعد الاشتباك المجتمعية التي تحدّه يبدو متـوقـعاً، في النهايـة، لقـد فـعل الأسد ومـعـه الطغمة الحاكمة السورية ما كان ليفعله أيّ مستبد.

إذاً، من أين أتى التركيب؟ حسناً، لقد أتى من الطبيعة المركّبة للحاضن المجتمعي السوري. يجب ألا ننسى في هذا السياق أنّ الحداثة لم تزل هشةً وطارئة في هذا الفضاء المجتمعي الريفي الطابع، وكذلك تبدو الهوية الوطنية أقلّه بمعناها الحداثي أضعف من أن يعول عليها. على العكس، تبدو الهوية الوطنية عبئاً مضافاً على الثورة وصراعها البسيط من أجل الحرية.

وفي هذا السياق يدرك المرء مدى الضحالة وحتى الانفصال عن الواقع هذا الذي أبدته النخب الفكرية السورية، أو لنقل فصاميتها في مقاربة الصراع، ذلك أنها سعت إلى تبسيطه من دون أن تقارب الواقع المجتمعي الحاضن له، وهذا لم يكن فقط محكوماً بالفشل الذريع ولكنّه أيضاً ساهم في دفع الصراع ليغدو أكثر وجوديةً وأقلّ قابليةً للحل.

النظام السوري في النهاية ليس أكثر منعةً، تماسكاً، أو حتى هوجائيةً من سواه من الأنظمة التوتاليتارية في العالم، ولكنّ الهوية الوطنية السورية كانت أكثر تفتتاً وضبابية، وأقلّ عمقاً، وتجذراً، وحتى إقناعاً من سواها.

بهذا المعنى، كان للثورة السورية بعد آخر مجتمعي (السّنّة)، وكذلك حال النظام (العلويون)، وهذا أضفى على الصراع طبيعته المركّبة. أبعد من هذا، حين بلغ التأزم سوية الوجود - العدم لجأ النظام أولاً، ومن بعده الثورة، كلّ بدوره، إلى حاضنه المجتمعي، وبالتالي هويته المعرفية ما قبل الحداثية. كيف كان لهما ألا يفعلا! أكان يفترض بهما أن يقبلا الهزيمة! يسلّما بها! لم يحصل هذا على أيّ حال.

في الواقع، دخل الصراع حقبة «ما بعد الثورة»، وهذه حقبة مختلفة وفيها ابتلع أو سيبتلع الثورة حاضنها المجتمعي في صيغته ما قبل الحداثية، لأنّه أعمق منها وأكثر أصالةً، وبالتالي أكثر قدرةً على البقاء في مواجهة التأزم الوجودي. وكذلك فعل أو سيفعل حاضن النظام المستبد به، وهذا أحال أو على وشك أن يحيل الصراع بالضرورة إلى صراع مركب، قصي، والأهم خاطئ وعبثي.

المعضلة الكبرى في هكذا صراع أنّه لا ينتهي، ذلك أنّ أياً من الهويات المعرفية ما قبل الحداثية لن تستسلم للأخرى، والمعضلة الكبرى الأخرى أنّ الفضاء الفكري السوري لا يزال بعيداً من مقاربة الصراع بطريقة ناجعة، أقلّه بعيداً من التبسيط، الأيديولوجيا التي لم يعد لها وقع على الأرض، أو حتى بعيداً من الهوية الوطنية بصيغتها القديمة التي ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنها عاجزة، هذا إن لم نقل أنّها بالية وخرقة.

ما الحلّ إذاً؟ حسناً، إما فكّ الاشتباك بين الهويات المعرفية، وهذا بالمناسبة سيحصل ولو بعد حين، وسيكون فجاً ولا حداثياً على نحو مؤلم وغير مسبوق، وهو بالتالي سيؤخّر الانعتاق التالي والحتمي للجماعات البشرية المستلبة كلّ في كيانها الوطني الجديد، وإما الخوض في عملية تفكيك معرفي للهوية الوطنية القديمة والمهترئة، ومن ثمّ إعادة صوغها حداثياً لتغدو واقعيةً، حقيقيةً، وقادرةً هذه المرة على تخليص الجميع من استلاباتهم ما قبل الحداثية (طائفيةً، دينيةً، أو قومية).

على أنّ كلّاً من الخيارين السابقين يحتاج إلى رافعة تقوم به، ورافعة الخيار الأول متوافرة، جاهزة، تمتد قروناً في التاريخ، وهي قيد العمل، أما رافعة الخيار الثاني فهي لا تزال فصاميةً وأسيرة الماضي الذي أخفق، وهي غدت بكلّ حال تحتاج إلى الغرب مع ما يقتضيه الأمر من تنازلات سيادية قدمتها هويات وطنية أخرى حين وضعت في مواجهة أوضاع قصوى مماثلة...

* كاتب سوري

=====================

 خيرالله خيرالله / «حزب الله» في سوريا...مزيد من التورط الطبيعي!

الرأي العام

1-3-2013

تندرج زيادة تورط «حزب الله» الى جانب النظام السوري في الحرب التي يخوضها مع شعبه في السياق الطبيعي للامور. لم يفاجئ  الحزب، الذي ليس سوى لواء في «الحرس الثوري» الايراني عناصره لبنانية، احدا. ربما فاجأ فقط  الذين يهوون المفاجآت ويبحثون عنها. ينفّذ الحزب بكل بساطة المهمة الموكولة اليه والتي تتلخص بمهمات محددة مكلّف بها في اطار الاستراتيجية الايرانية المعروفة. هدف ايران واضح كلّ الوضوح ويتمثّل في لعب دور القوة الاقليمية القادرة على الدخول في صفقات مع اميركا واسرائيل على حساب كلّ ما هو عربي في الشرق الاوسط.

ما يمكن اعتباره جديدا بالفعل هو ذهاب الحزب بعيدا في كشف الخط الذي كان  يسعى دائما الى فتحه، بتعليمات ايرانية طبعا، على طول مجرى نهر العاصي. فالموضوع لا يتعلّق بحماية قرى شيعية في الأراضي السورية بمقدار ما يتعلّق بربط مناطق نفوذ «حزب الله» في سهل البقاع بالساحل السوري. وهذا يعني في طبيعة الحال الحاجة الى تدمير حمص، اقلّه جزء منها، وتحييد عرسال البلدة اللبنانية السنّية التي تمتلك حدودا طويلة مع سوريا والتي تتمتع بموقع استراتيجي في المنطقة الفاصلة بين منطقة عكّار  (السنّية) والهرمل (الشيعية).

لا حاجة الى الغوص في التفاصيل. لكنّ ما يدور حاليا من اشتباكات بين «الجيش السوري الحر» الذي يمثّل، الى حد كبير، الشعب السوري الثائر ومقاتلي «حزب الله» يعكس الرغبة في ايجاد ممرّ آمن بين قسم من سوريا ولبنان. مطلوب ان يكون هذا الممر تحت سيطرة الحزب كي تتمكن ايران من القول انها لم تخسر كلّ سوريا وأن خيار الدولة العلوية لا يزال قائما. اكثر من ذلك، ان هذا الخيار يعني اوّل ما يعني أنّ الحرب في سوريا طويلة وأن هناك قدرة لدى ايران على ارسال مساعدات الى القوات الموالية للرئيس بشّار الاسد وعائلته في حال اضطرارها الى الانكفاء في اتجاه الجيب العلوي.

ما نشهده اليوم هو البداية الفعلية لتنفيذ الخطة البديلة في سوريا. تأخذ هذه الخطة، تسمّى «الخطة ب» في الاعتبار احتمال زيادة الضغوط على النظام في دمشق وانسحابه في هذه الحال من العاصمة الى الجيب العلوي. يبدو «حزب الله» الذي قرّر زيادة تورطه في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري جزءا لا يتجزّأ من المباشرة في تنفيذ «الخطة ب».

مرّة اخرى، يصح طرح السؤال البديهي: هل الدولة العلوية قابلة للحياة؟ من الواضح أنّ هناك من يعتقد ذلك، على الرغم من أنّ الساحل السوري لم يعد يعتبر ذا اكثرية علوية كما كانت عليه الحال في الماضي القريب. هناك بكلّ وضوح، ولا بدّ هنا من تسمية الاشياء باسمائها، اكثرية سنّية على طول الساحل. حتى مدينة اللاذقية ذات اكثرية سنّية في ضوء الهجرة المسيحية المستمرّة من سوريا، وهي هجرة ازدادت مع وصول حافظ الاسد الى السلطة في العام 1970 وما ترافق من سعي الى ترييف المدن الكبيرة، بمن فيها مدن الساحل.

يبدو أن ايران توصلت الى أنّ المحافظة على موطئ قدم في الاراضي السورية ليس ممكنا من دون قوة لبنانية مساندة لهذا التوجه. وهذا ما يفسّر الى حد كبير تطور التورط العسكري للحزب الايراني في الحرب السورية وصولا الى قصفه مواقع لـ»الجيش الحر»  انطلاقا من الاراضي اللبنانية الواقعة تحت سيطرته .

المؤسف أنّ ذلك كله يحصل فيما الحكومة اللبنانية غائبة عن الوعي. اكثر من ذلك، تلعب الحكومة دورا اساسيا في تحييد عرسال وممارسة الضغوط على اهل عكّار تسهيلا لمهمّة «حزب الله» داخل الاراضي السورية.

يتبيّن يوما بعد يوم أن الحكومة اللبنانية الحالية، التي على رأسها شخصية سنّية من طرابلس، وجدت اصلا من اجل اذلال السنّة والمسيحيين لا اكثر ولا اقلّ. هذه الحكومة ليست قادرة على استيعاب التحولات الاقليمية في اي شكل، بما في ذلك اللعبة الايرانية التي يمكن اختصارها حاليا بعنوانين. الاول ان خسارة سوريا لا تعني في الضرورة خسارة لبنان. اما العنوان الآخر، فهو أنّ في الامكان ابقاء  قسم من سوريا تحت السيطرة الايرانية وذلك بفضل فائض القوة التي يمتلكها «حزب الله». من هنا، اهمّية الممرّ الذي يحاول «حزب الله» فتحه بين منطقة الهرمل والجيب العلوي...

المضحك- المبكي وسط كلّ ما يجري أن «حزب الله» ما زال يعتبر نفسه «مقاومة». ما هذه المقاومة التي لم تكن يوما سوى اداة لتنفيذ مشروع ايراني مبني على اثارة الغرائز المذهبية بدءا بالسيطرة على احياء معيّنة من بيروت؟ جاء اليوم دور استخدام هذه الغرائز ليس من اجل تقسيم سوريا فحسب بل ادخال كلّ لبنان في هذه اللعبة ايضا. هل من دليل دامغ على ذلك اكثر مما يدور على طول نهر العاصي الذي ينبع من لبنان ويسير صعودا، على خلاف بقية الانهر، في اتجاه الاراضي السورية؟ انه دليل اكثر من دامغ على الوظيفة الحقيقية لـ»حزب الله» المتمثلة في عزل لبنان عن محيطه العربي من جهة وتحويله امتدادا للمحور الايراني- السوري من جهة اخرى. ماذ سيبقى من هذه الوظيفة بعد انهيار النظام السوري تماما...وهذا ما سيتحقق عاجلا ام آجلا؟

=====================

أزمة سوريا وأمن المنطقة

 رأي البيان

التاريخ: 01 مارس 2013

تتفاعل الأحداث في سوريا، وتمتد إلى دول الجوار بشكلٍ يهدد أمن المنطقة واستقرارها. فمع تمدد الاشتباكات إلى الحدود اللبنانية والأردنية، وتكرار الحوادث الأمنية على الحدود مع هضبة الجولان المحتلة، يخشى أن تخرج الأمور عن السيطرة في سوريا وتصبح المنطقة على حافة الهاوية، خاصة أن البعض يهول من آثار التغيير في سوريا الذي يلبي طموحات الشعب، ما يعني أن هذا التهويل هدفه إثارة المزيد من القلاقل أو الدفع في اتجاهها، بهدف خلط الأوراق وتحويل المسألة السورية إلى قضية إقليمية، بدلاً من حقيقة كونها مشكلاً داخلياً يتوجب حله بالوسائل السياسية.

ومن ينظر إلى اجتماع أصدقاء سوريا في روما، يتأكد من حقيقة أن دولاً كثيرة لم تبخل عن تقديم المساعدات الضرورية للشعب السوري حتى يخرج من أزمته التي تقترب أكثر فأكثر من إنهاء عامها الثاني، من دون أن تكون هناك جهود واضحة وجدية لإيجاد مخرج يوقف نزف الدم المتواصل، فضلاً عن الارتفاع المخيف في أعداد اللاجئين في دول الجوار، والذين قد يتجاوزون المليون، من دون نسيان ملايين من النازحين الداخليين، والذين بدورهم مغيبون عن اهتمامات المجتمع الدولي بسبب الأوضاع الداخلية المتأزمة.

المطلوب هو أن يتواصل تضافر الجهود الدولية، التي يجب أن تترجم على أرض الواقع نتائج ملموسة، والتشديد على محاصرة أي مواقف إقليمية أو دولية تسهم في تأجيج الاحتقان الطائفي في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط عموماً، التي هي في أمس الحاجة إلى الأمن والاستقرار ونزع فتيل الفتن المتناثر هنا وهناك.

والثابت، أن كل ذلك لن يكون إلا خلاصة آليات محددة وسياسة واضحة المعالم، واتفاق شامل في هذا الصدد يضع حداً لأي تدخلات غير حميدة من قبل البعض، ويفضي إلى حلحلة النزاع السوري، بحيث يمضي السوريون في طريق المستقبل، ويتغلبون على آلام الماضي، لكي تعود سوريا كما كانت دوماً عبر تاريخها الطويل.. وطناً لكل العرب.

=====================

سوريا بعد التوافق الأميركي الروسي.. والعربي

 ممدوح طه

البيان

1-3-2013

المتابع للشأن الدولي والإقليمي والعربي بكل تقاطعاته وتشابكاته وتبايناته، خصوصاً حول الأزمة السورية، يرى بوضوح متغيرات ظاهرة على كل المستويات في معظم المشاهد.

ويمكن أن يرصد ذلك الحراك السياسي والدبلوماسي المتسارع المتوافق والمتقاطع، سواء على المستوى الروسي الأميركي، أو على المستوى العربي الروسي، أو على المستوى السوري ـ السوري، بما يشير إلى أنه في نهاية النفق المظلم الذي يجد السوريون جميعاً أنفسهم محاصرين فيه، يلوح للجميع ضوء يشير للمخرج من المأزق الكارثي لا ينبغي تبديده.

ذلك المأزق الذي بات لا يحاصر الأطراف السورية المتصارعة وحدها، بل بدأ يحاصر بمخاطر استمرار تفاعلاته، وبأخطار كوارث تداعياته، كل الأطراف الإقليمية والدولية بغير استثناء، ما دفع الجميع إلى التراجع والمراجعة في المواقف السابقة عالية الأسقف، وبما أجبر الجميع على بدء النزول «الإبراهيمي» على السلم الروسي إلى أرض الحل السياسي، بعد الصعود «العربي» على السلم الأميركي أعلى الشجرة برهان خاسر على الحل العسكري وتكرار السيناريو الليبي!

هذا الحراك المتسارع يشير إلى أن الأسابيع المقبلة سوف تشهد خطوات عملية لحل الأزمة، وأنه من اليوم وحتى الخامس عشر من مارس، مع مرور عامين على انطلاقة الحراك الشعبي السوري وبداية الأزمة الدامية المفتوحة، فإن الواقع على الأرض مهما تشددت المواقف السياسية للأطراف.

ومهما اشتدت المواجهات بين العسكريين والمسلحين، ومهما تنقلت الانفجارات الإرهابية المفخخة ضد الأبرياء المدنيين، سوف يشهد انفراجات أكثر من الانفجارات، خصوصاً بعد التوافقات الروسية الأميركية في «ميونيخ» والتفاهمات العربية الروسية في «موسكو».

وفي الواقع فإن التغيير في الخطاب وفي السياسة تجاه الأزمة السورية، لم يحدث للأميركيين فقط، بل للسوريين وللعرب والمسلمين أيضاً، ففي «ميونيخ» جاءت المفاجأة التي سبقت القمة الإسلامية في القاهرة، بالدعوة للحوار مع النظام السوري بدلاً من الدمار، التي أطلقها الشيخ معاذ الخطيب رئيس المعارضين السوريين، لوقف نزف الدماء والتوصل إلى حل سياسي يحقق للشعب طموحه ويحفظ للوطن وحدته، الأمر الذي غير صياغة البيان الختامي للقمة وتضمينه الدعوة للحوار، بدلاً من إسقاط النظام.

وفي نهاية الأسبوع الماضي شهدت موسكو اجتماع «المنتدى العربي الروسي الأول»، الذي سعت الجامعة العربية عام 2009 إلى تحقيقه، والذي تأخرت الاستجابة لعقده مدة عامين، لغضب بعض العرب من السياسة الروسية تجاه سوريا. وفيه اجتمع الوفد الروسي برئاسة سيرغي لافروف، مع وفد وزاري عربي رباعي ضم وزراء خارجية مصر والعراق ولبنان والكويت، برئاسة الدكتور نبيل العربي أمين عام جامعة الدول العربية..

واتفق المنتدى على استبعاد الحل العسكري، ورفض التدخل الدولي، والدعوة للحل السلمي عبر الحوار والتفاوض بين المعارضة والنظام على أساس «بيان جنيف»، ورفض الإرهاب تحت كل الأسماء، ووضع استراتيجية للتعاون الاقتصادي العربي ـ الروسي.

وهو ما اعتبر تغييراً واضحاً في الموقف العربي، الذي سبق إلى دعم المعارضة المسلحة لإسقاط النظام السوري، بل وإلى استدعاء التدخل الدولي عبر مجلس الأمن على غرار السيناريو الليبي، وكأن الجامعة العربية كانت تهوى أن يلدغ العرب من ذات الجحر أكثر من مرة!

وقد بدأت تتضح معالم توافق دولي لحل الأزمة سياسياً، منذ لقاءات جنيف الأولى في بداية ديسمبر الماضي بين الدول الخمس الكبرى، وبعد لقاءات المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي ونائبي وزيري الخارجية الروسي والأميركي لحل الخلافات في «جنيف الثانية».

ومثلما بدأت عملية تغيير المعادلات الإقليمية والدولية التي كانت سائدة، عبر صراع دموي على الأرض السورية، بدأ تسارع الأطراف الدولية والإقليمية بوضوح إلى محاولات إعادة ترتيب تلك المعادلات، في حراك سياسي نحو الحل السياسي، انطلاقاً من قياس موازين القوى على الأرض، بما جعل التدخل العسكري الأطلسي مستحيلاً ومرفوضاً. ويعود ذلك لعدة أسباب، أبرزها:

ولاً؛ ما بدا واضحاً للأطراف السورية المتصارعة من أن طريق الحسم العسكري لأي طرف بات مسدوداً، وأن المراهنة عليه والاستمرار فيه، هو رهان على الدمار الوطني والانتحار الجماعي، وبما دفع الائتلاف السوري المعارض إلى دعوة النظام للحوار، لوقف نزف الدم السوري المراق بغير ثمن.

ثانياً؛ نتيجة للمخاوف الأميركية من انتشار نفوذ القاعدة والتيارات المتطرفة، خصوصاً «جبهة النصرة» السلفية المقاتلة، التي صنفتها واشنطن بـ«الإرهابية»، استفادة من التجربة الليبية، خصوصاً بعد مقتل سفيرها خلال الهجوم على سفارتها في بني غازي.

ثالثاً؛ تغير السياسة الخارجية الأميركية، من المغامرات العسكرية إلى المحاورات السياسية لحل الأزمات والمشكلات الدولية، وهو ما عكسه خطاب الرئيس أوباما مع ولايته الثانية، محولاً أنظاره إلى المحيط الهادئ بدلاً من الشرق الأوسط، ومركزاً على حلول الأزمات الاقتصادية الأميركية، بدلاً من المغامرات العسكرية الفاشلة في أفغانستان والعراق وليبيا التي سببت هذه الأزمات!

رابعاً؛ انتقال تداعيات الاقتتال السوري المسلح إلى دول الجوار الإقليمي بما يهدد المصالح الأميركية، بداية بتركيا التي تلوذ بحائط صواريخ الباتريوت وحلف الناتو خوفاً من المواجهة، ومروراً بشرارة الاشتعال الطائفي والعرقي في العراق، ونهاية بتوتر المسألة السنية الشيعية في لبنان، وانتقال مئات اللاجئين السوريين إلى هذه البلدان، إضافة إلى الأردن الذي يعاني من تضخم أعداد اللاجئين السوريين والتوتر المستمر داخل مخيم الزعتري!

خامساً؛ الخوف الإسرائيلي من إمكانية وقوع الأسلحة الكيميائية السورية في أيدي الجماعات المتطرفة، أو نقل الأسلحة الصاروخية إلى حزب الله اللبناني، ما يخلط الأوراق ويهدد أمن إسرائيل، وخوف أميركا على أمن حليفتها الاستراتيجية!

وترجمة لهذه المتغيرات الأميركية والعربية والسورية، في الموقف من الحل العسكري إلى الحل السياسي، يبدأ غداً جون كيري وزير الخارجية الأميركي، أول جولة له في لمنطقة منذ تسلم منصبه الجديد، في الولاية الجديدة لأوباما بسياسته الخارجية الجديدة، والتي سوف تكشف الغطاء عن مقاربة أميركية جديدة لمتغيرات وأزمات المنطقة، بما قد يعيد صياغة الموقف الأميركي من «الحلفاء» و«الأعداء» على السواء!

=====================

 التاريخ سيدور دورته ونظام الأسد

إلى متحف العاديات!

د. نقولا زيدان

المستقبل

1-3-2013

تتواصل الحرب الداخلية التدميرية التي يقودها حزب الله ضد اللبنانيين بعناد وإصرار لا مثيل له. وتنصبّ كل جهود الحزب، وعلى كافة الصعد والميادين والمستويات لإخضاع اللبنانيين بشتى الطرق والأساليب المعلنة منها والمستورة والمبطنة للأمر الواقع. والأمر الواقع هذا قد شهد بدايته في نموه وصعوده وتطوره الحثيث للقرن الماضي عندما أوكل نظام الوصاية السوري الأسدي ونظامه الأمني القسري لحزب الله أمراً في غاية الخطورة ألا وهو مقاومة إسرائيل، إسرائيل نفسها التي يهادنها النظام الأسدي منذ حرب تشرين 1973.

فلا طلقة واحدة على الجولان ولا قذيفة، بل أدوات الحرب تمركزت على البطن الرخو للنظام الأسدي وهو لبنان. فبالتصفية الجسدية والاحتواء والتهميش والإلغاء اختصر حزب الله المقاومة فعلاً وشعاراً وثقافة لفظية. ذلك أن النظام الإيراني المذهبي كان قبل عام 1982 ببضع سنوات قد بدأ يعبّر عن طموحاته المحمومة وجموحه نحو المتوسط.

ففي لبنان اضطلع حزب الله بأعباء هذه المهمة، وفي فلسطين جرى العمل على قصم ظهر منظمة التحرير وإنشاء مقاومة فلسطينية رديفة بل بديلة.

دخل حزب الله البرلمان ثم راح يشارك في الحكومات ويبني بصبر وعناية وأناة ترسانة سلاح موازية للجيش الوطني الذي كانت الطغمة الحاكمة في دمشق تعمل شكلياً على تزويده ببعض فائض السلاح السوري في الوقت الذي كانت سلطة الوصاية السورية تربط الوطن الصغير بالاتفاقات والمعاهدات المذلة، فانكفأ المسيحيون عن المشاركة في الحياة السياسية في ظل موجة هائلة من الهجرة المسيحية إلى الخارج القريب والنهائي.

ليس هذا مهماً فحسب، بل هو كان يخفي ما وصلنا إليه الآن. وما وصلنا إليه الآن ما كان بالإمكان الوصول إليه حتى مقاربته إلا عبر دم الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ذلك أن سياسة البناء والإعمار وإعادة استنهاض لبنان من تحت ركام الحرب الأهلية المدمّرة التي تفانى الشهيد الكبير في تحقيقها من دون كلل أو مساومة بدت عملياً وبالملموس على أرض الواقع النقيض الكلي لسياسة التبعية والخضوع والامتثال التي برعت فيها حكومة عنجر آنذاك. فالرجل ومشروعه الاستقلالي، ورشة العمل التي كانت تعمل بكل طاقتها، ابتداء بالبنى التحتية ومروراً بوسط مدينة بيروت وانتهاء بالمؤسسات والجامعات والمدارس، ما عدا عودة الرساميل والتوظيفات شكّلت بحق مشروع إعادة الحياة لهذا الجسم البض الجميل الذي هو لبنان.

إلا أن التحالف الإيراني الأسدي وأدواته اللبنانية المتمثلة بحزب الله كانت تراقب بقلق بالغ دفين كل ما كان يمثل الرئيس الشهيد، خاصة مع ما كان قد بلغه من شأوٍ لبناني وعربي ودولي. احتضن المقاومة رغماً عن احتكار حزب الله لها وفي آن معاً راح يسعى من دون صخب إعلامي ولا زعاق مبتذل لطالما عودنا عليه سياسيو الصناعة السورية، لاستخلاص لبنان من قبضة الانتداب الأسدي المذل. إننا لا نعلم الكثير عن متى ولا عن ملابسات صدور قرار الاغتيال جريمة العصر، إلا أننا نشهد الآن نتائجه الكارثية المدمرة.

إن المراقبين المدققين والخبراء الحصينين المدركين لتركيبة النظامين الإيراني والأسدي، والمطلعين على المناخ العام والموقف الداخلي لحزب الله لم تصبهم كما أصبنا نحن كلبنانيين وعرب بتلك الصدمة الهائلة من جراء اغتياله المخيف، إنهم يقولون لنا إن ذلك الزلزال كان محتسباً ومتوقعاً. فالرجل الكبير بأدائه وممارسته وكل المناخ النقيض المحيط به للمشروع الاستحواذي وكل طاقم عمله كان الأب الفعلي لقرنة شهوان ولقاء البريستول وبيان بيروت بل الأخ الحقيقي لضمير بكركي المعاند. وقد قيل ذلك غداة استشهاده: هل كنتم تتوقعون غير الذي جرى وأن يمر ساطور الجلاد على رقبة عنفوانه الاستقلالي، فقد أصبح رفيق الحريري بلبنان الذي استيقظ بعد سبات أمراً لا يطاق، منذ كبرتم وإياه وبه ومعه أكثر مما هو مسموح لكم، لذا صدر القرار بإعادتكم إلى نقطة الصفر: بالاغتيال.

أصبنا جميعاً بالهلع والذعر، لا سيما ان الضربات الدموية توالت علينا فراحت تمطرنا أدوات القتل جحيماً متواصلاً من الحديد والنار والاغتيال. إنهم يجرون حساباتهم بدقة متناهية في الوقت الذي كنا نوري شهداءنا في الثرى إنهم يحصوننا جيداً كمال يقال لكن النتائج فاجأتهم.

حسناً لقد حصدتم أكثرية البرلمان، فتربصوا وانتظروا لأنكم ستتناقصون واحداً واحداً. فبحرب مشؤومة كان بالإمكان تجنبها، وباحتلال وسط بيروت، وبالتخوين وكيل التهم الوقحة، وباستمرار آلة القتل، وبحوار عقيم تجنباً لكارثة حرب أهلية جديدة، وباحتلال بيروت وإرهاب أهلها، وفرض الإرادة الجبروتية المدججة بالصواريخ والسلاح، وبفرض الانصياع لقرارات المحكمة الدولية، بل بالانقلاب الموقع المدروس على حكومة سعد الحريري الوفاقية، وتدفق المال الإلهي الحلال لشراء الضمائر والأقلام والصحف والتلفزة ووسائل الإعلام ورجال الدين من شتى المذاهب جرى فرض حكومة الصناعة السورية الأسدية على رقابنا.

لقد تعطل المنطق عندهم وتحول الخطاب السياسي إلى شتائم واتهامات أقرب للمهزلة التي تلامس الدرك الأسفل للاستخفاف الكيدي بعقول الناس. فأي لبنان هو هذا، قولوا لنا ماذا صنعتم من لبنان ولأي حال من الفقر والأدقاع والتعاسة والعتمة والبطالة والتسيب وإغلاق المصانع والمدارس وإفلاس المؤسسات وحروب الرساميل وأي كذب موصوف في الخطاب السياسي أغرقتم فيه الوطن الصغير، إن كل ما صنعه رفيق الحريري للبنان مستهدف الآن.

في أية متاهة ودوامة وحلقة مفرغة أغرقتم فيها اللبنانيين في جدال ونقاش وتداول وأخذ ورد حول قانون الانتخاب، فاستنفرتم الطوائف والأديان والمذاهب والمجموعات والأطياف الإثنية التي لا تخطر على بال بقصد تعطيل الاستحقاق الدستوري وإبقاء لبنان هكذا محمية إيرانية بنكهة أسدية لن يطول عمرها. أوتعتقدون حقاً أن حالاً كهذه ستستمر إلى ما لا نهاية؟

وبأي موقف مخزٍ ومشين ووصمة عار في جبين اللبنانيين لطختم ذاكرة التاريخ عندما تهاجمون بل تطلقون النار على الثورة السورية من الخلف في تحايل مضحك مبكٍ على الجغرافيا، فنقلتم ويا للأسى، إلى القرى والدساكر الشامية الأمراض إياها التي زرعتم عندنا في لبنان: الاقتتال المذهبي. لعلكم تودون الاشتراك بالحوار المستحيل بين حاكم دمشق والمعارضة الثورية السورية، ما دمتم قد تحولتم إلى طرف مسلح فاعل في القتال. لكن علينا الآن مصارحتكم:

إن التاريخ سيدور دورته والحتم التاريخي سيرسل نظام الأسد إلى متحف العاديات.

=====================

جبهة النصرة ليست ذريعة لخذلان الثورة السورية

 ياسر أبو هلالة

الغد الاردنية

1-3-2013

توجد مبالغة في الحديث عن جبهة النصرة من أكثر الأطراف؛ مبالغة في تقدير دور الجبهة أو التقليل منه على السواء، بقدر المبالغة في شيطنتها أو الدفاع عنها. وهذه المبالغة لا تخدم القضية السورية التي توشك أن تدخل عامها الثالث؛ ما يخدمها هو التعامل مع الوقائع كما هي، سواء ما تعلق بالنظام أو بالثورة.

بداية، النظام السوري والأميركيون هما أكثر الأطراف مبالغة في الحديث عن النصرة، ولكل أسبابه. فالنظام، منذ اليوم الأول للثورة، لم يتعامل معها باعتبارها ثورة حرية وكرامة، بل مارس أسوأ أشكال العنف والإجرام بحقها، متذرعا بأن الثوار السلميين هم عصابات سلفية إخوانية قاعدية إرهابية.

في المقابل، ولحسابات أميركية وإسرائيلية وإقليمية معقدة، أراد الأميركيون إعفاء أنفسهم من المسؤولية الأخلاقية تجاه الجرائم التي يتعرض لها الشعب السوري، من خلال الحديث عن جبهة النصرة باعتبارها تنظيما إرهابيا مرتبطا بالقاعدة، سرق الثورة السورية. وبالتالي، فرضوا حظرا على تسليح الثوار خشية وقوع السلاح بيد التنظيم غير المنضبط الذي يهدد إسرائيل والمصالح الأميركية.

بالنتيجة، قويت جبهة النصرة وتجذرت. فأمام إرهاب النظام وحلفائه من إيران وحزب الله وروسيا، ذوت شعارات الحرية والكرامة والدولة المدنية والمواطنة، لصالح دعوات الثأر والانتقام المستندة إلى الخطاب العنيف الذي يشخص ما يجري بأنه معركة طائفية ضد أهل السنة. لكن ذلك كله لم يكن كافيا وحده لتقوية جبهة النصرة؛ فالتخاذل الدولي عزز نظرتها إلى الغرب عموما بوصفه مخادعا يتآمر على أهل الإسلام سرا، ويظهر التعاطف الكاذب علنا.

ميدانيا، استفادت جبهة النصرة من الدرس العراقي، فلم تتورط في عمل إرهابي يستهدف المدنيين، وتمتعت بخبرة قتالية عالية، وحظيت بالقبول حتى في أوساط مسيحية، وظلت بشهادة كثير من المراقبين واحدة من أكثر التنظيمات انضباطا وحرفية في القتال. والمواطن السوري الذي تعامل مع جبهة النصرة عن قرب، يتحدث عن جماعة أخرى غير التي يروج لها في إعلام النظام السوري أو تصريحات المسؤولين الأميركيين.

هذا لا يعني الوقوع في المبالغة المضادة. النصرة ليست الثورة السورية التي ولدت تفيض عفوية وسلمية ورقة. هذه الثورة مخاضها في مثل هذه الأيام، عندما اعتقل الضابط المتوحش مدير الأمن السياسي في درعا، وهو من خؤولة بشار، أطفال درعا وسامهم سوء العذاب، بعد أن كتبوا على جدران المدرسة "الشعب يريد إسقاط النظام".

يجب التذكير دائما بأنها ثورة سابقة لكل التنظيمات، معتدلة ومتطرفة. عندما ذهب الوجهاء إلى عاطف نجيب، رد عليهم الرد الجارج للكرامة والشرف، فكان أن تنادى الشباب في بيت أول من كبر في جامع الحمزة والعباس الشهيد علي المسالمة، ولم يخبروا بتحركهم غير الشيخ أحمد الصياصنة. هؤلاء الشباب لم يكونوا في أي تنظيم، ولم يكونوا عاطلين عن العمل، ولم يتلقوا تعليما عاليا؛ كانوا كأكثرية شباب سورية الذي يتوق للحرية والكرامة.

هؤلاء الشباب غير "النصرة"؛ فهم لم يحملوا السلاح، وهتفوا أمام زخات الرصاص "سلمية.. سلمية". النصرة تنظيم عسكري، له هوية فكرية وسياسية غير هوية الثورة السورية. شباب النصرة جلهم سوريون، لكنهم لا يؤمنون بالدولة المدنية الديمقراطية. وهذا التصور يحتاج نقاشا وحوارا، لا تصنيف الجبهة باعتبارها عدو الشعب السوري.

في أسوأ الأحوال، "النصرة" إرهاب محتمل مستقبل، والنظام إرهاب مؤكد جاثم وعريق وعميق. واستفحال هذا الإرهاب هو ما استدعى ردات فعل "النصرة" وغيرها. وتآمر العالم على الثوار المعتدلين، من خلال حظر السلاح، لن يؤدي إلى ضعف "النصرة"، بل سيؤدي إلى تحول الجماعات الأخرى باتجاهها. إن خذلان الثورة السورية على مستوى العرب والعالم، جعل الشباب العربي يلتحق بالنصرة، إبراء للذمة.

yaser.hilila@alghad.jo

========================

لم تقتل إسرائيل مائة ألف سوري!

عماد الدين أديب

الشرق الاوسط

28-2-2013

إسرائيل، هي بالتأكيد، العدو التاريخي للعالم العربي منذ عقود طويلة ولعقود مقبلة.

ومن وسائل تفسير ظاهرة «العدو»، وهنا نتحدث عن أي عدو، أنه الطرف الأكثر إحداثا للضرر تجاهنا، لأنه، ببساطة، عدو.

العدو هو الذي يلحق الأذى، والشقيق هو الذي يصلح الضرر ويمنع الخطر.

هنا، يصبح السؤال صعبا، ومحيرا، حينما يكون الضرر والأذى الآتيان من الشقيق أضعاف أضعاف ما يأتي من العدو!

المنطق البسيط الساذج البدائي الذي لا يحتاج إلى ذكاء غير عادي، ولا عبقرية فكرية، ولا الحصول على رسائل دكتوراه من السوربون أو كمبردج أو كولومبيا - هو أن «العدو» هو من يقتل ويصيب ويدمر، والشقيق هو من يدافع ويحمي ويمنع الضرر.

في عالمنا العربي، المنطق - كالعادة - معكوس!

في عالمنا العربي، قتل العرب من العرب أكثر مما قتلت إسرائيل من العرب! في غزو إسرائيل للبنان، قتلت الميليشيات اللبنانية من الفلسطينيين أكثر مما قتلت إسرائيل!

وفي الحرب الأهلية اللبنانية، قتل اللبناني شقيقه اللبناني أكثر مما قتل أي عدد آخر.

وفي العراق، قتلت السلطة من شعبها أكثر مما قتلت إيران في حربها الطويلة مع العراق.

وفي الجزائر، وليبيا، ومصر، واليمن، دخلت السلطات الأمنية في حروب مع مواطنيها كلفت البلاد ضحايا بالمئات والآلاف في مصادمات دموية بين السلطات والقوى الدينية المتطرفة.

أما في سوريا، فإن تاريخ مصادمات نظام البعث، سواء كان في عهد الرئيس الأسد الأب أو الأسد الابن، تاريخ مؤلم للغاية، فيه تواؤم لا ينتهي من الضحايا الذين لقوا نحبهم على يد هذه الأنظمة المتعاقبة.

ورغم أن سوريا دولة مواجهة عسكرية مع العدو الإسرائيلي، ورغم أن جيشها من الأقوى تسليحا وأكثر الجيوش المركزية جهوزية، فإن ضحايا هذا الجيش من المواطنين السوريين يساوي عشرة أضعاف - على الأقل - قتلاه من العدو الإسرائيلي!

لقد قتل جيش «الدفاع السوري» من المواطنين السوريين المدنيين العزل أضعاف أضعاف من استشهد على يد جيش «الاحتلال» الإسرائيلي في كافة المواجهات العسكرية التاريخية بين البلدين.

لم تقصف إسرائيل مدينة سورية بالمدفعية الثقيلة، ولم تجرؤ إسرائيل على إعطاء الأوامر لمقاتلاتها القاذفة بضرب المدنيين السوريين بشكل عشوائي.

هل هذا معقول يا عرب؟ يا مسلمين؟!

=====================

مناورات وألاعيب دولية والمعلم روج لطبخة مسمومة

صالح القلاب

الشرق الاوسط

28-2-2013

كل هذه «السمسرات» والوساطات والألاعيب للتوسط بين نظام بشار الأسد والمعارضة السورية سيكون مصيرها الفشل، وهي لن تؤدي إلا إلى المزيد من إراقة دماء السوريين، وتدمير مدنهم وقراهم وتمزيق أجساد أطفالهم، فهذا النظام مصرّ على ما كان بدأه قبل نحو عامين، عندما لم يجد مدير استخباراته في درعا الحورانية ما يعالج به لعبة أطفال صغار، أثّر عليهم مشهد «الربيع العربي» العام، فكتبوا على جدران مدرستهم: «الشعب يريد إسقاط النظام»، إلا تخليع أظافرهم وإهانة أولياء أمورهم بطريقة نابية على الأخلاق ومرفوضة، وفقا للأعراف السائدة في الشرق والغرب، وفي كل مكان.

فقبل أيام قليلة من بداية هذه الوساطات السرية والعلنية، التي شارك فيها عرب و«عجم» وروس وأميركيون وأوروبيون والأمم المتحدة من خلال مندوبها لهذه الأزمة الأخضر الإبراهيمي، وشاركت فيها أيضا الجامعة العربية من خلال أمينها العام نبيل العربي، قال بشار الأسد إنه منتصر لا محالة، وإن الأمور ستنتهي لمصلحته، ولقد جاء قوله هذا بعدما توقف بعض الدعم عن الجيش السوري الحر، وبعدما وصل تسويق مبادرة الشيخ معاذ الخطيب إلى ما يشبه «الشِّحذة» والاستجداء. المفترض أن الدور الروسي تجاه كل ما يجري ولا يزال يجري في سوريا بات معروفا؛ فورثة الاتحاد السوفياتي «العظيم»!! مصرّون على بقاء هذا النظام وبأي ثمن، ومصرون على إفشال انتفاضة الشعب السوري كفشل انتفاضة حماه في عام 1982، التي ساهم في إفشالها «الرفاق» في موسكو، بالسكوت على ذبح أكثر من 40 ألفا من أبناء هذه المدينة الباسلة، وترويج الكذبة نفسها التي يجري تداولها الآن من قبل «أعوان» بشار الأسد وحلفائه، القائلة إن كل ما في الأمر أن نظاما تقدميا «ممانعا ومقاوما» قد اضطر للدفاع عن نفسه ضد «عصابات إرهابية» وضد مؤامرة إمبريالية سكناجية وصهيونية.

والمفترض أيضا أن بعض العرب الذين حشروا أنوفهم في لعبة ومناورة الوساطات هذه، تحت عنوان ضرورة الإسراع بإنجاز الحل السياسي المطلوب لإنقاذ سوريا من التمزق والتشظي ومن المصير الأسود الذي بات قريبا وعلى الأبواب، يعرفون أن قرار بشار الأسد، حتى وإن هو فعلا يسعى لحل على أساس «ألا يجوع الذئب، وألا تفنى الأغنام»، وبالطبع، فإن هذا غير صحيح على الإطلاق، ليس بيده، وإنما بيد الولي الفقيه في طهران، وفي أيدي المنظومة الأمنية والعسكرية، وهي منظومة طائفية حتى النخاع الشوكي، التي كانت ولا تزال صاحبة الحول والطول، ولا قرار في سوريا إلا قرارها.

كان على هؤلاء العرب وعلى الأميركيين والأوروبيين أن يفهموا معنى أن يصف أحد أقرب المقربين من الولي الفقيه علي خامنئي سوريا، هذا البلد العربي العريق والرئيسي والاستراتيجي الذي يرفع شعار: «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة»، بأنه المحافظة الإيرانية الخامسة والثلاثين، وأيضا معنى أن يكون الآمر والناهي في غرفة عمليات الجيش السوري هو قائد فيلق القدس التابع لحراس الثورة الإيرانية، الجنرال قاسم سليماني، وأن تصل «الوقاحة» بجيش حزب الله اللبناني إلى أن لا يتورع عن الإعلان، وعلى رؤوس الأشهاد، عن أن قواته تقاتل حاليا في نحو 20 قرية سورية في محافظة حمص، بحجة أن سكانها ينتمون للطائفة الشيعية.

وكان على هؤلاء العرب أن يفهموا ويدركوا أيضا معنى أن يبقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يردد، منذ بداية هذا الذي يجري في سوريا، والذي اقترب موعد ذكراه الثانية، أن بشار الأسد لا يمكن أن يتنحى، وأنه لا يمكن أن يستمع ويستجيب لأي مطالبة له بالتنحي، كما أن عليهم أن يدركوا ويفهموا معنى أن يقول الأخضر الإبراهيمي ومع بدايات هذه الوساطات، التي تشبه القفز فوق الحبال المشدودة، إن الرئيس السوري أبلغه أنه مواطن سوري، وأن من حقه أن يترشح مجددا لمنصب رئيس الجمهورية في الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي من المفترض أن تجري في العام المقبل (2014).

في اليوم نفسه الذي تم فيه كشف النقاب عن اتصالات أميركية - روسية «مكثفة» لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية المتفاقمة، رافقتها تحركات من قبل بعض الذين يظنون أنهم قادرون على البقاء في المساحات الرمادية، وأنهم قادرون على الاستمرار في اتخاذ موقف اللاموقف، لجأ بشار الأسد إلى قصف بعض أحياء مدينة حلب السكنية بالصواريخ البالستية من طراز «سكود»، وذلك في حين أن المفترض أن يوقف عملياته العسكرية احتراما لأصحاب هذه الاتصالات، وكدلالة على أنه معني فعلا بأي حل يتم التوصل إليه، على أساس التنازلات المتبادلة، إنْ منْ قِبَله وإنْ منْ قِبَلِ الجيش الحر والمعارضة السورية التي غدت بموقف واحد وبقيادة موحدة.

إن كل هذه الوساطات وكل هذه الاتصالات الأميركية - الروسية من المستبعد جدا أن تكتب، ولو الحد الأدنى، من النجاح، فالرئيس السوري لديه إصرار على خوض هذه المعركة حتى النهاية، وعلى غرار ما فعله أبوه بحماه في فبراير (شباط) 1982. والإيرانيون متورطون في القتال ضد الجيش الحر والمعارضة السورية حتى ذقونهم، والروس يسعون لأخذ مكانة الاتحاد السوفياتي في المعادلة الدولية الجديدة. ولذلك فإنهم إذ يصرون على إنهاء عالم القطب الواحد، الذي هو القطب الأميركي، لحساب عالم متعدد الأقطاب، وفقا لما كان عليه الوضع في نهايات ثمانينات القرن الماضي وبدايات تسعيناته، فإنهم لا يجدون ساحة يخوضون صراعهم عليها مع الأميركيين، من أجل هذه الغاية إلا الساحة السورية.. فالآن هناك لعبة أمم جديدة، ثم إنه لم يعد هناك أي شك بأن الصراع على هذا البلد الاستراتيجي والرئيسي والمحوري قد عاد مرة أخرى، وكما كان عليه الوضع في نهايات عقد أربعينات القرن الماضي وعلى مدى عقد خمسيناته وعقد ستيناته أيضا.

لذلك، ولأنه من المستبعد جدا - بسبب كل هذا الصراع الإقليمي والدولي المحتدم على سوريا الذي استدرجه بشار الأسد استدراجا - التوصل إلى حل مقبول وتسوية معقولة لا بين الأميركيين والروس ولا بين بعض العرب و«العجم»، فإن هذا التصعيد الذي عنوانه إرسال وجبة صواريخ «سكود» الأخيرة، التي أرسلها هذا النظام، الذي غدا انتحاريا، إلى حلب، سوف يستمر ومعه سيستمر التدخل العسكري الإيراني إن مباشرة، وإن من خلال حزب الله، وسيستمر أيضا الدعم الروسي السياسي والعسكري الذي هو - في حقيقة الأمر - لم يتوقف ولا للحظة واحدة على مدى العامين الماضيين، والذي من غير المتوقع أن يتوقف، ما لم يرضخ الأميركيون للإملاءات والمطالب الروسية؛ سواء في الشرق الأوسط أو في أوروبا الشرقية.

وحقيقة أن هذا يستدعي أن يتخلى بعض العرب «المستنكفين» عن حياديتهم التي يحاولون الاحتماء بها من استحقاقات كل هذا الذي يجري في سوريا، وأن يدركوا أولا أن الحياد بالنسبة لأزمة كهذه الأزمة غير ممكن على الإطلاق، وثانيا أن ثمنه، أي هذا الحياد، في حال بقاء بشار الأسد وبقاء نظامه سيكون مكلفا جدا؛ فالإيرانيون الذين يخوضون هذه الحرب المحتدمة منذ البدايات، سيعتبرون أن مثل هذا البقاء انتصار، طالما بقوا ينتظرونه لتجديد هجومهم العسكري والسياسي على هذه المنطقة، ولتحقيق حلم استعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية. لا يمكن أن تسفر محاولات الحل السياسي هذه بين الأميركيين والروس عن أي شيء، ويجب أن تفهم تصريحات وليد المعلم التي أدلى بها خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو على حقيقتها، وهي أنها مناورة بتخطيط روسي وتخاذل أميركي، وأن الهدف هو محاصرة المعارضة دوليا والبطش بها تحت ستار كل هذه الألاعيب التآمرية، والسعي لتثبيت بشار الأسد، وضمان التجديد له في انتخابات 2014، وإلا ما معنى كل هذا التصعيد العسكري الأخير الذي لجأ إليه النظام، والذي كان عنوانه استخدام الصواريخ البالستية.

لكن يجب أن يدرك هؤلاء المتآمرون، الذين «يشدون على أيديهم» أن هذه اللعبة مكشوفة، وأنه لا نجاح إطلاقا لهذه المؤامرة القذرة؛ فالشعب السوري الذي قدم كل هذه التضحيات الغالية والثمينة لا يمكن أن يرفع يديه استسلاما، ولا يمكن أن «يكتفي من الغنيمة بالإياب»، فالمثل يقول: «من يخطب الحسناء لا يُغله المهر»، والمؤكد أن من قطع ثلاثة أرباع الطريق سوف يواصل السير في الاتجاه ذاته، وسوف يستمر ليقطع الربع الأخير من هذا الطريق، فهذا هو ثمن الدماء التي نزفت، الذي لا ثمن غيره.

=====================

مواعظ كيري .. ومجازر الأسد

اليوم السعودية

28-2-2013

يعترف وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أن المعارضة السورية بحاجة إلى مساعدة. وليس ذلك جديداً لأن أي مراقب للمشهد السوري يعرف أن الثورة السورية عزلاء وتواجه نظاماً وحشياً مسلحاً بدعم دولة كبرى هي روسيا ودولة إقليمية هي إيران، مفرطة في العدوانية للشعب العربي السوري.

وفي وقت تمنع الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، السوريين من التسليح للدفاع عن أنفسهم، يزود النظام بأفتك الأسلحة الروسية ومنتجات المصانع الإيرانية.

ولا تكفي مواعظ كيري للنظام السوري بأنه لن يتمكن من السيطرة على سوريا باستخدام السلاح، إذ يتعين على الإدارة الأمريكية التي تدعي صداقتها للشعب السوري وتدعي وقوفها إلى جانب حقوق الإنسان والشعوب المغلوبة، أن تقف وقفة صادقة وتاريخية مع الشعب السوري وأن تبادر اما إلى السماح بوصول الأسلحة إلى المقاتلين السوريين أو توجيه ضربة عسكرية للنظام لوقف جرائمه وعدوانه، أو على الأقل تمنع روسيا وإيران من التدخل في الشأن السوري ومنعهما من إمداد النظام بأدوات الموت.

وكيفما كانت الحال، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تتحمل مسئولية أخلاقية ومسئولية مباشرة بتلكؤ المجتمع الدولي عن مساعدة الشعب السوري ومنع جرائمه الوحشية. خاصة بعد أن ثبت بالمشاهد الحية ولكل ذي لب، أن نظام الأسد قد تخلى حتى عن أقنعته التجميلية، وبدأ يفصح عن عمالته وأنه وكيل مخلص لإيران وأن طهران هي التي تدير الأوضاع في سوريا الأسيرة.

وفي الحقيقة فإن نظام الاسد لا يملك أي قرار في سوريا، وإنما هو منفذ أمين لأوامر طهران وقادة ميليشياتها، وأي محادثات مع نظام الأسد ورعاته ليست إلا مضيعة للوقت، إذ ليس لدى طهران أو موسكو إلا مشروع واحد هو قتل السوريين وتدمير المدن السورية، وهو المشروع الذي تنفذه موسكو وطهران في سوريا، بأدوات النظام أو بعدوان مباشر من ميليشيات تابعة لإيران تنجز مهام التطهير العرقي والطائفي بأبشع صورها، وبكرم سخي من حمى التسليح الروسي للنظام.

والشعب السوري يعرف هذا، ويعرف أيضاً أن الولايات المتحدة تتلكأ، وتحاول المتاجرة بالقضية السورية اما لحساب إسرائيل أو لحساب محادثات الملف النووي أو على قضايا عالقة بين واشنطن وموسكو. لهذا يعتمد السوريون على أنفسهم وعلى إخوانهم في العروبة الذين يقفون مع السوريين ويدعمون قضيتهم العادلة ولابد لهذا الليل أن ينجلي، لأن إرادة السوريين أقوى من عملاء النظام وميليشيات إيران وأسلحة موسكو. وقد أثبت السوريون قوة بأسهم، إذ تمكنوا من تحقيق انتصارات باهرة على الرغم من الاستماتة الإيرانية الروسية في دعم نظام الأسد.

 

=====================

كيري يتبنى «الحل الروسي»

حسان حيدر

الخميس ٢٨ فبراير ٢٠١٣

الحياة

الرسالة التي ستتبلغها المعارضة السورية في روما اليوم، هي أن الأميركيين والأوروبيين لن يقاتلوا لإطاحة بشار الأسد، وانهم يتبنون «الحل الروسي» الذي وضع أسسه اتفاق جنيف، في مقابل تعهد روسيا بأنها لن تقاتل للإبقاء على نظام دمشق، بل ستساعد على رحيله بخطوات تدريجية.

وسيسمع ممثلو الائتلاف الوطني أن عليهم وسائر المعارضين القبول بالدخول في مفاوضات بشأن مرحلة انتقالية يبقى خلالها الأسد رئيسا بصلاحيات شكلية، وأن استمرار المساعدات المالية والعسكرية «غير الفتاكة» والدعم السياسي رهن بقبولهم هذا العرض.

هذا عملياً ما توصل إليه وزيرا خارجية أميركا وروسيا كيري ولافروف خلال لقائهما في برلين أول من امس، بعدما كانت سبقت ذلك إشارات واضحة من واشنطن بأنها وضعت الملف في يد موسكو، على أن يحظى برعايتهما المشتركة، تماماً مثلما حصل في اليمن، عندما سُلمت القضية إلى مجلس التعاون الخليجي ودعمت كل من واشنطن وموسكو مبادرته الناجحة التي انتهت بتسوية تاريخية من دون إراقة دماء.

وكانت المعارضة السورية حاولت التملص من لقاء روما تجنباً لإحراج نفسها وإحداث مزيد من الانقسام في صفوفها إذا ما اضطرت إلى التسليم بالواقع الدولي والقبول بالاقتراحات المشتركة، لكن كيري أصر على تسليمها الرسالة بنفسه.

وإذا كان المعارضون رأوا في «التنازل» الذي اعلنه وزير الخارجية السوري وليد المعلم من موسكو، بأن حكومته توافق على محاورة المعارضة المسلحة، مجردَ مناورة سرعان ما نقضتها دمشق نفسها عندما اشترطت إلقاء السلاح، فإن الأميركيين، الذين حصلوا على ما يبدو على ضمانات روسية حول جدية عرض المعلم ووعود بخطوات إجرائية من جانب النظام، يريدون من المعارضة اتخاذ خطوة إيجابيه مقابلة عندما تجتمع السبت في إسطنبول لاختيار رئيس للحكومة الانتقالية التي تعتزم تشكيلها. وتشدد واشنطن على اختيار شخصية معتدلة تقبل الحوار وتقدر على فرضه، وإذا تعذر ذلك إلغاء فكرة الحكومة الانتقالية من أساسها وانتظار بدء المفاوضات مع دمشق وتبلور فكرة حكومة مشتركة.

لكن هذا «السيناريو الوردي» الذي توصل إليه الأميركيون والروس يحتاج إلى الكثير من العوامل لإنجاحه، فالثقة معدومة بين الطرفين، المعارضة والنظام، وبناؤها يحتاج وقتاً وجهداً كبيراً. ولعل هذا ما تراهن عليه موسكو، إذ قد تنتهي ولاية الأسد قبل أن تنتهي المفاوضات، وبذلك تكون وفرت على نفسها سمعة التخلي عن حليفها.

أما الواقع على الأرض، فقد لا يسمح بتكرار التجربة اليمنية في سورية، فالحرب خلفت دماراً وخسائر بشرية واقتصادية فادحة وسببت ندوباً غائرة في النسيج الاجتماعي السوري لن يسهل القفز فوقها، وكلا الطرفين لا يزال يتمسك عملياً بمواقفه ومواقعه، ويعتقد أن بإمكانه مع قليل من المساعدة إلحاق الهزيمة بالآخر وفرض شروطه عليه.

وهناك أيضاً تعدد الأطراف الخارجية المؤثرة، فما تقبل به موسكو قد لا يناسب طهران، المتورطة بالسلاح والمال والرجال، والتي تريد دمج الحل السوري في سلة تفاوضية كاملة مع الغرب. وما يؤيده العرب الداعمون للمعارضة قد لا يلقى قبول أطراف أخرى تحاول الوقوف في الوسط، مثل مصر وتركيا.

لكن الخلاصة الإيجابية هي اقتناع الجميع بأن نظام الأسد لا يمكن أن يستمر، وتبقى عملية الإخراج المناسبة لرسم خريطة النفوذ في النظام الجديد.

=====================

لمن البقاء في السنة الثالثة: للشعب... أم لـ«الشبّيحة»؟

عبدالوهاب بدرخان *

الخميس ٢٨ فبراير ٢٠١٣

الحياة

ما يحدث للمواقع الأثرية في حلب وإدلب والمعرة ودير الزور وحمص وحماه، وربما قريباً دمشق، له تفسير واحد هو أن روح البلاد صارت في مهب الريح، أن الحياة عادت الى بدائيتها، وأن الإفلاس الأخلاقي الذي بادر النظام به شعبه ماضٍ في استشرائه وباءً لعيناً. وعندما يكون الفقر، لا الكفاف ولا الوفرة، شكل الحياة التي رسمها «الاستقرار» في ظل الاستبداد، فلكم أن تتخيّلوا ما يمكن أن يكون عليه العيش حين تمعن الصواريخ والقنابل و «الشبيحة» في نزع حتى أكثر وسائل ضآلةً للتعايش مع الفقر والتحايل عليه. بلى، حاول التضامن الأهلي، المتجاوز الاعتبارات الطائفية أحياناً، ويحاول التخفيف من قسوة الزمن وبربريّته، من ظلم المارقين السارقين الوطن الظّانين أن صواريخ «سكود» أو أي أسلحة اخرى ستمكّنهم من الإفلات. هذا شعب أهين كثيراً وطويلاً في استكانته وسكوته، ويُهان في هبّته وصراخه من أجل حرّيته. فالناس تشرّدت وخافت وأُذلّت، جاعت وظمأت وبردت، يعيش بعضهم في مغاور أثرية في خيام في قاعات المدارس وفي العراء، يئن أطفالهم ألماً ويبكي كبارهم وهم يوارون الشهداء، ومع ذلك يزدادون كل يوم حباً لوطنه وتمسكاً بالكرامة. هذا وطن انكشف أمام نفسه والعالم، أمام ماضيه والمستقبل، وهذا نظام برهن أنه من سلالات غير بشرية، لم يكن ولن يكون منتمياً الى التاريخ الانساني.

في السنة الثالثة لهذه الملحمة المأسوية غير المسبوقة، لا بد من أن يتقرر أخيراً لمن البقاء: للشعب أم لـ «الشبّيحة». ذهب النظام الى أقصى التمادي في التوحّش. تطارده جرائمه والشبهات الى حدّ يصعب معه الجزم في من ارتكب التفجير في دمشق: ارهابيّوه أم خصومه الارهابيون. له سجل أسود طويل، أقلّه في لبنان، في ارسال القتلة الى القتل ثم قتلهم، في فرض الهدنات ثم خرقها، في اجتراح المصالحات عشية التنكّر لها، في إعطاء الأمان لأشخاص قبيل اغتيالهم ثم تقدّم مواكب المعزّين بهم، وفي ايهام العملاء بأنهم اذ يبيعون أنفسهم اليه يقاربون المجد ويصدّقون ليكتشفوا ذات لحظة أنهم، عنده، مجرد ذرّة غبار على نعله، يمحقون محقاً اذا سوّلت لهم أنفسهم مخالفة أي أمر حتى لو كان نقل متفجّرات والتخطيط لمجازر وفتن. ففي واقعة ميشال سماحة – علي المملوك، مثلاً، كان الوزير اللبناني السابق والمسؤول الأمني السوري متساويين كوسيلتين وأداتين لتنفيذ قرار جاءهما من فوق، مع فارق أن صناعة الموت هي مهنة المملوك، أما سماحة فامتهن النفاق للنظام وباسمه الى أن امتحنه في ولائه فسقط...

مع مثل هذا النظام يفترض المفترضون أنه يمكن أو يجب التفاوض، أو لا مناص من التحاور. لماذا؟ لأنه ببساطة لا يزال خاطفاً الدولة والجيش والمؤسسات، فجيش سورية وقوته الضاربة رهينته، والجيش الأكبر المؤلف من موظفي الدولة والقطاع العام تحت رحمته، ويعتقد المعتقدون أن لا سبيل الى انقاذ كل الرهائن هذه إلا بالتفاوض. هذا نظام خبير بـ «تحرير» الرهائن، اذ كانوا يخطفون بأمره وبمعرفته في بيروت ولا يظهرون محررين إلا في دمشق. وهو خبير ديماغوجي في التفاوض على الطريقة الاسرائيلية، أي من أجل التفاوض فقط، فيما هو يواصل القتل والتدمير. وطالما أن القوى الدولية لم تنزع عنه بعد «الشرعية» التي يدّعيها، مع علمها بأنها مزوّرة أصلاً ومسلوبة، فمن سينقض «الحق» الزائف الذي يدّعيه بأنه هو الدولة والشرعية وما على الأبناء الضالين سوى العودة الى الطاعة والولاء. ومن شأنه - من يستطيع مقارعته؟ - أن يستهزئ ويقلل من كل الاتهامات الموجهة اليه على رغم أن معظم العالم ينبذه ويمقته، اذ لم يتعرّض لأي ادانة أو عقوبات من مجلس الأمن وبقيت تقارير مجلس حقوق الانسان حبراً على ورق على رغم إلقائها مسؤولية سبعين ألف قتيل على عاتقه واعتباره مرتكب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية.

يقولون انه منفصل عن الواقع، وليس واقعه ما يحصل للسوريين ولا لسورية، فهذه أصبحت لديه مجرد مكان افتراضي أو مجرد حقل لتمرين «شبيحته» على الوحشية المفرطة. الواقع الذي يعيشه هو الأسلحة الجديدة التي وصلته من روسيا بلا انقطاع وما ينقله اليه الروس عن وشوك اكتمال «فخ الحوار» الذي يحيكونه، وما يبشّره به الايرانيون عن صلابة «خط المقاومة» واستعدادهم مع «حزب الله» لجرّ حكومة لبنان المترجّحة بين الخنوع والفساد الى ما ليس منه بد، أي الى تفعيل الصراع السنّي – الشيعي، فالأحرى أن ينفجر في هذين البلدين، وليكن ما يكون.

من حقّ المعارضة السورية أن تعلن عن محدّدات لأي حوار مع «ممثلين عن الدولة» وليس النظام، لأن النظام قتلة متفاوتون في الاحتراف، ومجرد بقاء الاسد في موقعه مع ماكينات القتل المحيطة به كفيل بإفشال أي حوار وأي اتفاق. ليس معروفاً من كان وليد المعلم يمثّل في موسكو، الرئيس (والنظام) أم الحكومة أم كان مجرد مبعوث لمواصلة مناورة الحل السياسي، خصوصاً حين أعلن الاستعداد للحوار حتى مع المعارضة المسلحة، اذ بدا كأنه يمسح كل ما سبق للأسد أن كرره مراراً من تخوين للمعارضة في الخارج وتمييز بين معارضات الداخل. بل بدا كأنه يلوّح بتنازل يقدّمه النظام ليس إرضاءً للمعارضة وانما لموسكو التي باتت تعتبر ترتيب الحوار نصراً بيّناً لدورها ولديبلوماسيتها بالغة العدوانية تجاه الشعب السوري.

لكن موسكو تعرف أن للحوار متطلبات لا بدّ من أن تحصل عليها من الاسد، ولا شك في أن الأخير أراد بإرساله وليد معلم للمرة الأولى الإيحاء بجديّة تعاطيه مع السعي الروسي، وبأن المعلم يمكن أن يكون المحاور الذي يرضي المعارضة لأن يديه غير ملطّختين بالدم، إلاّ أن العقدة تبقى العقدة. كانت موسكو اعتمدت تأويلاً موارباً لاتفاق جنيف واستطاعت أن تنتزع من واشنطن ما يوفّر لها مرونةً في التطبيق - عدم الاشتراط أولاً تنحّي الاسد أو رحيله - لكن ما العمل بـ «الحكومة الانتقالية الكاملة الصلاحيات» التي اتفق عليها فعلاً، ولا يزال الاخضر الابراهيمي يذكّر بها موضحاً أنه يجب ألاّ تكون هناك سلطة فوقها. لن تستطيع موسكو التقدّم لأن الاسد لا يريد مثل هذه الحكومة، فهي إقرار منه بأنه سيصبح رئيساً فاقد الصلاحيات، ولن تعود الأجهزة العسكرية والأمنية بإمرته، اذا كانت لا تزال بإمرته حتى الآن.

في كل الأحوال، لن يستطيع النظام أن يفرض بعد الآن منطق أنه السلطة التي تكافح الارهاب، لم تنجح مناورته الأخيرة مع روسيا في استمالة باراك اوباما على نحو حاسم يقلب الوضع كلياً لمصلحته. ومع التركيز حالياً على الحوار وشروطه بات يتوقع من روسيا أن تدعوه الى تنازلات لا يريدها. اللعبة الدولية منحته سنتين كاملتين استهلكهما في تحطيم كل ما كان له من هيبة ورهبة، ويراد منه اليوم أن يسهّل حلاً سياسياً يمهد لنهايته. بقي الحليف الايراني الذي يقوده الى أحد سيناريوين، إمّا نيرون وإمّا شمشون، أو الاثنين معاً. فالتدمير المنهجي الذي اتّبعه لا يقود إلاّ الى هاتين النتيجتين. في السنة الثالثة، اذا لم يظفر النظام بـ «حل سياسي» يقوده ويشرف عليه ويوجهه، لن يكون مستغرباً أن يدخل مرحلة «عليّ وعلى أعدائي...».

=====================

إسلاميو سورية وتحدي مشهدية صراع بغداد - دمشق

حمّود حمّود *

الخميس ٢٨ فبراير ٢٠١٣

الحياة

لم تشهد المنطقة العربية، خصوصاً الجزء المشرقي منها، تلويثاً للمناخ الثقافي والسياسي العام أكثر مما أحدثه صراع الشقيقين البعثيين: البعث العراقي والبعث والسوري. فلا «الحلم القومي» حال دون الصراع ولا حتى يوتوبيا «وحدة النضال» ضد العدو المخيالي. ويصح القول إنه إلى هذا الصراع يُعزى زرع كثير من البذور التأزمية في أرض هي بالأصل أرض «خصبة» لمختلف الصراعات التاريخية والسياسية والدينية. إنها البذور التي نحصد نتائج نضجها الكارثية اليوم رغم أنف «الربيع» الذي تمر به المنطقة.

لكن، إذا كان صراع الشقيقين ليس جديداً، خصوصاً إذا ما نُظر إليه من زاوية تاريخية، بحيث ظهر وكأنه إكمال لدورة الصراع التاريخية بين العاصمتين، إلا أنّ الجديد فعلاً هو ما تزامن معه من صعود الإحيائيات الدينية، المسيّسة منها والمعسكرة بالسلاح، والتي وجد فيها البعثان نفسيهما منخرطين فيها. فزاد بذلك عدد المطارق التي لم يكونا يمتلكان غيرها مع التنكيل و«التخفيف» من عدد مسامير شعوب «الجسم الواحد». وما يؤسف له أن العراقيين يعاودون اليوم القول مجدداً من خلال الثقافة القروسطية وغياب الوطنية: إنّ البعث لم يمت، لا بل يؤكدون أنه في طور إعادة التشكل من جديد. وبالطبع «إسلاميو سورية»، الحلفاء السابقون، يصادقون على هذا، لكن فقط في الشقّ العراقي.

إذا كان من الصحيح بأنه لا يمكن فهم بعث أيّ منهما، العراقي والسوري، من دون فهم الآخر، فإنه من المؤكد أيضاً، نتيجة انخراط طرفي البعث بالمشاريع الإسلامية في المنطقة، بأنه لا يمكن فهمهما معاً من دون إدراك الإحيائيات الدينية ومنطقها وسلوكها: بدءاً من «إخوان» سورية (أحد الأدوات المهمة التي دُعمت من قبل بعث العراق) وليس انتهاء بالحركات الإسلامية «المقاومة» العابرة للقارات على أراضي لبنان (التي دُعمت من قبل بعث سورية) من جهة، وذلك التقاطع الذهني والمعرفي بين البعثَين وبين الإحيائيات الدينية المسيّسة من جهة أخرى. هكذا، فكما أنّ البعثيين كانوا على مدار أكثر من نصف قرن جزءاً من إكمال دورة الانحطاط الثقافي والسياسي، فكذلك الأمر ينطبق على الإسلاميين، على الأقل منذ أربعة عقود. إنهما المشهدان (القومي والإسلامي) اللذان لطالما تبادلا الأدوار على مائدة الشعوب العربية. إنهما المشهدان اللذان تقاسما طرفي التوتاليتارية العربية. لهذا، ربما من الخطأ القول إنّ الإسلاموية هي على طرف نقيض من البعث. الإسلاموية في العمق، وبألف ولام العهد، هي العصا الأهمّ والمكمّلة لعصي البعث المتعددة.

وهناك مسألة، ربما في غاية الأهمية، تطرح حول ما إذا كان الصراع بين بغداد ودمشق سيتجدد في ظل الصعود الإسلامي (وكم يخبرنا مؤرخون، مثل بيتر براون، أرّخوا للمنطقة في العصور القديمة المتأخرة، ما بين القرن الثالث حتى الثامن الميلادي، بأنه منذ القدم هناك صراع بين بلاد الرافدين والبلاد السورية على المتوسط). هذا يتوقف أولاً على طبيعة التغيير في سورية وانعكاسه على مسار الرياح العراقية والإقليمية، وما إذا كان فعلاً القادة الإسلاميون في العراق سيكملون طريق التمدد «الإخواني» في المنطقة في الوصول إلى السلطة، وهذا أمر مستبعد جداً، وبخاصة في ظل ظروف العراق الداخلية والاجتماعية والضعف الشديد الذي يميز «الإخوان المسلمين» في العراق، أو حتى من لفّ لفهم. لكن، فعلاً إذا صحت توقعات بعض الخبراء الغربيين بأنّ إسلاميي سورية إذا أكملوا طريقهم إلى دمشق بدعم إقليمي، فإنهم سيستخدمون عقليتهم الثأرية في دعم التحركات الاحتجاجية في العراق، إذا صح هذا فالنتائج لا شك ستكون كارثية لا على الداخل السوري والعراقي فقط بل على الإقليم أيضاً. إنهم بهذه الحال سيعيدون مشهدية صراع صدّام والأسد الأب (والذي كان أحد ضحاياه لبنان) بالمنطق الذهني نفسه لكن، بأدوت إقليمية وأيديولوجية جديدة. الحديث هنا ليس على الصيغة «الإخوانية» التقليدية، وإنما على مشاهد «إخوانية» جديدة وإسلاموية قريبة منها يُعاد إنتاجها.

على رغم أنه لا يمكن فصل ما يجري في العراق اليوم عما هو متأزم داخل سورية إلا أنّ إسلاميي سورية لا ينظرون إلى مشروع «الانتفاضة» الآخذ بالتبلور في العراق إلا كامتداد لأحداث دمشق. وهذا جزء أساسي من إشكال الإسلاموية السورية تتقاطع مع البعثية: القومي المخيالي على حساب الوطني، الخارجي والإقليمي على حساب الداخل. إنه برفضهم تقديم خطاب وطني، فإنهم لا يقدمون أنفسهم إلا إحدى أدوات الصراع الإقليمي، على حساب وطنية سورية ما زال الكثير من السوريين يناضلون من أجلها. أليس من الغريب أنه بعد سنتين على بدء الانتفاضة السورية ألا يلتفت «الإخوان»، ومعهم كثير من الإسلاميين، إلى الداخل الوطني السوري؟ إنه من المؤسف جداً أنهم إلى هذه اللحظة، لم يقدموا شيئاً حيال إحدى المعزوفات الأيديولوجية التي تقع في صلب خطابهم حول «توحيد» وقيام كيان إسلامي في المنطقة. ولا يبدو أنّهم قد تعلموا الدرس أنه كلما زادت حدة مطالب الوحدة، زادت «المطارق» التي تبحث عادة عن مساميرها لتخفف من ظهورها.

اليوم إسلاميو سورية (المسيّسون) هم جزء أساسي من التأزم الوطني السوري كما هو الأمر في حالة بعض الأطراف التي تصر على دعم النظام السوري. هذا لا يجب إنكاره. إنهم رويداً رويداً يعيدون إنتاج مشهدية البعث لكن، بأدوات إقليمية ودولية جديدة؛، يعيدون تشكيل هيكلتهما في المنطقة، لا وفقاً لمساحة الداخل الوطني السوري بل وفقاً لحدود القومية الدينية المتخيلة. لم تزد «الوحدة» المتخيلة للبعثَين المتناطحين، السوري والعراقي، إلا مزيداً من «الانشقاق» بين بغداد ودمشق. فإذا ما أصرّ إسلاميو سورية على «بعث» ـهما الجديد بالمنطق الذهني نفسه، فالكارثة لا شك ستكون أشدّ.

=====================

رأي الراية... امتحان لإرادة المجتمع الدولي

الراية

28-2-2013

تُشكل دعوة حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البلاد المفدى للتأسيس عبر الإرادة السياسية والشعبية لبناء مجتمع إنساني عالمي يقوم على المشترك ويحترم الخصوصيات والديانات ويسود فيه القانون الدولي على الجميع وتنتفي فيه ازدواجية المعايير والانتقائية في التعامل مع الدول والشعوب امتحانًا لمصداقية ودور المجتمع الدولي الذي طالبه سمو الأمير المفدى بضرورة السعي الحثيث لإيجاد حلول عادلة للمشاكل العالمية عبر احترام جاد لما استقر في وجدان البشرية من قيم وأعراف ومبادئ تُعزّز التعاون البناء وتحقق الأمن والسلام والازدهار والتنمية المستدامة والعادلة لجميع الأمم والشعوب.

لقد شدّد سمو الأمير المفدى في الكلمة التي ألقاها في الجلسة الافتتاحية لمنتدى الأمم المتحدة الخامس لتحالف الحضارات الذي عُقد في العاصمة النمساوية على أن امتحان المجتمع الدولي يكمن في مدى إمكانية فرض الحوار والتفاوض أساسًا لفض الصراعات وفي البحث عن المشتركات التي تشكل همومًا وتحديات للإنسانية جمعاء وفي التصدي لمن يلبس الصراعات والنزاعات لباس الحضارات.

إن تزايد مظاهر الفهم الخاطئ للدين الإسلامي الحنيف والحضارة الإسلامية وتعرض المسلمين لمظاهر التهميش والتمييز والكراهية في العديد من مناطق المعمورة يؤكد الحاجة إلى مبادرة "تحالف الحضارات" لبناء آفاق تعاون متعددة بين مختلف الأمم والشعوب ومعالجة التوترات والنزاعات والقضاء على كل ما من شأنه أن يزيد في توسيع الهوة بين الأمم. فتفهم الآخرين واحترام ثقافتهم ومعتقداتهم ونبذ التطرف والكراهية والعنصرية هو السبيل الأنجع لسد الذرائع أمام من يحاولون استغلال تلك المظاهر للحضّ على استخدام العنف والإرهاب.

إن التشخيص الدقيق للواقع الذي قدمه سمو الأمير للأوضاع في العالم الذي يموج بانقسامات سياسية وإيديولوجية يتطلب من المجتمع الدولي مواصلة الجهود لإزالة أسباب النزاعات ومخاطر الصراع والعمل الجاد والدءوب لنشر قيم ثقافة التفاهم والتعايش التي يزدهر في أجوائها الحوار والتحالف بين الحضارات وتنمية العلاقات السوية بين الأمم والشعوب.

لقد ربط سمو الأمير المفدى في كلمته في إشارة لا تخفى على أحد مسؤولية المجتمع الدولي وتقصيره فيما يحدث في سوريا وما يحدث في فلسطين من أعمال عنف وانتهاكات صارخة لحقوق شعبي البلدين والذي يشكل وصمة عار في جبين الإنسانية.

لقد فشل المجتمع الدولي في تحمل مسؤولياته بالوقوف إلى جانب الشعبين السوري والفلسطيني لنيل حقوقهما المشروعة. حيث وضع سمو الأمير مسؤولية حل آخر قضية استعمارية في التاريخ "قضية فلسطين" التي تتفاقم وتشكل مصدرًا دائمًا للتوتر في المنطقة، والموقف الداعم لعملية قتل شعب من قبل نظام فاقد للشرعية في سوريا على عاتق قوى رئيسية ودول مركزية في العالم في الوقت الذي تكتفي فيه دول أخرى بإدانة ما يجري لفظيًا.

=====================

نصرالله والمالكي

يستعدّان لحروب أهلية

 سركيس نعوم

2013-02-28

النهار

ثمة نظرية تفسّر أحد مناحي الموقف الاوروبي والاميركي من الثورة في سوريا، ولا سيما على مستوى الاحجام عن مساعدتها في حسم الصراع مع النظام في سوريا عبر حجب الدعم العسكري الجدي، الذي يؤكد معظم الخبراء العسكريين في الغرب انه لو تسنى للثوار الحصول على اسلحة متطورة مضادة للطائرات وللدبابات، ومعدات تقنية لوجستية، لأمكن اسقاط النظام في العام الماضي. بحسب هذه النظرية فإن دوائر القرار العليا في الغرب لا تمانع في اطالة امد القتال، لتدمير سوريا الموحدة، واراحة اسرائيل، واستنزاف ايران ماليا وعسكريا ومعنويا، وتوريط ذراعها اللبنانية "حزب الله" في قتل السوريين وافتعال عداوة مع السوريين، واخيرا وليس آخرا لجذب اكبر عدد ممكن من "الجهاديين" العرب وغير العرب الى ساحة قتال، ليسهل التحكم فيهم وفي حركتهم في نطاق جغرافي ضيق، بهدف التخلص من اكبر عدد ممكن منهم.

في مكان آخر، وفي اشارة الى ان التحالف الاقليمي الذي تقوده ايران يقاتل في سوريا بكل طاقته منعا لسقوط "درة التاج" الايراني في المنطقة، عنينا سوريا، يصرح رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ابن "حزب الدعوة" الايراني الهوى ان انتصار الثورة في سوريا سيتسبب بنشوب حروب اهلية في العراق ولبنان. والكلام هذا يستبطن تهديدا لاطراف عراقيين ولبنانيين داخليين بأنهم سيدفعون ثمن سقوط نظام الاسد، وان المد الشيعي الايراني سيقاتل في كل من لبنان والعراق من اجل منع عودة عقارب الزمن الى الخلف. في اختصار، يقصد المالكي ان شيعة العراق سيقاتلون للاحتفاظ بالغلبة في النظام السياسي والامني العراقي، وان "حزب الله" لن يتأخر عن خوض حرب داخلية منعا لاعادته الى "القمقم" الذي خرج منه في السنوات الاخيرة. وهذا الكلام يلتقي مع كلام الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله البارحة حين اطال الحديث عن "الفتنة" مطلقا تهديدا للخصوم في لبنان بقوله: "احذروا الحسابات الخاطئة معنا ".

بمعنى آخر، بدأ التفكير الجدي، وبعمق في الدوائر التابعة لايران في المنطقة من العراق الى لبنان، في مرحلة ما بعد بشار الاسد، على قاعدة التهديد بحروب اهلية هنا وهناك اذا حاول العراقيون او اللبنانيون استثمار انهيار الاسد ونشوء سوريا معادية للسياسة الايرانية في المنطقة، وخصوصا ان التغيير في سوريا يستحيل ألا ينعكس بطريقة او باخرى على المعادلات التي قامت حتى الآن في لبنان والعراق على حد سواء.

=====================

 لافروف يبشر بالتقسيم فهل يبقى أصدقاء سوريا على موقفهم ؟

طاهر العدوان

الرأي الاردنية

28-2-2013

يعقد «أصدقاء سوريا» في روما اليوم مؤتمرا آخر في سلسلة المؤتمرات التي عقدوها خلال العامين الماضيين والتي أخذت الطابع السياحي لانعقادها كل مرة في بلد وعاصمة مختلفة. من باريس الى اسطنبول الى الرباط وأخيرا روما، انهم يتنقلون بحقائبهم الدبلوماسية فيما مئات الآلاف من السوريين يجبرون على الهرب عبر الحدود من آلات القتل التي لم يتوقف الاسد عن استخدامها بل انه كان يستغل اجتماعات مؤتمرات أصدقاء سوريا ليسجل رقما قياسيا جديدا في عدد ضحاياه من أبناء الشعب السوري.

لقد ثارت مشكلة عشية انعقاد هذا المؤتمر وهي قرار ائتلاف المعارضة بمقاطعة المؤتمر احتجاجا على الصمت الدولي تجاه استخدام النظام لصواريخ سكود لتدمير حلب ودير الزور والرستن وغيرها, وسواء حضر رئيس الائتلاف ام لم يحضر فان نتائج هذا المؤتمر ستضع سياسة أوباما والاتحاد الاوروبي امام منعطف جديد تجاه الازمة السورية، فإما ان تتخذ القرارات والإجراءات التي تعمل على وقف سياسة الإبادة التي يتبعها الاسد بدعم كامل من شريكه الروسي او ان يعطي المؤتمر غطاء جديدا لاستمرار القتل واستمرار إغراق الدول المجاورة باللاجئين.

يراهن وزير الخارجية الاميركي الجديد جون كيري على ما سبق ان راهنت عليه هيلاري كلينتون وهو محاولة إقناع روسيا بالموافقة على حل للازمة تشمل تنحي الاسد وهو الرهان الذي مكن موسكو من تجميع أوراق الازمة في حضنها حتى غدا لافروف متشددا ومتطرفا في عدائه للثورة السورية اكثر مما يفعل المعلم الذي توارى بالفعل عن الواجهة تاركا مهمة إدارة الغطاء السياسي لمجازر النظام الى الوزير الروسي.

اذا لم تغير واشنطن رهانها الخاسر بعد ان انتقل النظام الى استخدام الاسلحة البالستية ضد شعبه فان مسار الصراع سائر لا محالة نحو مضمون تهديدات لافروف الاخيرة: إما القبول بتسوية مع الاسد او تقسيم سوريا !. ويجهل لافروف بان ( تقسيم سوريا ) الذي يبشر به سيرفع من حدة الصراع ويطيله زمنيا لكن خاتمته لن تكون سعيدة له ولا للاسد، لانه في حالة لجوء الاخير الى الساحل لإعلان دويلة طائفية فان المنطقة ستكون كلها مهددة بنشوب صراع إقليمي يمتد من ايران الى سواحل المتوسط الشرقية.

لم يعد الشعب السوري قادرا على تقبل اكذوبة اسمها (اصدقاء سوريا) اذا استمرت السياسات المنافقة لهؤلاء الأصدقاء الذين لم يروا في الثورة السورية الا جماعة النصرة ليتخذوها ذريعة في حصار الشعب السوري وثورته، فيما يأتي التطرف الاساسي من سياسة لافروف المساندة للطغيان، وكل صاروخ سكود يطلقه بشار على المدنيين يحصد من القتلى والدمار بحجم تفجير عشرة سيارات مفخخة بفعل الإرهابيين، وفي المحصلة النهائية فان الضحايا هم مدنيون يقتلون بفعل تطرف إرهابي (ولد في أحضان الاستخبارات الغربية) او بفعل تطرف سياسي كالموقف الروسي المدان في دعمه لحرب النظالم، حتى بلغ الامر بموسكو ان وقفت ضد صدور بيان إدانة من مجلس الأمن ضد استخدام الاسد لصواريخ سكود

=====================

 أين الرأي العام؟!

صالح القلاب

الرأي الاردنية

28-2-2013

حتى الآن، ورغم مرور قرابة عامين على بدايات هذا الذي يجري، فإن المعارضة السورية لم تستطع إستقطاب الرأي العام العالمي الفاعل والمؤثر، وبخاصة في قرارات الدول الغربية، ولهذا فإن هناك كل هذه الميوعة وكل هذا التردد في مواقف الولايات المتحدة ومواقف الدول الأوروبية ولهذا أيضاً فإن روسيا لا تزال «تسرح وتمرح» بلا خوف وبلا خجل طالما أنَّ الشعب الروسي لا يزال محيَّداً ولا رأي له في قضية هي قضية إنسانية إنْ ليس بالإمكان التعامل معها كقضية سياسية.

كان على قادة المعارضة، الذين غالبيتهم إنْ ليس كلهم قد عاشوا في الغرب ويعرفون أهمية الرأي العام وتأثيره حتى في القرارات الخارجية الصعبة، أن يولوا هذه المسألة الهامة جداً عناية فائقة وأن يستعينوا بكل مناصريهم من الأوروبيين والأميركيين وغيرهم لإنشاء مجموعات ضغط فاعلة قادرة على إلزام دولها وحكوماتها بمواقف جادة وفعلية تجاه القضية السورية ولجهة مساندة الشعب السوري بالمعونات الإنسانية وبالمواقف السياسية.

إن المؤكد أنَّ المعارضة السورية تعرف أن الفيتناميين كانوا قد هزموا الجيوش الأميركية داخل الولايات المتحدة نفسها قبل أن يهزموها في أدغال فيتنام وغاباتها وذلك من خلال التركيز على الرأي العام الأميركي وكسْبه إلى جانبهم وإلى جانب قضيتهم وهذا هو ما حصل أيضاً في البلقان إذْ أنَّ ضغط الرأي العام الغربي هو الذي ألْزم حلف شمالي الأطلسي إلزاماً بالتدخل العسكري ضد جنرالات صربيا القتلة الذي غاصوا في دماء الأبرياء حتى أعناقهم.

ما كان على أصدقاء المعارضة السورية والشعب السوري إنْ منْ العرب وإنْ من الأوروبيين والأميركيين وأيضاً وإن من المسلمين في كل مكان أن يكتفوا ببيانات الشجب والتأييد التي دأبوا على اصدارها.. لقد كان عليهم أن يتجهوا بكل ثقلهم إلى الرأي العام العالمي وإلى الرأي العام الغربي تحديداً وبخاصة وهم يعرفون إنَّ قرارات حكومات الدول الغربية تخضع في العادة لتوجهات شعوبها ولتوجهات الرأي العام عندها وحقيقة أنه كان هناك تقصير كبير بالنسبة لهذه المسألة الهامة جداً ولكنه تقصير بالإمكان إستدراكه طالما أنَّ عنف نظام بشار الأسد ضد شعبه لا يزال مستمراً ومتواصلاً وغير متوقع أنْ تكون له نهاية قريبة.

هناك الآن كذبة أن «جبهة النصرة»، التي تُشكِّلُ إحدى فصائل المعارضة السورية الفاعلة، هي نسخة أخرى عن تنظيم «القاعدة» الإرهابي الذي لم تسلم من شرِّه ومن دمويته معظم دول وشعوب الكرة الأرضية وهي كذبة ما كان بإمكان النظام السوري ولا بإمكان لا إيران ولا روسيا تسويقها لتكون حجة للولايات المتحدة وللدول الأوروبية لإتخاذ هذه المواقف المخزية التي تتخذها تجاه حرب الإبادة التي يتعرض لها السوريون على يد نظامهم وأيضاً على يد نظام الولي الفقيه في طهران لو أن هذه المعارضة إستطاعت الوصول إلى الرأي العام العالمي واستطاعت أن تكسبه إلى جانبها وإلى جانب قضيتها العادلة والمقدسة.

إنه غير جائزٍ إطلاقاً أن تبقى المعارضة السورية وبخاصة المتمثلة في قيادات ورموز الخارج تنشغل بـ»البالونات» السياسية التي دأب هذا النظام وحلفاؤه على إطلاقها منذ بدايات هذه الإنتفاضة المظفرة التي إقتربت من نهايات عامها الثاني وكان عليها ان تدرك أنه لو لم يتوج نضال الشعب الفلسطيني المستمر منذ أكثر من ستين عاماً بهذا الإنحياز الحقيقي من قبل الرأي العام العالمي إلى جانب القضية الفلسطينية فلما كانت هناك كل هذه الإنجازات الدولية ولما كان هناك تصويت معظم دول العالم على الإعتراف بفلسطين دولة مراقبة في الجمعية العمومية للأمم المتحدة.

=====================

تمديد جوازات سفر المغتربين السوريين

رأي القدس

2013-02-27

القدس العربي

وثائق السفر حق اساسي من حقوق المواطن لا يجب سحبها او التلاعب فيها، او استخدامها ورقة ضغط لاسباب سياسية من قبل الحكومات لان المواطن يبقى، بينما تتغير الحكومات.

نقول هذا الكلام بمناسبة قرار وزارة الداخلية السورية تمديد العمل بجوازات سفر مواطنيها المقيمين في الخارج لمدة سنتين، بغض النظر عن الاسباب التي كانت تحول دون ذلك وعن الموافقات المطلوبة عليها، مثلما نص القرار الذي بثته وكالة الانباء السورية الرسمية.

المواطنون السوريون الذين تتفاقم معاناتهم النفسية والمعيشية بسبب عمليات الدمار والقتل التي تغرق فيها بلادهم حاليا، واستشهاد اكثر من سبعين الفا من اشقائهم وتهجير مئات الآلاف الى دول الجوار، وبلغت هذه المعاناة ذروتها عندما وجدوا وزارة الداخلية السورية ترفض تمديد جوازات الآلاف منهم بسبب شكوكها في انتمائهم الى المعارضة السورية.

استخدام جوازات السفر وتمديدها كورقة ضغط يعطي نتائج عكسية تماما بالنسبة الى النظام لانه يؤكد صحة الاتهامات الموجهة الى اجهزته الامنية باهانة المواطن السوري واذلاله وتعقيد ظروف معيشته في المنافي التي لجأ اليها طلبا للرزق او الامان، الامر الذي يصب في مصلحة المعارضة.

الشيخ احمد معاذ الخطيب رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض التقط هذه القضية الانسانية عندما ضمن مبادرته في صيغتها الاولى بندين اساسيين لا غير، الاول تمديد جوازات السفر للمغتربين، والثاني الافراج عن المعتقلين في صفوف النظام، موجها رسالة بليغة في معانيها تقول انه ينحاز الى احتياجات الشعب ومطالبه الاساسية في العيش الكريم.

وسواء كان قرار النظام بتمديد جوازات السفر استجابة لمبادرة الشيخ الخطيب، او نتيجة لصحوة او توجها جديدا بتخفيف او حتى انهاء معاناة المواطنين، فانه قرار ايجابي اذا ما جرت ترجمته عمليا على الارض، وباشرت القنصليات السورية في مختلف انحاء العالم، ودول الخليج خاصة، بتنفيذه دون اي معوقات او ذرائع.

الشيخ الخطيب اتهم النظام السوري بقتل مبادرته بعدم التجاوب مع الطلبين المحددين فيها، اي تمديد الجوازات والافراج عن 160 الف معتقل في السجون السورية. ولعل التجاوب مع مطلب تمديد الجوازات يكون مقدمة لتنفيذ الطلب الثاني في تبييض السجون والافراج عن المعتقلين، وبما يمهد الطريق لحوار بناء ومسؤول بين السلطة والمعارضة السلمية والمسلحة في آن.

طرفا المعادلة في الازمة السورية، الحكومة والمعارضة، باتا يدركان جيدا بان الحسم العسكري غير ممكن، وان الحوار هو الطريق الاقصر والاسلم للوصول الى حل سياسي يحقن دماء السوريين في المعسكرين المتصارعين.

تسليح الجانبين لن يحقق الحسم، وانما سيؤدي الى المزيد من سفك الدماء واطالة امد الازمة، واذا كان هناك من هدف مطلوب فيجب ان يكون من اجل كسب المواطن السوري ووضع حد لمعاناته وحقن دمائه وتوفير الامن والاستقرار والازدهار له، ولهذا نرى ان قرار تمديد الجوازات اذا ما ترجم عمليا هو خطوة صغيرة وايجابية نأمل ان تتبعها خطوات اخرى من قبل النظام خاصة.

=====================

أول حكومة للمعارضة السورية

كرم يوسف

2013-02-27

القدس العربي

لن نستطيع الجزم أن تشكيل الحكومة السورية التي أعلنها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية خلال اجتماعه الأخير في القاهرة سيكون خاتمة للأطر الجامعة للمعارضة السورية، أو عامل منع لولادات أطر جديدة لها، فكل تنظيم معارض لا يحظى بالدعم لن يستطيع الاستمرار، وليس هذا حال الأطر المعارضة فحسب، بل حتى حال التنسيقيات التي ظهرت مع بداية الثورة، وولد ومات الكثير منها للسبب عينه، لكن مايميز أطر المعارضة في سوريا أنه وليس فقط يؤثر فيها الدعم المادي بل السياسي أيضاً، وليس ولادة الائتلاف المعارض الذي يعد المجلس الوطني السوري عموده الفقري إلا نتجية عوامل من أهمها رغبة المجتمع الدولي في إطالة عمر الأزمة في سوريا، عبر سحب وإعطاء دعم لإطار جامع جديد للمعارضة، والقفز فوق الاستحقاق الأساسي ألا وهو إنهاء الصراع في سوريا.

الضربة التي يمكن عدها استباقية من قبل الائتلاف الوطني السوري، تكمن في أنه أوجد هيكيلة تنظيمية لإدارة مناطق محررة من سوريا الآن، وإمكانية إدارتها في أي لحظة لسقوط النظام، وليس هذا من جانب عدم ترك البلاد في حالة من الفوضى في حال سقوط نظام الأسد في أي وقت، بل من جانب أن ولادة حكومة سورية سيصّعب على الأطراف الدولية، وبالأخص ما يصنف في خانة المناصر للثورة السورية محاولة الهرب من تقديم استحقاقات جديدة له، كما فعل مع المجلس الوطني السوري حين سحب الثقة منه إلى حد كبير، وطالب بوجود إطار جامع وأكبر للمعارضة وهو الأمر الذي لا يمكن تفسيره من قبل المحور المصنف بمناصرة الثورة إلا بخلق موضوع ثانوي في حياة الثورة، وترك الموضوع الأساسي الذي طالب به المجلس الوطني من قبل، ويتابع الأمرذاته الائتلاف الوطني الآن، بل لايتخلى عنه أصغر ثائر سوري، ألا وهو إسقاط النظام، أو إيجاد الدعم لإسقاطه.

قام الائتلاف بخطا في غاية الأهمية عبر بيانيه الأخيرين، الأول كان بشأن تشكيل حكومة والثاني تم خلاله أخذ قرار بعدم حضور مؤتمر أصدقاء سوريا في روما وتعليق زياراته لأمريكا وروسيا، فكان بهذا سباقاً في سحب البساط من الأسرة الدولية بعد قرابة سنتين رأى الائتلاف فيها أن هذه الأسرة قدمت أقوالاً لا أفعالاً، لكن هل جوهر القصة هو إنشاء حكومة انتقالية وأن تكون الشخصية التي سيترأسها - وهي أولى الحكومات التي ستتشكل- من خارجها حلاً؟ فما الذي يمكنه أن تقوم به هذه الحكومة حين لا يكون لديها ما تواجه به أعباء شعبها وهي تتوجه معه لتمارس الحياة السياسية الفعلية، لا من خلال زيارات قام بها من قبل وجوه من المعارضة في حالات يمكن القول عنها أنها كانت تحدياً للنظام و كنوع من الدعاية الشخصية، مادامت لم تجلب لشعبها شيئاً جديداً.

لقد صرح أكثر من مسؤول في الائتلاف خلال اجتماعه السابق أنهم لن يكونوا قادرين على تشكيل حكومة لا تستطيع تقديم مستلزمات شعبها، وأنها تنتظر دعماً لفعل ذلك، وأن الموضوع ليس مستحيلاً لكن ماهو مستحيل هوالوقوف أمام متطلبات هذا الشعب دون القدرة على تقديم شيء، وأن إنشاء حكومة من دون دعم لهو أشبه بانتحار علني، فما الذي تغير منذ اجتماع الائتلاف السابق حتى هذا الأخير ليطرح تجاوزه للعائق السابق وتشكيل الحكومة؟

بمكن القول: لم يحدث أي تغيّر في مسألة الدعم الذي كان يأمله الائتلاف لإنشاء الحكومة فلو حظي به لما علق حضوره لمؤتمر اصدقاء سوريا، وهي الجهة المانحة الأكبر له، لا بل أنه أعلن على لسان د. وليد البني المتحدث باسمه عبر بيان على إحدى المحطات الإعلامية أنه سوف لن يكتفي بمقاطعة المؤتمر بل سيبادر بتعليق زياراته لواشنطن وموسكو، إزاء هكذا حالة، ترى هل يعد الائتلاف لانتحار سياسي، كما صرح به سابقاً مسؤولوه لأنه لن يحظى بدعم ما؟.

في مقابل ذلك يمكن القول أيضاً: إن الائتلاف اضطر لاستخدام كامل أوراق ضغطه السياسي على الأسرة الدولية للإسراع في إيجاد حل لأزمة شعب مثقل بالمجازر اليومية وهو بهذه الحكومة وإعلانها، إنما يسحب البساط من يدي الأسرة الدولية خشية أن تبادر هي في سحب البساط من تحته وإنشاء إطار جديد للمعارضة السورية وتمرير الوقت مجدداً كما فعلت بالمجلس الوطني الذي خسر كثيراً من أعضائه فيما قبل، بسبب نقص الدعم وزيادة المتطلبات والاستحقاقات.

الائتلاف أعلن عن تشكيل الحكومة ومنذ الثاني من آذار /مارس القادم سيختار لها رئيساً ورهانه الوحيد في هذه الحكومة بحسب ما يقوم به هو على السوريين، لأنه أعلن تعليق كل احتكاك بالأسرة الدولية حتى تلبية مطالبه، ولكن لو أحرجت الأسرة الدولية ولبت مطالب الائتلاف بعد فترة ما، فهل يمكن أن تبقى حكومة الائتلاف متماسكة لغاية الاستجابة لمطالبه؟، وهو ينتقل إلى الداخل ويمارس القيادة السياسية في الداخل للسوريين؟، أوما الذي ستفعله الحكومة فيما لو لم يقدم هذا الدعم أساساً؟.

الائتلاف راهن على السوريين في تشكيل الحكومة، ولاشك أنه مع دخوله إلى الأراضي السورية ستحدث تغيرات جديدة في جسد الثورة، لكن هل للائتلاف تلك السلطة التي يمكنه بناء عليها من ممارسة قيادة الأراضي المحررة سياسياً، وتمثيلها، مع خلافات تبرز على السطح بين الحين والآخر بين تشكيلات من الفصائل المسلحة في سوريا التي قطعاً ليست تحت إمرة واحدة.

ربما أدرك الائتلاف أنه لو أقدم على الانتحار- وفق ذلك التصور- أو تــــرك الأمور معلقة كما هي، ولم يعلن عن حكومة تديرالمناطق المـــحررة في سوريا، فلن يتغير في الموضوع شيء، لذلك فقد آثر على التضحية بأكبر مشروع سياسي معارض في سوريا، بل والتضيحة بنفسه والإقدام على خطوة إعلان الحكومة، لعلها تغير شيئاً في الموازيين، سواء أكان ذلك داخل سوريا أو خارجها..!؟.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ