ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم 13-03-2013 ميشيل كيلو الشرق الاوسط 13-3-2013 قال حكيم صيني قديم
هو صان تسو ما معناه: هناك قانون للحرب
يمكن تسميته «قانون الجهد العقلاني»،
يدعو للالتزام بأن يكون عائد أي جهد
بشري متكافئا مع حجمه ونمطه، وإلا فإن
بذله لا يكون مسوغا بل يعتبر جهدا
ضائعا. بالتزامك بهذا القانون، أنت لا
تسمح لنفسك مثلا بإطلاق نيران مدفع على
ذبابة، ولا تهش جيشا معاديا بكشاشة
ذباب، لأنه ستكون هناك في الحالتين
نتائج لا تبرر جهدك، وتجعل بذله ضربا
من حماقة ستتكلل حتما بالفشل. هذا القانون يسري على
كل شيء. إن مدخلاته هي الجهد ومخرجاته
هي النتائج التي تنجم عنه، فإن كان
هناك تعادل بينهما جاز بذله، وإلا كان
جهدا ضائعا. بكلمات أخرى: عندما يقتل في
معركة ثلاثة أضعاف العدد الضروري
لكسبها، يصير ممكنا القول: إن الجيش
الذي تكبد هذا العدد المبالغ به من
الخسائر هو إما سيئ التخطيط، أو
التدريب، أو التجهيز، أو التنسيق، أو
القيادة. ولهذا توجد هوة بين ما بذله من
تضحيات وما حققه من نتائج. ولو كان
القائمون عليه حريصين على جنودهم لما
كبدوهم هذا الحجم من الخسائر، الذي لم
يكن ضروريا لتحقيق الانتصار، لو اختلف
تخطيطه وتدريبه وتجهيزه وتنسيقه وكانت
قيادته عقلانية تمتلك علاقة موضوعية
ومتوازنة بين الجهد المبذول من قبل
جندها وعائده. يخبرنا التاريخ: أن قادة
سياسيين وعسكريين فقدوا مراكزهم
وحوكموا بسبب لاعقلانية أفعالهم، وأن
اقتصادات انهارت نتيجة الفارق بين ما
كان يبذل فيها من مال وجهد وبين ما
تعطيه من عائد، أي لأن مدخلاتها كانت
أكبر من مخرجاتها. هناك من المفكرين من
اعتبر العلاقة بين حدي هذا القانون
معيارا يقاس من خلاله نجاح أو فشل أي
فعل أو عمل إنساني، بينما لاحظ آخرون
وجود هذا القانون حتى في الطبيعة، حيث
تحكم الغرائز السلوك وتوجهه، ودللوا
على صحة رأيهم بالقول: إن أحدا لم ير
جماعة من الأسود تهاجم فأرا أو تنصب له
كمينا، ولم يتح لأحد رؤية جماعة من
اللصوص يخططون لسرقة متسول فقير ومشرد. أسوق هذه الأفكار
بمناسبة حديث سمعته من أحد خبراء
الاستراتيجية والصراعات المسلحة، أكد
فيه أن خسائر الثوار السوريين كبيرة
بالمقارنة مع حققوه على الأرض، وأنها
كانت تكفي لبلوغ إنجازات أكبر بكثير من
تلك التي تم الوصول إليها. هذا الخبير
أعاد كثرة خسائر المقاومين إلى عامل
جوهري هو افتقارهم، رغم ما يمتلكونه من
شجاعة، إلى الوحدة، وحسن القيادة
والتنسيق فيما بينهم في آن معا. صحيح أن قصة السلاح
تلعب دورا في هذا السياق، وخاصة في ظل
افتقار المقاتلين إلى غطاء جوي وأسلحة
مضادة للدروع ومدفعية، إلا أن حروبا
مماثلة دارت بين مقاتلين يشبه وضعهم
أوضاع مقاتلي الجيش الحر، وقوات مدججة
بالسلاح الحديث كقوات النظام الأسدي،
كانت أقل تكلفة من الحرب الدائرة اليوم
على الأرض السورية، لأن هؤلاء
المقاتلين أفادوا من إجراءات الحرب
السلبية كالتحصينات والحفر ومراكز
الحماية المسبقة الإعداد والعمليات
العسكرية القادرة على تشتيت جهد عدوها
وتغطية مجمل ساحات المواجهة معه.. الخ. ملخص القول: لا بد من
عقلنة العمل الثوري لجعله أقل تكلفة
مما هو عليه اليوم، ولإقامة نوع من
التوازن المقبول بين التضحيات
المبذولة فيه والنتائج العملية
المترتبة عليه، وهو مفقود اليوم،
وبصورة خاصة بعد دخول الوضع الميداني
في حال من الركود الأرضي المصحوب
بتصاعد أعداد ضحايا العنف الرسمي من
المقاتلين والسكان، الذي بدأ يترجم
نفسه إلى ما يشبه عجلات سيارة تدور في
فراغ وتعجز عن تحريكها رغم تسارع
دورانها وتعاظم الضغوط على محركها
وهيكلها. وللعلم، فإنه لا مجال لعقلنة
هذا العمل بغير توحيد القوى المقاتلة
على الأرض، وإقامة تنسيق منظم وعلاقات
إمرة وانضباط بينها، وإخضاعها لقيادة
موحدة وغرفة عمليات مركزية تتلقى
الأوامر منها وتشرف على تحركاتها
ومعاركها، فالوحدة بين المقاتلين
وهيكلة عملهم وتنظيمه عوامل غدت
مصيرية بالنسبة إلى الثورة والشعب،
لكونها تستطيع امتصاص الكثير من
النتائج السلبية الناجمة عن تمزق
المعارضة السياسية وتشتتها التنظيمي،
ولأن الجيش الحر هو قوة الثورة التي
يتوقف مصيرها على سلامة أدائها،
المرتبط بين أشياء أخرى بالحرص على
حياة المقاتلين وبالعمل على تجنيبهم
عمليات لا لزوم لها، ومخاطر لا قبل لهم
بمواجهتها، تنبع جميعها من افتقار
العمل المقاوم والسياسي إلى
العقلانية، التي تجعل منه عملا فاعلا
وناجحا بأقل قدر من الخسائر والتضحيات. تقف سوريا اليوم عند
نقطة مفصلية من تطورها، ستذهب في
أعقابها إما إلى ما بعد الاستبداد
ونظامه، إن هي عقلنت نضالها ضده، أو
إلى ما بعد دولتها ومجتمعها الحاليين،
في حال أخفقت في دحر الاستبداد والتخلص
منه. بهذا المعنى، ليست عقلنة نضالها
ترفا أو تضييع وقت، كما قد يعتقد
كثيرون، بل هي خيار قدري لا بد من
اتخاذه، إن كنا نريد تحقيق أهدافنا في
الحرية والعدالة وحفظ كرامة مواطننا
وشعبنا. إلى هذا، تعتبر اللحظة الراهنة
ملائمة لعقلنة دورنا في صراع يقترب
تدريجيا من الحسم، ستمس حاجتنا بعده
إلى أعلى درجات التطابق بين جهودنا
والنتائج العملية التي ستترتب ميدانيا
عليها، كي لا تطول معاناة الشعب
وينتابه الشعور بأن تضحياته لم تقابل
بما تستحقه من رعاية، في حال سمحنا
لأجواء التسيب والفوضى السائدة اليوم
في المجال المقاوم بالتسلل إلى إدارة
شؤوننا في المرحلة التالية للنظام. لم يفت الوقت بعد
لعقلنة عملنا، فالنظام لم ولن يقرر وقف
حلوله الحربية، والشعب لن يتخلى عن حقه
في المقاومة قبل تحقيق أهدافه. وعلى
الجملة: أن تأتي متأخرا خير من أن لا
تأتي أبدا، كما تقول الحكمة المعروفة! =================== طارق الحميد الشرق الاوسط 13-3-2013 في الوقت الذي قال
فيه بشار الأسد، في مقابلته الصحافية
الأخيرة، إن نظامه يمثل آخر معقل من
معاقل العلمانية في المنطقة، أصدر
مجلس الإفتاء الأعلى في سوريا،
المحسوب على النظام، فتوى دعا فيها
للجهاد دفاعا عن الأسد، فما معنى ذلك؟ هذه الفتوى ليست
دليلا على وهن النظام، وتداعيه
واقتراب سقوطه وحسب، بل هي دليل آخر
على أكاذيبه، ليس اليوم بل طوال فترة
حكم النظام، الأب والابن. ففي ظل
النظام الأسدي، الأب والابن، تلحفت
سوريا بلحاف العروبة بينما كانت
الحليف الأوحد للنظام الإيراني في
المنطقة، ورغم ذلك انطلت كذبة العروبة
على كثر، عربيا. وتبنى النظام
الأسدي، الأب والابن أيضا، شعار
المقاومة والممانعة، ولم يطلق رصاصة
لتحرير الجولان، بل أطلق الرصاص في كل
مكان تدعيما لركائز حكمه، وتعزيزا
للدور الإيراني؛ أطلق الرصاص بالنيابة
تارة، وباستئجار وتطويع العملاء
والحلفاء تارة أخرى، وفي كل مكان. والأمر لا ينتهي عند
هذا الحد، بل إن النظام الأسدي هو من
قاد العملية السياسية في لبنان طوال
العقود الأربعة الأخيرة، وأوهم الجميع
بأنه حريص على استقرار لبنان، وتمتين
جبهته الداخلية ضد الاختراق
الإسرائيلي، وردد البعض أن لبنان هو
الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، كما
أوهم حلفاء إيران والأسد في لبنان،
وعلى رأسهم حزب الله، الجميع حين قالوا
إن شرعيتهم قائمة على السلاح «المقاوم»
وصناديق الاقتراع، بينما هم مجرد
أتباع لإيران، وبحماية حليفه الأسدي
الأكثر إجراما في المنطقة، وانطلت هذه
الحيلة أيضا على كثر في المنطقة،
والغرب. وفعل نظام الأسد، ومنذ احتلال
العراق، نفس الأمر، حيث ظهر بوجهين؛
الأول ضد الاحتلال، والآخر مساند له،
وذلك حين أوهم الأسد واشنطن بأنه إحدى
ركائز استقرار العراق، ومحاربة «القاعدة»،
التي كانت تسرح وتمرح في العراق بتنسيق
سوري - إيراني، وانطلت هذه الحيلة أيضا
على الأميركيين! اليوم، وبعد الثورة
السورية، انكشفت ورقة التوت عن هذا
النظام، وسقطت كل حيله وأكاذيبه،
وآخرها أنه معقل العلمانية، وحامي
الأقليات، وذلك بعد دعوة دار الإفتاء
الأعلى السورية للجهاد دفاعا عن
الأسد، وهي الدعوة التي ما قالها حتى
الثوار، ولو صدرت عنهم رسميا، مثلا،
لقامت الدنيا ولم تقعد في الغرب، ولقيل
إن هذه الثورة طائفية، وإقصائية، بل لو
صدرت دعوة الجهاد هذه من قبل الثوار
لأقام الروس الدنيا ولم يقعدوها،
خصوصا أن موسكو هي أكثر من يتحدث عن
التطرف في سوريا، والخوف من إقصاء
المكونات السورية الأخرى إثر سقوط
الأسد. عليه، فهل بقي هناك
من يصدق حيل النظام الأسدي؟ وهل بقي
هناك من يصدق أنه ما زال هناك أمل
للتوصل إلى حل سياسي في سوريا،
وبمشاركة النظام؟ وهل بقي هناك من هو
غير مقتنع بأن التطرف والإرهاب،
والخطر كله في سوريا، هو من صنيعة نظام
بشار الأسد نفسه؟ أعتقد أن الإجابة عن
كل تلك الأسئلة واضحة، ومعروفة
ومحسومة. ولذا، فإن المحير هو: ما الذي
تبقى ليهب المجتمع الدولي لنصرة
السوريين، واستئصال هذا النظام
الإجرامي من سوريا؟ =================== عبدالله إسكندر الأربعاء
١٣ مارس ٢٠١٣ الحياة يدخل الوضع في سورية
سنته الثالثة، فيما لا يغامر أكثر
الناس تفاؤلاً بقرب نهاية الكارثة في
توقع حل في المدى المنظور. وبعد عامين
من كل أنواع القتل والتدمير
والانتهاكات، تجاوز حجم الكارثة كل
أنواع الأوصاف التي يمكن إطلاقها على
ما تشهده سورية. وفاض عن كل التصنيفات
من نوع اقتتال أهلي وطائفي وحرب أهلية
وتدمير منهجي ونزاع إقليمي - دولي الخ...
إنه يحمل ملمحاً من ملامح هذه
التعبيرات عن أزمة مركبة، سياسياً
واقتصادياً وتاريخياً وثقافياً. صعوبة تصنيف الوضع في
سورية، منذ اندلاع الحركة الاحتجاجية
وحتى قبلها منذ انقلاب الرئيس الراحل
حافظ الأسد، تعكس الصعوبة في البحث عن
مخارج الأزمة. لا بل جرى تركيب للسلطة
مع «الحركة التصحيحية»، على نحو يجعل
النظام السياسي غير قابل لإعادة نظر. انعكس هذا الواقع على
الثابت الأساسي في تعاطي النظام مع
الحركة الشعبية السورية منذ أن بدأت
الاحتجاجات في درعا في الخامس عشر من
آذار (مارس) 2011. فمنذ التظاهرة
الشعبية الأولى، أعلن النظام أنه إزاء
مؤامرة خارجية وعصابات سلفية
وإرهابية، وأنه سيتصدى بالقوة لها. هذا
يعني أن النظام يملك رؤيته الخاصة
لحقوق الشعب، فهي نقيض لمصلحته،
كمجموعة حاكمة، ولاستمراره كنظام
سياسي يعتاش من شعارات كانت تلقى صدى
لدى الأكثرية الشعبية. بكلام آخر، إن
أي تعبير من تعبيرات المطالبة بحق
سياسي أو اقتصادي هو في ذاته مؤامرة
على النظام. وأي تحرك في الشارع، كحق من
حقوق التعبير، يتحول عصياناً مسلحاً
وعملاً إرهابياً. وأي كلام عن إصلاح
واستجابة مطالب يظهر، كما أكدت
التجربة، أنه أداة في تكريس هذه الرؤية. هذه النظرة إلى
العلاقة بين النظام والشعب ليست وليدة
الانفجار الحاصل منذ عامين. إن هذا
الانفجار هو وليد هذه العلاقة التي
أرادها النظام لشعبه. لا بل كان النظام
يتوقع ملامح الحركة الاحتجاجية ووضع
الرد المناسب لها. ومنذ اليوم الأول
للتظاهر، ومنذ الرصاصة الأولى، أعلن
النظام أنه يواجه مؤامرة سلفية (طائفية).
أي سيتصدى للمؤامرة بالقوة ويتعامل مع
المنتفضين كأعداء طائفيين. في ضوء هذا الثابت في
أيديولوجيا النظام وقراءته لطبيعة
الحكم الذي أرساه ولطبيعة العلاقة
التي فرضها على مواطنيه، يمكن فهم هذا
التصعيد الاستثنائي في عمليات القتل
وأدواته... من اعتقال واعتداء في الشارع
خلال تظاهرة، وقتل برصاص مجهول
المصدر، واستخدام رشاشات ثقيلة ومن ثم
مدفعية ميدان ودبابات واستخدام سلاح
الجو مع كل ما يمكنه أن يحمل من أدوات
دمار. هذا التصعيد في الوسائل كان يعني
أن النظام لن يقف عند حد من أجل إعادة
الوضع الشعبي إلى حظيرة الولاء المعلن
والمطلق للحكم وأدواته وأشخاصه. الثابت الآخر، هو
قناعة النظام أنه انتصر منذ اليوم
الأول حتى الآن. ربما اعتبر بعضهم أن
الانتصار المقصود هو استعادة السيطرة
على كل البلاد. لكن النظام يعتبر أن
انتصاره شيء مختلف عن أي انتصار، كما
هي علاقته مع الشعب مختلفة عن علاقة أي
حكم بشعبه. الانتصار يعني أن لا خيار
أمامه سوى أن يكون كما هو، في علاقته مع
الحكم والشعب. وهو ما زال على حاله، على
رغم كل المتغيرات التي أنزلها بسورية
وشعبها. والنظام ما زال «منتصراً»
بدليل قدرته على إنزال مزيد من التدمير
والتشريد والقتل. =================== تاريخ النشر:
الأربعاء 13 مارس 2013 د.خالص جلبي الاتحاد في عام 1965 كنت شاباً
في السنة الأولى من كلية الطب، حين
تناهى لأسماعنا نبأ انطلاق مظاهرة من
المسجد الأموي الكبير، فذهبت مع
الذاهبين، ولم تخطر في بالي المخاطر
التي قد أتعرض لها، ومنها القتل، وهو
ماشهدناه في عتبة المسجد، حث رأينا جثة
مسجاة يقفز فوقها خمسة آلاف فار من
الفزع والرعب. احتشدنا ونحن حوالي
خمسة آلاف شخص، وأشرف علينا من نظمنا
في شريط رباعي من الأشخاص، ودرنا
الدورة الأولى في صحن المسجد وكان
كبيراً، ثم الدورة الثانية ولم نكمل
الثالثة حين سمعنا صوت انفجار مدوي،
وانخلعت بوابات المسجد المغلقة تجاه
سوق الحميدية والمسكية في نهايته. قفز
الشبيحة ورجال الأمن بالأسلحة، ولاحظت
فوهة دبابة كانت وحشاً حديدياً
مرعباً، وكان جند الشيطان من كل حدب
ينسلون. كانت مواجهة عجيبة بين نسر
وعصفور في قفص مغلق، أو ديناصور لاحم
وكومة محدودة من نمل في حفرة. أدركنا يومها أن
البعثيين ضربوا بوابة المسجد بمصفحة
عسكرية. ما زلت أتذكر ذلك الضابط وهو
يحمل مسدسين يلوح بهما! معطف جلدي
طويل، جزمات جلد بخلفيات مهاميز
للخيل، ويد تمتد إلى المسدس. اشتد إطلاق الرصاص
فهربنا مذعورين إلى أي مكان نحتمي فيه
من زخات المطر الناري. وأذكر جيداً كيف
تكومنا فوق بعضنا البعض مثل التلة
الصغيرة! حاولنا الهرب إلى
داخل المسجد، لكن القنابل كانت على
أشدها داخل حرم المسجد... شممت رائحة
البارود... لا أدري لماذا تحركت ذكريات
الحرب العالمية والحرب الأهلية
الأميركية من عمق المخيلة. لقد نجح الأسد في شيء
واحد هو إدخال الرعب إلى نفوس لا
يحصيها عدد، وزادهم إيماناً بأن جهنم
موجودة لا ريب فيها. هائل، مرعب، مريع...
الكلمات -كما يقول الفيلسوف فتجنشتاين-
ترسم صوراً سوريالية، لكن مواجهة
الواقع تطبع الحواس بخيارات وخيالات
لاتزول أبداً. بعدها ساقونا ضرباً
بالنعال واللكمات والأكواع. حملوا
الرقم الألفي من البشر جميعاً إلى
المسكية، حيث احتشدنا في مكان اتصال
سوق الحميدية المسقوف مع بوابة
الأموي، وكانت المسافة قصيرة لاتتسع
لأكثر من مائتي شخص، لكننا كنا خمسة
آلاف، ولم أفهم طاقة الإنسان في التحمل
والاستيعاب. حشرونا في مساحة
ضيقة، وعملوا ممراً جانبياً فارغاً
يتمخطر فيه العساكر. أتذكر أحدهم وهو
ينفث دخانه في وجوهنا، وكنا صياماً.
إنه تقليد أسطوري؛ شتم الرب وإهانة
المقدسات وتحطيم المآذن. لذلك من المهم
جداً للثورة الحالية أن تعيد تركيب
أخلاقية الجيش كي لا يكون عصا في يد
الأوامر حتى لو كان في ذبح أمه وأبيه
وفصيلته التي تؤويه! حيا الله الجنود
الذين أحيوا سيرة بلال برفض الطاعة في
المنكرات وسفك الدم. كنا في ضيق وكرب
نكاد نختنق من الزحام، وكأننا في يوم
الحشر قد لجمنا العرق واللهاث والخوف
الكبير أمام وحوش البرية. كان أمامي فتى شامياً
صغيراً أشقر الشعر جميل القسمات،
بالكاد يتنفس، فحملته وتذكرت جان
فالجان من رواية البؤساء، وهو يحمل
حبيب كوزيت في مجاري باريس السفلية. لم
اجتمع به لاحقاً ولعله الآن يخوض
تجربته مع الثورة أظنه الآن في
الخمسينيات. ثم حملونا جميعاً ككتلة
لحمية متراصة إلى الشاحنات التي شكلت
قطاراً لنقل أسرى الحرب... إلى سجن
المزة العسكري. وفي السجن الرمادي
الرهيب، في اليوم الرهيب، استقبلني
ضابط صارم القسمات وقال: استعد للموت
ضرباً بالرصاص. فكانت الجرعة
السيكولوجية الأولى. =================== تاريخ النشر:
الأربعاء 13 مارس 2013 د. طيب تيزيني الاتحاد انقضى عامان من عمر
الانفجار الكبير، الذي هز سوريا من
أقصاها إلى أقصاها، وكان ذلك يوم
الخامس عشر من مارس 2011، ففي هذا اليوم
برزت ثلاثة أحداث: أولها التجمع
النسائي في ساحة المرجة بدمشق، حيث
يوجد مكتب وزير الداخلية السوري الذي
كان قد ضرب موعداً يلتقي فيه مع ذلك
التجمع، بهدف البت في شأن الإفراج عن
رجالهن وأبنائهن، لكن شيئاً من ذلك لم
يحدث. أما الحدث الثاني فظهر بصيغة
شعبية مؤثرة، حيث أهان شرطيٌ بائعاً
جائلاً في سوق الحميدية بدمشق، على نحو
حوّل هذا الأخير إلى بركان أعلن عن
الثأر لكرامته. وأخيراً جاءت التظاهرة
التي انطلقت من ساحة المرجة وظهر فيها
عدد من الناشطين والناشطات، احتجاجاً
على ممارسات «الدولة الأمنية» في
تكريس الاستبداد والفساد وما يتصل
بذلك. وكانت أخبار مدينة درعا قد هيّجت
عواطف وعقول الناس ضد أعمال مُذلة
مُهينة مارستها مرجعيات حزبية وأمنية
في المدينة، دونما مساءلة أو عقوبة
لها، وتطايرت شرارات الحدث في أنحاء
سوريا عموماً، وأعقبت ذلك دعوة تطالب
بمساءلة المسيئين. وكان ذلك بمثابة
تساقط الخوف والرعب في حياة الناس
والعزم على الخروج إلى الشارع. أتى إهمال النظام في
سوريا لأخذ مسألة المحاسبة على سبيل
الجد، صدعاً أول في هذا النظام، ودون
الانتباه إلى ذلك من قبل، كان قد سجل
نقطة أولى حاسمة، هي تشكُّل وهْم
الوجود خارج التاريخ، بحيث يصح ما سوّق
له على امتداد أربعة عقود ونيف، وهو
أنه «حالة أبدية»، وإذن، من أين جاء
هؤلاء «الدهماء الأغراب» الذين راحوا
«يتطاولون» على «السادة». ولعلنا نضبط
مصادر هذا القصور العقلي اللاتاريخي،
فنرى التالي: قوة عسكرية رادعة شكّلها
النظام، أساساً، من المليارات التي
سُحبت من الناس باسم الضرائب المدنية
والأخرى العسكرية ذات «المصدرية
الكفاحية» المؤسسة على مفهوم «الممانعة
والجهادية». ومن ناحية أخرى يتجلى ذلك
القصور اللاتاريخي في الاعتقاد بأن
التاريخ العربي (والعالمي حسب
فوكوياما) قد أُغلق بإطلاق، ليبقى
مفتوحاً بصيغته الغربية العولمية، أما
الصيغة الثالثة للقصور المذكور فتفصح
عن نفسها من موقع أن الشعب السوري قد
أَلِف العبودية الجديدة بفعل قانون
الاستبداد الساحر، قانون الاستبداد
الرباعي: استئثار قطعي وشامل بالسلطة
والثروة والإعلام والمرجعية
المجتمعية السياسية. وأخيراً نواجه
الصيغة الرابعة الكبرى للقصور
التاريخي، وتتمثل في أن «الربيع
العربي» يحمل ما قد يُؤذن بتفكك تلك
الصيغ الأربع من القصور التاريخي. أما القاعدة التي
تنطوي على إمكان حدوث ذلك التفكك، فهي
انطلاق مشروع عربي نهضوي وتنويري ثوري
يقف في وجه التحالف الدولي المناهض
لذلك «الربيع العربي»، خصوصاً منه
الصيغة السورية، وهنا نكتشف الضرورة
أو الضرورات القصوى لنجاح هذا الأخير
والثورة السورية تأتي -ضمن الملابسات
المحلية والإقليمية والدولية المحيطة
بها والمخترقة لها- ربما كحالة فريدة؛
فالفيتوات التي قُدمت في وجه سوريا في
الأمم المتحدة تُظهر ذلك بقوة. إن مرور عامين على
الثورة السورية قد يكون حَدثاً
كونياً، بمقدماته وخواتيمه، ومع ذلك
نقول إن البحث في تلك الأخيرة لا يزال
يطرح بل ربما يفرض من الأسئلة
والإشكاليات والمعضلات الكبرى
والصغرى، ما يحتم علينا أن نبذل جهوداً
عظمى في سبيل ذلك، وسوف نفعل. =================== تاريخ النشر:
الأربعاء 13 مارس 2013 محمد خلفان
الصوافي الاتحاد الإمارات كانت واضحة
كعادتها في مواقفها الحاسمة عندما حمل
الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل
نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد
الأعلى للقوات المسلحة، المجتمع
الدولي المسؤولية السياسية
والإنسانية تجاه المحنة التي يعيشها
الشعب السوري وأثر تلك الأحداث على دول
المنطقة، وذلك عندما استقبل وزير
الخارجية الأميركي الأسبوع الماضي. وفي الواقع لا أحد
يعرف متى يقتنع العالم بأن نظام بشار
الأسد لا يصلح معه العلاج السياسي، وأن
ما يرتكبه الآن من عمليات القتل يسيء
إلى كل دول العالم، وخاصة الدول الكبرى
منها، قبل أن يسيء لنفسه باعتباره أحد
أقدم الأنظمة الشمولية في المنطقة. ومن الغريب أنه في
الوقت الذي يناقش فيه سياسيو العالم
الأسلوب الأمثل للخروج من المأزق
السوري المحرج، والطريقة المثالية
لإيقاف عمليات القتل اليومي، فإن نظام
بشار الأسد يتفنن في قتل الأطفال
وتشريد مواطنيه باستخدام أسلحة ممنوعة
عالمياً تارة، وصواريخ عابرة للحدود
تارة أخرى، بل يبذل جهداً في استفزاز
دول الجوار وكأنه يحاول خلق امتداد
للأزمة في المنطقة العربية. ومن الواضح أن نظام
بشار الأسد اختار بإرادته التعامل
بالسلاح والعنف، ليس فقط مع الجيش
السوري الحر الذي يصفه بأنه «جيش
إرهابيين»، ولكن حتى مع العالم الذي
يحاول إخراجه من المأزق الذي وضع نفسه
فيه. ومن الواضح أيضاً أنه لا يريد
الخروج من هذه الأزمة بأقل التكاليف
والخسائر، وهي لغة السياسة كما نعرف.
وواضح كذلك من خلال تحركات دبلوماسييه
أنه انحاز إلى دول لا تحمل تقديراً
لشعوبها أصلاً، وليس لديها أي قبول
دولي أو إقليمي، وكأنه يُبلغ العالم
بأنه لا يريد علاج الأزمة إلا بـ«المعادلة
الصفرية». لقد حصر النظام نفسه في هذا
الإطار، إلى أن بات معزولاً حتى من
جيرانه، وبات الجميع اليوم يطالبون
بإسقاطه. ولم تعد المطالبة بـ«الحل
السياسي» عالية الصوت كما كان الأمر
قبل فترة وجيزة. الاختيار السوري
بشكله الواسع ارتقى ليشمل توسعة دائرة
القلق الإقليمي باستخدامه أسلحة عابرة
للحدود، في صورة توضح مدى فظاعة وبشاعة
النظام في التعامل مع شعبه. ويزيد «الطين
بلة» أنه أعاد توجيه تلك الصواريخ
والأسلحة، فبدلاً من أن تكون موجهةً
لتحرير الجولان حيث الاحتلال
الإسرائيلي، صارت موجهةً لقتل الأطفال
والشعب السوري، كما أن هذا الاختيار
إقليمياً جعل اللبنانيين والأردنيين
وحتى العراقيين والأتراك يعيشون قلقاً
كبيراً من تداعياته. ما يفعله النظام
يرتقي إلى إهدار كل القيم الإنسانية،
وكأننا في زمن آخر. ونظامه من طراز
مختلف يكاد لا يوجد في عالم اليوم مثله. هذه الصورة تدعونا
إلى القول بأن نظام الأسد أجبر سياسيي
العالم على توحيد مواقفهم، وربما بدأت
دائرة الاختلافات تضيق ليكون الرأي في
صالح المعارضة السورية، التي بدأ
نشاطها السياسي يلقى قبولا دولياً.
وربما لم يصل الأمر إلى صورة التدخل
العسكري المباشر، ولكن الحديث قد بدأ
عن إمكانية إدانة النظام السوري من
جانب مجلس الأمن بسبب قتل المواطنين
باستخدام صواريخ سكود. وبدأ الحديث عن
إمكانية تزويد المقاتلين بأسلحة ثقيلة
ونوعية تساعدهم على الدفاع عن أنفسهم،
وكذلك عن تدريب نوعي لقوات الجيش
السوري الحر من قبل القوات الأميركية. هناك تحركات سياسية
من الإدارة الأميركية، حيث شهدنا في
الآونة الأخيرة جولةً إقليمية لوزير
الخارجية الأميركي الجديد، جون كيري،
والذي يعرف تماماً طريقة تفكير
القيادة السورية وكيفية التعامل معها.
وهناك زيارة للرئيس الأميركي أوباما
للمنطقة ربما تغير الكثير من المواقف. هذه كلها مؤشرات تؤكد
أن العالم لم يعد قادراً على تحمُّل
تجاوزات نظام الأسد، وربما يكون تركه
أقرب إلى إطلاق العنان لشخص كي يخرب
المنطقة على اعتبار أنه ليس لديه ما
يخسره، وبالتالي فإن إيقافه ضروري. وفي حالة سوريا، وهي
واحدة من دول «الربيع العربي»، كان
الأمر يجري دولياً بشكل مختلف عن
الحالات الأخرى في تونس ومصر وليبيا
واليمن. كثيرون كانوا يراهنون على الحل
السياسي أو على قبول النظام السوري
مبادرة سياسية للأزمة، بما يُجنِّب
العالم استخدام آلة القتل الفظيعة
ويُرضي كل الأطراف بمن فيها المنشقون
عن الحكومة والجيش السورييْن.
وبالتالي يمكن القول، مقارنة بالحالات
الأخرى، إنه كان يتم غض النظر عما يجري
في سوريا، خاصة من قبل السياسة الدولية
التي لم تكن مقتنعة بإسقاط النظام
نظراً لخصوصية الحالة السورية محلياً
وإقليمياً، لكن النظام كان يراهن على
الاستفادة من ذلك الخلاف في زيادة
حالات التشريد والقتل بطريقة أحرجت
العالم، وأجبرته على الوقوف ضده. لم يترك النظام
السوري أي مساحة للدفاع عنه، أو
إمكانيةَ التفكير في أن يكون جزءاً من
الحل القادم، فقد وقع في أخطاء لا تسمح
لأي دولة بأن تبرر موقفه. اليوم هناك
أطراف عديدة تميل إلى إنهاء النظام
السوري ورحيله واختفائه من الوجود،
وإذا لم يمكن تحقيق ذلك فإنه ينبغي ألا
يشارك في المرحلة المقبلة من حياة
سوريا الجديدة، على اعتبار أنه يصعب
التعامل مع أفراد هذا النظام الذي أثبت
أنه الأقسى إنسانياً في العالم. ارتكب النظام السوري
أخطاء لا تُغتفر على كل الصُّعُد، فمن
الناحية السياسية رفض كل محاولات
إيجاد مخرج له، وأنهى كل مبرر للعالم
في الإبقاء عليه. ومن الناحية
الإنسانية، فإن استخدامه للأسلحة
الثقيلة ولصواريخ سكود أمر لم يفعله
نظام من قبل، في سلوك يصعب تفسير مغزاه
السياسي، حيث لا يضع أمام العالم
خياراً سوى إسقاطه. وكان مؤتمر روما
بمثابة إعلان بأن نظام الأسد لم يعد
مقبولاً، وأن العالم اقتنع بأنه لم يعد
هناك مجال لمحاولة إقناعه أو تعديل
سلوكه. =================== دلالات
وتناقضات لجوء النظام السوري للفتاوى
الدينية علي الرشيد أخر
مشاركة: 13/03/2013 الشرق أثارت الفتوى التي
أصدرها مجلس الإفتاء في سوريا بالدعوة
للجهاد إلى جانب قوات النظام السوري،
من أجل الوقوف ضد كل من يستهدف سوريا
ويقف ضدها، باعتباره فرض عين ليس على
السوريين فحسب، وإنما على كل الدول
العربية والإسلامية.. أثارت علامات
الاستفهام لجهة الأهداف التي تقف
وراءها، والمغالطات التي تضمنته
فحواها، وتوقيتها، والآثار المترتبة
عليها، وما كشفت عنه من تناقضات مع
مواقف سابقة للنظام السوري. لقد كانت الفتوى
مفاجئة في بلد كسوريا، لأن دور مؤسسة
الإفتاء ينحصر في الإجابة عن الأسئلة
الشرعية فقط، بعيدا عن أي اهتمام
بالجانب السياسي، أو ما يتصل بموضوعات
ممارسة الحكم وإدارة شؤون البلاد،
والسبب أن سوريا تعدّ نفسها دولة
علمانية، لا يتدخل الدين وفق منطقها
ووفق أصحاب هذا التوجه في السياسة
وبالشأن العام للدولة وتسيير الأمور
فيها من جهة، وقد فاخر بشار الأسد بأن
نظامه من آخر معاقل العلمانية في
المنطقة محذرا العالم من مغبة سقوطه،
ولأن النبرة القومية والاشتراكية هي
التي تطبع الخطاب السياسي والإعلامي
للنظام السوري، حتى لا نكاد نعثر على
مفردة دينية أو إسلامية فيه من جهة
ثانية، وقد كان ملاحظاً كيف أخطأ
المذيع في قراءة الآيات القرآنية
والأحاديث الشريفة غير مرة، في نص خبر
الفتوى، على اعتبار أن الأمر ليس
معتادا بالنسبة له ولأمثاله في
المؤسسة الإعلامية الرسمية، ولأن
تاريخ النظام على مدار أكثر من أربعة
عقود حافلٌ بتجفيف منابع الدين
والالتزام في المؤسسات التربوية
والثقافية، ومحاربة ما يعتبرها جماعات
إسلامية أصولية سواء السياسية منها أو
ما يصفها بالمتشددة، وفي مقدمتها
جماعة الإخوان المسلمين من جهة ثالثة. وفي حين كان النظام
ينتقد الخطاب الجهادي للجماعات التي
كجبهة النصرة وغيرها وينعتها
بالإرهاب، وخطاب بعض المشايخ والعلماء
العرب لاسيَّما من منطقة الخليج
ويتهمهم بالتحريض والعنف لأنهم
يجرّمون ما يقوم به، أو يحثون على نصرة
الشعب السوري وتقديم العون له، فإن من
المفارقات الغريبة أن يستخدم هذا
النظام نفس الأسلوب والمفردات ليحث
الشعب السوري والشعوب العربية
والإسلامية على الوقوف بجانبه،
والدفاع عمّن يستهدفه، وكأنه بصدور
هذه الفتوى تتحول تهمة الإرهاب لتصبح
أقرب للنظام نفسه. ومما أثار الغرابة أن
الشعب السوري والشعوب العربية
والإسلامية لم يسمعوا بمثل هذه الفتوى
الدينية إلا عندما استهدف النظام
نفسه، ولكننا لم نسمع بفتوى مماثلة
تدعو للنفير العام من أجل تحرير
الجولان ـ وهي أرض سورية ـ والذي احتل
قبل أكثر من 45 عاما، فضلا عن أننا لم
نسمع فتوى مماثلة لتحرير فلسطين
والأراضي المحتلة. لكن لماذا صدرت هذه
الفتوى، وتحديدا في هذا التوقيت أي بعد
عامين من الثورة السورية، وما الآثار
السلبية التي ستترتب عليها؟ الأمر على صلة بوضع
النظام الحرج، خصوصا ما يتعلق بعجز
قوته العسكرية، وقوة من يدعمونه من
الحلفاء الروس والإيرانيين
والمليشيات التي تدور في فلكهم عن
مواجهة الثورة، التي تحقق مزيدا من
الانتصارات يوما بعد يوم، بفضل الله،
رغم قلة العتاد والإمكانات، وعلامة
أكيدة على قرب احتضاره. ولعل الأمر
مرتبط بما يلي: ـ احتياجات جيش
النظام المتزايدة من الجنود والمخزون
البشري بسبب طول أمد المعركة ضد
الثوار، وكثرة الانشقاقات عنه،
والتخلف عن الالتحاق بالعسكرية
الإلزامية، وكثرة القتلى في صفوفه،
لاسيَّما في الآونة الأخيرة، وبدء
تضجر الطائفة العلوية التي استخدم
النظام أبناءها وقودا لحربه، ورفضها
سحب المتخلفين من أبنائها عن العسكرية
والاحتياط صراحة، ومطالبة بشار الأسد
بالاعتماد على أبناء الطائفة السنية
في مواجهة الثورة. وهناك إحصاءات تقدر
عدد القتلى من أبناء الطائفة العلوية
بعشرين ألف ضابط وجندي ورجل أمن.
والتبرير من أجل التوسع في مليشيات
اللجان الشعبية الموالية له في
الأحياء لاسيَّما بدمشق، ومليشيات
أخرى شبه عسكرية تسمى جيش الدفاع
الوطني، وتضم نساء، وقد ظهرت في حمص،
رغم أن هذه المليشيات اتهمت من قبل
مجلس حقوق الإنسان بجنيف مؤخرا
بارتكاب جرائم قتل جماعي موثقة. ـ شرعنة مشاركة مزيد
من قوات الحرس الثوري الإيراني خصوصا
فيلق القدس وعناصر حزب الله وغيرهم من
المليشيات المؤيدة للنظام وإيران في
العراق وغيرها، ممن ليس لهم دخل أصلا
بثورة السوريين ضد حاكمهم المستبد،
وتوقع زيادة عددهم، مع حاجة النظام لمن
يسانده، واحتمالات نشوب اقتتال طائفي،
خصوصا مع عدم تمكن بشار الأسد من
السيطرة على دمشق، واللجوء لخيار
الدولة العلوية، بحيث تكون عاصمتها
حمص، وبمباركة إيرانية. سيكون لهذه الفتوى
انعكاسات سلبية كثيرة من أهمها أنها
ستقود إلى قتل المزيد من سفك دماء
المدنيين والثوار السوريين، مع إصرار
النظام السوري على مواصلة خطه الدموي
وارتكاب المجازر البشعة، وتبدو أقرب
للاعتراف الضمني بتبني النظام السوري
للإرهاب، لأنها تحث على قتل السوريين
المشاركين بالثورة في بلادهم، كما
تزكي نار حرب طائفية محتملة، تكون
الخشية منها أكبر مع قرب سقوط النظام،
وفقده للسيطرة على زمام الأمور في
البلاد. نظام مجرم في كل
مواقفه، سواء عند لبسه للبوس
العلمانية، أو عند ارتدائه لثوب
الفتوى الدينية، والشعب السوري
والعالم بحاجة أكثر من أي وقت مضى
لرحيله والتخلص من شروره. =================== صالح القلاب الرأي الاردنية 13-3-2013 القضية الرئيسية
التي يجب أن تكون لها الأولوية عربياً
ودولياً هي قضية اللاجئين السوريين
المتزايدة أعدادهم يومياً وبخاصة في
إتجاه الأردن والذين من المنتظر، وهذه
حقيقة باتت متوقعة في ضوء عمليات
التدمير التي باتت تشمل سوريا كلها، أن
تصل أرقام أعدادهم إلى الملايين إذْ لا
أمل بالتوصل إلى أي من الحلول السياسية
التي يجري الحديث عنها وإذْ لا أمل
بالإنتصار الحاسم لأيٍّ من طرفي
الصراع في المدى المنظور. لا يجوز الإستمرار
بكل هذا الصمت المريب إنْ عربياً وإن
دولياً بينما تتفاقم هذه المسألة
يوماً بعد يوم وفي كل لحظة وبينما لم
يعد الأردن، الدولة التي تتحمل العبء
الأكبر من هذا اللجوء، يستطيع
الإستمرار بتحمل أعباءٍ أمنية متصاعدة
وحيث كل المؤشرات تدل على أنه قد تأتي
لحظة، وهي باتت قريبة ومتوقعة، بأن يجد
على حدوده أكثر من مليون لاجئ ودفعة
واحدة تطاردهم قذائف مدفعية نظام «الممانعة
والمقاومة» وليس بإمكانه إلاَّ فتح
أبوابه أمامهم. لقد أصبح الأردن
مهدداً بالفعل وهو تهديد كان أعلنه
نظام بشار الأسد مبكراً ولذلك وبما أن
الأمة العربية ، بدل أن تكون أمة
واحدة، أصبحت أمة لاجئة في وطنها فإنه
يجب عدم الصمت ويجب أن يكون هناك تحركٌ
عاجل أردني-تركي على الأقل لحمل مجلس
الأمن الدولي، الذي أصابته المواقف
الروسية التي لا يجوز إستمرار سكوت
العرب عليها بالشلل، على عقد إجتماعٍ
لمعالجة هذه الأزمة، أي أزمة اللاجئين
السوريين، والمطلوب هنا ليس معلبات
ولا خيماً ستمزقها رياح الصحراء حتى
قبل إرتفاع أعمدتها وإنما قرارات
سياسية حاسمة وملزمة فهذه المشكلة
وبخاصة بالنسبة للدولة الأردنية
وللشعب الأردني غدت لا تحتمل الإنتظار
فالأمور تجاوزت كل الحدود ولم يعد
بإمكان هذه الدولة ذات الإمكانيات
الشحيحة إحتمال أكثر كثيراً مما
احتملته. هناك مثل ربما أن
الأميركيين والأوروبيين وأيضاً بعض
العرب لا يعرفونه، أو أنهم يعرفونه
ولكنهم لا يريدون أن يذكرونه أو
يتذكرونه، يقول :»إنَّ من يأْكل
العصيَّ ليس مثل الذي يعدها» وحقيقة
أنَّ الأردنيين الذين «يأكلون»
العصيَّ والذين يتعرضون لأكثر الحروب
خطورة لم تعد تهمهم بيانات المساندة «الأخوية»!!
والجميلة عن بعد ولم يعد يهمهم إرسال
المزيد من الخيام . لقد أصبح الأردن
يواجه خطراً أمنياً حقيقياً لأن
إنتظار مليون لاجئ سوري وربما أربعة
ملايين وأكثر ودفعة واحدة بات وارداً
وفي أيِّ لحظة وهذه أرقام باتت متوقعة
وهي أرقام لا تستطيع حتى الولايات
المتحدة لا إستيعابها ولا السيطرة
عليها وتحديداً من الناحية الأمنية. إنه لا يجوز
الإستمرار بكل هذا الصمت المريب وقد
أصبح الأردن بإنتظار كارثة فعلية وفي
أي لحظة وقد ثبت أن هذا النظام الجاثم
على صدر سوريا منذ أكثر من أربعين
عاماً لم يعد يهمه لا الشعب السوري ولا
«الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة
الخالدة» ولا دول الجوار الشقيقة
والصديقة وإنما إستمراره كنظام عائلي
طائفي حتى النخاع والدليل أنه قد واصل
وعلى مدى نحو عامين عمليات ترحيل
وتهجير السوريين من وطنهم ومن مدنهم
وقراهم تحت قصف المدافع والممارسات
اللاإنسانية واللاأخلاقية لعصابات «شبيحته»
الطائفيين وبمساندة ميليشيات حزب الله
وفيلق القدس الإيراني وكل هذا تنفيذاً
لتهديداته بنشر الفوضى في المنطقة
وتصدير العنف إلى الدول المجاورة. إن الأردن لم يعد
يستطيع الإحتمال بعد أن بات مهدداً
بأخطار فعلية وحقيقية في ظل توقع تدفق،
وفي أي لحظة، مليون وأكثر من اللاجئين
الأشقاء وهذا يتطلب أولاً عدم
الإستمرار بهذا الصمت المريب وثانياً
الدعوة إلى قمة عربية عاجلة وبمن سيحضر
كي يتحمل العرب مسؤولياتهم الحقيقية
وثالثاً الضغط فعلياً لعقد جلسة عاجلة
لمجلس الأمن الدولي لمعالجة مشكلة
اللاجئين السوريين وإتخاذ موقف عاجل
ليس بالكلام فقط وإنما بالأفعال ، وبغض
النظر عن الموقف المخجل بل والمعادي
الذي تتخذه موسكو، وهذه تجربة «كوسوفو»
لا تزال ماثلة للعيان..إنه عندما يقول
نظام بشار الأسد أنه سيغرق المنطقة
بالفوضى وأنه سيُصدِّر العنف إلى
الدول المجاورة فإن هذا يشكل مخاطر
أمنية حقيقية حتى على أوروبا نفسها
ربما أكثر حتى من المخاطر التي شكلتها
الأزمة البلقانية على الأوروبيين وعلى
دول حلف شمالي الأطلسي الذي تعتبر
تركيا ركيزة من ركائزه الأساسية. =================== الأربعاء،
13 آذار 2013 00:29 عمر عياصرة السبيل
مصلحة الأردن الحيوية فيما يتعلق
بالأزمة السورية تقتضي المساهمة
بإسدال الستارة عليها، وعدم المشاركة
بإطالة أمد الصراع الى آجال بعيدة
وطويلة. مفوضية اللاجئين
تقول ان حصة الاردن من اللاجئين ستصل
قريبا الى(مليوني لاجئ) وهو رقم كبير
يفوق طاقتنا ولا نملك التعاطي معه بحال
من الاحوال. اما الواقع الميداني
والمنطق السياسي بدورهما يقولان ان
النظام سيسقط، وان الثورة ستنجز وعدها
بالانتصار، وسيحكم الشعب السوري نفسه
عما قريب من خلال صناديق الاقتراع. هذان المعطيان( حتمية
سقوط النظام – وخسارتنا التراكمية
نتيجة لطول الأزمة) يحتمان علينا ان
نعيد النظر في مواقفنا من الازمة،
وبالتالي إجراء إعادة تموضع
لاصطفافاتنا من الفرقاء هناك. وعلى
ما يتبدى ان الاردن بدأت تدرك ذلك «فدير
شبيغل» المجلة الالمانية ذات
المصداقية، أشارت الى ان دولتنا بدأت
بتدريب عناصر من الجيش الحر في معسكرات
خاصة(1200 عنصر). هذا التطور أراه
محمودا ويمكن ربطه بادراك الاردن
لمصالحنا الحيوية الاستراتيجية من
ناحية، كما وانه تعاطي مع تغيير اللهجة
الغربية بعد اجتماعات روما الاخيرة. بعض مؤيدي النظام
السوري في البلد لا يعجبهم ذلك وهم
احرار في مواقفهم، لكنهم يحاولون
إقناعنا ان الميلة الاردنية نحو الجيش
الحر سوف تطيل من عمر الازمة وفي هذا
ضرر علينا. هذا التحليل محمّل
بالغرض السياسي والايدلوجي ولا يمت
للواقع بصلة، فالحسم مصلحة وطنية
اردنية، والذهاب نحو الجيش الحر خيار
صحيح ومنطقي وواقعي. مقاربة تدريب قوات من
الجيش الحر معادية لنظام بشار، وتسهم
في اسقاطه وتتسم بالاعتدال والوسطية،
وتؤمن بالوطنية السورية هذه مقاربة
ناضجة وواقعية لا كما يراها البعض
بانها ساذجة. نظام بشار الاسد لم
يعد نظاما شرعيا ولا يمكن اعتباره
ممثلا للدولة السورية الجارة
والشقيقة، وهنا يجب علينا – وهو ما
نشجعه – القيام بكل ما يدفع بسقوطه
وانهاء الازمة وتمكين الثورة( الممثل
الشرعي للشقيقة الشمالية) من الانتصار. سقوط الاسد مصلحة
للدولة الاردنية، والتخوف من حكام
سوريا الجدد المحتملين امر غير سياسي،
عليه يجب أن نخرج من التردد الى الفعل
ومن ثم التحالف مع مستقبل الجيران
الحتمي. =================== ماذا
حين يدعو بشار الشعب للجهاد؟! * ياسر
الزعاترة الدستور 13-3-2013 في تعليقها على فتوى
مجلس الإفتاء الأعلى في سوريا التي دعت
المواطنين إلى الالتحاق بالجيش، قالت
وكالة رويترز بالنص: “العلمانية هي
إحدى دعائم نظام الرئيس السوري، لكن
بعد قرابة عامين من القتال مع من تقول
إن “إرهابيين” يتصدرونهم، قررت دمشق
اللجوء إلى نفس أسلوب أعدائها وهو
الجهاد”!! وكان مجلس الإفتاء
الأعلى قد أصدر فتوى دعا من خلالها
المواطنين للانضمام إلى الجيش، معتبرا
ذلك “مسؤولية إيمانية ووطنية”..(لاحظوا
الخلطة العلمانية الدينية في الفتوى).
وتوجهت الفتوى إلى أبناء الجيش الذين
يخوضون “المعارك في الدفاع عن شعبنا
وأمتنا”، قائلة لهم إن عليكم “مراقبة
الله عز وجل في جهادكم ودفاعكم عن
سوريا رفعا لكلمة الله والحق في وطننا
الغالي”. أما الأهم في الفتوى فيتمثل
في قولها: “نناشد شعبنا في سوريا
للوقوف صفا واحدا مع جيشنا العربي
السوري وقواتنا المسلحة، وندعو
أبناءنا للقيام بفريضة الالتحاق
بالجيش العربي السوري”. والحق أننا أمام مشهد
مثير للسخرية، إذ تأتي الفتوى بعد
تأكيدات عديدة من قبل بشار على أنه آخر
قلاع العلمانية أمام مد الأصولية الذي
يمثله الإخوان والسلفيون، وبالطبع في
محاولة لاستدرار عطف الغرب عبر
استثارة مخاوفه من الأصوليين الذين
سينقلبون عليه كما فعلوا من قبل، ما
يعني أنه الأضمن لمصالح الغرب، حتى لو
اضطر تحت وطأة الحرب إلى وصف الأصوليين
بأنهم عملاء للغرب والإمبريالية
والصهيونية. في الحرب، لا بأس أن
تستخدم كل الأدوات بصرف النظر عن مستوى
بؤسها وتناقضها، وحين يجد بشار أن
المعركة قد أخذت بُعدا دينيا لافتا، بل
مذهبيا عبر حشره في الإطار (العلوي)، مع
وضوح اللون المذهبي (الشيعي) لحلفائه،
في ظل وقوف الغالبية الساحقة من الأمة
ضده، وعلى أساس ديني وأخلاقي عنوانه
الانتصار للمظلومين، في ظل ذلك كله، لا
بأس في أن يحاول استعادة وجهه السنّي
عبر استنفار دائرة إفتاء (سنّية) تابعة
لنظامه. لقد نجح النظام في
عسكرة الثورة معتقدا أن ذلك سيسهّل
عليه وأدها، لكن السحر ما لبث أن انقلب
على الساحر؛ في ظل تدفق مقاتلين من
مختلف أرجاء العالم الإسلامي، ثم تحول
الثورة برمتها نحو لون إسلامي واضح،
رغم أن عدد غير السوريين لا يزال
محدودا كما ذهب الأخضر الإبراهيمي
الذي يصعب اتهامه بالتعاطف مع الثوار (قال
إن عددهم لا يتعدى 2000، مقابل 100 ألف
مقاتل سوري). وحين ننسب النجاح في
عسكرة الثورة للنظام، فنحن لا ندين
أبدا حمل الثوار للسلاح؛ هم الذين
فعلوا ذلك تحت وطأة شهور من القتل
اليومي للمتظاهرين في الشوارع. وفيما
ذهب فاروق الشرع إلى أن النظام كان
يستجدي في الأشهر الأولى وجود مسلح
واحد كي يتهم الثورة بالإرهاب، فقد جاء
نعيم قاسم، نائب أمين عام حزب الله،
ليمارس الكذب المفضوح بقوله إن الثورة
تحولت مسلحة بشكل سريع جدا، ومنذ
الأيام الأولى، لكأن العالم بلا ذاكرة. في محاولة منه للخروج
من قمقم الطائفية التي تبدت واضحة
بمرور الوقت عبر انحياز الغالبية
الساحقة من العلويين للنظام، ومن
ورائهم إيران وتحالفها المذهبي أيضا،
ولأنه يدرك أنه ينتمي لطائفة تحكم
البلاد رغم أنها لا تشكل سوى 10 في المئة
من السكان (لا يحدث ذلك في أي مكان في
العالم)، فقد استنفر بشار (مشايخه
السنّة) لكي يخرجوا بهذه الفتوى
البائسة التي تعكس عمق أزمته، أكثر من
قدرتها على استنفار الناس لأداء فريضة
الجهاد دفاعا عن ولي أمر المسلمين
القائد المجاهد بشار!! والحال أن وجود مشايخ
سنّة من أمثال أحمد حسون يعملون في
صفوف النظام، أو حتى سياسيين سنّة
يخشون الانشقاق خوفا على عائلاتهم، أو
لأنهم متورطون حتى آذانهم في التحالف
معه، كل ذلك لن يغير في حقيقة الموقف
المتمثل في أن وقوف غالبية العلويين
إلى جانبه لا يتعلق بإيمانها بأنه
مقاوم وممانع يتعرض لمؤامرة إمبريالية
صهيونية، بل خوفا على مصالحها. أما
أمثال البوطي، فقد سقطوا سقوطا مريعا
أمام الشعب والأمة، وصار على النظام أن
يحشد له بعض الشبيحة في المسجد الأموي
كل يوم جمعة، كي يقول إن شيخا كبيرا من
مشايخ السنّة يقف إلى جانبه، متجاهلا
أن شيخا واحدا في العالم الإسلامي
بطوله وعرضه (خارج إطار التحالف
الإيراني) لا يمكنه الجهر بكلمة تأييد
له أمام الناس، الأمر الذي لا يبدو
واردا، حتى في أوساط ذلك اللون المحدود
من المحسوبين على السلفية الذين
ينادون بطاعة ولي الأمر ما إذن بالصلاة
(حتى لو نصّبه الأعداء كما ذهب بعضهم)،
والذين اضطروا تحت وطأة الرأي العام في
العالم الإسلامي إلى استثناء بشار من
هذه المعادلة. ربما تنطوي الفتوى
على شعور بضعف الجيش في ظل توالي
الانشقاقات، والحاجة إلى مزيد من
المقاتلين، لكن الجانب الآنف الذكر هو
الأكثر أهمية معطوفا على أمل باستعادة
جزء من الشارع السنّي إلى جانب النظام. يبقى القول إن فتوى
حسون سترتد على معلمه أكثر مما ستفيده،
إذا استنفرت وستستنفر علماء العالم
الإسلامي من جديد، والذين سيعودون إلى
التأكيد مجددا على أن معركة الثوار في
سوريا هي جهاد في سبيل الله ضد طاغية
يقتل شعبه، بصرف النظر عن دينه ومذهبه (هل
يشك في ذلك “من كان له قلب أو ألقى
السمع وهو شهيد”؟!). =================== موناليزا فريحة 2013-03-13 النهار لا ثورات صافية في
التاريخ. نادراً ما اجتمع شعب بكامله
ومن دون نزاعات، على التخلّص من الحاكم.
ثمة ثورات أسهل من غيرها، ولكن لا
ثورات بلا صراع أهلي، وبلا خاسرين،
وبلا انتهازيين، وخصوصا بلا ضحايا. ليست الثورة السورية
استثناء. ما يحدث في سوريا هو ثورة ذات
تناقضات كثيرة. فيها الرماديون
والمتلونون. فيها الطائفيون
والمذهبيون. فيها "جبهة النصرة"
وفيها الاحرار ايضا. فيها وديان وجبال،
وقليل من السهول. إنها أطول الدروب
وأكثرها وعورة لاستعادة الحرية. في الأشهر الأولى
للثورة السورية، تنافس تياران معارضان
للرئيس بشار الاسد على اعلان ابوتهما
لها، احدهما يبني شرعيته على أساس
تبنيه الثورة كصراع يرمي الى اسقاط
النظام، والآخر يعتنق هدفا افتراضيا
لها يتمثل في التغيير الديموقراطي.
وصارت المعارضتان معارضات، ويخشى ان
تنقسم على نفسها وتتحول ثورات. عندما
قدم رئيس "الائتلاف الوطني لقوى
الثورة والمعارضة السورية" احمد
معاذ الخطيب مبادرته، أثارت اهتماما
أكبر مما تستأهل، لا لأنها جاءت بعد
فترة استعصاء طويلة ولامست معاناة
الناس ودغدغت رغبتهم في الخلاص من هذا
الجحيم فحسب، وإنما خصوصا لأنها شكلت
للمرة الاولى مقاربة تستند الى فعل
الثورة على الارض وتضحيات الثوار
الذين يواجهون قوات النظام. إلا أن الخطيب بدا
بمبادرته زعيماً لأحد تيارات المعارضة
السورية المشتتة، لا رئيسا لأوسع
ائتلاف للمعارضة السورية، ولم يهتم
بالحصول على اجماع لمشروعه، فظهر كمن
يخترق خطوط العدو فيما جبهته الداخلية
منهارة. مجددا، يبدو
الائتلاف امام اختبار يهدد صدقيته.
أرجأ تأليف حكومة تكلف ادارة المناطق
التي تسيطر عليها المعارضة، بعدما عجز
اعضاؤه عن الاتفاق في ما بينهم.
انقسموا حيال ما اذا كان ينبغي تأليف
هذه الحكومة الآن لقطع الطريق على اي
دور محتمل لنظام الاسد، او انتظار
الاخضر الابرهيمي لتنظيم محادثات
انتقالية بين النظام والمعارضة، بموجب
اتفاق جنيف. ومن الواضح ان الخلاف
يتجاوز اعضاء الائتلاف الى الاطراف
الخارجيين الذين يتجاذبون التيارات
المعارضة. فوقت تدفع قطر وتركيا ومعهما
السعودية في اتجاه "الحكومة الموقتة"
قطعا للطريق على التفاهم الروسي –
الاميركي المحتمل الذي يحاول فرض
اتفاق جنيف اطاراً للحل، تخشى واشنطن
ان تقوض حكومة كهذه اية محادثات
انتقالية ممكنة مع النظام وتؤدي الى
انهيار الدولة السورية. ولا شك في انها
بهواجسها هذه تخشى عراق آخر. في أحسن الاحوال، لن
يكون تأليف "حكومة موقتة" بالامر
السهل، نظرا الى الانقسامات داخل
المعارضة السورية عموما. ولكن من دون
هيئة سورية، ايا يكن اسمها، تستقر في
سوريا وتكون على تماس مع الثوار
ومعاناة الناس، وتتفاوض، لم لا، مع
النظام، سيبقى مشروعا التساؤل: ما نفع
معارضة غير مستعدة للحكم؟ =================== رأي القدس 2013-03-12 القدس العربي يلجأ شمعون بيريز
رئيس الدولة الاسرائيلية الى تقديم
نفسه كزعيم معتدل يتطلع الى السلام،
ويستخدم معسول الكلام لكي يقنع
مستمعيه خاصة في العالم الغربي. بيريز الذي زار اكثر
من عاصمة عربية ليس معتدلا على الاطلاق
وتاريخه حافل بالحروب ويكفي الاشارة
الى انه ارتكب مجزرة قانا الثانية
اثناء العدوان الاسرائيلي على جنوب
لبنان التي راح ضحيتها اكثر من مئة
شهيد، معظمهم من النساء والاطفال
لجأوا الى مقر للامم المتحدة طلبا
للنجاة من صواريخ الطائرات
الاسرائيلية المغيرة. بالامس، واثناء
خطابه في البرلمان الاوروبي وقف
الرئيس الاسرائيلي محاضرا حول كيفية
حقن الدماء في سورية، ووضع حد للمجازر
التي ترتكبها قوات النظام وطائراته في
مختلف انحاء البلاد. بيريز دعا الى تدخل
قوة تابعة لجامعة الدول العربية لوقف
المجزرة التي تجري حاليا في سورية،
وافتى بضرورة تشكيل حكومة سورية مؤقتة
تضم شخصيات من المعارضة، وقال 'لا
يمكننا ان نقف مكتوفي الايدي فيما
الرئيس بشار الاسد يقتل شعبه واطفاله'. لو صدر هذا الكلام عن
رئيس سويدي او فنلندي او برازيلي او
عربي، فاننا يمكن ان نفهمه ونتفهمه،
فحقن دماء الشعب السوري ووقف اعمال
القتل التي يتعرض لها مهمة انسانية
واخلاقية، لكن ان يصدر عن رئيس دولة
تمارس القتل كعقيدة، وتجتاح اراضي
جيرانها، وتلجأ الى ارتكاب المجازر
لارهاب البسطاء، وتتفنن في ممارسة
التطهير العرقي لاقامة كيان غاصب على
اراضي الغير فهذه قمة المأساة. بيريز ليس الشخص الذي
يجب ان يعلمنا كيف نتعاطى مع الاوضاع
في بلداننا، واذا كان فعلا حريصا على
الشعب السوري، فلينسحب من هضبة
الجولان التي تحتلها قوات حكومته،
وتنهب ثرواتها، وتصدر قانونا بضمها. في زمن رئاسة بيريز
دمرت الطائرات الاسرائيلية مفاعل
الكبر السوري قرب دير الزور شمال شرق
سورية، واغارت على عين الصاحب قرب دمشق
بحجة تدمير قاعدة للجبهة الشعبية
القيادة العامة، واغتالت الشهيد عماد
مغنية قائد الذراع العسكرية للمقاومة
الاسلامية اللبنانية. وعندما كان بيريز
رئيسا للوزراء ارسل طائراته لقصف
القرى اللبنانية الآمنة في جنوب
لبنان، وارتكبت مجزرة 'قانا 2' في موقع
يرفع علم الامم المتحدة الازرق مثلما
ذكرنا سابقا، وهي مجزرة وصفها الكاتب
البريطاني الشهير روبرت فيسك في
برنامج تلفزيوني بانها من ابشع
المجازر في تاريخ المنطقة. لا نجادل مطلقا في
ارتكاب النظام السوري مجازر، لكن ما
نجادل فيه ونرفضه ان يقدم شخص مثل
بيريز، يداه ملطختان بالدماء مثل معظم
المسؤولين الاسرائيليين، سياسيين
كانوا او عسكريين، على انه حمل وديع
يحاضر على العالم في السلام ووقف
المجازر. بيريز الذي يتحدث
نيابة عن الجامعة العربية، ويعلن
تأييده لارسال قوات تابعة لها الى
سورية، ربما نجده يقف يوما على منبرها
في ميدان التحرير مخاطبا وزراء
الخارجية، وربما الزعماء العرب
باعتباره واحدا من اهل البيت تماما
مثلما خاطب القمة الاقتصادية في
المغرب قبل عقد ونصف العقد من الزمن. =================== من "النأي
بالنفس" إلى الانحياز عبد الوهاب
بدرخان 2013-03-13 النهار وزير الخارجية أخطأ
ويريد إيهامنا بأنه أصاب، أخطأ ليثبت
كغيره في هذه الحكومة أن أحداً لا يمكن
أن يحاسب وزيراً، بل ان الأخير يستطيع
أن يجحظ عيونه في عيون منتقديه ويقول
إن المقصود بـ"الضجيج" الحكومة
وليس هو. هذا يشبه ثقافة ميليشياوية ما
كان معروفاً انها تتوفر لدى هذا
الديبلوماسي المحترف. إذا كنا فهمنا شيئاً
من "فزعة" الوزير للمقعد السوري
في الجامعة العربية، فهو انه لم يفاتح
أياً من رئيسي الجمهورية والحكومة بما
يعتزمه. فهل فهمنا صحّ ام خطأ؟ لم يتبرع
أحد بالإيضاح. كانت مطالبة الجامعة
بإعادة عضوية سوريا خطوة سياسية
تستوجب التشاور والاستئذان، لا أن
ينتهز عدنان منصور فرصة متاحة على
المنبر ليتصرّف بشكل متفرّد، سواء كان
يعبّر عن اقتناع خاص أو ينفذ تعليمات
من خارج الحكومة. وليس لأحد أن يشرح
للوزير الأسباب الموجبة لتجميد عضوية
سوريا، فهو كان حاضراً عندما اتخذ
القرار وتحفظ عنه نأياً بالنفس. بل
يعرف أن ممارسة النظام السوري القتل
المنهجي كان الدافع إلى هذا القرار،
اسوة بما اتخذ ضد النظام الليبي قبله.
لكن منصور تجاهل الأسباب، أو أنها لا
تعنيه. لن يناقشه أحد في
رأيه الخاص، لكنه مدعو للاحتفاظ به
لنفسه طالما أنه منفذ لسياسة دولة، لا
سياسة حزب أو طائفة. ففي اللحظة الحرجة
اخفق في "النأي بالنفس" او
بالاحرى في ضبط النفس، ليعلن تعاطفه مع
نظام وحشي لم يعد أحد يربطه بسوريا،
ولا حتى بالانتماء إلى اي شريعة غاب.
ومنذ أصبح تجميد العضوية قراراً
عربياً نافذاً لم يكن لهذا الوزير أن
يتحدى غالبية العرب ويورّط لبنان في
موقف خاص وفئوي. وكديبلوماسي محترف كان
يفترض أن يقدّر انه اختار لحظة دولية –
اقليمية بالغة الحساسية ليمارس "حكمة"
الانحياز الى الموقف الايراني، فهذا
خطأ مكلف للبنان داخليا وخارجيا. من الواضح ان هناك
توجيهاً ايرانياً بمهاجمة دول الخليج
والتعرض خصوصا للسعودية، على خلفية
التغيير الجاري في الموقف الدولي من
الازمة السورية. ويهم طهران ان تظهر
مدى تأثيرها في سياسة الحكومة
اللبنانية، بل ان تتولى صياغتها لتكون
رافضة وناقدة للنفوذ الخليجي المهيمن
في الجامعة العربية. ومن شأن طهران ان
تعتبر ان عدنان منصور نفذ المهمة
بجدارة، ليصبح الذراع الديبلوماسية
لتدخلها وتدخل "حزب الله" في
القتال في سوريا. كل ما سمحت به "الشفافية"
هو ان نعلم ان الرئيس اكتفى بمعاتبة
الوزير، ورئيس الحكومة بمراسلته. لكن
بقي مجهولا لدى اللبنانيين اذا كان لا
يزال ممكناً الاعتماد على هذا الوزير،
خصوصا ان التطورات متجهة نحو التفاقم
في سوريا، مثلما ان الصراع الاقليمي
حولها متجه نحو الاحتدام. ومن الاساس
كان الخيط رفيعاً وواهياً بين "النأي
بالنفس" والانحياز، اما الآن، وبفضل
هذا الوزير، فإن العلاقات الخارجية
للبنان مهدَّدة بالافساد ، ولا سيما مع
دول الخليج التي يحتاج اليها جداً جداً. =================== واشنطن:
تآكل النظام السوري يتسارع ونتوقع تمكّن
لبنان من تفادي العنف هشام
ملحم 2013-03-13 النهار رأى مدير
الاستخبارات الوطنية الاميركية جيمس
كلاير ان "تآكل سلطة النظام السوري
تتسارع"، على رغم انه أفلح حتى الآن
في منع المعارضة المسلحة من السيطرة
على المدن الرئيسية مثل دمشق وحلب
وحمص، لكنه عاجز ايضاً عن اخراج قوى
المعارضة من المناطق المحيطة بهذه
المدن. وقال في شهادة له
امام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ
ان تآكل سلطة النظام يظهر من خلال "خسارته
للاراضي، والنقص في العناصر البشرية
والموارد اللوجستية"، المتوافرة له.
واضاف ان "العنف التصعيدي للنظام
وتدهور الظروف الامنية قد أديا الى
ازدياد الخسائر المدنية". ولم
يستبعد استخدام النظام السوري الاسلحة
الكيميائية ضد شعبه لانه لم يستطع وقف
الانتفاضة من طريق استخدام الاسلحة
التقليدية وحدها. واعرب عن اعتقاده ان
"استقرار لبنان سيبقى هشاً خلال
السنة المقبلة والسبب الرئيسي في ذلك
هو التوتر الناجم عن النزاع السوري".
ولكن "نتوقع ان يستطيع لبنان تفادي
العنف الطائفي الذي يتسبب
بالاضطرابات، الا ان من المرجح ان يشهد
لبنان اشتباكات محلية من وقت الى آخر
بين ميليشيات طائفية موالية ومعادية
للاسد"و لاحظ انه حتى الآن "نجح
الزعماء (اللبنانيون) في تطويق الغضب
الشعبي بنتيجة التفجير الذي استهدف
شخصية سنية شعبية (وسام الحسن) في تشرين
الاول 2012، ولا تزال القوات المسلحة
اللبنانية فعّالة في السيطرة على
العنف المحدود". وكان كلابر يناقش
تقريراً أعدته اجهزة الاستخبارات
الاميركية التي يشرف هو على تنسيق
نشاطاتها، يقوّم الاخطار العالمية
التي تهدد الولايات المتحدة، وشارك في
الجلسة ايضاً مدير وكالة الاستخبارات
المركزية "السي آي اي" جون برينان
ومدير مكتب التحقيقات الفيديرالي "الأف
بي آي" روبرت مولر وغيرهما. وعن وضع المعارضة
السورية المسلحة، قال كلابر انها
تزداد قوة وتسيطر على مزيد من الاراضي،
لكنه اشار الى "ان المعارضة لا تزال
منقسمة، وهناك فعلاً المئات من
الكتائب المعارضة بدرجات متفاوتة من
القوة والميول، وهناك جهود تبذلها
المعارضة لوضعها في ظل قيادة موحدة".
وتحدث عن "الاخبار السيئة" في هذا
المجال، اي "زيادة نفوذ جبهة
النصرة، المنبثقة من تنظيم القاعدة في
العراق، والتي ازدادت قوة عددياً ومن
نواح اخرى في سوريا". واعترف بأن "جبهة
النصرة" تتصرف بذكاء اذ "يوفر
عناصرها الخدمات البلدية والانسانية
في أوضاع رهيبة للغاية". كذلك تحدث
عن "قدوم المقاتلين الاجانب الذين
جذبهم النزاع في سوريا للانضمام الى
المعارضة، ولذلك فإن المعارضة في
رأيي، وجبهة النصرة تحديداً، تتصرف
بذكاء في هذا المجال". وعن طول فترة بقاء
الرئيس بشار الاسد في السلطة، قال
كلابر ان الجواب الدائم هو "ان ايامه
معدودة. لكننا لا نعرف عدد هذه الايام،
واعتقد ان تقويمنا هو انه مصمم على
البقاء وعلى صون سيطرته على النظام". وعن دور ايران في
سوريا، قال ان "تورط ايران يزداد
عمقاً أكان من حيث توفير الامدادات
والمعدات والمشورة، ام في مجال تنظيم
الميليشيات... لذلك فإن لايران
والتنظيم التابع لها حزب الله مصلحة
ضخمة في بقاء سوريا تحت سيطرة النظام.
وسوف تمنى ايران بخسارة استراتيجية
ضخمة اذا سقط النظام". ======================= عادل الطريفي الشرق الأوسط
16/2/2013 في تقرير مطول نشرته
مجلة «النيويوركر» هذا الأسبوع، كتب
الصحافي الشهير ديكستر فلكنز عن قلق
يتنامى في أوساط حزب الله اللبناني،
نتيجة للحرب الأهلية الدائرة في
سوريا، حيث يقاتل نظام الرئيس السوري
بشار الأسد من أجل البقاء بمساعدة
حلفائه في إيران، ولبنان، والعراق. فلكنز، الذي أمضى بعض
الوقت في الضاحية الجنوبية، وعلى
المناطق الحدودية المحاذية لسوريا،
تمكن من الحديث مع بعض مقاتلي الحزب،
بل وحضور مراسم التأبين لبعض العناصر
التي قضت أثناء قتالها إلى جوار النظام
السوري بمواجهة المتمردين. يروي التقرير عن أحد
عناصر حزب الله قوله: «إذا ما سقط بشار،
فالدور علينا»، وفي موضع آخر ينقل
فلكنز عن بعض قيادات الحزب، تصريحاً،
يعترفون فيه بسقوط قتلى لهم في سوريا: «لقد
استشهد وهو يقوم بواجبه الجهادي.. دول
عربية تنفق الأموال لتدمير سوريا وحزب
الله». الصورة التي يرسمها
فلكنز تعكس حزباً يشعر بالتهديد
والقلق، نتيجة اقتراب الحرب إلى
معاقله، وحالة من الوحدة والتوجس تسري
بين قياداته، ونزعة عدمية تطغى عند
النقاش، وجدل حول حرب النهايات،
والموت دون التسليم بالواقع الجديد.
لأكثر من عامين حاول حزب الله النأي
بنفسه ـ إعلامياً - عن مجريات الأحداث
في الدولة الجارة، وفي حين أطلق زعيمه
حسن نصرالله تصريحات داعمة للحليف
السوري بدعوى «المقاومة»، والتصدى لـ«العدو»
الإسرائيلي، إلا أن تلك الخطب لم تنجح
في تبرير موقفه من المعاناة
الإنسانية، التي تسبب فيها النظام
السوري. لقد نال حزب الله
قبولاً في الداخل اللبناني لدى البعض،
لعمله «المقاوم» لتحرير الأرض،
وارتفعت شعبيته عالياً منذ الانسحاب
الإسرائيلي في عام 2000، بل وعدّته أوساط
شعبية كبيرة في العالم العربي، بطلاً
حتى بعد إشعاله حرب الثلاثين يوماً في
2006، ولكن جزءا من تلك الشعبية تعرض
لنكسة قوية، بعد اجتياحه العسكري
للعاصمة وبعض المناطق في 2008، حيث رأي
البعض في ذلك استقواء على الطائفة
السنية، وعلى خصوم الحزب من الطوائف
الأخرى. برر الحزب حينها موقفه بوصفه
رداً على محاولات إدانته بالاغتيالات
التي لحقت بأسماء لبنانية معارضة، كان
أبرزها رفيق الحريري، رئيس الوزراء
الراحل. مع ذلك كانت هناك أوساط شعبية
متفهمة، أو متقبلة بصمت لموقفه، ولكن
مع اندلاع الأحداث السورية، وجد الحزب
نفسه في مأزق أخلاقي، حيث كان الشارع
في أكثر من بلد عربي، متعاطفا مع
المظاهرات السورية، ولأجل وقوف حزب
الله غير المعتذر إلى جانب النظام
السوري، تولد نوع من الحنق والغضب تجاه
الحزب الذي قرر الوقوف في صف نظام يقتل
مواطنيه، بل ويرسل عناصره للمشاركة في
حرب أهلية في دولة مجاورة. حين بدأت
أحداث ما عرف بـ«الربيع العربي»،
اتخذت قيادات الحزب الموقف الرسمي
الإيراني الداعم لإسقاط الأنظمة، ولكن
حين طالت الانتفاضات، الحليف السوري
تغيرت قواعد اللعبة، فانحاز الحزب
للنظام على حساب المواطنين السوريين
العزل. يمكن اعتبار ذلك اللحظة الفاصلة
التي خسر فيها الحزب شعبيته
الإقليمية، بل وتحول إلى خصم طائفي
وأيديولوجي لدى قطاعات شعبية واسعة في
المنطقة. لا شك أن حزب الله يمر بأصعب
أيامه حيث لم يعد بطلاً، بل عدو بغيض
للجماهير ذاتها، التي كانت تتغنى
بإنجازاته قبل سنوات قلائل. هذه
الخسائر قد تغير على المدى المنظور
موقع الحزب وقوته ليس في لبنان فقط، بل
في عموم المنطقة التي باتت تعدّه أداة
مشاركة في قتل الأبرياء. ربما لم يدر
بخلد قادة الحزب أن تتحول كل إنجازاتهم
إلى عبء ثقيل، ولعل السؤال الأبرز
اليوم: ما هو مستقبل الحزب في ضوء ما
يجري؟ بداية لا بدّ من
الإشارة إلى أن الحزب على الرغم من
خسارته الجسيمة، لا يزال يمتلك بعض
الحلفاء داخل لبنان وخارجه، لا سيما في
أوساط بعض الأقليات التي تشعر بأنها
مهددة، وهو فوق ذلك لديه ترسانة من
الأسحلة وعمق شعبي شيعي، يشجعانه على
الاستمرار - أو الاستئثار ـ بالقوة
العسكرية في محيطه، ولكن على الرغم من
ذلك، فإن هنالك تهديداً حقيقياً
لقدراته تلك، مع اضطرار المعارضة
المسلحة السورية للرد عسكرياً على
مواقعه الحدودية، وفي حال سقط نظام
الأسد، فإنه ليست ثمة ضمانات له من أن
تتوجه تلك الحرب إلى مناطق نفوذه داخل
لبنان، وقد تحيله إلى قوة صغيرة بإزاء
قوى عديدة أكبر منه، ولعله من الضروري
التساؤل هنا عن بدائل الحزب ما بعد
سقوط الحليف التقليدي، الذي كان يوفر
له المعبر الآمن مادياً وعسكرياً من
إيران؟ هنا ينبغى ألا ننسى
أن الحزب وجد وترعرع قبل أن تتوثق
العلاقات الإيرانية/السورية، بل لقد
خاض الحزب نفسه معارك مع السوريين،
لفرض نفسه كواقع عسكري مواز للسوريين،
ومستقل عن إرادتهم. وخلال السنوات التي
سبقت الانسحاب الإسرائيلي من جنوب
لبنان، كان الحزب يصرح بأنه وحده صاحب
الكلمة العليا في ما يجري، ولكن على
الرغم من ذلك فإن الحزب - الذي بني
أساساً لغرض عسكري - لم يستطع منذ
هيمنته على الحكومة اللبنانية عام 2004،
أن يطرح نفسه بديلا سياسيا للدولة
اللبنانية، رغم كل ما قدمه هو أو
ربيبته الإيرانية، ولعل ذلك ما يقلق
الحزب في الوقت الراهن، وهو أنه سيكون
مجبراً على تغيير مساره الراديكالي،
ليكون أكثر تصالحاً، ومقبولية في
بيئته اللبنانية فضلاً عن أن يستعيد
شعبيته في المنطقة، بعبارة أخرى الحزب
اليوم مخير بين أن يخوض حربا إقليمية
لاستعادة ما فقده من حضور معنوي
وعسكري، أو استحداث طريق «سلمي» يغير
فيه من فلسفته - إن لم يكن قيادته التي
فقدت شرعيتها السابقة -. لا أحد في
الوقت الراهن قادر على التنبؤ، ولكن
سيكون من المستغرب أن يظل الحزب على
حاله بعد كل ما جرى، فقد تعودنا أن يقوم
الحزب - كامتداد للمصالح الإيرانية -
على تغيير سياساته، بل وقياداته،
لصالح أن تتم حماية المصالح الإيرانية
أولاً، ومصالح الحزب في الوقت الراهن. قد يعتقد البعض أن من
العسير أن تتخلص إيران من شخصية
كارزمية ـ بالمعيار الإيراني - مثل حسن
نصر الله، ولكن هناك سوابق تاريخية تدل
على أن النظام الإيراني لا يبالي
بالتضحية برجاله، في سبيل عدم خسارة
مصالحه، فكيف بخسارة نفوذه. قد يكون
مثل هذا السيناريو مستبعداً في الوقت
الراهن، حيث يمكن أن يقال أن نصرالله
تحول إلى رمز للحزب وللنضال الشيعي «المقاوم»،
ولكن التجربة تشير إلى أن رحيل الأشخاص
لا يعني تقاعدهم، بل تصفيتهم - كما حدث
أكثر من مرة - لصالح أن يحتفظ النظام
بمصالحه لا برجاله المخلصين. في برنامج تلفزيوني،
يتحدث أحد ناشطي الحزب عن خطورة «جبهة
النصرة» المرتبطة بـ«القاعدة»، ويعدّ
ذلك دليلاً على انحراف الانتفاضة
المسلحة السورية عن مسارها، ويتهم
أطرافا خليجية بدعم الجهاد «السني»
بما يهدد الأقليات. حقيقة من المثير أن
يتحول قادة الحزب إلى تخويف الآخرين من
«الجهاديين»، وأصحاب الذقون الطويلة،
وأدبياتهم تنضح بذات المعين. خلال آخر ظهور مسجل
له، جادل السيد نصر الله أن حزبه لن
يسكت على محاولات تحجيم نفوذه، وأن
باستطاعته القتال حتى النهاية. ما من
شك أن السيد نصر الله قد يعني ما يقوله،
أو أنه مستعد للتضحية بالأبرياء، في
سبيل الاحتفاظ بنفوذ حزبه، تماماً كما
يصنع الأسد الآن، ولكن من المحزن أن
يتحكم في مستقبل هذه البلدان أشخاص
يعتقدون أن التاريخ ينتهي عند حدود
كلماتهم. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |