ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 06/03/2013


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

05-03-2013

الحرب المذهبية نفط مقابل السلاح؟!

 راجح الخوري

2013-03-05

النهار

انتهت محادثات وليد المعلم في موسكو بإبداء الاستعداد لمفاوضة المعارضين بمن فيهم المسلحون، ثم انتهت محادثاته في طهران بانقلاب اعلنه بشار الاسد عندما رفض الحوار مع من سمّاهم "الارهابيين" ودعاهم الى تسليم اسلحتهم، بما يعني انه يريد منهم بعد عامين من القتال وسقوط اكثر من 80 الف قتيل ان يستسلموا ويأتوه صاغرين!

حاول البعض ان يربط هذا الانقلاب بتقدم عسكري قيل ان النظام احرزه على الارض، لكنه في الواقع يرتبط بتحول سياسي يتصل بالتفاهم بين جون كيري وسيرغي لافروف. فمن الواضح ان واشنطن الغارقة في متاعب اقتصادية دفعتها الى التعجيل في سحب قواتها من الخارج، والتي بدأت تحويل تركيزها الاستراتيجي الى جنوب شرق آسيا لمواجهة "القرن الصيني"، قررت تلزيم موسكو إيجاد حل للازمة السورية لكن وفق دفتر شروط أهم ما فيه ان "لا تقع سوريا في ايدي المتطرفين من السنّة وان لا تبقى ورقة في ايدي الشيعة الايرانيين المتطرفين" وهذا ما يسرّ قلب اسرائيل طبعاً!

عندما يقول علي اكبر صالحي في المؤتمر الصحافي مع المعلم ان الاسد باق وانه سيشارك في الانتخابات الرئاسية المقبلة سنة 2014 تبدو مسألة "الانتقال السياسي" وكأنها لم تعد على الطاولة، اما عندما يؤكد الاسد لصحيفة "الصنداي تايمس" ان روسيا تواصل تزويده السلاح وان "حزب الله وايران وروسيا تدعم الشعب السوري في حربه على الارهاب، وان دور روسيا بناء جداً ودور ايران داعم جداً ودور حزب الله الدفاع عن لبنان وليس عن سوريا"، فذلك قد يعني ان روسيا لزّمت بدورها و"من الباطن" كما يقال، الازمة السورية الى ايران وفق دفتر شروط يناسبها ويسرّ  قلب الاميركيين والاسرائيليين ايضاً، وقد تؤدي هذه الشروط بالمنطقة الى حرب مذهبية بين السنّة والشيعة لا تضعف الطرفين فحسب، بل تستنزف ثرواتهما وتدمر قوتهما عبر معادلة النفط مقابل السلاح!

واذا كان الاسد يقول ان سوريا هي خط تماس جغرافي وسياسي وايديولوجي فان أخطر ما عرفه هذا الخط عبر التاريخ، هو ان نظامه القمعي يواصل منذ عامين الرهان على حل عسكري، تقاطعت فيه المصالح الاميركية والروسية العميقة والبعيدة المدى وكذلك الاطماع التوسعية الاقليمية الايرانية لتجعل من سوريا "الولاية الايرانية رقم 35" او ساحة الحرب الكبرى العمياء والبغيضة بين السنّة والشيعة!

نوري المالكي في ميدان المعارك وقد شاهدنا حشوده المسلحة تدخل الى سوريا، ولواء "ابو الفضل العباس" الايراني وغيره في الميدان جنوب دمشق وفق وكالة "رويترز"، و"حزب الله" في الميدان باعتراف الاسد، فلماذا رغم كل هذا التورط تساق الاتهامات الى تركيا والسعودية وقطر لمجرد انها هبت لدعم شعب يذبح كما لم يذبح شعب في التاريخ؟

=====================

سوريا: معركة الربيع على الأبواب

علي حماده

2013-03-05

النهار

شكّل سقوط مدينة الرقة ومعظم المحافظة بيد الثوار السوريين حدثاً بارزاً ومفصلياً، إذ يشير الى بدء اندحار النظام في سوريا من مناطق باكملها وتراجعه نحو مربّعات محصّنة في الوسط وحول بعض المدن، وطبعاً في منطقة الساحل حيث الثقل السكاني العلوي. واذا كان سقوط الرقّة البعيدة نسبياً عن عاصمة دمشق حدثاً مهماً، فبسبب توسّع النطاق الجغرافي لمناطق سيطرة الثوار من ريف ادلب الى حلب، فالرقّة، وصولاً الى الحدود مع العراق حيث سقط أخيراً معبر اليعربية على الرغم من الدعم العسكري الذي قدمه العراقيون لقوات النظام.

ومن مطار منّغ العسكري المشرف على السقوط، الى مشارف مدينة اللاذقية حيث الريف مسرح لعمليات عسكرية للثوار، ثمة خط يرتسم على الخريطة السورية بين مناطق محرّرة واخرى لا تزال تنتظر التحرير.

حدث كبير سقوط أول مدينة بأكملها بيد الثوار ومعها المحافظة بأكلمها. ولعل المشاهد التي بثت على خدمة "يوتيوب" وفيها قيام مواطني مدينة الرقة باسقاط تمثال حافظ الاسد في "ساحة الاطفائية" وسط المدينة، ما يذكر بيوم سقوط بغداد في نيسان ٢٠٠٣ وبالطريقة نفسها.

من الواضح ان النظام بدأ يفقد المبادرة على ارض المعركة، ولم يسعفه كل الدعم الذي يتلقاه من ايران وروسيا و"حزب الله" في كل مكان ليستعيد زمام المبادرة. فالدعم وحده لا يكفي متى كانت البلاد باسرها في حالة ثورة. وقد خبر كلا النظام ورئيس الحكومة العراقية نوري المالكي احد اكبر داعمي بشار الاسد حدود الدعم الممكن منحه، عندما استهدف مسلحون عراقيون في انبار قافلة لجنود سوريين بحراسة عراقية، هربوا من معبر اليعربية ليعودوا عبر معبر الوليد. فحتى نوري المالكي الذي دعم بالمال العراقي والموارد العراقية نظام بشار يكتشف ان مواصلة الانخراط الى جانب بشار ستؤدي الى نشوب ثورة داخل العراق. وفي لبنان الأمر لا يختلف كثيراً. فـ"حزب الله" المعتد بقوته والمستقوي على بقية اللبنانيين، يلعب بالنار الداخلية عندما يواصل قهر فئات كبيرة من اللبنانيين، ويعطف على ذلك تورطه في قتل السوريين دعماً لنظام بشار.

على مستوى آخر، يمكن التوقف عند المؤتمر الصحافي المشترك لوزير الخارجية الاميركي جون كيري ونظيره السعودي الأمير سعود الفيصل في الرياض بالأمس، حيث بدا واضحاً من العبارات المنتقاة بعناية ان الدول العربية الداعمة للثورة السورية أبلغت، كما قلنا هنا في هذه الزاوية في نهاية كانون الثاني، الولايات المتحدة ان قرار رفع مستوى الدعم العسكري للثورة اتخذ للمساعدة على حسم المعركة أياً يكن موقف واشنطن.

ان معركة الربيع الكبرى صارت على الأبواب، ولن يمضي الربيع إلا يكون النظام فقد السيطرة على دمشق، ومعها تنتقل الشرعية بما تفرضه الأرض.

=====================

 رحلة جون كيري

إلى قلب الأزمة السورية

غازي دحمان

المستقبل

5-3-2013

لا يخرج جون كيري عن تقليد أميركي في زيارته الشرق أوسطية، المديدة، التي يزور خلالها عددا من دول المنطقة، ذلك ان الإدارات الأميركية درجت، في العقدين الأخيرين، على إتباع هذا المنهج، في غرة تسلمها مفاتيح البيت الأبيض مع بداية كل عهد رئاسي.

لكن ما يميز هذه الزيارة هو كونها تأتي في ظل ظروف ذات طابع معقد، وإن كان التعقيد والتوتر صفتين ملازمتين للشرق الأوسط في العقود الأخيرة، إلا ان أحداث سورية، وما تفرزه من توترات إقليمية، وحالة الإصطفاف الناتجة عنها، وكذا إحتمالات تمدد الصراع والإنفجار ما وراء حدود الإقليم، كل هذه المعطيات تجعل الزيارة، في هذه المرحلة، تكتسب أهمية خاصة.

الواضح من برنامج زيارة كيري أنها زيارة عملانية أكثر منها برتوكولية، فلا الظروف تسمح له بالقيام بعملية إستكشاف الأوضاع والإتجاهات أو سبر مواقف الأطراف، ولا وقائع الميدان المتطورة في المنطقة تتيح لأميركا ترف الإنتظار والتمهل وإجراء مناورات سياسية، وخاصة الأوضاع في بلاد الشام الآيلة إلى التفجر على أكثر من جبهة ومكان.

لاشك أن الموضوع السوري يحتل الأولوية في محادثات جون كيري في المنطقة مما يبشر بإمكانية صياغة مقاربة جديدة للأزمة، بعد أن إتبعت إدارة أوباما، في فترتها الأولى، سياسة إنتظارية حذرة، جلبت لها النقد والتشكيك حتى من قبل بعض مسؤولي الإدارة نفسها، وقد كشفت تسريبات بهذا الخصوص وجود خلافات في الرؤى والتصورات وحتى في تقدير حجم وطبيعة مخاطر الأزمة على المصالح الأميركية.

هل يعني ذلك أننا إزاء تحرك أميركي جديد تجاه الأزمة التي باتت تمس تخوم المصالح الأميركية وخاصة على جبهات إسرائيل ولبنان والعراق؟

تقدر الكثير من التحليلات أن الولايات المتحدة الأميركية تمهد لسياسات إجرائية في المنطقة، سواء كان ذلك بإتفاق مع روسيا أو بدونه، ومن الواضح أنها تجاوزت مرحلة تلزيم روسيا بالملف السوري إلى مرحلة إشراكها بالحل، وهي وإن كانت تميل إلى حل سلمي ينهي الأزمة، على ما صرح كيري نفسه في لقائه مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، فإن المؤكد ان الخيارات الأميركية لم تعد محصورة بهذا الإطار.

المرجح أن هذه التقديرات جرى بناؤها على وقائع وحيثيات بعينها، منها ما يشير إلى سماح الإدارة الأميركية بتسليم أنواع متطورة من الأسلحة إلى بعض الكتائب التي تصفها بالمعتدلة في نطاق الجيش السوري الحر، ومنها أيضاً الوعد بتقديم المزيد من المساعدات العسكرية التي قد تنسهم في تعديل موازين القوى لصالح المعارضة.

هل يعني ذلك أن إدارة أوباما، في فترتها الثانية، قد غادرت موقع الإدارة من الخلف الذي مارسته في السنوات الأخيرة في المنطقة، وأنهت مرحلة الإختباء وراء التصلب الروسي في سورية، الايام القادمة حبلى بالتطورات والمفاجآت، وعلى وقعها لن تتأخر الإجابة عن هذا السؤال.

=====================

اللعبة الأمريكية

سوريا قد يكون الوعد بالمحافظة على نظامها الحالي، أحد الحوافز المقدمة لإيران، ويأتي التساؤل حينها وماذا عن لبنان وحزب الله ومنطقة الخليج العربي

عدنان كامل صلاح

الثلاثاء 05/03/2013

المدينة

دخلت القوات العسكرية العراقية الأراضي السورية لمساندة نظام الأسد في قمع الشعب.. قبلها دخل الحرس الثوري الإيراني خبراء ومعدات وجنودًا.. وقبل ذلك اندفع مقاتلو حزب الله من لبنان لمساندة قوات النظام في بطشه مطالبين بحريتهم وكرامتهم.

كل ذلك يجري بينما يطالب الأمريكيون ثوار سوريا أن يحاربوا بأيديهم المجردة من السلاح، ويقدموا القرابين من أطفالهم ونسائهم ورجالهم في سبيل نشرها عبر وسائل الإعلام الأمريكي والأوروبي لبيان همجية هؤلاء العرب والمسلمين وليس أكثر من ذلك.. وعندما طالب ثوار سوريا بالسلاح للدفاع عن أنفسهم جادلهم الأمريكيون وحلفاؤهم بأن السلاح سوف يسقط في يد المتطرفين الذين يشكلون خطرًا على إسرائيل وأمريكا أكثر مما يشكله الأسد ونظامه.. فالشعب السوري وكرامته ليس القضية، في الإستراتيجية الأمريكية للمنطقة، بل المهم سلامة الأسد ونظامه، بعد أن أعاد الأمريكيون النظر في قضية الربيع العربي ونتائجه.

أمريكا تحكمها هذه الأيام إدارة متخاذلة، تخشى الإقدام على أي خطوة قد تؤدي إلى تورط مباشر لها، وبالرغم عن أن وزارة الخارجية الأمريكية ووزارة الدفاع ووكالة المخابرات المركزية أوصت جميعها بتقديم السلاح للثوار السوريين حتى يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم إلا أن إدارة البيت الأبيض رفضت ذلك ووجهت أجهزتها الخارجية للضغط على أوروبا وغيرها من دول العالم لعدم تقديم أي سلاح لثوار سوريا (وجرى الآن تغيير كل من وزيري الخارجية والدفاع بأمريكا وكذلك رئيس وكالة المخابرات المركزية).

ضربت قوات النظام السوري مخيمات اللاجئين السوريين في الأراضي التركية، وأطلقت الصواريخ والمدفعية على قرى تركية، فسارع الناتو إلى وضع منظومة صواريخ الباتريوت الدفاعية على الأراضي التركية بأطقم أجنبية ولم يتحرك الجيش التركي للدفاع عن وطنه.. واختفت الدعوات إلى تأمين مناطق وممرات آمنة في سوريا، وكذلك الحديث عن تأمين الأجواء بمنع المقاتلات السورية التي تضرب المدن والقرى السورية من الطيران في مناطق معينة.

أزمة الثورة السورية الآن ليست في عجزها عن مقاومة وإسقاط النظام الذي يبطش بالمواطنين السوريين، فسوريا تقدم يوميًا عشرات الضحايا الذين يسقطون بسلاح النظام وبأيدي مرتزقة من خارج سوريا.. الأزمة هي في إصرار الإدارة الأمريكية على عدم إيصال المعدات العسكرية لرجال الثورة السورية حتى يدافعوا عن أنفسهم ويمنعوا استمرار المجازر التي ينفذها نظام طائفي وحشي استقدم مرتزقة طائفيين يحولون الحرب إلى طائفية بغيضة.

أوباما وعد الرئيس الروسي بوتين بأن يُقدِّم له عروضًا فيما يتعلق بالسياسة الدفاعية وذلك عندما يتولى الرئاسة لدورة ثانية، وهو الآن يتفاوض مع روسيا لتحقيق تعاون روسي - أمريكي فيما يتعلق بعدد من القضايا ومنها الوضع في سوريا والعلاقة الإيرانية – الأمريكية.. وستقدم الإدارة الأمريكية تنازلات في هذا المجال أكثر مما سيقدمه الروس، فالتخاذل الذي يبرز في السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية الحالية يدل على استعدادها لتقديم التنازلات لتحقيق ما يمكن لها، أن تصفه بعد ذلك بأنه مكسب (استعجلت الانسحاب من العراق بدون حكومة وفاق وطني وإنما بتفاهم مع إيران وتسارع الآن للانسحاب من أفغانستان بدون حكومة فعالة يتفق عليها الأفغان بما فيهم طالبان).. وما يمكن حدوثه فيما يتعلق بالسلاح النووي الإيراني، أن تجد الإدارة الأمريكية مخرجًا تحافظ به على ماء وجهها مقابل موافقة إيران على أن تتوقف عن مواصلة نشاطها في إنتاج القنبلة النووية عند وصولها مرحلة تكون فيها قادرة على إنتاجها، وتتوفر لها مواد كافية لإنتاج عدد منها، وبالمقابل تحصل على تنازلات وحوافز تقدمها لها الإدارة الأمريكية الحالية.

سوريا قد يكون الوعد بالمحافظة على نظامها الحالي، أحد الحوافز المقدمة لإيران، ويأتي التساؤل حينها وماذا عن لبنان وحزب الله ومنطقة الخليج العربي وغيرها.. هل سوف يغض النظر عن، أو لن تمانع الإدارة الأمريكية في، إطلاق يد إيران، إرهابًا وتخريبًا وتصديرًا لفكرها وطائفيتها وعسكرها في المنطقة؟!

لعبة الإدارة الأمريكية الحالية في الشرق الأوسط أصبحت أكثر وضوحًا بتولي فريق جديد السياسة الخارجية قريب في تفكيره من رجال البيت الأبيض ومستعد لتنفيذ سياساتهم.. لذا على من لهم مصلحة في أوطانهم من حكام وأبناء المنطقة أن يمعنوا النظر ويفكروا فيما إذا كان عليهم الاستسلام أم أن بإمكانهم فعل شيء ما يربك اللاعبين ويعدل قواعد لعبة الإدارة الأمريكية الحالية في منطقتنا.

=====================

النظام السوريّ: اللاحدث هو الحدث

حازم صاغيّة

الثلاثاء ٥ مارس ٢٠١٣

الحياة

في حديثه إلى أسبوعيّة «صنداي تايمز» البريطانيّة، رأى الرئيس السوريّ بشّار الأسد أنّ تنحّيه عن السلطة لا يحلّ أيّة مشكلة، بل هو لا أكثر من «تفكير سخيف، بدليل السوابق في ليبيا واليمن ومصر».

وهذا الرأي، الذي يحلّق فوق التفاصيل والتعقيدات التي تعاش في تلك البلدان، إنّما يكتفي بتجديد الإعلان عن وقوف النظام السوريّ في صفّ الثورة المضادّة عربيّاً. فالبعث الذي كان من أبرز فرسان العبارة الثوريّة العربيّة ما بين «المحيط والخليج»، صار هو نفسه، وعلى ألسنة قادته، أمير الردّة المناهضة للثورة ما بين «المحيط والخليج» نفسهما.

لكنّ الأمر أفدح من ذلك. فنحن نذكر أنّ النظام السوريّ عاش حقبة 2003-2011 على نظريّة في غاية البساطة، مفادها: أتريدون التغيير، إذاً انظروا إلى ما يجري في العراق! وكان العراق، لا سيّما خلال سنوات 2006-2008، يعيش على تخوم حرب أهليّة ليس النظام السوريّ بريئاً من توسيعها ومن تعزيزها بأدوات الموت والإماتة.

وبنسبة أقلّ، استخدم النظام السوريّ حال الاستقطاب اللبنانيّ الحادّ الذي نشأ بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 2005 لتعميم الفكرة نفسها عن مضارّ التغيير، أيّ تغيير. وهنا أيضاً، كان النظام المذكور ضالعاً حتّى أذنيه في دفع الأمور اللبنانيّة إلى ما اندفعت إليه حتّى صارت سبباً للخشية والمخاوف.

والحال أنّنا لسنا في صدد محاكمة ذاك النظام عن مسؤوليّاته العراقيّة واللبنانيّة والفلسطينيّة وسواها، فهذا ما سال فيه، ولا يزال يسيل، حبر كثير. ما يلفت، في المقابل، أنّ هذا النظام ليس مجرّد نظام مضادّ للثورة مثله مثل أنظمة عربيّة كثيرة، بل هو، فوق هذا، مضادّ لأيّة حركة تحرك، كائنة ما كانت طبيعتها. ذاك أنّ استمراره ظلّ مرهوناً بألاّ يحدث شيء، مطلق شيء، في جواره أو في محيطه الأبعد. ولمّا كان من المستحيل تثبيت العالم وتسميره عند لحظة ملائمة معيّنة، بات المطلوب صدّ كلّ تحوّل واختصاره في مجرّد إنذار للسوريّين بضرورة التكاتف حول الوضع القائم.

وليس من المبالغة في شيء أن يوصف وضع كهذا بالموت صدّاً للزمن وإقامةً خارج كلّ تاريخ.

يقال هذا الكلام وفي البال أنّ أيّاماً معدودة فحسب تفصلنا عن الذكرى الخمسين لوصول حزب البعث إلى السلطة في سوريّة يوم 8 آذار (مارس) 1963. أي أنّ خمسين عاماً انقضت على سوريّة والسوريّين وهم معلّبون لا تنعكس عليهم تطوّرات في حجم انهيار الكتلة السوفياتيّة واتّساع رقعة الدول الديموقراطيّة ونشأة العولمة وسوى ذلك.

بلى، هناك ما انعكس إيجاباً على النظام الطويل العمر في هذه الغضون، وهو إنّما ينقسم إلى قسمين: من جهة، الحروب والنزاعات الأهليّة التي كان لبنان والفلسطينيّون أبرز مسارحها، ومن جهة أخرى، ثورة إيران الخمينيّة في 1979 التي لم تكن، في حساب إقليميّ، سوى مادّة لتعزيز النزاع الأهليّ... «من المحيط إلى الخليج» أيضاً.

خمسون عاماً كهذه كيف لها أن لا تكون صاحبة باع طويل في ولادة جبهة «النصرة» وأخواتها؟

=====================

سوريا.. مخاوف الجيران تحث على توافق دولي!

اكرم البني

الشرق الاوسط

5-3-2013

ليس من حدث أثّر ويؤثر على الدول المحيطة بسوريا، كالحدث السوري، إن بسبب موقع هذا البلد الحيوي وتشابكه مع معظم الملفات الشائكة والحساسة في المنطقة، وإن لتنامي نفوذه خلال أكثر من 4 عقود وتأثيره على جيرانه وعلى طابع العلاقة معهم، وإن بسبب الأعداد المتزايدة من النازحين والمهجرين الذين بدأوا يشكلون عبئا على تلك الدول وعلى أوضاعها الاقتصادية. لكن السبب الأهم هو خشية هذه البلدان من امتداد الصراع السوري، وتداعياته بفعل مكونات عرقية ودينية وطائفية متداخلة، وتحسبهم من محاولة النظام تصدير أزمته إليهم عساه يخفف عبر توسيع رقعة الصراع من الضغوط عليه، وتحويل الانتباه العالمي والعربي إلى أماكن أخرى. مع أن السلطة العراقية بدأت تئن من وطأة الحدث السوري عبر حراك شعبي معارض ما فتئ يتسع في مناطق وجود الكتلة السنية وينذر بما هو أسوأ، لا يزال موقفها الرسمي حافلا بالتناقض، فإلى جانب تكرار رفض التدخلات الخارجية في الشأن السوري والدعوة لحل سلمي عبر الحوار، سمعنا عبارات واضحة من رئيس الحكومة نوري المالكي تدعم النظام وتثق بقدرته على الاستمرار وتراهن على فشل الثورة، بينما تفاوتت مواقف المعارضة، بين داعم صريح للثورة تمثله بعض القوى المنضوية في ائتلاف العراقية، ومختبئ خلف الموقف الدولي كحال أهم الكتل السياسية الكردية.

وإذا تجاوزنا النصائح المتكررة للعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني عن أهمية المعالجة السياسية وتصريحه بضرورة تنحي الرئيس السوري، وأيضا أحاديث لمسؤولين أردنيين تحذر بصورة مباشرة من توسع الصراع الأهلي في سوريا، ومن خطر وصول الإسلاميين إلى سدة السلطة في سوريا على مستقبل الأردن، تظهر السياسة الرسمية الأردنية شديدة التحفظ والحذر من الحدث السوري متجنبة أي تصعيد أو استفزاز للنظام، إن لتجنب ردود أفعال قد تسبب إرباكات داخلية مع وجود مجموعات قومية ويسارية لا تزال تجد ما يحصل في سوريا مؤامرة استعمارية، وإن لمصلحة اقتصادية في ضمان مصادر المياه وتأمين طرق قوافل تصدير البضائع، بما في ذلك تسهيل عملية التشارك مع المنظمات الدولية لرعاية أكبر عدد من اللاجئين السوريين، على الرغم مما يثار عن سلوكيات غير إنسانية يلقاها بعض اللاجئين في المخيمات الأردنية. سياسة «النأي بالنفس» لم تخفف متاعب لبنان، بل إن الحدث السوري بدأ يحفر في خبايا تركيبته الاجتماعية ومكوناته عميقا، وينذر بتنامي تفاعلات وتوترات طائفية قد تعيد البلد إلى مناخات غير محمودة، ويبدو أن قضية اللاجئين وتنامي حاجاتهم، ثم استفزازات النظام السوري وتجاوزاته المتكررة للحدود مع لبنان بحجة ملاحقة معارضين فارين، وتدخل حزب الله في بعض مناطق الاحتكاك، كل ذلك أحرج السلطات وأظهر لاجدوى سياسة النأي بالنفس، لتغدو هذه السياسة كأنها تعني الموقف الرسمي فقط، بينما تحولت فعليا إلى ما يشبه ستارا تتحرك من ورائه القوى اللبنانية تبعا لحساباتها كي تعبر عن مواقفها الخاصة مما يحصل في سوريا، وكي تقدم ما تيسر لها من الدعم إلى الطرف الذي تسانده وتشعر بأن مصالحها ترتبط بانتصاره. لتركيا سقف يبدو أنها لا تستطيع تجاوزه أو لا تريد، إن استطاعت، مكتفية، بعد سلسلة النصائح التي قدمتها للقيادة السورية، بالدعم اللفظي للثورة والإدانات المتعددة للعنف السلطوي المفرط، ربطا بتقديم بعض الدعم اللوجيستي لجزء من المعارضة السورية، طالما هو أقرب إلى سياساتها وحساباتها.

وعلى الرغم من أن تركيا كشفت عن طموح نهم في ظل حالة التفكك العربي لتعزيز وزنها ودورها الإقليميين، فثمة مصالح تلجم دخولها بصورة سافرة في المشهد السوري ربطا بخشيتها من خسائر فادحة، في حال توسعت ساحة الاشتباك وشمل حلفاء النظام، وما يستتبع ذلك من تداعيات ربما تستنزف قواها وتهدد طموحها، إن طال زمن الصراع واتخذ مسارات غير محمودة، ناهيكم عن مخاوفها من تحويل البؤرة السورية المضطربة إلى قاعدة انطلاق لحزب العمال الكردستاني، خاصة إن فشلت مساعيها في استمالة قيادته لعقد اتفاق سياسي يضع حدا للعمليات العسكرية، وفي تأليب بعض الجماعات السورية المسلحة لضرب أنصاره أو محاصرتهم.

لا تنطلق السياسة الإسرائيلية من الصراع السوري من تأثيراته الراهنة، ولا من كونها عدوا يحتل أرضا، بل من حسابات أمنية استراتيجية، وهي تنوس بين رغبة دفينة في بقاء النظام بصفته نظاما مجربا حافظ على جبهة الجولان آمنة ومستقرة طيلة عقود، والضغط على روسيا والدول الغربية لترك الأوضاع السورية، في حال لم يضمنوا السيطرة على المعارضة، كي تسير نحو التفسخ والاهتراء فتأمن جانب هذا البلد لسنين طويلة، ورهانها إشغال البديل المقبل حتى أذنيه في معالجة الدمار والخراب، ولا تغير هذه الحقيقة تصريحات بعض القادة الإسرائيليين عن فقدان النظام شرعيته، وأنه غير قادر، بعدما جرى، على الحكم.

في مسار الثورة لم تكن بعض بلدان الجوار تثق بالشعب السوري وبقدرته على الاستمرار في مواجهة عنف مفرط هي أدرى به، وكان يلحظ ولفترة طويلة وجود ما يشبه الإجماع عندهم على أن النظام سيتجاوز الأزمة ويعزز مواقعه من جديد، الأمر الذي حدد سقف سياساتهم وطابع مواقفهم وفسر حذرهم وترددهم في المشاركة في تطبيق العقوبات الدبلوماسية والاقتصادية، أما اليوم فيبدو أن ثمة قاسما مشتركا جديدا يجمعهم، هو تنامي مخاوفهم، وإن بدرجات متباينة، من استمرار العنف والصراع في سوريا، ومن احتمال انزلاق البلاد إلى حرب أهلية واسعة وانتقالها إلى مجتمعاتهم بفعل المساحات الحدودية الواسعة والتداخل العشائري والديني والقومي، وأيضا مخاوفهم، إذا استثنينا الحكومة التركية، من صعوبة بناء علاقات ثقة مشتركة إن كان البديل حكومة إسلامية، مما يفسر حماسهم الراهن وزيادة ضغطهم من أجل توافق الدول الكبرى وبناء دور أممي جاد وحاسم يضع حدا للمأساة السورية!

=====================

الأسد المتوتر!

طارق الحميد

الشرق الاوسط

5-3-2012

لم يبالغ وزير الخارجية البريطاني وهو يصف مقابلة بشار الأسد الأخيرة مع صحيفة «صنداي تايمز» بأنها «إحدى أكثر المقابلات الوهمية التي قام بها رئيس دولة في هذا العصر».. فمن يقرأ المقابلة بتمعن سيجد أن الأسد لم يقل شيئا عدا توجيه التهم، والإمعان في الوهم، وأنه أمام رجل متوتر.. فمثلا، كيف يمكن أن يفهم القارئ إجابة الأسد عن سؤال مفاده أن قبوله للحوار مع المعارضة الآن يعني أنه قد غير رأيه، حيث لم يكن يعترف بها من قبل، حيث يقول في المقابلة: «قد يفهم البعض أني غيرت رأيي لأنني لم أعترف بالكيان الأول للمعارضة ومن ثم اعترفت بالكيان الثاني. في الواقع إنني لم أعترف بأي منهما، والأهم من ذلك أن الشعب السوري لا يعترف بهم ولا يأخذهم على محمل الجد»، ثم يقول مضيفا، وهذا هو الأهم: «عندما يفشل منتج معين في السوق فإنهم يسحبون المنتج، يغيرون اسمه ويغلفونه بشكل مختلف ومن ثم يطرحونه مجددا في السوق، لكنه لا يزال على عيبه. الكيانان الأول والثاني هما نفس المنتج، لكن الغلاف مختلف».. فهل بعد هذا الوهم وهم؟ وهل بعد هذا التخبط تخبط؟ فهل يقبل الأسد بالحوار أساسا أم لا؟ وكيف يدعو للحوار ثم يقول إنه لا يعترف أساسا بالمعارضة، خصوصا أن الصحافية البريطانية قد سألته سؤالا محددا، وقاسيا، حيث قالت له: «عندما تستلقي في سريرك بالليل، هل تسمع الانفجارات في دمشق؟.. هل تشعر بالقلق على عائلتك؟.. هل تقلق من أن سلامتك الشخصية قد تتعرض للخطر؟».

حقا إنها قمة التناقضات، والإمعان في الوهم. ولذا، فإنه لا جديد في مقابلة الأسد، فلا تصريحات سياسية أو رسائل يمكن أن يستشف منها أي رؤية للخروج من الأزمة. الجديد الذي قدمه الأسد في مقابلته هو الهجوم على السعودية، ولأول مرة على لسانه شخصيا، وليس عبر وسائل إعلامه، أو الإعلام الإيراني، وبالطبع هاجم الأسد تركيا، وتحديدا أردوغان، وقطر، لكنها المرة الأولى التي يهاجم فيها السعودية، وهو الأمر الذي تجنبه هو ورموز نظامه طوال العامين الماضيين.. عدا ذلك فلا جديد سوى أن الأسد بدا متوترا، وأفرط في مهاجمة الجميع، وتصوير الثورة على أنها مؤامرة كونية، وأنه آخر معاقل العلمانية في المنطقة، بل إن الأسد بدا في المقابلة وكأنه معمر القذافي في آخر أيامه، خصوصا أن المقابلة نشرت في نفس اليوم الذي كان يزور فيه رئيس الائتلاف الوطني أحمد معاذ الخطيب مناطق في ريف حلب!

مقابلة الأسد تثبت لنا أمرا واحدا، وهو أن كل الحلول السياسية المنشودة، من خلال الحوار مع النظام، ما هي إلا إضاعة وقت مع أسد مستلقٍ سلم أمره لإيران وحزب الله، بل لا يمكن تصديق أن الروس سيذهبون إلى آخر المطاف مع رجل بهذا المنطق، والتفكير، خصوصا وهو يخسر على الأرض بوتيرة متصاعدة، وينوي الانتحار آخذا سوريا كلها معه إلى الهاوية.

=====================

آخر أكاذيب الأسد: أنا معقل العلمانية الأخير!

عبدالرحمن الراشد

الشرق الاوسط

5-3-2013

في حديثه مع صحيفة الـ«صنداي تايمز» اللندنية سعى الرئيس السوري المتهاوي بشار الأسد لدغدغة عواطف ومخاوف الغرب. ادعى أنهم أمام خيارين؛ إما نظامه أو تنظيمات القاعدة. أيضا، استعطف الرأي العام الغربي قائلا، «ينبغي الشعور بالقلق على الشرق الأوسط، لأننا المعقل الأخير للعلمانية في المنطقة. وإذا كان ثمة قلق على الشرق الأوسط، فينبغي على العالم بأسره أن يكون قلقا على استقراره». أي إنه الآن بزعمه أصبح نظاما علمانيا!

تخويفه للغرب بأن البديل له هو «القاعدة»، ركيزة استراتيجيته الدعائية منذ بداية الثورة الشعبية، وصار يتمحور حولها خطابه الإعلامي والسياسي منذ البداية لأنه يعرف أن الغرب يتبنى ويدعم الحركات الشعبية، كما فعل في تونس ومصر واليمن، لكنه يعاديها ويقاتلها إن كانت جماعات دينية متطرفة كما يفعل في أفغانستان واليمن.

ورغبة في تزيين صورة النظام أطلق صفة العلمانية على نظامه وهو فعليا لا يمت لها بصلة. نظام الأسد عسكري أمني قمعي فاشي، وريث نظام أبيه الذي أسسه بانقلاب عسكري قبل أربعين عاما، يشبه نظام كوريا الشمالية ولا علاقة له بالعلمانية. وكون الأسد لا يتبنى الفكر الديني لا يعني أنه علماني، بل فيه الكثير من الطائفية المقيتة، من حيث حكر المناصب والمنافع على المقربين منه من المنتمين للطائفة العلوية. والعلمانية، كجزء من الفكر الليبرالي، الواسع تقوم على احترام الحريات في حين يحكم سوريا نظام أمني صارم، وإلى قبل فترة قريبة فقط كان يسجن من يعثر في بيته على جهاز فاكس المحرم امتلاكه إلا بموافقة أمنية! وهذا التضييق ينطبق على كل تفاصيل الحياة اليومية من فتح المحلات التجارية إلى تحويل الأموال. لم تكن سوريا بلدا علمانيا، ولا نظامها نظاما ليبراليا على الرغم من أناقة زوجته أسماء الأسد. ومن السذاجة الحكم على المظاهر لتوصيف الدول وإلا لقلنا إن كوبا بلد إسلامي بسبب لحية الرئيس كاسترو الكثة!

تونس كانت نظاما أمنيا، وليبيا القذافية كانت مثل سوريا الأسدية، لم تكن أنظمة دينية بل أمنية، فيها اشتكى الناس من القمع والحصار البوليسي.

لا توجد دولة عربية واحدة يمكن أن ينطبق عليها صفة النظام العلماني ولا مجتمعها بمجتمع ليبرالي، حتى لبنان الأقل تشددا تحكمه طوائف دينية سنية وشيعية ومسيحية ودرزية!

بالنسبة للأسد المحاصر فإنه يعرف منذ بدايات الحرب على الإرهاب أن دفع المعارضة في حضن المتطرفين وإقناع العالم بأنهم جماعات تشبه «القاعدة» قد يقلب الرأي الدولي ضدهم، ليس في الغرب وحده بل حتى في المنطقة العربية التي تحارب هذه الجماعات. ونصف حديث الأسد للصحيفة كان موجها للرأي العام الغربي يحاول إقناعهم بأنه مثلهم يحارب التطرف الإسلامي! لكن الأسد هو نصير الجماعات المتطرفة من نظام إيران الشيعي المتطرف وكذلك حزب الله المتطرف جدا، علاوة على علاقته بتنظيمات سنية متطرفة مثل فتح الإسلام التي حاربت حكومة الحريري في لبنان، وكذلك تنظيمات «القاعدة» العراقية، التي عاثت في العراق قتلا وتدميرا.

لا يمكن للدارس لشؤون منطقتنا أن يغفل تلاقي التناقضات، لكنها مبررة على الرغم من غرابتها. فإيران المتطرفة شيعيا تدعم «القاعدة»، التنظيم السني المتطرف، على الرغم من العداء التاريخي بين الغلاة من الطائفتين لأنها تلتقي وإياها في نفس الأهداف، ومعظم قيادات «القاعدة» القدامى في إيران اليوم، وقد استوطن سيف العدل، أحد قادة «القاعدة» في إيران منذ التسعينات، ولجأ أولاد أسامة بن لادن أيضا إلى إيران بعد هروبهم من أفغانستان ولم يغادروها إلا قبل ثلاث سنوات.

رئيس سوريا، على الرغم من كونه غير متدين، فإنه أكبر داعم للجماعات الجهادية التي تدور في فلك نظامه مثل حركة حماس وتنظيم الجهاد المسلح الفلسطيني وتقريبا كل الجماعات الجهادية في العراق وفتح الإسلام الفلسطيني في لبنان، وبالطبع حزب الله اللبناني. اليوم يحاول الأسد إقناع الغرب أنه علماني وليبرالي ويكافح التطرف الإسلامي، لكن العاملين في الحقل السياسي هناك يعرفون جيدا نظام الأسد، وأنه ليس سوى ملحق بالنظام الإيراني المتطرف دينيا وسياسيا. لقد تبنى أبوه حافظ الأسد دعوى البعث العربي من أجل تبرير استيلائه واستمراره في الحكم طائفيا، وسعى ابنه بعده لمعاشرة أصحاب اللحى الطويلة من المرشد خامنئي إلى حسن نصر الله إلى شلح وعقد المؤتمرات الإسلامية الجهادية في دمشق، وبعد اندلاع الثورة صار يتحدث الآن عن العلمانية ويدعيها!

====================

الحروب اللبنانية السورية المقبلة ـ إبراهيم الشيخ

5-3-2013

الزمان

بالرغم من الازمات التي عصفت بلبنان خلال الحرب الاهلية وقبلها وبعدها، فان الامور لم تصل الى حد اشتعال اي قتال بين لبنان وسوريا، ومن المعروف ان المجتمع اللبناني شهد انقساما بين مؤيد ومعارض للنظام السوري، وكان هناك معارضة قوية للوجود السوري المسلح والذي استمر حوالي ثلاثين سنة.

لكن بالرغم من انسحاب القوات السورية من لبنان، الا ان الحملات على النظام السوري لم تهدأ واستمرت من خلال اتهامه بالاغتيالات التي حصلت في لبنان والتدخل في شؤون لبنان الداخلية، ولا يخفى على احد ان لبنان كان ساحة للصراعات للقوى الدولية والاقليمية لتصفية حساباتها على الارض اللبنانية وهذه القوى بلا شك هي التي تسببت باطالة الحرب الاهلية. ولكن ها هو لبنان يعود كساحة للصراع وخاصة بين القوى الاقليمية، وهذه المرة بين بعض الدول العربية التي تؤيد وتدعم تيار المستقبل وما يمثله من احزاب وتنظيمات والتي تسمى قوى 14 وبين القوى الممثلة بحزب الله وبعض القوى المتحالفة معه، التي تسمى قوى الثامن من اذار المدعومة من سوريا وايران.

ان ما يجري في سوريا منذ عامين قد أدى الى انقسام واصطفاف اللبنانيين بين معارض ومؤيد للنظام السوري، وبشكل بطيء يؤدي هذا الاصطفاف الى عسكرة المجتمع اللبناني ومن الممكن في مرحلة من المراحل ان يؤدي الى انفجار الوضع الامني والدخول في اتون الاقتتال الداخلي.

لا شك ان الازمة السورية التي بدأت بمظاهرات مطالبة بالحرية والديمقراطية قد تطورت وبدأت تطالب بإسقاط النظام، وكما الثورات السابقة في دول الربيع العربي قد تم السيطرة على هذا الحراك من بعض القوى الاقليمية لتحقيق اهداف واجندات خاصة، ومن اهم هذه الاهداف هي سيطرة قوى اسلامية بعينها على المشهد السوري، وقد تطورت الامور الى تدخل قوى اسلامية اخرى متطرفة كجبهة النصرة، ان هذه القوى تتفق على هدف واحد وهو اسقاط النظام وابعاد سوريا عن المحور الايراني وفك تحالفاتها مع ايران، وبالتالي وقف الدعم الايراني الذي يأتي عبر البوابة السورية لحزب الله.

لذلك تحولت الازمة السورية الى عامل تأجيج الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة، وهنا يكمن خطر هذا الصراع الذي من الممكن ان يمتد الى دول الجوار، وخاصة الى لبنان، وذلك بعد اتهام الجيش الحر لحزب الله بالمشاركة في الازمة السورية والاشتباكات التي تحصل من وقت الى اخر على الحدود بين لبنان وسوريا.

فما يجري على الحدود اللبنانبة السورية يشكل ارهاصات المرحلة القادمة، وخاصة في حال سقوط النظام السوري فان هذه الجبهة ستشهد اقتتالاً بين حزب الله والقوى المعارضة للنظام السوري التي ترى في هذا الحزب عدوا بسبب دعمه للنظام السوري، ولذلك تسعى الى الانتقام منه، ومن جهة اخرى فان الجهات الاقليمية التي تدعم قوى المعارضة في سوريا والقوى السنية المعارضة لحزب الله في لبنان ستزيد من دعمها لهذه القوى من اجل اضعاف النفوذ الايراني في كل من سوريا ولبنان.

الدولة اللبنانية منذ بداية الصراع في سوريا تحاول ممارسة سياسة النأي بالنفس لكي لا يؤثر هذا النزاع في استقرار لبنان، فالسلطات اللبنانية كانت دائما تعمل على عدم المواجهة مع سوريا بالرغم من التدخل السوري في لبنان، ومن المعروف ان سوريا كان لها تأثير كبير في السياسة اللبنانية.

ولكن هذا الوضع بدأ يتغير وتراهن بعض القوى اللبنانية على انهيار النظام السوري، وتظن أن بانهياره سيفقد حزب الله الدعم اللوجستي الذي يأتي من سوريا وايران، وترى هذه القوى فرصتها للتخلص من نفوذ هذا الحزب، وستجري تصفية حسابات بعض الدول العربية مع ايران على الاراضي السورية واللبنانية، وبلا شك ان اللبنانيين والسوريين سيكونون وقوداً وضحايا هذه الحرب.

وهذا السيناريو لو حصل، فإنه من الممكن جر المنطقة من سوريا الى لبنان ومن ثم الى العراق الى اقتتال طائفي على استعادة النفوذ وملء الفراغ في المنطقة، وهذا الوضع سيؤدي حتما الى تدخل اسرائيلي تحت ذرائع متعددة، ومنها التدخل بهدف تدمير السلاح الكيماوي السوري وعدم السماح لبعض القوى السيطرة عليه، أو عدم السماح لبعض القوى السيطرة على قوى اخرى.

ان ما يميز هذه المرحلة هو ان بعض القوى الاقليمية والدولية تعمل على اذكاء الفتنة بين السنة والشيعة من اجل اشعال المنطقة لتنفيذ مصالحها، وانهاك الجميع لكي تبقى المنطقة منقسمة على نفسها، وعدم معارضة السياسات التي يُخطط لها من اجل السيطرة على المنطقة واخضاعها سياسيا وعسكريا واقتصاديا.

=====================

عمار بن ياسر السوري * رمزي الغزوي

الدستور

5-3-2013

صبراً يا عمار. فإن كنتَ فقدت يداً من أصلها وقدماً من كعبها، فكثيرون فقدوا كل عقولهم في هذا عالم يتفرج، وخسروا لب قلوبهم، وحشاشة ضمائرهم، وصاروا أشد من ضواري الوحوش. صبراً يا عمار، فليس يطول ليل إلى آخر الدنيا، وأن أحلك ساعات الليالي سواداً تلك التي تسبق الفجر بقليل. ولربما طال طغيان بشار، ولكن فجر الحق سينبلج، عما قليل يا طفلنا الملكوم.

هذا هو عمار السوري، يا بشار. ألا تعرفه؟!، يحق لك أن تهذي، وتتغافل وتتعامى حتى آخر هلوساتك، وأن تسأل سواذج الأسئلة وأبردها، فعلى عينك غشاوة لا تزول. فكيف ستحفظ اسم طفل من قرية الحراك في الثامنة من الوجع فقد قدماً ويداً؟!. أهذا مهم في عينك؟!، وهناك أكثر من خمسة آلاف طفل واراهم الثرى كبراعم ورد ما قبلها الندى، ولا خالجها شعاع شمس في صباح يوم جديد.

كيف ستعرف أن هذا الطفل البرعم سوري؟!، وأنت لم تعترف بحقهم بالحياة، أو بحقهم بقول بعض لا؟!. وسنذكرك بالأطفال الذين خرجوا في درعا، وكتبوا على جدران مدرستهم عبارات بسيطة عن الحرية، يومها اعتقلتهم، وحين طلبهم أهلهم، قلتم لهم بعنجهية: انسوهم، أو إنجبوا غيرهم، وإن عجزتم، زرعنا في نسائكم بدلا منهم. وكانت شرارة ثورة لا تخمد إلا منتصرة.

الطبيبة النفسية التي شاركت في خلع العباءة عليك يا بشار، قبل أسابيع قالت تبشرنا: إنك غير مفصول عن واقعك!. وقد صدقت، فواقع الطغاة وديدنهم، أنهم لا يرون إلا ما يريدون رويته، ولا يسمعون إلا صوت أنفسهم، إو ما يودون سماعه من شبيحتهم وزبانيتهم، وهذا واقعهم، وكأن كل الدماء التي سالت، كانت بلا حمرة في عين طبيب العيون.

يحق للطغاة في ربع ساعتهم الأخيرة أن يطلقوا أبشع هذياناتهم، يحق لهم أن يقلبوا التاريخ، ويحشرونه في جيب سروالهم، لأنهم لم يعودوا يرون إلا أنفسهم، ولم يعد مسموعاً في آذانهم إلا خشخشتهم الناعقة. يحق لهم أن لا يروا المئة ألف شهيد، وملايين اللاجئن والنازحين.

أكاد أرى نهاية الطاغية ماثلة أمامي. ولربما نهايته بانتحار عجيب بسرداب. أكاد أرى نهاية تليق بطاغية انفصل عن تراب الحقيقة، وهام في غياهب جنونه، وغبائه، وشطحاته. نهاية لن يُمنح فيها لقب الرئيس المخلوع، ولن يحظ ببلد يأويه. أكاد أراه مسحولاً من دمشق إلى الحراك، فالشعب الذي خطّ أول أبجدية في الدنيا، جدير به أن يعلم العالم أبجدية البسالة والشجاعة، والحرية غالية الثمن. عاشت سوريا صانعة المجد. وستبقى يا عمار وجعنا الطائر.

=====================

لماذا أبعد الاردن طائراته عن سورية؟! * ماهر ابو طير

الدستور

5-3-2013

قرار الملكية الاردنية بتحويل الطائرات المتجهة الى بيروت،بعيداً عن الاجواء السورية،من اجل سلامة الركاب،ليس قرارا عادياً،ويشي باحتمالات سياسية وعسكرية كثيرة،ويتعلق فعلياً بما قد يستجد في سورية خلال الفترة المقبلة.

هذا مؤشرعلى عدة سيناريوهات والاول يتحدث عن احتمال تنفيذ عملية عسكرية جوية مشتركة ضد القاعدة في سورية،ومنع عبور الطائرات يأتي تحوطا مما يقال عن وصول اسلحة متقدمة لإسقاط الطائرات الى يد مقاتلي جبهة النصرة.

هناك ايضا سيناريو آخر حول ضربة عسكرية مفاجئة قد تتم في اي لحظة ضد النظام،وهذه الضربة ستؤدي الى اشتباكات وحرب مفتوحة برياً وجوياً،والاردن يريد مسبقا تفادي الاضرارالجانبية،بمنع طائراته من دخول الاجواء السورية.

السيناريو الثالث يتحدث عن ان هناك من يريد اسقاط طائرة اردنية مدنية،بحيث يتم اتهام الجيش السوري،اذا كان الفاعل هوالجيش الحر،او اتهام الجيش الحر اذا كان الفاعل هو الجيش السوري،ومن اجل غايات عديدة تتعلق بإعادة خلط الاوراق.

الطائرات كانت تمرعبر المجال الجوي السوري طوال عامين فائتين وكانت خلالهما الطائرات العسكرية السورية تنفذ عملياتها الحربية،ولا يلحق الطيران المدني الاردني أي ضرر،فما الذي استجد فجأة وجعل تحويل مسارالطائرات،قرارا لا بد منه؟!.

من هذه الزاوية يمكن التحليل كثيراً،غير ان المؤكد هنا ان تداعيات الازمة السورية تتزايد على الاردن،الذي يديرموقفه بشكل لا بأس فيه حتى الان،غير ان الخشية ان نجد انفسنا امام استحقاقات ذات ارتداد صعب جداً على الاردن.

معنى الكلام ان اي مداخلة عسكرية اردنية بشراكة مع اي جهة اخرى،ستكون مكلفة جدا على الاردن،الذي من مصلحة شعبه ان تنتهي الازمة السورية سريعا،وان لا يضع الاردن نفسه ومستقبله ومؤسساته ورجاله في وجه النار السورية،فأي مغامرة ستكون محفوفة بالخطر ولها ارتداد على الداخل الاردني.

سواء كان هناك تخطيط لعمل اردني منفرد او اردني امريكي ضد القاعدة او ضد النظام،فهذا تخطيط له كلفة عالية،وتورط مرفوض في الازمة السورية،ونحن في غنى عنه،وقد يؤدي الى ارتدادات هنا،من باب الانتقام من جانب جهات كثيرة.

هناك مخاوف من زيارة الرئيس الامريكي باراك اوباما الى المنطقة التي قد تكون توطئة لمداخلة عسكرية ضد النظام السوري.

السيناريوالثالث المتعلق باحتمال ارتكاب جهة ما عملية استهداف لطائرة مدنية اردنية،من اجل توريط طرف ما،سيناريو قائم ايضا،وأحسن ما يتم فعله في هذا الصدد الابتعاد كليا عن الاجواء السورية.

ما نتمناه ان يبقى الاردن مع الحل السياسي للازمة السورية،وان لا يتم التورط بأي تدخل عسكري،وان يبقى الاردن في خانة الادارة السياسية والساعي من اجل انهاء الازمة سلميا وربما المساعدة في اي حوار بين السوريين.

يبقى السؤال:..لماذا تذكرنا سلامة الطائرات والركاب فجأة في هذا التوقيت،ولعل الذي يجيب بدقة سيصل الى الحقيقة حول ما سيجري على امتداد الجبهة الاردنية السورية المشتركة خلال الفترة المقبلة؟!.

=====================

حول تحذيرات نصراللـه وتهديدات العامري * ياسر الزعاترة

الدستور

5-3-2013

في يوم واحد، حذرنا الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله من تداعيات سقوط بشار، وكذلك فعل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، فيما أطلق وزير النقل في حكومته تهديدات لتركيا وقطر بسبب دعمهما لثوار سوريا. ولا داعي للتوقف عند تصريحات كثيرة صدرت قبل ذلك لمسؤولين ورجال دين في إيران، وصل الحال بأحدهم (مهدي تائب) حد اعتبار سوريا واحدة من محافظات إيران، فيما ذهب آخر إلى أن الدفاع عن طهران سيكون متعذرا فيما لو سقطت دمشق بيد المعارضة!!

نصر الله ربط بين الفتنة في لبنان وما يجري في سوريا، موضحا أننا نريد سوريا “موحدة ومتماسكة”، ومضيفا “نحن ضد تقسيم سوريا لأنه مشروع إسرائيلي”، لكن نصر الله لم يجد بدا من الاعتراف بوجود عناصره في القرى القريبة من حمص، وساق ذات التبريرات القديمة حول دفاع أهالي تلك القرى عن أنفسهم، فيما تشير تقريرات بلا حصر عن تورط متزايد للحزب في المعركة في ظل تضييق الثوار الخناق حول العاصمة دمشق.

أما المالكي، فقال إنه “إذا ما انتصرت المعارضة (على النظام في سوريا) فستندلع حرب أهلية في لبنان، وتحدث انقسامات في الأردن، وتشتعل حرب طائفية في العراق”. ثم انضم هادي العامري، زعيم منظمة بدر الشهيرة، والذي يشغل منصب وزير النقل في حكومة المالكي؛ انضم للزفة، حين خرج مهددا، وليس محذرا، إذ اعتبر أن “تقديم السلاح علنا للقاعدة من قبل تركيا والدوحة”، هو بمثابة “عمل مسلح ضد العراق، لأن هذا السلاح بالتأكيد سيصل إلى صدور العراقيين”، لكنه تجاهل دعم نظامه المتعدد الأشكال لنظام بشار، كما تجاهل عناصر منظمته الذين “يجاهدون” في سوريا إلى جانب النظام، ويدافعون كما يُقال دائما عن مقام السيدة زينب، وهي مشاركة فضحتها الصحف والوكالات العالمية، حين التقت عناصر تشارك بالفعل في القتال في سوريا في ظل حشد يعتبر أن المعركة في سوريا هي دفاع عن أهل البيت ضد النواصب، ودفاع عن عموم الشيعة ووجودهم في المنطقة، في خطاب طائفي مقيت يتجاهل أن أهل سوريا لم يخرجوا من أجل مشروع مذهبي، بل من أجل الحرية والتعددية. ولعلنا نذكر هنا بأن لمنظمة بدر سجلها في ممارسة العنف ضد نظام صدام حسين لأنه “استبداد سنّي”، بينما لا يرى زعيمها بأسا في حكم بشار العلوي لغالية سنية (دعك هنا من النسب، بين سنة يشكلون نصف السكان، إذا أضفنا الأكراد، وبين علويين لا تزيد نسبتهم عن 10 في المئة من السكان).

نحن إذا أمام سيل من المواقف المنضوية تحت اللواء الإيراني، والتي تصب في مصلحة نظام بشار، ليس على المستوى العسكري والمالي فق، بل على المستوى السياسي أيضا.

هل أصبح نظام بشار هو الضامن لأمن المنطقة برمتها، وهل حقا سيؤدي سقوطه إلى كل تلك الحروب التي تحدث عنها المالكي. وأية انقسامات تلك التي ستحدث في الأردن بعد سقوط بشار (نفهم طبعا ويفهم الكثيرون ما يرمي إليه المالكي)؟!

من هو الذي يستثير الأحقاد المذهبية؛ هل هو الشعب الذي خرج يطلب حريته مثل كثير من الشعوب العربية التي سبقته على هذا الطريق، أم أولئك الذين وقفوا إلى جانب طاغية يقتل شعبه ويدمر بلده من أجل البقاء في السلطة؟! لقد بات هذا الخطاب مقيتا إلى درجة لا تطاق، ومن الطبيعي أن يغدو نصر الله والمالكي، ومن ورائه الأسياد في إيران من ألد الأعداء في وعي الغالبية الساحقة من الأمة.

ثم لماذا يغدو بشار هو الضامن لوحدة سوريا بحسب خطاب نصر الله؟ ألا يعني ذلك تلويحا بالدويلة العلوية التي لم تغادر العقل الإيراني إلى الآن، وتبعا لها التقسيم بعد أن ترك النظام للأكراد مناطقهم من أجل أن يستقلوا بها في حال ذهب نحو الساحل لتطبيق السيناريو المشار إليه؟! والخلاصة أن التقسيم هو مشروع إيراني أكثر منه مشروع إسرائيلي.

إذا اعتقد نصر الله و غيره وسادتهم في إيران أنهم بهذا الخطاب يخوفون الأمة فهم واهمون، فالمعركة في سوريا لن تتوقف قبل سقوط النظام، وبعد سقوطه لن تكون هناك حروب مذهبية، بل تصحيح طبيعي لمشهد سياسي مشوه في العراق وفي لبنان، ومن وراء ذلك كله تحجيم لمشروع إيران الذي استخف بالأمة كلها.

فليقدموا لبشار ما يشاؤون من دعم وإسناد، وليقفوا في مواجهة غالبية الأمة كما يريدون، لكن ذلك كله لن يحول دون سقوط نظامه ، وإذا اعتقدوا أنهم سيذلون غالبية الأمة، فهم واهمون كل الوهم، والأيام بيننا.

=====================

انسداد النافذة الدبلوماسية أمام الأزمة السورية

عيسى الشعيبي

الغد الاردنية

5-3-2013

قد لا يختلف اثنان، داخل سورية وخارجها، على أن وقف عدّاد الموت المتسارع هو الهدف الذي يعلو كل ما عداه من أهداف أخرى، لدى السوريين ومن يشفقون عليهم، جراء هذا التفاقم في حدة الأزمة، وهذا الارتفاع المروع في تكاليفها الإنسانية الباهظة. وقد تتفق أكثرية المخاطبين بتداعيات هذا الصراع الذي لا يرحم أحداً، على أن أقصر الطرق وأنسبها لتحقيق مخرج ملائم لسائر أطراف اللعبة الدامية هي طريق الحوار والمصالحة الوطنية.

غير أن هذه الغاية النبيلة حقاً، تبدو بعد نحو عامين من التغيرات المتراكمة في البيئة الداخلية، والاستقطابات الشديدة في المحيطين الإقليمي والدولي، أقرب ما تكون الى الأمنيات المحلقة في سماء بعيدة عن متناول أيدي المتحاربين والوسطاء والدخلاء في هذه الأزمة التي دخلت في طور من الاستعصاء الشديد، واستقطبت الكثير من الفرقاء المتحفزين لتسوية حسابات سياسية معلقة، وإعادة التموضع بصورة أفضل على جانبي المعادلة الأوسع نطاقاً من حدود الرقعة الملتهبة.

ولعل مرد هذا الإخفاق الذي رافق كل المساعي الدبلوماسية المتعثرة، وأعقب جميع المبادرات العربية والدولية، يكمن في شدة اتساع الفجوة، والتباس المفاهيم المتداولة، وعمق الاختلاف في تعريفات الحالة السورية، بين طرف يرى أنها مجرد مؤامرة كونية تنفذها عصابات إرهابية، وآخر يؤمن أنها ثورة شعبية اجتازت مرحلتها السلمية عنوة، ثم دخلت في طورها المسلح، وراحت بعد ذلك تجب مطالبها الإصلاحية، وتنسخها لصالح مطلب التغيير الشامل لبنية النظام الأمنية.

كانت النافذة الدبلوماسية واسعة ومتاحة في الأشهر الأولى من عمر هذه الثورة. وكانت الحلول الوسط حينها وجيهة وممكنة وذات مصداقية. إلا أنه بعد أن أوغل النظام الاستبدادي في توحشه، واعتمد الحل الأمني الذي لا يملك في واقع الأمر حلاً غيره، وقارف جرائم لم يقارفها أي طاغية في حق شعبه، انغلقت النافذة الدبلوماسية، وطارت الحلول الوسط من تلقاء ذاتها، لتحل محلها لعبة صفرية مميتة، يربح في نهايتها هذا الطرف أو ذاك ربحاً كاملاً، مقابل خسارة تامة للطرف الآخر.

في المقابل، كانت الثورة الشعبية السورية تزداد زخماً مع مرور الوقت، وتشبّ عن الطوق، وتتحول إلى قوة غير قابلة للكسر، بل وتراكم ثقة متعاظمة بالنفس، الأمر الذي غيّر المشهد الداخلي، وأعاد بناءه على نحو تتكافأ فيه عناصر القوة المتقابلة شيئاً فشيئاً؛ وهو ما مكن الثوار لاحقاً من كسب مزيد من الأرض والجدارة والدعم، إلى أن عبروا بشجاعة تبلغ حد الإعجاز من حالة الدفاع عن النفس، إلى عتبة الهجوم الشامل، وسط مظاهر لا حصر لها من الإنهاك والضعف والتشتت لدى نظام يواصل إنكار الحقائق الماثلة.

وإذا كان هناك من شك في صحة هذه المقاربة لمكونات المشهد السوري القائم، فما الذي يفسر كل هذا الإلحاح من جانب النظام المتهالك وحلفائه على طلب الحوار مع المعارضة الموصوفة في خطابهم كعصابات إرهابية مرتزقة؟ ثم، بماذا تشي كل هذه الانتصارات العسكرية المتنقلة من موقع الى آخر، ومن ثكنة هنا إلى قاعدة جوية هناك، غير ما تنبئ به الحقائق المصورة عن تقدم حثيث لقوى الثورة؟ ثم، ما علّة هذا التورط المتزايد من جانب إيران وأتباعها المذهبيين في القتال على المكشوف لصالح نظام خسر بالمعنى الاستراتيجي حربه؟

صحيح أن هناك الكثير مما يؤخذ على الثورة التي شابتها مظاهر مقلقة، إلا أنه من الصحيح أيضاً أن هذه الثورة التي تمتلك حصانتها الذاتية، ورشدها، وزمام أمرها في الميدان، وتُظهر بأسا شديدا وصلابة لا متناهية في التمسك بهدف تغيير النظام من أساسه، وتقيم رأس جسر ثابت الأركان على تخوم العاصمة، وتواصل تحرير الأرض شمالاً وشرقاً، والحصول على الكثير من الغنائم الحربية، لم يعد يعوزها اليقين بالانتصار، ولا ينقصها الدافع والسلاح والرجال كي تتوقف في منتصف الطريق وتخسر المعركة، حتى وإن كان ذلك بكلفة بشرية ومادية مؤلمة. فالحرب هي الحرب، وهذا هو قانونها الذي لا يتبدل، ولا يبدل تبديلا.

=====================

كم يجب أن يموت من السوريين لأجل شخص؟!

 منار الرشواني

الغد الاردنية

5-3-2013

في تقرير مجلة "نيوزويك" الأميركية المنشور في 12 شباط (فبراير) الماضي، بعنوان "هل خانت وكالة المخابرات المركزية الأميركية ثوار سورية؟"، يستعرض عدد من قيادات الثوار حجم الوعود الأميركية الكاذبة بمساعدات لم يصل منها شيء، بما فيها المستلزمات الطبية لمساعدة الجرحى والمرضى. وينتهي أغلب هؤلاء إلى ما بات انطباعاً شبه مجمع عليه اليوم، بغض النظر عن صحته تماماً أو لا، وهو أن الولايات المتحدة لا تريد سوى إدامة الصراع بين الثوار والنظام، وفق ما يسميه أحد داعمي الثوار "أجندة مظلمة"؛ تهدف إلى تدمير سورية.

هذا يؤكد، بداية، وبما لا يدع مجالاً للشك، كذب متهمي الثوار السوريين بالعمالة للخارج الذي يرفض حتى مساعدتهم إنسانياً، فكيف تسليحهم؟ كما يؤكد، بالتالي، أن الثورة السورية لم تكن إلا ثورة (متأخرة جداً) على عقود من الاستبداد والفساد اللذين لم يتوقفا حتى اللحظة، كما تشهد أسماء المعتقلين والمختفين لدى نظام الأسد، المسؤول وحده، بالنتيجة، عن حالة الدمار المتواصل اليوم لسورية.

لكن، من الذي يملك مفتاح الخروج من دائرة الموت المفرغة التي يعيش فيها السوريون منذ عامين؟

إنهم بقية أركان النظام الذين لم يتورطوا في جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكب بحق السوريين، والذين ما تزال لهم مصلحة في حماية سورية، وشعبها بفئاته وطوائفه كافة، من الانزلاق إلى أتون حرب أهلية ممتدة، وضمنها تحول سورية إلى دولة فاشلة تتخذها "القاعدة" وتفرعاتها معقلاً لها، ومنطلقاً لتنفيذ عملياتها الإرهابية في الداخل والخارج. أما المفتاح، فهو ليس إلا التخلص من الأسد والحلقة الضيقة المحيطة به من مجرمي الحرب حالياً، الذين أثروا في السابق فساداً.

والواقع أن هذا هو الحل الذي اقترحه رئيس الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية، أحمد معاذ الخطيب، بالتفاوض مع النظام، لكن على (شرط) رحيل بشار الأسد.

وربما يشكك أنصار الأسد في هكذا دعوة، ويستغرب آخرون، كونها تعلق مصير كل سورية على وجود مجموعة أمنية عسكرية إضافة إلى بشار الأسد. لكن بدون رحيل من بات رمز القتل والدمار، والذي يصر حتى يوم أول من أمس، في مقابلته مع صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية، على اعتبار كل الثوار إرهابيين؛ بدون ذلك لن يقبل الثوار أبداً إلقاء السلاح. فأهم من صعوبة قبول التنكر لكل تضحيات الشهداء الذين زادوا على السبعين ألفاً، لا يمكن لعاقل تصور الثقة برئيس نظام ظل يمارس الانتقام بحق معارضيه، وحتى أبنائهم وأقاربهم، طوال عقود، رغم استتباب الحكم له. فمثل هذه الثقة، لن تعني إلا مضاعفة عدد القتلى السوريين عشر مرات على الأقل بعد وضع السلاح، انتقاماً يراه الأسد مصالحة؛ إنما مع ماضيه الاستبدادي، وعلى حساب الشعب "الخائن" الذي تجرأ فطالب بالحرية والكرامة.

الآن، بات جلياً أن كل الضحايا الذين يسقطون من السوريين، فضلا عن تدمير البلد، إنما يموتون بسبب أو لأجل شخص واحد، كان هو المسؤول، باعتراف نائبه فاروق الشرع، عن كل مراحل المأساة التي تعيشها سورية منذ عامين. ألا يكفي سبعون ألفاً -بالحد الأدنى- من القتلى، ومئات الآلاف من المعتقلين والمختفين والنازحين واللاجئين؟ سؤال لا يوجه لأنصار الأسد الذين لا يعترفون بوجود شعب سوري أصلاً، فسكتوا على معاناته عقوداً!

=====================

معايير السلوك الطائفي 1-3

د. محمد عياش الكبيسي

العرب القطرية 2013-03-05 

ربما لا يختلف اثنان في خطورة التحدي الطائفي الذي يعصف بمنطقتنا اليوم، ورغم المجادلات والمساجلات الطويلة حول هذا الموضوع والاتهامات المتبادلة لم يتبلور مفهوم محدد للطائفية يمكن الاعتماد عليه في محاكمة الأفكار والسلوكيات، ومع نزول هذا المصطلح إلى الشارع أصبحنا نواجه سلاحا فوضويا يستخدمه الكل ضد الكل.

في مصادرنا العربية والإسلامية لا نجد اصطلاحا منضبطا لهذا المفهوم، وكل النصوص التي بحوزتنا لا تتعدى إطلاق لفظ الطائفة على مجموعة من الناس يتميزون عن الآخرين بشيء ما، سواء كان هذا الشيء مقبولا أم مرفوضا، فمثال المقبول قوله تعالى: (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) التوبة-122، ومثال المرفوض قوله تعالى: (وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ) آل عمران-154، وقد تجمع الحالتان في آية واحدة مثل قوله: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) الحجرات-9، وقوله: (وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ) الأعراف-87.

ربما يكون الأقرب إلى مفهومنا اليوم ما ذكره القرآن الكريم عن بعض المجموعات التي تتميز بموقف انشقاقي أو تآمري، مثل قوله: (وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ) النساء-81، ومن هذا المعنى يمكن أن نصوغ المعيار الأول في تحديد السلوك الطائفي وهو: الانشقاق، فالانشقاق عن الأمة وهويتها وثقافتها مهما كانت دوافعه يمثل علامة فارقة في السلوك الطائفي.

إننا في هذا المعيار لا نتحدث عن الخلافات الفكرية أو السياسية، فهذه ضرورة من ضرورات الحياة، والأمة التي ليس فيها حراك فكري أو سياسي أمة ميتة، ولقد رأينا أن أوج التعدد المذهبي والثقافي في أمتنا كان في العصر العباسي، وهو العصر الذهبي حضارة ومنعة وإنتاجا، بخلاف مرحلة «الرجل المريض» التي مرت بها الأمة أواخر الدولة العثمانية، والتي انتكس فيها الفكر وانكسر فيها القلم.

إن هناك فرقا جوهريا لا يغيب عن اللبيب بين الاجتهاد الفكري أو السياسي داخل منظومة الأمة، والذي سيفضي إلى التنوع والتعدد بالضرورة وبين حالة الانشقاق عن الأمة والعمل خارج منظومتها.

إن كل أمة لا بد أن تكون لها هوية تميزها عن بقية الأمم، وإلا لأصبحت البشرية أمة واحدة، وليس من الصعب تحديد معالم الهوية، وبالتالي ليس من الصعب أيضا تمييز حالات التنوع والتعدد داخل هذه الهوية عن حالات التمرد والانشقاق، وبهذا الصدد يقول المرجع الشيعي البارز حسين المؤيد، والذي أعلن تركه للتشيع مؤخرا في إحدى تغريداته التويترية: (إن الانشقاق عن ثقافة الأمة هو انحراف عن سبيل المؤمنين إلى سبيل الضلال، يؤدي إلى التورط في عقائد وأفكار مخالفة للكتاب والسنة ومنافية للمنطق).

نعم إن أخطر ما نواجهه في هذه الفوضى الطائفية هو اختلاط الأوراق وتداخل المفاهيم، حتى أصبح لدى بعض المثقفين فضل عن غيرهم أن العمل على ترسيخ الهوية الإسلامية والدفاع عنها هو نوع من السلوك الطائفي، وهذا التفكير بحد ذاته هو الأخطر على الأمة ووجودها من كل التحديات الأخرى، فإن الارتباك السياسي أو التراجع الاقتصادي أو حتى الغزو العسكري يمكن لكل أمة أن تتعرض له ثم تتعافى منه بإرادة صادقة وإدارة ناجحة، أما التنازل عن الهوية فمعناه تفكيك للأرض التي نعيش عليها، وتمزيق للخيمة التي نستظل بها، وتشكيك في الآصرة التي تجمعنا، وهذا يعني إلغاء وجودنا بالكامل كأمة وحضارة وتاريخ.

إننا حينما نتكلم عن التحدي الطائفي لا نتكلم عن خلافات مذهبية أو اجتهادية، ولا نتكلم عن مجادلات فكرية ولا منافسات سياسية، فهذا كله مشروع ومقبول، وليس هذا من الطائفية في شيء، إنما الطائفية هي الهوية البديلة التي تصنع فيها كل الأركان والمعالم المطلوبة في صناعة الهوية من الفكرة المحورية إلى التاريخ والتراث والرموز والآداب والفنون، وهذا ما صرّح به علي شريعتي، وهو يدعو إلى تغيير كل معالم الهوية الإسلامية حتى الكعبة، والتي يعتبر الاهتمام بها والطواف بها خطأ، حيث إن الكعبة الحقيقية عنده إنما هي قبر الحسين!! انظر كتابه (التشيع مسؤولية)، وهذا يعني أن الخلاف في قصة علي ومعاوية مثلا لم يكن إلا جزءا من منظومة متكاملة ومترابطة لصناعة الهوية البديلة، وليس خلافا علميا في تقويم مرحلة تاريخية معينة.

ربما كان للتيارات العلمانية والليبرالية دور كبير في هذا الخلط، حيث إنهم رأوا في هذه الأجواء الفوضوية فرصة لفرض تصورات جديدة عن طبيعة الصراع، فمكان أن تكون الصورة هي صورة الأمة المدافعة عن هويتها وتاريخها بوجه التحديات الطائفية، عملت هذه التيارات على تشكيل صورة ذهنية أخرى، وهي صورة (الخلافات الطائفية) وفي هذا مجافاة للحقيقة أولا، ومساواة بين الأمة بكل ثقلها وتاريخها وبين النزعات الطائفية المتمردة على هذه الأمة ثانيا. إن هذه التيارات تعرف قبل غيرها أن أمة عمرها أربعة عشر قرنا وامتدادها الجغرافي يمتد من المحيط الهادي إلى المحيط الأطلسي، وقد تربعت على عرش الحضارة والإنتاج المعرفي العالمي في أغلب تاريخها لا يمكن وبكل المقاييس أن توصف هذه الأمة بأنها طائفة، وأن تقارن بمجموعة انعزلت عن كل هذا التاريخ وعاشت في سراديب الباطنية وعقد المظلومية والمحرومية.

إن هذا التضليل الفكري قد مورس على هذا الجيل بعد أن تمكنت الأحزاب العلمانية من القبض على مقاليد السلطة، وأخضعت لهيمنتها المناهج التعليمية والبرامج الإعلامية، وإلا فإننا لو تخيلنا أننا نعيش في أية مرحلة من مراحل التاريخ الإسلامي في عهد الراشدين أو الأمويين أو العباسيين أو الأيوبيين أو العثمانيين، فإننا لا يمكن أن نرى منتميا واحدا لهذه الأمة يتحرج من الاعتزاز بعقيدته وهويته معلنا لها ومنافحا عنها، وما فعله صلاح الدين الأيوبي مع الدولتين الصليبية والفاطمية خير شاهد على هذا، وهذا ما جعله رمزا تاريخيا لهذه الأمة، ولكن صلاح الدين بالمعيار الجديد والمصطنع للطائفية يمكن أن يكون طائفيا من الطراز الأول!

يهدف العلمانيون من نشر هذه الثقافة في بلادنا إلى التخلص من المنافس الإسلامي، فإدراج جميع الإسلاميين والمتدينين -المنتمين لهوية الأمة والخارجين عليها- تحت لافتة الطائفية يتيح للعلمانيين فرصة أوسع لمحاصرة منافسيهم، لكنهم في الحقيقة يقومون بما يشبه من يحاول لفّ الحبل على عنقه، فإن الدعوات الباطنية المشبوبة بروح الانتقام من الأمة ستكون المستفيد الأكبر من هذه السياسات التي تهدف إلى إضعاف روح الانتماء للأمة بعقيدتها وهويتها الأصيلة، وربما كانت التجربة العراقية التجربة الأقسى في هذا المجال، وللأمانة العلمية والتاريخية، فإن صدام حسين أدرك في أول مصادمة له مع حزب الدعوة في الداخل وثورة الخميني في الخارج أن «العقيدة البعثية» غير قادرة على الصمود في المواجهة، فراح يستمد المدد الروحي والمعنوي من رموز الهوية الأصيلة «خالد والحسين وسعد والقعقاع» ثم أتبعها بما عرف بـ «الحملة الإيمانية»، والتي نقض فيها ما كان كتبه بنفسه في كتابه «نظرة في الدين والتراث» لكن هذه الاستدراكات كلها لم تصل إلى مستوى المشروع الناضج والقادر على التعامل مع مثل هذا الملف الشائك والمعقد. إن التيارات العلمانية والليبرالية والتنويرية الناشطة في مجتمعاتنا اليوم لترتكب حماقة بحق أمتها وبحق نفسها أيضا حينما تسهم في إضعاف الهوية الإسلامية الأصيلة، وآن لها أن تراجع حساباتها بدقة خاصة بعد التجربتين المريرتين في العراق وسوريا مع مراعاة الفوارق الموضوعية بين التجربتين.

 

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ