ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 16/03/2013


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

14&15-03-2013

تسليح فرنسا وبريطانيا للمعارضة السورية

رأي القدس

2013-03-14

القدس العربي

تظهر كل من بريطانيا وفرنسا حرصا كبيرا على تزويد المعارضة السورية 'المعتدلة' بالاسلحة ورفع الحظر الاوروبي في هذا الخصوص 'حتى يتمكن المقاومون السوريون من الدفاع عن انفسهم' مثلما قال امس لوران فابيوس وزير الخارجية الفرنسي في مقابلة مع راديو فرنسا.

الفرنسيون والبريطانيون يريدون تسليم الجيش السوري الحر صواريخ ارض جو للتصدي للطائرات السورية التي تقصف المدن التي لم تعد تحت سيطرة النظام وتسيطر عليها المعارضة المسلحة.

في المقابل هناك دول اوروبية اخرى (عدد الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي 27 عضوا) تعارض رفع الحظر المفروض على ارسال اسلحة للمعارضة السورية، وجرى اتخاذ قرار بالاجماع في هذا الصدد، ولذلك لا بد من اصدار قرار جديد ينهي هذا الحظر في الاجتماع المقبل للقمة الاوروبية في ايار (مايو) المقبل، ولكن فرنسا وبريطانيا في عجلة من امرهما، وتريدان تقديم موعد هذا الاجتماع الى نهاية شهر آذار (مارس) الحالي والا فانهما لن تلتزما بالحظر.

وزير الخارجية البلجيكي ديدييه وينديرز يعارض رفع الحظر تحت ذريعة 'ان الهدف ليس محاربة الجهاديين في مالي من اجل تسليم اسلحة لنظرائهم في سورية' بينما يرى جان اسلبورن وزير خارجية لوكسمبرغ 'ان الاسلحة ليست هي ما ينقص سورية'.

الرئيس الفرنسي هولاند يقول ان الاسلحة تتدفق على النظام السوري من ايران وروسيا، ولذلك لا بد من تسليح المعارضة في المقابل للدفاع عن نفسها، لكن الروس يرون في هذا التسليح انتهاكا للقانون الدولي مثلما قال سيرغي لافروف وزير خارجية روسيا.

من الواضح ان سيناريو التدخل العسكري في ليبيا يتكرر ولكن بصورة مختلفة في سورية. فبريطانيا وفرنسا كانتا رأس الحربة في هذا التدخل، ولعبتا الدور الاكبر في اطاحة نظام العقيد معمر القذافي، وربما ارادتا هذه المرة ان تعتمدا على الجيش السوري الحر في هذه المهمة، على ان يقتصر دورهما على تسليحه باسلحة نوعية حديثة ومتابعة تطورات الازمة من المقاعد الخلفية.

عمليات التدريب لقوات خاصة تابعة للمعارضة السورية تسير على قدم وساق في الاردن على ايدي ضباط امريكيين واوروبيين، وهناك انباء تفيد بان مهمة هذه القوات محاربة تنظيم النصرة وباقي الجماعات الجهادية الاخرى في سورية.

الفرنسيون يقولون ان تسليح المعارضة يهدف الى الضغط على نظام الاسد للجلوس الى طاولة المفاوضات للتوصل الى حل سياسي يقود الى حكومة انتقالية وفقا لاتفاق جنيف وبروتوكولاته، لكن هناك تقارير اخبارية في كل من لندن وباريس ان عمليات التسليح المكثفة هذه تهدف الى تعزيز المعارضة السورية المسلحة استعدادا للمعركة الكبرى للاستيلاء على العاصمة دمشق.

شل فاعلية الطيران السوفييتي في افغانستان من خلال صواريخ ستينغر التي زودت بها الولايات المتحدة المجاهدين الافغان، ادى الى انهيار الوجود العسكري وانسحاب القوات السوفييتية مهزومة، ويبدو ان فرنسا وبريطانيا تريدان تكرار السيناريو نفسه في سورية ولهذا تستعجلان رفع الحظر عن ارسال صواريخ حديثة وفاعلة مضادة للطائرات الروسية الصنع ايضا.

تاريخ افغانستان يكرر نفسه، او بعض فصوله في سورية، والاشهر الثلاثة المقبلة قد تكون حاسمة.

===================

في ذكرى الغزو.. الطاغية يعلن بأن الحرب الطائفية على الابواب

د. مثنى عبدالله

2013-03-14

القدس العربي

عودنا دائما على رسم راية الديمقراطية ترفرف فوق الرؤوس، أستمات في تزييف صورة الامن الموعود والامان المفقود كي يقول بأنه نجح في قيادة العراق، شنّف أذان الجميع بعبارات الوطنية والمواطنة والمساواة ونبذ الطائفية، أستخدم كل حروف اللغة العربية كي يقول تعابير رنانة وعبارات دينية مغلفة بالسياسة، بشرنا بالرخاء والحياة الرغيدة والحلم الموعود، عقد المؤتمرات بالتوسل والرشى كي يستخدمها أبواق لخطاباته الجوفاء لعله يبرز دوره المزعوم في أنشاء المدينة الفاضلة، لكنه في كل مرة كان كمن يمط غطاءه القصير لعله يجد فيه متسعا لتغطية عوراته فلا يجد ذلك. هكذا تصرف طاغية العراق على مدى سنوات حكمه وتحكمه بكل شيء في العراق الجديد.

وها هو يعلن اليوم تزامنا مع الذكرى العاشرة للغزو بأن الحرب الطائفية على الابواب، متناسيا كل تلك الوعود والاحلام الوردية التي كان يرسمها أمام الملايين، على وقع سياط جلاديه في السجون السرية والعلنية، وسيل الدماء التي كانت كل مدن وقرى العراق تنزفها يوميا، وصرخات الشرف الرفيع للعراقيات وهن يواجهن مغتصبيهن المرتدين الزي الرسمي لأجهزة الدولة. فما الذي حدث؟ وما هي الدوافع التي ساقت الطاغية لكي يلعب بورقة الطائفية؟ مذكرا العراقيين مرة أخرى بالجثث الملقاة في القمامة والشوارع التي تخلو من الحياة، والتدافع على منافذ الحدود تاركين الديار والاهل والاحباب. أن الظروف الداخلية خاصة في المحافظات التي تشهد أنتفاضة جماهيرية كبرى، والاقليمية المحيطة بالعراق وخاصة الوضع في سوريا، قد أنتزعت من بين يديه كل الخيارات السياسية التي كان يستخدمها في سياساته، ووضعته لأول مرة وجها لوجه مع الجماهير، في وقت كان يعتقد فيه بأنه أحسن حالا من الحكام الاخرين الذين أسقطهم الشعب. أنه بات يعرف تماما اليوم بأن أنفصال مدينة الرقة السورية عن السيطرة الحكومية، اضافة الى قرارات الجامعة العربية بأعطاء مقعد سوريا الى المعارضة السورية، والسماح بتسليحها لمن يريد ذلك، كلها عوامل باتت تقلق طاغية العراق الذي نظر اليها على أنها قوى دافعة توحد المتظاهرين ضده وتعطيهم الامل في موقف مماثل لهم مستقبلا. أما بالنسبة للوضع الداخلي للمحافظات المنتفضة فقد بات يعرف جيدا بأن أستمرار التظاهرات وزيادة زخمها، دليل على أن الوعي السياسي للمنتفضين يشير بوضوح الى أنهم فقدوا الثقة تماما بالطبقة السياسية جميعها، لأن أمال الشعب العراقي لم تكن لها أية أنعكاسات في قرارات الحكومة والبرلمان طيلة الفترة الماضية، بل حتى في ظل خروج المتظاهرين بكل هذا الزخم المستمر منذ أكثر من شهرين، لم يجد المتظاهرون أي موقف حاسم يلبي طلباتهم بنفس السرعة التي كانت تتخذ فيها أجراءات الاقصاء والتهميش والاعتقال ضدهم، وبذلك أصبح يرى بأن أيقاف الانتفاضة قد خرج من بين يديه اليوم. لذلك تبخرت حالة الغرور التي كان عليها في الايام الاولى، عندما هدد وتوعد المتظاهرين بالويل والثبور وعواقب الامور ووصفهم بصفات لاتليق بمسؤول يدعي أنه جاء بصوت أنتخابي.

أنه اليوم وكما نرى في خطابه بمناسبة يوم المرأة يحاول اللعب بالكلمات. أنه يثني على المتظاهرين في الانبار لأنهم مزقوا الخرائط التقسيمية ورفضوا دعوات التقسيم والفدراليات، محاولا أظهار نفسه بأنه في نفس الخندق بينما وصفهم بالفقاعة والنتانة وأصحاب الاجندات الخارجية والخارجين الى التظاهر بمئة دولار. أنه يدعو المتظاهرين الى عدم السماح للسياسيين بأستغلال حراكهم لأنهم على حد وصفه أصحاب أجندات خارجية، بينما يقوم هو وباقي سياسيي حزبه بأخراج تظاهرات تأييد له بجهد الدولة المدني والعسكري والمالي، لحسابات طائفية ضيقة لاتخدم الوطن بل تخدم البيت السياسي الطائفي الذي ينتمي اليه. أنه يخاطب المتظاهرين قائلاً (أرفعوا اصواتكم بوجه التآمر على العراق والفتنة الطائفية القذرة والشاملة التي تريد حرقه) ،لأنه يريد بهذا النداء حرف زاوية النظر لدى المتظاهرين والرأي العام في الداخل عن ممارساته القمعية، وقمع الاصوات التي تتظاهر ضد ظلمه وجبروته. أن دعوته بأن الحرب الطائفية على الابواب هي ليست تذكيرا كي تنفع الذكرى، بل هو تهديد مبطن ضد المتظاهرين حينما يقول بأن مايجري في العراق أنما هو مرتبط بما يجري في المنطقة.

أي أنه يريد القول بأن العراق كان في حالة رخاء وأمن وأستقرار، لكن الذي يجري فيه هو حراك طائفي متضامن مع مايجري في المحيط العربي. وهو كــــذب وأفتراء وتقبيح للحراك الذي أنطلق بأرادة أهــــلنا في الانبار والمحافظات الاخرى. أنه اليوم بات يلقي كل موبقات السلوك السياسي على شركائه في الحكم محاولا تنزيه نفسه عن كل الذي جرى، بينما يمتلك كل قوى السلطة ويحتكرها لنفسه دون شريك. فما عدنا نسمع منه الا لغة التنصل من المسؤولية السياسية والاخلاقية والقانونية التي تلبست به، بينما لازال مصرا على المنصب والحكم والعملية السياسية.

لقد تكشفت الكثير من الستر التي كان يتستر بها الغزاة في عمليتهم الخائبة في غزو وأحتلال العراق في الذكرى العاشرة للحدث. وكان الاخير منها هو قيام قادة الاحتلال بتشكيل وتمويل وحدات أمنية خاصة من مليشيات طائفية وبقيادات أمريكية من ما يسمى فرق الحروب القذرة. وتشير المعلومات الى أن هذه الوحدات أنشأت معسكرات أعتقال وتعذيب على أسس طائفية لانتزاع المعلومات والاعترافات، كما أنها ساهمت بدور كبير في أشعال الحرب الطائفية التي أجتاحت البلد. بل تحولت هذه القوات الى فرق موت كانت تستخدم سيارات وهويات وأموال وتسهيلات الاجهزة الامنية التي تعمل فيها، للقيام بأفعال عرف بعضها بينما لازال الكثير خافيا حتى اليوم. وليس مصادفة أن ينطلق الحراك العراقي تزامنا مع هذه الذكرى، ليكشف هو الآخر للعالم أجمع بأن هذه الوحدات الطائفية خرجت مرة أخرى من جحورها، وشهرت سيوفها بوجه المتظاهرين السلميين. فها هو القتل بالكواتم ينطلق في أحياء العراق مستهدفا بشكل خاص كل الداعمين والمشاركين في التظاهر. وها هي دماء الابرياء تسيل في ساحات الاعتصام في الفلوجة والموصل. بينما تنقض وحدات الطاغية في كل ليلة على مساكن قادة التظاهرات كي تعتقلهم وتروع عوائلهم، ثم تصدر البيانات الكاذبة التي تتهمهم بأنهم قاعدة وتكفيريون وماضويون.

يقينا لقد أسقط شعبنا السوط من بين يدي الطاغية وحلفائه الصغار، وبات ذلك السوط لسانا يعترف بكل جرائمهم ضد الشعب والوطن. أنه يوم الحق فأما أنت في خندق الشعب والوطن أو في خانة السلطة ومحازيبها وشركائها، ولسنا بحاجة الى صالح المطلك والصميدعي وخالد الملا وغيرهم ممن يدفنون رؤوسهم في الرمال، ويظهرون عبر شاشات التلفاز في لجان خماسية وسداسية ولجنة حكماء، يعددون أنجازات الحكومة أستجابة لحقوق الشعب. فوعي المتظاهرين للعبة أكبر وأعمق من هؤلاء الذين يسكنون في دور المنطقة الخضراء، وأذا ساروا الى بيوتهم يسيرون وسط الاف الحمايات، أو يركبون السيارات المصفحة المهداة لهم من الطاغية. أنهم صم بكم عمي لأن الضمير وحده هو الذي يرى ويسمع ويصرخ في وجه الظالمين .

===================

هل هناك نظام في العالم يعلن الجهاد ضد شعبه كما في سورية؟!

2013-03-14

القدس العربي

لا يمكن قراءة إعلان الجهاد في سورية للدفاع عن نظام بشار الأسد من قبل مجلس الإفتاء الأعلى في الجمهورية العربية السورية بمعزل عن عدد من العوامل والظروف المحيطة، فانتصارات الثوار السوريين وتحرير محافظة الرقة بشكل كامل وأكثر من خمسة وتسعين بالمئة من محافظة دير الزور وبدء عملية تحرير البادية السورية ومحافظة حمص، والانتصارات في ريف دمشق والوصول إلى ساحة العباسيين خلقت كلها رعبا كبيرا بصفوف المواليين للنظام.

يمكننا القول ان كل شيئا في سورية تغير وبعد أن كان الثوار هم المستضعفون في الأرض انقلبت موازين القوة وأصبح انصار الأسد ورجالاته هم الأضعف فبدأوا يفكرون جديا بماذا سيفعلون، الآلاف منهم قرروا المواجهة حتى الموت وتطوعوا في صفوف جيش الدفاع الوطني الذي يضم مجموعات من المدنيين المتطوعين (الشبيحة) وقسم آخر وهو الأكبر بدأ يفكر بحزم حقائبه.. رجال الأعمال الموالون للنظام هربوا وتركوا دمشق، والآن تعج بهم بعض المدن الاقتصادية التي قررت منحهم تسهيلات للاستفادة من أموالهم كدبي مثلا. في بداية الثورة كان المنشق عن النظام هو من يرسل عائلته إلى الخارج هربا من بطش النظام، أما الآن فانقلبت الآية ونساء آل الأسد وعائلات مسؤوليه كلهم أضحوا خارج البلاد بعد ان اختار أزواجهم ورجالهم المواجهة، وحتى على مستوى الشبيحة الفيسبوكيين لا يملكون الجرأة ليدخالو بأسمائهم الحقيقية، فيما أضحى من المعيب أن يدخل الثائر بحساب وهمي حتى لو كان بيته ضمن المربع الامني في دمشق.

دار الزمن دورته وانقلب السحر على الساحر، وبعد أن كان الثوار يجتمعون في مظاهراتهم ويصرخون الشعب يريد إعلان الجهاد، وكان الناشطون يطالبون على القنوات شيوخ العالم الإسلامي بنصرتهم وإعلان الجهاد والنفير إلى سورية، اليوم تنقلب الصورة رأسا على عقب ومن يعلن الجهاد هو شيخ الشبيحة بدر الدين حسون مفتي الجمهورية العربية السورية الأسدية ومن يطلب النصرة هو الأسد ولكن ممن يطلب النصرة؟ ومن هم الذين يستنصرهم الأسد؟ ينص البيان من مجلس الافتاء الأعلى أن الجهاد فرض عين على كل سوري، ولكن بقراءة للواقع نجد أن البيان غير موجه للشعب السوري، فالأكراد وأهالي المنطقة الشرقية وريف حلب التي كانت خزانا بشريا لجيش الأسد قد تحررت بشكل كامل وبالتالي من المستحيل أن يلتحق أي من أبنائها بالجيش الأسدي، أما أهالي حلب ودمشق والطبقات الراقية فكل أولادهم الذين بلغوا سن خدمة الإلزامية قد أخرجوهم من سورية إلى دول الجوار بانتظار انتهاء الحرب، وبما أنه إعلن الجهاد فإن الطائفة المسيحية غير معنية أبدا.

يبقى لدينا العلويين وهم لا يحتاجون إلى أي فتوى ليقاتلوا في صفوف من اعتبروه إلها وربا لهم وهو بشار الأسد، إذاً أكاد أجزم أن البيان غير موجه للشعب السوري وأكاد أجزم أن وراء الأكمة ما ورائها، وأن البيان لا يتعدى كونه غطاءا لاستجلاب المقاتلين الشيعة من أنصار الأسد للدفاع عن الهلال الشيعي الذي يكاد ينكسر عند أهم شعبة فيه وهي المطلة على البحر المتوسط، والأيام القادمة ستشهد تدفقا لألاف من المقاتلين من شيعة لبنان والعراق وإيران للقتال في صفوف الأسد بحجة هذا الإعلان.

يجدر بنا الإشارة أن هذا البيان يحمل معنى آخر وهو أن قوات الأسد أضحت بحاجة ماسة إلى الرجال، فقوات المعارضة السورية المسلحة هي بمئات الألاف الان، ويكفي توفير شحنات من الأسلحة لتسليح كل شباب إدلب وريف حلب والرقة والعشائر السورية السنية، أما جيش الأسد وطبقا لتقرير أعده مركز أبحاث الحرب الاميركي منذ أيام فإن الجيش السوري النظامي قد تدمر وتحول من جيش منظم إلى ميليشات طائفية، والأسباب واضحة وهي عشرات الالاف من المنشقين عن صفوفه، عشرات الالاف الذين رفضوا التطوع، أعداد القتلى الهائلة في صفوفهم والتي قدرها أحد أعضاء مجلس الشعب الحالي وهو شريف شحادة على قناة الجزيرة بمئة ألف قتيل من الجيش السوري، ويجدر القول أن كتائب كاملة وفرق وألوية من الجيش العربي السوري تم تدميرها بشكل كامل ففوج النقل في الغوطة الشرقية على سبيل المثـــــال تم تدميره من قبل الجيش الحر بشكل كامل والفرقة السابعة عشر في الرقة انتـــهت بشكل كامل، بالإضافة إلى عدة ألوية ومطارات وعشرات الكتائب التي خرجت من الخدمة بشكل كامل،لهذا كان البديل للأسد هو تشكيل ميليشات من الشبيحة وتحــــويلها إلى جيش تم تسميته جيش الدفاع الوطني.

محمد دعاس

===================

إجراءات المركزي السوري "الحاسمة" لضبط الوضعين النقدي والمالي لم تنفع

الليرة السورية خسرت ما بين 50 الى 70% من قيمتها والودائع انخفضت 35%

فيوليت بلعة

2013-03-15

النهار

لا شك في ان الخسائر التي تكبدتها سوريا في عامي الازمة توازي ما كسبته في عقدين من الانفتاح الاقتصادي والتنمية. لا احصاءات رسمية للاضرار الجسيمة في الاقتصاد، لكن يقدّر ان تكون تفاوتت ما بين 46% و81% من الناتج المحلي الاجمالي، اي بين 24 و48 مليار دولار. واجمعت التحليلات على وصف الانهيار الاقتصادي بالـ"قياسي"، مقارنة بدول شهدت نزاعات مسلحة. وكان مأسوياً سقوط الليرة السورية في مرمى الضربات المتتالية، اذ خسرت، أقله، اكثر من 50% من قيمتها واستنزفت احتياطي مصرف سوريا المركزي.

مع استمرار النزاع المسلح في معظم مناطق سوريا، يصعب على الاجهزة المختصة رسميا احصاء الاضرار والخسائر التي خلفتها ثورة الشارع السوري على مدى عامين. لكن، وفق تقرير لـ"المركز السوري لبحوث السياسات"، توزعت الخسائر ما بين 50% في الناتج و43% في مخزون رأس المال، ويتوقع ان تكون أدت إلى نمو سلبي في الناتج بنسبة -18٫8% في 2012، ورفعت عجز الموازنة إلى 18٫5% من الناتج، مما يعني أنه كان للأزمة أثر سلبي في ميزان المدفوعات، ليصل العجز التراكمي إلى 16 مليار دولار يموّل من الاحتياط الأجنبي الذي تراجع من نحو 18 مليار دولار العام 2010 إلى نحو ملياري دولار في 2012.

انعكاس الآثار الاقتصادية والاجتماعية للأزمة تجلّى، وفق التقرير، في ارتفاع الأسعار، الذي كان له تأثيره السلبي على الأسر السورية، اذ سجلت أسعار الغاز والكهرباء أعلى نسبة ارتفاع، يليها الطعام ومشتقات الحليب مروراً بالمشروبات غير الكحولية والسكر، ثم الملابس والأحذية والخبز والحبوب، إضافة إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار الصيانة والتجهيزات. وسجل أعلى معدل ارتفاع للأسعار في محافظة حلب. وتركت العقوبات المفروضة على سوريا أثراً سلبياً على مستوى المعيشة، اذ كبّدت السوريين، ولا سيما الفقراء والفئات الهشة منهم، كلفة اقتصادية مرتفعة، وساهمت في انخفاض رفاه الأفراد، وأعاقت العقوبات تقدم التنمية وزيادة دخل الفرد، مما جعل سوريا في مراتب أدنى من المستوى المتوقع للتنمية البشرية، مقارنة بالتقدم المحقق قبل عقوبات 2011.

وكان قطاع النفط الخاسر الاكبر نتيجة تلك العقوبات وانسحاب الشركات الأجنبية منذ تشرين الأول 2011 وتراجع إنتاج النفط 47% وتراجع الصادرات، ما جعل الانتاج النفطي بالكاد يكفي لتغطية حاجات المصارف المحلية ويفضي إلى خسارة الاقتصاد أحد أهم مصادر القطع الأجنبي، مما انعكس تاليا على مختلف القطاعات الاقتصادية. كذلك، أفضت العقوبات التي شملت قيودا على المعاملات المالية والتأمين والنقل، إلى تعقيدات في استيراد المشتقات النفطية، مثل المازوت والغاز المنزلي، ما تسبب بنشوء أسواق سوداء أثرت سلبا على تكاليف المعيشة للأسر. ورغم اعلان حاكم مصرف سوريا المركزي أديب ميالة انه سيتخذ "إجراءات حاسمة" لوقف ارتفاع الدولار الذي تخطى عتبة الـ110 ليرات سورية مراراً، بعدما كان يعادل نحو 50 ليرة سورية، لم تستطع الليرة الصمود امام الصدمات المتتالية، فخسرت أكثر من 16% من قيمتها أمام الدولار، وواصلت انخفاضها في الـ2012 لتفقد نحو 70% من قيمتها (!) ما ينعكس مباشرة على ارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة وتاليا معدلات الفقر.

الا ان الخبير الاقتصادي السوري محيي الدين قصار رأى ان الدولار قفز خلال الثورة من 47 ليرة للدولار ليصل الى 113 ليرة سورية، مما يعني ان سعره تضاعف بمعدل 2٫3 أو 230% في فترة زمنية قياسية. ومعلوم أن النظام السوري مارس منذ اليوم الأول للثورة، سياسة دعم الليرة مستخدما احتياطي العملة الصعبة المتوافر لدى البنك المركزي، مما دفع الاحتياطي الى الانخفاض من 23 مليار دولار قبل الثورة إلى 5 مليارات دولار بعد 6 أشهر. وهذا يعني، وفق قصار، ان سوريا فقدت 78% من احتياطي العملة الصعبة. وتردد ان الودائع في المصارف السورية الثمانية، تراجعت ما بين 30 إلى 35%، فيما سعى معظم المواطنين والمستثمرين إلى "الدولرة" وتهريب ودائعهم إلى الخارج بعد منعهم من سحبها وبالعملات الاجنبية.

ولأن اقتصاد سوريا اعتمد منذ أكثر من 42 عاما على اقتصاد "دولة الرعاية"، اي قيام الدولة بدعم السلع والخدمات الأساسية للمواطنين، فإن أكثر من 85% من السوريين البالغ تعدادهم نحو 24 مليونا، يعتمدون على دعم تلك الدولة. فلا عجب من حالهم اليوم بعد الاهتزاز القوي الذي اصاب بنياناً أرسى النظام السوري اسسه على مدى اكثر من اربعة قرونّ!

===================

حزب البعث الغائب الأكبر في الأزمة السورية

الجيش صادر دوره والانتفاضة سلبت قاعدته

امين قمورية

2013-03-15

النهار

منذ قرابة سنتين هي عمر الانتفاضة في سوريا، توارت كلمة البعث عن الساحة الإعلامية الساخنة، وغاب تماما أي ذكر لانعقاد مؤتمر أو ندوة أو لقاء للحزب الذي كرّس لعهود متتالية "قائدا للمجتمع والدولة". وخلت شاشات الفضائيات المؤيدة للانتفاضة والمعارضة لها والحيادية (اذا وجدت) من أي وجوه بعثية للدفاع عن النظام، بينما ازدحمت بتخمة من الذين يطلق عليهم لقب محللين سياسيين، سوريين كانوا ام لبنانيين، لملء فراغ غياب الكادر الحزبي المنوطة به مسؤولية "الدفاع عن الحزب والوطن والنظام ".

 

اين هو حزب البعث اليوم ؟ وما هو مصيره ؟ هل هو الذي يقود المعركة ام ان المعركة عرّته من اوراق التوت؟

لم يكن خافياً على احد من السوريين في السابق، ان الحزب ليس سوى مجرد عنوان عريض تدار من تحته ألاعيب السياسة والمناورات، وباسمه كانت تقترف الانتهاكات، ليحول النخبة الحاكمة مصبغة لغسل آثام المستفيدين والانتهازيين واقترافاتهم، لان التأثير لم يكن للقادة الحزبيين اطلاقا، ذلك ان اي ضابط في جهاز الأمن كان من حيث التأثير أهم من كل قادة الحزب على كل المستويات، فهو الآمر والناهي بينما الكادر الحزبي هو المنفذ اذا كان ملائما للتنفيذ.

جاءت الانتفاضة لتكون الضربة القاضية للحزب الذي منحه التعديل الدستوري عام 1973 وضعاً استثنائياً بصفته "قائد الدولة والمجتمع" في سوريا، إلى أن ازيلت هذه الصفة في الدستور السوري الجديد الذي طرح في شباط 2012. هذا الحزب، الذي يُعد الدعامة الأساسية للنظام، والذي بلغ العدد الرسمي لأعضائه 2٫5 مليوني عضو في كانون الثاني2011، يعيش اليوم مرحلة من التفكّك البطيء. فالعزلة التدريجية لكوادر الحزب وأعضائه في ظل تصاعد أعمال العنف، فضلاً عن ازدياد تدخّل الأجهزة الأمنية للدولة في توجيهه، أفشلا محاولاته قيادةَ هجوم سياسي مضاد واستعادة الدعم الشعبي للنظام في الانتخابات العامة التي أُجريَت في أيار 2012، والتي أعقبها انشقاق الكثير من المسؤولين الكبار في الحزب، الأمر الذي ساهم في انهيار مفاصل رئيسية في الإدارة التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحزب البعث.

 كان ينبغي من حيث المبدأ أن تكون القيادة القطرية، كونها الجهاز الأعلى في الحزب، هي المسؤولة عن وضع السياسات العامة للتعامل مع الانتفاضة. لكنها بدلاً من ذلك وجدت نفسها مبعدة الى ادوار ثانوية لمصلحة أجهزة المخابرات وضباط الجيش، الذين فرضوا على البلاد، جنباً إلى جنب مع اللجنة المركزية واللجنة العسكرية للحزب، استراتيجيتهم العنيفة المناهضة للاحتجاجات. وتاليا، فقدت القيادة القطرية سلطتها على الجهاز المدني لحزب البعث، جزئياً، لمصلحة أجهزة المخابرات والجيش. وقد بدا هذا واضحاً، على سبيل المثال، في الانتخابات الداخلية للحزب التي أُجريَت عام 2011 وأوائل 2012. فقد اختار رؤساء أجهزة المخابرات المندوبين الذين يمثّلون المحافظات، بما في ذلك دمشق والسويداء والحسكة وحلب وحماه إلى المؤتمر القطري الحادي عشر للحزب (الذي جرى تأجيله إلى أَجَل غير مسمّى منذ شباط 2012).

ومع إخفاق الجناح المدني في حزب البعث، في القيام بالمهمة الاساسية المنوطة به والمتمثّلة في تعبئة اعضاء الحزب وتأمين الدعم الشعبي المحلي له، تصدت أجهزة الأمن والجيش لهذه المهمة ولا سيّما في المحافظات التي شهدت صراعات مفتوحة مثل حماه وحمص وريف دمشق ودير الزور وحلب. وهكذا صارت كل فروع حزب البعث معطّلة ما عدا فرع الحزب في قوى الأمن، سواء على مستوى المحافظة أو المنطقة. وقد شهد قادة القيادة القطرية ابتعاد، لا بل انشقاق أمناء الفروع الذين يُعَدّون أكبر ممثّلي حزب البعث في المحافظات.

 كانت ظاهرة الانشقاق الحزبي ملحوظة ولا سيما في المناطق التي حصل فيها قمع شرس للتظاهرات، مثل درعا واللاذقية وحماه وحمص. وشيئاً فشيئاً، نأى أعضاء فروع عدة بأنفسهم عن العمليات التي تقوم بها قوات الأمن في مناطق مختلفة في المحافظات الأربع عشرة. وفي حين أحجم الكثيرون عن الانشقاق رسمياً، أوقفوا أي تعامل مع حزبهم.

 اما في "الوحدات الريفية" التي كانت ابرز مداميك الحزب، ولا سيما في حوران وحماه وإدلب وحمص ودير الزور، فكانت وتيرة الانشقاقات اكبر سواء بالالتحاق بالانتفاضة، أو خوفاً من الانتقام، أو لأنهم يعارضون سياسات النظام. ونتيجة ذلك، جرى إفراغ الحزب تماماً تقريباً من العضوية العاملة في المناطق الريفية، التي شكّلت قاعدته الاجتماعية مدى السنوات الأربعين الماضية.

 وفي أواخر كانون الثاني 2011، ادعى الحزب رسمياً أن لديه 2,5 مليوني عضو، بيد أن مسؤولين سابقين في حزب البعث قدّروا أن أكثر من نصف هذا العدد ترك الحزب منذ ذلك الحين.

ونظراً إلى التفكّك وضعف المعنويات، لم تَعُد لدى حزب البعث السوري القدرة على ضمان السير العادي للدولة لا راهناً ولا مستقبلا. ولا يبدو ان ثمة امكاناً لتغيير هذا المسار في سوريا. وهكذا، اذا ما جرى التوصل الى تسوية سياسية للازمة بين النظام والمعارضة فان حزب البعث وان ضمن مكانا له في هذه التسوية، سيكون اشبه بهيكل فارغ من دون أي تأثير بعدما فَقَدَ دعم قاعدته وهياكل السلطة التي بناها في العقود الماضية، وحل ضباط الجيش وأجهزة المخابرات مكان قادته الحزبيين. اما اذا حسمت المعركة لمصلحة المعارضة عسكريا وسياسيا، فالارجح ان مثال حزب البعث العراقي في مرحلة ما بعد صدام سيكون مطبقا على البعث السوري في مرحلة ما بعد الاسد.

===================

زلزال بقوة 7 درجات على «مقياس كيري» * عريب الرنتاوي

الدستور

15-3-2013

هي ليست “زلة لسان” كما قال حسن عبد العظيم رئيس هيئة التنسيق السورية المعارضة، ولكنها ثمرة لحوارات في العمق بين واشنطن وموسكو، قادها ونسقها الموفد الدولي الأخضر الإبراهيمي..جون كيري، يطيح دفعة واحدة بأهم وربما آخر العقبات، على طريق التوافق بين موسكو وواشنطن حول سبل الحل السياسي للأزمة السورية، عندما دعا من أوسلو لحوار بين المعارضة وبشار الأسد.

العاصمتان الأكثر تأثيراً في مجريات الأزمة السورية، باتتا أقرب من أي وقت مضى لتقديم تفسير مشترك لـ”بيان جنيف”، موسكو زعمت بأنه لم يتضمن حديثاً تنحية الأسد أو تنحيه، وظلت تجادل في ضرورة تجاوز هذه العقدة، فيما واشنطن ظلت على موقفها من أن الأسد فقد شرعيته، وأن أوان رحيله أو ترحيله، قد حان..إلى أن جاء كيري، ليعلن أن مشوار الحل، يبدأ من لحظة لقاء وفد الأسد بوفد المعارضة.

والحقيقة المجردة، بعيداً عن سوء الفهم والتأويل، أن ترحيبنا بالتطور الأخير في الموقف الأمريكي، ليس نابعاً بحال من الأحوال من الحرص على بقاء الأسد في موقعه، بل يمكننا القول دون تردد أو تلعثم، أن بقاء الأسد في مكانه بعد مائة ألف قتيل سوري، هو خبر محزن ومؤسف بكل المقاييس والمعايير..لكن الصحيح كذلك أن احتفاءنا بتطور الموقف الأمريكي، ينبعث من إيماننا بالحاجة لبقاء “سوريا التي نعرف”، بعد أن بشرنا وأنذرنا كثيرون، بـ”سوريا التي لا نعرف”.

إن لم تتحرك جماعات الضغط في واشنطن، وتبدأ واشنطن بتوضيح مواقف رئيس دبلوماسيتها، بما يفرغها من أي مضمون عملي، فإنه من المتوقع أن تتسبب هذه التصريحات، بحدوث زلزال (بقوة 7 درجات على مقياس كيري) في مواقف مختلف الأطراف ومواقعها، وستُسرع تداعياته وارتدادته عمليات الفرز والاستقطاب والتحالفات من جديد.

سيكون على المحور القطري – التركي – السعودي، أن يعيد موضعة نفسه، وتعريف أهدافه وتحديد أدواته التي عمل “تسمينها” من أجل الوصول إلى “الحسم” مع النظام، عسكرياً لا سياسياً..مثل هذا التحوّل لن يكون سهلاً على هذا المحور الذي جعلت بعض أطرافه من إيران “العدو الأول” بدءاً من سوريا، فيما مالت أطرافٌ أخرى لاعتبار مصير الأسد، مسألة شخصية (قطر) وحزبية (تركيا)..لكن هوامش المناورة عند هذا المحور محدودة، مهما بلغت قدراتها على شق طرق التفافية.

وسيكون الائتلاف الوطني السوري، المولود الجديد للمعارضة، وممثل سوريا الشرعي الوحيد، أول ضحايا الانعطافة الأمريكية..فهذا الائتلاف الذي لم يبرأ بعد من تداعيات مبادرة رئيسه الشيخ معاذ الخطيب الحوارية ورفضه حكومة “المناطق المحررة”، يعجز اليوم عن عقد اجتماع بنصاب كامل، في ظل تفاقم خلافاته الداخلية، وسيكون للموقف الأمريكي الجديد، أثر في زيادة حدة الانقسام والشقاق داخل الائتلاف.

الشيخ معاذ الخطيب، الذي قيل أنه يفكر بالاستقالة، سيستمد من تصريحات كيري زخماً إضافياً، ولسان حاله سيقول: إذا كانت القوتان العظميان دافعتين باتجاه الحوار والحل السياسي، فهل يعقل أن يظل الائتلاف منقاداً لرغبة قطر وأولوياتها؟.

هل يعقل أن تكون المعارضة “أم الولد”، هي آخر من يستجيب لنداء الحوار؟..وسيجد صقور المعارضة و”عسكرها” أنفسهم في حاجة لإعادة تقييم وتقويم مقارباتهم.

النظام السوري الذي يشعر بالارتياح – دون شك – لتصريحات كيري، سيجد نفسه بعد أن “تذهب السكرة وتأتي الفكرة” أمام حرج شديد، فالحوار بات على “مرمى حجر”، ولن يحول دون التئامه شيء بعد أن أسقط كيري شروطه المسبقة..لكن للحوار مستلزماته وهو يُرتب على النظام مسؤوليات وخطوات، أبعد من مجرد وعدٍ هنا ومحاضرة مدرسية هناك..فهل النظام جاهز للوفاء باستحقاقات الحوار والحل السياسي، وإن لم يفعل، فإلى أي حد، سيكون بمقدور موسكو أن تجاريه، بعد أن تجرعت واشنطن “السُّم” ومعه دعوة “فريق بشار الأسد للجلوس على مائدة الحوار”.

من حق موسكو أن تشعر بالنشوة، فقد أثمر ثباتها على رؤيتها للحل السياسي، عن تبدّل مهم في الموقف الأمريكي..لكن مهمة موسكو ومسؤوليتها تبدأ الآن، تماماً مثلما هو الحال بالنسبة لواشنطن..على الأولى أن تظهر أنها قادرة على ممارسة ضغط حقيقي على النظام لدفعه للوفاء باستحقاقات الحل السياسي، وعلى واشنطن أن تضغط على المعارضة وداعميها، عرباً وإقليميين، من أجل الغرض ذاته، وعلى العاصمتين الدوليتين أن تضغطا معاً لاحتواء أثر الموقف الإيراني وثقله في صنع القرار السوري، وبصورة تجعل من طهران جزءا من الحل، بعد أن ظلت بنظر كثيرين، جزءاً من المشكلة.

سيخرج فرانسوا هولاند وديفيد كاميرن، بعد تصريحات كيري والتبدل في اتجاهات البوصلة الأمريكية، مجللين بالخيبة والحرج..فهما قادا خطاً تصعيدياً لم تجارهما فيه غير الدوحة..وهما يتفلتان للحسم والعسكرة والتسلح والتسليح، وهما يتخيلان أن زمن سايكس بيكو قد عاد، وأن بمقدور المندوب السامي البريطاني أو الفرنسي، أن يختار وفد المعارضة ووفد النظام لحوار سوري، يخص سوريا وحدها..فإذا بهما مرة أخرى، يمثلان دولاً آفلة، لم يبق لديها الكثير لتفعله سوى اجترار ذكرياتها الكولونيالية، سيما بعد أن ثبت بالملموس أن باريس ولندن، ربما كانتا آخر من يعلم عن مجريات الحوار الأمريكي – الروسي.

صحيح أنها استدارة -بلا شك- ليست ثابتة ولا نهائية..لكن الصحيح أيضاَ أن رجلاً بوزن جون كيري وخبرته، ليس من النوع المعتاد على “زلات اللسان” أو إساءة تقدير المقام والمقال..والأرجح أن موسكو التي انتظرت بفارغ الصبر، حدوث تطور كهذا، لن تدعه يمر دون استثمار أو توظيف، وصولاً لوضع حد لمسلسل تدمير سوريا ومحوها عن خريطة المنطقة.

========================

فليحاور كيري الأسد أولا!

غسان المفلح

السياسة 15/03/2013

قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري "العالم يريد وقف القتال, ونريد أن نرى الأسد والمعارضة السورية تأتي إلى طاولة الحوار لخلق حكومة انتقالية بناء على إطار العمل الذي وضع في جنيف", في إشارة إلى اتفاق جنيف الصيف الماضي. وأضاف كيري خلال مؤتمر صحافي مع نظيره النرويجي إسبن بارث إيد بعد لقائهما في واشنطن عصر أول من أمس "هذا ما ندفع من أجله, وحتى يحدث ذلك لا بد أن يغير الأسد حساباته, فلا يظن أنه قادر على إطلاق النار إلى ما لا نهاية, ولا بد أيضا من معارضة سورية متعاونة تأتي إلى الطاولة, ونحن نعمل من أجل ذلك وسنستمر في ذلك".

تعود العلاقة الشخصية التي تربط وزير الخارجية الاميركي بعائلة الأسد لأكثر من عقدين من الزمن, وقد توطدت اكثر بعد خروج الجيش الاسدي من لبنان عام 2005 وكان السيناتور جون كيري احد اهم العرابين في التفاوض من أجل انقاذ العصابة الأسدية من براثن المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري, ورفع الحصار عن العصابة بعد ذلك, وكتبت منذ تلك الايام عن هذه العلاقة, وعندما طرح اسم جون كيري لتسلم حقيبة "الخارجية" كتبت أن اهم سبب في تولي كيري لهذه الحقيبة هو معرفته بالملف السوري وعلاقته الشخصية بالعصابة الأسدية, محذرا من اعادة تأهيل العصابة الأسدية دوليا خصوصا وان الغطاء القانوني الدولي لم يرفع عنها, وطرحت في هذا السياق المثال السوداني, حيث اعيد تأهيل الجنرال عمر البشير بعد ان صدر قرار من المحكمة الجنائية الدولية باعتقاله لمشاركته في جرائم ضد الانسانية, و ثمن ذلك حصول جمهورية جنوب السودان على استقلالها, وتقاسم النفط السوداني مع الصين.

لم ينتظر جون كيري طويلا ليعلن رغبته في معالجة الملف السوري وكأنه وسيطا للعصابة الأسدية بالدرجة الأولى, لاسيما وأنه كما ذكرت الوضع القانوني الدولي للعصابة الأسدية إسرائيليا اسهل بكثير من وضع الجنرال عمر البشير, من جهة أخرى علينا ان نعرف ان جون كيري أيضا مع تأهيل النظام الايراني عبر احتواءه حواريا, مع المحافظة على نظام الملالي, وسترى المعارضة الايرانية ضغوطا اميركية جديدة عليها أيضا. هذه الستراتيجية ليست بعيدة عن ستراتيجية الطاقم المقرب جدا من باراك اوباما داخل البيت الابيض, وهذا كان بخلاف موقف هيلاري كلينتون في الخارجية وموقف بعض صقور الكونغرس والبنتاغون, وبتعيين كيري يكون اوباما قد ضمن تواطؤه مع العصابة الأسدية في "الخارجية" أيضا.

على هذا الاساس تم اللقاء بين جون كيري والشيخ معاذ الخطيب في روما والذي وعد فيه بتقديم الدعم الانساني للمعارضة السورية ومع ذلك لم تر هذه المعارضة شيئا..لكن كل هذا لا يجعلنا نغلق دائرة الستراتيجية الاميركية على هذا الخيار لأنها لاتزال ستراتيجية مفتوحة على كل الخيارات, رغم ما يريده كيري واوباما, وتنحية هذا الخيار هو مسؤولية المعارضة السورية وقوى الثورة, وكي لانكون سلبيين في رفضنا لمبادرة كيري هذه, نقول للسيد وزير الخارجية الاميركية اذهب إلى دمشق وحاور العصابة الأسدية, قبل أن يورط المعارضة السورية في لعبة تاهيل العصابة الأسدية, وليصدر بناء على جنيف قرار من مجلس الامن يوقف القتل اليومي الذي تمارسه العصابة الأسدية, وبعدها يمكن للمعارضة السورية أن تتقدم بخطواتها.

عندما يطرح الحوار بهذه الطريقة يخيل لبعضنا ان هناك اتفاقا اميركيا روسيا, حسنا مادام هناك اتفاق اميركي ¯ روسي ما المانع من صدور قرار من مجلس الامن يحض على الحوار والانتقال السياسي السلمي بعد وقف القتل ووفقا لجنيف هذا? لم يقل لنا جون كيري بناء على أي معطيات يريد هذا الحوار من المعارضة? ليحاور هو اولا وبعدها نرى, لأنه في حال فشل الحوار يتحمل لوحده مسؤولية هذه الخطوة ولا تتحمل نتائجه الثورة السورية.

* كاتب سوري

 ghassanmussa@gmail.com

===================

كابوس المشرق العربي

تاريخ النشر: الجمعة 15 مارس 2013

حازم صاغية

الاتحاد

تركت الثورة والأزمة السوريّتان، وتتركان، تأثيرات عميقة على جميع الدول المجاورة لسوريّا، بما فيها الدول غير العربيّة منها. وهذا التأثير إنما يتعدّى، في معظم الحالات، الترتيبات العسكريّة والاستراتيجيّة للحكومات ليصل إلى عمق التراكيب الداخليّة للمجتمعات نفسها. ففي تركيا، لم يعد سرّاً أنّ الأقليّة العلويّة ليست على انسجام مع النهج الذي تنتهجه حكومة حزب العدالة والتنمية حيال الموضوع السوريّ. ويمكن قول الشيء نفسه عن الأقليّة الكرديّة في تركيا، اللهمّ إلا إذا استُكملت العمليّة التسوويّة الجارية بين حكومة أردوغان وحزب العمّال الكردستانيّ، وتكللت بالنجاح، كما انعكست على المواقف الخارجيّة. فإذا أضفنا اعتراضات أخرى على سياسة أردوغان في بيئات يساريّة وعلمانيّة متشدّدة، كما في دوائر عسكريّة مشبعة بالوعي الأتاتوركيّ، فهمنا واحداً من الضوابط التي حدّت وتحدّ من المبادرات الرسميّة التركيّة.

وغنيّ عن القول إنّ إيران، وإن لم تكن على جوار جغرافيّ مباشر مع سوريا، باتت تربط استقرار نظامها السياسيّ بمستقبل نظام الأسد في دمشق، فيما يميل أغلب المحللين إلى ربط المآلات السوريّة المحتملة بما يمكن أن يجدّ على جبهة "الملفّ النوويّ" الإيرانيّ، والعكس بالعكس. وهذا جميعاً ما يفسّر درجة التورّط الذي يمارسه النظام الخمينيّ في الشأن السوريّ. وبدورهم، لا يتكتم السياسيّون الإسرائيليّون، ومعهم رهط من المحللين الاستراتيجيّين، على أهميّة ما يجري في شمالهم الشرقيّ وانعكاسه على أمن الدولة العبريّة وعلى موقعها المستقبليّ في منطقة الشرق الأوسط. وعلى امتداد العامين الماضيين كانت قد تكاثرت التحليلات والتسريبات الصحفيّة حول "النصائح" الإسرائيليّة للولايات المتحدة بعدم التدخل في أمر سوريا ما دام الأمر دون سقف السلاح الكيماويّ ووصوله إلى أطراف راديكاليّة مثل "القاعدة" و"حزب الله".

أمّا الأردن، فلا يزال محاولاً التوفيق بين اعتبارات داخليّة وأهليّة شتى، فضلاً عن العوامل والاعتبارات الإقليميّة والدوليّة والاقتصاديّة التي تستشعر عمّان حدّتها وخطورتها. وهذا كله بات مضبوطاً بدقة على إيقاع وجود الإسلاميّين هناك.

ولقد قيل مراراً، وبحقّ، إنّ الرقعة العريضة للتأثر بالحدث السوريّ ناجمة عن أهمية سوريا الاستراتيجيّة والسياسية، فكيف حين نضيف طبيعة النظام الأسديّ منذ 1970، الذي أزاح كل الحدود بين الداخل والخارج مقيماً سياسته على "الأوراق" التي تتيح له المقايضة مع سائر البلدان، المجاورة وغير المجاورة، في المنطقة.

ومع هذا يبقى العراق ولبنان شيئاً آخر، بمعنى أنّ النزاع السوري يتحول إلى المكوّن الأهم والأكثر أساسية في سياستهما وفي اجتماعهما، أو بالأحرى في احتمالات انفراط هذا الاجتماع. وتشي بذلك أحداث وحالات متفرقة كإصرار النظام السوري على إبقاء حدوده مع هذين البلدين مفتوحة من أجل حصوله على ما يحتاجه من سلع وإمدادات، وربما مقاتلين، أو محاولة الوزير اللبناني السابق ميشال سماحة، حليف دمشق الراسخ، نقل متفجرات إلى لبنان بالترتيب مع أجهزة أمنية سوريّة، أو التصريح الأخير للمالكي بأنّ زوال نظام الأسد سوف يدرج المنطقة برمتها في أتون حرب طائفية ومذهبية. وهذا كي لا نشير إلى التقارير المتزايدة عن ضلوع عناصر من "حزب الله" اللبناني ومن أطراف شيعية عراقية في القتال الدائر بين السلطة والمعارضة في سوريا.

وتلك الأمثلة، وهناك عشرات غيرها، تنمّ عن مدى التصدّع الذي يعانيه كل من لبنان والعراق في نسيجهما الوطني، وعن مدى الضآلة في الإجماعات التي تربط العراقيين واللبنانيين. والحال أن الثورة والأزمة السوريتين جاءتا تكشفان عن هذا التصدّع السابق عليهما، إلا أنهما أيضاً جاءتا تزوّدانه بأدوات تفجير نوعية وغير مسبوقة.

فالعراقيون، منذ أطاحت الولايات المتحدة نظام صدّام في 2003، يكشفون عن عجزهم المتواصل عن بناء صيغة سياسية مستقرة. وإلى عوامل عدة في عدادها موضوع كردستان العراق وعلاقته بالمركز البغدادي، يبقى التنازع السنّي- الشيعيّ أبرز معوقات التوصل إلى تلك الصيغة العتيدة. فقد قرئ التحول الذي حصل في 2003 بوصفه انتقالاً للسلطة من السنة، وهم قاعدة السلطة تقليديّاً في العراق الحديث، إلى الشيعة. وكلنا يذكر أعمال العنف والإرهاب التي انفجرت في 2006 وحولت الموت والقتل إلى سلعة التبادل الأساسية بين الطائفتين الكبريين. ومؤخراً، ومع التزامن بين الثورة السورية والانتفاضة التي انطلقت من الأنبار في العراق، غدت الحدود واهية جداً بين العنفين السوري والعراقي، بحيث جاء مقتل عدد من الجنود السوريين داخل العراق إشارة بليغة إلى هذا الواقع المستجد. وهذا التوتر المتصاعد إنما يرفده تعاظم النفوذ الإيراني في بلاد الرافدين، مصحوباً بسياسة تكاد تكون منهجية في محاصرة واستبعاد الرموز السُّنية واحداً بعد الآخر.

أما في لبنان، فمنذ اغتيال الحريري في 2005، والعلاقات السنية- الشيعيّة تتردّى من سيّئ إلى أسوأ. يكفي التذكير بأنّ "حزب الله"، وفيما كان قطاع عريض من اللبنانيين يتهم النظام السوري بقتل الحريري، دعا إلى تظاهرة كبرى عنوانها "الوفاء لسوريا". وحين اتهم أربعة من عناصر الحزب بدور ما في مصرع الحريري، رفض تسليمهم كما رفض كل ما يصدر عن المحكمة الدولية. وهذا وسواه محكومان بالتمييز الذي يضمنه لـ"حزب الله" احتفاظه بسلاح أقوى بلا قياس من سلاح الدولة اللبنانية نفسها.

وغني عن القول، إن قطاعات سنية عريضة في العراق كما في لبنان باتت ترى في الثورة السورية عنصر إنجاد في مواجهة نظامين تصفهما بالانحياز للشيعة. وفي المقابل، فإن قطاعات شيعية عريضة في البلدين ترى في تلك الثورة ما يشبه الانتقام السني الذي يتهدد الشيعة بإخضاع لا يحول دونه إلا نظام الأسد وتحالفه مع إيران.

والخوف كلّ الخوف هو أن يزول ما تبقى من حواجز بين أوضاع سوريا وكلّ من العراق ولبنان، بحيث نجدنا أمام نزاع دمويّ مفتوح وعابر للحدود بين السنة والشيعة. وهذا ما سيغدو كابوس المشرق والعالم العربيّين لسنوات قد تكون مديدة.

===================

تسليح ثوار سوريا.. القرار إنساني

الوطن القطرية

التاريخ: 15 مارس 2013

 رفض الاتحاد الأوروبي، تسليح ثوار سوريا، لكن يحمد لبريطانيا وفرنسا- معا- الخروج من (النص) الأوروبي، لصالح (النص) الإنساني.

قرار الاتحاد الأوروبي، لم يعد معقولا، ولا مقبولا، والأسد لا يستحي ولا يخاف ولا يرعوي، وآلياته الفظائعية ترتكب- في كل يوم جديد- المزيد من الفظائع، وشبيحته يسيّلون المزيد من الدم.

إزاء هذه (اللامعقولية) التي تقول للنظام القاتل اقتل أكثر، وتقول للثوار موتوا، ولا من مروءة ولا من عزاء، كان القرار البريطاني- الفرنسي، وهو القرار الذي ظل يطالب به الثوار.. ويطالب به أنصار الثورة السورية في العالم، ويطالب به أنصار حماية الحياة، من كل أشكال المجانين، والمستبدين الفظائعيين، صناع الموت بالجملة.

القرار المزدوج، هو قرار (أخلاقي) ينسجم مع كل قرارات حماية المدنيين، في مواثيق (الأمم) ومنظماتها المعنية بحقوق الإنسان.. وهو قرار(إنساني) لأنه في جملة واحدة، قرار يقف إلى جانب حماية الحياة، في زمان الترويع والقتل والاستهانة بأنصار المروءة.. الأحرار في العالم.

ما يضحك.. بل ما يثير السخرية، بل الازدراء، أن النظام السوري الذي ينتهك انتهاكاً سافراً قانون الحياة، في معناها الرحيم المسالم: يقتل، ويمعن في القتل.. يشرد ويمعن في التشريد، يدمر ولا يبالي- اعتبر تسليح من يقاسون من نيرانه الضارية «انتهاكا للقانون الدولي، وبشكل سافر»!

قلنا كثيرا، إن النظام السوري لا يستحي، وها هو الآن- بهذا الاعتبار الفج- يؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أنه لا يستحي فعلا، في رمى الآخرين، بما كان حريا به، أن يرمي به نفسه.. نفسه الأمارة بكل سوء!

النظام السوري، هو نظام الانتهاكات المخزية. يكفي أن نقول إن رئيسه ينتهك حق شعبه في الحياة.. يكفي أن نقول عنه إنه رئيس يقتل شعبه!

===================

تلازم السكتين السياسية والعسكرية في المعركة على سورية

راغدة درغام

الجمعة ١٥ مارس ٢٠١٣

الحياة

بوصلة المواقف المتأرجحة للإدارة الثانية للرئيس باراك أوباما، حطت إبرتُها هذا الأسبوع على التالي:

* انقلاب على مواقف الإدارة الأولى في ما يتعلق بتفسير اتفاق جنيف بين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، لجهة دور الرئيس السوري بشار الأسد في العملية السياسية الانتقالية في سورية، وذلك بإعلان وزير الخارجية الجديد جون كيري أن واشنطن تريد أن «يجلس الأسد والمعارضة السورية إلى طاولة المفاوضات بغية تشكيل حكومة انتقالية ضمن الإطار التوافقي الذي تم التوصل إليه في جنيف».

* ضربة مسبقة للمواقف الخليجية قبل انعقاد القمة العربية في الدوحة، للتأثير في التنسيق السعودي–القطري الذي انطلق الأسبوع الماضي بعدما غادر جون كيري الدوحة بمواقف مختلفة عن التي أعلنها هذا الأسبوع، من أبرزها الفصل بين تسليح المعارضة المعتدلة والمعارضة المتطرفة، والعودة إلى وصف بشار الأسد بأنه «فقد شرعيته» و «الأسد قرر تدمير البلاد ليستمر في الحكم».

* التسليم بأن موسكو لن تتراجع عن تمسكها بالأسد، سيما وأنها اعتبرت الرئيس السوري «خطاً أحمر»، وبالتالي التنازل أمام فكرة قيادة روسية للملف السوري، أملاً بتنفيذ الروس وعودهم بانتزاع تنازلات من الرجل الذي يدعمونه والنظام الذي يمدونه بالمعونة السياسية والعسكرية، أي أن جون كيري تأرجح على أوتار الانعزالية ثم وقع خياره –هذا الأسبوع على الأقل– على تقديم التنازلات للروس، على أمل انتزاع الروس التنازلات من النظام السوري.

* بروز إما تناقض أو استهتار أو توزيع أدوار بين الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، إذ إن ما أعلنه وزير الخارجية الأميركي بتسميته الرئيس السوري محاوراً بالاسم، يناقض كلياً مواقف نظيريه البريطاني والفرنسي، وهما حليفاه في مجلس الأمن، ويناقض أيضاً مواقف سلفه هيلاري كلينتون. إضافة إلى أن كلام كيري أتى في اليوم التالي لتصريحات نظيره الفرنسي لوران فابيوس بأن الديبلوماسية الأميركية والفرنسية والروسية تبحث عن أسماء مقبولة تمثل النظام السوري في المفاوضات وليس بشار الأسد.

* سحب البساط من تحت أقدام المعارضة السورية، ذلك أن موقف كيري الجديد قد يؤدي إلى تأجيج النزاعات داخل «الائتلاف»، وربما استقالة أو إقالة رئيسه معاذ الخطيب، هذا ما لم يكن تم تكبيل هذه المسألة مسبقاً، إما مباشرة أو عبر الممثل الأممي والعربي في المسألة السورية الأخضر الإبراهيمي.

* إعطاء زخم نوعي لمبادرة الإبراهيمي، المنطلقة من تحييد عقدة مشاركة الأسد أو عدم مشاركته في المفاوضات من أجل حلحلة التزمّت في المواقف المختلفة للدول الخمس التي تملك حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، فأسلوب الإبراهيمي قام حتى الآن على أمرين: القفز على «عقدة الأسد» لبدء الحوار والمفاوضات، واعتبار «الحل السياسي» لا العسكري، الحلَّ الوحيد، وهذا ما يبدو أنه حققه هذا الأسبوع، عبر اللغة التي تبناها وزير الخارجية الأميركي.

ليس واضحاً إن كان التغيير الذي طرأ على المواقف الأميركية جزءاً من تفاهمات جلية مع الديبلوماسية الروسية أم استثماراً اعتباطياً لإدارة لا تريد أن «تملك» وحدها سورية المشرذمة المدمرة، التي باتت ساحة حروب بالنيابة.

الواضح أن جون كيري قضى على الاعتراضات التي تبنتها هيلاري كلينتون سوية مع شركائها الأوروبيين منذ بدء الجدل على تفسير اتفاق جنيف لجهة دور الرئيس السوري في العملية السياسية الانتقالية، ولجهة مصير بشار الأسد نتيجة العملية الانتقالية. كلينتون اتهمت نظيرها الروسي سيرغي لافروف بأنه خدعها باعتماده تفسير التمسك بالأسد، ما منع مجلس الأمن من التوافق، وأدى إلى شلل تام للديبلوماسية الدولية واستحالة استصدار قرار عن مجلس الأمن. كيري شن انقلاباً على مواقف كلينتون وحَسَمَ كونَه مع وجهة النظر الروسية. كلينتون انطلقت من قول رئيسها باراك أوباما بأن على بشار الأسد أن يتنحى، أما كيري فانطلق من مفهومه لما يريده رئيسه في الإدارة الثانية، وهو استخدم السلّم الذي توفره له جهود الإبراهيمي للتسلق هبوطاً من شرط التنحي المسبق.

موقف كيري يمهد الطريق نحو تفعيل مساعي الإبراهيمي القائمة على صياغة أرض مشتركة بين الولايات المتحدة وروسيا تؤدي إلى إطلاق العملية الانتقالية السياسية بمشاركة الأسد، أو عدم استبعاده على الأقل، مع سحب اشتراط تنحيه أو ترحيله. هذه المساعي تشترط أيضاً التوقف عن تمكين الحل العسكري وإيقاف الدعم العسكري لجميع الأطراف، النظام والمعارضة

روسيا تزعم أنها توقفت عن الإمدادات العسكرية للنظام في دمشق، باستثناء تلك التي تقع تحت عقود قديمة، ما يعني أن النظام السوري ما زال يتلقى السلاح الروسي. موسكو تريد في الوقت ذاته أن تضغط واشنطن على دول مجلس التعاون الخليجي، بالذات المملكة السعودية العربية وقطر، كي لا تمدّا المعارضة السورية بالسلاح، وذلك تحت عنوان لجم الحل العسكري واحتواء أي تسليح إما للجهاديين المتطرفين أو للمعارضة المعتدلة.

لا موسكو ولا واشنطن قادرة على لجم أو احتواء الدعم الإيراني المباشر أو غير المباشر للنظام في دمشق، بسلاح أو عتاد أو رجال. كلام الديبلوماسية الروسية عن قدرتها في التأثير في ايران هو بدوره كلام يتأرجح تارة على تعهدات عائمة بضمان هذا وذاك، وتارة على اعترافات بأن لا نفوذ جدياً لموسكو مع طهران عندما يتعلق الأمر إما بالملف النووي أو بالدور الإقليمي الذي تريده طهران، فإيران واضحة في اعتبارها الحرب السورية حربَها، وإصرارِها على منع خسارة استراتيجية لها في حال سقوط النظام في دمشق.

ما يحدث الآن يمكن اعتباره إعادة الترتيب والاصطفاف الإقليمي والدولي حول الحدث السوري، الذي تحوّل الى مأساة جماعية وكارثة على جيل بكامله، وربما أجيال.

فلقد عاد التسابق والتزامن ما بين سكة الحلول العسكرية وسكة الحلول السياسية، بل إن هناك في بعض الحالات عزم على تغيير الموازين العسكرية على الأرض –عبر التسليح– من أجل دعم الديبلوماسية وإجبار مجلس الأمن على اتخاذ قرارات.

السلاح من أجل الديبلوماسية قد يبدو عنواناً متناقضاً، لكن هذا جزء مما قررته دول فاعلة في مجلس التعاون الخليجي، فهي تريد دعم جهود الإبراهيمي وفك الشلل عن مجلس الأمن. رأيها اليوم هو أن ذلك ليس ممكناً سوى عبر تغيير موازين القوى العسكرية على الأرض، ولذلك ستشهد المرحلة المقبلة منذ الآن فصاعداً استعمال مزيج من «البندقية والسياسة» من أجل التوصل إلى الهدف الذي تريده دول مجلس التعاون الخليجي، وهو -وفق قول أحد الخليجيين المخضرمين في قراءة هذه المواقف- منطقة خالية من الأسد، وسورية لا تمتلكها ايران. بكلام آخر، الأرجح أن يتزايد تسليح المعارضة السورية لتغيير موازين القوى العسكرية التي ستكون لمصلحة النظام بسبب الدعم الإيراني والروسي العسكري له، فمن دون ذلك ترى الديبلوماسية الخليجية أن روسيا لن تسهّل المهام التي يقودها الأخضر الإبراهيمي نحو حل سياسي، وترى أن الجمهورية الإيرانية قد تحقق نصراً استراتيجياً على حساب هذه الدول إذا لم تستثمر جدياً في قلب الموازين العسكرية على الأرض.

وهكذا، سيمتد التلازم بين السكتين السياسية والعسكرية في المعركة على سورية، فاليوم تبدو الولايات المتحدة وروسيا في تفاهم ثنائي على السكة السياسية، بعدما وضع جون كيري ثقله وراء حل سياسي بالشراكة مع روسيا وقيادتها، ولا يستبعد الأسد، وهذا منعطف مهم يمكن أن يؤدي إلى إثمار جهود الإبراهيمي، لكن يمكنه أيضاً –من جهة أخرى– أن يلاقي الفشل الذريع.

بالموازاة، تبدو الإدارة الأميركية في نوع من تفاهم مع دول مجلس التعاون الخليجي على ضرورة الحرص والحذر عند تسليح المعارضة المعتدلة وضمان عدم سقوط الأسلحة في أيادي «جبهة النصرة» وأمثالها، فهناك ملامح «هز الرأس»موافَقةً على ضرورة تغيير المعادلة العسكرية على الأرض كي تكون الموازين العسكرية الجديدة حافزاً لتنازلات روسية ومادةً للتأثير في المساهمات الإيرانية المباشرة في الحرب السورية والمكلفة جداً. بريطانيا وفرنسا دخلتا طرفاً في معادلة تسليح المعارضة، وهذا تحول مهم أيضاً.

ومهما كانت تسميةُ هذه التفاهمات: عسكرةً للنزاع أو تسييساً له، فإن السباق والتلازم في المعركة على سورية خلَّف كارثة على أطفال سورية يجب على جميع المعنيين إيلاؤها أولوية واتخاذ إجراءات فعلية وفاعلة من أجل مد المعونة.

فوفق تقرير الوكالة الدولية المعنية بالأطفال «يونيسف»، بلغ عدد الأطفال الذين تضرروا من الأزمة السورية مليوني طفل سوري، أي نصف المتضررين داخل سورية الذين يقدر عددهم بـ 4 ملايين متضرر.

هناك الآن 800 ألف طفل لاجئ خارج البلاد، نصف مليون منهم في لبنان والأردن وتركيا والعراق ومصر، وفق «يونيسف»، التي أعلنت أنها تواجه نقصاً حاداً في التمويل وقد تضطر إلى تقليص مساعدتها قبل نهاية هذا الشهر. إنها في حاجة الى 195 مليون دولار لتلبية الحاجات الأساسية للأطفال والنساء المتضررين، وهذه مبالغ يُفترض بالدول الخليجية وحدها ان تكون قادرة على توفيرها فوراً، رحمة بأطفال سورية على الأقل.

«أنقذوا الأطفال»، وهي منظمة خيرية بريطانية أصدرت تقريراً هذا الأسبوع بعد مرور سنتين على اندلاع النزاع في سورية جاء فيه أن الأطفال السوريين يواجهون الأمراض وسوء التغذية والصدمات النفسية الحادة، إضافة إلى إرغام الفتيات على الزواج المبكر والسجن والاغتصاب. جاء في التقرير أن طرفي النزاع يجندان أكثر فأكثر فتياناً للقتال، بل ولاستخدامهم دروعاً بشرية، جاء فيه أن «الاغتصاب يجري استخدامه بشكل متعمد لعقاب الناس».

هذا ما يحدث لأطفال سورية، فيما السباق بين مساري السياسة والبندقية يستعر وينذر بمرحلة تصعيدية آتية. هذا ما لم تحدث معجزة، عبر تفاهم أميركي–روسي ثنائي على مختلف المقايضات المطروحة كبنود في «الصفقة الكبرى»، فكلاهما يعيد التموضع، شأنه شأن اللاعبين الإقليميين والمحليين. وفي أفضل الحالات، لربما انطلقت المفاوضات على عملية سياسية انتقالية بموازاة تطورات الساحة القتالية، يرافقها توزيع أدوار دولية وإقليمية في سورية مابعد الاقتتال.

 

===================

هل يمكن إنقاذ سورية من الدمار؟

باتريك سيل *

الجمعة ١٥ مارس ٢٠١٣

الحياة

بلغت الحرب الأهلية التي اندلعت في سورية منذ سنتين منعطفاً خطيراً للغاية. فإما أن يستمر طرفا النزاع في خوض معركة الحياة والموت وإما أن يقررا البحث عن تسوية – غير متكافئة بالطبع على غرار التسويات كافة – من شأنها وضع حدّ لإراقة الدماء وإنقاذ بلدهما من التقسيم ومن تدمير كيانه كلاعب أساسي على ساحة الشرق الأوسط. هذا هو الخيار الذي يواجه النظام وأعداءه على حدّ سواء.

ساهمت القوى الخارجية في الكارثة الحالية. فينبغي عليها أن تقرّر بدورها ما إذا كان يجب أن تمضي قدماً على أمل الحصول على مكاسب قد تحسّن موقعها أو على العكس أن تشجّع مختلف الفصائل المتناحرة في سورية على تسليم أسلحتها وعلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات.

أما العامل المشجّع نسبياً في هذا الوضع القاتم فيتمثّل في إدراك الولايات المتحدّة وروسيا على ما يبدو أنّ أفضل طريقة لمنع التقسيم الكارثي لسورية – الذي قد يشكّل صيغة لحرب عصابات غير متناهية – تكمن بالإشراف معاً على عملية انتقال سياسي ديموقراطي. وتقضي الخطوة الأولى الضرورية في اتجاه تحقيق نتيجة مماثلة بوقف القتال من خلال فرض حظر على الأسلحة على طرفي النزاع. بينما تقوم الخطوة الثانية على استبعاد جميع الأشخاص المتشددين الذين يرفضون التسوية وجمع الأشخاص الوطنيين من كل الفئات الذين يرغبون في إنقاذ بلدهم من إراقة المزيد من الدماء ومن الدمار مع بعضهم بعضاً.

إلا أننا لا نزال للأسف بعيدين من بلوغ هذا الحلّ السعيد. فلا يمكن بسهولة نسيان أو الصفح عن الضرر البشري والمادي الهائل الذي وقع خلال السنتين الماضيتين. لقد فرّ أكثر من مليون سوري إلى الدول المجاورة بحثاً عن ملاذ آمن. كما تهجّر مليون شخص آخر في الداخل. ولا يمكن إحصاء الكلفة التي تكبّدها هذا البلد. فقد وصلت حصيلة القتلى إلى نحو 70 ألف شخص.

كانت سورية لاعباً أساسياً على ساحة الشرق الأوسط خلال العقود الخمسة الماضية. ولا بدّ من أن يؤدي انهيارها – وهذا ما نشهده بالفعل – إلى تبعات واسعة النطاق. كيف سيؤثر انهيار سورية في مستقبل مختلف القوى في سياسة الشرق الأوسط؟ وما الذي يحمله المستقبل للاعبين الآخرين الضالعين في النزاع؟ تمّ جرّ الدول المجاورة كافة مثل تركيا وإيران والعراق ولبنان وإسرائيل والمملكة العربية السعودية وقطر إلى المعركة بطريقة أو بأخرى. ونحن نمرّ في فترة غموض إقليمي كبير. فمن سيجرؤ على توقّع نتيجته؟

يبدو أنّ الثوّار السوريين الذين ثاروا ضد نظام الرئيس بشار الأسد منذ سنتين تأثروا بالتدخّل الغربي الذي أطاح العقيد معمّر القذافي في ليبيا. ولا بدّ من أن المثال الليبي ضلّلهم ليعتقدوا أنه في حال ثاروا قد يهرع الغرب إلى مساعدتهم. وشكّل ذلك على الأرجح خطأهم الأكثر فداحة. فهم يتذمرون من نقص الدعم الخارجي للثورة ويمارسون الضغوط للحصول على المزيد من الدعم. ويتمّ حالياً تسليح بعض المحاربين المعارضين السوريين كما أنّهم يتلقون التدريبات من المدربين الغربيين في الدول المجاورة، لكنّ نطاق هذه التدريبات عاجز عن قلب الطاولة نهائياً ضد النظام.

في بداية النزاع، يبدو أنّ الرئيس بشار الأسد أخطأ حين ظنّ أنّ موقفه الوطني ومعارضته إسرائيل سيحميانه من تفجر العصيان الشعبي. ويبدو أنّ خطأه الفادح يكمن في فشله في إدراك مكان وجود القوى المتفجرة في المجتمع السوري. فلو كان يعرف مكانهم بالفعل، فقد فشل في التحرّك لتنفيسهم.

من هم جنود المشاة في الثورة السورية؟ أولاً، إنهم أشخاص عاطلون من العمل وشبه مثقفين وقعوا ضحية الانفجار السكاني في سورية خلال السنوات الأخيرة. حين وضعتُ أول كتاب لي حول سورية في الستينات (بعنوان «النضال من أجل سورية» الصادر عن منشورات جامعة أوكسفورد عام 1965)، كان عدد السوريين يبلغ 4 ملايين نسمة، أما اليوم فهو يبلغ 24 مليون نسمة. ليست سورية بلداً ثرياً. ومقارنة بإمارات الخليج – أو مقارنة بالمملكة العربية السعودية أو إيران أو تركيا – تعدّ سورية بلداً فقيراً. كما ثمة عدد كبير من الشبان في المدن السورية اليوم عاطلين من العمل.والأسوأ حالاً هم ضحايا موجة الجفاف في الريف التي سجّلت رقماً قياسياً في تاريخ سورية من عام 2006 لغاية عام 2011، ما أجبر مئات الآلاف من الفلاحين على الرحيل عن أرضهم وعلى ذبح حيواناتهم وعلى الانتقال إلى أحزمة الفقر حول المدن. وعام 2009، أشارت الأمم المتحدّة والهيئات الأخرى إلى أنّ أكثر من 800 ألف سوري خسروا مصدر عيشهم نتيجة الجفاف الكبير. ومن أجل إنقاذ حياتهم وحياة أولادهم، فرّوا إلى المدن.

ومن الواضح أنّ الرئيس بشار وحكومته لم يبذلا جهوداً كافية من أجل مساعدة الفلاحين الذين تضرّروا نتيجة الجفاف أو من أجل إنشاء فرص عمل للأشخاص العاطلين من العمل في المدن. كان يجب أن تقوم أولويتهما الملحّة على إطلاق برامج أساسية لمساعدة هاتين الفئتين من الضحايا. وكان بوسع سورية ضمان المساعدة المالية من دول الخليج أو المنظمات الدولية في حال طلبتها. بدلاً من ذلك، ركّز النظام على الترويج للسياحة وعلى إعادة تأهيل المدن القديمة في دمشق وحلب وشبكة واسعة من المتاحف وعلى تشجيع استخدام الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي. وأفادت هذه السياسات الرائعة بحد ذاتها طبقة بارزة جديدة وصغيرة إلا أنّها لم تفد الفقراء في المدن وفي الريف الذين كانوا بحاجة ماسة إلى المساعدة.

والجدير ذكره أنّ انتباه الرئيس بشار تركّز على ما يبدو بشكل قليل على المشاكل الداخلية وبشكل أكبر على المخاطر والمؤامرات الخارجية ضد سورية – وهي عقلية ورثها عن والده الرئيس الأسبق حافظ الأسد الذي حكم على مدى 30 سنة من عام 1970 إلى عام 2000. ويجب ألا ننسى أنّه بعد حرب عام 1973، ساهمت إزاحة مصر عن الصف العربي – كما خطّط وزير خارجية الولايات المتحدّة هنري كيسنجر – في تعريض سورية ولبنان لقوة إسرائيل الكاملة. فضلاً عن ذلك، كان اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982 يهدف إلى وضع حدّ للنفوذ السوري ووضع لبنان في مدار إسرائيل. ورداً على ذلك، عمل حافظ الأسد على تشكيل «محور الممانعة» المؤلف من إيران وسورية و «حزب الله» الذي نجح جزئياً في الحدّ من طموحات إسرائيل الإقليمية.

وتوجّب على الرئيس بشار التعامل مع أوضاع لا تقل خطورة عن تلك التي واجهها والده. ولو نجح الغزو الأميركي للعراق عام 2003 – كما خطط له المحافظون الجدد الموالون لإسرائيل – لكانت سورية ستكون الهدف التالي. ومن ثمّ، واجهت سورية سلسلة من الأزمات الخطيرة تمثّلت في الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 2006 وتدمير منشأة سورية النووية عام 2007 والهجوم الذي شنّته إسرائيل على قطاع غزة في نهاية عام 2008 وبداية عام 2009.

واعتبرت دمشق هذه الاعتداءات بمثابة أزمات مهدّدة للنظام. ولم يكن مفاجئاً حين بدأت الانتفاضة في درعا عام 2011 أن يفسّر النظام ما حصل بمؤامرة خارجية أخرى ضدّه بدلاً من صرخة غضب ويأس من الشعب المتعب. ويبقى الأمل في أنّه تمّ استخلاص العبر من هذه الأزمات الكثيرة وفي أن يتوحّد السوريون الآن من أجل إنقاذ بلدهم من الانحدار نهو الهاوية.

===================

الثورة السورية: المتطوعون والأصوليون والمخاوف الغربية

رضوان السيد

الشرق الاوسط

15-3-2013

أخبرني صحافي لبناني مشهور كان يتردد على دمشق كثيرا أنه مضى إلى العاصمة السورية في خريف عام 2004 على موعد مع أحد القادة الأمنيين هناك. وفي دمشق علم من إدارة الفندق الذي نزل فيه أن صديقه فلانا يتقبل التعازي باستشهاد ابنيه اللذين تطوعا للقتال ضد الأميركيين بالعراق، فذهب وعزاه. وعندما قابل القائد الأمني في اليوم التالي، سأله على توجس وتردد: لماذا ترسلون - وأنتم قوميون بعثيون – شبانا من «السنة» للقتال بالعراق، ولا ترسلون أبدا شبانا من العلويين أو المسيحيين مثلا، ولو في حالات قليلة؟ ويقول الصحافي اللبناني إن اللواء (الذي صار سفيرا للنظام لدى إحدى الدول العربية) ما انزعج ولا تلعثم، بل أجابه: السنة هؤلاء هم الأكثر حماسا، نحن لا ندعوهم بل هم يتطوعون، ولماذا تنزعج أنت؟ عسى أن تقل أعدادهم فهم كثيرون كثرة لا تطاق!

ولا أقصد من وراء هذه الواقعة التقليل من شأن الروايات عن كثرة أعداد «الجهاديين» السنة في صفوف الثوار السوريين اليوم. بل ما أقصده أمران: أن شبانا عربا صغارا كانوا يحسون ضرورة الدفاع عن الأمة في وجه مهاجميها بهذه الطريقة؛ أما الانتظام في مجموعات أو أحزاب «جهادية» فقد كان يحدث فيما بعد، أي بعد وصولهم للساحة التي يقصدونها، أو لكي يتمكنوا من الوصول إلى تلك الساحة. ونحن نعلم أن كثرة ساحقة من هؤلاء سقطت في الطريق أو بعد الوصول إلى الساحات بقليل. أما القلة الباقية فقد انتهى بها الأمر إلى «الأسْر» والهلاك، أو إعادة الاستخدام من جانب الأنظمة التي سبق أن أرسلتهم أو سهلت إرسالهم. وهذا هو الأمر الثاني الذي أردت استنتاجه من وراء الواقعة التي ذكرها لي الصحافي اللبناني.

فسواء أكان الشاب المرسل إلى أفغانستان أو ألبانيا أو العراق، سوريا أو خليجيا أو تونسيا أو مصريا؛ فإن أجهزة نظام الأسد الابن كانت تعيد تجميعهم وهم عائدون في معسكرات، فتساوم عليهم الدول التي انطلقوا منها بحجة التعاون الأمني أو التقرب للولايات المتحدة. وإن لم تجد اهتماما أو لم تتمكن من بيعهم لأنهم سوريون أو فلسطينيون؛ فإنها تعيد استخدامهم إذا سنحت الفرصة مثلما فعلت في قصة «فتح الإسلام» عندما أرسلت عام 2007 مئات إلى مخيم نهر البارد بجوار طرابلس ليقيموا إمارة إسلامية هناك. وقد قاتلهم الجيش اللبناني وقتها، وعندما سقط المخيم فرت مئات منهم إلى عين الحلوة بجنوب لبنان، وجرى أسر عشرات منهم ما يزالون في السجون اللبنانية، وعاد البارزون منهم إلى سوريا الأسد.

إن الذي لا يصح إنكاره إذن أنه كانت هناك «حالة جهادية» بين فتيان وشبان العرب في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، وأنها بلغت إحدى ذراها في أفغانستان، وفي العراق، ليس بسبب كثرة الأعداد، بل بسبب بروز قدرات تأطيرية وتنظيمية. ومعظم هذه الحالة «ورثها» الإيرانيون والباكستانيون والسوريون، وأعادوا توجيهها بقدر ما استطاعوا لصالحهم بشكلين أو صيغتين: مساومة الدول الغربية والولايات المتحدة على تسليمهم أو إعادة استخدامهم بطرائق ووسائل مختلفة. وكان الإيرانيون والسوريون، وما يزالون، أقدر من غيرهم في الماضي، أما اليوم؛ فإن السوريين - شأنهم في ذلك شأن الباكستانيين - فإن تلك «المتفجرات» التي أعدوها ورعوها تنفجر في أيديهم. الباكستانيون ظهرت لديهم طالبان باكستان، والنظام السوري انفجر في يده «الجهاديون» الذين أرسل بعضهم من قبل ليس فقط إلى العراق، بل أيضا إلى الأردن ولبنان وغزة، وأحيانا إلى السعودية!

ولنعد إلى الأوضاع الحالية في سوريا. هناك عدة فئات من المقاتلين ضد نظام الأسد في البلاد اليوم. الفئة الأولى والأبرز: كتائب ومجموعات الجيش السوري الحر. وهم يشكلون نسبة 70 % من مجموع الثوار. وهؤلاء انشقوا عن القوات النظامية مجموعات وأفرادا، وأعادوا تنظيم أنفسهم في كتائب مع الضباط الذين انشقوا معهم، أو مع ضباط من قريتهم أو بلدتهم.

والفئة الثانية وهم يبلغون نحو 20 % من أبناء القرى والبلدات والمدن السورية. ومعظم هؤلاء انتظموا في مجموعات صغيرة في العام الثاني للثورة تحت وطأة الخراب الذي استولى على قراهم وبلداتهم، وإقبال أجهزة النظام على قتلهم وسجنهم وملاحقتهم، أو تحمسا لإسقاط النظام. وقد سموا مجموعاتهم بأسماء إسلامية وأسماء للصحابة (شأن الحمصيين لأن ضريح خالد بن الوليد موجود عندهم)، وذلك بحسب الثقافة العربية والإسلامية السائدة. وقد قابلت كثيرين منهم في لبنان، يرسلون نساءهم وأولادهم إلى لبنان، ويعودون للقتال في القرى والبلدات، وقد يكتفون بحمايتها بدوافع الشرف والكرامة والانتماء - وهم سيئو التسليح والتدريب بشكل عام. ومن هؤلاء حماصنة ودرعيون ومن جسر الشغور تربوا خارج سوريا، وعاد جيلهم الثاني أو الثالث للدوافع المذكورة. وأعرف صديقا سوريا يعيش خارج البلاد منذ ثلاثين عاما، ولا يكاد أولاده يعرفون شيئا عن بلدهم غير أنهم من الرستن أو حمص أو أعزاز. وقد جاء ولداه (صيدلي ومهندس) إلى سوريا للقتال، واستطاع إعادتهما مرتين، لكنهما الآن في سوريا من جديد!

وهناك الفئة الثالثة، وهم الذين «جاهدوا» من قبل، ومعظمهم بالفعل من السوريين، وأكثرهم عائد من العراق أو من لبنان (ومن اللبنانيين وفلسطينيي المخيمات). وهؤلاء يدفعهم للقتال أمران: أنهم مثل سائر السوريين يريدون إسقاط النظام هناك، وأنهم يملكون حقدا خاصا على النظام لأنه استغلهم واستعملهم وأساء إليهم في سوريا ولبنان عندما اضطروا للعودة من ميادين القتال. وقد ترددوا طويلا قبل التنادي للتجمع ومقاتلة النظام، لأنهم ما كانوا يصدقون أنه يمكن إسقاط النظام، وهؤلاء أحسن تدريبا وتنظيما، واشتهروا بسرعة لأنهم يعتمدون الهجوم رغم أن تسليحهم ليس أفضل من تسليح المتطوعين الآخرين. واشتهروا بسرعة أيضا لأن بعضهم يحسن استخدام وسائل الاتصال من تجاربهم بالعراق ولبنان.

ووسائل الاتصال هذه كما كشفتهم لدى أجهزة الاستخبارات السورية والأميركية، جذبت إليهم فتيانا عربا من الخليج ومصر والأردن، فتحسنت إمكانياتهم المادية، وما عرف عنهم حتى الآن التجاوزات التي عرفت عن غيرهم، ولا مارسوا أعمالا ثأرية، لكنهم غير ذوي شفقة أو رحمة تجاه جنود النظام وأجهزته. وكل هذه الأمور تعرفها الاستخبارات الغربية، لكنها حتى الآن - وبخاصة الأميركية منها - تتعاون بلهفة مع الأجهزة السورية واللبنانية على قتلهم. وقد حدثت عدة حوادث في لبنان من هذا القبيل سقط فيها قتلى سوريون ولبنانيون وفلسطينيون على الحدود مع لبنان أو بداخل لبنان، وبنيران القوات السورية أو الأجهزة اللبنانية، إنما تلك مسألة أخرى، ولا داعي للإطالة فيها.

وقد ذكرت ذلك، لأشير إلى أمرين: أن النظام السوري ما يزال يملك قدرة مشهودة على الترهيب بالإرهابيين، وأنه ما يزال يجد من يصدقه في أجهزة الاستخبارات الغربية، وبين السياسيين الغربيين. أما المائة ألف قتيل، وملايين المهجرين والمعتقلين، فهذه الأمور كلها لا تجعل من النظام السوري نظاما إرهابيا، لا في عيون الأميركيين، ولا في عيون وزير الخارجية الألماني.

ولنعد إلى الخلاصة.. هناك في سوريا شبان منتظمون في «جبهة النصرة» يسمون أو يعتبرون أنفسهم جهاديين، وهذه هي طريقتهم في التعبير عن الإصرار على إسقاط نظام الأسد. وإذا كان الأميركيون مرتاحين من عودة الجهاديين والإرهابيين (الذين قاتلوهم بأفغانستان والعراق)، فأسلم الطرق للخلاص منهم لا تكون بالاستمرار في دعم النظام السوري أو التعاون مع أجهزته في سوريا ولبنان؛ بل في تقصير عمره من طريق إعانة الثوار الذين يعتبرونهم معتدلين. فهذا النظام صار خطرا على الأمن بالمنطقة في سوريا ولبنان والأردن والعراق، وربما في بلدان أخرى. وتقديرنا نحن العرب أنه أخطر على أمننا وحياة ناسنا ووحدة بلداننا من النووي الإيراني وأخطاره على إسرائيل والولايات المتحدة.

وإذا لم يكن من الموت بد

فمن العجز أن تموت جبانا

===================

من يخطط لـ«الجيش السوري الحر»؟

وفيق السامرائي

الشرق الاوسط

15-3-2013

على مدى الأيام القليلة الماضية، شنت قوات النظام في سوريا هجمات عنيفة على الجزء المحرر من مدينة حمص، بهدف تعزيز السيطرة على طريق المواصلات بين دمشق ومناطق الساحل، ليس لتأمين تدفق المواد إلى العاصمة فحسب، بل لتأمين طريق انسحاب إلى مناطق المجابهة الأخيرة، في حالة تمكن الثوار من انتزاع السيطرة على العاصمة، خصوصا أن معظم قوات النخبة الموالية للنظام تنتشر في دمشق، ويشكل عزلها إحباطا كبيرا لمشاريع دولة الساحل، ويتسبب في انهيار خطط المجابهة في مناطق العمليات البعيدة والقريبة على حد سواء.

ومع المراحل الأولى لهجمات قوات النظام، أمكن تحقيق مكاسب نسبية، تتطلب وفق «الحسابات العسكرية التقليدية» قيام قوات «الجيش الحر» بتعزيز كتائب حمص بقوات إضافية من مناطق العمليات الأخرى، إلا أن الذي حدث جاء بطريقة مختلفة عن السياقات التقليدية الجامدة، فقد عزز الثوار قتالهم في مدينة دمشق، وصولا إلى مسافة تبعد نحو 300 متر عن ساحة العباسيين في قلب دمشق. حيث رصد مقر عمليات متقدم لألوية الثوار في هذه المنطقة المتقدمة جدا، واعتبر هذا النشاط تطورا خطيرا يهدد أمن النظام في العاصمة، يتطلب وقف إرسال التعزيزات القتالية النظامية وغيرها إلى عمليات حمص، وهو ما يتيح الفرصة لاستعادة المبادأة من قبل الثوار، التي تحققت فعلا باستعادة مناطق مهمة من حمص، فقدها الثوار في معارك سابقة قبل بضعة أشهر.

أما الضربة الثانية فجاءت خارج حسابات أجهزة الأمن والاستخبارات، حيث تمكنت كتائب المسلحين من «خداع» منظومة الدفاع عن حماية محافظة الرقة، والسيطرة عليها - بما في ذلك فروع الأمن والاستخبارات - خلال بضع ساعات، ومن دون تضحيات بشرية تذكر، مسجلين تقدما كبيرا، يدل على وجود جهاز مراقبة وتخطيط مركزي، يستند إلى عقول استخبارات وحرب نفسية مميزة، في وقت كان النظام منشغلا في عمليات طرد قواته من منفذ اليعربية المجاور للعراق. فحقق مخططو الكتائب المسلحة تقدما تجاه نظرائهم في قوات النظام وأجهزته، على الرغم من أن منطقة الرقة لم تكن ساخنة كثيرا خلال سنتي الثورة.

وأثبتت المعارك الأخيرة تطور عمليات التخطيط على المستوى الاستراتيجي، ولم يجرِ تسليط الضوء على قيادات التخطيط العسكري، فمعظم الضباط الذين كانوا يتصدرون التصريحات من مواقع مختلفة اختفوا فجأة، باستثناء العقيد عبد الجبار العكيدي رئيس المجلس العسكري لمنطقة حلب، مع تصاعد ظهور رئيس هيئة الأركان العميد سليم، كحالة صحية، إذا ما كانت مبنية على أساس توحيد القيادة العليا، وليس بسبب رجحان كفة المتشددين، وهو ما يقتضي توضيحه من قبل هيئة أركان «الجيش الحر»، دفعا للتفسيرات الخاطئة. وبصرف النظر عن الخوض في التكهنات عن الجهة التي تتولى التخطيط بهذه الكفاءة العالية، فإن أهل الشام عموما، وضباط الركن الذين عملوا في الجيش خصوصا، هم الأكثر دراية بأسلوب إدارة العمليات من قبل القيادات النظامية، فأحسنوا قراءة خطط النظام وردود الفعل، وأتقنوا وضع الخطط، ومتابعة المتغيرات الآنية التي يفرضها سير العمليات المسلحة.

ومن اللافت عدم توقف العمليات في أي منطقة، على طول الأراضي السورية وعرضها، بسبب نقص في العتاد، ويعكس هذا نقاطا عدة تستحق الاهتمام، من بينها قدرة النظام على الحصول على كميات ضخمة من العتاد خارج موارده الذاتية. لذلك، فإنه يشدد الحرص على بقاء طريق حمص مفتوحا، وحدوث ضعف شديد في إجراءاته الأمنية، بما أتاح فرصا جيدة لقوات «الجيش الحر» لنقل العتاد إلى دمشق، وهو دليل حاسم في حسابات تقييم احتمالات المستقبل. إلا أنني لست ميالا إلى الأخذ بما يقال عن قيام العراق بتزويد سلطة دمشق بالعتاد، لأن حركة كهذه لا يمكن إخفاؤها تحت أي ظرف عن أبناء مناطق غرب العراق المؤيدين بشكل تام ومطلق للثورة السورية.

إن مباغتة الثوار للنظام على غرار ما حدث في الأسبوع الماضي سيؤدي إلى تطورات تدخل كعناصر لتسريع الحسم. وكلما فتحت الثورة ذراعيها أمام كبار الضباط المنشقين من دون استثناء - إلا ما يتعلق بمستلزمات الأمن - يمكن مشاهدة نقلات نوعية أخرى في تخطيط العمليات وإدارتها. فتجبر قيادة النظام على التفكير في المغادرة، ويتسع نطاق الانشقاقات، وتتآكل قوات النظام، فتتقلص الفترة المطلوبة لإنهاء واحدة من كبرى حالات المعاناة البشرية القاسية.

===================

سوريا .. ميدان المذابح

السعودية اليوم

15-3-2013

 وصل عدد قتلى الحرب التي يشنها نظام بشار الأسد على السوريين حتى الآن إلى 80 ألف قتيل، وتقول المعارضة إن عدد القتلى الحقيقي يفوق هذا الرقم، بالنظر إلى عشرات الآلاف من المفقودين وعشرات الآلاف من المعتقلين الذين يعتقد أن النظام وميلشياته الإجرامية لا يتورعون عن أن يجهزوا عليهم ، خاصة أن النظام وميلشياته تنجز برنامجا للتطهير الطائفي يقضي بمحو أكبر عدد من السوريين والقوى السورية الحية التي تناضل من أجل استقلال البلاد عن الاستعمار الإيراني ، وأيضاً تدمير المدن السورية.

وبذلك تتصدر سوريا كونها ميداناً لأكبر المذابح وأفظعها في القرن الحادي والعشرين. ويحدث ذلك والعالم لا يتفرج فقط، وإنما يمنع السوريين من التمكن من وسائل الدفاع عن أنفسهم بوجه آلة قتل ضخمة تزودها طهران وروسيا بالأسلحة الفتاكة.

وكان يمكن أن تنقذ حياة عشرات الآلاف من السوريين لو أن العالم أسرع إلى انقاذهم من براثن التحالف العدواني الثلاثي، بشار وطهران وموسكو. ولكن تقاعس القوى الكبرى التي تدعو للدفاع عن حقوق الإنسان، وتلكؤ القوى الأخرى جعل السوريين نهباً لأسلحة الأسد وطائراته ودباباته وصواريخه وميلشياته الحاقدة والأنفس الإجرامية الشرهة لرعاته. وليس ذلك فحسب، وإنما افترض النظام ورعاته على أن التمنع والمراوغات الغربية عن مساعدة السوريين، هو ضوء أخضر وأنه ليس لدى العالم مانع من أن يسحق النظام ورعاته السوريين. وتصرف النظام وميليشياته ورعاته ومؤيدوه على هذا الاساس، فالأسلحة كانت تتوارد من موسكو إلى النظام والميلشيات تقدم من طهران والعراق ولبنان على أساس أن سوريا ملك للأسد ومستعمرة إيرانية، ويجب أن تستمر بتصرف طهران وميلشياتها. وإعلان بريطانيا وفرنسا يوم أمس أنهما ستسمحان بتسليح السوريين أو تبادران إلى التسليح، جاء متأخراً جداً، ومع ذلك يتعين أن يبدأ سريعاً لإنقاذ أرواح آلاف السوريين لأن النظام ورعاته يسابقون الزمن لقتل أكبر عدد من السوريين، فذلك هو الهدف الأخير لهم بعد أن وجدوا أن الشعب السوري مصمم على التحرر من الاستعمار الإيراني ومصمم على تنظيف سوريا من الإيرانيين والأسد وكل ما يتعلق بأيام القهر والذل والأسر في معتقلات الأسد وميلشيات طهران. وقد أوصل النظام ورعاته سوريا إلى مرحلة لا يمكن معها إجراء أي حوار، لأن النظام طوال هذه الأزمة كان يعتمد الحل العسكري ولم يتورع عن قصف المدن السورية بصواريخ سكود، وهذا يعني أنه يخوض معركة حياة أو موت بالنيابة عن طهران. فإما تعود سوريا خانعة للسيطرة الإيرانية أو ينتهي النظام ولكن بعد أن يخفض عدد سكان سوريا إلى أقل ما يمكن وحسب ما تتمكن أسلحته وميلشياته من تحقيقه. وعلى الدول الكبرى مسئولية أخرى، هي الضغط على نظام الأسد ورعاته كي يوقفوا الحرب التي أشعلوها في سوريا، لأن الهدف من التسليح هو أن يتمكن السوريون من الدفاع عن أنفسهم، وليس مواصلة الحرب. وحينما يقتنع الأسد وتنتهي أوهام طهران، فإن الحرب في سوريا سوف تتوقف ولا حاجة إلى المزيد من سفك الدماء.

========================

امريكا تتراجع عن مطلب تنحي الاسد؟

رأي القدس

2013-03-13

القدس العربي

يبدو واضحا، ومن خلال تصريحات جون كيري وزير الخارجية الامريكي الاخيرة، ان السياسة الامريكية تجاه الازمة السورية باتت اكثر اقترابا من نظيرتها الروسية، وابتعادا في الوقت نفسه عن حلفائها في منطقة الخليج العربي.

فعندما يقول كيري في مؤتمر صحافي عقده امس على هامش زيارته الى اوسلو، 'ان ما تريده امريكا والعالم هو وقف القتل في سورية' مضيفا 'ان المطلوب هو جلوس الرئيس بشار الاسد والمعارضة السورية الى طاولة التفاوض لانشاء حكومة انتقالية بحسب اتفاق الاطار الذي تم التوصل اليه في جنيف'. فهذا يعني ان الادارة الامريكية، في فترة ولايتها الثانية، باتت اكثر فتورا في مواقفها تجاه الازمة، وتميل اكثر لحل سياسي في ظل بقاء الرئيس الاسد.

الوزير كيري لم يطالب مطلقا بتنحي الرئيس الاسد كشرط لاي حل سياسي في المؤتمر الصحافي المذكور، كما انه لم يقل ان النظام او ممثليه هم الذين يجب ان يجلسوا مع المعارضة الى مائدة المفاوضات، وانما قال يجب ان يجلس الاسد والمعارضة وهذا يعني اعترافا امريكيا بشرعية النظام.

وحتى نكون اكثر وضوحا نعيد التذكير بان الرئيس اوباما الذي ظل يكرر لاكثر من عامين بان الرئيس الاسد فقد شرعيته ويجب ان يرحل وان ايامه باتت معدودة، لم يستخدم هذه العبارات منذ خمسة اشهر على الاقل، وهذا هو حال معظم حلفائه الاوروبيين.

وربما ليس من قبيل الصدفة ان تتزامن تصريحات كيري هذه مع تأجيل مؤتمر المعارضة الذي كان مقررا في اسطنبول الاسبوع الماضي لتشكيل حكومة مؤقتة تحت عنوان ادارة المناطق 'المحررة' في حلب وادلب ومعرة النعمان في الشمال الغربي والرقة واجزاء من دير الزور في الشمال الشرقي من سورية. فالادارة الامريكية التي دفعت في هذا الاتجاه باتت تفضل المفاوضات بين النظام والمعارضة لتشكيل حكومة وحدة انتقالية بصلاحيات واسعة تضم وزراء من النظام والمعارضة.

الانباء المتسربة من كواليس اجتماعات المعارضة السورية تقول بحدوث خلافات كبيرة داخل الائتلاف السوري المعارض، وان طلب جامعة الدول العربية بتشكيل 'هيئة تنفيذية' او 'حكومة مؤقتة' كشرط لاحتلال كرسي سورية في اجتماع القمة العربية الذي سيعقد في الدوحة اواخر الشهر الحالي، قد لا يتحقق بسبب صراع الاجنحة، والتنافس على المقاعد الوزارية، وعدم الاتفاق على اسم رئيس الوزراء حيث تتطلع الى هذا المنصب لائحة تضم العديد من المنشقين على النظام، او من الكتل والاحزاب السياسية التي شكلت نواة المعارضة الخارجية مثل المجلس الوطني.

ولا نكشف سرا اذا قلنا ان الشيخ معاذ الخطيب، وحسب مقربين منه، يستعد لتفجير قنبلة استقالته في اجتماع اسطنبول المقبل للمعارضة، واذا تراجع عنها، فان ذلك يعود الى تدخلات وضغوط عربية وخارجية ضخمة، فالرجل وصل الى درجة عالية من الاحباط بسبب صراع الاجنحة وتباعد وجهات نظر الرؤوس الكبيرة في الائتلاف الذي يتزعمه.

التغيير في الموقف الامريكي راجع الى عدة اسباب، ابرزها تعثر الجهود لتوحيد فصائل المعارضة، والخوف من اتساع نفوذ جبهة النصرة واخواتها في الداخل السوري، والتفاف الآلاف من الشباب السوري حولها نظرا لتقديمها خدمات انسانية ومعيشية ضخمة للسكان في المناطق التي تسيطر عليها.

الايام المقبلة حافلة بالمفاجآت في هذا الخصوص، ومعارضة الاوروبيين والامريكان لنداءات تسليح المعارضة باسلحة حديثة ونوعية خوفا من وصولها لجبهة النصرة، هي عنوان تقارب امريكي ـ غربي مع الاسد ونظامه، يحمل صفة التدرج، وسيكون بروتوكول جنيف هو الارضية الرئيسية باعتباره يشكل توافقا روسيا امريكيا.

===================

الانتظار السوري القاتل

د. نور الله السيّد

2013-03-13

القدس العربي

لا يزال الغموض سيد الموقف في سورية بالرغم من تغيرات يمكن للمرء أن يبني عليها آمالاً بانتهاء قريب لهذه الأزمة التي ستدخل عامها الثالث في هذه الأيام، ولكن هذه الآمال سرعان ما تتبدد عند النظر إلى الأزمة من الجانب الآخر.

فقد كشفت الأيام الماضية عن إمكانية تغير في الموقف الأمريكي يمكن اختصاره بأنه يعبّر عن رغبة في إنهاء الأزمة القائمة في سورية مع تفضيل واضح للحل السياسي، وأيضاً بعدم ممانعتها في أن يقوم الآخرون بتسليح المعارضة وأنها ستقدم معونات ومساعدات لا يمكن استخدامها للقتل. ولكن متابعة تحركات كيري وتصريحاته تقول بأن الموقف الأمريكي غير قاطع بعد وهو يقبل التطور باتجاه وبعكسه، وهذا ما ظهر في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع وزير الخارجية السعودي حيث كان تردد كيري واضحاً، ثم عاد ليصبح 'أكثر' وضوحاً في مؤتمره الصحفي مع وزير خارجية قطر.

تبع ذلك قرار من الجامعة العربية يتيح للدول التي تريد تقديم المساعدة لسورية (المعارضة السورية) فله أن يفعل ذلك، إضافة إلى موافقتها المبدئية على شغل الإئتلاف لمقعد سورية في الجامعة العربية حينما يشكّل جهازه التنفيذي.

وفي الطرف الآخر يظهر النظام السوري متمسكاً بمقترحاته في حوار يريده على مقاسه ويحدد فيه مَن يمكنه من معارضيه المشاركة في الحوار، وهو حوار يقوم على قاعدة أن النظام باق ولكنه مستعد لبعض التغييرات التجميلية. ولكن ما قام به هذا النظام من فظائع ضد شعبه لم ولن يسبقه إلى مثيلها نظام آخر في العالم تجعل إمكانية الحوار معدومة وكذلك أي حل يكون النظام هو الفاعل الرئيسي فيه.

وفي الطرف الآخر أيضاً لا تزال إيران عند موقفها من النظام، وهو موقف يمكن أن يتغير ذلك أن إيران تبني سياساتها الخارجية على حسابات دقيقة بعيدة عن الحماقة فيما يخصها، ولكنها تدفع بالآخرين إلى الحماقة. وكما بينت العقود الثلاثة الماضية، فهي ماهرة في التلطي وراء وكلائها كما فعلت في أفغانستان ولبنان والعراق واليمن ومن ثم جني الثمار. فهي حتى الآن تدعم النظام السوري بما لا يخفى على أحد ولولا هذا الدعم لما صمد النظام حتى اليوم. وهي تبعث برسائل واضحة عن حروب مذهبية على لسان مسؤوليها من الصف الثاني ولسان المالكي بطائفيته المعروفة. وهي رسائل يستخدمها المالكي على المحورين السوري والعراقي، وهي في المحور السوري تهديد سافر موجه للسوريين بأن الآتي أفظع من الحاضر. كما تبعث إيران برسائل واضحة عبر حزب الله اللبناني بتدخله المباشر وعلى أكثر من جبهة. جبهة القصير/حمص وجبهة الزبداني التي لا ترد أخبارها كثيراً ولكنه من المؤكد أن حزب الله قصفها بالصواريخ من منطقة بعلبك ومن الخلف ولأكثر من مرة. أضف إلى هذا وذاك ما تقوم به إيران من تنظيم وتدريب لجيش المليشيات السوري (جيش الدفاع الوطني) الذي يناط به حالياً القتال المباشر والذي يمكن استخدامه للتهديد بإطالة الحرب الدائرة في سورية إذا سارت الأمور في سورية بغير ما يشتهي آية الله في إيران. وفي هذا الخصوص فهم يهددون بتقسيم سورية كما جاء على لسان لاريجاني عندما قال في خطابه خلال مؤتمر 'الدفاع الوطني': 'الغرب بأنه مصمم على بعثرة وتمزيق سوريا ويساعده بعض دول المنطقة'، وهو كلام كان الأسد قد نطق بمثله في شباط عام 2012 أثناء استقباله نائب وزير الخارجية الصيني.

ميدانياً، لا تزال المعارك محتدمة وعلى العديد من الجبهات. المعارضة المسلحة تحقق انتصارات هنا وهناك. وجيش النظام يحاول مستميتاً تحقيق انتصار بما يعيد إليه الأمل في إمكانية تحقيق الانتصار النهائي الذي يتحدث عنه منذ سنتين. فهو يحاول أن يستعيد المناطق التي يسيطر عليها الجيش الحر في حمص منذ أكثر من سنة بدعم من جيش الدفاع الوطني الميليشي ومجموعات مقاتلة من حزب الله لا تزال صغير العدد حتى الآن ولكن يمكن لهذه المشاركة أن تتوسع لتحقيق هذا النصر الذي أصبح أكثر من هام لاعتبارات عسكرية ونفسية وسياسية. ولكن مثل هذا الانتصار، إن تحقق، وهو أمر ليس بالسهل على الإطلاق، فقد خفف سقوط الرقة من قيمته، ذلك أن هذا السقوط يمثل هزيمة نكراء لأن النظام كان يعتبر هذه المحافظة محافظة موالية ذهب إليها الأسد لصلاة العيد أواخر عام 2011 . وعدم تمكن الجيش الحر حتى الآن من تحقيق انتصارات حاسمة ضد جيش النظام هو افتقاره إلى أسلحة تمكنه من مثل هذا الانتصار، وهي ليست بالأسلحة الهائلة أو الاستراتيجية، فكل ما قيل عن وصول شحنات من الأسلحة النوعية إلى الجيش الحر مضخّم جداً، والجيش الحر كما نراه في دمشق لا يزال يقاتل النظام بأسلحة النظام نفسها، ومثال داريا خير شاهد.

يجتمع نائبا وزيري خارجية روسيا وأمريكا في لندن للسير قدماً في تحديد حل سياسي، ولكن المسافة لا تزال غير قابلة للتجسير بين روسيا-إيران-النظام السوري وبين المعارضة السورية (السياسية والمسلحة)-أصدقاء سورية. كلاهما لا يزال يراهن على أن تجلب الأيام القادمة الترجيح لكفتها دونما اكتراث لأعداد القتلى الذين يسقطون والدمار الحاصل في كل يوم، وترجيح الكفة هذا قد يكون ثمنه آلاف وربما عشرات الآلاف من دماء السوريين!

الإيرانيون غير مستعدين بعد لتقبل خسارة سورية، وهم سيتابعون مساعيهم في دعم الأسد. وكذلك الروس لن يرضوا بهزيمة سياسية ستكون مدوية لو حدثت. ومن غير المعروف أيضاً مدى الدعم العسكري الذي سيتلقاه الجيش الحر والثمن الذي ستدفعه سورية في حال تحقيقه انتصارات جليّة على جيش النظام. فإيران أولاً وعبر وكلائها ستدفع باتجاه توسيع دائرة القتال إن حدث مثل هذا الانتصار، ولن تتردد روسيا في تقديم الدعم بالسلاح والدعم السياسي. وقد لا يعني مثل هذا الانتصار جلب السلام النهائي إلى السوريين وإنما بداية حرب أخرى مع ما تقوم إيران ببنائه حالياً من بؤر ميليشيات تطيل من أمد الأزمة السورية.

الأفضل لمثل هذا الدعم العسكري للجيــــش الحر أن يكون بحيث يفرض على النظام السوري وإيران وروسيا السير جدياً في حل سياسي على أساس يُبنى على تفاهمات جنـــيف، بما يحقق مطالب السوريين على نحو معقول ويقلل من الخسائر ومن تدمير سورية تدميراً كاملاً، مادياً وإنسانياً. ومثل هذا سيتيح لكل الأطراف أن تجد نفسها على نحو، ذلك أن الأزمة السورية لم تعد سورية منذ أكثر من عام ونصف وهي أزمة إقليمية دولية يحاول فيها الجميع الخروج على الأقل بلا غالب ومغلوب وعلى رأسهم أمريكا.

بانتظار الغد، يتزايد عدد الشهداء وأعداد البيوت المدمرة وقوافل اللاجئين والنازحين والمشردين. هذا هو الربيع الثالث في عمر الانتفاضة السورية، دفع فيها السوريون أثماناً عالية. أثمان مؤجلة ومتراكمة كانوا سيدفعونها في يوم من الأيام على كل حال، فنظام مثل النظام السوري لن يرحل بورود الربيع ولكن بمناجل الصيف ومحاريث الأرض، فأرض سورية تأخر حرثها سنوات طويلة.

===================

أوباما أدار ظهره للشرق الاوسط

 هشام ملحم

2013-03-14

النهار

الرئيس الأميركي باراك أوباما قرر منذ زمن ان يدير ظهره للشرق الاوسط. وزيارته لاسرائيل رمزية واحتفالية أكثر منها سياسية او جوهرية، وكأنه يقول هذا واجب علّي ان اقوم به، والان حققته وشطبته من قائمة البنود الخارجية التي علي ان انفذها في ولايتي الثانية. هذا التقويم اعطاه ديبلوماسي ديموقراطي مخضرم خدم في واشنطن وفي الشرق الاوسط وساهم في المفاوضات العربية - الاسرائيلية. كانت نبرته تعكس اسفه واحباطه، اكثر من غضبه. والتقويم ذاته يعبر عنه ايضا بعض المسؤولين الحكوميين في ايجازاتهم الخلفية.

المحللون الذين راقبوا اداء أوباما في الشرق الاوسط في ولايته الاولى، بمن فيهم من انتخبوه، يشعرون الآن بخيبة عميقة لأنه لم يعد يولي المنطقة ذلك الاهتمام الفكري والسياسي الذي ميّز سنته الاولى في الحكم والذي اوصله الى انقرة والقاهرة لمحاورة عالم كان قد اغترب كثيرا عن اميركا خلال حقبة الرئيس جورج بوش وحروبه المؤلمة والمكلفة.

اللازمة المسموعة دوما في واشنطن هي ان اوباما أدرك مبكرا ان ثمن السعي الجدي الى تحقيق السلام بين اسرائيل والفلسطينيين سوف يكون باهظا، وان أي ضغط يمارسه على اسرائيل سيرتد عليه في شكل ضغوط قوية من الكونغرس كما حدث في الولاية الاولى. اوباما نفسه شكا من ذلك. اوباما الذي يعتقد ان تركته التاريخية لن تكون في المجال الخارجي بل الداخلي، لا يريد ان ينفق رأس ماله السياسي بعد اعادة انتخابه على جهود يعتبرها عبثية لتحقيق سلام لا يعتقد ان اسرائيل مستعدة له والفلسطينيون منقسمون حياله. لقد اوحى الى اليهود والعرب الاميركيين انه يرى ان فرص تحقيق السلام قاتمة، لذلك لن يحمل أي مبادرة او افكار طموحة وسيكون في مزاج اصغائي... وكأنه انتخب لتوه.

ومشاعر الاحباط حيال الرئيس تتحول في هذه الاوساط مشاعر استغراب وحتى استهجان حين تناقش المأساة السورية. كيف يمكن اوباما ان يسمح لهذه الكارثة الانسانية بان تتفاقم يوميا طوال سنتين من غير ان يضطلع بدور قيادي لانهائها؟ حتى لو لم ينطلق من اعتبارات اخلاقية، فإن الاعتبارات الجيو-استراتيجية لسوريا والدول الخمس المحيطة بها والتي تربطها علاقات جيدة مع واشنطن تفرض عليه ان يقود، أليس كذلك؟ هذه عينة من الاسئلة الملحة. هاجس اوباما في المنطقة هو تفادي التورط في حرب اخرى، والتعجيل في الانسحاب من افغانستان. المسؤولون يقولون ان اوباما سيعطي وزير الخارجية كيري الفرصة ليجرب حظه لاحياء "عملية السلام" وانهاء النزف السوري... لكنه سيتفادى المبادرات والمجازفات وسوف يبقى كيري مكبلا بعض الشيء. مصدر مطلع كشف ان البيت الابيض لم يسمح لكيري بزيارة اسرائيل خلال جولته الاخيرة.

===================

الكيميائي بين حمص ودمشق؟

 راجح الخوري

2013-03-14

النهار

ترسم التطورات العسكرية على الارض أبعاد الحسابات السياسية المضمرة سواء عند النظام السوري او عند المعارضة، فقد بات واضحاً ان اتجاهات المعارك في الاسبوعين الماضيين تؤكد وجود اصرار محموم عند النظام هدفه تحقيق سيطرة فعلية على حمص التي كان قد خسرها، وفي المقابل وجود اصرار محموم عند المعارضة لتوسيع رقعة تقدمها داخل دمشق التي تطمح الى السيطرة عليها.

هذا ليس سباقاً عسكرياً على قتال المدن بمقدار ما هو سباق سياسي لرسم النتائج الملائمة لكل من الطرفين كنهاية مرتجاة للقتال المستمر منذ عامين، فمن الواضح ان النظام يريد استعادة حمص لأنها تشكل بوابة ضرورية لنجاح "الخطة ب"، التي تعني انتقاله الى الجبال العلوية لإعلان دولته من هناك اذا وصل الى الانهيار، في حين تحتاج المعارضة الى فرض سيطرتها على العاصمة لكي تستطيع القول انها انتصرت على النظام.

لكن الوقائع تؤكد انه ليس من السهل على الاسد استعادة سلطته على حمص رغم انه سوّاها بالارض، فها هو يخسر كما تقول المعارضة حي بابا عمرو الذي كان قد ذهب لتفقده قبل عام بعدما انسحب منه، وفي المقابل ليس سهلاً ان تتمكن المعارضة من السيطرة على العاصمة رغم انها تحشد لذلك. وهكذا عندما يعلن النظام الاستنفار العام فهذا يعني ان الوضع يتجه الى مزيد من المعارك الدموية، فمع انتهاء الشتاء وحصول الثوار على مزيد من الاسلحة ستشهد سوريا في الاسابيع المقبلة معارك طاحنة، ربما تكون الفصل المأسوي الاخير في حرب "يا قاتل يا مقتول" كما سمّتها هذه الزاوية منذ البداية.

 بناء على ما تقدم هل كثير اذا قلت اننا قد نكون الآن امام مقتلة العصر سواء لجهة حمامات الدم وخصوصاً بعدما تجاوز عدد الضحايا 90 الفاً، او لجهة طوفان المهجّرين يكتسحون لبنان والاردن مؤسسين لانفجارات اجتماعية وامنية ولو بعد حين، او لجهة ما هو ادهى اي اشتعال الحرب المذهبية بين السنّة والشيعة على نطاق اقليمي وخصوصاً في البلدان المتورطة ميدانياً في القتال مثل لبنان والعراق؟

في موازاة كل هذا من المؤلم ان يطل علينا الاخضر الابرهيمي المنسيّ مرة كل شهر ليبلغنا مثلاً ان سوريا تتجه الى الصوملة وما هو اسوأ من الصوملة، لكن من المؤلم اكثر ان يقف مدير الاستخبارات الاميركية جيمس كلابر امام الكونغرس ليقول "ان الاسد قد يستخدم الاسلحة الكيميائية، فالنظام عندما يشتد الخناق عليه ويكتشف ان تصعيد العنف باستعمال الاسلحة التقليدية، الطيران ومدفعية الميدان وصواريخ سكود لم يعد يكفي، قد يستعمل السلاح الكيميائي ضد الشعب السوري".

والسؤال: هل بدأت معركة الحسم النهائي التي قد تغرق سوريا في الكيميائي والمنطقة بالكوارث بينما العالم يتفرج؟

===================

الحل السياسي في سوريا عاد إلى المراوحة؟

تفاقم الأزمة قد يشعل حدود دول الجوار

اميل خوري

2013-03-14

النهار

هل يمكن القول إن الحل السياسي للأزمة السورية عاد يدور في حلقات مفرغة نتيجة إصرار طرف على عدم الدخول في تفاصيل الحل إلا بعد تنحي الرئيس بشار الاسد وإصرار طرف آخر على رفض ذلك بحيث يكون التوصل الى حل هو الذي يقرر مصير الأسد، وإذا أصبح البديل من الحل السياسي هو الحل العسكري فيخشى عندئذ أن تشعل الأزمة السورية حرباً إقليمية تحسم الصراع القائم بين المحور الإيراني – السوري والمحور المناهض له فيتغير نتيجة هذا الصراع وجه المنطقة وشكل الانظمة فيها، وهو ما جعل صحفاً أجنبية تقول: "إن سقوط الأسد هو يوم القيامة للشرق الأوسط"، ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يقول: "إذا لم نتصرف واندلع الحريق في سوريا فسيعم الحريق المنطقة"، ووزير خارجية روسيا يقول: "إذا سقط النظام السوري فبعض بلدان المنطقة ستمارس ضغوطاً هائلة لإقامة نظام سنّي"، وقول الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله "إن أي تطور سلبي أو إيجابي في سوريا سيطال المنطقة"، وقول رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي "إن النظام السوري لن يستسلم أو ينسحب"، اضافة الى قول مسؤولين أميركيين وأوروبيين إن الأزمة السورية باتت تهدد الأمن والسلم العالميين، وتأكيد الجيش الإيراني انه "سيدافع بكل وجوده عن الشعب السوري"، وكأن وجوده أضحى من وجود النظام السوري.

هذه الصورة المقلقة تجعل الخيار العسكري يدخل في سباق مع الحل السياسي الذي يحتاج الى تفاهم روسي – اميركي وهو ما لم يتحقق حتى الآن، وأيضا إلى تفاهم بين المعارضات السورية وهو ما لم يتحقق نظرا الى وجود أطراف متشددين فيها يرفضون البحث في أي حل قبل أن يتنحى الرئيس الأسد، وأطراف معتدلين يوافقون على البحث في حل إذا ما كان الاتفاق عليه سبيلاً لرحيل الأسد، وهذا الخلاف أدى الى عدم الاتفاق على تشكيل حكومة تدير الشؤون داخل الاراضي السورية المحررة.

والسؤال المطروح هو: هل تحض المخاوف على دول الجوار لسوريا وتاليا على دول المنطقة، على تحقيق توافق عربي ودولي على حل للأزمة السورية قبل الانزلاق الى حرب اهلية واسعة وانتقالها الى دول الجوار بفعل المساحات الحدودية الواسعة والتداخل العشائري والديني والقومي؟

يرى سفير لبناني سابق ان حل الازمة السورية، وقد باتت شبيهة بالازمة اللبنانية التي استمرت 15 عاماً ولم يستطع اي طرف حسمها هو في يد إيران اكثر منه في يد روسيا التي تملك قوة ديبلوماسية تحمي بها نظام الاسد في المحافل الدولية، في حين ان ايران تملك في سوريا قوة على الارض. ففي الحرب اللبنانية الداخلية الطويلة لم يكن في استطاعة احد إنهاء تلك الحرب إلا الرئيس الراحل حافظ الأسد لأنه كان يملك وحده القوة العسكرية المستعدة للتدخل كي تحسم تلك الحرب، فصار اتفاق عربي ودولي على تكليفه هذه المهمة الصعبة التي لم يستطع أن يقوم بها سواه خصوصاً بعد فشل القوة المتعددة الجنسية التي ارسلت إلى لبنان لإخراجه من الأزمة. وعلى رغم أن الرئيس الاسد كان على تحالف مع الاتحاد السوفياتي الذي حذره من مغبة التدخل العسكري السوري في لبنان لانه سيصطدم بحلفائه فيه، فإن الرئيس الأسد الذي أغرته الصفقة الاميركية بعدما حظيت بموافقة عربية ودولية وعدم ممانعة اسرائيلية، قرر السير بها ولم يأبه للتحذير السوفياتي، فإن إيران قد تكون اليوم مؤثرة داخل سوريا كما كانت سوريا مؤثرة في الماضي داخل لبنان. فهل يتم تكليف ايران حل الازمة السورية لأنها الأقدر على ذلك وفي اطار صفقة تشمل كل المنطقة، أم ان هذه الصفقة مكلفة إذا كان السلاح النووي من ضمنها وهو ما يقلق دول الجوار ويخل بالتوازن ولا سيما مع اسرائيل؟

ويرى السفير نفسه أيضاً ان روسيا التي تأتي بعد إيران في مرتبة القدرة على حل الأزمة السورية إذا لم ينجح، واصبح الحل العسكري هو الحل البديل لكنه سيكون اكثر كلفة من صفقة تعقد مع ايران شرط التخلي عن برنامجها النووي تطميناً لجيرانها ولاسرائيل كما طمأنها الدخول العسكري السوري الى لبنان بجعل جبهة الجولان هادئة دوماً وباخراج المسلحين الفلسطينيين من لبنان الى تونس، فإن في استطاعة ايران أن تطمئن اسرائيل، إذا ما كلفت حل الازمة السورية بالتخلي عن برنامجها النووي في مقابل تعهد اسرائيل عقد اتفاق سلام شامل وعادل في المنطقة ينهي النزاع الطويل مع الفلسطينيين والعرب ويوقف سباق التسلح ليبدأ سباق تنفيذ المشاريع الانمائية في المنطقة كي يرتفع مستوى معيشة الشعوب ويقضي على القهر والفقر وهما من أسباب تفشي الارهاب في دول كثيرة.

===================

 النظام السوري وتوسيع دائرة الصراع الطائفي

نصوح المجالي

الرأي الاردنية

14-3-2013

لا أحد يراهن على تفاهم روسي اميركي يؤدي الى حل للأزمة السورية في المدى القريب, لأنه إن حدث سيكون لاستبقاء نظام الاسد مع توسيع هوامشه السياسية وهذا يعني في النهاية اجهاض الثورة السورية واعادة انتاج النظام الاسدي بطريقة اخرى.

ولا أحد يراهن على نصرة العرب للثورة السورية بشكل يقلب الموازين لم يحدث هذا في العامين الماضيين, وان كانت المساعدات العربية قد ساعدت في صمود الثورة السورية الا أن عدم وفاء العرب عادة بالتزاماتهم ونفسهم القصير سيبقى يشكل خطراً على استمرار الثورة السورية اذا طال الصراع بدون حسم، ولا أحد يراهن ايضاً على تدخل اميركي او غربي قريب, فتدمير سوريا يروق للغرب واسرائيل، وكذلك الامر لا يراهن على توافق عربي ايراني لان هذا حكماً سيعني توافقاً شيعياً سنياً, يبدو بعيد المنال فحالة الاصطفاف المذهبي واضحة وحادة في القضية السورية, فسوريا اتكأت سياسياً على الصعود الفارسي الشيعي منذ اوائل الثمانينات عندما تخلت عن رفاق البعث العراقي وانحازت سياسياً وعسكرياً الى ايران الخميني في حربها ضد العراق.

لم يكن ذلك الخيار من قبل حافظ الاسد عفوياً فالرجل كان من اشد الناس ولعاً بالتاريخ ويدرك أن جذور طائفته تذهب الى غلاة الشيعة, التي ذهبت بعيداً الى تألية الامام علي والايمان بتناسخ روحه عبر العصور لتحل في بشر من بعده يَدّعون أن روح الله حلّت بهم وكان اخرهم سليمان المرشد الذي اعدم في عهد الشيشكلي.

ولهذا اعلن الرئيس حافظ الاسد اسلامه على المذهب الاثني عشري الشيعي عام 1974 عندما تسلم رئاسة الجمهورية لاول مرة.

ومن مرارات السنة في سوريا انهم حُكموا ممن يعبدون بشرا من دون الله، ومن مخاوف النظام الاسدي ان السنة يدركون ذلك وان الزمن سيأتي بمواجهة حادة بين النظام العلوي الاقلي والسنة الذين يشكلون خمسة وثمانين بالمئة من سكان سوريا، ومن هنا تبدو حدة المواجهة بين الطرفين وكأنها قضية حياة او موت.

اما شعارات الصمود والمقاومة والممانعة فكانت لستر عورة النظام السوري وانحيازه لغير العرب، ايران تحديدا وشعوره بالخوف من الاغلبية السنية في سوريا ولهذا وجد نفسه يتماهى مع المقاومة الشيعية في جنوب لبنان، يمدها باسباب القوة وتضعه بدورها في صلب المشروع الايراني في العراق وبلاد الشام لأن قوتها تشكل ضعفا للسنة في لبنان والمنطقة، ومددا لنظامه في سوريا، فانهيار النظام السوري سيعيد ترتيب الادوار السياسية بين ايران الشيعية والعرب السنة ليس فقط في سوريا بل في العراق ولبنان والمنطقة وانهيار الثورة السورية سيجعل الهلال الخصيب والخليج تحت الخطر المباشر للمد الايراني ببعديه السياسي والطائفي.

كأن المنطقة تستعيد حروب القرون التي خلت حروب البويهيين الفرس الذين سادوا فارس والمنطقة العربية من 932 - 1055، واسسوا للمذهب الشيعي في المنطقة مع السلاجقة الترك من السنة الذين تصارعوا مع البويهيين على مدى قرن وربع حتى انتصروا عليهم وازالوا دولتهم في عام 1055 ميلادية، وكان ذلك الصراع طائفيا وتركز على تركة الدولة العباسية البلاد العربية منها, ثم تجدد الصراع الطائفي مرة اخرى بين الدولة الصفوية الايرانية الشيعية التي قامت 1501م في فارس والدولة العثمانية السنية والذي استمر 235 عاماً حتى قضى العثمانيون على الدولة الصفوية عام 1736 وخفّت بعدها وتيرة الصراع السياسي الطائفي من منتصف القرن الثامن عشر الى نهايات القرن العشرين, حيث استحضرته مرة اخرى ثورة الخميني عام 1979, وكانت الحرب الايرانية العراقية من تجلياتها وكذلك ما نشهده اليوم من محاولات تصدير الثورة الايرانية لجوارها السني.

قبل يومين أعلن الرئيس بشار الاسد الجهاد لمواجهة الثورة السورية بالتأكيد الدعوة ليست موجهة للشعب السوري ذو الاغلبية السنية, وانما لاستدعاء حلفاء النظام السوري من الشيعة في العالم للانضمام للنظام السوري في قمع ثورة الشعب السوري, وكأنه يريدها حرباً طائفية على أوسع نطاق بعد أن احاط به الخطر حتى مشارف قصره في دمشق.

ولهذا فالأزمة السورية طويلة والغرب واسرائيل يرونها سانحة لحرق سوريا وتدميرها من الداخل, وتداعيات الحرب في سوريا ستكون مكلفة على كل صعيد على سوريا وجوارها العربي.

 

===================

 أمريكا تسمم الثورة السورية

سمير الحجاوي

الشرق القطرية

14-3-2013

الطبخة الأمريكية المسمومة حيال سوريا بدأت تطفو على السطح، وقد عبر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري عنها بقوله: "ما نريده ويريدونه ويريده العالم بأسره هو وقف العنف، نريد أن نتمكن من رؤية الأسد والمعارضة جالسين على الطاولة لإنشاء حكومة انتقالية بحسب إطار العمل الذي وضع في جنيف، بروتوكول جنيف، الذي يتطلب موافقة متبادلة من كلا الطرفين حول تشكيل تلك الحكومة الانتقالية.. هذا ما ندفع من أجله، وحتى يحصل ذلك، لا بد أن يغير الأسد حساباته فلا يظن أنه قادر على إطلاق النار إلى ما لا نهاية، ولا بد أيضاً من معارضة سورية متعاونة تأتي إلى الطاولة، ونحن نعمل من أجل ذلك وسنستمر في ذلك".

منذ الأيام الأولى من الثورة السورية المجيدة كتبت عن النفاق الأمريكي والخطر الأمريكي على الثورة، وهو خطر أشد فتكا من الخطر الروسي، فموسكو اتخذت موقفا علنيا ضد مطالب الشعب السوري، واستخدمت الفيتو في مجلس الأمن مع الصين، وزودت ولا تزال تزود نظام الأسد الإرهابي بأطنان من السلاح والمعدات والذخيرة والمواد الغذائية، أما الولايات المتحدة، فقد توارت خلف المواقف الهلامية والمبهمة، وتطور موقفها من التشويش والارتباك وفقدان البوصلة إلى السير في اتجاه تفكيك الثورة السورية تدريجيا وبطريقة مبطنة مباشرة أو من خلال لاعبين إقليميين.

وتظهر صورة الموقف الأمريكي واضحة على لسان وزير العدل الأمريكي إريك هولدر الذي صرح في الرياض "أن بلاده ترفض تزويد قوات المعارضة السورية بالسلاح لأن عناصر تنظيم القاعدة يشكلون جزءا كبيرا من الجيش السوري الحر". ويضيف مدير المخابرات القومية الأمريكية جيمس كلابر بعدا أكثر عمقا بقوله "إن القوات التي تسعى إلى الإطاحة بشار الأسد تكتسب قوة وتربح أرضا، لكن المعارضة السورية مجزأة وتجد صعوبة في احتواء تدفق المقاتلين المتشددين الأجانب ، وهؤلاء المقاتلون الأجانب يتزايدون، وكثيرون منهم مرتبطون بجبهة النصرة التي اكتسبت قوة في سوريا لأسباب من بينها تقديم خدمات للسكان".

وتذهب التقارير الغربية إلى أن "الأمريكيين والغربيين أكثر انشغالا بتتبع النفوذ المتزايد لجبهة النصرة وغيرها من الحركات الإسلامية وأنشطتهم، ويريدون ضمان ألا يضع هؤلاء أيديهم على أسلحة يمكن أن تهدد المصالح الغربية بما في ذلك الصواريخ أرض جو القادرة على إسقاط الطائرات أو أسلحة كيماوية رغم فعاليتهم على الأرض وقوتهم وقدرتهم على دحر قوات الأسد في مناطق عديدة. وهو هدف تلتقي حوله أمريكا وروسيا وإيران وحزب الله وإسرائيل، أي "كل الأضداد المفترضين".

الولايات المتحدة ليست الطباخ الوحيد "للطبخة المسمومة" فهناك لاعبون آخرون هم بريطانيا وفرنسا وروسيا، وتكشف تصريحات وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ذلك بقوله "عملنا معا على فكرة لم تتحقق بعد تقضي بإعداد لائحة بمسؤولين سوريين تكون مقبولة من الائتلاف الوطني السوري.. ناقشنا هذا الأمر مع الروس والأمريكيين .. هناك اتصالات تجري حاليا للتوصل إلى حل سياسي في إطار اتفاق جنيف حول المرحلة الانتقالية بحضور الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن".

الكيان الإسرائيلي بدوره دخل على الخط بقوة إلى جانب الطباخين الكبار فقد دعا رئيسه شمعون بيريز إلى تدخل عربي في سوريا وإرسال قوة حفظ سلام عربية إلى هناك، وسبب ذلك فسره رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بني غانتز بقوله إن "التنظيمات الإرهابية" التي تضم مقاتلين إسلاميين متطرفين، تقاتل إلى جانب المعارضة السورية عززت وجودها على الأرض. ولذلك أصبح "الوضع في سوريا أصبح خطيرا للغاية. لأن هذه "المنظمات الإرهابية" تحارب ضد الأسد اليوم، لكنها قد تتحول ضدنا مستقبلا"، ولهذا يجب إرسال قوات عربية إلى هناك من أجل حماية إسرائيل طبعا.

"طبخة السم" الأمريكية الروسية الفرنسية البريطانية تشارك فيها إيران وحكومة المالكي وحزب الله، فحسب مصادر استخباراتية خليجية فإن حكومة نوري المالكي بدأت تلعب دوراً نشطاً في إيصال الأسلحة والذخائر الإيرانية إلى نظام بشار الأسد، جواً وبراً. وشغلت محطات التشويش المهملة منذ سقوط صدام حسين، في الموصل والكوت والبصرة والعمارة، من أجل التشويش على قناتي الجزيرة والعربية، للحيلولة دون وصول بث هاتين القناتين إلى الكثير من المدن السورية.

أما في الداخل السوري فإن عناصر حزب الله ومليشيات شيعية عراقية وعناصر من الحرس الثوري الإيراني يقاتلون إلى جانب نظام الأسد، الذي شكل مؤخرا "جيش الدفاع العلوي" على غرار "جيش الدفاع الإسرائيلي".

المعادلة صارت واضحة الآن.. مقاتلون شيعة من إيران والعراق ولبنان يقاتلون دفاعا عن نظام الأسد الإرهابي عسكريا على الأرض، أما على الجبهة السياسية فإن أمريكا وروسيا وفرنسا وبريطانيا تقاتل دفاعا عن الأسد ونظامه أيضا.. كل ذلك من أجل الوصول إلى الهدف النهائي الذي تحدث عنه جون كيري ألا وهو "تشكيل حكومة انتقالية من نظام الأسد والمعارضة" على قاعدة "لاغالب ولا مغلوب"، أو تستمر الحرب في سوريا إلى ما لانهاية.

هذه "الطبخة المسمومة" التي تلعبها القوى الكبرى تذكرنا باتفاق "سايكس – بيكو" المشؤوم قبل قرن من الزمان، وقرار الأمم المتحدة بإقامة " دولة إسرائيل" في فلسطين، قبل 65 عاما، وهي الشرور التي ما زلنا ندفع ثمنها حتى اليوم.

هذه الحقائق تحتم على السوريين والعرب الانتباه لما يقوم به هؤلاء حيال سوريا، وتصعيد الحالة القتالية على الأرض، باعتبارها العمود الفقري لانتصار الثورة السورية، وعدم "بلع الطعم" الأمريكي- البريطاني – الفرنسي، الذي سيكون مغلفا بالوعود البراقة وإعادة بناء سوريا وتعويض المتضررين مقابل إشراك النظام البعثي الطائفي الأسدي في السلطة مع الاستعداد لسحب بشار الأسد من المشهد على الطريقة اليمنية.

الغرب وروسيا مهمومون بالدفاع عن إسرائيل وحماية أمنها ومصالحها، ولا يهمهم حتى لو قتل مليون سوري وتحولت سوريا إلى ركام.. وهذا يحتم على المعارضة السورية وقادة الثورة عدم تصديق الغربيين، وأذنابهم من العرب، والاستمرار في القتال حتى إسقاط نظام الأسد الإرهابي ومؤسساته ومحاكمة رموزه بتهم الإبادة وارتكاب جرائم ضد الإنسانية.. وغير ذلك فإن " الطبخة الغربية المسمومة" لا تعني سوى هزيمة الثورة والمزيد من المعاناة للشعب السوري الذي يقوم بأعظم ثورة شعبية في التاريخ الحديث ودفع دماء 100 ألف شهيد من أبنائه ثمنا للحرية.

===================

«جهاد» دمشق ونفير الحل الخرافي

زهير قصيباتي

الخميس ١٤ مارس ٢٠١٣

الحياة

بين «نفير» و «جهاد» تنتج المحنة السورية أعاجيب في السياسة: أميركا تخشى يأس النظام في دمشق، وإسرائيل «ترأف» بالسوريين المحاصرين بين فصول المجزرة!

فاليأس في عين واشنطن، وحده الذي سيدفع النظام السوري الى استخدام الأسلحة الكيماوية، والضحايا ليسوا من «الجيش الحر» ولا «جبهة النصرة» فحسب. أما الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز الذي تحدث عن المجزرة فلم يذهب بعيداً إلى حد توجيه إنذار الى جامعة الدول العربية: إما أن تتدخلوا لوقفها، وإما أن نتصرف... لإنقاذ السوريين.

محنة الشجعان في سورية، لا تتيح الضحك حيال مهزلة «العلاقات العامة» التي تمارسها إسرائيل في العالم «شفقة» على الضحايا، فيما ضحاياها يموتون بسلاح عنصري لا يقل فاشية عن الديكتاتوريات العربية التي زرعت «أجيالاً» جديدة من إيديولوجيات الحقد والتعصب الطائفي... حتى إذا انهار هيكل السلطة تشظت الأوطان بألغام دويلات عرقية أو دينية- مذهبية.

بعد سنتين على ملحمة الثورة السورية، «اكتشفت» إدارة باراك أوباما ما كان الكرملين سبّاقاً إليه: فليجلس بشار الأسد مع المعارضين، بمن فيهم الكتائب المقاتلة، وتنتهي المأساة. كأن وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي أقنعه زميله الروسي سيرغي لافروف بـ «الحل السحري»، لم يسمع بعد بإصرار الأسد على أولوية إلقاء المعارضين السلاح، ولا بطروحات «الائتلاف الوطني السوري» و «الجيش الحر» المتعلقة بحوار يستكمل دفن النظام.

ومرة أخرى لا يجترح كيري تسوية، وحاله كحال الروس اليوم، فيما يجددون حمايتهم النظام ويصرّون على تنديد «أخلاقي» بالمعارضة، إذ يتهمونها بنسف فرص الحوار. يوهمون العالم بحرصهم على القانون الدولي ورفض التدخل في شؤون دولة مستقلة، ويسقطون في شباك الانفصام، فتصبح «جبهة النصرة» ملايين من المقاتلين، والشعب السوري- أو غالبيته- مجموعات من آلاف المسلحين.

أما الفرنسي فيكتشف أن الطريق الوحيد الى المفاوضات هو توازن قوى بين النظام وخصومه، ليقتنع بأن انتصاره مستحيل. وإذ يقال إن انتصار المعارضة مستحيل أيضاً، رغم اعتراف مدير الاستخبارات الأميركية بـ «ذكاء جبهة النصرة» المصنّفة «إرهابية» لدى الولايات المتحدة، لا يبدو الأميركي ولا الروسي ولا الإيراني- حليف نظام الأسد- قادرين على تسويق معادلة «لا غالب ولا مغلوب». أول الأسباب أن هذه المعادلة مستحيلة ايضاً لدى النظام والمعارضين... الأول لأن حال انفصام بلغت شأوها تجعله يتخيّل سورية «أقوى» بعد سنتين من القتل والمجازر والدمار الهائل، وبذاك يمكنه توهم القدرة على محو أرض المعارضة، كأنها دخيل طارئ على خريطة سورية، وادعاء نشوة التضحية بسبعين ألف سوري للانتصار في الحرب «الكونية».

«لا غالب ولا مغلوب» تتداعى خيالاً لدى المعارضين، وهم لا يقاتلون سعياً الى شراكة مع الديكتاتورية. فأي خيار يبقى إذا تهاوى سريعاً منطق الحوار بمواصفات النظام، فيما يُستبعد أن تصمد جهود الفرنسيين لإعداد لائحة بأسماء المحاورين باسم الحكم، يقبلها و «الائتلاف الوطني»؟ بين السوريين مَن لا يزال يقلُب صيغة السؤال ليصبح: أي محاور يكلفه النظام نعيه؟

وبينهم أيضاً من يرى الحلقات المفرغة تعيد إنتاج ذاتها، كلما بدا أن ورقة الحكومة الموقتة معبر جديد لتفتيت المعارضة المسلحة، بعدما أطاحت اجتماعات لـ «الائتلاف الوطني». بذاك يغسل الغرب يديه مجدداً من خطيئة التخلي عن المدنيين السوريين، ليتركهم بين طائرات النظام وصواريخه، وإغاثات «جبهة النصرة».

هل مِنْ خيار ثالث؟ المبعوث العربي- الدولي الأخضر الابراهيمي ما زال يردد التحذير من النموذج الصومالي، وإسرائيل لا تستبعد كياناً علوياً، في حين تسرِّع فجأة وتيرة التعبئة تستعد كما تعلن لاحتمالات مواجهة شاملة، كأن النظام السوري سيسقط غداً، أو كأنها جاهزة لاستدراج «حزب الله» الى المواجهة.

بين صواريخ النظام وإغاثة «جبهة النصرة»، يختلف قادة «الائتلاف» على شبح التقسيم، وهل تغذيه الحكومة الموقتة. لا وقت للجبهة تهدره بمكائد السياسة، لذلك «تعبّد الطرق وتردم حُفَرها... للمسلمين»، وتنهمك واشنطن بالضغط على المعارضة لتذليل خلافاتها، في حين ينهمك الكرملين باصطياد تجاوزاتها لتشويه سمعتها. وأما صمت طهران بعد حملة ديبلوماسية للترويج للصيغة الإيرانية للحل في سورية، فهو «انكفاء» مرحلي، لأن تسليح النظام لم ينقطع، ولا ينقصه سوى «الجهاد» من أجل الأسد!

«نفير» في مقابل «الجهاد»، خطوط التماس جاهزة لجولة واسعة من التصعيد، والتقتيل، خلالها ستنصرف واشنطن وموسكو الى تنقيح نسخة معدّلة عن صيغة الحل الخرافي للحوار الميت.

===================

سورية بعد عامين: أخطاء الجميع مكاسب للإسلاميين

عبدالوهاب بدرخان *

الخميس ١٤ مارس ٢٠١٣

الحياة

لهذا اليوم، 14 آذار (مارس)، مغزىً سوري خاص. الأكثر شهرةً هو 14 آذار اللبناني الذي أرّخ لولادة تيار وطني استقلالي أفسده تيار التابعين للنظام السوري الذين أرّقتهم نهاية وجود أشبه باحتلال فرضه هذا النظام على لبنان. أما 14 آذار السوري فهو اليوم الأخير ما قبل الثورة، اليوم الذي يحلم النظام بأن يعود اليه وبأن يعيد الأوضاع في سورية الى ما كانت عليه. خلال عامين استطاع أن يثبت شيئاً واحداً: إنه كان معنياً بالسلطة فحسب وليس بسورية. لذا لم يعامل بلده كأي عدو، بل سلّط عليه ترسانته للثأر منه وإعادته الى أسوأ مما تركه عليه أقسى الغزاة.

ولا في أي لحظة طوال العامين خطر لشخوص النظام أنهم قد يكونون، أو بالأحرى، أخطأوا فعلاً. فهم حتى لا يصارحون أنفسهم، وطبعاً لا يتصارحون، وإنما يمعنون في التكاذب حول كذبة يعلمون أنهم اخترعوها وغرقوا فيها، ولم يعد يهمهم سوى أن يُغرقوا سورية والسوريين فيها. كانت الثورة في بدايتها على شيء من البساطة، بل السذاجة، لكن سفك الدماء الذي أراد اخمادها هو الذي استنهضها، وسرعان ما أدرك الشعب أنه بدأ الصخرة صعوداً ليسقط بها النظام الى الهاوية، لكنه اذا ضعف أو تعب أو تخاذل، فإن هذه الصخرة ستتدحرج عليه لتسحقه، ولذلك لن يكون هناك تراجع.

كان النظام قد زرع الثكن والقواعد في كل الأرجاء، ليس تحسباً للعدو الاسرائيلي الذي هادنه، بل استعداداً لحرب على الشعب كانت لا بدّ آتية. لكن هذه الخطط التي أمضى عقوداً في رسمها تبدو الآن كأنها تخدم الثوار، فمعظم انجازاتهم الميدانية تمّت بالسلاح الذي غنموه من مخازن النظام. وحتى «عسكرة الثورة» أخطأ في تقدير أنه سيستغلّها ثم يضربها ليحسم الموقف لمصلحته. والآن أصبح مطلبه الوحيد أن توقف هذه الدول أو تلك تمويل المعارضة وتسليحها... لتمكينه من إبادتها، ناسياً أنه لم تكن هناك معارضة ذات اسم وأنه ترك شهوراً طويلة من دون أن يسأله أحد شيئاً سوى أن يتوقف عن القتل ويجنح الى السياسة، بل إنه من أجل الاستمرار في القتل استهزأ بكل الوساطات وراح يراوغ المبادرات العربية ثم الدولية التي يعلم جيداً أنها لا يمكن أن تحافظ على تسلّطه وأنها تطمح الى بناء نظام بديل.

لم تكن هناك «مؤامرة»، واذا وجدت فقد اتّضح منها توجّهان: الأول منح النظام كل الوقت والفرص ليحسم عسكرياً أو ليجري جراحة سياسية انقاذية لنفسه تحرج معارضيه الذين لم يمدّهم «أصدقاؤهم» بخيارات كثيرة. أما الثاني، وبعدما ركب النظام رأسه، فمنحه ولا يزال كل الوقت والفرص ليدمّر كل المدن والبلدات ويدفع أربعة الى خمسة ملايين من السوريين خارج بيوتهم أو خارج الحدود، أما المقاومة التي يلقاها من الشعب (بما فيها من دعم خارجي) فكانت في البداية رد فعل على عنفه ثم دفاعاً عن النفس قبل أن تصبح فعلاً وحرب مواقع يخسرها الواحد تلو الآخر. وعلى رغم عنت النظام ووحشيته، دأبت القوى الدولية على ابلاغه أنها لا ترى الحل إلا سياسياً، أي بمشاركته، وهو لا يراه إلا بإشرافه وتحت سقفه، أي أنه لا يعترف بأي مسؤولية عن الدم والدمار وتشريد الشعب.

كانت الادارة الدولية ولا تزال عنصراً مساعداً للنظام، فالولايات المتحدة وروسيا تتنافران اعلامياً وتتفقان فعلياً على ما تريدانه (أمن اسرائيل، الذي كان النظام ضامناً فعلياً له) وما لا تريدانه (صعود التيارات الجهادية المتصلة بـ «القاعدة» أو المتعاونة معها). ما تغيّر أخيراً أن الطرف الثالث، الايراني، الموجود منذ اليوم الأول في كواليس النظام، بات شريكاً مخططاً وفاعلاً في قراراته، وكشف حدود النفوذ الروسي. وعليه، أصبحت الأزمة على شفا أن تتفجّر اقليمياً، بل قطعت شوطاً كبيراً في الارتباط بالأزمتين العراقية واللبنانية. وفي المقابل، تعاظم النشاط الميداني لجهاديي «جبهة النصرة»، و «الجبهة الاسلامية» وفرعها المسمّى «حركة أحرار الشام»، و «جبهة تحرير سورية الاسلامية» و «تجمع أنصار الاسلام» في دمشق وريفها، فضلاً عن عدد آخر الفروع، وقد استفادت جميعاً من خبرة تنظيمات عراقية وفلسطينية ومن جنسيات اخرى كثيرة للتدريب والتصنيع العسكري وتشغيل الآليات.

في الحالين، أدركت القوى الدولية فداحة الأخطاء التي ارتكبتها في «لا ادارتها» للأزمة، اذ أوصلتها الى الوضع الذي ارتسمت فيه كل عناوين الاستحالات: الحسم العسكري، الحل السياسي، الحفاظ على الدولة والجيش، حماية الأقليات، وجدة الشعب والأرض... واستطراداً: استحالة الاستقرار الاقليمي، وبالتالي: استحالة استبعاد أي خطر عن اسرائيل. كل هذه النتائج حتّمت عودة الاميركيين الى خيار «المعارضة المعتدلة» أو «الصديقة» آملين في تغيير المعادلة والوصول الى وهم «اقناع» بشار الاسد أي تنازلاته، بالنسبة الى «الحل السياسي»، لكنهم تأخروا كثيراً. فعندما قُدّم الى باراك اوباما اقتراح التسليح أو على الأقل تشجيع «الجهات الحليفة» على التسليح، كان ذلك بناءً على دراسة شاملة للأرض، لكنه عارض بشدّة مفسحاً في المجال للروس كي يظهروا ما يستطيعونه مع النظام. لكن معطيات الأرض تغيّرت الآن، اذ كان مقاتلو المعارضة الجهادية الأسرع في اليأس باكراً من المجتمع الدولي، واعتمدوا على مواردهم ومصادرهم، وتجاوزوا «الجيش السوري الحر» الذي اهتم خلال شهور بالحفاظ على نفسه لكنه تضرّر كثيراً من التهميش الدولي، حتى أن النشاط المستجد لإنعاشه والمراهنة عليه يمكن أن يضعه في مواجهة مع الجهاديين، لذلك حرص رئيس «القيادة المشتركة» العميد سليم ادريس على أن يكون واقعياً في افادته أمام الاتحاد الاوروبي، اذ اعترف بالخلاف مع «جبهة النصرة» لكنه يدعم ما تحققه ميدانياً.

في الجانب السياسي، ومع ادراك القوى الدولية حقائق القصور البنيوي الذي انطلقت منه المعارضة، إلا أنها لم تتوصل الى بناء أي خطط مجدية لمساعدتها على الانتظام ومراكمة الخبرات. وفي المقابل، لم تتمكن أطياف المعارضة من توحيد جهودها ولا التلاقي وحل اشكالات الداخل والخارج تحت خيمة برنامج موحد أولويته الخلاص من النظام. والواقع أن التفاني الأسطوري في الصمود والمقاومة والتضحية في الداخل لم يكن هناك ما يوازيه في معارضة الخارج، بل قابله تنافس على المناصب وتنابذ بين الفصائل منعا بروز قيادة أو زعامة معترف بها ولو موقتاً، كما حالا دون توظيف جيّد لتوزيع الأدوار والمهمات. وكانت العاهات ذاتها عوّقت وأخّرت توحيد المجالس العسكرية على رغم الحاجة الماسة الى خطوة استراتيجية كهذه. صحيح أن وضع الائتلاف تحسّن أخيراً، لكن اللغط الحاصل حول مسألة تشكيل «حكومة موقتة» أو «هيئة تنفيذية» كشف مخاوف من الصلاحيات التي يجب أن تتمتع بها وإمكان أن تصبح العنوان الجديد الذي يتعامل معه العالم فتحجب «الائتلاف» الذي كان حجب «المجلس». وفي أي حال، لا تزال القوى الدولية تخشى تفعيل «الحكومة» المعارضة لئلا تكون الخطوة الحاسمة في تقويض الحل السياسي الذي يفترض، وفقاً لـ «اتفاق جنيف»، أن ينطلق بـ «حكومة ذات صلاحيات كاملة» وقد رفضها الرئيس السوري.

كل أخطاء النظام والمعارضة والقوى الدولية أفادت طرفاً واحداً هو في الحقيقة أطراف تعكس تيارات جهادية سلفية ذات مرجعيات سياسية وتمويلية متنوعة. وعلى رغم أن هذه الأطراف غير موحّدة، إلا أنها أظهرت فاعلية قتالية ملموسة على الأرض، واستبقت حكومة المعارضة بإنشاء «هيئات شرعية» في المناطق المحرّرة. حتى أنها حفّزت النظام على الإيعاز للمفتي أحمد بدر حسون كي يدعو الى الجهاد المضاد لمصلحة النظام، أو لتغطية ما تروّجه مصادره عن «هجمات كاسحة» يعدّ لخوضها بواسطة «مجاهدي» الايرانيين وتوابعهم.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ